الجرجاني، والجاحظ، وابن المعتز، وابن منقذ.
والمتأخرين أمثال: الخطيب وشراحه، والسيوطي، والنابلسي، والحملاوي.
- 2 -
الشيخ محمود أبو ريه
من الكتاب البارزين في مصر
وقد تعرفت إلى هذا الفندق بواسطة الأخ الوجيه صالح حسن شاكر صاحب مطعم المنظر الجميل الواقع أمام بناية عمر أفندي في شارع عبد العزيز.
واتفق أني تعرفت على صديق عراقي التقيت به في القاهرة وأخبرته بأن لي فكرة طبع ونشر بعض الكتب الإسلامية، في القاهرة، وسوف أحتاج إلى خطاط، وإلى صنع " أكليشيهات " - عند زنكوغراف - فجاء بي إلى الأخ الوجيه حسين محمد كاظم - صاحب زنكوغراف النصر 2 شارع دار الكتب - وعرفه بي وعرفني عليه وإذا بمكتبه هذا كالنادي وقد شاهدت فيه أصحاب المطابع وتعرفت على دور النشر والخطاطين، والصحفيين، والعلماء، ورأيت الكثيرين من الأساتذة والأدباء يترددون عليه، ويلتقون عنده.
وقد تعرفت هناك على الأخ الأستاذ محمد برهومة الصحفي، والمحرر في جريدة المساء، وعلى الكاتب القدير: الأستاذ عبد الهادي مسعود الإبياري صاحب الفكر الوقاد، والمؤلفات النموذجية.
وعلى الأستاذ الكبير الدكتور حامد حفني داود مؤلف " تاريخ الأدب العربي العباسي " و " الصاحب بن عباد بعد ألف عام "، نال به درجة الماجستير، والكتابة الديوانية في العراق نال به درجة الدكتوراه.
الخطاط حسني الشامي وولديه فاروق، ونبيل، والأستاذ مكاوي، ومحمد، وعبد المنعم ولا زلت أحتفظ بنماذج من خطوطهم.
وتعرفت على الشيخ سليمان الوكيل صاحب مطبعة " دار التأليف ".
وقد عمل لنا الأخ حسين محمد كاظم - صاحب المكتب أو النادي - دعوة في مكتبه فدعاني، والشيخ سليمان الوكيل، والأستاذ محمد برهومة على طعام في ظهر يوم جمعة وجلس معنا وقد أحضر لنا الطعام من أحد المطاعم القريبة لمحله وبعد أن فرغنا من تناول الطعام أحضر لنا الشاي، والقهوة، والكازوز، والشيشة، " والنركيله " وبعد أن تعرفت إلى الأستاذ محمد برهومة المحرر في جريدة المساء أخبرته أن لي رغبة في نشر إعلان بإحدى الصحف المصرية لإنشاء جناح خاص لكتب الشيعة الإمامية يوضع في قاعة المراجع بدار الكتب المصرية ووعدني الأستاذ محمد برهومة أن يقوم هو بنشر هذا الإعلان.
وبعده تكلم الشيخ سليمان الوكيل وقال:
إن لي مطبعة وعندي كتب طبعتها ومستعد لطبع الكتب التي عندك (1).
ثم قال: إن العلامة الشيخ محمد أبو ريه له كتاب يطبعه الآن عندنا واسمه:
" أضواء على السنة المحمدية "، وبلغه مجيؤك إلى القاهرة ويطلب فضيلته الاتصال بك فلو سمحت أن تزورنا في المطبعة وفضيلته سوف يحضر في الصباح قبل الساعة العاشرة وعنوان المطبعة بعد ميدان لاظوغلي - 8 - شارع يعقوب بالمالية، مطبعة دار التأليف.
____________
(1) طبعت عنده في القاهرة كتاب: الوضوء في الكتاب والسنة (الطبعة الأولى) منه وأعيد طبعه بالأوفست عام 1972 م أكثر من مرة.
- أردت بهذا إخباره بأني حضرت المطبعة حسب الموعد المحدد - وعندما دخلت رأيت شيخا وقورا جالسا عن يمينه فسلمت عليه فرد علي السلام وأشار الشيخ سليمان صاحب المطبعة - على الشيخ الوقور الجالس عن يمينه وقال: هذا هو الشيخ محمود أبو رية الذي حدثتك عنه أمس فجلست إلى جنب فضيلته وحييته فرحب بي كثيرا، وفتحت الحديث معه وقلت:
يا مولانا الشيخ: بأي مذهب من المذاهب الأربعة متمسك.
فأجاب: أنا مسلم أعمل بكتاب الله وسنة نبيه، وأنا غير ملتزم بمذهب من هذه المذاهب الأربعة وقال:
أنا أعلم من الشافعي، وأبي حنيفة.
فسألته عن رأيه في الصحاح.
فقال: الصحاح صحاح عند أصحابها.
فقلت: ما رأي سيادتكم في بعض الرواة المكثرين للحديث.
فقال: تقصد - زي من - مثل من؟
قلت: " أبو هريرة ".
فقال: أبو هريرة رجل وضاع.
قلت: قد ألف الإمام شرف الدين العاملي كتابا في حياة هذا الراوية المكثر وأسماه: " أبو هريرة " فمد فضيلته يده إلى حقيبة كانت معه وأخرج منها كتاب:
هذا ما أهداه لي الإمام شرف الدين، فناولني النسخة فأخذتها بيدي فرأيت الإهداء بخط الإمام شرف الدين على الكتاب وفيه: ما يشعر بجهاده وعلمه، وإكباره.
ثم أخبرته بوفاة هذا المصلح - شرف الدين - قبل أسبوع في يوم الاثنين الماضي الموافق 30 / 12 / 1957 م الموافق 8 / 6 / 1377 هـ وقد تغمده الله برحمته الواسعة ونقل جثمانه إلى مقره الأخير في النجف الأشرف - العراق ودفن بجوار جده الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في إحدى الغرف المحيطة بالصحن الشريف في يوم الأربعاء 10 / 6 / 1377 هـ المصادف 1 / 1 / 1958 م فتأثر كثيرا وقال:
كان في نيتي إهداء كتاب " الأضواء " (1) له عند إتمامه من الطبع، ثم طلب فضيلته الشيخ سليمان - صاحب المطبعة - وقال:
هات الملازم المطبوعة من كتاب " الأضواء " فجاءني بها الشيخ سليمان وكانت
____________
(1) وهو: " أضواء على السنة المحمدية " طبع ثلاث طبعات الأولى بمصر في مطبعة دار التأليف 8 شارع يعقوب بالمالية تحت إشراف المؤلف عام 1958 م والطبعة الثانية طبعت 1964 م في صور - لبنان. وفيها من الأغلاط المطبعية ما تزيد على الألف وقد دفع لي فضيلة المؤلف " الطبعة الثانية " هذه وقال: أريد منك مراجعة هذه النسخة وتصحيحها لي بدقة وعندي روايات كثيرة وأريد إضافتها إلى هذه الطبعة ولتكون النسخة التي أقدمها إلى المطبعة خالية من الأخطاء وسليمة منه وحينما كنت بمصر راجعت قسما منها وبعد ذلك صحبتها معي إلى العراق وبعد مراجعتها وتصحيحها أرسلتها إليه بالبريد المضمون بعنوان 9 شارع قرة بن شريك القاهرة وبعد مدة وصلتني منه رسالة يشكرني فيها ويخبرني بوصول الكتاب إليه.
والطبعة الثالثة التي أضاف إليها الزيادات والتحقيقات طبعت بمطابع " دار المعارف " بمصر ضمن مطبوعاتها وذلك في عام 1969 م.
وقد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي وفندها كلها (1) فقلت: يا مولانا الشيخ.
إن البربري هذا ابن خلدون من ألد أعداء الشيعة وخصومهم ولا يصح نقل شئ من الخصم وكلامه ليس بحجة.
وإذا كنتم بحاجة إلى " أحاديث في المهدي " فإن معي كتاب " منتخب الأثر " في الإمام الثاني عشر لفضيلة العلامة الكبير الشيخ لطف الله الصافي وفيه ينقل عن أعلام السنة ومحدثيهم وإني مستعد لتقديمه لفضيلتكم حيث أنه ملم بهذا الموضوع.
ثم طلبت من فضيلته عنوان منزله فقال:
الجيزة 9 شارع قرة بن شريك واكتب عندك رقم الهاتف 895456 ووعدته أن أحضر عنده في منزله مع موعد سابق وانصرفت.
وبعد أيام اتصلت به هاتفيا وحددت الموعد معه وقصدت منزله وصحبت معي كتاب: " منتخب الأثر " وأهديته له وجلت معه ساعة وانصرفت.
وبعد مدة اتصلت به هاتفيا للاجتماع به في منزله وحددت الموعد معه ولما وصلت إلى باب المنزل وطرقتها وإذا بفضيلته فتح لي الباب ورحب بي كثيرا وأحضر لي القهوة - بعد فترة قصيرة - وجاءني بالشاي وتذاكرنا حول " أحاديث المهدي " وكتاب: " منتخب الأثر " وكان قد أعجب به كثيرا واستفاد منه ثم طلبت من فضيلته أن يكتب للسيد العسكري حول هذا الموضوع وقلت:
____________
(1) راجع هامش " الأضواء " ص 209 الطبعة الأولى.
ثم قلت لفضيلته:
السيد العسكري من كبار المؤلفين في العراق ومعروف لدى كبار علماء النجف الأشرف ويمكنكم مراسلته وأخذ ما يخص هذا. الموضوع منه فراجعه فضيلته بعد ذلك وذكر هذا في كتابه: " أضواء على السنة المحمدية " في الطبعة الثالثة التي طبعتها دار المعارف بمصر تحت إشرافه ثم جرى الحديث حول الخلافة الإسلامية، والخلفاء ، وما أصيب به المسلمون من انحطاط، واضطهاد، وذلك لتفرقهم، وتسلط الاستعمار الغاشم عليهم وجعلهم فرقا، وأحزابا.
ثم تحدثت عن المذاهب الأربعة وقلت:
إن هذه المذاهب: هي التي احتضنتها السياسة، وروجتها تجاه الإمام الصادق من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وقلت: إن المستشرقين الذين طعنوا في الإسلام استندوا إلى الخرافات، والإسرائيليات التي وجدوها في كتب أهل السنة.
فقال: أنا معك.
ثم سألته عن اتجاهه الفكري هذا وتبنيه لقضايا التمحيص في السنة النبوية التي
____________
(1) عندما رجعت إلى العراق أرسلت لفضيلته أكثر من خمسين كتابا أرسلتها له بالبريد المضمون من العراق حتى أنه أخبرني في أحد رسائله إلي بأني اكتفيت ولست بحاجة إلى كتاب ولا تكلف نفسك.
وهو الأمر الذي جعله يتجه إلى تمحيص السنة النبوية، وتعرية الأيادي التي دست فيها هذه الأباطيل التي روجتها اليهودية المتمثلة في كعب الأخبار، وأبي هريرة، وأضرابهما فكان كتابه هذا ثورة على الباطل، وانتصارا للحق، وتخطيطا للوصول إلى السنة النبوية.
كما وقد قال لي بالحرف الواحد:
ألفت هذا الكتاب لأقدمه إلى سدة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وقد نزهت أحاديثه مما شأنها، تقربا إليه، وزلفا إلى ربه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم 89: 36.
والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا 76: 19.
بهذه الإشراقة من الإيمان الصادق، والتجرد في خدمة الدين وضع كتابه هذا فجزاه الله عن الإسلام خير جزاء المحسنين.
ثم أهديت له مجموعة من الكتب التي طبعتها في القاهرة وانصرفت.
وفي إحدى رحلاتي إلى القاهرة قصدت داره العامرة وقد حملت له مجموعة من الكتب كنت قد صحبتها وحملتها معي من العراق، ومن بينها: " أحاديث عائشة " لمؤلف كتاب " عبد الله بن سبأ " - السيد العسكري - وطلبت منه أن يكتب رأيه حول هذا الكتاب الخالد. وهذا نص ما كتبه:
أحاديث أم المؤمنين عائشة
يحسب العامة وأشباه العامة من الذين يزعمون أنهم على شئ من العلم أن التاريخ الإسلامي وبخاصة في " دوره الأول " قد جاء صحيحا لا ريب فيه، وأن رجاله جميعا ثقات لا يكذبون - وهو من أجل ذلك يصدقون كل خبر جاء من هذه الفترة، ويشدون أيديهم على تلك الأحاديث التي شحنت بها الكتب المشهورة في الحديث.
تلك التي حملت الطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير.
وقد بلغ من ثقتهم بأحاديث هذه الكتب، أن من يشك في حديث منها يعد في رأيهم فاسقا!!.
وإذا كان الله قد آتاهم عقولا لا ليفهموا بها، وفهوما لا يزنون بها، فإنهم يعطلون هذه المواهب استمساكا بالتقليد الأعمى، والتعبد لمن سلف!.
وإذا أنت بصرتهم بالحق، وبينت لهم المحجة الواضحة، لووا رؤسهم، وأصروا على معتقداتهم واستكبروا استكبارا.
وليتك تسلم من ألسنتهم، بل يرمونك بشتائمهم، وسبابهم، ويسلقونك بألسنتهم، وقد بلوت ذلك منهم عندما أخرجت كتابي: " أضواء على السنة المحمدية " الذي أرخت فيه الحديث، وكشفت كيف روى وما شابه رواية من الموضوعات ومتى دون وما إلى ذلك ما يجب بيانه - فإنهم ما كادوا يقرأونه حتى
ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يقفون في سبيل الحق حتى لا يظهر. ويمنعون ضوء العلم الصحيح أن يبدو، لا يعلمون مقدار ما يجنون من وراء جمودهم، وأن ضرر هذا الجمود لا يقف عند الجناية على العلم والدين فحسب؟ بل يمتد إلى ما وراء ذلك.
فإن الناشئين من المسلمين وغير المسلمين الذين بلغوا بدراستهم الجامعية العلمية إلى أنهم لا يفهمون إلا لقبولهم، وما وصلوا إليه بعلمهم، قد انصرفوا عن الإسلام لما بدى لهم على هذه الصورة المشوهة التي عارضها هؤلاء الشيوخ عليهم.
من أجل ذلك كله كان من الواجب الحتم على العلماء المحققين الذين حرروا أعناقهم من أغلال التقليد، وعقولهم من رق التعبد للسلف، أن يشمروا عن سواعد الجد، ويتناولوا تاريخنا بالتمحيص، وأن يخلصوه من شوائب الباطل والعصبيات، ولا يخشون في ذلك لومة لائم.
وإني ليسرني كل السرور أن أشيد بفضل عالم محقق كبير من علماء العراق قد نهض ليؤدي ما عليه نحو الدين والعلم فأخرج للناس كتبا نفيسة كانت كالمرآة الصافية التي يرى فيها المسلمون وغير المسلمين تاريخ الإسلام على أجمل صوره في أول أدواره، ذلكم هو الأستاذ " مرتضى العسكري " فقد أخرج لنا من قبل: كتاب " عبد الله بن سبأ " أثبت فيه بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، أن هذا الاسم لم يكن له وجود وأن السياسة " لعنها الله " هي التي ابتدعت هذا الاسم لتجعله من أسباب تشويه وجه التاريخ، وبين أن شيخ المؤرخين في نظر العلماء وهو الطبري قد
ومن الغريب أن جميع المؤرخين الذين جاؤوا بعد الطبري قد نقلوا عن ابن جرير كل رواياته بغير تمحيص ولا نقد، وهذا الرجل الكذاب هو: سيف بن عمر التميمي.
وأردف العلامة العسكري هذا الكتاب النفيس بكتاب آخر أكثر منه نفاسة هو كتاب: " أحاديث عائشة " وقد تناول في هذا الكتاب تاريخ هذه السيدة لا كما جاء من ناحية السياسة والهوى والعصبية، ولكن من أفق الحقيقة التي لا ريب فيها، وكتبه بقلم نزيه يرعى حرمة العلم وحق الدين لا يخشى في الله لومة لائم.
أشار الأستاذ في تمهيده لكتابه إلى ما في الأحاديث التي نسبت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) من اختلاف بين حديث وآخر، وبين بعض تلك الأحاديث، وآي القرآن فما كان مثار الطعن والنقد إلى النبي من أعداء الإسلام.
ثم بين أن هذه الأحاديث إن هي إلا مجموعات مختلفة رويت عن رواة مختلفين، وعلى الباحث العالم النزيه أن يقوم بتصنيفها نسبة إلى رواتها. ثم يدرس أحاديث كل منهم على حدة. وبخاصة أحاديث الرواة المكثرين أمثال: عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، مع دراسة حياة راويها، وبيئته وظروفه، ثم مضى يقول:
إن التاريخ الإسلامي منذ بعثة الرسول حتى بيعة يزيد بن معاوية لا يفهم صحيحا إلا بعد دراسة أحاديث أم المؤمنين " دراسة موضوعية " ولأن الأستاذ المؤلف: بصدد البحث عن التاريخ الإسلامي في دوره الأول فقد قدم هذه الدراسة على غيرها من الدراسات.
وبعد أن بين صعوبة هذه الدراسة لما يجد في سبيلها من عقبات متعددة أخذ في موضوع دراسة فبين نسب عائشة، ومولدها، وتزويجها من النبي (صلى الله عليه وسلم) وما صنعته
وإنها قد أقامت مع النبي نيف وثمانية أعوام، ثم أخذ يذكر أنها كانت تؤيد خلفاء النبي " أبي بكر، وعمر، وعثمان " في أو خلافته ثم انحرافها عنه وترأسها للمعارضة له حتى بلغ من أمرها أنها كانت تحرض على قتله، وما أن قتل هذا الخليفة بسبب خروجه عن نهج سابقيه، وتركه الأمر لقومه يتصرفون فيه بأهوائهم حتى " برزت " تعارض عليا معارضة شديدة لم يلق مثلها من غيرها، وكان في أول شئ بدا منها لهذا الإمام العظيم أنها ما كادت تعلم بنبأ بيعته حتى ثارت ثائرتها وصاحت: لا يمكن أن يتم ذلك! ولو انطبقت هذه - أي السماء على الأرض - ولما لثت أن ألبت عليه طلحة والزبير وقادوا جميعا الجيوش الجرارة لمحاربة علي (رضي الله عنه) في وقعة الجمل - وكانت تركب جملا من المدينة إلى البصرة، وبعد أن انتهيت هذه المعركة بسفك الدماء المحترمة انتهت المعركة بقتل طلحة فأعادها " علي (رضي الله عنه) " إلى المدينة مكرمة لم ينلها سوء، ولكنها لم تحفظ له هذا الجميل، ولم ترجع عن غيها وظلت تعمل ضده بكل وسيلة وكان من ذلك أن كانت تؤيد معاوية في حروبه مع " علي (رضي الله عنه) " ولم تهدأ ثائرتها حتى قتل علي فقرت عينها، وهدأت نفسها، وتمثلت عند قتله بقول الشاعر:
وقد كان ذلك بسبب ضغنها لعلي (رضي الله عنه)، وما يكنه صدرها له لأنه زوج فاطمة بنت خديجة.
وما كان لموقفه من حديث الإفك ما بينه شاعر الإسلام الكبير: أحمد شوقي بأحسن بيان فقال يخاطب عليا (رضي الله عنه) بقوله:
هذا بعض ما قاله شاعر الإسلام في علي (رضي الله عنه) في كتاب أرسله إليها وإلى طلحة والزبير أثناء وقعة الجمل، لو أنها عقلته وتدبرته لاشتد ندمها واستغفرت الله مما أجرمت وإن كان الظن أن الله لا يغفر لها.
قال (رضي الله عنه):
وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء وقود الجيوش؟ والبروز للرجال؟ والوقع بين أهل القبلة، وسفك الدماء المحترمة؟.
ثم إنك على زعمك طلبت دم عثمان، وما أنت وذاك؟ وعثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم؟ إنك بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله: اقتلوا نعثلا فقد كفر! ثم تطلبين اليوم بدمه! فاتقي الله وارجعي إلى بيتك والبسي عليك سترك والسلام.
هذه لمحة خاطفة مما حواه كتاب " أحاديث عائشة " ولو نحن ذهبنا نبين ما فصله هذا العالم المحقق في كتابه هذا مما أوفى به على الغاية، ولم نر مثله من قبل لغيره لاحتجنا إلى كتاب برأسه..
وإذا كان لا بد من كلمة نختم بها قولنا هذا الموجز فإنا نقول مخلصين: إنه يجب على كل من يريد أن يقف على حقيقة الإسلام في مستهل تاريخه إلى بيعة يزيد فليقرأ
أما ما نرجوه من العلامة مؤلفهما فهو أن يغذ السير في هذا الطريق الذي اختطه حتى يتم ما أخذ نفسه به.
والله ندعو أن يكتب له التوفيق، والسداد في عمله، إنه سميع الدعاء...
محمود أبو رية
القاهرة: عن جيزة الفسطاط
ليلة الجمعة 18 رمضان المبارك 1381 هـ
الموافق 23 فبراير 1962 م
هذا وإني لما غادرت القاهرة وأتيت إلى سوريا ولبنان وقبل وصولي العراق عرفت فضيلة الأستاذ الشيخ محمود أبو رية على جماعة من الأساتذة والعلماء والكتاب في كل من سوريا ولبنان، والعراق:
كالأستاذ صدر الدين شرف الدين (1).
وفضيلة الشيخ محمد جواد مغنية (2).
____________
(1) صاحب مجلة النهج التي تصدر في صور - لبنان ومؤلف كتاب: " هاشم وأمية "، وحليف مخزوم، وغيرهما.
(2) الشيخ محمد جواد مغنية ولد سنة (1322 هـ) في قرية (طير دبا) من جبل عامل وتوفي في (21 محرم سنة 1400 هـ) في بيروت - لبنان.
درس على شيوخ قريته ثم سافر إلى النجف الأشرف فأنهى هناك دراسته. وكان من أبرز أساتذته السيد حسين الحمامي. ثم عاد إلى جبل عامل فسكن قرية (طير حرفا) ثم عين قاضيا شرعيا في بيروت، ثم مستشارا للمحكمة الشرعية العليا، فرئيسا لها بالوكالة... فنجح في إقصائه عن الرئاسة. ثم أحيل إلى التقاعد فانصرف إلى التأليف فأخرج العدد من المؤلفات من أهمها: " الفقه على المذاهب الخمسة " و " فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) " في ستة مجلدات و " التفسير الكاشف " وهو تفسير مطول للقرآن و " في ظلال نهج البلاغة " وهو شرح له، و " التفسير المبين " وغير ذلك. انظر أعيان الشيعة: 9 / 205 بيروت 1304 هـ
____________
(1) هو السيد أبو القاسم بن السيد علي أكبر بن المير هاشم الموسوي الخوئي النجفي، من أعاظم زعماء الشيعة الإمامية في العالم الإسلامي وكان المرجع الأعلى الديني الوحيد لطائفة الشيعة الإمامية في جميع أنحاء العالم وله: " البيان في تفسير القرآن " و " معجم رجال الحديث " و " إعجاز القرآن " وغيرها. وإليك ترجمة حياته بقلمه، قال (قدس سره):
" نشأت في خوي مع والدي وإخوتي، وأتقنت القراءة والكتابة، وبعض المبادئ حتى حدث الاختلاف الشديد بين الأمة لأجل (حادثة المشروطة)، فهاجر والدي من أجلها إلى النجف الأشرف سنة 1328 هـ والتحقت به في سنة 1330 هـ برفقة أخي الأكبر المرحوم السيد عبد الله الخوئي وبقية أفراد عائلتنا.
أساتذته:
1 - آية الله الشيخ فتح الله (المعروف بشيخ الشريعة الإصفهاني)، توفي سنة 1339 هـ.
2 - آية الله الشيخ مهدي المازندراني.
3 - آية الله الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361 هـ).
4 - آية الله الشيخ محمد حسين الإصفهاني الكمباني (1296 - 1361 هـ).
5 - آية الله الشيخ محمد حسين النائيني (1273 - 1355 هـ).
6 - آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي (1282 - 1352 هـ).
7 - آية الله السيد حسين البادكوبي (1293 - 1358 هـ).
ويذكر الإمام الخوئي بأن الشيخ محمد حسين الأصفهاني، والشيخ النائيني أكثر من تتلمذ عليهم فقها وأصولا. قال: " حضرت على كل منهما دورة كاملة في الأصول، وعدة كتب في الفقه حفنة من السنين، وكنت أقرر بحث كل منهما على جمع من الحاضرين في البحث، وفيهم غير واحد من الأفاضل، وكان المرحوم النائيني آخر أستاذ لازمته، ولي في الرواية مشايخ أجازوني أن أروي عنهم كتب أصحابنا الإمامية وغيرهم، ولذا أروي بعدة طرق كتبنا الأربعة: (الكافي، الفقيه، التهذيب، الإستبصار)، والجوامع الأخيرة: (الوسائل، البحار، الوافي) وغيرها من كتب أصحابنا (قدس سرهم). فمن تلك الطرق ما أرويه عن شيخي النائيني، عن شيخه النوري بطرقه المحررة في خاتمة كتابه: (مستدرك الوسائل) المعروفة ب (مواقع النجوم) المنتهية إلى بيت العصمة والطهارة.
وقد أكثرت من التدريس، وألقيت محاضرات كثيرة في الفقه، والأصول، والتفسير، وربيت جما غفيرا من أفاضل الطلاب في حوزة النجف الأشرف، فألقيت محاضراتي (بحث الخارج) دورتين كاملتين لمكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري قدست نفسه، كما درست جملة من الكتب الأخرى، ودورتين كاملتين لكتاب الصلاة، وشرعت في 27 ربيع الأول سنة 1377 هـ في تدريس فروع (العروة الوثقى) لفقيه الطائفة السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي مبتدئ بكتاب (الطهارة) حيث كنت قد درست (الإجتهاد والتقليد) سابقا وقطعت شوطا بعيدا فيها والحمد لله حيث وصلت إلى كتاب (الإجازة)، فشرعت فيه في يوم 26 ربيع الأول سنة 1400 هـ، وقد أشرفت على إنجازه الآن في شهر صفر 1401 هـ.
وألقيت محاضراتي في الأصول (بحث الخارج) ست دورات كاملات، أما السابعة فقد حال تراكم أشغال المرجعية دون إتمامها، فتخليت عنها في مبحث الضد.
وفي غضون السنين السابقة شرعت في تدريس تفسير القرآن الكريم برهة من الزمن إلى أن حالت ظروف قاسية دون ما كنت أرغب فيه من إتمامه.
وكم كنت أود انتشار هذا الدرس وتطويره. وإني أحمد الله تعالى على ما أنعم به علي من مواصلة التدريس طيلة هذه السنين الطوال، وما توقفت إلا في الضرورات كالمرض، والسفر، حيث تشرفت بحج بيت الله الحرام عام 1350 هـ وعام 1368 هـ) انتهى كلامه (قدس سره).
وصدر من تقريراته في الفقه، والأصول، ما كتبه أفاضل تلامذته ما يقرب من أربعين مجلدا، وإليك أسماءها:
1 - تنقيح العروة الوثقى، ستة أجزاء (فقه).
2 - دروس في فقه الشيعة، أربعة أجزاء (فقه).
3 - مستند العروة، ثلاثة أجزاء (فقه).
4 - فقه العترة، جزءان (فقه). وبقية الأجزاء من هذه الكتب الأربعة ما تزال مخطوطة.
5 - تحرير العروة، مجلد (فقه).
6 - مصباح الفقاهة، ثلاثة أجزاء (فقه).
7 - محاضرات في الفقه الجعفري، جزآن (فقه).
8 - الدرر الغوالي في فروع العلم الإجمالي، مجلد (فقه).
9 - محاضرات في أصول الفقه، دورة كاملة طبع منها خمسة أجزاء.
10 - مصباح الأصول، جزآن (أصول).
11 - مباني الاستنباط، جزآن (أصول).
12 - دراسات في الأصول العملية، مجلد (أصول).
13 - مصابيح الأصول، مجلد (أصول).
14 - جواهر الأصول، مجلد (أصول).
15 - الأمر بين الأمرين، مجلد (أصول).
16 - الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد، مجلد (أصول).
17 - رسالة في تحقيق الكر، جزء واحد.
18 - رسالة في حكم أواني الذهب، جزء واحد. انظر: دليل معجم رجال الحديث: ص 1714 طبع بيروت.
وترجم سيدنا الإمام الخوئي الشيخ آغا بزرك الطهراني وقال:
"... وله يد طولى في التفسير والتصانيف منها: (نفحات الإعجاز) و (رسالة في اللباس المشكوك) و (رسالة في الغروب) و (رسالة في قاعدة التجاوز) و (رسالة في إرث الزوج والزوجة قبل الدخول).. وغيرها. انظر: طبقات أعلام الشيعة نقباء البشر: 1 / 71 72.
وانتقلت روح هذا الإمام الراحل فقيد الطائفة ومرجعها وزعيمها الأوحد إلى الرفيق الأعلى في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر من يوم السبت الموافق 8 صفر عام 1413 هـ ودفن في مقره الأخير بجوار الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في إحدى حجرات الصحن العلوي الشريف التي كانت مدخلا كيشوانية إلى مسجد الخضراء الملاصق للصحن الشريف في الساعة الرابعة بعد منتصف ليلة الأحد 9 صفر، تغمده الله برحمته الواسعة وحشره مع آبائه الطاهرين أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام. وقد أرخ وفاته صاحب الفضيلة العلامة الشيخ محمد حسين الأنصاري أيده الله تعالى وقال: * (إخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) *.
مجلة النور، تصدر في لندن، السنة الثانية، العدد: 18 / 31.
____________
(1) الأستاذ الكبير الدكتور الشيخ أحمد الوائلي أحد الأعلام والشعراء اللامعين في العراق، ومن الخطباء الموهوبين الأفذاذ، تخرج من كلية الفقه في النجف الأشرف، وحصل على درجة الدكتوراه من كلية دار العلوم بالقاهرة. وكان سابقا رئيس جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف العراق وسكن في الآونة الأخيرة مدينة دمشق الشام ومن آثاره:
نحو تفسير علمي للقرآن طبع في النجف الأشرف عام 1391 هـ وله:
1 - أحكام السجون بين الشريعة والقانون.
2 - استغلال الأجر وموقف الإسلام منه.
3 - هوية التشيع.
4 - منتجع الغيث تراجم الصحابة والأعيان من بني ليث.
5 - الأدب في عصوره الثلاثة.
وله ديوان شعر ومؤلفاته هذه مخطوطة وكان هذا الأستاذ قد أرسل كتاب الغدير في 11 مجلد للشيخ محمود أبو رية كما جاء ذكره في هذه الرسالة الآتية وكنت قد أرسلت رسالة من النجف الأشرف لفضيلة العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية قبل نهاية عام 1969 م وطلبت منه أن يرسل لي بالبريد ما تبقى لديه من كتابه:
شيخ المضيرة " أبو هريرة " فأجابني بهذا الخطاب المؤرخ في 22 / 2 / 1970 وإليك نصه:
الأخ الكريم الأستاذ الفاضل مرتضى الرضوي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم وسائر الأسرة الكريمة بخير وسعادة.
وبعد فقد ذهبت بالأمس إلى دار المعارف كما وعدوا لكي يعطوني البيان الصحيح عن النسخ الباقية من شيخ المضيرة بعد ما كانوا يعطون بيانات مختلفة وقد أعطوني بيانا قالوا إنه هو الصحيح الذي جاء بعد الجرد السنوي المعتمد وهذا البيان مؤرخ في (21 / 3 / 1969 م). وقد جاء فيه:
أن النسخ الباقية من الكتاب هي: 123 نسخة في جميع فروع الدار في مصر وغيرها من البلاد ويطرح من ذلك 54 نسخة التي أرسلت إليكم أخيرا فيكون الباقي 69 نسخة وهذا البيان لا شك فيه هو المعتمد.
وإني في انتظار خطاب منك عن وصول ال 54 نسخة الأخيرة حتى أطمئن.
وإني أسرك بخبرين، ذلك أنني تلقيت أخيرا تفسير التبيان لشيخ الطائفة وهو في عشرة أجزاء كبار وكانت هدية من المفضال الحاج عبد الرزاق العويناتي. وكتاب الغدير من تأليف العالم الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي، وهو 11 مجلدا وهو دائرة معارف وقد عكفت على قراءته لأنه يعينني كثيرا على الكتاب الذي أنا بصدده عن " علي (عليه السلام) " وأدعو الله أن يعينني على قراءته واستخراج ما فيه مما ينفع كتابي والذي تفضل بإرساله إلي هو العلامة: أحمد الوائلي ولعلك تشكرهما عني. وقبل أن أختم خطابي هذا أعيد الرجاء في إخباري عن كل ما طلبت منك الإجابة عنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجيزة في 22 / 2 / 1970 محمود أبو رية
وفي 12 / 10 / 1963 م تسلمت طردا من دائرة بريد النجف مرسله فضيلة الأستاذ " أبو رية " من القاهرة وفي باطنه ثلاثة نسخ من كتاب: " أبو هريرة راوية
____________
(1) الطبعة الثانية منه طبعت تحت إشراف المؤلف في دار الكتاب العربي بمصر للحاج محمد
حلمي المنياوي، والطبعة الثالثة طبعت بمطابع دار المعارف بالقاهرة تحت إشراف المؤلف
أيضا.