الصفحة 11

مقدّمة المركز

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق اللّه أجمعين ، أبي القاسم محمّد، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً، واللعن الدائم على أعدائهم والناصبين لهم العداء إلى يوم الدين .

الحمدُ للّه على إكمال الدين، وإتمام النعمة، الحمد للّه الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية سيدنا ومولانا أمير المؤمنين على بن أبي طالب، وأولاده المعصومين، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين

بين يديك، أيّها القارئ الكريم، المجلّد الخامس من هذه الموسوعة المباركة "موسوعة من حياة المستبصرين"، والذي يضمّ بين دفتيه ترجمة مجموعة أُخرى من الذين ركبوا سفينة النجاة، واختاروا السير على نهج سيّدنا أمير المؤمنين، وسيّدتنا فاطمة الزهراء، وأولادهما المعصومين(عليهم السلام)، بعد أن قضوا ردحاً من الزمن يتعبّدون الله بمذهب آخر.

لكنّهم، وبعد بحث عقائدي عميق، وتتبّع لأدلّة المذاهب الإسلامية الأخرى، تولّدت عندهم القناعة الكاملة بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فأعلنوا استبصارهم، وركبوا سفينة النجاة، سفينة علي وأولاده المعصومين(عليهم السلام)، وقد جنّدوا أنفسهم لتحمّل المصاعب والمضايقات الاجتماعية، بل حتّى وصل الأمر بهم إلى اتهامهم بالكفر والخروج عن الدين، فصبروا واحتسبوا ذلك في سبيل اللّه .


الصفحة 12

ويحتوي هذا المجلّد على ترجمة مائة وواحد وثلاثين مستبصراً، موزّعين على عدّة دول هي: أندونيسيا، أوزبكستان، أوكرانيا، أوغندا، إيران، ايطاليا.

وختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكلّ الإخوة الأعزاء، أعضاء مركز الأبحاث العقائدية الذين ساهموا في إخراج هذا المجلّد من هذه الموسوعة، للّه درّهم وعليه أجرهم.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

21 ذو القعدة 1428 هـ

Site.aqaed.com/Mohammad

muhammad@aqaed.com







الصفحة 13

(1) أبو بكر الهندوان

(شافعي ـ أندونيسيا)

ولد في "أندونيسيا"(1) بمدينة "بنكلان"، ونشأ في أجواء غذّته عقيدة أهل السنّة وفق المذهب الشافعي، فترعرع في هذه الأجواء حتّى ارتقى وعيه الديني، فتوجّه نحو البحث في الصعيد العقائدي ليتحرّر من موروثاته الفكريّة ويشيّد عقيدته على أساس الحجج والبراهين.

وفي ضمن البحث تعرّف "أبو بكر" على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فجذبه هذا المذهب، وسدّ له الكثير من الفراغات الفكريّة التي كان يعاني منها ولم يجد لها جواباً عند مذهب أهل السنّة.

من هم أهل السنّة؟

كان يظنّ "أبو بكر الهندوان" بأنّه من أتباع أهل السنّة التي جاء بها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنّ مذهبه هو المذهب الوحيد الذي يهتّم بسنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) بخلاف المذاهب الإسلاميّة الأخرى.

ولم يشكّ أبو بكر بأنّ سنةّ الرسول(صلى الله عليه وآله) تمثّل المصدر الأساسي للتشريع وأنّها نابعة من الوحي الإلهي لقوله تعالى حول رسول الله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ

____________

1- أندونيسيا: تقع في جنوب شرق آسيا، يبلغ عدد سكانها (225) مليون نسمة، وتعتبر من أكبر الدول الإسلامية من حيث النفوس، والشيعة تتواجد في هذا البلد حيث يقدر عددهم بمئات الآلاف، والجدير ذكره أن تاريخ التشيع في هذا البلد بدأ منذ القرن الرابع الهجري على يد أحفاد عليّ بن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، لا سيما السيد أحمد بن عيسى بن محمّد ابن عليّ بن الإمام الصادق(عليه السلام).


الصفحة 14

إلاّ وَحْيٌ يُوحَى}(1) ولقول الرسول(صلى الله عليه وآله) كما جاء في القرآن الكريم: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}(2).

ولكن التساؤل الذي يطرأ في ذهنيّة الباحث هو أنّ الخليفة الثاني لماذا طرح فكرة "حسبنا كتاب الله" قبيل وفاة النبي(صلى الله عليه وآله)، وهذه القضيّة ممّا لا تخفى على أحد، وقد رواها البخاري في صحيحه وذكرها ابن عبّاس، ونصّ الرواية كما يلي:

"لمّا حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبيّ(صلى الله عليه وآله): هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال عمر: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي(صلى الله عليه وآله)كتاباً لن تضلّوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي(صلى الله عليه وآله) قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوموا.

قال عبيدالله: وكان ابن عباس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله)وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم"(3).

هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يخفى بأنّ عمر بن الخطاب بل قبله أبا بكر منعا الناس من تدوين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) واستمرّ هذا المنع لفترة طويله بعدهما.

فإذا كان أتباع عمر بن الخطاب مهتمّين بسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فما هو الداعي لزعيمهم أن يقف بوجه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويمنعه من كتابة الحديث ويرفض السُنّة ويقول "حسبنا كتاب الله".

وإذا كان عمر بن الخطاب هو المهتمّ بسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلماذا منع الصحابة من تدوين أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله):

____________

1- النجم (53): 3 ـ 4.

2- الأنعام (6): 50.

3- صحيح البخاري 4 / ح 5669.


الصفحة 15

عقيدة مذهب أهل البيت حول سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله):

إنّ مذهب أهل البيت(عليهم السلام) يعتقد بأنّ سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) تمثّل الأصل الثاني من أصول التشريع، وأنّ الله تعالى أمر الرسول(صلى الله عليه وآله) ببيان هذه السنّة إلى الناس ومحاولة حفظها وصيانتها من التحريف، ثمّ وكلّ الله تعالى أمر حفظ السنّة إلى أهل البيت(عليهم السلام)بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فحفظ أهل البيت سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحاولوا صيانتها من التحريف وبقوا المصدر الوحيد الذي يمكن الوثوق به لتلقّي سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وذلك لأنّ الله تعالى اصطفاهم ليكونوا حجّته على خلقه بعد رسول الله، فعصمهم بعصمته وجعلهم المصدر لحفظ ما جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله).

ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنّ سنّة النبيّ المنقولة عن طريق أهل البيت(عليهم السلام)أوثق من المصادر الأخرى التي تدخّلت بها أيدي السياسة وتلاعبت بها أيدي المغرضين من أجل صياغتها وفق أغراضها ومآربها السياسيّة.

ولا يشكّ الباحث بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد اهتمّ بأهل البيت(عليهم السلام) في أقواله وأحاديثه، كما لا يشكّ الباحث بعداء بني أميّة لأهل البيت(عليهم السلام)، ومن هنا فإنّنا إذ نجد بأنّ بني أميّة لا تسمح بحرّية نشر أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) فإنّ الغرض الأساسي منه أنّها كانت مخالفة لنشر فضائل أهل البيت(عليهم السلام) وبما أنّ أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله)متضمّنة لهذه الفضائل فلابدّ من التعامل بحذر مع هذه الأحاديث، ولابدّ من منع تدوينها ليتمّ بمرور الزمان حذف ما لا يبتغيه التيّار الحاكم من هذه الأحاديث.

أخذ السنّة من أهل البيت(عليهم السلام):

اكتشف "أبو بكر الهندوان" من خلال بحثه، بأنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم أفضل مصدر لمعرفة سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وعرف بأنّ السبيل للاعتصام من الضلال هو التمسّك بالقرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام)، وهذا ما يشير إليه حديث الثقلين.

ومن هنا اتّخذ "أبو بكر الهندوان" قراره النهائي، فتمسّك بالثقلين، واتّبع بعد


الصفحة 16

ذلك مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وكان استبصاره في الثمانينات للميلاد.

نشره لمعارف أهل البيت(عليهم السلام):

تبيّن لـ "أبي بكر الهندوان" بعد اكتشافه، أنّه كان ضحيّة الإعلام الذي نشره بنو أميّة وبنو العبّاس، وعرف بأنّ السبب الأساسي لابتعاد الأوائل عن أهل البيت(عليهم السلام)هو الاستيلاء على الحكم، ولكن الذين جاؤوا بعد ذلك فإنّ سبب ابتعادهم عن أهل البيت(عليهم السلام) هو عدم معرفتهم لأهل البيت(عليهم السلام) لأنّ الحكومات الجائرة السابقة حاربت أهل البيت(عليهم السلام)واضطهدتهم وأبعدتهم وقامت بقتلهم وقتل شيعتهم.

ورأى "أبو بكر الهندوان" بأنّ وظيفته أن يقوم بتوعية الناس وإلفات نظرهم إلى الحقائق التي كتمتها الحكومات الجائرة.

ومن هنا توجّه إلى نشر معارف أهل البيت(عليهم السلام)، وبدأ بنشر فضائلهم ومكانتهم ومنزلتهم عند الله تعالى، وبهذه الطريقة تمكّن من كشف الكثير من الحقائق للذين كانوا في غفلة عنها، وهو لا يزال سالكاً سبيل توعية الآخرين ولا يزال داعياً للحقّ في سبيل الله تعالى.


الصفحة 17

(2) أحمد حافظ الكاف

(شافعي ـ أندونيسيا)

ولد سنة 1294هـ (1975 م)، في مدينة "باكلونجن" بأندونيسيا ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ تخرّج من الدورة الدراسيّة في المعهد الإسلامي في بانجيل بأندونيسيا.

بحث عدالة الصحابة يمهّد الطريق إلى الاستبصار:

توفق لاعتناق مذهب آل البيت(عليهم السلام) بعد بحوث مطولّة وتحقيقات واسعة حول عدالة الصحابة حيث أنّ معظم أهل السنّة يؤمنون بعدالتهم جميعاً وعدم جواز الخدش في عدالة أي منهم لأنّهم نقلة حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)وإذا خُدشت عدالتهم فسينتفي الاطمئنان بسنّة الرسول(صلى الله عليه وآله)حسب ما يدّعون .

ويرى الشيعة عدالة بعضهم وعدم عدالة البعض الآخر وذلك لوجود المنافقين والناكثين والقاسطين والمارقين فيهم .

كان "أحمد حافظ" ذات يوم جالساً مع بقيّة الطلبة في الصف يصغي إلى ما يقوله الأستاذ في درس علم الحديث في كتاب "رياض الصالحين" فتناول الأستاذ مسألة عدالة الصحابة وصرّح بعدم عدالة جميع الصحابة وأنّ الحروب قد وقعت بينهم، وأنّ بعضهم خرج على إمام زمانه، وكان هذا الكلام غريباً وجديداً على مسامع "أحمد" ممّا جعله يناقش الأستاذ في ذلك.

ذهب "أحمد" إلى العلماء الكبار في مذهبه وسألهم عن قضيّته عدالة الصحابة، فصرّحوا له بعدم جواز القدح بأحد من الصحابة، فقبل ذلك منهم تقليداً وظلّ متحيّراً في هذه القضيّة، خاصّة بعد مطالعته حول هذا الموضوع واكتشافه


الصفحة 18

أنواع المخالفات للشريعة التي صدرت من بعض الصحابة ثمّ التقى "أحمد" ذات يوم بأحد أصدقائه، وذكر له ما يعاني من البحث في هذه المسألة، فذكر له هذا الصديق وجود طائفة إسلاميّة تسمّى الشيعة، وهم لا يعتقدون بعدالة جميع الصحابة ومن هنا بدأ "أحمد" بالسؤال عن الشيعة وعن مذهبهم وأدلّتهم وخصوصاً في هذه المسألة فالتقى ببعضهم وحاورهم، وأرشده بعضهم إلى بعض الكتب التي تبيّن موقف الشيعة في هذا المجال فقرأ بعضها مثل (أصل الشيعة وأصولها) و(بحث حول الولاية) و (عقائد الإمامية) فاقتنع بأدلّة الشيعة في هذه المسألة. ثمّ قرأ الكثير من كتب الشيعة الأخرى إلى أن توفّق للاستبصار بعد سنتين من البحث.

الشيعة والصحابة:

أجمع المسلمون على أنّ الله تعالى فرض عداوة أعدائه، وولاية أوليائه، وأنّ البغض في الله واجب. والحبّ في الله واجب... وعلى هذا سارت الشيعة تبعاً لسيرة أئمّتهم الطاهرين(عليهم السلام)، فهم يوالون ويودّون صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذين نصروا الإسلام في أحلك الظروف، ووقفوا إلى جانب الرسول(صلى الله عليه وآله) يحامون عنه، وقد هجروا الأهل والعشيرة وتعرّضوا لأنواع المآسي والمحن; ومن هنا تؤمن الشيعة وتعتقد أنّ مودّتهم واجبة، وعداوتهم خروج عن مبادى الدين.

أمّا الذين انقلبوا على أعقابهم، وحادوا في سلوكهم عن مبادىء الإسلام واتّبعوا الهوى، فكان موقف الشيعة منهم موقفاً يمليه الواجب الشرعي فأعلنوا كراهيّتهم وبغضهم لهم حفظاً للدين، وحماية لسمعة الرسول(صلى الله عليه وآله).

وليس من الصحيح حملهم على الصحّة والتماس المعاذير لأعمالهم المخالفة لهدى الإسلام وتعاليمه، فإنّ في ذلك ضربٌ لقيم الإسلام العظيمة وأهدافه الشامخة وتجميدٌ لحكومة العقل السليم والمنطق القويم.


الصفحة 19

فإنّ أمثال أبي سفيان عميد الأسرة الأمويّة الذي حارب الرسول(صلى الله عليه وآله) ولم يسلم إلاّ باللسان ولمّا يدخل قلبه الإيمان وابنه معاوية ملك الشام وصاحب الموبقات العظام، وعمرو بن العاص شريك معاوية في الآثام، كيف نجعلهم من الصحابة الكرام، ونلحقهم بجمع المؤمنين المتمسّكين بمبادىء الإسلام.

الصحبة والعدالة:

إنّ صحبة النبيّ(صلى الله عليه وآله) رغم شرفها وفخرها لا توجب العصمة من اقتراف السيّئات والذنوب في ميزان العلم، والحكم بعدالة جميع الصحابة خال من الحقيقة، ومجاف لسيرة المنحرفين عن الرسول(صلى الله عليه وآله) ولا دليل له سوى تبرير ما ارتكبه بعض الصحابة من انحراف عن القرآن والسنّة الشريفة وهو أمر لا يقبل به الإسلام.

إنّ الحكم بأنّ الصحابة أجمعين أكتعين في أعلى مراتب الإيمان واليقين مرفوض; لتصادمه مع القرآن والسنّة اللذين وصفا بعض الصحابة بالفسق والنفاق والارتداد.

إنّ الإسلام جعل الإنسان مسؤولاً في جميع فترات حياته عمّا يعمله من خير أو شرّ، فإن عمل خيراً فيتنعم به، وإن عمل شرّاً فيُعذّب به، قال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ للإِنسَانِ إلاّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}(1) وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ}(2).

وقال الرسول(صلى الله عليه وآله): "لو عصيت لهويت"(3).

فلا محاباة في الإسلام لأحد، ولا كرامة إلاّ بالتقوى وعمل الخير، فالصحابي وغيره من أبناء الإسلام سواء أمام الله تعالى وأمام شريعته. والصحابي المقترف

____________

1- النجم (53): 39 ـ 40.

2- الزلزلة (99): 7 ـ 8.

3- الإرشاد، الشيخ المفيد: ج1،ص18.


الصفحة 20

للذنوب والمعاصي والجرائم كمعاوية وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب لا تنفعهم صحبة النبي(صلى الله عليه وآله) ولا تجديهم رؤيته وسماع حديثه وهم مسؤولون عمّا اقترفوه أمام الله تعالى.

دعاء الإمام زين العابدين(عليه السلام):

إنّ الصحابة الذين أوفوا بالعهد واتّبعوا نبيهم(صلى الله عليه وآله) ولم يخالفوه في ما أمرهم به وجاهدوا في سبيل الله تعالى. لإظهار كلمته وإعلاء رسالته، كلّ أولئك كانوا ولا زالوا موضع احترام وتقديس في نفوس الشيعة الإماميّة.

وهم في ذلك يمتثلون ما قرّره أئمّتهم(عليهم السلام) بشأن الصحابة، فقد ورد عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) دعاء خاص لصحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال فيه: "اللّهم وأصحاب محمّد خاصّة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له، حيث أسمعهم حجّة رسالته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبّته يرجون تجارة لن تبور في مودّته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنس لهم اللّهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، وأشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم"(1).

ومن المؤكّد أنّ دعاءه(عليه السلام) لا يشمل المنافقين والشاكيّن في دين الإسلام.

كلام للإمام شرف الدين حول الصحابة:

إنّ الإمام شرف الدين من أبرز أعلام الشيعة وهو من العلماء المجاهدين،

____________

1- الصحيفة السجادية: 43 ـ 45، الدعاء الرابع.


الصفحة 21

وقد قال حول الصحابة: "إنّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه من أوسط الآراء إذ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثّقوهم جميعاً، فإنّ الكاملية ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم قالوا: بكفر الصحابة كافّة، وقال أهل السنّة بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ أو رآه من المسلمين مطلقاً، واحتجّوا بحديث "كلّ من دبَّ ودرج منهم أجمعين أكتعين" أمّا نحن فإنّ الصحبّة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنّها بما هي من حيث هي غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤها وعلماؤها، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال فنحن نحتجّ بعدولهم ونتولاّهم في الدنيا والآخرة.

أمّا البغاة على الوصيّ وأخي النبيّ(صلى الله عليه وآله) وسائر أهل الجرائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطأة، وأمثالهم فلا كرامة لهم ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقّف فيه حتّى نتبيّن أمره.

هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة، والكتاب والسنّة بيّنتا هذا الرأي كما هو مفصّل في مظانّه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كلّ من يسمّونه صحابيّاً حتّى خرجوا عن الاعتدال، فاحتجّوا بالغثِّ منهم والسمين واقتدوا بكلّ مسلم سمع من النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو رآه اقتداءً أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلوّ، وخرجوا من الإنكار على كلّ حدّ من الحدود، وما أشدّ إنكارهم علينا حتّى يروننا نردّ حديث كثير من الصحابة مصرّحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينيّة، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة، وبهذا ظنّوا بنا الظنونا فاتّهمونا بما اتّهمونا رجماً بالغيب وتهافتاً على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليها. ولو تدبّروا القرآن


الصفحة 22

الكريم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم وحسبك سورة التوبة والأحزاب"(1).

هذا هو رأي الشيعي المعتدل الذي يوالي ويبغض في الله وفق المناهج العلميّة ولا يقف من الصحابة موقفاً عاطفيّاً بدون ميزان، وهذا الرأي منهم ليس فيه انحراف عن الإسلام كما يدعي مخالفوهم.

رأي الدكتور طه حسين:

إنّ للدكتور طه حسين عميد الأدب العربي رأياً في الصحابة يفنّد فيه آراء البعض الذين ذهبوا إلى أنّ أكثر الأحداث التي وقعت في أيّام عثمان بن عفان مفتعلة ومكذوبة وإنّما تكلّفها المتكلّفون للكيد للإسلام، والنيل من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

قال الدكتور طه حسين:

"وأكثر الذين يذهبون هذا المذهب ـ أي أفتعال الأحداث ـ إنّما يدفعون إليه لأنّهم يقدّسون ذلك العصر من عصور الاسلام، ويكرهون أن يحملوا على أصحاب النبيّ ما يحمل عادة على الذين يستقبلون أمور الدنيا بما في نفوسهم من استعداد للمنافسة، والاصطراع حول أعراض وأغراض لا تلائم قوماً صحبوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأبلوا في سبيل الله أحسن البلاء وأسّسوا الدولة بما أنفقوا في ذلك من دمائهم وأموالهم وجهودهم فهم يخطئون ويصيبون، ولكنّهم يجتهدون دائماً، ويسرعون إلى الخير دائماً، فلا يمكن أن يتورّطوا في الكبائر، ولا أن يحدثوا إلاّ هذه الصغائر التي يغفرها الله للمحسنين من عباده، وقليل من الذين يرون هذا الرأي، ويذهبون هذا المذهب، يدفعون إلى ذلك بحكم الكسل العقلي الذي يمنعهم من البحث والدرس والاستقصاء.

____________

1- أجوبة مسائل جار الله، السيد شرف الدين، ص15.


الصفحة 23

وقوم آخر يريحون أنفسهم نوعاً آخر من الإراحة فيستبعدون أن تقع هذه الأحداث والفتن من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) ويرون أنّها مؤامرات دبّرها الكائدون للإسلام كعبدالله بن سبأ ومن لفّ لفّه من أهل الكتاب وغير أهل الكتاب.

وواضح جداً أنّنا لا نستطيع أن نذهب هذا المذهب أو ذاك فنحن لا نحبّ الكسل، ولا نطمئن إلى الراحة، ولا نغلوا في تقديس الناس إلى هذا الحدّ البعيد، ولا نرى في أصحاب النبيّ ما لم يكونوا يرون في أنفسهم، فهم كانوا يرون أنّهم بشر يتعرّضون لما يتعرّض له غيرهم من الخطايا والآثام، وهم تقاذفوا التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روي أنّ عمّار بن ياسر كان يكفّر عثمان ويستحلّ دمه، ويسمّيه نعثل، وروي أنّ ابن مسعود كان يستحلّ دم عثمان أيّام كان في الكوفة، وهو كان يخطب الناس فيقول: إنّ شرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار، يعرّض في ذلك بعثمان وعامله الوليد... وروي أنّ عبدالرحمن بن عوف قال لبعض أصحابه في المرض الذي مات فيه عاجلوه قبل أن يطغى ملكه. والذين ناصروا عثمان من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) كانوا يرون أنّ خصومهم قد خرجوا على الدين، وخالفوا عن أمره، وهم جميعاً قد استحلّوا أن يقاتل بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضاً يوم الجمل ويوم صفّين إلاّ ما كان من سعد وأصحابه القليلين.

وإذا دفع أصحاب النبيّ أنفسهم إلى هذا الخلاف، وتراموا بالكبائر وقاتل بعضهم بعضاً في سبيل الله(1) فما ينبغي أن يكون رأينا فيهم أحسن من رأيهم في أنفسهم وما ينبغي أن نذهب مذهب الذين يكذّبون أكثر الأخبار التي نقلت إلينا، ما كان بينهم من فتنة واختلاف، فنحن إن فعلنا ذلك لم نزد عن أن نكذب التأريخ

____________

1- قتال الصحابة بعضهم لبعض في سبيل الله لا يخلو من نظر، فمن المؤكّد أنّ بعضهم قاتل من أجل الأطماع كطلحة والزبير، فضلاً عن معاوية الذي صرّح بأنّه قاتل أهل العراق من أجل التأمّر عليهم ولا يهمّه صلاتهم وصومهم.


الصفحة 24

الإسلامي كلّه منذ بعث النبيّ، لأنّ الذين رووا أخبار هذه الفتن هم أنفسهم الذين رووا أخبار الفتح وأخبار المغازي وسيرة النبيّ والخلفاء، فما ينبغي أن نصدّقهم حين يروون ما يروقنا، وأن نكذّبهم حين يروون ما لا يعجبنا، وما ينبغي أن نصدّق بعض التأريخ ونكذّب بعضه الآخر لا لشيء إلاّ لأنّ بعضه يرضينا، وبعضه يؤذينا وما ينبغي كذلك أن نصدّق كلّ ما يروى أو نكذّب كلّ ما يروى، وإنّما الرواة أنفسهم ناس من الناس يجوز عليهم الخطأ والصواب، ويجوز عليهم الصدق والكذب، والقدماء أنفسهم قد عرفوا ذلك وتهيّئوا له، ووضعوا له قواعد التعديل والتجريح والتصديق والتكذيب، وترجيح ما يمكن ترجيحه، وإسقاط ما يمكن إسقاطه، والشكّ فيما يجب الشكّ فيه، فليس علينا بأس من أن نسلك الطريق التي سلكوها، وأن نضيف إلى القواعد التي عرفوها ما عرف المحدّثون من القواعد الجديدة التي يستعينون على تحقيق النصوص وتحليلها وفقهها(1).

إذن الحكم بعدالة جميع الصحابة يتنافى مع مجرى الأحداث التأريخيّة التي مرّت بهم، والفتنة الكبرى التي وقع فيها المسلمون كانت من أعمالهم وآثارهم، فهل يجوز الحكم بعدالتهم جميعاً؟!

إنّ الذي تذهب إليه الشيعة من أنّ بعض الصحابة عدول والبعض الآخر ليس كذلك يلتقي مع العقل والمنطق والوجدان.

نشاطاته:

1 ـ عمل "أحمد حافظ الكاف" مدّرساً في المعهد الإسلامي في "بانجيل" لنشر علوم آل البيت(عليهم السلام) وهداية الطلاّب إلى التمسّك بولائهم.

2 ـ اهتدى على يديه الكثير من الإخوة الأندونيسيّن إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)نتيجة نشاطاته التبليغيّة المستمرّة.

____________

1- الفتنة الكبرى.


الصفحة 25

3 ـ ترجم العديد من الكتب إلى اللغة الأندونيسيّة كما ألّف بعض الكتب الأخرى نذكر منها: أ ـ ترجمة كتاب فرق الشيعة للنوبختي.

ب ـ ترجمة بعض كتب الأدعية.

ح ـ تأليف كتاب مراتب التوحيد.

د ـ تأليف رسالة في "حديث المنزلة".

4 ـ تعرّض لمضايقات كثيرة منها قطع الراتب الشهري الذي كان يستلمه من الرابطة الإسلامية ومقاطعة بعض أقاربه وأصدقائه له، وخصوصاً في عقد زواجه كما تعرّض إلى محاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة وكلّ ذلك لم يمنعه عن مواصلة طريق ذات الشوكة قربة إلى الله تعالى.

5 ـ هاجر إلى إيران للدراسة في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة وطلب علوم آل البيت(عليهم السلام).


الصفحة 26

(3) أحمد زكي

(شافعي / أندونيسيا)

ولد عام 1392هـ (1973م) في أندونيسيا بالعاصمة "جاكرتا"، وكان في بادىء أمره شافعيّاً، ثمّ تعرّف على أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فغيّر انتماءه المذهبي وتشيّع، وكان من أهمّ أسباب استبصاره البحث المقارن بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي.

حقيقة التأريخ الإسلامي:

اكتشف "أحمد زكي" من خلال البحث بأنّ علماء المذهب السنّي يحاولون إخفاء الكثير من الحقائق الموجودة في التأريخ الإسلامي حفاظاً على المسلّمات الموروثة التي يعتقدون بها وخشية أن تهتزّ دعائم الأسس التي يعتمدون عليها في بناء عقائدهم الدينيّة.

فعرف "أحمد زكي" بأنّ المنهج السنّي يؤكّد على وجوب قراءة التأريخ الإسلامي من دون أن تُمسّ قداسته، ولو أدّى ذلك إلى نفي بعض الحقائق والأحداث الثابتة.

وتبيّن لـ "أحمد زكي" بأنّ المنهج السنّي ينكر الكثير من الحقائق التأريخيّة أو يحاول تحريف واقعها لئلا تتشّوه الصورة الزاهية التي حفظها للصحابة في ذهنه، ومن هذا المنطلق ينبغي غضّ الطرف عن الثغرات والتناقضات الموجودة في التأريخ الإسلامي المرتبط بصدر الإسلام لئلاّ تنخدش قاعدة عدالة الصحابة! لأنّ الصحابة هم الذين وصل الدين إلينا عن طريقهم، فإذا أخضعناهم للجرح والتعديل فإنّ ذلك سيؤدّي إلى التشكيك في الدين.


الصفحة 27

ومن هذا المنطلق تلقّى أهل السنّة دينهم من عامّة الصحابة ثقات وغير ثقات، ولكن أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) تلقّوا دينهم من أهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. وأمّا موقف الشيعة من الصحابة فإنّهم أجروا عليهم قاعدة الجرح والتعديل فمن ثبت أنّه من الثقات فقبلوا روايته وأمّا الذي لم يثبت ذلك فامتنع الشيعة من الاعتماد عليه في أخذ الروايات التي رواها.

ورأى "أحمد زكي" بأنّ المنهج الشيعي أفضل من المنهج الذي يعتمد على جميع الصحابة حتى الذين لم تثبت عدالتهم والذين تركوا النبيّ بين الأسنّة والنبال وولّوا الأدبار في بعض الحروب، والغزوات.

عدالة الصحابة:

وتوّصل "أحمد زكي" إلى هذه القناعة بأنّ الصحابة كلّهم ليسوا فوق الشبهات، بل كان فيهم المؤمن والفاسق والمنافق، وينبغي على المهتمّ بشأن دينه أن يغربل الصحابة عن طريق دراسته الصحيحة للتأريخ الإسلامي، وأن لا يعتمد إلاّ على الذين ثبتت عدالتهم.

ومن هذا المنطلق قام "أحمد زكي" بإمعان النظر في أحداث تاريخ صدر الإسلام، وبدأ بالتعرّف على مواقف الصحابة في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وحاول أن لا يكون عند دارسته للتأريخ الإسلامي ضحيّة أجهزة التزييف والتضليل التي حاولت تغطية عيوب بعض الصحابة من أجل الحفاظ على جمال التاريخ الإسلامي ولو كان ذلك على حساب الحقيقة.

مواصلة البحث:

واصل "أحمد زكي" بحوثه العقائديّة وانتسب إلى المعهد الإسلامي في بانجيل، ودرس فيه حتّى المرحلة الأخيرة الموجودة فيه، ثمّ سافر إلى سوريا والتحق بإحدى الحوزات الدينيّة التابعة لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فاتقن أصول ومبادىء التشيّع وقام بتشييد عقيدته الدينيّة وفق الأدلّة والبراهين المحكمة.


الصفحة 28

الصفحة 29

(4) أحمد عارفين

(شافعي ـ أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "بانجيل"، كان شافعي المذهب، ولكنّه على أثر التتبّع والبحث اكتشف بأنّه بحاجة إلى إعادة النظر في مرتكزاته العقائديّة، ليكون على بصيرة من أمر دينه، فواصل البحث حتّى لاح لبصره أنوار العلوم، والمعارف التي ورثها أهل البيت(عليهم السلام) من الرسول(صلى الله عليه وآله)، والتي حاولوا أن يحافظوا عليها من تلاعب الأهواء والمغرضين الذين أرادوا أن يجعلوا الدين جسراً لتحقّق مآربهم الدنيويّة.

تعيين النبيّ للوصيّ من بعده:

وجد "أحمد عارفين" بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أعلن في العديد من المواقف بأنّ عليّ بن أبي طالب هو إمام الأمّة وقائدها وهو الخليفة من بعده ومن هذه النصوص:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمام بني هاشم وقد أخذ برقبة علي بن أبي طالب: "هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا"(1).

ولا يخفى بأنّ النبيّ لا يقول شيئاً من تلقاء نفسه وإنّما هو تابع لأوامر الله تعالى، وقد أكدّ القرآن الكريم على هذه الحقيقة في العديد من المرّات حيث جاء فيه:

{قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي}(2).

____________

1- تاريخ الطبري،ج2،ح1171، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر،ج42،ص49.

2- الأعراف (7): 203.


الصفحة 30

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}(1).

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}(2).

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}(3).

ومن هنا يمكن الاستنتاج بأنّ تنصيب النبيّ(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام) خليفة من بعده كان بأمر من الله تعالى.

وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(4).

ولهذا فالحديث عن مسألة الشورى واجتماع الأمّة حول اختيار الخليفة بعد رسول الله كلام لا طائل تحته، وهو أمر يعارض القرآن والسنّة، وإنّما يجب على الأمّة في هذا الأمر أن تتّبع أوامر الله تعالى، فمن التزم بأوامر الله تعالى فقد اهتدى، ومن لم يلتزم فإنّه لم يضر إلاّ نفسه.

التسليم لأمر الله تعالى:

وجد "أحمد عارفين" بعد البحث بأنّه يجب أن يستسلم لأمر الله تعالى في أمر خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإنّ اتباع الأكثريّة في هذا المجال لا يرشده إلى الحق، وقد قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}(5) .

ومن هذا المنطلق أعلن "أحمد عارفين" استبصاره واتبّاعه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)سنة 1410هـ (1990م)، ثمّ التحق بالمعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل"، ثمّ طلباً للمزيد من معارف أهل البيت(عليهم السلام) وارتقاء لمستواه الديني هاجر إلى إيران لطلب العلم من خلال انتسابه إلى المركز العالمي للدراسات

____________

1- يونس (10): 15.

2- يونس (10): 109.

3- الأحزاب (33): 2.

4- الأحزاب (33): 36.

5- الأنعام (6): 116.


الصفحة 31

الإسلاميّة في مدينة قم، وبقي فيها فترة ليحيط علماً بأصول وفروع دينه، وليؤهّل نفسه بعد ذلك لخدمة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)ثمّ عاد إلى وطنه وشرع بالتدريس في معهد الهادي في مدينة "بكلونجن".


الصفحة 32

(5) أحمد غزالي

(شافعي ـ أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا بمدينة "لمبونغ"، وترعرع في أسرة شافعيّة المذهب، ولكنّه عندما بلغ مرحلة الرشد لم تشغله المغريات الدنيويّة واللذات المادّية عن البحث حول صحّة معتقداته الدينيّة التي ورثها من البيئة التي كانت تحيطه، فهو وإن تلقّى المذهب الشافعي من آبائه، ولكنّه أحبّ أن يتحرّر من التقليد الأعمى، وأن يشيّد لنفسه معتقداً مبتنياً على الأدلّة والبراهين، فتوجّه إلى دراسة المذاهب حتّى تبيّن له أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)ونقاء تراثهم الإسلامي فاعتقد بولاية خير البريّة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ثمّ التحق بالمعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" فأتمّ فيه دورة دراسيّة كاملة، ثمّ طلباً للمزيد من المعرفة لمذهب التشيّع شدّ الرحال إلى مدينة قم في إيران ليحيط أكثر علماً بمعارف ومبادىء أهل البيت(عليه السلام).

شهادة القرآن بطهارة أهل البيت(عليهم السلام):

إنّ من أهمّ الأمور التي دعت "أحمد غزالي" إلى التأمّل في مذهب أهل البيت(عليهم السلام)هي العناية الربانيّة بأهل البيت(عليهم السلام) وذكر فضائلهم في القرآن، والتصريح بطهارتهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1).

وقد ورد عن ابن عبّاس قال: شهدت رسول الله(صلى الله عليه وآله) تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقت كلّ صلاة، فيقول: "السلام عليكم

____________

1- الأحزاب (33): 33.


الصفحة 33

ورحمة وبركاته أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} كلّ يوم خمس مرّات(1).

استشهاد الإمام الحسن(عليه السلام) بآية التطهير:

روى الحاكم في باب فضائل الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) والهيثمي في باب فضائل أهل البيت أنّ الحسن بن علي خطب حين قُتل الإمام عليّ(عليه السلام) وقال في خطبته:

"أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ، وأنا ابن النبيّ، وأنا ابن الوصيّ، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله، بإذنه، وانا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً"(2).

آية التطهير وأثرها في بعض النفوس:

روى عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول له: وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليُّ: يارسول الله: اتخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): "أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي" وسمعته يقول في يوم خيبر: "لاَُعطينَّ الراية غداً رجلاً يُحبُّ الله ورسوله ويُحبُّه الله ورسوله" قال: فتطاولنا

____________

1- الدر المنثور، السيوطي، 5 / 387.

2- المستدرك على الصحيحين: ح4863، مجمع الزوائد للهيثمي، ج9، ح14798 و14799، وقال: رواه أحمد باختصار كثير، وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان .


الصفحة 34

لها، فقال: "ادعوا لي عليّاً" فأُتي به أرمد فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ولمّا نزلت ـ زاد هشام: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي"(1).

استشهاد الإمام زين العابدين بآية التطهير:

روى أبو المؤيد، الموفق بن أحمد، أخطب خوارزم الخوارزمي:

لما حُمل السجاد رضى الله عنه مع سائر سبايا أهل البيت إلى الشام بعد مقتل سبط رسول الله(صلى الله عليه وآله) الحسين(رضي الله عنه)، واوقفوا على مدرج جامع دمشق في محل عرض السبايا دنا منه شيخ، وقال: الحمد لله الذي قتلكم واهلككم واراح العباد من رجالكم وامكن أميرالمؤمنين منكم!!

فقال له علي بن الحسين(رضي الله عنه): يا شيخ هل قرأت القرآن؟

قال نعم.

قال: أقرأت هذه الآية {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(2).

قال الشيخ: قرأتها.

قال: وقرأت قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(3).

وقوله أيضاً: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}(4).

قال الشيخ: نعم.

فقال: نحن والله القربى في هذه الآيات.

____________

1- خصائص أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، النسائيص23. صحيح مسلم، 4 / كتاب فضائل الصحابة، ح32.

2- الشورى (42): 23.

3- الاسراء (17): 26.

4- الأنفال (8): 41.


الصفحة 35

وهل قرأت قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.

قال: نعم.

قال: نحن أهل البيت الذي خُصّصنا بآية التطهير.

قال الشيخ: بالله عليك أنتم هم؟

قال: وحق جدّنا رسول الله إنا لنحن هم من غير شكّ!

فبقى الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهم إنّي أبرأ إليك من عدو محمد وآل محمد من الجن والانس(1).

المطهرون أحقّ بالاتّباع من غيرهم:

وجد "أحمد غزالي" بعد بحثه ومقارنته بين المذاهب الإسلاميّة بأنّ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)أحقّ بالاتباع من غيرهم، ولهذا ترك مذهبه الوراثي وتمسّك بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ توجّه بعد ذلك إلى دراسة علومهم ومعارفهم ليزداد عن طريقهم وعياً بالحقائق الدينيّة، ثمّ التحق بالحوزة العلميّة في مدينّة قم ليقتبس من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)نوراً ينير له الدرب، ويستطيع أن يميّز به الحق من الباطل وليكون على بصيرة من أمر دينه.

____________

1- مقتل الخوارزمي: 2 / 69.


الصفحة 36

(6) أحمد محمّد بارقبة

(شافعي ـ اندونيسيا)

ولد عام 1378هـ (1959م) في أندونيسيا بمدينة "كلونجن" حاصل على الشهادة الجامعيّة، كان شافعي المذهب، ولكنّه لم يبق متعصّباً ومتمسّكاً بمذهبه الموروث حينما تجلّت له أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، لأنّه حينما سمع بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وأصغى إلى بعض أدلّته، قام بإجراء دراسة مقارنة بين التشيّع وبين المذهب الشافعي، فتبيّن له أنّ مذهب أهل البيت(عليهم السلام) مذهب يتلقى معارفه الإسلاميّة من أئمّة ورثوا العلم من رسول الله(صلى الله عليه وآله)تحت ظلّ عناية ربّانية صانتهم من الخطأ والسهو والنسيان بخلاف المذهب الشافعي الذي تلقى معارفه الإسلاميّة من أفواه رجال تناقضت وتضاربت رواياتهم وأقوالهم.

الإمام علي(عليه السلام) هو الهادي للأمّة:

وجد "أحمد" خلال بحثه ومقارنته بين المذهب الشيعي والمذهب السنّي أنّ الأدلّة والبراهين كلّها تدعم مقولة الشيعة في أحقيّة الإمام علي(عليه السلام) بالخلافة من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، منها الآيات القرآنيّة النازلة في فضل الإمام علي(عليه السلام) والتي منها:

قال تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد}(1).

وقد ورد عن ابن عباس قال لمّا نزلت {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد }وضع(صلى الله عليه وآله)يده على صدره فقال: أنا المنذر، ولكلّ قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب عليّ(عليه السلام)

____________

1- الرعد (13): 7.


الصفحة 37

فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي(1).

ولهذا ورد عن الإمام علي(عليه السلام) أنّه كان يقول حول هذه الآية: رسول الله(صلى الله عليه وآله)المنذر وأنا الهادي.

من هو الأحقّ في الاتّباع:

واصل أحمد بحثه، وبقي متردّداً بين اتّباع الإمام علي(عليه السلام) أو اتّباع غيره من الصحابة الذين وقفوا بوجهه واستولوا على الخلافة بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وبمرور الزمن وتجلي الأدلة والبراهين أيقن "أحمد" بأنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) كما ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأن الحقّ معه.

فقد ورد عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: كنّا عند بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) في نفر من المهاجرين والأنصار فقال: ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى قال: خياركم الموفُون المطيّبون إنّ الله يحبّ الخفي التقي، قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: الحقّ مع ذا الحقّ مع ذا(2).

وقد قال تعالى: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(3).

أعلان الاستبصار:

أعلن "أحمد" استبصاره بعد أن اتضح له الحقّ كالشمس في وضح النهار ثم سافر إلى إيران، والتحق بالحوزة العلميّة في مدينة قم، فدرس فيها لمدّة خمس سنوات، فتعرّف خلال هذه الفترة على علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)، فتفتّحت آفاق معارفه الدينيّة واتّسعت رؤيته، وتبلورت عقائده على أسس ومباني متينة،

____________

1- جامع البيان: الطبري: 8 / ح15313.

وذكر ابن حجر بأنّ إسناده حسن، انظر فتح الباري 8 / 479.

2- مسند أبي يعلى الموصلي، ج1/ ح1047، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، انظر مجمع الزوائد، ج7 / ح12027.

3- يونس (10): 35.


الصفحة 38

ثمّ عاد إلى بلاده وأسّس معهد الهادي للعلوم الإسلامية والتزم إدارته وأصبح من الدعاة الشيعة البارزين في أندونيسيا.


الصفحة 39

(7) أحمد مرزوقي أمين

(شافعي ـ أندونيسيا)

ولد في "جاكرتا" عاصمة أندونيسيا ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب.

ثمّ أكمل المرحلة العالية في المعهد الإسلامي في "بانجيل"، ثمّ هاجر في طلب علوم أهل البيت(عليهم السلام) إلى سوريا وإيران للدراسة في حوازتها العلميّة، ثمّ عاد إلى الوطن لنشر معارف الإسلام الحقّة.

استبصاره:

اطلع على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق بعض أصدقائه من الشيعة في المعهد الإسلامي في "بانجيل"، وفتبيّنت له حقيقة مذهبهم بالأدلّة الواضحة من القرآن والسنّة الشريفة، وعرف أنّ هذا المذهب يحمل حقيقة الإسلام، وتتواجد فيه كلّ معالم التكامل الإسلامي، فقرّر الانتماء إليه والتمسّك بولاء أهل البيت(عليهم السلام)كما أوصى الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) في أكثر من حديث تناقله المسلمون في كتبهم على اختلاف مذاهبهم.

السجود على الأرض أم السجّاد:

إنّ من المشاكل الخلافية التي صادفته هي مسألة السجود على الأرض أو التربة التي وجدها في أحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله) وبين السجود على السجّادة حيث كان قد درس سابقاً في مذهبه الشافعي أنّ العمامة أو الشعر لا يصح أن يحجبا الجبهة عن السجود، فكيف صحّ السجود على العمامة أو السجادة إذا كانت مفروشة على الأرض وما الفرق بينهما؟!

السجود على الأرض بدعة أم سنّة:


الصفحة 40

إنّ من الأمور التي تعرّض من خلالها الشيعة وأتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)للنقد من قبل مخالفيهم هي مسألة السجود على الأرض في صلواتهم اليوميّة، فقيل أنّ هذا السجود من الأمور المبتدعة، بل زاد بعض المغرضين في الطين بله واشاعوا بين العوام بأنّ الشيعة مشركون، لأنّهم يسجدون ويعبدون الأرض أو التربة.

وهذه التهمة واضحة البطلان لوضوح الفرق بين السجود على الأرض والسجود للأرض، وما يعمله الشيعة هو السجود على الأرض قربة إلى الله تعالى وتواضعاً له، أمّا إذا كان السجود للأرض فلا شكّ ولا ريب بأنّه شرك، وهكذا لو سجد الشخص للسجادة أو الحصير فلا موضوعيّة للأرض خاصّة دون غيرها بل كلّ ما كان السجود لغير الله فهو شرك، وهذا ما لا يقول أحدٌ من أهل القبلة.

وأما تهمة ابتداع السجود على الأرض لمجرّد أنّ الآخرين يسجدون على السجاد فهو ظلم كبير يقترفه من يقول به.

إنّ الذي يذهب إليه علماء الإماميّة هو أنّ السجود يكون على الأرض أو ما نبت فيها من غير المأكول والملبوس، أي: بلا حائل من شيء آخر، أمّا علماء أهل السنّة فذهبوا إلى جواز السجود على الحصير أو الفرش وغيرها فضلاً عن الأرض أو الحجر.

وهذا هو المشهور بين العلماء والمذكور في كتبهم، ولو أردنا أن نحقّق أكثر في هذا الموضوع ـ الذي لا يصحّ أن يكون موضوعاً للخلاف، غير أنّ المغرضين يزعجهم اتّحاد المسلمين فيخلقوا من كلّ موضوع لا يحتمل الخلاف موضوعاً خلافيّاً بأدنى مناسبة ونحن نجد أنّ بعض علماء أهل السنّة أيضاً يوافقون رأي الإماميّة، أو أنّهم اعتبروا على أقل تقدير بأنّ السجود على الأرض أحسن وأكمل أو أنّه من السنّة وليس أمراً مبتدعاً. نذكر على سبيل المثال ما يلي:

1 ـ ورد في الفقه على المذاهب الأربعة ما نصّه: ويندب إلصاق جميع الجبهة