لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
وانطلاقاً من ذلك، فقد بادر «مركز الابحاث العقائدية» الذي أُسّس برعاية سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائديّة المختصّة، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد
ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنيت العالمية صوتاً وكتابةً.
كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
وأخيراً، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان «سلسلة الندوات العقائدية» بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
وقد تمّ لحدّ آخر شهر رمضان 1421 هـ عقد 76 ندوة، وهي كالتالي :
ت | الموضوع | المحاظر | |
1 | عدم تحريف القرآن | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
2 | العصمة | العلّامة الشيخ محمد حسين الأنصاري | |
3 | البخاري وصحيحه | العلّامة الشيخ محمّد حسين غيب غلامي | مطبوع |
4 | منع تدوين الحديث | العلّامة السيد علي الشهرستاني | مطبوع |
ت | الموضوع | المحاظر | |
5 | البدعة | العلّامة الشيخ فاضل المالكي | |
6 | آية المباهلة | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
7 | آية التطهير | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
8 | آية الولاية | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
9 | حديث الدار | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
10 | حديث الغدير | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
11 | حديث الولاية | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
12 | حديث الثقلين | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
13 | حديث الطير | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
14 | حديث المنزلة 1 | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
15 | حديث المنزلة 2 | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
16 | الدليل العقلي على إمامة علي (ع) | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
17 | إبطال ما استدل به لإمامة أبي بكر | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
18 | إمامة بقية الأئمة (ع) | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
19 | الإمام المهدي (ع) | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
20 | العصمة | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
21 | مظلوميّة الزهراء (ع) 1 | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
22 | مظلوميّة الزهراء (ع) 2 | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
23 | الشورى في الإمامة | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
24 | الصحابة | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
ت | الموضوع | المحاظر | |
25 | تفضيل الأئمة (ع) على الأنبياء (ع) | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
26 | المتعة | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
27 | المسح على الرجلين في الوضوء | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
28 | الشهادة بالولاية في الأذان | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
29 | تزويج أم كلثوم من عمر | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
30 | الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
31 | ابن تيمية وإمامة على (ع) | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
32 | التحريفات والتصرفات في كتب السنة | العلّامة السيد علي الميلاني | مطبوع |
33 | درء الشبهات عن واقعة الطف | العلّامة السيد كمال الحيدري | |
34 | إزاحة الشبهات عما ورد في فضائل الزيارات | العلّامة السيد عادل العلوي | |
35 | زيد بن علي (ع) | العلّامة الشيخ محمد رضا الجعفري | |
36 | الغيبة | العلّامة الشيخ محمد رضا الجعفري | مطبوع |
37 | العصمة | العلّامة السيد كمال الحيدري | |
38 | الإمام المهدي (ع) بين التواتر وحساب الاحتمال | العلّامة الشيخ محمد باقر الإيرواني | مطبوع |
39 | الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة | العلّامة الشيخ فاضل المالكي | مطبوع |
40 | إختصاص الشيعة في التمسك بالقرآن | العلّامة الشيخ محمد حسين غيب غلامي | مطبوع |
41 | ابن شهاب وتدوين السنّة | العلّامة الشيخ محمد حسين غيب غلامي | |
42 | رجال البخاري | العلّامة الشيخ محمد حسين غيب غلامي | |
43 | الغلو 1 | العلاّمة السيد عادل العلوي | |
44 | الغلو 2 | العلاّمة السيد عادل العلوي |
ت | الموضوع | المحاظر | |
45 | المرجعيّة الفكريّة لاهل البيت (ع) | العلاّمة السيّد محمد باقر الحكيم | |
46 | المدخل إلى حديث الغدير 1 | العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الاصفي | |
47 | المدخل إلى حديث الغدير 2 | العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الاصفي | |
48 | الجبر والاختيار | العلاّمة السيّد عادل العلوي | |
49 | نظريّة الامامة الالهيّة بعد النبي (ص) | العلاّمة السيّد سامي البدري | |
50 | الخصائص العامّة للالهيين بعد النبي (ص) في سور قرآنية متعددة | العلاّمة السيّد سامي البدري | |
51 | التعريف بالائمة (ع) الالهيين من خلال القرآن الكريم | العلاّمة السيّد سامي البدري | |
52 | بيوت الامامة الالهية في القرآن الكريم | العلاّمة السيّد سامي البدري | |
53 | علم الامام | العلاّمة الشيخ محمد سند | |
54 | الاجابة على الاسئلة العقائدية | العلاّمة الشيخ جعفر السبحاني | |
55 | إنّي جاعل في الارض خليفة 1 | العلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي | |
56 | إنّي جاعل في الارض خليفة 2 | العلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي | |
57 | إنّي جاعل في الارض خليفة 3 | العلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي | |
58 | الامامة فكرة وتطبيقاً عند فرق المسلمين 1 | العلاّمة الشيخ محمّد رضا الجعفري | |
59 | الامامة فكرة وتطبيقاً عند فرق المسلمين 2 | العلاّمة الشيخ محمّد رضا الجعفري | |
60 | مصحف فاطمة (ع) | العلاّمة الشيخ محمّد سند | |
61 | ترك الاولى ومنافاته لعموم طاعة المعصوم | العلاّمة الشيخ محمّد سند | |
62 | الرجعة | العلاّمة الشيخ محمّد سند | |
63 | التجسيم والرؤية | العلاّمة الشيخ محمّد سند | |
64 | في رحاب القرآن 1 | العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الاصفي | |
65 | في رحاب القرآن 2 | العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الاصفي | |
66 | في رحاب القرآن 3 | العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الاصفي | |
67 | في رحاب القرآن 4 | العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الاصفي | |
68 | صلح الامام الحسن (ع) | العلاّمة الشيخ علي الكوراني |
ت | الموضوع | المحاظر | |
69 | البداء 1 | العلاّمة الشيخ حسين نجاتي | |
70 | البداء 2 | العلاّمة الشيخ حسين نجاتي | |
71 | التقليد في أصول الديمن 1 | العلاّمة الشيخ هادي آل راضي | |
72 | التقليد في أصول الديمن 2 | العلاّمة الشيخ هادي آل راضي | |
73 | التقليد في أصول الديمن 3 | العلاّمة الشيخ هادي آل راضي | |
74 | التقليد في أصول الديمن 4 | العلاّمة الشيخ هادي آل راضي | |
75 | الانقسام بعد رسول الله (ص) جذوره وآفاقه | العلاّمة السيّد علي الشهرستاني | |
76 | توثيق فقه الاماميّة من الصحاح والسنن (منهج جديد لدراسة الفقه) | العلاّمة السيّد علي الشهرستاني |
وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
سائلين الله عزّ وجلّ أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائديّة
فارس الحسّون
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في الارضين.
قال سبحانه وتعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدَىً وَرَحْمَةً وبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) 1.
تؤمن شتّى الفرق الاسلاميّة بأنّ القرآن هو الكتاب السماوي والدستور الحاكم على الشريعة، ولهذا ينتهج الجميع من هذا المنطلق سبيل العمل وفق أُسسه وتعاليمه.
وأمّا بالنسبة إلى بحثنا المعنون بـ «اختصاص الشيعة في التمسّك بالقرآن الكريم»، فانه يمتاز من هذه الناحية، إذ تتجلّى فيه أحقيّة الفرقة الناجية والمتمسّكة بالقرآن بين المذاهب الاسلاميّة الاُخرى .
وممّا لا شك فيه أنّنا نجد كلّ مذهب يتمتّع برؤى وعقائد يتفرّد بها ويسير وفقها، مع حُسبانه أنه الحائز للمكانة الرفيعة بين الفرق،
____________
(1) النحل : 89.
ومن الواضح أنّ المرء يفرح بما لديه ويطمئن بمذهبه مالم يتضح له بطلان ماهو عليه، ولكن حينما يعي الضمير المتيقظ والعقل السليم فساد مذهبه، وعندما يستبصر المرء ليعتنق مذهباً آخر بعد التعقّل والتأمّل، حينئذ يدرك المرء أنّه كان مخدوعاً بسراب كان يمنعه ويعيقه من التوجه نحو النبع حينما كان يبحث عن منهل يروي تعطّشه، ويدرك أنّه كان يتخبّط في حركته تائهاً حيراناً.
إن القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)يمتاز بمكانة ومركزيّة رفيعة، ويمتلك شموليّة تامّة، يتمكّن بها أن يحيط بكافة الحقائق ويسعه أن يكون هادياً للبشريّة كافة، إذ تتمكّن كلّ طائفة وأُمّة أن تنتفع منه وأن تحمل منه زاداً لحركتها في الحياة.
وممّا يثير الانتباه في المسلمين أنّهم مع كلّ ما يمتلكون من الثروة الثقافيّة والعلميّة الطائلة التي تلقوها من القرآن والتعاليم الزاهرة والمشرقة لهذا الدين، فإنهم لم يفكروا باستخدامها كما هو
____________
(1) المؤمنون : 53.
وفي الحقيقة فإنّ المسلمين قلّما استعانوا بكتاب الله عزّ وجلّ وقلَّما نهلوا منهج الحياة من هذا الركن السديد وهذا المنهج الرباني الخالد.
وفي هذا الخضم نجد أعداء الاسلام بعدما اعترتهم الخيبة واليأس من محاربة الدين الاسلامى الحنيف وكتاب الله عزّ وجل، حاولوا تجربة سبل متعدّده واحدة تلو الاُخرى للاطاحة بالاسلام، فالتجؤوا إلى توسيع نطاق الاختراق والاقتحام في أوساط المجتمعات الاسلامية والاندساس فيما بينهم ليشغلوا المسلمين بمختلف الوسائل المتاحة بأُمور وقضايا واهية وغير مثمرة لا جدوى فيها.
لكن علماء المذاهب الاسلامية بادروا على ضوء سعة مستواهم الفكري وممتلكاتهم العلمية وعلى أساس مرتكزاتهم الاعتقادية وتمشّياً مع مبانيهم المذهبية، إلى تأدية مهمّتهم بإعداد أبحاث مختلفة في شتى مجالات العلوم القرآنية وبيان فضائله وإيضاح أحكامه المشرقة التي تعتبر ركناً أساسياً في تشريع الاحكام.
وتزامناً مع ازدياد وتعدّد المدارس الكلامية نشأ النزاع والتشاحن حول الايات القرآنية، واندلعت مشاجرات لفظيّة، تبعها التكفير، وأُصدرت أحكام وفتاوى ثقيلة من قبل أحدهم على الاخر، وتخاصم أصحاب الرأي والاجتهاد مع أهل الحديث، وتعرّض مذهب الاعتزال للاشاعرة، ونشأ اشتباك وتصادم فكري عنيف من قبل أهل الحجاز مع مفكري بغداد، وكلاهما مع أهل البصرة، وتصدى هؤلاء الثلاثة لمخالفة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
وأدّى ذلك لينكب كلّ منهم على مجموعة من الاراء والمعتقدات، يعول عليها ولا يتجاوزها إلى غيرها.
ووقفت الانظمة السياسيّة الحاكمة في القرن الاول والثاني والثالث وقوفاً تاماً إلى جانب هذه التكتلات المتسمة بالطابع العلمي، والتي كانت السبب الاساسي لنشوء معظم المشاجرات والخصومات الكلامية في تلك الفترة، فكانت تحفزهم وتحرضهم على ذلك.
ولا تزال وبعد مضي القرون المتمادية مسألة إيقاد النزاع
وفي خضم هذه الصراعات والاراء المتضاربة والمختلفة التي طرحت في المائة الاخيرة كانت الانظار متوجهة إلى فئتين قد انشغلتا بالمشاجرات العقائدية أكثر من الفئات الاُخرى، والملحوظ أنهما قد تركتا آثاراً متعددة تعبّر عن معتقداتها المذهبيّة.
وممّا لا شك فيه أن الانشغال الذهني بالاُمور والقضايا الهامشيّة يعتبر أفضل فرصة للذين يستهدفون الوصول إلى غاياتهم ومآربهم الخاصة، ليتمكنوا من خلالها أن يحققوا مبتغياتهم بصورة كاملة.
والجدير ذكره في هذا المقام أن الطوائف والفرق المخالفة للمذهب الامامي قد روّجت الافتراءات والتهم الباطلة بأشكال مختلفة وبشتى الوسائل والادعاءات على أتباع هذا المذهب، وأثاروا مسألة الدفاع عن القرآن والذب عنه، بغية الوصول إلى
وبما أن هذه الندوة تستهدف بيان مسألة اختصاص مذهب الامامية وتفرده عن سائر المذاهب الاسلاميّة في التمسك بالقرآن والالتزام بحاكميته، فحريّ أن لا أُطيل عليكم أكثر من هذا، ولندخل معاً في صميم الموضوع.
وقبل أن نشرع بالبحث، تبدو جملة من الايضاحات المختصرة حول الادلة الاربعة في تشريع الاحكام ضروريّة، أشير إليها بصورة مجملة ومختصرة.
جُعلت قواعد أدلة الاحكام الشرعية أربعة أركان أصلية ( الكتاب، السنة، العقل والاجماع ) وهي التي تُسمّى بالادلّة الاربعة وتُتخذ ركائز تبنى عليها مناهج البحث.
وفي هذا المجال وقع الاختلاف بين المذاهب الاسلامية في تعيين مصداق كلّ من هذه الاُصول الاربعة، فعلى سبيل المثال جُعل القياس مكان العقل بين أوساط أبناء العامة، واعتبر مؤهلاً للعمل به، ونجد المذهب الحنفي يتمتع بمستوى رفيع لتلقيه والاخذ به بصورة لا يحظى بها المذهب الشافعي، ولم يصل إلى ذلك الحدّ.
أما الاُصول الثلاثة الاُخرى، فيتفق المذهب الامامي فيها مع أبناء العامة في اللفظ، وينتهج كلّ منهم في الاخذ بكلّ من هذه الاُصول الثلاثة مذهباً وطريقاً خاصاً ينتهي في بعض الاحيان إلى
فعلى سبيل المثال : إن الامامية تثق بالاجماع الذي يستكشف منه رأي وقول المعصوم (عليه السلام)، وهذه الصورة مما لا نجدها بين أوساط أبناء العامة بالنسبة إلى الاجماع، وإنما نجدهم يكتفون في ذلك بحديث مجموعة يُعتمد على قولهم.
أما الركائز الاساسية والرئيسيّة الاخرى فهما الكتاب والسنة :
الكتاب :
يعتبر الكتاب السماوي ـ كمصدر أساسي في تشريع الاحكام عند كافة المذاهب الاسلامية ـ بأنه يمتاز بالاسبقية والافضلية الخاصة عند جميع المذاهب، وتليه المصادر الاخرى في مكانة تتأخر عنه، وهذا مما لا يمكننا أن نستبدله بصورة أخرى، إذ السنة أيضاً تستقي حجّيتها من الكتاب، وتستقي حجيتها وفقاً لحكمة الله سبحانه وتعالى، وأيضاً فالانبياء وأوصياؤهم إنما وجبت طاعتهم على ضوء أوامر القرآن الكريم.
إن القرآن الكريم بصفته خاتم الكتب السماوية وأكمل دستور رباني، يعتبر أوّل ركيزة أساسية من الاصول الاربعة، وإن آياته تتمتع بثروة هائلة تستطيع أن تمد مصادر التشريع بالاحكام
وبما أن صدور القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى أمر مفروغ منه ومسلّم به، يجد المتمسك بأحكامه المشرقة من هذا المنطلق أن يوليه الثقة والانقياد له، وأن يكون متمسكاً وملتزماً بأوامره ونواهيه.
وحيث أن هذا الكتاب السماوي يعتبر البرنامج الالهي الاخير المُنزل من قبل الله سبحانه وتعالى لهداية البشريّة، فيتحتم أن تستوعب أحكامه كافة الفترات الزمنية اللاحقة للعمل به والانتفاع منه، والبطون المتعددة للقرآن تكفي ليكون له على امتداد العصور والقرون المصاديق البارزة والواضحة على أرض الواقع، واتصاف القرآن بالبطون المتعدّدة جعلت دلالة آياته ظنية، وجعلته مؤهلاً لحمل أوجه ومعاني تلك البطون.
ومن جهة أُخرى أثبتت ضرورة وجود المبيّن والمبلّغ للقرآن هذه الحقيقة بأن الايات القرآنية ليست بذلك المستوى الذي يستوعبها أو يفطن إلى مغزاها الجميع، وعندئذ يبرز بوضوح ضرورة وجود من يرفع الحاجة بتبيينه وتفسيره.
وكما قيل إن مسألة وجوب وضرورة وجود المبيّن للقرآن
ويتّضح من لزوم تبيين الوحي هذا الامر، بأن الرسول ينبغي أن يحمل على عاتقه مهمة التبيين، إضافة إلى مسألة تبليغ وعرض الايات.
وفي نطاق أوسع فقد أُذن للرسول أن يصرّح ويبيّن مجمل ومتشابه الكتاب، أو يُشير إلى مالم يتطرق إليه القرآن، ومن ثم نجد وضوحاً في التوجيهات والاحكام الدينيّة والشرعية مما لا نجده في الكتاب وحده.
وتواجد مثل هذه الاحكام في السنة توضّح وتبيّن لنا هذه الحقيقة بأنّ مسألة تبيين الايات القرآنية هي الّتي توفر المقتضي لبيان وذكر مثل هذه الاحكام، وذلك لقوله تعالى في سورة الحاقة : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَْقَاوِيلَ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)(2) ، وهذا يعني أن الرسول لم يكن مأذوناً لبيان أي كلام في مجال التشريع ولم يسمح له أن يشرّع من تلقاء نفسه بما يشاء، وعلى هذا يدل قوله تعالى : (وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ
____________
(1) النحل : 44.
(2) الحاقة : 45 ـ 46.
السنّة :
عُرف التمسك والالتزام بالسنة ووجوب اتباعها في أوساط المذاهب الاسلاميّة بأنه الاساس والركيزة الثانية في مجال تشريع الاحكام.
ولم يلحظ أي رفض أو إنكار في مجال شرعيته، ولكن الامر الجدير بالمتابعة والدراسة بدقة وحيطة في هذا المجال هو مناقشة مدى الاستقلال بالسنة أو صلتها بالكتاب.
وكما بينّا فيما سبق فإن السنة تلزم بالضرورة ـ ومن دون أيّ انفصال ـ أن تكون مبينة لاحكام القرآن المشرقة، ولا يمكنها الانفصال عن القرآن أبداً.
والملاحظة التي ينبغي الالتفات إليها في مجال تبيين وإيضاح السنة للاحكام القرآنية هي هل يمكن للسنة أن تتعارض أو تتنافى مع الكتاب أم لا ؟
____________
(1) النجم : 3.
(2) يونس : 15.
وإجابة على هذا الاستفسار وهذه المسألة التي تتشكل منها المباحث الرئيسية في هذا المجال سنناقش هذا الموضوع وندرس هذه القضيّة تحت عنوان «استقلال السنة في التشريع».
دوّنت في الاونة الاخيرة كتبٌ كثيرة تحت عنوان «التشريع الاسلامي» من قبل شخصيات مختلفة، إذ هي على الاغلب تصدر كرسائل لنيل درجة الدكتوراه، وقد دوّن البعض وتحت عنوان « استقلال السنة في التشريع» أبحاثاً حول الاكتفاء الذاتي للكتاب والسنة، وقد طرحوا وجوهاً ونماذج لاستقلال كلّ منهما، ومن مجموع أبحاث هذه الكتابات نستوحي أن الحاجز والقضية الشائكة الاساسيّة عندهم هي عدم الاذعان لاخبار وأحاديث العرض على الكتاب، إذ نجدهم يتهجمون بعنف وبألفاظ متشددة ولاذعة على هذه المسألة.
وفي الحقيقة فإن قضية عرض الاخبار على الكتاب تعتبر في نظر أبناء العامة رؤية ضالة تسربت إلى التفكير والعقليّة الاسلاميّة عن طريق الزنادقة والروافض والخوارج !!
وكذلك يستشف من أقوال ووجهات نظر كبار العلماء عند أبناء العامة بأن هذا الاسلوب في التفكير عند أوساط أئمتهم وشيوخهم
ومن هنا ينبغي أن نلحظ قضية استقلال السنة، والتي أصبحت وسيلة تستخدم في الفترة الاخيرة لمهاجمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام)في بيانهم لاحاديث وجوب العرض على الكتاب، أنها كم تتطابق وتنسجم مع الضوابط والاسس العلمية، وماهو الميزان لتلقّي وقبول ذلك عند أبناء العامة ؟
إن هذا الاسلوب والنمط في التفكير والرؤية عند مذهب الامامية وأهل البيت (عليهم السلام) اعتبر مبدءاً مقدّساً ومتقناً، فاتبعوه بتمام القوة وارتأوا ضرورة أن تتطابق السنة مع الكتاب.
وفي الحقيقة فإن مسألة الحفاظ على السنة تستوجب وتحتّم على الانسان المؤمن والمتعبد بالشريعة في كافة الفترات الزمنيّة أن يتعامل مع الاحكام الصادرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يتناسب مع شأنها ومكانتها، وليتعلمها ويعلّمها للاخرين، وأن يكون متمسكاً بها.
ومما لا شك فيه، فإنه كان من المحتّم في بدء الدعوة
فعندها وانطلاقاً لرفع الحاجة وسدّ الافتقار، ومن أجل الوصول إلى ما يرمون إليه، عمدوا إلى أمر يقربهم إلى السنة ويوصلهم إليها، فاختلقوا أمراً لينوب عن ذلك.
ومن هذا المنطلق اعتبروا عمل الصحابي وعمل أهل المدينة في عداد السنة، وذلك لان أفعالهم مستقاة من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن الواضح أن هذا النمط والاسلوب لتلقي السنة لا يسعه أن يكون مبيناً لها على وجه الحقيقة، ومن جهة أخرى فهذا التمسك يتم إذا لم يعتر فعل الصحابة أو أهل المدينة عيب أو نقص.
وحيث أن السياسة العامة للسلطة الحاكمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انتهجت نهجاً وسبيلاً خاصاً، وظهرت أحداث ومجريات غير متوقعة وغير مرتقبة في طريق السنة، عندها لم يبقَ مجالٌ للتمسك بالسنة عبر أفعال هؤلاء.
ومما لا شك فيه فإن أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا سيما علي بن
كما أن التمسك والالتزام بأقوال الصحابة أو أهل المدينة مع كثرة مواطن الضعف الموجودة فيها لن تصل أبداً في المستوى إلى الوثوق والاتكال عليها كما هو الحال في أقوال أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم وهم الذين أُذهِب عنهم الرجس وطُهِّروا تطهيراً.
وهذا من مسلّمات قواعد الترجيح في الاخذ بالاخبار والاحاديث والعمل بالسنن من جهة السند والتي تمتلك المستوى الرفيع في وثاقتها والعول عليها.
فبناءً على هذا لا يمكننا الوثوق والاعتماد في تلقّي السنة إلاّ بما جاء عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) الذين وافق الجميع على طهارتهم وعلوّ شأنهم العلمي.
____________
(1) فيض القدير 3 : 46.
موضع الافتراق في تقسيم الاخبار
أجد من الضرورة ـ إذ يتمتع بحثنا بأهميّة ومكانة خاصّة ـ أن نتمعّن فيه، وأن نحكم أمره بما يناسب المقام.
فإن الكتاب والسنّة كما اعتبرهما الاماميّة المصدرين الاساسيين من الادلّة الاربعة، واتّخذ أبناء العامّة أيضاً هذين الامرين ركناً لقواعدهم التشريعيّة، واعتبروهما أصلين مستقلّين في مجال التشريع، وذكرنا فيما سبق أن مذهب الاماميّة اشترط وجود ترابط بين الكتاب والسنّة وعرّف السنّة أنها مبيّنة ومفسّرة للكتاب.
وقد قسّم البعض ـ كابن حزم ـ الاخبار فيما ترتبط بالكتاب إلى قسمين، والبعض الاخر إلى ثلاثة(1) ، والفئة الثالثة إلى أربعة أقسام(2) .
____________
(1) راجع كتاب حجية السنة.
(2) راجع كتاب «الفكر الاسلامي».
كما وأنّ تواجد مثل هذه الاخبار في السنة كان سبباً لظهور القول باستقلال السنة في التشريع وسبباً لنشوء الاراء والاقوال المختلقة، وعند تبنّيهم لهذه الاراء نجدهم لا يشترطون لزوم عدم مخالفة الاخبار للكتاب وترجيح الموافق منها فحسب، بل نجدهم يكفّرون من يقول بذلك، ويتبرّؤون منه.
إنّ قوة الاستدلال والبرهنة عند مذهب الامامية على ضوء الكتاب والسنة، هو الذي نقب هذا البحث وأبداه محققاً ومهذباً، فأحال الامر وأرجعه إلى العلماء الاعلام وأولي الالباب، ليحكموا بأنفسهم ويبينوا مذهباً يمتاز بمستوى رفيع في تمسكه بالكتاب والسنة بين المذاهب الاسلامية عامة، وليبينوا ماهي نسبة الصدق في التمسك بالقرآن والسنة للذين يدعون ذلك ويتظاهرون به.
رأي أبناء العامة في عرض الخبر على الكتاب
من الامور والملاحظات التي لم يُلتفت إليها في هذا المجال هي عدم التمعّن الشامل في المدلول التطابقي لقوله تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمُ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(1) ، إذ نجد أنها حُملت فيما يخص استقلال أوامر الرسول ونواهيه بصورة منفصلة ومنقطعة عن كتاب الله عز وجل، وهذا تصوّر باطل أو على أقل تقدير أنه غير تام، لانّ اختصاص هذا الامر في مجال السنة يعتبر تصرفاً يفتقد القرينة على الظهور، وهذا مما لم يُجعل له في المباحث الصناعية المتعلقة بحجية الظواهر ضابطاً يتكفل ببيانه وإيضاحه.
وتوهَّمَ البعض أن فحوى الاية المباركة يتعارض مع الاخبار القائلة بلزوم عرض الخبر على الكتاب، وعلى هذا يمكن للسنة
____________
(1) الحشر : 7.
فبناءً على هذا تفتقد هذه الاخبار حيثيتها لوجود المعارض مع الاية التي مرّ ذكرها، ومن الواضح والبديهي جداً أن (ما) في الاية المباركة تقصد بيان مهمّة الرسول وشرح رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن المبادرة إلى تجزئتها عما هو خارج عن الكتاب يخالف ظهور الاية .
وقد جاء في كتاب حجية السنة للدكتور عبد الغني عبد الخالق ( المتوفى سنة 1403 هـ ) مايلي :
«أحاديث العرض على كتاب الله : فكلّها ضعيفة، لا يصحّ التمسّك بها، فمنها ماهو منقطع، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول، ومنها ما جمع بينهما. وقد بيّن ذلك ابن حزم في الاحكام والسيوطي في مفتاح الجنة نقلاً عن البيهقي تفصيلاً»(1) .
وفي كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي لمحمّد بن الحسن الحجوي الفاسي ( المتوفى سنة 1376 هـ ) :
«اعلم أنّ الحقّ عند أهل الحقّ أن السنة مستقلّة في التشريع... وما يروى من طريق ثوبان من الامر بعرض الاحاديث على
____________
(1) حجية السنة : 474، ط بغداد، دار السعداوي.
وقال ابن عبد البر في كتاب جامع العلم :
«عن عبد الرحمن بن مهدي أن الزنادقة وضعوا حديث : ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فان وافق فأنا قلته وإن خالفه فلم أقله. ونحن عرضنا هذا الحديث نفسه على قوله تعالى : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وغيرها من الايات الدالة على الاخذ بالسنة، فتبين لنا أن الحديث موضوع، دلّ على نفسه بالبطلان، وقد نقل ابن حزم الاندلسي في كتاب الاحكام في أُصول الاحكام مجموعة مختلفة من هذه الروايات، ثم بادر إلى تضعيفها جميعاً، قال في فصل قوم لا يتّقون الله فيما ينسب إلى النبي : قد ذكر قوم لا يتّقون الله عزّ وجلّ أحاديثاً في بعضها إبطال شرائع الاسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإباحة الكذب عليه»(2) .
ثم بادر ابن حزم لبيان وسرد الاحاديث فضعفها واحدة تلو الاخرى، ثم قال معلّقاً على رواة بعض الاحاديث : «ساقط متهم
____________
(1) أعلام الموقعين 2 / 309، الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي 1 / 104.
(2) الاحكام في أصول الاحكام : 2 / 205.
وقال : «كلّ من يروي هذه الاحاديث فقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».
وقال أخيراً : «وقال محمّد بن عبد الله بن مسرة : الحديث ثلاثة أقسام : فحديث موافق لما في القرآن فالاخذ به فرض، وحديث زائد على مافي القرآن فهو مضاف إلى مافي القرآن والاخذ به فرض، وحديث مخالف القرآن فهو مطرح».
ثم يقول : «ولا سبيل إلى وجود خبر مخالف لما في القرآن أصلاً، وكل خبر شريعة، فهو إمّا مضاف إلى مافي القرآن ومعطوف عليه لجملته، وإمّا مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث»(1) .
فنستوحي من هذه المقولات أن هذه الفئة ترتئي أن الاحاديث المنقولة في العرض على الكتاب لا مصداقية لها ولا صلة بينها وبين الكتاب والسنة، بل هي ترتبط بالزنادقة، ولا تمتلك الصلاحيّة للاستدلال بها والعول عليها.
____________
(1) المصدر السابق 2 / 205.
ومن أبناء العامة نجد الشاطبي في كتاب «الموافقات» كمخالف للقول المشهور وموافق لرأي الاماميّة، ونجده في مقام التعارض قدّم النصّ القرآني على الحديث، وهو إذ جعل السنّة فرعاً للكتاب، ووافق الرأي الذي ينطلق على ضوء الاسس المنطقية، أُعتُبر مخالفاً لمشهور ما عليه أبناء العامة، واعتقد الجميع أنه خالف الطريقة الصحيحة بتبنّيه هذا المعتقد.
يقول الشاطبي : «إن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة، والقطع فيها إنّما يصحّ في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب، فانه مقطوع به في الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدّم على المظنون، فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة»(1) .
فقدم الشاطبي القرآن على السنّة لانّه قطعي الصدور، وجعل
____________
(1) الموافقات 4 / 7.
وكما قلنا إن جمهور أبناء العامة خالف ما ذهب إليه الشاطبي :
يقول الدكتور عبد الغني : «ومن ذلك كلّه تعلم بطلان ماذهب إليه الشاطبي في الموافقات من أن رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار، وقد قلّده في ذلك بعض الكتّاب من المتأخرين في هذا الموضوع، وبالتقليد أغفل من أغفل ...»(3) .
وممن خاض في هذه المخاضة، وبادر لنشر أمور مفتعلة ولا أساس لها وحرّض على مذهب الشيعة هو الدكتور السالوس الذي أصدر لحدّ الان مجموعة كتب ضدّ مذهب الاماميّة، وفي إحدى هذه الكتب باسم قصة الهجوم على السنة تعرض لهذه المسألة، وكفّر أتباع مذهب التشيع، وذكر أنهم ينتمون إلى مقولة تقدّم القرآن على الاخبار.
قال : «وأصل هذا الرأي فاسد ـ لزوم عرض الخبر على
____________
(1) المصدر السابق 4 : 7.
(2) المصدر السابق 4 / 10.
(3) حجيّة السنّة : 488 ـ 489.
ونقل كلام السيوطي في مفتاح الجنة بهذه الصورة : «إن قائلاً رافضياً زنديقاً أكثر من كلامه أن السنة النبوية والاحاديث المروية لا يحتج بها، وأن الحجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث : ما جاءكم عني من حديث فاعرضُوه على القرآن، فان وجدتم له أصلاً فخذوه وإلاّ فردّوه»(2) .
وهو يريد أن يقول : إن الذين يعتقدون بلزوم عرض الاحاديث على الكتاب، في الحقيقة يعتقدون بالكتاب فقط وأنهم ينكرون السنة !
وبالرغم مما يُرى من نقاط ضعف في هذه المقولة، يبدو أنّه قد نسي أنه إذا كان قول «الاقتصار على القرآن» يوجب الزندقة، فان عمر بن الخطاب ينبغي أن يكون من الزنادقة في هذا المجال(3) ، لانّه يعتبر الرائد الاوّل لهذه المقولة، ويليه الخوارج الذين يعتبرهم
____________
(1) قصة الهجوم على السنة : 33.
(2) المصدر السابق : 32.
(3) صحيح البخاري كتاب العلم رقم 111، وكتاب المغازي رقم 4079، وكتاب المرضى رقم 5237، وكتاب الاعتصام رقم 6818.