الصفحة 233

____________

<=

صرار، ثم قال: اتدرون لم شيعتكم؟ قلنا: اردت ان تشيعنا وتكرمنا، قال: ان مع ذلك لحاجة، انكم تأتون اهل قرية لهم دويٌّ بالقرآن كدويِّ النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وانا شريككم، قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ". تذكرة الحفاظ ح1: 4-5 وجامع بيان العلم لابن عبد البر باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم له 2: 147. وكان في الصحابة مثل قرظة بن كعب ممن تابعوا سنة الخلفاء وامتنعوا عن نشر سنة الرسول نظير عبد الله بن عمر وسعد بن ابي وقاص فقد روى الدارمي في باب من هاب الفتيا بكتاب العلم من سننه 1: 84-85. عن الشعبي قال: جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله. وفي رواية اخرى عنه، قال قعدت مع ابن عمر سنتين او سنة ونصف فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا الا هذا الحديث. وروي عن السائب بن يزيد، قال: خرجت مع سعد -ابن ابي وقاص- الى مكة فما سمعته يحدث حديثا عن رسول الله حتى رجعنا إلى المدينة. وكان في الصحابة من خالف سنة الخلفاء في نهيهم عن نشر الحديث النبوي واصر على رواية سنة الرسول وتحمل في سبيل ذلك الارهاق والاذى. روى الذهبي " ان عمر بن الخطاب حبس ثلاثة: ابن مسعود، وابا الدرداء، وابا مسعود الانصاري، فقال: اكثرتم الحديث عن رسول الله " تذكرة الحفاظ ج1: 7 ترجمة عمر. وروى الدارمي: " ان ابا ذركان جالسا عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال: الم تُنْهَ عن الفتيا؟ فرفع رأسه اليه، فقال ارقيب انت عليَّ؟ لووضعتم الصَّمصامة على هذه واشار الى قفاه ثم ظننت اني انفذ كلمة سمعت من رسول الله قبل ان تجيزوا عليَّ لانفدتها " سنن الدارمي1: 132 وطبقات ابن سعد 2: 354 بترجمة ابي ذر، واختصرها البخاري واوردها في صحيحه 1: 161 باب العلم قبل القول، ومعنى اجاز على الجريح: اجهز عليه. وللمزيد من هذه الاخبار انظر معالم المدرستين ج2 ط4: 47-51.

اما مسألة إحراق مدونات الصحابة في الحديث فتوضحه الاخبار التالية: روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 5 عن عائشة " انَّ ابا بكر جمع خمسمائة من حديث النبي ودعابنار فاحرقها ". وروى الخطيب البغدادي فى كتابه تقييد العلم: 52 ط مصر 1974 بسنده الى القاسم بن محمد " ان عمر بن الخطاب بلغه انه قد ظهر فى ايدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها، وقال: ايها الناس انه قد بلغنى انه قد ظهرت فى ايديكم كتب فاحبها إلى الله اعدلها واقومها فلا يبقين احد عنده كتاب الا اتاني به فارى فيه رأيي، قال فظنوا انه يريد ان ينظر فيها ويقومها على امر لا يكون فيه اختلاف، فاتوه بكتبهم فاحرقها بالنار، ثم قال: امنية كأمنية اهل الكتاب ". وفي طبقات ابن سعد 5: 188 " قال عبد الله بن العلاء: سألت القاسم يملي عليَّ احاديث، فقال: ان الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فانشد الناس ان يأتوه بها فلما اتوه بها امر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة اهل الكتاب، فمنعني القاسم يومئذ ان اكتب حديثا ". وروى الخطيب عن سفيان بن عينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة " ان عمر بن الخطاب اراد ان يكتب السنة ثم بدا له ان لا يكتبها، ثم كتب في الامصار: من كان عنده منها شىء فليمحه ". تقييد العلم: 53، جامع بيان العلم 1: 65. وروى الخطيب أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: " جاء علقمة بكتاب من مكة او اليمن صحيفة فيها احاديث في أهل البيت بيت النبي، فاستأذنا على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه، قال فدفعنا اليه الصحيفة، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له: يا ابا عبد الرحمن انظر فيها فان فيها احاديث حِسانا، قال فجعل يميثها فيها ويقول: نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن القلوب اوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه ". (وماث يميث مَيْثًا اذاب الملح في الماء). وفي رواية اخرى عن عبد الرحمن بن الاسود عن ابيه قال: " جاء رجل من اهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفة، فيها

=>


الصفحة 234
وقد اثبتت الاحداث بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ان جيل المهاجرين والأنصار لم يكن يملك أي تعليمات محددة عن كثير من المشاكل الكبيرة، حتى ان المساحة الهائلة من الأرض التي امتد إليها الفتح الإسلامي لم يكن لدى الخليفة والوسط الذي يسنده أي تصور محدد عن حكمها الشرعي، وعما إذا كانت تقسم بين المقاتلين أو تجعل وقفا على المسلمين عموما، بل اختلفوا في عدد التكبيرات في صلاة الميت فبعضهم يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكبر خمسا وآخر يقول سمعت يكبر أربعا.

الطريق الثالث (النص):

وهكذا اتضح ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يسلك الطريق الثاني أيضا.

وان إسناد القيادة والقيمومة إلى الأمة كان إجراءً مبكرا وقبل وقته الطبيعي فلم يبق إذن إلا الطريق الثالث وهو ان النبي (صلى الله عليه وآله) اعد بأمر الله تعالى عليا (عليه السلام) وعينه قيما على الرسالة والأمة وليس ما تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من النصوص في أهل بيته (عليهم السلام) وفي علي إلا تعبيرا عن سلوكه (صلى الله عليه وآله) للطريق الثالث الذي كانت تفرضه وتدل عليه قبل ذلك طبيعة الأشياء.

والشواهد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) على ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعد عليا (عليه السلام) إعداد رساليا خاصا كثيرة جدا، فقد كان يبدأه النبي (صلى الله عليه وآله) بالعطاء الفكري إذا استنفذ أسئلته، ويختلي به الساعات الطوال في الليل والنهار يفتح عينه على مفاهيم الرسالة ومشاكل الطريق إلى آخر يوم من حياته الشريفة.

روى النسائي(1) بسنده عن أبي اسحق قال سألت قثم بن العباس (كيف ورث علي (عليه السلام) رسول الله قال لانه كان أولنا به لحوقا واشدنا به لزوقا).

____________

<=

كلام من كلام ابي الدرداء وقصص من قصصه، فقال: يا ابا عبد الرحمن الا تنظر ما في هذه الصحفية من كلام اخيك ابي الدرداء وقصص من قصصه، فاخذ الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى اتى منزله فقال يا جارية آتيني بالإجّانة مملوءة ماء، فجاءت به فجعل يدلكها ويقول: (الم تلك ايات الكتاب المبين... نحن نقص عليك احسن القصص) اقصصا احسن من قصص الله تريدون او حديثا احسن من حديث الله تريدون ". تقييد العلم: 54.

(1) الخصائص 91 تحقيق الجويني طبعة دار الكتب العلمية، ورواه ايضا الحاكم في المستدرك ج3: 136.


الصفحة 235
وروى أيضا(1) عن علي (عليه السلام) قال كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت.

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء(2) عن ابن عباس انه قال: كنا نتحدث ان النبي (صلى الله عليه وآله) عهد إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره ".

وروى النسائي عن علي (عليه السلام) انه قال: " كانت لي منزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن لأحد من الخلائق فكنت آتيه كل سحر فاقول السلام عليك يانبي الله فان تنحنح انصرفت إلى اهلي والا دخلت عليه "(3).

وعنه أيضا قوله (عليه السلام): " كان لي من النبي مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار "(4).

وقد انعكس هذا الإعداد الخاص لعلي (عليه السلام) من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) حين كان علي (عليه السلام) هو المفزع والمرجع لحل أي مشكلة يستعصي حلها على القيادة الحاكمة وقتئذ، ولا نعرف في تاريخ التجربة الإسلامية على عهد علي (عليه السلام) واقعة واحدة رجع فيها الإمام (عليه السلام) إلى غيره يتعرف على رأي الإسلام وطريقة علاجه للموقف، بينما نعرف في التاريخ عشرات الوقائع التي رجع فيها الخلفاء إلى علي (عليه السلام) رغم تحفظ اتهم في هذا الموضوع.

اما الشواهد على إعلان النبي (صلى الله عليه وآله) تخطيطه في علي وأهل بيته (عليهم السلام) فهي كثيرة وفي مناسبات متعددة كحديث الدار وحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الغدير وعشرات النصوص النبوية الأخرى.

القضية الثانية:

اما الاشكالات على فكرة النص فهي من خلال الأسئلة الآتية مع اجوبتها:

السؤال الأول:

قوله " لماذا كانت نظرية النص مجهولة عند أهل البيت (عليهم السلام) ولم يذكرها الإمام

____________

(1) الخصائص ص 98 والمستدرك ج3: 135.

(2) ج 1: 68.

(3) الخصائص: 97 تحقيق الجويني ط. دار الكتب العلمية.

(4) الخصائص: 96.


الصفحة 236
علي (عليه السلام) في مناظراته مع أصحاب الشورى؟ ".

وهذا الإشكال صياغة أخرى للسؤال الذي أثاره الدكتور البغداديوغيره " لو كان ثمة نص لاحتج به علي (عليه السلام) ".

جوابه:

قد اجبنا عليه مفصلا في جواب الشبهة الحادية عشر (الفصل الثالث من هذا الكتاب وكذلك الفصل الخامس تحت عنوان (علي يتظلم من قريش)، وقلنا هناك ان عليا قد احتج بالنصوص.

السؤال الثاني:

قوله " لماذا كانت نظرية النص غائبة عن أذهان الصحابة الذين ذهبوا فور وفاة الرسول إلى السقيفة يتداولون أمر انتخاب خليفة للمسلمين؟ ".

وهو صياغة أخرى للسؤال الذي أثاره البغدادي " لو كان ثمة نص فالصحابة اكبر من ان يخالفوا ".

جوابه:

قد اجبنا على هذا السؤال مفصلا في الفصل السابع من هذا الكتاب، وقلنا ان الصحابة قد تورطوا في مخالفة النص في اكثر من مورد وفصلنا في مخالفتهم للنص الوارد في شأن متعة الحج.

السؤال الثالث:

قوله " هل يقتصر النص على شخص الإمام علي (عليه السلام) وحده؟ أم يمتد إلى ما وراءه؟ وهل يوصي كل إمام لرجل من عامة المسلمين من بعده؟ أم تنحصر في سلالة معينة؟ ولماذا؟ وإذا كانت في سلالة الإمام علي فهل هي في ولد الحسن؟ أو أولاد الحسين؟ أو أولادهما جميعا؟.


الصفحة 237

جوابه:

لقد شخصت نظرية النص بوضوح كامل ان الأوصياء ينحصرون في علي والحسن ثم الحسين ثم في تسعة من ذرية الحسين (عليهم السلام) وان ذلك قد تم بأمر الله تعالى و" لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يَسْأَلُونَ "، وان هـؤلاء الأوصياء ليسوا مجرد حكام بل منزلتهم منزلة الرسول في كل شىء إلا النبوة والأزواج كما حصر الله تعالى النبوة والرسالة من قبل في ذرية نوح ثم في ذرية إبراهيم ثم في آل عمران من بني إسرائيل وقد ذكرنا طرفا من الروايات الوارد في هذا الموضوع في الحلقة الاولى.

السؤال الرابع:

قوله " هل ان النص والتعيين لمرحلة زمنية معينة فقط؟ أم أنها نظرية ممتدة إلى يوم القيامة؟ ".

جوابه:

اجبنا عنه في الفصل الأول من هذه الحلقة.

السؤال الخامس:

قوله " هل أوصى الرسول بأسماء الأئمة من بعده إلى يوم القيامة وأعلن ذلك من قبل؟ أم ترك ذلك للمستقبل وأخفاه؟ وما هي المصادر الموثوقة التي تحدد ذلك؟ ولماذا لم تصل إلينا؟ ".

جوابه:

أجمعت المصادر الإسلامية على ان النبي (صلى الله عليه وآله) بلغ أمته ان عدد خلفائه من بعده اثنا عشر وانهم من قريش من بني هاشم من أهل بيته وقد أشرنا إلى مصادر الحديث في جواب الفصل الثامن الحلقة من الحلقة الأولى.


الصفحة 238
وقد عرَّف النبي (صلى الله عليه وآله) باسم أولهم وهو علي (عليه السلام) في مناسبات شتى كان آخرها مناسبة غدير خم امام مائة ألف أو يزيدون، وعرَّف أيضا باسم ثانيهم وثالثهم وهما الحسن والحسين (ع)، وأشار ان آخرهم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بقية التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) وان المهدي (عليه السلام) من ذرية الحسين (عليه السلام).

روى الجويني عن عبد الله بن عباس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا سيد النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين وان أوصيائي من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب واخرهم المهدي (عليه السلام).

وروى الجويني عن ابن عباس أيضا قال: " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا وعلي الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون "(1).

وقد حوصرت هذه الأحاديث ونظائرها من قبل السلطات الأموية والعباسية ومن هنالم يصلنا في كتب العامة منها إلا النزر القليل.

اما في كتب الشيعة فقد وصلتنا أحاديث تذكر أسماءهم (عليه السلام) واشهرها ما روي عن سليم بن قيس وقد أشرنا إليه في الفصل الرابع والثامن من الحلقة الأولى.

السؤال السادس:

قوله " إذا كانت أسماء الأئمة قد حددت من قبل فماذا يعني البداء الذي حدث لعدد من الأئمة الذين أوصوا إلى بعض أبنائهم كالإمام الصادق (عليه السلام) الذي أوصى إلى إسماعيل والإمام الهادي الذي أوصى إلى ابنه محمد فتوفوا قبل استلام مقاليد الإمامة؟ ".

جوابه:

أشرنا إلى ذلك تفصيلا في الفصل السادس من الحلقة الأولىوقلنا هناك ان الإمام

____________

(1) قال الذهبي في ترجمة شيوخة بتذكره الحفاظ ص 1505 (الامام الاوحد الاكمل فخر الاسلام صدر الدين ابراهيم بن محمد بن حمويه الجويني الشافعي شيخ الصوفية وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء اسلم على يده غازان). معالم المدرستين للعسكري ج1 ط4: 548 نقلا عن فرائد السمطين نسخة مصورة مخطوطة في المكتبة المركزية لجامعة طهران برقم 1164: 1690-1691 الورقة 160.


الصفحة 239
الصادق (عليه السلام) لم ينص على إمامة إسماعيل، وكذلك الإمام الهادي (عليه السلام) لم ينص على إمامة ولده محمد وان أمر الإمامة لا يوصف الله تعالى فيه بالبداء وعليه إجماع الإمامية كما ذكر ذلك الشيخ المفيد.

السؤال السابع:

قوله " وإذا وصلت أسماء الأئمة إلى الشيعة الأوائل فلماذا افترقوا خلال قرن من الزمان إلى اكثر من خمسين فرقة حيث كانوا يحتارون بعد وفاة كل إمام ويتشرذمون إلى عدة خطوط حسب عدد أولاد كل إمام؟ ".

جوابه:

خلاصة الجواب ان ذكر اسم الإمام اللاحق من الإمام السابق ليس معناه عصمة الشيعة من الاختلاف ألم ينص النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) امام مائة ألف أو يزيدون من المسلمين ثم جعل أكثرهم النص وراء ظهورهم.

روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن يونس بن عبد الرحمن قال: " مات أبو الحسن (عليه السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار "(1).

وروى الكشي في ترجمة منصور بن يونس عن حمدوية عن محمد بن الاصبغ عن إبراهيم عن عثمان بن القاسم: " ان منصور بن يونس بزرج جحد النص

____________

(1) علل الشرائع: 235، ايضا غيبة الشيخ الصدوق: 64 تحقيق مؤسسة دار المعارف وفيه زيادة من قول يونس (فلما رأت ذلك وتبنيت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ماعلمت تكلمت ودعوت الناس اليه، فبعثا اليَّ وقالا ما يدعوك الى هذا؟ ان كنت تريد المال فنحن نغنيك وضمنا لي عشرة الآف دينار وقالا لي كفَّ، فأبيت وقلت لهما إنّا روينا عن الصادقين (عليهما السلام) انهم قالوا (إذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان)، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال، فناصباني وأضمرا لي العداوة.


الصفحة 240
على الرضا (عليه السلام) لأموال كانت في يده "(1).

وقال الشيخ الطوسي: " روى الثقات ان أول من اظهر هذا الاعتقاد (اي الموقف) علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حكامهاواستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع وابن المكاري(2) وكرام الخثعمي(3) وأمثالهم "(4).

السؤال الثامن:

قوله " كيف نعرف الإمام بعد الإمام؟ وما هي علامات الإمامة؟ ".

جوابه:

أوضحت نظرية النص من خلال روايات عدة عن الأئمة (عليهم السلام) ان الإمام اللاحق يُعرَف بالنص من الإمام السابق وحين يدعي مدع الإمامة في قبال المنصوص عليه أو حين يخفى النص على البعض فهناك علامات ترشد إلى الواقع كما في الروايات التالية:

روى الكافي عن أبي بصير قال: " قلت لابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ قال فقال بخصال:

اما أولها فانه بشىء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة لتكون عليهم حجة.

ويُسأل فيجيب، وان سُكِتَ عنه ابتدأ.

ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان.

ثم قال لي: يا أبا محمد أعطيك علامة قبل ان تقوم، فلم البث ان دخل علينا رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فاجابه أبو الحسن (عليه السلام) بالفارسية فقال له

____________

(1) الكشي: 2: 768 ح893.

(2) هو الحسين بن ابي سعيد هاشم بن حيان (حنان) المكاري قال النجاشي: كان هو وابوه وجهين فيي الواقفة وكان الحسين ثقة في حديثه.

(3) هو عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعميوكرام لقبه قال النجاشي ثقة ثقة.

(4) غيبة الشيخ الطوسي: 63-64 تحقيق مؤسسة دار المعارف.


الصفحة 241
الخراساني والله جعلت فداك ما منعني ان أكلمك بالخراسانية، غير أني ظننت انك لا تحسنها فقال: سبحان الله إذا كنت لا احسن أجيبك فما فضلي عليك.

ثم قال: يا أبا محمد ان الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولاشىء فيه الروح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام(1).

شرح الرواية:

قوله (عليه السلام) (اما أولها فانه بشىء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة منه إليه لتكون عليهم حجة).

يريد بهذا الشىء المتقدم من الامام الاب هو النص بالإمامة، أو يريد الوصية الظاهرة التي قد يشرك فيها معه آخرون وهذا الاخير هو الأرجح، لان النص بالإمامة لا يحتاج معه إلى شىء من العلامات الأخرى، ويدل على هذا الرجحان عدة روايات.

منها ما رواه الكليني في الكافي عن عبد الأعلى قال، قال الباقر (عليه السلام) يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله، وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ثم دعا بشهود أربعة كتب وصيته إلى ولده جعفر (عليه السلام) وسأله جعفر عن علة الوصية فقال له (عليه السلام): اني كرهت ان تغلب وان يقال انه لم يوص فأردت ان تكون لك حجة فهو الذي إذا قدم الرجل البلد قال: من وصيُّ فلان قيل فلان قلت (أي عبد الأعلى) فان أشرك في الوصية قال تسألونه فانه سيبين لكم(2).

ورواية الكليني أيضا عن هشام بن سالم قال:

" كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر انه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك انهم رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: ان الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه إياه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟

____________

(1) ج1: 285 الحديث رقم 7.

(2) ج 1: 376 الحديث رقم 2.


الصفحة 242
فقال: في مائتين خمسة.

فقلنا: ففي مائة؟

فقال: درهمان ونصف.

فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا.

قال: فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما ادري ما تقول المرجئة.

قال: فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين تتوجه ولا من نقصد ونقول: إلى المرجئة، إلى القدرية، إلى الزيدية، إلى المعتزلة، إلى الخوارج، فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا اعرفه، يومي إليَّ بيده فخفت ان يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر (عليه السلام) عليه، فيضربون عنقه، فخفت ان يكون منهم.

فقلت للأحول: تنح فإني خائف على نفسي وعليك، وانما يريدني لا يريدك، فتنح عني لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحّ غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك اني ظننت اني لا اقدر على التخلص منه، فما زلت اتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن (عليه السلام) ثم خلاني ومضى.

فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فقال لي ابتداء منه:

لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليَّ إليَّ.

فقلت جعلت فداك مضى أبوك؟

قال: نعم.

قلت: مضى موتا؟

قال نعم.

قلت: فمن لنا من بعده.

فقال: ان شاء الله ان يهديك هداك.


الصفحة 243
قلت جعلت فداك ان عبد الله يزعم انه من بعد أبيه؟

قال: يريد عبد الله ان لا يعبد الله.

قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟

قال: لا ما أقول ذلك(1).

قال: فقلت في نفسي لم اصب طريق المسالة.

ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟

قال: لا.

فداخلني شىء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاما له وهيبة اكثر مما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت اسأل أباك؟

فقال: سل تخبر ولا تذع فان أذعت فهو الذبح.

فسألته، فإذا هو بحر لا ينزف.

قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضلال، فألقي إليهم وأدعوهم إليك، وقد أخذت عليَّ الكتمان؟

قال: من أنست منه رشدا فالق إليه وخذ عليه الكتمان، فإن أذاعوا فهو الذبح - وأشار بيده إلى حلقه -.

قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول.

فقال لي: ما وراءك؟

قلت: الهدى، فحدثته بالقصة.

قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير، فدخلا عليه وسمعا كلامهوساءلاه وقطعا عليه بالإمامة.

ثم لقينا الناس أفواجا، فكل من دخل عليه قطع، إلا طائفة عمار(2) وأصحابه، وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس.

____________

(1) قوله (عليه السلام) (لا ما اقول ذلك) قال المازندراني في شرحه ج6: 278: أي قال (عليه السلام) لست اناهو من عندي، ما اقول ذلك من قبلي بل انا هو من عند الله وعند رسوله ولما كان هذا الجواب غير صريح في المطلوب بل هو ظاهري في غيره لجأ السائل الى طريق آخر).

(2) هو عمار بن موسى الساباطي وهو واصحابه فطحية (المازندراني).


الصفحة 244
فلما رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فاخبر ان هشاما صد عنك الناس قال هشام: فاقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني(1).

ورواية الكليني ايضا عن محمد بن أبي نصر قال: " قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده؟ فقال: للإمام علامات منها ان يكون اكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصية، ويقدم الركب فيقول إلى من أوصى فلان فيقال إلى فلان.، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، وتكون الإمامة مع السلاح حيثما كان(2).

قوله (عليه السلام) (ان يكون اكبر ولد أبيه).

قال المجلسي (رحمهم الله): " ان هذه العلامة بعد الحسين (عليه السلام) ومع ذلك مقيدة بما إذا لم يكن في الكبير عاهة، أي بدنية فان الإمام مبرأ من نقص في الخلقة يوجب شينه، أو دينية كعبد الله الافطح فانه كان بعد أبي عبد الله (عليه السلام) اكبر ولده لكن كان فيه عاهتان الأولى انه افطح الرجلين أي عريضهما، والثاني انه كان جاهلا بل قيل فاسد المذهب، قال المفيد في الإرشاد (وكان أي الافطح متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ويقال انه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة)(3).

اقول: وهذه العلامة (أي كون الامام اكبر ولد ابيه) لا تكون بعد الرضا (عليه السلام) مقيدة بالقيد الذي اشار اليه الصادق (عليه السلام) ومن هنا فأن الرضا (عليه السلام) لم يذكره في حديثه لانه يتحدث عن علامة الامام من بعده.

وقوله (عليه السلام) (ويكون فيه الفضل).

أي يكون أشبه أولاد أبيه بسيرته كما في رواية الكليني عن عبد الأعلى قال لأبي عبد الله (عليه السلام): " المتوثب على هذا الأمر المدعي له ما الحجة عليه؟ قال يسأل عن

____________

(1) ج1: 351 الحديث رقم 7.

(2) الكافي ج1: 284 الحديث 1.

(3) مرآة العقول ج3: 207 شرح الحديث رقم 7 وفي الفصول المختارة للشيخ المفيد: 253 ان عبد الله كان يذهب مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي (عليه السلام) وعثمان وان اباعبد الله (عليه السلام) قال وقد خرج من عنده عبد الله (هذا مرجىء كبير) وقال الصدوق في اعتقاداته قال الصادق في ابنه عبد الله انه ليس على شىء مما انتم عليه واني ابرأ منه (قاموس الرجال ترجمة عبد الله الافطح).


الصفحة 245
الحلال والحرام، قال ثم اقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر:

ان يكون أولى الناس بمن كان قبله.

ويكون عنده السلاح.

ويكون صاحب الوصية الظاهرة(1) التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان إلى من أوصى فلان فيقولون إلى فلان بن فلان "(2).

وروايته أيضا عن هشام بن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قيل له بأي شىء يعرف الإمام؟ قال: بالوصية الظاهرة، وبالفضل، ان الإمام لا يستطيع أحد ان يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا "(3).

وروايته ايضا الكليني أيضا عن احمد بن عمر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: " سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر؟ فقال: الدلالة عليه الكبر، والفضل، والوصية إذا قدم الركب المدينة فقالوا إلى من أوصى فلان قيل فلان بن فلان، ودوروا مع السلاح حيثما دار فأما المسائل فليس فيها حجة "(4).

وقوله (عليه السلام): (ودوروا مع السلاح حيثما دار) لعله إشارة إلى الولد الأكبر الذي يحبى بسلاح أبيه بعد وفاته(5). وهذه العلامة كانت مقيدة بعد الصادق (عليه السلام) بقوله (الأكبر ما لم تكن به عاهة) إلا أنها صارت مطلقة بعد الرضا (عليه السلام).

قوله (عليه السلام) (فأما المسائل فليس فيها حجة) قال المجلسي (رضي الله عنه): " أي للعوام وذلك لان هذه العلامة إنما هي للعلماء والخواص "(6).

قوله (عليه السلام) (ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان.. ان الإمام لا يخفى عليه كلام

____________

(1) قال المجلسي (رح) في مرآة العقول ج3: 205 المراد بالوصية هنا ليست الوصية بالامامة بل مطلق الوصية.

(2) الكافي ج1: 285 الحديث 2.

(3) الكافي ج1: 284 الحديث 3.

(4) الكافي ج1: 285 الحديث 5.

(5) انظر وسائل الشيعة كتاب الارث باب ما يحيى به الولد الذكر الاكبر من تركه ابيه دون غيره.

(6) مرآة العقول ج3: 205 - 206 بشرح الحديث رقم 2: ورقم 3.


الصفحة 246
أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شىء فيه روح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام).

ان هذا القول يشير إلى انهم (عليه السلام) قد أيدهم الله تعالى بما أيد به أنبياءه ورسله من خوارق العادات يظهر ذلك منهم على قدر ما يفتح الطريق لهداية الأفراد كما وردت الأخبار الكثيرة بذلك أو لهداية المجتمع ككل كما يحصل من المهدي (عليه السلام) عند ظهوره إذ ان تشخيص كونه محمد بن الحسن العسكري المولود سنه 255 هجـ بحاجة إلى معاجز تظهر على يديه وبغير ذلك فان الطريق يبقى مفتوحا لكل مدع للمهدوية.