من له حق الحكم في الإسلام:
أما ما يتعلق بمسالة الحكم فان القانون الإسلامي قد أوجب على المسلمين إقامته إلى آخر الدنيا، ومن الطبيعي جداً ان لا يحدد عدد الحكام بعدد معين، وإنما الطبيعي هو ان تحدد مواصفات من له أهلية لإشغال هذا المنصب في المجتمع، وقد حدد القانون الإلهي ذلك صريحا في قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ونُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا والرَّبَانِيُّونَ والأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ الله وكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) المائدة / 44.
والنظرية التي تطرحها الآية من وجود ثلاثة طبقات من العلماء بالكتاب الإلهي يبينون أحكامه وينفذونها في المجتمع، وهم النبيون ثم الربانيون ثم الأحبار، ليست خاصة بالتوراة بل تشمل كل كتاب إلهي تضمَّن الشريعة.
والمراد بالأحبار هم الفقهاء رواة أحاديث الأوصياء.
وفي ضوء الآية الكريمة يكون الذي له حق الحكم في المجتمع هو النبي ومن بعده الوصي ومن بعده الفقيه العادل الكفوء.
وقد وردت النصوص في القرآن والسنة تشير إلى وجود منزلة الربانيين والأحبار في أمة محمد (صلى الله عليه وآله).
روى المحدِّث البحراني في تفسيره البرهان عن العياشي عن أبي عمرو الزبيري عن أبى عبد الله (عليه السلام) قوله:
" ان مما استحقت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبِقة التي توجب النار، ثم العلم المكنون بجميع ما تحتاج إليه الأمة حلالها وحرامها والعلم بكتابها خاصه وعامه والمحكم والمتشابه ودقائق علمه وغرائب تأويله وناسخه ومنسوخه.
____________
<=
ملفتة للنظر جعلها الله تعالى من المعالم الهادية إلى حقانية حركة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وبخاصة بعد ان أصبحت حركتهم (عليه السلام) بما فيها غيبة المهدي عج واقعا تاريخيا ناجزا ثابتا تسهل مقارنته مع الواقع التاريخي لحركة الحجج في الأمم السابقة كما ذكرها القرآن الكريم والنصوص الموافقة له من أسفار التوراة والإنجيل المتداولة وقد درسنا ذلك مفصلا وأعددناه في كتاب خاص.
قال: قول الله فيمن أذن لهم بالحكومة وجعلهم أهلها (انا أنزلنا التوراة فيها هدىونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون) فهذه الأئمة دون الأنبياء الذين يؤتون الناس بعلمهم(1).
وأما (الأحبار) فهم العلماء دون الربانيين.
ثم اخبرنا فقال: (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) ولم يقل بما حملوا منه "(2).
شرح الرواية:
قوله (عليه السلام): (ان مما استحقت به الإمامة التطهير... ثم العلم المكنون...).
العلم المكنون هو: العلم المخزون المصون عن الاختلاف، نظير قوله تعالى (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَاب مَّكْنُون) الواقعة77-78.
ومراده (عليه السلام) ان الإمامة الإلهية الخاصة تتقوم بأمرين:
الأول: الطهارة من الذنوب صغيرها وكبيرها.
الثاني: العلم بكل ما تحتاج إليه الأمة علما مصونا عن الخطأ والاختلاف.
وكلاهما فضل من الله يمنحه من يشاء من عباده.
قوله (عليه السلام): (قول الله فيمن أذن الله لهم بالحكومة وجعلهم أهلها).
يشير الى ان الذين أذن الله لهم بالحكومة هم ثلاث فئات:
الفئة الأولى: النبيون.
الفئة الثانية: الربانيون.
الفئة الثالثة: الأحبار(3).
قوله (عليه السلام): (فهذه الأئمة دون الأنبياء).
____________
(1) وفي نسخة (يربون الناس بعلمهم) والظاهر ان هذا هو الصحيح وهو من التربيه بمعنى الاصلاح اي يصلحون الناس بعلمهم.
(2) تفسير البرهان تفسير الآية.
(3) انظر تفصيل الاستدلال على ان الربانيين في الاية هم الائمة (عليه السلام) في تفسير الآية عند العلامة الطباطبائي (رحمهم الله).
ان الأئمة من بني إسرائيل من بعد موسى المشار اليهم فى الآية على قسمين:
الأول: أنبياء ورسل كداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى.
الثاني: غير أنبياء ولكنهم علماء معصومون منصوص عليهم وهم آل هارون وطالوت(2) وصاحب سليمان(3) وغيرهم وهؤلاء هم الربانيون المشار إليهم في الآية 44 من سورة المائدة موضوع البحث ولهم نظائر في هذه الامة.
وقد قال الامام الباقر (عليه السلام) في تفسيرها: " انها فينا نزلت "(4)، ومراده (عليه السلام) انها نزلت لبيان مقامهم بواسطة ذكر نظائرهم في الامم السابقة.
وتفسير الإمام الباقر (عليه السلام) هذا من باب البطن.
____________
(1) ومن الجدير ذكره هنا هو ان الوصي فضلا عن الفقيه في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)) ليس له ان يمارس الحكم إلا بإذن النبي (عليه السلام)، وكذلك الأمر مع الفقهاء في زمن حضور الأوصياء، أما زمان الغيبة الكبرى فقد أذن الأوصياء لفقهاء شيعتهم خاصة ان يمارسوا الحكم وأوجبوا على شيعتهم الرجوع إليهم والرضا بهم دون غيرهم وقد استدل الفقهاء على هذا الإذن بقول الإمام الصادق (عليه السلام) (اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا وإياكم ان يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر (التهذيب للطوسي ج6 / 303) وقوله (عليه السلام) من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما) (الكافي ج7 / 412، من لا يحضره الفقيهج3 / 5، التهذيب ج1 / 301، وسائل الشيعة 18 / 98، والتوقيع الصادر عن الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام) (اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) إكمال الدين للصدوق ص483.
(2) قال تعالى: (وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَ بَقِيًّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَ آلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الَمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) البقرة: 248.
(3) قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقُوِىٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِىٌّ كَرِيمٌ) النمل: 38-40.
(4) تفسير العياشي ج1: تفسير الآية 44 من سورة المائدة.
وفي رواية مهران عن ابي جعفر (عليه السلام) إيضا قال: " ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذين عملوا مثل اعمالهم "(1).
قوله (عليه السلام): " ثم اخبر فقال (بما استحفظوا من كتاب الله..) ولم يقل بما حملوا منه " إشارة منه (عليه السلام) إلى ان (الإستحفاظ) لا يراد به مجرد حمل العلم فقط، بل يراد به (حمل العلم وعدم تضييعه عمليا) وهذا المعنى صادق دائما مع النبيين والربانيين، أما مع غيرهم فقد يتخلف فيكون عالما بحدود الله ومضيعا لها عمليا.
مسألة الشورى:
أما ما يتعلق بمسالة الشورى فان لها تصوراً مجالات أربعة:
الأول: الشورى كطريق لمعرفة الحجة المعصوم بعد رسوله ولا شك هي غير صالحة لذلك.
الثاني: الشورى كطريق لتشخيص من هو الأصلح للحكم في زمن الحجج الاثني عشر الذين نص عليهم الرسول، ولا شك هي باطلة في هذا المورد كبطلانها في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ الحكم من خصائص حجة الله نبيا كان أو وصيا وعلى الأمة ان تبايعه وتبسط يده ولا تبايع غيره.
ومما لا شك فيه ان الشورى في هذين المجالين مما اجمع على رفضه الشيعة في كل عصورهم.
الثالث: الشورى كطريق لتشخيص من هو الأصلح للحكم من بين الفقهاء في فترة الغيبة الكبرى، وهذه المسألة لم تكن موضع بحث عند القدامى من علماء الشيعة لعدم ابتلائهم بها، أما المحدثون فقد ذهب قسم منهم ممن بحثها إلى القول بها(2).
____________
(1) البرهان ج1: 20.
(2) حصر بعض الفقهاء المعاصرين حجية الترجيح بالانتخاب في فرض التشاح انظر كتاب ولاية الأمر في
=>
وفي ضوء ذلك يتضح ان قول القائل (ان الشيعة لا يؤمنون بالشورى والانتخاب) ليس صحيحا على إطلاقه بل لابد من مراعاة التفصيل الآنف الذكر.
مسألة البيعة:
وهناك مسألة اخرى تجدرالاشارة اليها هنا وهي مسألة البيعة، والذي يتبناه الشيعة فيها هو: أنَّ البيعة عهد شرعي على النصرة واقامة الحكم لا تصح الا مع من تصح البيعة معه على ذلك(2) وهم: النبي ثم الوصي ثم الفقيه العادل في فترة الغيبة الكبرى.
روى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه ان عليا (عليه السلام) قال:
" ان فلانا وفلانا (يريد ابابكر وعمر) أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله ان يبايعني "(3).
قال الشيخ راضي آل ياسين (رحمهم الله):
" وانما على الناس ان يبايعوا من ارادته النصوص النبوية ولا تصحح الامامية
____________
<=
عصر الغيبة للسيد كاظم الحائري ص 314 فما بعدها. وذهب آخرون إلى عدم تقيدها بذلك الفرض انظر دراسات في ولاية الفقيهج1 للشيخ المنتظريوكتاب الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق للسيد محمد باقر الحكيم ص 108-109وكتاب ولاية الأمرللشيخ الآصفي.
(1) انظر الإسلام يقود الحياة للشهيد الصدر رح ص 162.
(2) قال السيد مرتضى العسكري: (تنعقد البيعة في الاسلام اذا توفرت فيها الشروط الثلاثة التالية: أ- ان يكون المبايِـع ممن تصِح منه البيعة ويبايِـع مختارا. ب- ان يكون المبايَع له ممن تصِح مبايعته. ج- ان تكون البيعة لأمر يصِح القيام به. وعلى ما بينا لا تصِح البيعة من صبي او مجنون لانهما غير مكلفين بالاحكام في الاسلام ولا تنعقد بيعة المكره لان البيعة مثل البيع فكما لا ينعقد البيع بأخذ المال من صاحبه قهرا ودفع الثمن له كذلك البيعة لا تنعقد بأخذها بالجبر وفي ظل السيف. وكذلك لا تصِح البيعة للمتجاهر بالمعصية ولا تصِح البيعة للقيام بمعصية الله. اذن فالبيعة مصطلح اسلامي ولها احكامها في الشرع الاسلامي) معالم المدرستين ط4 ج1 ص206.
(3) البحار ج 28: 248. وقريب منه ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج 2: 2-5 " لما قيل لعلي (عليه السلام) بايع قال لهم انا احق بهذا الأمر منكم لا ابايعكم وانتم أولى بالبيعة لي... ".
وقال ايضا:
" لما كان الواجب على الناس ديناً الانقياد الى بيعة الامام المنصوص عليه كان الواجب على الامام مع قيام الحجة بوجود الناصر قبول البيعة،...، ولا مجال للتخلف عن الواجب مع وجود شرطه "(2).
وقال الشهيد الصدر (رحمهم الله):
" ولا شك ان البيعة للقائد المعصوم واجبة لا يمكن التخلف عنها شرعا "(3).
وقال السيد محمود الهاشمي:
" الناس مكلفون بأن يقوموا بالقسط، وهم من اجل ذلك لا بد وان يبايعوا القائد المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى كي يهيئوا له فرصه اقامة القسط وهذه مسؤولية الامة ايضا، اذ ان من اصول الفكر السياسي في الاسلام (البيعة) لولي الامر المنصب من قبل المبدأ الاعلى او وليه بشكل خاص، او بالشكل العام ضمن الشروط والمواصفات المعينة المعروفة، كما يسمى عند الفقهاء بـ (القضية الحقيقية) ولا نقصد (بالبيعة) جانبها الشكلي او الصوري، وان كان ذلك ايضا محمودا ولازما، وانما نقصد بها لزوم (الطاعة) لتمكين هذا القائد (الحاكم) من القيام بدوره القيادي في اقامة العدل والقسط بين الناس، ولكن لا يكون الا من خلال (المبايعة) واقرار (الطاعة) له "(4).
وقال السيد مرتضى العسكري:
" فالحاجة الى البيعة هي تنفيذ الاحكام الاسلامية والامام (عليه السلام) بحاجة الى من ينصره لتنفيذ الاحكام.. ولا يلزم من ذلك ان يتعاهد جميع الناس، اذ ان تعاهد مقدار من الناس بانهم يقومون بتنفيذ الاحكام الاسلامية يعتبر كافيا "(5).
وقال ايضا في سؤال وجه اليه عن رسائل اهل الكوفة هل يمكن اعتبارها بيعة قال:
____________
(1) صلح الحسن ص 54.
(2) صلح الحسن ص 60.
(3) الاسلام يقود الحياة. 162.
(4) مصدر التشريع ونظام الحكم في الاسلام ص 102.
(5) صحيفة الجهاد العدد (700) 1995.
اقول: ومن الجدير ذكره ان هذه البيعة الواجبة مع المعصوم ليس دورها دور انشاء حق الحكم للمعصوم لان حقه في ذلك ثابت بالنص كما مر بيانه وانما دورها دور تمكينه وبسط يده.
قال السيد كاظم الحائري:
" ان المعصوم (عليه السلام) على رغم ان له ولاية الامر والحكومة بتشريع من قبل الله تعالى لم يكن من المقرر الهيا ان يرضخهم لما له من حق الحكومة بالاكراه الاعجازي، كما انه لا تجبر الامة على الاحكام الاخرى كالصلاة والصوم بالجبر الاعجازي والا لبطل الثواب والجزاء، لان الناس يصبحون مسيرين عن غير اختيار. بل كان من المقرر ان يصل المعصوم الى السلطة بالطرق الاعتيادية ومن الواضح الوصول الى السلطة بالطريق الاعتيادي وبغير الاعجاز ينحصر في وجود ناصرين له من البشر، فكان اخذ البيعة منهم لاجل التأكد من وجود ثلة كافية من الامة تعهدوا بنصر المعصوم والعمل معه في جهاده وسائر اموره الحكومية ولولاهم لعجز المعصوم حسب القوة البشرية ومن دون الاعجاز عن تحقيق السلطة والحكومة خارجا "(2).
الخلاصة:
وخلاصة الجواب: ان الامر الذي حُصِرَ باثني عشر هو منزلة خاصة لا يرادبها موقع الحكم واجراء الحدود، بل اريد بها منزلة الحجة على الخلق في القول والفعل والتقرير، والله تعالى اعلم حيث يجعل رسالته وحجته وفي أي اسرة وبأي عدد.
____________
(1) الجهاد العدد (700) 1995.
(2) رسالة الثقلين العدد 12 مغزى البيعة مع المعصومين.
اما الشورى فقد تبين ان الذي رفضه الشيعة منها هو ما كان في قبال النص، اما ما كان في طوله وامتداده فليس كذلك.
اما البيعة على الحكم فالذي يراه الشيعة هو عدم صحتها مع من لا تصح معه شرعا وان الذي تصح معه بل تجب هو النبي ثم الوصي ثم الفقيه العادل في عصر الغيبة.
الحلقة الثانية
الفصل الثاني
ملاحظات على مقال الدكتور البغدادي
في رده على الشهيد الصدر (رحمه الله)
البغدادي يرد على الشهيد الصدر!
نشر احمد الكاتب في نشرته الشورى العدد الثالث مقطعا من كلام الشهيد الصدر اقتطعه من كتابه (بحث حول الولاية) الذي يبرهن فيه على بطلان الشورى في المجال الأول والثاني الآنفي الذكر ويثبت فيه النص على علي (عليه السلام) وبقية أهل البيت (عليهم السلام). وقد صدَّر صاحب النشرة الكلام المقتطع بمانشيت عريض " الصدر: الصحابة لم يعرفوا نظام الشورى " وقدم له مقدمة طلب فيها من القراء والمفكرين المسلمين ان يولوها كبير اهتمامهم لأنها رؤية لا تزال حية في أذهان الكثير من المثقفين وانه يستقبل أية مناقشة لها ثم نشر في العدد السادس مقالا يحمل عنوان الشورى منهج حياة المسلمين " وبتوقيع الدكتور عبد الله البغدادى(1) يرد فيه على الشهيد الصدر وقد جاء الرد في محورين هما:
المحور الأول: يثبت فيه البغدادي ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستشير أصحابه في القضايا التنفيذية العامة ويأخذ برأيهم فيها ثم ذكر قصة مشورة النبي أصحابه في قصة بدر واحد وغيرها.
المحور الثاني: وينكر فيه وجود النص على علي (عليه السلام) ويقول ان بيعة الخلفاء كانت على أساس الشورى ودون تهديد أو قوة سلاح ومما قاله في هذا الصدد:
" ان ما جرى في السقيفة من نقاش حصل فيه ترشيح لأبي بكر وآخر لسعد بن عبادة، وقد تغلب الرأي الأول، ولم يكن ذلك تمام الشورى، بل انه كان مجرد ترشيح، والبيعة التي تمت في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والتي اجمع عليها جمهور المهاجرين والأنصار كانت لأبي بكر وكان ذلك هو الاستفتاء (للجيل الطليعي من الأمة الذي يضم
____________
(1) لا ندري فيما إذا كان هذا الاسم له وجود واقعي أو هو اسم مستعار آخر لصاحب النشرة!
وكذلك الأمر في استخلاف أبي بكر لعمر أو في استخلاف عمر للستة، فالأمر لا يعدو ان يكون ترشيحا خاضعا للقبول أو الرفض من الأمة التي تدلي بصوتها في إعطاء البيعة أو رفض ذلك.
أما الاستنتاج من الشهيد الصدر بأن (الطريق الوحيد الذي بقي منسجما مع طبيعة الأشياء، ومعقولا على ضوء ظروف الدعوة والدعاة وسلوك النبي هو ان يختار النبي بأمر من الله شخصا فيعده إعدادا رساليا وقياديا لتتمثل فيه المرجعية الفكرية والزعامة السياسية) (ولم يكن هذا الشخص المرشح للإعداد الرسالي والقيادي والمنصوب لتسلم الدعوة وتزعمها فكريا وسياسيا إلا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)).
فالرد عليه ان الغرابة بمكان ان يكون ذلك (هو الطريق الوحيد الذي بقي منسجما مع طبيعة الأشياء) ومع ذلك لم يجد أغلبية تؤيده من (الجيل الطليعي للامة) بل لم يذكر أحد ممن حضر السقيفة أو شهد البيعة في المسجد النبوي نصا أو وصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك.
والأغرب من ذلك هو انه لم يرد نص صريح في القرآن والسنة يشير إلى هذا الاختيار النبوي الذي هو (بأمر من الله)!
والأغرب من ذلك كله.. ان الإمام علي (عليه السلام) لم يحتج لنفسه - فيما ثبت عنه - بأي قول يشير إلى هذا (التعيين) بل كان مما حاجج به الإمام علي (عليه السلام) معاوية الذي نازعه سلطانه الشرعي قوله: (ان القوم الذين بايعوني هم القوم الذين بايعوا أبا بكروعمر..) " انتهى كلامه.
تعليقنا على الرد في محوره الأول هو:
ان الشهيد الصدر (رحمهم الله) لم يرفض الشورى في مجال ممارسة الحاكم للشؤون التنفيذية العامة ولم يرفض دورها في تشخيص المرجع في فترة الغيبة الكبرى ودور الانتخاب في حسم حالة تعدد المرجعيات المتكافئة المستوفية للشروط اللازمة وقد
وكان ينبغي على صاحب النشرة ان ينبه إلى ذلك وينشر مقاطع من كلام الشهيد الصدر توضح رأيه في ذلك.
أما تعليقنا على الرد في محوره الثاني:
فسيأتي تباعا في هذه الحلقة وفي غيرها، ومن الجدير ذكره ان إشكالاته التي أثارها ليست مما ينفرد به بل هي إشكالات أثارها قبله كل من كتب من علماء السنة ومثقفيهم في هذا الموضوع وأجاب عليها الشيعة.