المقدمّة

إنّ الذي حرّضني على انتخاب هذا الموضوع والكتابة عنه جهات عديدة، أهمّها شُبهةٌ وُجّهت ـ ولا تزال توجّه ـ إلى الشيعة: بأنّهم لا يحترمون صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويقعون فيهم سبّاً وطعناً.

وهذه الشبهة لا أساس لها من الصحة، فإنّ الشيعة تضع وافر احترامها في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتعظّمهم،

الصفحة 2
وتقتدي بهم، وتجعلهم مناراً تستنير به، أولئك الذين لم يرتدّوا ولم يبدّلوا ولم يبدعوا في الدين وبقوا على منهج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل على الجميع حتّى الصحابة، فمن كان منهم على دين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ومات وهو على يقينٍ من أمره، ولم يشك في دينه، فتجعله في أعلى القمم، وتقتدي به، ومن أبدع وشكّ في نبيّه ودينه وبدّل وغيّر، فالشيعة وكلّ حرّ جعل العقل إمامه يرفضه وينبذه ولايقتدي به، لاَنه إذا اقتدى به اقتدى ببدعته وضلاله وشكّه.

وأمّا ما روي من أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم، واحفظوني في أصحابي، ولا تسبّوا أصحابي. و... فهي أحاديث ضعيفة السند، غير قابلة للاعتماد عليها، ومع فرض صحّة سندها، فإنّها محمولة على الاَصحاب الذين بقوا على الدين، والتزموا بشرائط الصحبة، لا أولئك الذين بدّلوا وغيّروا وأبدعوا...، وحاشا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يأمر أمّته باتباع مَن أبدع وغيّر، وشكّ فى دينه، لمجرّد أنه صحابي.

والقرآن والحديث شاهدان على هذا المطلب، وهو ليس كلّ

الصفحة 3
صحابي وكلّ من له صحبة مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يجب الاقتداء به واحترامه:

قال تعالى: (إنّ الذين يبايعونك إنّما يُبايعون الله يدُ الله فوق أيديهم فمَن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومَن أوفى بما عاهد عليهُ الله فسيؤتيه أجراً عظيماً)(1)

وقال تعالى: (.. ومن أهل المدينة مَردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرّتين ثم يُردون إلى عذاب عظيم)(2).

وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ إنك لرسول الله واللهُ يعلم إنك لرسولهُ والله يشهد إنّ المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا

____________

(1) الفتح 48: 10.

(2) التوبة 9: 101.


الصفحة 4
يفقهون)(1).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، الدالة على أنّ في الاَصحاب منافقينوغير مؤمنين بالله ولابرسوله.

وأما الاَحاديث فكثيرة جدّاً، منها:

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم في خطبة حجّة الوداع: فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض(2).

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إليّ رجال منكم، حتّى إذا أهويتُ لاَناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربي أصحابي ! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك(3).

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّي أيّها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول: قد

____________

(1) المنافقون 63: 1 ـ 3.

(2) صحيح البخاري، 9: 91، كتاب الفتن، وذكر أحاديث كثيرة بهذا المعنى.

(3) صحيح البخاري، 9: 87، كتاب الفتن، وذكر أحاديث كثيرة بهذا المعنى.


الصفحة 5
عرفتكم، ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى(1).

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي !!!(2)

فالشيعة تقتدي بالصحابة الصلحاء المتّقين، الذين آمنوا بالله ورسوله وماتوا وهم على يقين مما هم عليه، كعثمان بن مظعون الذي عقدنا لاَجله هذه الرسالة الوجيزة، حتّى

____________

(1) المستدرك، 4: 74 ـ 75، وقال بعد ذكره للحديث: هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه.

(2) الموطّأ، 2: 462، كتاب الجهاد، الحديث 32.


الصفحة 6
نتعرّف على جوانب من حياته، ونجعلها قدوة نقتدي بها.

فإنّ الشيعة مطبقة على عدالته ووثاقته، وجعله في أعلى مرتبة الصالحين والمتقين، ومن الذين أبلوا بلاءً حسناً في صدر الاِسلام، وجاهدوا بكلّ ما لديهم من قوّة لاَجل إعلاء كلمة الاِسلام، حتى قال الشيخ المامقاني: فالرجل فوق مرتبة الوثاقة والعدالة(1).

وحاولت في هذه الرسالة أن أعتمد على مصادر الفريقين، ليخرج البحث متكاملاً.

اسمه ونسبه وصفته

عثمان بن مظعون ـ بالظاء المعجمة ـ بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، الجُمحي القرشي، ويكنّى أبا السائب(2).

وكان شديد الاَدمة، ليس بالقصير ولا بالطويل، كبير اللحية،

____________

(1) تنقيح المقال، 2: 249.

(2) أسد الغابة، 3: 598 ـ الاِصابة، 2: 464 ـ الاستيعاب، 3: 1053 ـ العقد الثمين، 6: 49 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ معجم الشعراء: 254 ـ المعرفة والتاريخ، 1: 272 ـ التاريخ الكبير، 6: 210 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 153 ـ المنتظم، 3: 190.


الصفحة 7
عريضها(1).

وقيل: كان عثمان بن مظعون أخا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من الرضاعة(2)

ولادته

ولد في عصر ملؤه الجهل وانحطاط القيم الاِنسانيّة، في عصرٍ كان يسوده الظلم والجور، وعدم مراعاة حقوق الاِنسان، لكنه ـرضوان الله عليه ـ لم ينخرط في سلك أهل عصره، بل جعل عقله قائده وراشده، وسلك في حياته

____________

(1) سير أعلام النبلاء، 1: 160 ـ الطبقات، 3: 400.

(2) تنقيح المقال، 2: 249، نقلاً عن المولى الوحيد.


الصفحة 8
مسلك العقلاء والحكماء، حتّى قيل: إنه كان من حكماء العرب في الجاهلية(1).

تحريمه الخمر في الجاهليّة

وممّا يدلّ على حكمته قبل الاِسلام، وسموّ عقله، ما اتفق عليه أصحاب السير والتاريخ من أنه حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال:

لا أشرب شراباً يذهب عقلي، ويضحك بي مَن هو أدنى منّي، ويحملني على أن أنكح كريمتي، أو: ويحملني على أن أُنكح كريمتي مَن لاأريد.

وقيل: إنه لمّا حرّمت الخمر، أتي وهو بالعوالي، فقيل له: يا عثمان قد حرّمت الخمر، فقال: تبّاً لها، قد كان بصري فيها ثاقباً(2).

وتنظّر البعض في ذيل الكلام، وهو: وقيل إنه لمّا حرّمت الخمر أتي وهو بالعوالي...، وذكروا وجه النظر بأنّ آية التحريم نزلت بعد وفاة عثمان.

____________

(1) الاَعلام، 4: 214.

(2) أسد الغابة، 3: 599 ـ العقد الثمين، 6: 49 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 155 ـ الطبقات، 3: 393 ـ 394 ـ غربال الزمان: 13 ـ شذرات الذهب، 1: 9 ـ الاستيعاب، 3: 1054 ـ المنتظم، 3: 190.


الصفحة 9
وأقول: عند أكثر أهل السنة أن الآية الثالثة في تحريم الخمر تدلّ على التحريم، والآية الاَولى والثانية لايستفاد منهما التحريم، وعند الشيعة أن الآية الاَولى تدل على التحريم، والثانية والثالثة مؤكدتان للحكم، فلعلّ القول بأنه لما حرّمت الخمر قيل لعثمان: ياعثمان قد حرّمت الخمر فقال:...، ناظر إلى الآية الاَولى، والله العالم.

ومع اتفاق كلّ المصادر على أنّ عثمان بن مظعون حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية، فقد أخرج ابن المنذر، عن سعيد ابن جبير قال: لمّا نزلت: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس...)شربها قوم لقوله: (منافع للناس)، وتركها قوم لقوله: (إثم كبير)،

الصفحة 10
منهم: عثمان بن مظعون... وهذا افتراء صريح على هذا الصحابي الجليل، فإنه متى شربها حتّى تركها(1)؟.

وهذا ـ أيضاً ـ يدلّ على أنّ أول آية في الخمر ـ وهي: (يسألونك عن الخمر والميسر...) ـ نزلت في حياة عثمان، وهي دالّة على التحريم في نظر الشيعة.

التسمية بعثمان

ولسموّ مرتبة عثمان بن مظعون وقربه من الله ـ تعالى ـ ونبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومكانته العالية في قلوب المؤمنين، سمّى الكثير من الاَولياء والصلحاء أولادهم بـ(عثمان)؛ لشدّة تعلّقهم بعثمان بن مظعون ومحبتهم له وإحياءً لذكراه.

ذكر الثقفي في تاريخه، عن هبيرة بن مريم، قال: كنّا جلوساً عند علي عليه السّلام، فدعا ابنه عثمان، فقال له: يا عثمان، ثمّ قال: إني لم اسمّه باسم عثمان...، إنّما سمّيته باسم عثمان

____________

(1) راجع: الغدير، 6: 253.


الصفحة 11
بن مظعون(1).

وفي زيارة الناحية المقدسة: السلام على عثمان ابن أمير المؤمنين سميّ عثمان بن مظعون(2).

وروي ـ أيضاً ـ عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون(3).

اُسرته

أمّه: سُخيلة بنت العنبس بن وهبان ـ أهبان ـ بن وهب بن حذافة بن جمح.

وإخوته: عبد الله بن مظعون، توفي سنة 30 هـ، وقدامة بن مظعون، مات سنة 36 هـ.

وأولاده: السائب، وعبد الرحمن، أمّهما خولة بنت حكيم.

____________

(1) تقريب المعارف: 52، نقلاً عن تاريخ الثقفي.

(2) البحار، 101: 270، نقلاً عن الاقبال ومزار المفيد والسيّد.

(3) مقاتل الطالبيين: 58 ـ وعنه في البحار، 45: 38.


الصفحة 12
وزوجته: خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة الاَوقص السُّلميّة، ويقال لها: خُوَيلَة.

وهي الّتي قالت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد وفاة خديجة: يا رسول الله، ألا تتزوّج ؟ قال: مَن ؟ قالت: إن شئت بكراً، وإن شئت ثيباً، قال: فمنالبكر؟ قالت: بنت أبي بكر، قال: ومَن الثيّب ؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول... قال: فاذهبي فاذكريهما عليّ، فذهبت إلى أبويهما وخطبتهما، فقبلا وتزوّجهما(1).

وروت خولة عدّة أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(2)لان. وذكر أنها إحدى خالات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم(3).

إسلامه

وأسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلاً، انطلق هو وجماعة حتّى أتوا رسول الله صلّى الله عليه

____________

(1) الطبقات، 3: 393 و 400 ـ 402 ـ الاستيعاب، 3: 1053 ـ اسد الغابة، 3: 598 ـ المنتقى في مولود المصطفى للكازروني: 65 ـ وعنه في البحار، 19: 23 ـ مسند أحمد، 6: 210 ـ 211.

(2) مسند احمد، 6: 409 ـ 410.

(3) مسند أحمد، 6: 409.


الصفحة 13
وآله وسلّم، فعرض عليهم الاِسلام وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعاً، وذلك قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دار الاَرقم وقبل أن يدعو فيها(1).

ور وي أنّ عثمان بن مظعون قال: نزلت آية: (إنّ الله يأمر بالعدل والاِحسان...) على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا عنده، وذكر أنّه شاهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على غير حالته الطبيعية، فلمّا سأله: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما رأيتك فعلت الّذي

____________

(1) أسد الغابة، 3: 598 ـ الاِصابة، 2: 464 ـ الاستيعاب، 3: 1053 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 155 ـ الطبقات، 3: 393 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ العقد الثمين، 6: 49.


الصفحة 14
فعلت اليوم، ما حالك ؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولقد رأيتَه ؟ فأجابه عثمان: نعم، قال رسول الله: ذاك جبرئيل لم يكن لي همّة غيره، ثم تلا عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما أنزل عليه.

قال عثمان: فقمت من عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم معجباً بالّذي رأيت، فأتيت أبا طالب وقرأتُ ما أوحي إلى النبيّ، فعجب أبو طالب، وقال: يا آل غالب اتبعوه ترشدوا وتفلحوا، فو الله ما يدعو إلاّ إلى مكارم الاَخلاق...

وروي أيضاً: أن عثمان قال: كان أول إسلامي حبّاً من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ تحقق ذلك اليوم لمّا شاهدت الوحي إليه، واستقرّ الاِيمان في قلبي(1).

الآيات النازلة في عثمان

____________

(1) مسند أحمد، 1: 318 ـ سعد السعود: 122 ـ 133 ـ وعنه في البحار، 18: 268 ـ 270 ـ ونقله في البحار أيضاً، 22: 112 عن قصص الاَنبياء ـ المنتظم، 3: 190.


الصفحة 15
1 ـ (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلاّ على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربّهم وأنّهم إليه راجعون)(1).

قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)نزلت في علي عليه السّلام وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وأصحاب لهم رضي الله عنهم(2).

2 ـ (يا أيّها الذين آمنوا لاتحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم...)(3).

نزلت في عدّة من الصحابة،

____________

(1) البقرة، 2: 45 ـ 46.

(2) تفسير الحبري: 239 ـ شواهد التنزيل: 115 ـ المناقب لابن شهر آشوب، 2: 9، وقال فيه: رواه الفلكي في إبانة ما في التنزيل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

(3) المائدة، 5: 87.


الصفحة 16
منهم: عثمان بن مظعون وعمّار بن ياسر وسلمان، حرّموا على أنفسهم الشهوات وهمّوا بالاِخصاء(1).

وروي: أنّ علياً عليه السّلام وعثمان بن مظعون ونفراً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تعاقدوا أن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ولا يأتوا النساء، ولايأكلوا اللحم، فبلغ ذلك رسول الله، فأنزل الله تعالى:...(2) وروي عن أبي عبد الله عليه السّلام: نزلت في علي عليه السّلام وبلال وعثمان بن مظعون، فأمّا علي عليه السّلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبداً إلاّ ما شاء الله، وأمّا بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأمّا عثمان بن مظعون فانه حلف أن لا ينكح أبداً...

ولمّا أخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ما بال أقوام

____________

(1) شواهد التنزيل: 239 و 259 ـ تفسير فرات الكوفي: 131 ـ 132 ـ تفسير الحبري: 264.

(2) شواهد التنزيل: 260 ـ كشف الغمة، 1: 319.


الصفحة 17
يحرّمون على أنفسهم الطيبات، ألا أنّي أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي، فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الاَيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم)(1). ورويت أحاديث كثيرة بهذا المعنى(2)، نكتفي

____________

(1) المائدة، 5: 89 ـ وانظر المناقب لابن شهر آشوب، 2: 100 ـ 101 ـ تفسير علي بن ابراهيم القمي: 166 ـ وعنه في البحار، 70: 116 ـ 117 ـ تفسير مجمع البيان، 3: 236 ـ وعنه في البحار، 65: 113 ـ وراجع البحار أيضاً، 65: 112 و 113 و 114.

(2) راجع: تفسير البرهان، 1: 494 ـ والدرّ المنثور، 2: 301 و 307 و 308 و 309 و 310 ـ وتفسير الطبري، 7: 7 و 8 و 9 ـ ومسند أحمد، 6: 106 و 226.


الصفحة 18
منها بهذا المقدار.

3 ـ (ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طَعِموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثمّ اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحبّ المحسنين)(1).

نزلت في عدّةٍ منهم عثمان بن مظعون، وكان عثمان قد همّ بطلاق زوجته وأن يختصي ويحرم اللحم والطيب، فردّ عليه النبي واُنزل في ذلك:...(2).

4 ـ (وضرَب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه أينما يوجّهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومَن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم)(3).

قال الشيخ الطبرسي:... وقيل إنّ الاَبكم أبي بن خلف، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن مظعون، عن عطاء(4).

____________

(1) المائدة، 5: 93.

(2) الاستيعاب، 3: 1054 ـ العقد الثمين، 6: 49.

(3) النحل، 16: 76.

(4) مجمع البيان، 6: 578، وعنه في البحار.


الصفحة 19

وصف أمير المؤمنين لعثمان

قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يُعظمه في عيني صِغرُ الدنيا في عينه، وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتاً، فإن قال بدّ القائلين ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاءَ الجِدّ فهو ليثُ غابٍ وصِلُّ وادٍ، لا يدلي بحجّة حتّى يأتي قاضياً، وكان لا يلومُ أحداً على ما يجد العذر في مثله حتّى يسمع اعتذارَه، وكان لا يشكو وجعاً إلاّ عند برئه، وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل، وكان اذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان

الصفحة 20
على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلّم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه. فعليكم بهذه الاَخلاق فالزموها وتنافسُوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير(1).

والمشار إليه بـ(كان لي فيما مضى أخ في الله) عثمان بن مظعون على أحد الاَقوال، وقيل: أبوذر، وقيل: غيرهما(2).

ويدلّ على أن المراد بالاَخ هنا عثمان بن مظعون ما ورد من وصف أمير المؤمنين لعثمان بالاَخ، كقوله عليه السّلام في وجه تسمية ولده بعثمان: إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون(3).

وكان عثمان بن مظعون من الملازمين لاَمير المؤمنين عليه السّلام، حتّى نشاهد أنّ اكثر الآيات النازلة في حقّ عثمان هي في حقّ عليّ عليه السّلام وسائر أصحابه.

ولو كان من المقدّر أن يبقى عثمان بعد وفاة رسول الله صلّى الله

____________

(1) نهج البلاغة، شرح محمد عبدة، 4: 69 ـ 70.

(2) شرح نهج البلاغة لكمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، 5: 390.

(3) مقاتل الطالبيين: 58 ـ وعنه في البحار، 45: 38.


الصفحة 21
عليه وآله وسلّم لكنت تراه يقف موقف سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد في قِبال الاَحداث، ولشاهدته من حواري أمير المؤمنين عليه السّلام.

تعذيب قريش لعثمان وهجرته وزهده

وبعد أن أسلم عثمان (قدّس الله روحه) وأعلن إسلامه، واجهته قريش بالاَذى والسطوة، كما هو ديدنها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه.

وكانت بنو جُمح تؤذي عثمان وتضربه وهو فيهم ذو سطوة وقَدْر(1).

ولمّا اشتدّ أذى المشركين على الذين أسلموا، وفتن منهم من فتن،

____________

(1) شرح نهج البلاغة، 13: 268.


الصفحة 22
أذن الله سبحانه لهم بالهجرة الاَولى إلى أرض الحبشة، التي كانت متجراً لقريش يجدون فيها رفقاً من الرزق وأماناً. فخرجوا متسلّلين سرّاً، وأميرهم عثمان بن مظعون، فيسّر الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار، فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة، وخرجت قريش في أثرهم، ولمّا وصلوا البحر لم يدركوا منهم أحداً.

ومكث عثمان بن مظعون وأصحابه في الحبشة، حتّى بلغهم أنّ قريشاً قد أسلمت، فأقبلوا نحو مكة، وما إن اقتربوا منها حتّى عرفوا أنّ قريشاً لم تسلم، وأنها ما زالت على عدائها لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فثقل عليهم أن يرجعوا، وتخوّفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار من بعض أهل مكة، فمثكوا مكانهم حتّى دخل كلّ رجل منهم بجوارٍ من بعض أهل مكة، ودخل عثمان بن مظعون مكة بجوار الوليد بن المغيرة.


الصفحة 23
ولمّا رأى عثمان ما يلقى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه من الاَذى والبلاء، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة، قال: والله، إنّ غدوّي ورواحي آمناً بجوار رجلٍ من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الاَذى والبلاء في الله ما لا يصيبني، لنقصٌ كبير في نفسي.

فمضى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفَت ذمّتك، وقد كنتُ في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه الى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلي به وأصحابه أسوة.

فقال الوليد: فلعلك يا بن أخي أوذيتَ أو انتهكتَ ؟

قال عثمان: لا، ولكن أرضى بجوار الله ولا أريد أن استجير بغيره.

قال: فانطلق إلى المسجد فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتُك علانية.


الصفحة 24
فانطلقا، حتّى أتيا المسجد.

فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري، فقال عثمان: قد صدق، قد وجدته وفياً كريم الجوار، ولكني أحببت أن لا أستجير بغيرالله، فقد رددت عليه جواره(1).

ومرّ عثمان بن مظعون بمجلسٍ من قريش، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي ينشدهم: «ألا كلّ شيءٍ ما خلا الله باطل».

فقال عثمان: صدقت.

فقال لبيد: «وكلُّ نعيم لا محالة زائلُ».

فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول أبداً.

فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم ؟

فقال رجل: إنّ هذا سفيه من سفهائنا قد فارق ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله.

فردّ عليه عثمان، فقام إليه ذلك

____________

(1) معجم الشعراء: 254 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 155 ـ الطبقات، 3: 393 ـ حلية الاَولياء، 1: 103 ـ 105 ـ الاِصابة، 2: 464 ـ أسد الغابة، 3: 598 ـ زاد المعاد، 3: 23 ـ 26 ـ تفسير مجمع البيان، 3: 233 ـ 234 وعنه في البحار.


الصفحة 25
الرجل، فلطم عينه فخضرها.

فقال الوليد بن المغيرة لعثمان: إن كانت عينك لغنية عمّا أصابها، لِمَ رددت جواري ؟

فقال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة لمثل ما أصاب أختها في الله، لا حاجة لي في جوارك.

وفي بعض المصادر:

فقال الوليد: هل لك في جواري ؟

فقال عثمان: لا أرَبَ لي في جوار أحدٍ الاّ في جوار الله(1).

ثم قال عثمان بن مظعون فيما أصيب من عينه:

____________

(1) راجع: خزانة الاَدب، 2: 255 ـ 256 ـ الاِصابة، 2: 464 ـ غربال الزمان: 13 ـ شذرات الذهب، 1: 10 ـ حلية الاَولياء، 1: 103 ـ 104 ـ أسد الغابة، 3: 598.


الصفحة 26

فان تك عيني في رضا الربّ نالها * يدا ملحدٍ في الدين ليس بمهتد
فقد عوض الرحمن منها ثوابه * ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فإنّي وإن قلتم غويّ مضلّل * سفيه على دين الرسول محمد
أريد بذاك الله والحقّ ديننا * على رغم مَن يبغي علينا ويعتدي(1)

وقال أبو طالب رضى اللّه عنه ـ وقد غضب لعثمان بن مظعون حين عذّبته قريش ونالت منه ـ:

أمَّن تذكّر دهرَ غير مأمون * أصبحت مكتئباً تبكي كمحزون
أمَّن تذكّر أقوامَ ذوي سفهٍ * يغشون بالظلم مَن يدعو إلى الدين
ألا ترون ـ أذلّ الله جمعكم ـ* أنّا غضبنا لعثمان بن مظعونِ
ونمنع الضيمَ مَن يبغي مضامتنا * بكلّ مطردٍ في الكفّ مسنونِ
ومرهقات كأنّ الملح خالطها * يشفى بها الدّاء من هام المجانين

____________

(1) حلية الاَولياء، 1: 104.


الصفحة 27

حتّى تقرّ رجال لا حلوم لها * بعد الصعوبة بالاِسماح واللين
أو تؤمنوا بكتاب منزل، عجب * على نبيّ كموسى أو كذي النونِ(1)

وذكر مثل هذه الاَبيات أبو نعيم الاصفهاني، منسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، قالها فيما أصاب من عين عثمان بن مظعون:

أمن تذكر دهر غير مأمون * أصبحت مكتئباً تبكي كمحزون
أمن تذكر أقوام ذوي سفهٍ * يغشون بالظلم مَن يدعو إلى الدين
لا ينتهون عن الفحشاء ما سلموا * والغدر فيهم سبيل غير مأمون
ألا ترون ـ أقلّ الله خيرهم ـ * أنّا غضبنا لعثمان بن مظعونِ
إذ يلطمون ولا يخشون مقلته * طعناً دراكاً وضرباً غير مأفونِ

____________

(1) شرح نهج البلاغة، 14: 73.


الصفحة 28

فسوف يجزيهم إن لم يمت عجلاً * كيلاً بكيل جزاءً غير مغبونِ(1)

واشتدّ البلاء من قريش على منقدممنمهاجريالحبشة وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم، ولقوا منها تعنيفاً شديداً، وصعب عليها ما بلغها عن النجاشي من حسن جواره لهم، فأذن لهم رسول الله بالخروج مرّةً ثانية إلى أرض الحبشة.

وهل خرج معهم عثمان بن مظعون ؟

صرّح بهجرته ـ مرّة ثانية ـ إلى أرض الحبشة ابن سعد بالاعتماد على رواية محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر، والنووي(2).

وفيه نظر، لاَن الذين هاجروا الهجرة الاَولى رجعوا إلى مكة قبل الهجرة النبوية، والذين هاجروا الهجرة الثانية رجعوا عام خيبر، أي بعد وفاة عثمان بن مظعون الّذي اشترك في حرب بدر، وهي قبل خيبر. ولعل منشأ الاشتباه تصريح البعض بمهاجرة

____________

(1) حلية الاَولياء، 1: 104.

وذكرت الاَبيات مع زيادة في الديوان المنسوب لاَمير المؤمنين 7 صفحة 256 من المخطوطة.

(2) الطبقات، 3: 393 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 336.


الصفحة 29
عثمان الهجرتين(1)، فحملوه على الاَولى والثانية للحبشة، والظاهر أن الاَولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة.

وصرّح ابن الاَثير الجزري: أنّ عثمان بن مظعون هاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرةَ الاَولى مع جماعة من المسلمين، وذكر كيفية رجوعه وما جرى له مع لبيد وقال: ثمّ هاجر عثمان إلى المدينة وشهد بدراً(2).

وقال البعض: قد ذكر في هذه الهجرة الثانية جماعة ممّن شهد بدراً، فإمّا أن يكون هذا وهماً، وإمّا أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر، فتكون لهم ثلاث قدمات: قدمة قبل الهجرة، وقدمة قبل بدر، وقدمة عام

____________

(1) سير أعلام النبلاء، 1: 155.

(2) أسد الغابة، 3: 598.


الصفحة 30
خيبر، ولذلك قال ابن سعد وغيره: إنهم لمّا سمعوا هجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً ومن النساء ثمان نسوة، فمات منهمرجلانبمكة،وحبس بمكة سبعة، وشهد بدراً منهم أربعة وعشرون رجلاً(1).

وعلى أيّ حال، فهجرة عثمان بن مظعون من مكة إلى المدينة أمرٌ مقطوع به، فقد هاجر هو وأخواه قدامة وعبد الله وابنه السائب إلى المدينة، ونزلوا على عبد الله بن سلمة العجلاني، وقيل: على خذام بن وديعة(2)ِ.

قال الواقدي: آل مظعون ممن أوعب في الخروج إلى الهجرة رجالهم ونساؤهم، وغلقت بيوتهم بمكة(3).

وروي عن أمّ العلاء، قالت: نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمهاجرون معه المدينة في الهجرة، فتشاحت الاَنصار فيهم أن

____________

(1) زاد المعاد، 3: 25 ـ 26.

(2) سير أعلام النبلاء، 1: 158 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الطبقات، 3: 395 ـ 396.

(3) سير أعلام النبلاء، 1: 158 ـ الطبقات، 3: 395 ـ 396.


الصفحة 31
ينزلوهم في منازلهم، حتّى اقترعوا عليهم، فطار لنا عثمان بن مظعون على القرعة، تعني: وقع في سهمنا(1).

وأما زهده وقناعته بالشيء القليل وتركه الدنيا فيدل عليه: ما روي من أنّه دخل يوماً المسجد، وعليه نمرة قد تخلّلت فرقّعها بقطعة من فروة، فرقّ له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ورقّ أصحابه لرقته، فقال: كيف أنتم يغدو أحدكم في حلّة ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى، وسترتم البيوت كما تستر الكعبة ؟ قالوا: وددنا أنّ ذلك قد كان يا رسول الله فأصبنا الرخاء والعيش، قال: فإنّ ذلك

____________

(1) الطبقات، 3: 396 ـ صحيح البخاري، 2: 71.


الصفحة 32
لكائن، وأنتم اليوم خير من اُولئك(1).

مؤاخاته واشتراكه في بدر:

آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين عثمان بن مظعون وبين أبي الهيثم بن التّيهان الاَنصاري(2).

وشهد عثمان بن مظعون بدراً باتفاق المؤرخين(3). وأُسّر حنظلة بن قبيصة بن حذافة على يد عثمان بن مظعون(4)يلا. وقُتل أوس بن المغيرة بن لوذان على يد عليّ عليه السّلام وعثمان بن مظعون(5).

عثمان والرواية

كان عثمان بن مظعون من الاَوائل الّذين أسلموا، ومن الاَوائل الّذين لبّوا نداء ربّهم، وتوفي في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بادىَ الاِسلام، ونال درجة عالية بعد وفاته بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليه، ولم يروِ عن

____________

(1) حلية الاَولياء، 1: 105.

(2) الطبقات، 3: 396 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326.

(3) أسد الغابة، 3: 598 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الطبقات، 3: 396 ـ التاريخ الصغير، 1: 46 ـ المنتظم، 3: 190 ـ ومصادر أخرى كثيرة جدّاً.

(4) شرح نهج البلاغة، 14: 204.

(5) شرح نهج البلاغة، 14: 212.


الصفحة 33
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلاّ قليلاً، وذلك لعدم دركه من زمان الاِسلام إلاّ أوائله.

فيروي عثمان بن مظعون عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(1)لا، ورواياته عن رسول الله قليلة جدّاً.

ويروي عن عثمان بن مظعون: عبد الله بن جابر(2)، وسعد بن مسعود الكناني (الكندي)(3).

____________

(1) ربيع الاَبرار، 2: 265 ـ تهذيب الاَحكام، 4: 190، الحديث 541.

(2) تهذيب الاَحكام، 4: 190، الحديث 541.

(3) تهذيب الاَحكام، 6: 122، الحديث 210.


الصفحة 34
عبادته واجتهاده واعتزاله النساء وحياؤه:

كان عثمان ـ رضوان الله عليه ـ من أشدّ الناس اجتهاداً في العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل. ووصل به الحدّ في العبادة أنه ترك وتجنّب الشهوات بالمرة، واعتزل النساء(1). حتّى روي: أنّ زوجته دخلت على نساء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لكِ ؟ فما في قريش أغنى من بعلك ! قالت: ما لنا منه شيء، أمّا ليله فقائم، وأمّا نهاره فصائم. فدخل النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فذكرن ذلك له، فلقيه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: أمالك بي أسوة؟ قال: بأبي وأمّي وما ذاك ؟ قال: تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قال: إنّي لاَفعل، قال: لا تفعل، إنّ لعينيك عليك حقّاً، وإنّ لجسدك حقّاً، وإنّ لاَهلك حقّاً، فصلِّ ونمْ وصم وافطر.

وفي رواية أخرى: يا عثمان لم

____________

(1) الاستيعاب، 3: 1054 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ أسد الغابة، 3: 599 ـ العقد الثمين، 6: 49 ـ المنتظم، 3: 190.


الصفحة 35
يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحبّ فطرتي فليستن بسنّتي، ومن سنّتي النكاح.

وفي رواية أخرى قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّي آتي النساء وأفطر بالنهار وأنام الليل، فمن رغب عن سنّتي فليس مني، وأنزل الله ـ تعالى ـ: (يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيّباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)(1).

فأتتهن زوجة عثمان بعد ذلك عطرةً كأنّها عروس، فقلن لها: مه ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس(2).

____________

(1) المائدة: 87 ـ 88.

(2) الطبقات، 3: 394 ـ 395 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 157 ـ 158 ـ حلية الاَولياء، 1: 106 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ مسند أحمد، 6: 106 و 226 ـ سنن الدارمي، 2: 179، الحديث 2169 ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي: 166 ـ وعنه في البحار، 70: 116 ـ 117 ـ الكافي للكليني، 2: 56 و 57 ـ وعنه في البحار، 22: 264 ـ تنقيح المقال، 2: 249.


الصفحة 36
وروي: أنّ عثمان قال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ! لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي، قال: ولِمَ ؟ قال: استحيي من ذلك، قال: إنّ الله قد جعلها لك لباساً، وجعلك لباساً لها ...، فلمّا أدبر قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ ابن مظعون لحييّ ستير(1).

الرهبانية والسياحة والتبتّل

خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الاِنسان ليكون نواة صالحة، وكائناً عاملاً في كلّ نواحي الحياة الاِنسانية، وليس من حكمة خلق الله للاِنسان أن يترهّب ويعتزل المجتمع، ويعيش لوحده يعبد ربّه.

وفي بادىَ الاِسلام كانت فكرة الرهبانية، وترك المجتمع والملذّات الدنيوية، تدور في خُلد بعض المتديّنين، وذلك لشدّة تديّنهم وحرصهم على العبادة وترك الدنيا.

ومن الاَوائل الذين فكّروا

____________

(1) الطبقات، 3: 394 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 157 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ بحار الاَنوار،93: 73.


الصفحة 37
بالرهبانية والسياحة عثمان بن مظعون ـ رضوان الله عليه ـ فإنّه أول ما أقدم عليه من عمل هو: أنه كان يقوم الليل ويصوم النهار، وترك زوجته بالمرّة، وبعدها استأذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الرهبانية والسياحة والتبتّل وطلاق زوجته والخصاء، فنهاه عن ذلك وردّه عليه(1).

____________

(1) أسد الغابة، 3: 599 ـ الاستيعاب، 3: 154 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 155 ـ الاصابة،2: 464ـالطبقات، 3: 394 ـ مسند أحمد، 1: 175 و 176 و 183 ـ صحيح البخاري، 6: 118 و119 ـ سنن ابن ماجة، 1: 593، الحديث 1848 ـ صحيح مسلم، 9: 176 ـ 177 ـ سنن الترمذي، 3: 394، الحديث 1083 ـ سنن النسائي، 6: 58 ـ سنن الدارمي، 2: 178، الحديث 2167.


الصفحة 38
فعن ابن شهاب: أنّ عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الاَرض، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أَليس لك فيّ أسوة حسنة ؟ فأنا آتي النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر، إنّ خصاء أمّتي الصيام، وليس من أمّتي من خصى أو اختصى(1).

وروي أيضاً عن عثمان أنه قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا رسول الله! أردت أن أسألك عن أشياء، فقال: وما هي يا عثمان ؟ قال: قلت: إنّي أردتُ أن أترهب، قال: لا تفعل يا عثمان، فانّ ترهّب أمّتي القعود في المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.

قال: فإني أردت يا رسول الله ! أن أختصي، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تفعل يا عثمان، فإنّ اختصاء أمّتي الصيام(2).

وروي أيضاً أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ نفسي

____________

(1) الطبقات، 3: 394 ـ سير اعلام النبلاء، 1: 157.

(2) تهذيب الاَحكام، 4: 190 ـ 191، الحديث 541، وروى المقطع الاَول في مشكاة الاَنوار: 262 ـ وعنه في البحار، 83: 382.


الصفحة 39
تحدّثني بالسياحة وأن ألحق الجبال، قال: يا عثمان لا تفعل، فإنّ سياحة أمّتي الغزو والجهاد(1).

وروي: أنّه اتخذ بيتاً يتعبّد فيه، فأتاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأخذ بعضادتي البيت وقال: يا عثمان ، إنّ الله لم يبعثني بالرهبانية ـ مرّتين أو ثلاثاً ـ، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة(2).

وروي عنه ـ أيضاً ـ أنّه قال: يا رسول الله ! إني رجل تشقّ عليّ العزبة في المغازي، أفتأذن لي في الخصاء ؟ قال: لا، ولكن عليك

____________

(1) تهذيب الاَحكام، 6: 122، حديث 210.

(2) سير أعلام النبلاء، 1: 158 ـ الطبقات، 3: 395.


الصفحة 40
بالصوم، فانه مَجْفَر (محصن)(1).

وروي عنه ـ أيضاً ـ: أنه همّ بطلاق زوجته، وأن يختصي ويحرم اللحموالطيب،فردّعليهالنبيصلّى الله عليه وآله وسلّم، واُنزل في ذلك: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثمّ اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحبّ المحسنين)(2).

وروي أيضاً: أنه توفي ابن لعثمان بن مظعون، فاشتدّ حزنه عليه، حتّى اتخذ داره مسجداً يتعبّد فيه، فبلغ ذلك رسول الله، فأتاه، فقال له: يا عثمان، إنّ الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانيّة، إنّما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، يا عثمان بن مظعون ! للجنة ثمانية أبواب، وللنار سبعة أبواب، فما يسرّك أن لا تأتي باباً منها إلاّ وجدت ابنك إلى جنبك آخذاً بحجزتك يشفع لك الى ربك، قال: بلى...(3)

____________

(1) شرح نهج البلاغة، 19: 132 ـ التاريخ الكبير، 6: 210 ـ الاستيعاب، 3: 1055 ـ الطبقات، 3: 395 ـ المعرفة والتاريخ، 1: 272 ـ 273.

(2) المائدة: 93 ـ وانظر الاستيعاب، 3: 1054 ـ العقد الثمين، 6: 49.

(3) أمالي الصدوق: 40 ـ وعنه في البحار، 8: 170.


الصفحة 41

شعره

ولم يكن عثمان من الشعراء المعروفين، لكنه كان قادراً على نظم الشعر، والذي وصل إلينا شيء منه.

وقد مرّت منه عدّة أبيات في فصل تعذيب قريش لعثمان وهجرته. فمن شعره حينما هاجر إلى أرض الحبشة، وبلغه أنّ أمية ابن خلف شتمه، فقال:

أتيم بن عمرو الّذي فار ضغنه * ومن دونه الشرمان والترك أجمع
أأخرجتني من بطن مكّةَ آمناً * وألحقتني من صرح بيضاء تقدع ؟
تريش نبالاً لا يؤاتيك ريشُها * وتبري نبالاً ريشها لك أجمع

الصفحة 42
فكيف إذا نابتك يوماً ملمةٌ * وأسلمك الاَوباش ما كنت تجمع ؟(1)

وفاته

نصّ كثير من المؤرّخين: على أنّ عثمان بن مظعون أول من مات بالمدينة من المهاجرين(2).

وأمّا تاريخ وفاته، فإنّه كان بعد أن شهد بدراً، وفي تحديد تاريخ وفاته عدّة أقوال:

(أ) في شعبان بعد سنتين ونصف من الهجرة(3).

(ب) في السنة الثانية من الهجرة(4).

(ج) بعد اثنين وعشرين شهراً من مقدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة(5)، وهذا يدلّ على أنه توفي في أواخر سنة اثنتين.

(د) بعد مقدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة بستة أشهر(6))، وهذا إنما يكون بعد مقدمه من غزوة بدر، لاَنه لم يختلف أحد في

____________

(1) معجم الشعراء: 254 ـ ربيع الاَبرار، 2: 860.

(2) الاِصابة، 2: 264 ـ أسد الغابة، 3: 599 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الاستيعاب، 3: 1053 ـ غربال الزمان: 3.

(3) تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الاستيعاب، 3: 1054 وفيه على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة ـ العقد الثمين، 6: 49 ـ الطبقات، 3: 396 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 159.

(4) الاِصابة، 2: 464 ـ أسد الغابة، 3: 599 ـ الاستيعاب، 3: 1054 ـ غربال الزمان: 3 ـ العبر، 1: 14 ـ المنتظم، 3: 191.

(5) الاستيعاب، 3: 1054 ـ العقد الثمين، 6: 49.

(6) الاستيعاب، 3: 1054.


الصفحة 43
أنه شهدها.

وذكرت أم العلاء أنّ عثمان بن مظعون اشتكى عندهم، وقالت: مرّضناه، فلمّا توفي جعلناه في أثوابه. فدخل عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأكب عليه يقبّله ويقول: رحمك الله يا عثمان، ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك شيئاً .

وحديث تقبيل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعثمان وهوميّت نقله الكل وبصور مختلفة، فبعض ذكر أنه قبله ـ بعد الغسل والتكفين ـ بين عينيه، والآخر ذكر أنه قبّله على خدّه. وبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على عثمان بن مظعون طويلاً، ودموعه تسيل على خدّ عثمان بن مظعون(1)).وأمّا ما روي من أنه لما مات عثمان دخل عليه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فأكبّ عليه، فرفع رأسه، فرأوا أثر البكاء، ثم جثا الثانية، ثمّ رفع رأسه، فرأوه يبكي، ثمّ جثا الثالثة، فرفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنّه يبكي، فبكى القوم، فقال: مه هذا من الشيطان، ثمّ قال: أستغفر الله، أبا السائب لقد خرجت منها ولم تلبّس منها بشيء(2).

فغير صحيح، لاَنه فيه جعل البكاء من الشيطان، مع أنّه ثبت من طريق الفريقين أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بكى على ابنه ابراهيم، وفاضت عيناه على بنت بنته، وأنه

____________

(1) الكافي، 3: 161، الحديث 6 ـ حلية الاَولياء، 1: 105 ـ 106 ـ الاستيعاب، 3: 1053 ـ من لا يحضره الفقيه، 1: 98، الحديث 453 ـ زاد المعاد، 1: 183 و 502 ـ غربال الزمان: 3 ـ مجمع الزوائد، 9: 302 ـ ربيع الاَبرار، 4: 187 ـ أسد الغابة، 3: 600 ـ مسند أحمد، 6: 43 و 55 ـ 56 و 206 ـ الطبقات، 3: 190 ـ المنتظم، 3: 191 ـ سنن ابن ماجة، 1: 468، الحديث 1456 ـ سنن الترمذي، 3: 314، الحديث 989 ـ سنن ابي داوُد، 3: 201، الحديث 3163 ـ تنقيح المقال، 2: 249.

(2) مجمع الزوائد،9:302 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 156 ـ الاستيعاب، 3: 1055 ـ حلية الاَولياء،1:105.


الصفحة 44
بكى على عثمان بن مظعون كما ذكرنا قبل قليل وذكرنا مصادره.

ويؤيّده أيضاً ما روي عن ابن عباس: لمّا ماتت ابنة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ألحقي بسلفنا الخيّر عثمان بن مظعون، فبكت النساء، فجعل عمر بن الخطاب يضربهنَّ بسوطه، فأخذ رسول الله بيده صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: مهلاً يا عمر، ثم قال

الصفحة 45
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ابكين، وإيّاكنّ ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّه مهما كان من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان(1).

ومع ما كان عليه عثمان بن مظعون من عظيم الدرجة والسبق إلى الاِيمان، فقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم امرأة تقول:

هنيئاً لك أبا السائب الجنة، أو: أذهب عنك أبا السائب ! شهادتي عليك لقد أكرمك الله، أو طِبْ أبا السائب ! نفساً إنّك في الجنة.

فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وما يدريك، أو ما علمك بذلك ؟

فقالت: يا رسول الله ! أبو السائب، أو كان يا رسول الله ! يصوم النهار ويصلّي الليل، أو فارسك وصاحبك، أو: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فمن.

____________

(1) سير أعلام النبلاء، 1: 156 ـ 157 ـ الطبقات، 3: 398 ـ 399 ـ مجمع الزوائد، 3:17 ـ الاستيعاب، 3: 1055 ـ 1056 ـ مسند أحمد، 1: 237 ـ الطبقات، 3: 190 ـ مسند أبي داود الطيالسي: 351.


الصفحة 46
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: والله ما نعلم إلاّ خيراً ثم قال: حسبك أن تقولي: كان يحب الله ـ عزّ وجلّ ـ ورسوله، أو أجل ما رأينا إلاّ خيراً أنا رسول الله والله ما أدري ما يصنع بي، أو أمّا هو فقد جاءه اليقين. والله، إني لاَرجو الخير، وإني لرسول الله، وما أدري ما يفعل بي(1)»ـ.

واختلفت المصادر في ذكر اسم

____________

(1) سير أعلام النبلاء، 1: 156 ـ 157 و 159 ـ 160 ـ الطبقات، 3: 398 ـ 399 ـ مجمع الزوائد، 3: 17 و 9: 302 ـ الاستيعاب، 3: 1055 ـ 1056 ـ التاريخ الصغير، 1: 46 ـ 47 ـ حلية الاَولياء، 1: 104 و 106 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ أسد الغابة، 3: 600 ـ الطبقات، 3: 399 ـ الكافي، 3: 262، حديث 45 ـ مسند أحمد، 1: 237 و 6: 436 ـ الطبقات، 3: 190 ـ مسند أبي داوُد الطيالسي: 351 ـ صحيح البخاري، 2: 71 و 3: 164.


الصفحة 47
المرأة التي قالت هذا القول لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فبعضها ذكرت أنها زوجته أم السائب، وفي بعضها أنها أم العلاء الاَنصارية، وفي بعضها أنها أم خارجة بن زيد، وفي بعضها أنها عجوز.

وكذلك اختلفت المصادر في كيفية وقوعها، ففي بعضها أنها قالت هذا القول وراء جنازته، وفي بعضها أنها قالت هذا القول لمّا وضع في قبره، وفي بعضها لمّا قبر، وفي بعضها غير هذا.

وعلى كلّ حال فإن ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يكن نقصاً في درجة عثمان بن مظعون، أو تشكيكاً فيه، لاَنه قرنه بنفسه، ووصفه بصفات المتقين، ولكن كان قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تعليماً لنا، بأنّ الاِنسان مهما كثرت عبادته واتقي لابدّ من أن يبقى بين الخوف والرجاء، ولا يجزم بأنه من أهل الجنة ومن عباد الله المقرّبين، ويدلّ على

الصفحة 48
كراهية جزم الاِنسان بأنه من أهل الجنة.

وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: لمّا مُرّ بجنازة عثمان بن مظعون: ذهبت ولم تلبّس منها بشيء(1).

وروي أنه لمّا رفع عثمان على السرير قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: طوباك (طوبى لك) يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها(2).

وتحدّث أم العلاء : بأنها رأت في المنام لعثمان عيناً تجري، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: ذلك عمله(3).

وحظي عثمان بن مظعون بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

____________

(1) الموطّأ، 1: 242 ـ الطبقات، 3: 396.

(2) المنتظم، 3: 191 ـ ربيع الاَبرار، 4: 187 ـ كنز العمال، 13: 525.

(3) أسد الغابة، 3: 601 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 159 ـ 160 ـ التاريخ الصغير،1:46 ـ 47ـ حلية الاَولياء، 1: 104 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ صحيح البخاري، 3: 164 و 8: 74.


الصفحة 49
عليه(1)ًّـ، وبمشاركته في تشييعه ودفنه، فقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم قائماً على شفير القبر الذي نزل فيه كلّ من عبد الله بن مظعون، والسائب بن عثمان بن مظعون، ومعمر بن الحارث.

ولمّا انتهى الدفن، قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لرجل: هلمّ تلك الصخرة فاجعلها عند قبر أخي أعرفه بها، أدفن إليه مَن دفنت من أهلي (أهله)، فقام الرجل فلم يطقها، فاحتملها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى شوهد بياض ساعديه، ووضعها عند قبره، وقال: هذا قبر فرطنا، وكان الحجر بمثابة العلامة.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يزور قبر عثمان بن مظعون(2).

واتفق أصحاب السير والتاريخ أنّ أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، إلاّ نادراً ممّن ذكر أنّ أسعد بن زرارة أول من دفن بالبقيع.

____________

(1) تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الطبقات، 3: 396 ـ 397 وفيه أنه كبّر عليه أربع تكبيرات ـ سنن ابن ماجة، 1: 481، حديث 1502 وفيه أيضاً أنه كبّر عليه أربع تكبيرات، ومصادر أخرى كثيرة جدّاً.

(2) الطبقات، 3: 399 ـ 400 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 154 و 155 ـ العقد الثمين، 6: 49 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الاستيعاب، 3: 1054 ـ غربال الزمان: 3 ـ أسد الغابة، 3: 600 ـ الطبقات، 3: 190 ـ دعائم الاسلام، 1: 238 ـ سنن ابن ماجة، 1: 498، الحديث 1561 ـ سنن الدارمي، 3: 212، الحديث 3206.


الصفحة 50
ولم يكن البقيع قبل دفن عثمان مقبرة، وكان يقال له: بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد(1).

وروي أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر أن يبسط على قبر عثمان بن مظعون ثوب، وهو أول قبر

____________

(1) الاِصابة، 2: 464 ـ أسد الغابة، 3: 599 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 154 و 155 ـ معجم الشعراء: 254 ـ العقد الثمين، 6: 49 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الاستيعاب،3:1054 ـ 1055ـالطبقات، 3: 397 ـ المستدرك، 3: 190 ـ المنتقى في مولود المصطفى، الفصل الخامس ـ وعنه في البحار، 19: 132 ـ المنتظم، 3: 191.


الصفحة 51
بسط عليه ثوب(1).

وروي أيضاً أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم رشّ قبر عثمان بن مظعون بالماء بعد أن سوّى عليه التراب(2).

وقيل: إنّ أول مَن تبعه إبراهيم ابن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا توفي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الحق بسلفنا (بسلفك) الصالح عثمان بن مظعون، ودفن ابراهيم إلى جنب عثمان(3).

ولمّا ماتت ابنة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اِلحقي بسلفنا الخيّر (الصالح) عثمان بن مظعون وأصحابه(4).

وكان إذا مات ميّت قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: قدموه على فرطنا، نعم الفرط لاَمّتي عثمان بن مظعون، فيدفن عند عثمان بن مظعون(5)ِ.

ولمّا توفي عثمان بن مظعون قالت زوجته:

____________

(1) دعائم الاسلام، 1: 238 ـ وعنه في البحار، 82: 21.

(2) دعائم الاسلام، 1: 239 ـ وعنه في البحار، 82: 22.

(3) الاستيعاب، 3: 1053 ـ أسد الغابة، 3: 600 ـ مجمع الزوائد، 9: 302 ـ الاِصابة، 2: 464 ـ شذرات الذهب، 1: 9 ـ الكافي، 3: 263، الحديث 45 ـ مسند أحمد، 1: 237 ـ تنقيح المقال، 2: 249 وفيه: ألحقك الله بخلفك الصالح عثمان بن مظعون.

(4) أسد الغابة، 3: 600 ـ الاستيعاب، 3: 1053 ـ مجمع الزوائد، 9: 302 ـ سير أعلام النبلاء، 1: 156 ـ 157 و 160 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، 1: 326 ـ الكافي، 3: 241، الحديث 18 ـ الطبقات، 3: 190 ـ تنقيح المقال، 2: 249.

(5) مجمع الزوائد، 9: 302 ـ الطبقات، 3: 397 ـ المستدرك، 3: 190.


الصفحة 52

يا عين جودي بدمعٍ غير ممنونِ * على رزيّة عثمان بن مظعونِ
على امرىءٍ بات في رضوان خالقه * طوبى له من فقيد الشخص مدفونِ
طاب البقيعُ له سكنى وغرقد * هوأشرقت أرضُه من بعد تفتينِ
وأورث القلبَ حزناً لا انقطاع له * حتّى الممات فما ترقى له شونِي(1)

____________

(1) الاِصابة، 2: 464 وذكر البيت الاَول فقط ـ أسد الغابة، 3: 600 ـ حلية الاَولياء، 1: 106 ـ العقد الثمين، 6: 50 ـ الاستيعاب، 3: 1056.


الصفحة 53

المراجع

1 ـ القرآن الكريم.

2 ـ الاستيعابفي معرفة الاَصحاب، ليوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبدالبرّ، نشر مكتبة نهضة مصر ومطبعتها.

3 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الاَثير علي بن محمد الجرزي.

4 ـ الاِصابة في تمييز الصحابة، لاَحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دارصادر، بيروت.

5 ـ الاَعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت 1989 م .

6 ـ أعلام الغدير، مراجعة وتنسيق فاضل الميلاني، دار الكتاب العربي، بيروت.

7 ـ بحار الاَنوار، للعلامة المجلسي، دار الكتب الاِسلامية، طهران.

8 ـ التاريخ الصغير، لاَبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار المعرفة، بيروت 1406 هـ .

9 ـ التاريخ الكبير، لاِسماعيل بن إبراهيم البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت.

10 ـ تفسير الحبري، للحسين بن الحكم بن مسلم الحبري، مؤسسة آل البيت لاِحياء التراث، بيروت.

11 ـ تفسير فرات الكوفي، لاَبي القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، وزارة الاِرشاد، طهران .


الصفحة 54
12 ـ تقريب المعارف، للشيخ أبي الصلاح الحلبي، نسخة مخطوطة محفوظة في المكتبة العامة لآية الله المرعشي في قم .

13 ـ تنقيح المقال، للشيخ عبد الله المامقاني، نسخة مطبوعة على الحجر.

14 ـ تهذيب الاَحكام، للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دارالكتبالاِسلامية، طهران.

15 ـ تهذيب الاَسماء واللغات، لاَبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، بيروت.

16 ـ حلية الاَولياء، لاَحمد بن عبد الله الاَصبهاني، دار الكتابالعربي،بيروت.

17 ـ خزانة الاَدب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، مكتبة الخانجي، مصر.

18 ـ الديوان المنسوب لاَمير المؤمنين عليه السّلام، نسخة خطية بخط ياقوت المستعصمي.

19 ـ ربيع الاَبرار، لمحمد بن عمر الزمخشري، منشورات الشريف الرضي قم 1410 هـ.

20 ـ رجال حول الرسول، لخالد محمد خالد، دار الكتاب العربي، بيروت.

21 ـ زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيّم الجوزية، مكتبة المنار، الكويت 1412 هـ.

22 ـ سنن ابن ماجة، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

23 ـ سنن أبي داود، للحافظ سليمان بن الاَشعث السجستاني، دار الفكر، بيروت.

24 ـ سنن الترمذي، لاَبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، دار إحياء التراث

الصفحة 55
العربي، بيروت.

25 ـ سنن الدارمي، للحافظ عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، دار الكتاب العربي، بيروت.

26 ـ سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت.

27 ـ سير أعلام النبلاء، لمحمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت.

28 ـ شذرات الذهب، لعبد الحيّ بن العماد الحنبلي، مكتبة القدسي، مصر.

29 ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، دار إحياء الكتب العربية.

30 ـ شرحنهجالبلاغة،لميثم بن علي بن ميثم البحراني ،الطبعةالثانية1404هـ.

31 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، للحافظ عبيد الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني، وزارة الاِرشاد، طهران .

32 ـ صحيح البخاري، لاَبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار الفكر، بيروت.

33 ـ صحيح مسلم بشرح النووي، دار احياء التراث العربي، بيروت.

34 ـ الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار بيروت ودار صادر 1377 هـ.

35 ـ العِبر في خبر من غبر، للحافظ الذهبي، معهد المخطوطات، الكويت 1960 م.

36 ـ العقد الثمين في تاريخ البلد الاَمين، لمحمد بن أحمد الحسني الفاسي، طبع القاهرة 1386 هـ.

37 ـ الغدير في الكتاب والسنة والاَدب، للعلامة عبد الحسين الاَميني، دار الكتب الاِسلامية، طهران.

38 ـ غربال الزمان في وفيات الاَعيان، ليحيى بن أبي بكر العامري اليماني، دار الخير 1405 هـ .


الصفحة 56
39 ـ فهارس بحار الاَنوار، مؤسسة البلاغ بيروت 1412 هـ.

40 ـ فهارسشرحنهجالبلاغة، وضعها أسدالله اسماعيليان، مكتبةاسماعيليان، قم.

41 ـ الكافي، لاَبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الاِسلامية، طهران.

42 ـ كنز العمال في سنن الاَقوال والاَفعال، دار الكتاب الاِسلامي، حلب.

43 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، دار المعرفة، بيروت.

44 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب، بيروت.

45 ـ المستدرك على الصحيحين، للحافظ أبي عبد الله الحاكم، دار المعرفة ، بيروت.

46 ـ مسند أبي داود الطيالسي، للحافظ سليمان بن داود بن الجارود، دار المعرفة، بيروت.

47 ـ مسند أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت.

48 ـ معجم رجال الحديث، للسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، دار الزهراء، بيروت 1409 هـ.

49 ـ معجم الشعراء، لمحمد بن عمران المرزباني، دار الكتب العلمية، بيروت.

50 ـ المعجم المفهرس لاَلفاظ الحديث النبوي، دار الدعوة، استانبول 1988م.

51 ـ المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان البسوي، مطبعة الاِرشاد، بغداد.

52 ـ المناقب، لمحمد بن علي بن شهر آشوب، انتشارات علاّمة، قم.

53 ـ المنتظم، لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، دار الكتب العلمية،

الصفحة 57
بيروت.

54 ـ من لا يحضره الفقيه، للشيخ محمد بن علي الصدوق، دار الكتب الاِسلامية، طهران.

55 ـ الموطّأ، لمالك بن أنس، دار احياء التراث العربي، بيروت.

56 ـ نقد الرجال، للسيد مصطفى الحسيني التفريشي، انتشارات الرسول المصطفى، قم.

57 ـ نهج البلاغة، للشريف الرضي، مع تعليقات محمد عبده، مؤسسة الاَعلمي، بيروت.

وراجع أيضاً من مصادر ترجمته ممّا لم ننقل عنها:

1 ـ صفة الصفوة.

2 ـ الشعر والشعراء.

3 ـ المحبر.

4 ـ التحفة اللطيفة.

5 ـ تاريخ الخميس.

6 ـ طبقات خليفة .

7 ـ تاريخ خليفة.

8 ـ سيرة ابن هشام.

9 ـ نسب قريش.

10 ـ الكامل في التاريخ.

11 ـ تاريخ الطبري.

12 ـ تفسير الطبري.

13 ـ تفسير ابن كثير.

14 ـ سنن البيهقي .

15 ـ ديوان أبي طالب.

16 ـ مرآة العقول .

17 ـ التعليقة للوحيد.

وغيرها من مصادر الفريقين.