قطّ ما سالت عليه | منهم دمعة عين |
قد أعادوا عصر عمرو | يوم نصب الحكمين |
ولكم سُبّ علي المر | تضى في الخافقين |
أسد الله ببدر | وبأُحد وحنين |
بعليّ لبنيه | شبه في الحالتين |
ولعثمان قميص لم | يزل في الزمنين |
أنا لا أطلب فيهم | أثراً من بعد عين |
كلّ عصر في الورى | فيه يزيد والحسين(1) |
هذا ما عرفته عمّا دار في حلبة الشعر حول هذا الموضوع، ولعلّ المستقبل يطلعنا على أكثر من ذلك.
عامة الناس
لم يكن الناس، سواء في العراق أو لبنان أو غيرهما من البلدان الإسلامية، بعيدين عن هذه المعركة الفكرية القائمة آنذاك.
ومن طبيعة عوامّ الناس أن تحركهم العاطفة، خصوصاً إذا كان المتحدّثون أو القائمون على عمل معيّن من الذين يُجيدون التلاعب بعقول البسطاء، فكيف إذا كانت القضيّة تتعلّق بالشعائر الدينيّة؟! فمن الطبيعي أن يُشارك الناس فيها مشاركة فعّالة، ومن المتسالم عليه أن يخسر المصلحون الساحة لوقت ما; لأنّ كلّ حركة إصلاحية لابدّ لها من تضحية.
وفي هذه القضية بالذات كانت هنالك عدّة شخصيّات علميّة واجتماعيّة
____________
1) ثورة التنزيه: 51.
فبعض المراجع أصدر فتوى بالجواز.
وبعض الكتاب ردّ على «التنزيه» برسائل طُبعت ووزّعت مجاناً.
والعلاّمة الجليل المجتهد والمصلح الشيخ محمّد جواد البلاغي على كبر سنّه وضعفه يتقدّم مواكب العزاء بشكل مؤثّر جدّاً.
والخطيب البارع المفوّه السيّد صالح الحلي، يُحرّض الناس على السيد الأمين من فوق المنابر التي يعتليها، وهكذا.
فكانت ردّة الفعل عنيفة جدّاً، يصوّرها لنا أحد المعاصرين لها، وهو الاُستاذ جعفر الخليلي قائلاً:
وانقسم الناس إلى طائفتين ـ على ما اصطلح عليه العوام ـ: «علويين»، و «أمويين». وعُني بالأمويين: أتباع السيد محسن الأمين، وكانوا قلّة قليلة لايعتدّ بها، وأكثرهم كانوا متستّرين خوفاً من الأذى.
واتخذ البعض هذه الدعوة وسيلة لمجرّد مهاجمة أعدائه واتهامه بالأموية، فكثر الاعتداء على الأشخاص، واُهين عدد كبير من الناس، وضرب البعض منهم ضرباً مبرحاً.
وبدافع إعجابي بالسيد محسن، وانطباعاتي عنه منذ الصغر، وإيماني بصحة دعوته، أصبحت أموياً وأموياً قُحاً في عرف الذين قسّموا الناس إلى أمويين وعلويّيين. وكنت شاباً فائر الدم كثير الحرارة، فصببت حرارتي كلّها في مقالات هاجمت بها العلماء الذين خالفوا فتوى السيد أبي الحسن والذين هاجموا السيد محسن.
وكنت أجد في كثير من الأحيان رسالة أو أكثر وقد اُلقي بها من تحت باب
وكان التيار جارفاً، والقوّة كلّها كانت في جانب العلويّين، وكان هؤلاء العلويّون وأتباعهم يتفنّون في التشهير بالذين سمّوهم بالأمويّين.
وبلغ من الاستهتار أن راح حملة القِرَب وسُقاة الماء في مأتم الحسين يوم عاشوراء ينادون مردّدين: «لعن الله الأمين ـ ماء»، بينما كان نداؤهم من قبل يتلخّص في ترديدهم القول: «لعن الله حرملة ـ ماء»، فأبدلوا «الأمين» بـ «حرملة» نكاية وشتماً.
ولا تسل عن عدد الذين شُتموا وضُربوا واُهينوا بسبب تلك الضجة التي أحدثتها فتوى السيد الأمين يومذاك، وكان السبب الأكبر في كلّ ذلك هو العامليون ـ أعني أهل جبل عامل ـ الذين كانوا يسكنون النجف طلباً للعلم، وكان معظهم من مخالفي السيد محسن»(1).
وقال الخليلي أيضاً:
«لم يكن يمرّ على صدور هذه الرسالة أسبوع أو أكثر وتنتقل من الشام ـ حيث تمّ طبعها ـ إلى العراق حتى رافقها كثير من الدعايات ضدّها، ووجدت هذه الدعايات هوىً في نفوس البعض، فأشعلوها فتنة شعواء تناولت السيد محسن الأمين وأتباعه بقساوة لا تُوصف من الهجاء والذم والشتم المقذع.
وخاف الذين آمنوا بقدسية هذه الرسالة وصحة فتاوى العلماء، لقد خافوا أن يُعلنوا رأيهم في وجوب الذبّ عن موضوع الرسالة والدفاع عن شخص مؤلّفها.
____________
1) هكذا عرفتهم 1: 208 ـ 210.
والغريب في الأمر أنّ تسمية المؤيّدين لآراء السيد السيد محسن الأمين بـ «الأمويّين» و «المتسنّنين» لم يصدر من عوامّ الناس فحسب، بل صدر من بعض العلماء والفضلاء أيضاً:
فالشيخ إبراهيم المظفّر قال في رسالته: «نصرة المظلوم»:
«فعلمت من أين جاءت هذه البليّة التي تقضي ـ إن تمّت ـ على حياة الشيعة، وتيقّنت إنّ كيد المموّهين والمنافقين وخاصة أفراد «الجمعية الأموية» ذلك الكيد الذي لا ينطلي إلاّ على السُذّج والبسطاء»(2).
وقال المتتبّع الكبير الشيخ الطهراني (ت 1389 هـ) عند ذكره لهذه الرسالة «نصرة المظلوم»: «كتبها جواباً على بعض المتجدّدين المتسنّنين»(3).
وقال أيضاً عند ذكره لرسالة «النظرة الدامعة» التي ألّفها الشيخ مرتضى آل ياسين الكاظمي ردّاً على السيّد الأمين: «كتبه ردّاً على بعض المتسنّنين المتجدّدين».(4)
والأغرب من ذلك كلّه أن الشيخ عبد الحسين قاسم الحلّي، في مقدّمة رسالته «النقد النزيه لرسالة التنزيه» أشار إلى السيّد مهدي البصري ـ باعتباره من أهل البصرة ـ وإلى السيد محسن الأمين ـ باعتباره من أهل الشام بقوله:
____________
1) هكذا عرفتهم 1: 122.
2) نصرة المظلوم: 3.
3) الذريعة 24: 178/921.
4) الذريعة: 24/196/1030
وأخيراً نحمد لله سبحانه وتعالى على توفيقه لنا في خدمة العلم وأهله، وخدمة المكتبات الواقعة في العتبات المقدّسة في العراق، اللهمّ اجعلها في ميزان أعمالنا، وارزقنا شفاعة أهل البيت (عليهم السلام)، والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً.
محمّد الحسّون
7 ذو القعدة 1427 هـ
الصفحة على الانترنيت: site.aqaed.com/Mohammad
البريد الالكتروني: muhammad@aqaed.com
____________
1) النقد النزيه: 3.
مقدّمة المؤلّف
أما بعد الحمد والصلاة:
فقد حدا بي إلى تأليف كتابي هذا غفلة الجمهور عن تاريخ الحركة الحسينية وأسرارها ومزايا آثارها ـ وهي النواة لحركات عالمية ـ حتى أنّ بعض الأغيار إذ وجد هياج العالم، وحداد الأمم، ومظاهرات العرب والعجم اندفع قائلاً: «ما هذا؟، ولماذا؟، وهل الحسين إلا رجل خرج على خليفة عصره ثم لم ينجح؟».
نعم! سنعرِّفه ما هذا؟ ولماذا؟ ومن الحسين الناهض؟، ومن المعارض؟، وماهي غايات الفريقين؟ كل ذلك بهذا الكتاب الذي جمع المحاكمات التاريخية إلى النظرات الاجتماعية والمرويات الموثقة من كتب التواريخ المؤلفة قبل الاربعمائة الهجرية مثل:
(مروج الذهب) لعلي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة 345 هـ.
و (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج علي بن الحسين الأموي المرواني الاصفهاني مؤلف (الأغاني) المتوفى سنة 336 هـ.
و (تاريخ الأمم والملوك) لمحمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ.
و (الإرشاد) للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان المتوفى سنة 413 هـ.
و (الامامة والسياسية) لعبد الله بن مسلم الدينوري المعروف بابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ. وكتابه الآخر (المعارف).
و (الأخبار الطوال) لأحمد بن داود الدينوري المتوفى سنة 328 هـ.
و (الكافي) لمحمد بن يعقوب الكليني البغدادي المتوفى سنة 328 هـ.
وذلك بأسلوب وجيز، مؤملاً من المتأملين فيه، ومن قراء مأتم سيدنا الحسين أن يتقبلوه منّي بقبول حسن.
بغداد في 24 رمضان 1343 هـ
هبة الدين الحسيني
النهضة الحسينية
النهضة:
قيام جماعة أو فرد بما يقتضيه نظام الشرع أو المصلحة العامة كالحركة التي قام بها الحسين بن علي (عليهما السلام)(1)
وحقيقة النهضة سيالة في الأشخاص والأمم وفي الأزمنة والأمكنة، ولكن بتبدّل أشكال واختلاف غايات ومظاهر; وما تاريخ البشر سوى نهضات أفراد وجماعات وحركات أقوام لغايات، فوقتاً الخليل (عليه السلام) ونمرود، وحيناًمحمّد (صلى الله عليه وآله)
____________
1) الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) من زوجته الكبرى خديجة أم المؤمنين (عليها السلام).
وهو أحد السبطين الريحانتين، وخامس أهل الكساء، ولد في المدينة عام الخندق في السنة الرابعة للهجرة في خامس شعبان الموافق شهر كانون لسنة 626 م، وعاش مع جده النبي (صلى الله عليه وآله) ست سنوات وشهوراً وبقي معه أخيه الحسن أعواماً وشهوراً وكان مجموع عمره ستة وخمسين عاماً، وكانت شهادته بعد الظهر من يوم الجمعة عاشر محرم الحرام سنة 61هـ المواق سنة 680م بحاير الطف من كربلاء في العراق. واشترك في قتله شمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس وخولى بن يزيد من قواد جيش عمر بن سعد الذي أرسله والي الكوفة عبيد الله بن زياد بأمر من أمير الشام يزيد بن معاوية ليحصروا الحسين ورجاله ويقتلوهم وهم عطاشى. فقتلوه ورجاله ونهبوا وسبوا عياله مسفَّرين إلى الكوفة ثم إلى الشام فالمدينة. وإن اشتهار فضائل الحسين والآثار المرويه فيه ومنه وعنه في كتب الحديث والتاريخ ليغني عن التوسع في ترجمته الشريفة.
ولم تزل ولن تزال في الأمم نهضات أئمة هدى تجاه أئمة جور، ونهضة الحسين من بين النهضات قد استحقّت من النفوس إعجاباً أكثر لا لمجرد ما فيها من مظاهر الفضائل وإقدام معارضيه على الرذائل، بل لأنّ الحسين (عليه السلام) في إنكاره على يزيد(2) كان يمثّل شعور شعب حي(3)، ويجهر بما تضمره أُمة مكتوفة اليد،
____________
1) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس.
كان في الجاهلية بياع الزيت والأدم، ذميم الخلقة، هو من كبار قريش حتى قامت به قيامة قريش على الهاشميين قبيل الهجرة فترأس في المحالفة القرشية وأخذ على عاتقه مناوأة الإسلام ومقاتلة المسلمين. وله في عام الهجرة نحو سبع وخمسين سنة. ولم تقصر عنه أخته أم جميل العوراء في ايذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسعيها بالنميمة والفساد بين بني هاشم والقبائل ا، إذ كانت تحت أبي لهب والمقصود من آية «وامرأته حمالة الحطب... الخ» ولم يبرح يثير الأقوام ويشكّل الأحزاب ضدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في بدر الكبرى وبدر الصغرى وفي أُحد والأحزاب وفي وقايعه الأخرى. ولم يهدأ ساعة عن معاداة النبي في السر والعلانية وبإثارة النفوس والجيوش ضدّه، ويجاهد المسلمين جهده إلى يوم فتح مكة حيث أسلم مع بقية قريش.
وأوّل مشاهد بني سفيان مع المسلمين كان في غزوة حنين فمنحه المصطفى (صلى الله عليه وآله) مائة بعير من غنائم الحرب منوّهاً به وبمكانته. ثم اشترك أبو سفيان يوم الطائف فأصابته نبله في احد عينيه ففقئت واستعمل جابياً، ثم اشترك في واقعة اليرموك في السنة الثالثة عشر للهجرة على عهد أبي بكر فأصابت نبلة عينه الثانية ففقأتها واصبح أعمى. ومقالته فيها تنم عن ميله للروم.
ومات في دمشق عند ولده معاوية سنة احدى وثلاثين هجرية عن ثماني وثمانين سنة ودفن بها.
2) يزيد بن معاوية أُمه ميسون الكلابية ولد سنة خمس وعشرين فسماه أبوه باسم اخيه، وكان بديناً، مجدراً، رفيع الصوت، على أنفه قرحة، شديد السمرة، ولعاً بلعب النرد والصيد بالفهد، شغوفاً بمعاقرة الخمور والفجور بأنواعها، متجاهراً بالفسق حتى في سفر الحج. وفي مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) أخذ معاويه له بيعة الخلافة في حياته ثم استقرت له بعد وفاته في رجب سنة 60 هـ ومات بذات الرية في منتصف ربيع الأول سنة أربع وستين عن ثلاثة عشر ولداً أكبرهم معاوية بن يزيد.
3) إنّ مشاهير الفضلاء يومئذ في الأمة الإسلامية ـ كسيدنا الحسين (عليه السلام) وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله ابن عمر. وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر ـ أنكروا على معاويه استخلافه ليزيد الخمور والفجور، وقد توجس يزيد من مخالفة هؤلاء الوجوه خيفة ان يكون الرأي العام في جانبهم، واهتم في اضطهاد هؤلاء وإرغامهم، فثبت انّ الحسين (عليه السلام) يومئذ كان يمثّل في قيامه على يزيد رأي الجمهور وشعور الشعب الحي.