الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الخامس
احتجاج علي (عليه السلام) بحديث الغدير
قوله: لو كان حديث الغدير يحمل معنى التعيين لاشار الامام علي (عليه السلام) الى ذلك ولحاجج اصحاب الشورى بما هو اقوى من الفضائل
اقول: لقد احتج علي (عليه السلام) بحديث الغدير وقد فصلنا ذلك في الحلقة الثانية /الفصل الثالث
نص الشبهة
قوله: " ولو كان حديث الغدير يحمل هذا المعنى (معنى التعيين) لاشار الإمام إلى ذلك وحاججهم (أصحاب الشورى السداسية) بما هو اقوى من ذكر الفضائل " ص 14.
الرد على الشبهة
1. أقول ان الهدف من جعل عمر الشورى في ستة أحدهم علي (عليه السلام) هو نفس الهدف من الاجتماع في السقيفة من دون حضور علي (عليه السلام)، لقد استهدف المخططون لكلا الحدثين مسألة الحكم مع استهداف أمر اضافي آخر في الشورى اريد تحقيقه وهو ان يخرج علي من الشورى وقد بايع لعثمان ولو جبراً وكرها ليؤمَن قيامه عليهم وقد فصلنا الحديث عن ذلك في الحلقة الثانية من هذا الكتاب(1).
ولما كان الأمر كذلك فان الاجواء غير صالحة في كلا الموردين للاحتجاج لان القوم مصرون على تحقيق هدفهم بكل وسيلة ممكنة، حتى لو كان ذلك بإحراق باب بيت فاطمة (عليها السلام) أو تهديد علي بالقتل إذا لم يبايع أبا بكر أو لم يبايع عثمان قبل ان يخرج من بيت اجتماع أهل الشورى الستة.
ومع ذلك فقد سجلت بعض المصادر احتجاجاً لعلي (عليه السلام) بحديث الغدير على أهل الشورى السداسية كما في مناقب الخوارزمي ص 217 وفرائد السمطين للحمويني الباب الثامن والخمسين والدر النظيم لابن حاتم الشامي من طريق الحافظ ابن مردويه(2).
____________
(1) انظر فصل الشورى السداسية من كتاب شبهات وردود ح2.
(2) انظر الغدير للاميني (رحمهم الله) ج1/ 159-162.
3. لو لم يكن حديث الغدير يحمل هذا المعنى (معنى التعيين والنصب لعلي (عليه السلام) من موقع خلافة الرسول الخاصة التي تفرض ان يكون حق الحكم خاصاُ به كما كان زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) خاصا بالرسول) لما احتج علي (عليه السلام) به ايام خلافته بعد قتل عثمان وقد مر تفصيل ذلك في الحلقة الثانية ص 55-65.
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد السادس
الصحابة وحديث الغدير
قوله: ان الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير او غيره من الاحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة
اقول: بل الصحابة فهموا ذلك وبسببه منعوا تداول تلك الاحاديث بين الناس خمساً وعشرين سنة
نص الشبهة
قوله: " ان الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير أو غيره من الأحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة ولذلك اختاروا طريق الشورى وبايعوا أبا بكر كخليفة من بعد الرسول مما يدل على عدم وضوح معنى الخلافة من النصوص الواردة بحق الإمام علي أو عدم وجودها في ذلك الزمان " ص 14.
الرد على الشبهة
أقول: بل الصحابة فهموا من الحديث معنى النص والتعيين ولم يكن لديهم شك في ذلك وادل دليل على فهمهم هو منعهم تداول هذه الأحاديث شفاها وتدوينا لما استقرت السلطة بايديهم بل عمدوا إلى ما كتبه هذا وذاك من الصحابة من أحاديث النبي فجمعوه واحرقوه، وجرََّهم ذلك اخيراً إلى احراق المصاحف المنتشرة زمن النبي (صلى الله عليه وآله) بسبب ما يوجد بهامشها من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) المفسِرة للآيات النازلة في أهل البيت وقد ذكرنا طرفا من أخبار هذه المسألة في الحلقة الثانية من شبهات وردود ط 2ص 159- 163.
ويعضد ذلك ما رواه ابو الطفيل عامر بن واثلة من حديث المناشدة قال: " جمع علي (عليه السلام) الناس في الرحبة ثم قال لهم انشد الله كل امرىء سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس فشهدوا.
قال أبو الطفيل فخرجت وكأنََّ في نفسي شيئا فلقيت زيد بن ارقم فقلت له اني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك له "(1).
____________
(1) انظر من روى حديث المناشدة هذا في الحلقة الثانية من شبهات وردودص 59.
اما قوله " ولذلك اختاروا اي الصحابة طريق الشورى وبايعوا ابا بكر " فقد المحنا في الحلقة الثانية من كتابنا هذا ان الذي جرى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كان انقلاباً قد خططله من قبل، وقد أشار إليه قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىَ أعْقَابِكُمْ...) وقد اوضحت أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) الصحيحةالمروية في كتب السنة والشيعة تلك الحقيقة المرة.
وإلى القارىء الكريم طرفا منها:
روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تحشرون حفاة عراة... فاول من يكسى ابراهيم ثم يؤخذ برجال من اصحابي ذات اليمين وذات الشمال فاقول اصحابي فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم فاقولكما قال العبد الصالح عيسى بن مريم: (وَ كُنْتَ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبُ عَلَيْهِمْ...)(1).
قال البخاري: " قال محمد بن يوسف ذكر عن ابي عبد الله عن قبيصة قال: هم المرتدون الذي ارتدوا على عهد ابي بكر فقاتلهم ابو بكر ".
____________
(1) البخاري كتاب بدء الخلق باب (واذكر في الكتاب مريم) وباب قوله تعالى واتخذ الله ابراهيم خليلا) وكتاب تفسيرالقرآن /المائدة. وكتاب الدعوات باب كيفية الحشر.
وروى البخاري بسنده عن ابن المسيب انه كان يحدث عن اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " يرد على الحوض رجال من اصحابي فيحلؤون عنه فاقول يارب اصحابي فيقول انك لاعلم لك بما احدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى "(2).
وروى البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال قال النبي (صلى الله عليه وآله): " اني فَرَطُكُم على الحوض من مرََّ عليَّ شرب ومن شرب لم يضمأ ابداً ليردن عليَّ اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم "(3).
قال ابو حازم: فسمعني النعمان بن ابي عياش فقال، هكذا سمعت من سعد فقلت نعم. فقال اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: " فأقول (أي النبي (صلى الله عليه وآله)) انهم مني فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فاقول سحقا سحقاً لمن غير بعدي "(4).
وروى البخاري بسنده عن ابي هريرة قال النبي (صلى الله عليه وآله): " بينما انا قائم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم: فقلت اين؟ قال الى النار، قلت وما شأنهم؟ قال انهم ارتدوا على ادبارهم فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم(5) ".
وروى احمد في مسنده بسنده عن ام سلمة انه (صلى الله عليه وآله) قال: " ايها الناس بينما انا على الحوض جىء بكم زمراً فتفرقت بكم الطرق فناديتكم الا هلموا الى الطريق فناداني مناد: انهم قد بدلوا بعدك فقلت: الا سحقا سحقا "(6).
وروى احمد ايضا بسنده عن ابي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: " تزعمون
____________
(1) البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية.
(2) البخاري كتاب الدعوات باب ذكر الحوض.
(3) البخاري كتاب الرقاق.
(4) البخاري كتاب الدعوات باب الصراط جهنم، وكتاب الفتن باب قوله (واتقوا فتنة لا تعيبن).
(5) البخاري كتاب الدعوات باب الحوض وقوله تعالى انا اعطيناك الكوثر.
(6) مسند احمد ج6/297.
اما قوله " او عدم وجودها في ذلك الزمان " فان كان يريد بذلك احتمال ان يكون حديث الغدير موضوعاً فلنقرأ إذن على كل الاحاديث النبوية السلام وذلك لانه لم يتوفر لاي حديث نبوي ما توفر لحديث الغدير من رواة فاذا احتملنا انَّ حديث الغدير موضوع كان كل حديث بعده اولى بهذا الاحتمال وحينئذ لا يثبت لدينا شئ من السنة النبوية المطهرة.
____________
(1) مسند احمد ج3/39.
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد السابع
رواية مكذوبة على علي (عليه السلام)
قوله: ان عليا (عليه السلام) قال انا دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا استخلف فقال لا، اخاف ان تفرقوا عنه.. وان وصية علي (عليه السلام) للحسن وصية اخلاقية روحية
اقول: الرواية التي اوردها لم تكن من تراث الشيعة وقد ردََّ عليها الشريف المرتضى وقال ان عليا (عليه السلام) وصى الى ابنه الحسن واشار اليه واستخلفه
نص الشبهة
قوله: " ويتجلى ايمان الامام علي بالشورى دستورا للمسلمين بصورة واضحة، في عملية خلافة الامام الحسن، حيث دخل عليه المسلمون، بعدما ضربه عبدالرحمن بن ملجم، وطلبوا منه ان يستخلف ابنه الحسن، فقال: لا، انا دخلنا على رسول الله فقلنا: استخلف، فقال: لا: اخاف ان تفرقوا عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون، ولكن ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يختر لكم ". ص 15.
الرد على الشبهة
اقول:
ان الرواية التي أوردها ونسبها إلى السيد المرتضى في كتابه الشافي رواية عامية رواها القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه (المغني)، وقد أورد القاضي المعتزلي رواية أخرى رواها عن أبي وائل شقيق بن سلمة والحكم عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) انه قيل له ألا توصي. قال: ما أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأوصي، ولكن ان أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم) الشافي ج3/91 نقلا عن المغني وقد أجاب عنهما السيد المرتضى بقوله:
" ان الخبر الذي رواه عن أمير المؤمنين، لما قيل له ألا توصي فقال: (ما أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأوصي، ولكن ان أراد الله تعالى بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم)، فمتضمن لما يكاد يعلم بطلانه ضرورةً.
والظاهر من أحوال أمير المؤمنين، والمشهور من اقواله وأفعاله جملةً وتفصيلاً
ومن تصفح الأخبار والسير، ولم تمل به العصبية والهوى، يعلم هذا من حاله علىوجه لا يدخل فيه شك.
ولا اعتبار بمن دفع هذا ممن يفضَّل عليه لأنه بين أمرين.
إما ان يكون عاميا أو مقلِداً لم يتصفح الأخبار والسير وما روي من أقواله وأفعاله ولم يختلط بأهل النقل، فلا يعلم ذلك.
أو يكون متأملا متصفحاً إلا ان العصبية قد استولت عليه، والهوى قد ملكه واسترقه، فهو يدفع ذلك عناداً، وإلا فالشبهة مع الإنصاف زائلة في هذا الموضع.
على انه لا يجوز ان يقول هذا من قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه باتفاق (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر)(1) فجاء عليه السلام من بين الجماعة فأكل معه.
ولا من يقول النبي (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام) (ان الله عز وجل اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين جعل احدهما أباك والآخر بعلك)(2).
وقال صلى الله عليه وآله فيه (علي سيد العرب)(3).
و (خير أمتي)(4).
و (خير من اخلف بعدي)(5).
ولا يجوز ان يقول هذا من تظاهر الخبر عنه بقوله صلوات الله عليه وقد جرى بينه
____________
(1) حديث الطير رواه جماعة من العلماء كالترمذي ج2/229 والنسائي في خصائصه ص 5 والحاكم في مستدركه ص/130و131 وابو نعيم في حليته 6/339، والخطيب في تاريخه 3/171، والمتقي في كنزه 6/406 والهيثمي في مجمعه 9/125 و126.
(2) انظر كنز العمال 6/153 ومستدرك الحاكم 3/129، وفي مسند احمد 5/26 (واما ترضين ان زوجتك خير امتي).
(3) مستدرك الحاكم 3/124، حلية الاولياء 1/63 و5/38 وفيهما (فقالت عائشة الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب).
(4) مسند الامام احمد.
(5) كنز العمال 6/154.
ومن قال: (نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد)(2).
وروى عن عائشة في قصة الخوارج لما سألها مسروق فقال لها بالله يا أمه لا يمنعك ما بينك وبين علي ان تقولي ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وفيهم قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة).
إلى غير ذلك من أقواله (صلى الله عليه وآله) فيه التي لو ذكرناها اجمع لاحتجنا إلى مثل جميع كتابنا ان لم يزد على ذلك.
وكل هذه الأخبار التي ذكرناها فهي مشهورة معروفة، قد رواها الخاصة والعامة بخلاف ما ادعاه مما يتفرد به بعض الأمة ويدفعه باقيها.
وبعد، فبإزاء هذين الخبرين الشاذين اللذين رواهما في ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يوص كما لم يوص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدة، طرق مختلفة المتضمنة انه عليه السلام وصى إلى الحسن ابنه، وأشار إليه واستخلفه، وارشد إلى طاعته من بعده، وهي اكثر من ان نعدها ونوردها.
فمنها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) ان أمير المؤمنين لما ان حضره الذي حضره قال لأبنه الحسن (عليه السلام): (ادن مني حتى اسر إليك ما اسر إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وائتمنك على ما ائتمنني عليه).
وروى حماد بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: " أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام واشهد على وصيته الحسين ومحمداً عليهما السلام وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتب والسلاح ".
في خبر طويل يتضمن الأمر بالوصية في واحد بعد واحد إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام.
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 20/262.
(2) كنز العمال 6/218.
____________
(1) الشافي ج3/99-102.