الصفحة 49
وتقليد غيره!! قال أبو شامة: فالمزني امتثل أمر إمامه في النهي عن تقليده فخالفه في هذه المسألة (1).

26 - قال السيوطي: " ما زال السلف والخلف يأمرون بالاجتهاد ويحضون عليه، وينهون عن التقليد ويذمونه ويكرهونه، وقد صنف في ذم التقليد كالمزني وابن حزم وابن عبد البر وأبي شامة وابن قيم الجوزية وصاحب البحر المحيط " (2).

وكتاب السيوطي - الرد على من أخلد إلى الأرض وأنكر أن الاجتهاد في كل عصر فرض - أكبر دليل على محاربة السيوطي لتقليد الأئمة الأربعة ودعوته للاجتهاد.

27 - يقول ابن حزم: " كل من قلد صحابيا أو تابعيا أو مالكا أو أبا حنيفة أو الشافعي أو أحمد... يبرؤن منه في الدنيا والآخرة...

وأيضا فإن هؤلاء الفقهاء - يقصد الأئمة الأربعة - قد نهوا عن تقليدهم وتقليد غيرهم، فقد خالفهم من قلدهم... ".

قال: " وهل أباح مالك وأبو حنيفة والشافعي (3) قط لأحد تقليدهم؟ حاشا لله من هذا، بل والله قد نهوا عن ذلك ومنعوا منه، ولم يفسحوا لأحد فيه...

ولا يحل لأحد أن يقلد آخر لا حيا ولا ميتا، ولا أن يتبع أحدا دون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا قديما ولا حديثا، ومن التزم بطاعة إنسان بعينه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قائلا بالباطل، ومخالفا لما عليه جماعة الصحابة وجميع التابعين أولهم عن آخرهم، وجميع تابعي التابعين بلا خلاف من أحد منهم...، ويكفي في إبطال التقليد أن القائلين به مقرون على أنفسهم بالباطل، لأن كل طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرة بأن التقليد لا يحل، وأئمتهم الثلاث قد نهوا عن تقليدهم، ثم مع ذلك خالفوهم وقلدوهم، وهذا عجب ما مثله عجب، حيث أقروا ببطلان التقليد ثم دانوا الله بالتقليد. وأيضا، فإنهم مجمعون معنا على أن جميع أهل عصر الصحابة لم يكن فيهم واحد فما فوقه

____________

1 - انظر الرد، السيوطي: ص 143.

2 - المصدر السابق: ص 42.

الصفحة 50
يقلد صاحبا أكبر منه، فيأخذ قوله كله. وإن جميع أهل عصر التابعين لم يكن فيهم واحد يقلد صاحبا أو تابعا أكبر منه فيأخذ بقوله كله، فصح يقينا أن هؤلاء المقلدين الذين لا يخالفون من قلدوه قد خالفوا إجماع الأمة كلها وهذا عظيم جدا.

وأيضا، من الذي خص أبا حنيفة ومالكا والشافعي بأن يقلدوا، دون أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي... والزهري، والنخعي...

وأيضا، فأن هذه الطوائف كلها مقرة بأن عيسى ابن مريم (عليه السلام) سينزل ويحكم أهل الأرض...

فهل يحكم إذا نزل برأي أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي؟ معاذ الله بل يحكم بما أوحى الله إلى أخيه (صلى الله عليه وآله وسلم)... ".

وقال عن الشافعي: " ولم يزل (رحمه الله) في جميع كتبه ينهى عن تقليده وتقليد غيره، هكذا حدثني القاضي أبو بكر همام بن أحمد، عن عبد الله بن محمد الباجي، عن القاضي أسلم بن عبد العزيز بن هشام، عن أبي إبراهيم المزني، عن الشافعي، فترك هؤلاء القوم ما أمرهم به أسلافهم، وعصوهم في الحق، واتبعوا آراءهم، تقليدا وعنادا للحق " (1).

28 - قال ابن الجوزي: " اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه خلق للتأمل والتدبر... واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل " (2).

29 - قال ابن تيمية: " وهؤلاء الأئمة - أي الأربعة - نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولون، وذلك هو الواجب " (3).

____________

1 - الإحكام في اصول الأحكام - مبحث التقليد.

2 - تلبيس إبليس: ص 124 - 125، وذكره عنه الشوكاني في قوله المفيد: ص 66.

3 - مجموع فتاوى ابن تيمية: 20 / 211.

الصفحة 51
وقد عد ابن تيمية كثرة التفرق والاختلاف والفتن بين المذاهب في بلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتار عليها، قال: "... وكل هذا التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل، المتبعين الظن وما تهوى الأنفس، المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله، مستحقون للذم والعقاب " (1).

30 - قال ابن القيم الجوزية: " وقد نهى الأئمة عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة... فإن طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم...

وأعجب من هذا أن أئمتهم - أي المقلدين، بالفتح - نهوهم عن تقليدهم فعصوهم وخالفوهم، وقالوا: نحن على مذاهبهم، وقد دانوا بخلافهم في أصول المذهب الذي بنوا عليه، فإنهم بنوا على الحجة، ونهوا عن التقليد، وأوصوهم إذا ظهر الدليل أن يتركوا أقوالهم ويتبعوه، فخالفوهم في ذلك كله...

وأعجب من هذا أنهم مصرحون في كتبهم ببطلان التقليد وتحريمه...

فيا لله العجب!! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملة، إلا مذاهب أربع أنفس فقط من بين سائر الأئمة والفقهاء، وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه، أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟! والذي أوجبه الله تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة، لا يختلف الواجب ولا يتبدل " (2).

وقد ذكر ابن القيم واحدا وثمانين وجها في إبطال تقليد الأئمة الأربعة فراجعه إن شئت (3).

31 - والشاطبي الأندلسي لا يقر الاعتماد على الرجال وتقليدهم كما يظهر ذلك

____________

1 - المصدر السابق: 22 / 245.

2 - إعلام الموقعين عن رب العالمين: 2 / 261 - 263 باختصار.

3 - في الجزء الثاني من الإعلام: ص 201 - 279.

الصفحة 52
من كلامه حيث يقول: " ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلوا عن سواء السبيل " (1).

وقال: " رأى المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إمامهم هو الشريعة، بحيث يأنفون أن تنسب لأحد من العلماء فضيلة دون إمامهم، حتى إذا جاءهم من بلغ درجة الاجتهاد وتكلم في المسائل، ولم يرتبط إلى إمامهم رموه بالنكير، وفوقوا إليه سهام النقد وعدوه من الخارجين عن الجادة... وكان هؤلاء المقلدة قد صمموا على مذهب مالك بحيث أنكروا ما عداه، وهذا تحكيم الرجال على الحق، والغلو في محبة المذهب " (2).

32 - وقال المجتهد الصنعاني: " وإذا عرفت تصريح الأئمة بأنه إذا صح الحديث بخلاف ما قاله فإنه لا يقلدهم أحد في قولهم المخالف للحديث عرفت أن الآخذ بقولهم مع مخالفة الحديث غير مقلد لهم، لأن التقليد حقيقة هو الأخذ بقول الغير من غير حجة، وهذا القول الذي خالف الحديث ليس قولا لهم، لأ نهم صرحوا بأنهم لا يتبعون فيما خالف الحديث، وأن قولهم هو الحديث، ولقد كثرت جنايات المقلدين على أئمتهم في تعصبهم لهم " (3)، " ولو تتبعت ما وقع لأهل التقليد من التحريف لجاء منه مجلد وسيع، لكن مرادنا النصيحة لا التشنيع " (4).

" وفي كتب الأصول نقل الإجماع على تحريم تقليد الأموات " (5).

33 - قال الإمام أبو شامة من علماء الشافعية: " ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام معين...

____________

1 - الاعتصام 2 / 347.

2 - الاعتصام 2 / 348.

3 - مجموعة الرسائل المنيرية، الصنعاني 1 / 27 - 28.

4 - المصدر السابق: ص 40.

5 - المصدر السابق.

الصفحة 53
ولم يزل علم الفقه كريما يتوارثه الأئمة، معتمدين على الأصلين الكتاب والسنة، مستظهرين بأقوال السلف على فهم ما فيها من غير تقليد، فقد نهى إمامنا الشافعي (رضي الله عنه) عن تقليده وتقليد غيره. وكانت تلك الأزمنة مملوءة بالمجتهدين، فكل صنف على ما رأى، وتعقب بعضهم بعضا، مستمدين من الأصلين الكتاب والسنة، وترجيح الراجح من أقوال السلف المختلفة، ولم يزل الأمر على ما وصفت إلى أن استقرت المذاهب المدونة، ثم استظهرت المذاهب الأربعة وهجر غيرها... وإنما وضع الشافعي وغيره من الأئمة الكتب إرشادا للخلق إلى ما ظنه كل واحد منهم صوابا، لا أنهم أرادوا تقليدهم ونصرة أقوالهم كيفما كانت، فقد صح أن الشافعي (رضي الله عنه) نهى عن تقليد غيره " (1).

وقد جعل أبو شامة الشافعي في كتابه مختصر المؤمل عنوان في: " نصوص الأئمة في الرجوع إلى الكتاب والسنة والنهي عن تقليدهم " (2).

وقد تحدث أبو شامة عن العلماء في عصره وتقصيرهم، وتحدث عن أقوال المقلدين الملتزمين بأقوال من سبقهم من غير معرفة بأدلتهم، فقال: " ومنهم من قنع بزبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم، وبالنقل عن أهل مذهبه، وقد سئل بعض العارفين عن معنى المذهب فأجاب أن معناه: دين مبدل. قال تعالى (ولاتكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) (3) ألا ومع هذا يخيل إليه أنه من رؤوس العلماء، وهو عند الله. وعند علماء الدين من أجهل الجهلاء، بل بمنزلة قسيس النصارى أو حبر اليهود، لأن اليهود والنصارى ما كفروا إلا بابتداعهم في الأصول والفروع، وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لتركبن سنن من كان قبلكم) (4).

34 - قال الفلاني في الإيقاظ: " قال شيخ مشايخنا المحقق أبو الحسن السندي في

____________

1 - مختصر المؤمل في الرد للقرن الأول. الرد، السيوطي: ص 141 - 142.

2 - راجع ص 56 من كتابه.

3 - الروم: 33.

4 - ذكره عنه عمر الأشقر في تاريخ الفقه الإسلامي: ص 148 - 149.

الصفحة 54
حواشيه على فتح القدير - عند قوله: لأن الحكم في حق العامي فتوى مفتيه -: أفاد أنه لا يتعين في حق العامي الأخذ بمذهب معين لعدم اهتدائه لما هو أولى وأحرى إلا على وجه الهوى كما عليه العوام اليوم " (1) والشيخ الفلاني من محاربي تقليد الأئمة الأربعة وقد ذكر في كتابه إيقاظ الهمم بعض أقوال الأئمة في النهي عن تقليدهم، فنرجو مراجعته.

35 - قال الوزير اليماني منكرا الالتزام بمذهب معين: " فالمعلوم ضرورة أن العامي في زمن الصحابة كان يفزع في الفتوى إلى من شاء منهم من غير نكير في ذلك، وهذا من الأمور المعلومة، وقد احتج بذلك ابن الحاجب في مختصر المنتهى على أن الالتزام لا يجب، وادعى القطع بوقوعه. وكذلك الشيخ ابو الحسن احتج في المعتمد بإجماع الصحابة على عدم الالتزام. قال قطب الدين في شرح كلام ابن الحاجب ما لفظه: احتج المصنف على الجواز بوقوعه أي: بوقوع التنازع فيه في زمن الصحابة وغيرهم من غير إنكار من أحد، ولو كان ذلك منكرا لأنكر، ولم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين الإنكار ولا الحجر على المستفتي في تقليد إمام واحد " (2).

وقد نقل محمد بن ابراهيم الوزير الإجماع عن علماء آل البيت (عليهم السلام) وعن سائر علماء الإسلام تحريم تقليد الأموات. (3) ولا تنس أن الأئمة الأربعة أموات!!

36 - يقول أبو طالب المكي في كتابه " قوت القلوب ": اعلم أن العبد إذا كاشفه الله بالمعرفة واليقين لم يسعه تقليد أحد من العلماء، وكذلك كان المتقدمون، إذا افتتحوا هذا المقام خالفوا من حملوا عنه العلم، ولأجل ذلك كان الفقهاء يكرهون التقليد " (4)!!

وقال: " اعلم إن الكتب والمجموعات محدثة، والقول بمقالات الناس، والفتيا بمذهب الواحد من الناس، واتخاذ قوله والحكاية له من كل شي والتفقه على مذهبه لم

____________

1 - إيقاظ الهمم: ص 57.

2 - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم: 1 / 114.

3 - راجع القول المفيد: ص 67.

4 - راجع قوله في الرد، للسيوطي: ص 118 - 119.

الصفحة 55
يكن الناس قديما على ذلك في القرنين الأول والثاني " (1).

37 - وقال الإمام الشيخ الأكبر ابن العربي: " والتقليد في دين الله لا يجوز عندنا لا تقليد حي ولا ميت " (2)!!!

38 - يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني: " لم يبلغنا أن أحدا من السلف أمر أحدا أن يتعبد بمذهب معين، ولو وقع ذلك منهم لوقعوا في الأثم...

ومن أين جاء الوجوب والأئمة كلهم قد تبرأوا من الأمر باتباعهم!!! وقالوا: إذا بلغكم الحديث فاعملوا به واضربوا بكلامنا الحائط " (3).

39 - وقال ولي الله دهلوي: " اعلم أن الناس كانو في المائة الأولى والثانية غير مجتمعين على التقليد في مذهب واحد بعينه، بل كان الناس على درجتين: العلماء والعامة، وكانوا في المسائل الاجتماعية التي لا خلاف فيها بين المسلمين أو بين جمهور المجتهدين لا يقلدون إلا صاحب الشرع، وكانوا يتعلمون صفة الوضوء والغسل وأحكام الصلاة والزكاة ونحوه من آبائهم أو معلمي بلادهم فيمشون على ذلك، وإذا وقعت لهم واقعة نادرة استفتوا فيها أي سنة مضت من غير تعيين مذهب " (4).

وقال عن الأمور التي حدثت بعد المائة الرابعة: " ومنهم - يقصد الناس - اطمأنوا بالتقليد ودب التقليد في صدورهم دبيب النمل وهم لا يشعرون " (5) " ولم يأت قرن بعد ذلك إلا وهو أكثر فتنة وأوفر تقليدا وأشد انتزاعا للأمانة من صدور الرجال حتى اطمأنوا بترك الخوض في أمر الدين، بأن يقولوا: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم

____________

1 - من كتابه قوت القلوب، انظر حجة الله البالغة: 1 / 152.

2 - الفتوحات المكية - الباب الثامن والثمانين.

3 - أسد حيدر: 1 / 176. الدرر المنثورة.

4 - الإنصاف في بيان سبب الاختلاف: ص 8.

5 - حجة الله البالغة: 1 / 153.

الصفحة 56
مقتدون) (1)، وإلى الله المشتكى، وهو المستعان، وبه الثقة وعليه التكلان " (2).

وقد نقل الدهلوي بعض أقوال الأئمة في النهي عن تقليدهم في كتابيه: " حجة الله البالغة " ورسالته " الإنصاف في بيان سبب الاختلاف ".

40 - قال الشوكاني: " فنصوص أئمة المذاهب الأربعة في المنع من التقليد، وفي تقديم النص على آرائهم وآراء غيرهم، لا تخفى على عارف من اتباعهم وغيرهم "، " وأيضا العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم، ونهوا عن ذلك "، " فإنه صح عنهم - يقصد الأئمة الأربعة - المنع من التقليد ".

" وقد عرفت أن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون... وأن حدوث التمذهب بمذاهب الأئمة، إنما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة، وأ نهم كانوا على نمط من تقدمهم من السلف في هجر التقليد، وعدم الاعتداد به، وأن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين، وقد تواترت الرواية عن الإمام مالك أنه قال له الرشيد: أنه يريد أن يحمل الناس على مذهبه، فنهاه عن ذلك.

وهذا موجود في كل كتاب فيه ترجمة الإمام مالك، ولا يخلو من ذلك إلا النادر...

وحينئذ لم يقل بهذه التقليدات عالم من العلماء المجتهدين، أما قبل حدوثها، فظاهر، وأما بعد حدوثها فما سمعنا عن مجتهد من المجتهدين أنه يسوغ صنيعة هؤلاء المقلدة الذين فرقوا دين الله وخالفوا بين المسلمين بل أكابر العلماء بين منكر، وساكت عنها سكوت تقية لمخافة ضرر ".

وتحت عنوان: رفض الأئمة الأربعة للتقليد قال: " ومن المصرحين بهذا، الأئمة الأربعة، فإنه قد صح عن كل واحد منهم هذا المعنى من طرق متعددة "، " فهل تزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: عليكم بسنة أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل..؟ ".

____________

1 - الزخرف: 23.

2 - الإنصاف: ص 96.

الصفحة 57
ونقل الشوكاني عن أبي بكر المرغيناني - أحد فقهاء الحنفية - ونور الدين السنهوري المالكي ما يدل على نهي الأئمة عن تقليدهم.

وقال: " وأما الإمام الشافعي فقد تواتر ذلك عنه - أي النهي عن تقليده - تواتر لا يخفى على القصر، فضلا عن كامل، فإنه نقل ذلك عنه غالب أتباعه، ونقله عنه - أيضا - جميع المترجمين إلا من شذ، ومن جملة من روى ذلك البيهقي... ".

" فلا حيا هؤلاء المقلدة الذين ألجأوا الأئمة الأربعة إلى التصريح بتقديم أقوال الله ورسوله على أقوالهم لما شاهدوهم عليه من الغلو والمشابه لغلو اليهود والنصارى في أحبارهم ورهبانهم " (1).

41 - يقول الشيخ حسن خان: " من حصر فضل الله على بعض خلقه وقصر فهم هذه الشريعة المطهرة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله (2)، ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده الذين تعبدهم بالكتاب والسنة، فإذا كان التعبد بهما مختصا بأهل العصور السابقة ولم يبق خ لهؤلاء المتأخرين إلا التقليد لمن تقدمهم ولا يتمكنون من معرفة كتاب الله وسنة رسوله فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة، والمقالة الزائغة، وهل النسخ إلا هذا؟ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم " (3).

42 - قال عبد العظيم المكي: " اعلم أنه لم يكلف الله أحدا من عباده بأن يكون حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا، بل الواجب عليهم الإيمان بما بعث به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والعمل بشريعته " (4).

43 - قال المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني: " بأي نص سد باب الاجتهاد؟ أو أي إمام قال: لا ينبغي لأحد من المسلمين بعدي أن يجتهدوا ليتفقهوا في الدين، أو أن

____________

1 - جميع هذه الأقوال في كتابه القول المفيد في كشف حقيقة الاجتهاد والتقليد، فراجع ما ذكرنا على الترتيب: ص 66 و 42 و 48 و 52 و 53 و 60 و 26 و 64.

2 - أسد حيدر: 1 / 177 نقلا عن جلاء العينين للآلوسي: ص 107.

3 - أسد حيدر عن رسالة القول السديد: ص 3.

الصفحة 58
يهتدي بهدي القرآن وصحيح الحديث، أو أن يجد ويجتهد بتوسيع مفهومه والاستنتاج على ما ينطبق على العلوم العصرية وحاجيات الزمان وأحكامه؟ ولا ينافي جوهر النص أن الله بعث محمدا رسولا بلسان قومه العربي ليعلم ما يريد إفهامهم، وليفهموا منه ما يقول لهم، ولا ارتياب بأنه لو فسح في أجل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعاشوا إلى اليوم لداموا مجتهدين مجدين يستنبطون لكل قضية حكما من القرآن والحديث.... وكلما زاد تعمقهم زادوا فهما وتدقيقا. نعم، إن أولئك الفحول من الأئمة ورجال الأمة اجتهدوا فأحسنوا، فجزاهم الله خير الجزاء، ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن، وتمكنوا من تدوينها في كتبهم " (1).

44 - قال عبد المتعال الصعيدي - أحد علماء الأزهر -: " فنحن إذا في حل من التقيد بهذه المذاهب الأربعة!! التي فرضت علينا بتلك الوسائل الفاسدة، وفي حل من العود إلى الاجتهاد في أحكام ديننا لأن منعه لم يكن إلا بطريق القهر، والإسلام لا يرضى إلا بما يحصل بطريق الرضى والشورى بين المسلمين " (2).

45 - وقال شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق: " لو التزم مقلد مذهبا معينا، لا يلزمه الاستمرار في تقليده. اختار هذا: الآمدي وابن الحاجب والكمال ابن الهمام والرافعي وغيرهم، ذلك لأن التزام مذهب معين غير ملزم! إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب إماما معينا من المجتهدين فيقلده في دينه ويأخذ كل ما يقرر دون غيره " (3).

إذن فتقليد الأئمة الأربعة غير ملزم لنا ولاواجب علينا لأنه لاواجب إلا ماأوجبه الله ورسوله، والله ورسوله لم يوجبا علينا تقليدهم فكيف نسوغ لأنفسنا تقليدهم؟!

____________

1 - أسد حيدر عن خاطرات جمال الدين الأفغاني: ص 177.

2 - أسد حيدر عن ميدان الاجتهاد: ص 14.

3 - الدروس الحسنية: ص 41.

الصفحة 59
46 - يقول السيد سابق - مفتي الإخوان المسلمين -: " وكانوا - أي: الأئمة الأربعة - ينهون عن تقليدهم ويقولون: لا يجوز لأحد أن يقول قولنا من غير أن يعرف دليلنا، وصرحوا أن مذهبهم هو الحديث الصحيح... إلا أن الناس بعدهم قد فترت هممهم وضعفت عزائمهم وتحركت فيهم غريزة المحاكاة والتقليد، فاكتفى كل جماعة منهم بمذهب معين ينظر فيه ويعول عليه ويتعصب له ويبذل كل ما أوتي من قوة في نصرته وينزل قول إمامه منزلة قول الشارع ولا يستجيز لنفسه أن يفتي في مسألة بما يخالف ما استنبطه إمامه، وقد بلغ الغلو في الثقة بهؤلاء الأئمة حتى قال الكرخي: كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا " الحنفية " فهو مؤول أو منسوخ " (1).

47 - يقول محمد سعيد رمضان البوطي - من علماء سوريا -: " وإذا ظهر من الأدلة ما يخالفها - يقصد آراء الفقهاء - وجب اتباع الدليل وترك الرأي مهما يكن قائله، وهذا يعني أن تقليد إمام معين دون غيره ليس أمرا ألزمنا الله به... " (2)!!.

48 - يقول محدث أهل السنة المعاصر الشيخ الألباني: " فما أبعد ضلال بعض المقلدة!! الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة، وأنه لا ضير على المسلمين من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك!! هذا ما كان صرح لي به أحد كبار المفتين... " (3).

وقد جعل الألباني في كتابه " صفة صلاة النبي " عنوان: أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها (4) قال: " فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (رحمه الله)، وقد روى عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة، كلها تؤدي إلى شئ واحد، هو

____________

1 - فقه السنة: 1 / 13 - 14.

2 - اللامذهبية: ص 35.

3 - انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1 / 128 ح 87.

4 - ص 23.

الصفحة 60
وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له " (1).

وبعد أن ذكر بعض أقوال الأئمة في النهي عن تقليدهم قال: تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الوضوح والبيان، بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا " (2).

49 - يقول الدكتور أحمد محمود الشافعي: " نهى الأئمة عن الأخذ بأقوالهم دون تبصر، ودعوا إلى الاجتهاد في تعرف دليل الإمام الذي يقلدونه في استنباط الحكم " (3).

50 - قال الدكتور محمد الدسوقي - دكتور في كلية الشريعة جامعة قطر -: " وكان هؤلاء الأئمة - يقصد الأربعة - مع هذا يحضون تلاميذهم على الاجتهاد ويشجعونهم على البحث الحر والنظر المستقل، ويحذرونهم من التبعية والتقليد! وينبهونهم إلى أن آراءهم عرضة للصواب والخطأ، ولا يجوز الأخذ بها إلا بعد التيقن من صحتها " (4).

51 - قال سالم البهنساوي - أحد مفكري الإخوان المسلمين -: " الأصل في الإسلام أن يأخذ المسلم الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، لأنه لا عصمة لأحد حتى تصبح أقواله وأفعاله شرعا من الله لا تحمل مخالفة، وأقوال أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم ليست ملزمة بذاتها، بل بما استندت إليه من الكتاب والسنة النبوية، نص على ذلك هؤلاء الأئمة " (5) ثم ذكر البهنساوي شيئا من أقوالهم في ذلك.

52 - قال مصطفى الرافعي: ".. كل مجتهد منهم - يقصد أئمة المذاهب - كان يقول:

إذا صح الحديث فهو مذهبي، ولم يثبت عن واحد منهم (6) أن أوجب التقيد بمذهبه...

____________

1 - صفة صلاة النبي، الألباني: ص 23 - 24.

2 - المصدر السابق: ص 34.

3 - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص 105.

4 - الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية: ص 220 - 221.

5 - السنة المفترى عليها: ص 194.

الصفحة 61
وأن الإمام الشافعي نفسه نهى عن تقليده وتقليد غيره، حسبما ذكره عنه صاحبه المزني في أول مختصره...

وقال الشارح لمسلم الثبوت: " لم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فايجابه تشريع جديد " (1).

" فالأئمة الأربعة قد بنوا أحكامهم على أعراف زمانهم.

والأعراف في زماننا قد تغيرت عن الأعراف في زمانهم، والعرف مصدر من مصادر التشريع وهو يتغير بتغير الزمان، والوقائع متجددة، والحاجة إلى معرفة حكم الله فيها مستمرة، وشريعة الله تخاطب الناس في كل العصور، لذلك يقول الإمام علي (عليه السلام):

" لم تخل الأرض من قائم لله بحجة " الأمر الذي جعل الشيعة الإمامية يجمعون على مقاومة دعوى سد باب الاجتهاد، ويحمل المتجددين من فقهاء السنة عبر العصور على محاربة التقليد " (2).

53 - قال الدكتور عزت علي عطية: " ومن هنا كان تركيز الأئمة على التحذير من الاقتداء الأعمى بهم أو التعصب لآرائهم، وإعلامهم أن الحديث الصحيح مقدم على كل ما رأوه، وأنهم رجال وغيرهم رجال، واتفاقهم على أنه ليس كل أحد معصوما في كل ما أمر به ونهى عنه إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (3).

54 - قال محمد أمين الشنقيطي - صاحب تفسير أضواء البيان -: " اعلم أن الأئمة الأربعة (رحمهم الله)، متفقون على منع تقليدهم الأعمى الذي يتعصب له من يدعون أنهم أتباعهم، ولو كانوا أتباعهم حقا لما خالفوهم في تقليدهم الذي منعوا منه ونهوا عنه ".

فاللازم هو ما قاله الأئمة أنفسهم (رحمهم الله) من أنهم يخطئون، ونهوا عن اتباعهم في كل شئ يخالف نصا من كتاب أو سنة ".

____________

1 - إسلامنا: ص 30.

2 - إسلامنا: ص 106.

3 - البدعة: ص 250.

الصفحة 62
وقال: " مما لا شك فيه أن الأئمة الأربعة (رحمهم الله) نهوا عن تقليدهم في كل ما خالف كتاب أو سنة، كما نقله عنهم أصحابهم.. كما هو مقرر في كتب الحنفية عن أبي حنيفة، وكتب الشافعية عن الشافعي القائل: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

وكتب المالكية والحنابلة عن مالك وأحمد رحمهم الله جميعا، وكذلك كان غيرهم من أفاضل العلماء يمنعون من تقليدهم " (1).

55 - قال أحمد بن حجر - قاضي المحكمة الشرعية الأولى بدولة قطر -: " وكأن أولئك العلماء - يقصد مقلدي المذاهب ومتعصبيها - والأحرى أن يكونوا جهلاء، لم يعلموا أن الأئمة (رحمهم الله) لم يأمروا أحدا باتباعهم بل أمروا باتباع قول الله وقول رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (2).

56 - قال ابراهيم فوزي: " وقد نادى بالتحرر من المذهبية في الماضي فقهاء وعلماء كثيرون، واعتبروا التقوقع ضمن مذهب واحد من علامات الانحطاط وتدني الفكر والعقل بين المسلمين، وقد نهى أصحاب المذاهب أنفسهم عن تقليدهم!! وعن الأخذ بآرائهم واجتهاداتهم دون روية ولا نظر وحذا حذوهم فقهاء وعلماء كثيرون " (3).

57 - قال الدكتور إبراهيم هلال في مقدمة كتاب الإمام الشوكاني والاجتهاد والتقليد: " هذه صفحات من جهاد الإمام الشوكاني ضد المقلدين، اقدمها في هذه الأيام تنبيها لهؤلاء الذين لا يزالون يتعلقون بالمذاهب والآراء، ويلغون أمامها عقولهم وتفكيرهم "... وأن كلام الأئمة السابقين ليس وافيا بذلك، بل يقصر عن البلوغ إلى استقصاء كل ظروف عصرهم ومتطلبات حياتهم وضروراتها، فضلا عن أن يفي

____________

1 - القول السديد في كشف حقيقة التقليد: ص 67 و 64 و 69.

2 - تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين: ص 61 - 62.

3 - أحكام الإرث: ص 10.

الصفحة 63
بحاجات عصرنا، كما أنهم في آرائهم عرضة للخطأ والصواب، وقد قالوا هم عن أنفسهم: " كل امرئ يؤخذ من قوله ويترك إلا قول الله وقول الرسول ".

ونهوا الناس عن تقليدهم بكل شدة!! وأمروا تلاميذهم ومن بعد تلاميذهم أن يجتهدوا كاجتهادهم وأن يأخذوا من كتاب الله وسنة رسوله مباشرة كما أخذوا هم، وقالوا: إنه لا يحل لامرئ أن يعمل بقولنا إلا بعد أن يعرف من أين أخذنا هذا القول، من الكتاب أو السنة؟ هذا هو رأي الأئمة السابقين أنفسهم فيما خلفوه لنا من آراء ومن كتب في الفقه وغيره... " (1).

58 - قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق عن الأئمة الأربعة: " وما دعا أحد منهم الناس إلى اتباعه بل جميعهم نهوا تلاميذهم عن تقليدهم وأمروا باتباع الحق والدليل...

وأما المقلدون الذين يزعمون أنهم على مذهبهم فهم أبعد الناس عنهم، لأنهم خالفوا هؤلاء الأئمة في نهيهم عن تقليدهم والإفتاء بآرائهم دون معرفة دليلهم " (2).

59 - وقال محمد إبراهيم شقرة - أحد علماء الأردن - بعد أن ذكر بعض أقوال الأئمة الأربعة في النهي عن تقليدهم: " هذه الأقوال للأئمة الأربعة المجتهدين صريحة لا تدع مجالا للمسلم أن يسلم قياد عقله لمذهب من المذاهب " (3).

60 - قال صلاح الدين مقبول في مقدمة كتاب مختصر المؤمل: " إن الأئمة (رحمهم الله) لم يألوا جهدا في اتباع السنة ونشرها وكذلك لم يقصروا في النهي عن تقليدهم خلاف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... وخوفا من وقوع مخالفة الأحاديث الصحيحة، أوصى الأئمة أصحابهم بأن لا يقلدوهم بخلافها " (4).

____________

1 - ص 3.

2 - السلفيون والأئمة الأربعة: ص 43 و 49.

3 - الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد: ص 15.

4 - مختصر المؤمل: ص 7.

الصفحة 64

وماذا بعد هذا؟

نكتفي بهذا القدر مما ورد عليك أخي المسلم من أقوال الأئمة الأربعة في النهي عن تقليدهم، فقد أوردنا أقوال ستين عالما من علماء الإسلام يدعون بها لفتح باب الاجتهاد، وينهون عن تقليد الأئمة الأربعة ويؤكدون مقالاتهم في وجوب ترك تقليدهم، فماذا بعد هذا؟ أيسوغ المسلم لنفسه أن يبقى مقلدا لأحد هذه المذاهب وقد نهاه إمام مذهبه عن تقليده؟!!

يقول الشوكاني: " فيامن نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبلغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الخير بالشر، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بسقيم الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا رسولا واحدا أمرهم باتباعه، ونهاهم عن مخالفته فقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1) ولو كان محض رأي أئمة المذاهب حجة على العباد، لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعددون بعدد أهل الرأي، المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به، وإن من أعجب الغفلة، وأعظم الذهول عن الحق اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله ووجود سنة رسوله... " (2).

" فدعوا - أرشدكم الله وإياي - كتبا كتبها لكم الأموات من أسلافكم واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ومتعبدهم ومتعبدكم " (3).

____________

1 - الحشر: 7.

2 - فتح القدير: 2 / 189.

3 - المصدر السابق: ص 352 - 353.

الصفحة 65

الفصل الثاني
عقبات عدة أمامنا


الصفحة 66

الصفحة 67

الأئمة الأربعة أموات

وهذه عقبة أخرى، إذ كيف نأخذ ديننا عنهم وقد ماتوا قبل أكثر من ألف ومئتي سنة؟! فإن قيل: نأخذ بأقوالهم المدونة، قلنا: والمسائل المستحدثة كيف سيجيبوننا عنها ؟ وإذا كان الدين لا يؤخذ إلا عنهم فكيف عاش المسلمون قبلهم وإلى من رجعوا في معرفة الإسلام؟

فهل كانوا قبل أن يصلوا الى درجة الاجتهاد: في ضلال؟ وإذا قلتم أن الإسلام لا يؤخذ إلا منهم فقد حكمتم على أتباع المذاهب الأخرى بالضلال كالسلفية والمذاهب القديمة كالثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وغيرهم.

لا ترجيح بين المذاهب

ومن هذه العقبات التي تقف أمامنا أننا إذا أردنا أن نختار أحد المذاهب الأربعة لكي نتبعه فلا نستطيع أن نرجح مذهبا على آخر لأنه سيكون ترجيحا بلا مرجح وهو فاسد عقلا وشرعا. ثم لو أننا أخذنا المذهب الشافعي دون غيره فقد حكمنا على من خالف الشافعي بالضلال، وكذلك إذا اخترنا مذهب أبي حنيفة نحكم على من خالفه بالضلال، لأننا نعلم أن الحق واحد لا يتعدد، فلا يمكن أن يكون الأربعة مصيبين في مسألة واحدة وهم مختلفون فيها؟!!

الأئمة الأربعة لم يروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

إن الأئمة الأربعة لم يروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يسمعوا منه، وبينهم وبينه أكثر من مئة