الصفحة 478
سنة تقريبا ثم غيبة كبرى استمرت الى اليوم وفيها أرجع شيعته الى الفقهاء العدول رواة حديث آبائه (عليهم السلام) يتوقف على التصديق بقضيتين:

القضية الاولى:

أصل معتقد الإمامة الإلهية عند الشيعة ويتمثل بالوصية والعصمة وأن المهدي الذي بشَّر به النبي هو من أهل البيت ومن ولد فاطمة (عليها السلام) وأن الأئمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر يُعرَفون بالنص والوصية من النبي ثم نص السابق على اللاحق، وأن الإمامة بعد الحسن هي للحسين ثم في تسعة من ذريته وانها لا تعود بعد الحسن والحسين في أخوين بل هي في ولد الامام السابق بوصية وتعريف منه.

القضية الثانية:

الإيمان بأن الشيعة الإثني عشرية هم الذين حملواعن الأئمة الأحد عشر فقههم وأحاديثهم وتاريخهم الخاص ومن ثم قبول تشخيص علماء الشيعة الاثني عشرية لحواريي أئمتهم وحملة علومهم وثقاة الرواة عنهم.

وسر الإحتياج للقضية الأولى هو: أن الإيمان بكون محمد بن الحسن العسكري الغائب هو الإمام الثاني عشر بنص من ابيه انما هو فرع لها وليس قضية مستقلة عنها أو في عرضها.

وسر الإحتياج للقضية الثانية هو: أن الشيعة رووا عن الأئمة كثيرا من الأمور التي انفردوا بها عن غيرهم ومنها ما رووه عنهم (عليهم السلام): بأن الثاني عشر منهم سيغيب غيبة كبرى وتطول أيامه ومنها ما أخبر به الحسن العسكري خواصه وحوارييه بوجود ولد لههو الأمام من بعده وهو المهدي الموعود وغير ذلك، ثم إن الشيعة اجتمعت كلمة جمهورهم وغالبيتهم في عصر الغيبة الصغرى على الإيمان بمحمد بن الحسن العسكري وبغيبته وانتظار ظهوره والوقوف عند امامته.

وفي ضوء هاتين القضيتين يصبح البحث حول وجود ولد للحسن العسكري وكونه الامام الثاني عشر وهو الغائب المنتظر موضوعيا ومنتجا، أما إذا ألغينا التصديقبالقضيتين الآنفتي الذكر فإن الطريق لإثبات الغائب المنتظر محمد بن الحسن العسكري سيكون مسدودا تماماً وذلك لان الحسن العسكري (عليه السلام) اخفى ولادة ابنه محمداً الاّ عن

الصفحة 479
خاصة اصحابه.

رد احمد الكاتب لكلا القضيتين:

والذي صنعه الأستاذ الكاتب اللاري في كتابه هو ردُّه لكلا القضيتين:

أما القضية الأولى: (وهي أصل المعتقد الشيعي بالوصية والعصمة والإثني عشرية) فانتهى فيها بزعمه الى:

- أن الوصية التي يقول بها الشيعة فكرة ادخلها الى التشيع عبد الله بن سبأ في النصف الأول من القرن الأول الهجري.

- وأن العصمة فكرة مستحدثة في الفكر الشيعي ظهرت في القرن الثاني الهجري تأثرا بالفكر الاموي.

- وانتهى بزعمه أيضا الى ضعف الأحاديث التي تحدد الأئمة بعد النبي بإثني عشر، فضلا عن تضعيف روايات النص على الإمام اللاحق من الإمام السابق.

وأما القضية الثانية: (وهي وثاقة الشيعة فيما يروون عن أئمتهم) فانتهى فيها الى:

- اتهام الشيعة الأوائل القائلين بالوصية المشابهة لوصية موسى لهارون أو وصية موسى ليوشع بانهم تلقوا الفكرة من عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم على عهد عثمان.

- واتهام متكلمي الشيعة الأوائل أمثال أبي بصير ليث بن البختري المرادي الكوفي(1) وحمران بن أعين الشيباني الكوفي(2) وهشام بن الحكم(3) وعلي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار(4) ومحمد بن الخليل السكاك صاحب هشام ومؤمن الطاق وهشام بن سالم وغيرهم بأنهم أدخلوا فكرة العصمة والنص إلى التشيع.

- ثم اتهم مراجعهم الاوائل النواب الاربعة في عصر الغيبة الصغرى بانتحال ولد للحسن العسكري كذبا والقول بغيبته وانتظاره.

- ثم اتهم الذين جاءوا بعدهم أمثال ابن شاذان والشيخ الكليني والشيخ الصدوق

____________

(1) من خواص الامام الباقر والصادق (عليهما السلام).

(2) من خواص الامام الباقر والامام الصادق (عليهما السلام).

(3) تلميذ الامام الصادق وأحد خواص الامام الكاظم.

(4) قال النجاشي: كوفي سكن البصرة من أصحاب الكاظم والرضا من وجوه المتكلمين من أصحابنا كلم أبا الهذيل والنظام.


الصفحة 480
وابو سهل النوبختي وابن قبة والشيخ المفيد والشريف المرتضى والطوسي وغيرهم من أعلام الشيعة الاثني عشرية الى اليوم كرَّسوا النهج التحريفي للتشيع المتمثل بالوصية والعصمة والقول بوجود ولد للحسن العسكري وحصر الأئمة بإثني عشر والقول بالغيبة.

أقول:

والمنهج العلمي يقتضي البحث في القضية الاولى والإستدلال على مفرداتها الأساسية (الوصية والنص والعصمة والإثني عشرية)، فإذا تم الدليل عليها من الكتاب والسنة يرتفع الإتهام عن قدماء الشيعة بكونهم استوردوا فكرة الوصية من عبد الله بن سبأ او أدخلوا فكرة العصمة وغيرها، وتعود لروايتهم عن أخبار أئمتهم وخصوصيات تاريخهم الحجية والإعتبار كما هو الحال في إعتبار رواية قدماء مذهب المالكي أو الحنبلي والشافعي أو الحنفي عن خصوصيات ائمتهم وأخبارهم(1).

ومن الجدير ذكره ان اتهام الشيخ الكاتب اللاري لقدماء الشيعة شبيه باتهام عامر الشعبي وخلفائه لخواص أصحاب علي (عليه السلام) وصفوتهم كالأصبغ بن نباتة(2) والحارث الأعور الهمداني(3) ورشيد الهجري وحبة العرني ونظراءهم حين قالوا عنهم انهم ليسوا يساوون شيئا فيما ينفردون به من رواية ومن ثم اهملوا جل تراثهم الذي رووه عن علي (عليه السلام) ودونوه في صحف.

____________

(1) وقد مر علينا في البحوث السابقة ان جمهور شيعة الحسن العسكري قد اثبتوا له الولد والوصية لهذا الولد من ابيه بالامامة وكونه المهدي الموعود.

(2) قال ابن سعد: روى عن علي وكان من أصحابه وكان صاحب شرط علي. وقا ل نصر بن مزاحم: كان الأصبغ بن نباتة شيخا عابدا وكان من ذخائر علي ممن بايعه على الموت وكان علي يضن به عن الحرب والقتال (وقعة صفين /503). قال البزار أكثر أحاديثه عن علي لا يروي عن غيره. قال بن عدي: والأصبغ بن نباتة لم أخرِّج له ها هنا شيئا لان عامة ما يروي عن علي لا يتابعه عليه أحد.

(3) فال ابن عبد البر: وأظن الشعبي عوقب لقوله في الحارث الهمداني (حدثني الحارث وكان أحد الكذابين) ولم يبن من الحارث كذب وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله على غيره ومن هاهنا والله أعلم كذبه الشعبي لان الشعبي يذهب الى تفضيل ابي بكر والى انه اول من اسلم (جامع بيان العلم ص 445.


الصفحة 481


الحلقة الرابعة


الفصل الخامس
الضرورة التي تفرض الإيمان بأنَّ المهدي الموعود
هو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)





الصفحة 482

الصفحة 483

سؤاله


ماهي المشكلة في الإيمان بولادة الامام المهدي في المستقبل وعندما يأذن الله؟ لماذا الإصرار على ولادته في الماضي السحيق وبقائه على قيد الحياة بصورة غير طبيعية؟(1).

جوابنا


إن الأمر الذي يفرض الإيمان بولادة المهدي الموعود في الماضي السحيق وكونه الثاني عشر من الأئمة والتاسع من ذرية الحسين هو صحة اطروحة التشيع الإمامي الإثني عشري وصحة إمامة آباء المهدي (عليه السلام) فلو لم تصح إمامة آبائه (عليهم السلام) لم تصح إمامته، ثم الدليل القاطع تاريخيا على ولادته ونص ابيه عليه وممارسته وظيفته كإمام بعد وفاة ابيه كما مرت الإشارة الى ذلك من خلال البحوث السايقة.

أما الأمر الذي يفرض الإيمان ببقاء المهدي على قيد الحياة بصورة غير طبييعة فهو النقل المتواتر للشيعة عن الأئمة (عليهم السلام) بان الثاني عشر منهم له غيبة طويلة، مضافا الى سبق تجارب مماثلة في الأمم السابقة قص القرآن علينا خبرها كقصة غيبة عيسى وقصة طول عمر نوح وقد شاء الله تعالى ان يتكرر ما جرى في الأمم السابقة في امة النبي الخاتم ان يكون عمره كعمر نوح وغيبة كغيبة عيسى(2).

____________

(1) كان هذا السؤال ضمن اسئلته التي عرضها في موقع اسلام 21 على الإنترنيت.

(2) نبه القرآن على ظواهر خاصة مضت في الأمم السابقة انها سيجري نظيرها في الآخرين، ونموذج ذلك ما جاء في سورة الصافات حيث ذكر الله تعالى اربعة انبياء بظواهر متميزة في سيرتهم وهم 1. نوح وأبطاء نزول العذاب الذي أنذر به وطول عمره، 2. رجعة ارميا. 3. قصة ابراهيم واسماعيل 3. قصة موسى وهارون. ثم ذكر عنهم القرآن انه ابقى ذكرهم في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) كما في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (78) سَلاَمٌ عَلَى نُوح فِي الْعَالَمِينَ (79)) الصافات/77-79.

=>


الصفحة 484
وإضافة الى هذا النقل المتواتر عن المعصومين الذي يفرض علينا الإيمان بولادة المهدي فهناك أمر مهم متفق على وقوعه في آخر الزمان ينبه على صحة الإطروحة الشيعية للمهدي الموعود وكفاءتها في تحقيق الأهداف المرجوة وعدم كفاءة الأطروحة السنية للمهدي الموعود في تحقيق ذلكويتمثل هذا الأمر بظهور عيسى في آخر الزمان وفيما يلي عرض موجز لهذه القضية:

إن التصور القرآني عن عيسى يفيد ان الله تعالى بعثه مبشرا بالنبي الموعود (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُول يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف/6، ويؤكد التصور القرآني ان التبشير بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) لم يبدأ بعيسى بل مارسه الأنبياء جميعا.

ومما لا شك فيه هو ان احد ابرز الأهداف من المجيء الثاني لعيسى هو إقامة الشهادة للنبي المكي ودعوة المسيحيين والنصارى للإسلام. وسواء افترضنا ان عيسى سوف يظهر قبل المهدي للتمهيد لظهوره أو يظهر بعد ظهوره مؤيدا للمهدي في مواجهته للمسيحيين واليهود لاتمام الحجة عليهم قبل وقوع العذاب الإلهي الشامل الموعود على

____________

<=

وقوله تعالى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)... وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120)) الصافات/114-120. وقال تعالى (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْح عَظِيم (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)) الصافات/107-109. (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123)... وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (129)) الصافات/123-129. و (الآخِرين) مصطلح قرآني اراد به القرآن الأمم المحجوجة بالقرآن، وقوله تركنا عليه أي ابقينا ذكره وإذا كان المراد هو الذكر العام فإن غير هؤلاء الأنبياء قد ذكر ايضا إذن مراده الذكر الخاص وهو ان يكون لذكرهم خصوصية في هذه الأمة لإثبات أمر مشابه يحصل يستنكره البعض أو يستغربه، فتجيء التجربة النبوية السابقة لترفع الغرابة او لتثبت الأمر الذي يستنكر، من قبيل الاستغراب من العمر الطويل للمهدي وبطء نزول العذاب الذي أنذر به النبي (صلى الله عليه وآله) فتأتي قصة نوح شاهدا، أو من قبيل حصر الإمامة بعد النبي في إثني عشر من أهل بيته فتأتي قصة ابراهيم واسماعيل ورفع القواعد من البيت وابتلائه بذبح ولده وابتلاء الولد بطاعة ابيه ثم مكافأة الولد بان جعل الله في ذريته النبي محمد وإثني عشر إماما وتكون القصة خير شاهد على صحة أمر الإثني عشرية، أو من قبيل منزلة علي من النبي وجعل الإمامة فيه وفي ذريته فتجيء قصة منزلة هارون من موسى وجعل الإمامة في هارون وذريته. أو من قبيل الاعتقاد برجعة علي (عليه السلام) في آخر الزمان فتجيء قصة رجعة ارميا حيث اماته الله مأة عام ثم بعثه وهو ايليا المذكور هنا وقد فصلنا ذلك في كتابنا (امامة أهل البيت في القرآن الكريم) نرجو ان نوفق لانجازه ونشره.


الصفحة 485
المكذبين منهم فإن ظهور عيسى سوف يكون بحاجة الى استيعاب علمي وقيادي من قبل المهدي الموعود باعتباره يقوم شاهدا له وللرسالة التي يرفع شعارها وكتابها وتابعا له.

والمهدي على التصور السني لن يكون قادرا على استيعاب المسيح بل هو غير قادر على استيعاب طوائف المسلمين.

لن يكون قادرا على استيعاب المسيح لان المسيح نبي ورسول معصوم ومؤيد الهيا بالمعجزات ومثله لا يمكن ان يستوعبه انسان غير مؤيد بالمعجزات والعصمة والعلم التام.

ولن يكون قادرا على استيعاب الأمة المسلمة بلا تأييد الهي بالمعجزة والعصمة والعلم التام لوجود مشكلات اساسية:

منها: مشكلة إثبات كونه المهدي الموعود، فهو من دون التأييد الالهي الخاص لن يكون قادرا على كسب القناعة الموضوعية التامة من الآخرين.

ومنها: مشكلة إقناع علماء زمانه بالخضوع لآرائه في الجرح والتعديل وتخريج الحديث والإستنباط منه فهو على أكثر تقدير مجتهد كباقي المجتهدين يجوز للعوام ان يرجعوا اليه ويخضعوا لأفكاره اما المجتهدون الآخرون فلا يوجد أي مبرر للخضوع لفهمه اما تخريجه للحديث وأراؤه في الجرح والتعديل فستكون المشكلة فيها أعظم لو تجاوز فيها ائمة الجرح والحديث التاريخيين كالبخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم.

ومنها: مشكلة النظام السياسي الذي يسمح له ان يشكل تجمعه الحركي إذ الأنبياءمع التأييد الإلهي لم يسلموا من الإستضعاف فكيف بالمهدي غير المؤيد.

ومنها: مشكلة الشيعة الذين لن يؤمنوا بمثل مهدي غير معصوم وغير منصوص عليه ولم يكن ابنا للحسن العسكري (عليه السلام) وليس هو الا مهديهم.

وقد يقول قائل: بأننا نفترض ان المهدي بالتصور السني مؤيد بالمعجزة والعلم التام والعصمة.

قلنا: ان هذا الإفتراض سيجعل من المهدي على الأطروحة السنية نبيا لاننا

الصفحة 486
افترضنا ان علمه علم تام لم يستمد من معلم بشري، وليس من شك ان هذا الفرض سوف يكون خلاف القرآن الذي نص على ان محمدا خاتم النبيين.

وهذا بخلاف المهدي على التصور الشيعي فهو ليس نبيا بل هو عالم مطهر معصوم وارث لتراث جده عن طريق آبائه ملهم بذلك العلم الموروث معرَّف بالنص عليه من قبل ابيه المعرَّف من قبل آبائه المعصومين حتى ينتهي الأمر الى النبي (صلى الله عليه وآله) الذي عرَّف بهم جميعا وبعلي في الغدير خاصة وقد وجدت مثل هذه الحالة /أي حالة عالم مطهر وارث للعلم ملهم به وليس بني/ في الأمم السابقة وقص القرآن علينا خبرها(1).

إذن لابد من مهدي مؤيد بالعلم والعصمة والمعجزة وليس بنبي وليس هو إلا المهدي على الطرح الشيعي الذي يستوعب ما عجز عنه المهدي على الطرح السني.

يستوعب المهدي على التصور الشيعي ظاهرة المسيح لان هذا المهدي كان قد بشر به عيسى كما بشر بجده النبي (صلى الله عليه وآله) وابيه علي (عليه السلام)(2)، وهو معصوم وارث لتراث النبوة الخاتمة الذي كتبه علي (عليه السلام) بيده وأملاه النبي (صلى الله عليه وآله) عليه ووارث ايضاً لتراث النبوات الإسرائيلية الذي اجتمع عند عيسى ومنه انتقل عبر آخر اوصيائه الى آباء النبي ثم الى ابي طالب ثم الى النبي ثم الى علي والأئمة من ذريته(3). مضافا الى ذلك هو ملهَم بهذا العلم كما أُلهِم آباؤه من قبل، مضافا الى ذلك هو مؤيد بالخوارق التكوينية كما كان وصي سليمان آصف مؤيد بها(4) ولم يكن نبيا بل كان وصيا وارثا للعلم

____________

(1) من قبيل قصة طالوت فهو عالم اصطفاه الله تعالى وجعله وارثا لتراث آل هارون العلمي بالوصية من النبي السابق ثم كان علمه بالتراث علما الهاميا وليس مجرد قراءة من الكتب التي بين يديه قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)) البقرة/246-248.

(2) بحثنا ذلك في كتابنا امامة اهل البيت في الكتب المقدسة نرجو ان نوفق لاكماله ونشره.

(3) انظر كتابنا السيرة النبوية المطبوع ص 66.

(4) هو المذكور في قوله تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ

=>


الصفحة 487
وكذلك المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام).

وإذا كان المهدي على التصور الشيعي قادرا على استيعاب ظاهرة عيسى (عليه السلام) وهو نبي ورسول وصار من جنوده وانصاره ومؤيديه فهو على استيعاب طوائف امة جده اقدر.

ان المهدي على التصور الشيعي يظهر على جيش مُعَدّ وهم الشيعة وفيهم العلماء والفقهاء والمفكرون والسياسيون والعسكريون ومختلف المواقع الإحتماعية بل لهم دولة قائمة قبل ظهوره بَنَت وجودها السياسي الفكري على الإعتقاد به.

ان علماء الشيعة ومراجعهم معلنون سلفاً منذ ان تبوءوا مواقعهم كموجهين للشيعة في عصر الغيبة انهم بإزاء المهدي بن الحسن العسكري متبعون لقوله ومؤتمرون لأمره كما هو شأنهم مع آبائه من قبل، نعم هم بحاجة الى ان يثبت لهم ان الشخص الذي يخاطبهم هو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) الذي ولد سنة 255 هجرية وحين يثبت لهم ذلك فهم أطوع له من الأمة لسيدها.

وهكذا المسلمون السنة فإنهم حين يواجهون انسانا مسلما مؤيدا بالخوارق عالما بالقرآن والسنة علما لا يدع لأحد معه مقالا، عالما بآراء المذاهب الإسلامية القائمة والبائدة وتخريجات الحديث وأدلتها ونقاط ضعفها وهو فوق ذلك بيده صحيفة ابيهعلي (عليه السلام) التي كتبها بيده عن النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة وهي خاضعة للفحص العلمي الأركيولوجي، ليس من شك فإن مثل هذا الأنسان سيكون قادرا على استيعاب كل طوائف الأمة.

قد يقول قائل لماذا لم يجعل الله تعالى عدد الأئمة على الطرح الشيعي مفتوحاً

____________

<=

عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِىٌّ كَرِيمٌ (40)) النمل/38-40، قال القرطبي في تفسيره ج 13 ص 204: (قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بنى إسرائيل، وكان صدّيقا يحفظ اسم الله الاعظم الذى إذا سئل به أعطى، وإذا دعى به أجاب... وقال السهيلى: الذى عنده علم من الكتاب هو آصف ابن برخيا ابن خالة سليمان، قال القرطبي وقيل: هو سليمان نفسه، ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل).


الصفحة 488
وغير مقيد باثني عشر ليكون آخرهم حيا بالحياة الطبيعية عند ظهور عيسى (عليه السلام)؟

والجواب هو ان حصر عدد الأئمة المعصومين بعد النبي بإثني عشر او إبقاءه مفتوحا حتى تنقضي الدنيا امر مرتبط بتقدير الله تعالى وقد قدَّر ان يكون عدد الأئمة اثني عشر ومن ثم يطيل عمر الثاني عشر ليحقق به وعده الدي وعده لانبيائه.

وخلاصة الكلام:

ان التصور القرآني الذي يفيد بظهور عيسى في آخر الزمان مؤيدا للمهدي أو ممهدا لظهوره يقتضي ان تكون إمامة المهدي مستوعبة لعيسى النبي الرسول المعصوم المؤيد الهيا ولن تستوعبه هذه الامامة إذا لم تكن معصومة، الا إذا افترضنا ان يكون صاحبها نبيا أو قبلنا بالتصور الشيعي للمهدي وان الله تعالى أطال عمره لاستيعاب ظاهرة عيسى وتحقيق امور أخر من قبيل امتحان المؤمنين وتمحيصهم وغير ذلك.

وليس من شك ان فرضية نبوة المهدي الموعود باطلة بالضرورة، فلم يبق لنا الا المهدي على التصور الشيعي الذي يحفظ لنا اطروحة النبوة الخاتمة ويفترض قدرا أدنى من خرق القانون وهو ان يطيل الله تعالى عمر انسان كما أطال عمر نوح (عليه السلام) وكما أطال عمر عيسى (عليه السلام).