وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الاحابيش من بني كنانة وأهل يمامة(3) وقائدهم أبو سفيان وخرج غطفان(4) ومَن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصين(5) وعامر بن الطفيل في هوازن وصاحبتهم(6) اليهود من قريضة والنضير.
ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلاّ الترامي بالنبل والحجارة، حتّى أنزل الله النصر(7).
____________
(1) كذا في ط، وفي المصدر: معتب بن قشير، وفي ع. ض: مغيث بن قيس، وفي حاشية ع: معتب بن قس.
(2) في المصدر: لا نقدر أن نذهب.
(3) في المصدر: وأهل تهامة.
(4) في المصدر: وخرج غطفان في ألف.
(5) في المصدر: حصن.
(6) في المصدر: وضامتهم.
(7) الكشاف: 3 / 416.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
قد تعجب من هذا الشيخ كيف عدل عن ذكر قتل مولانا صلوات الله عليه لعمرو بن عبد ود عند قدوم الاحزاب، وما كان بذلك من النصر وذلّ الكفر وإعزاز الدين، وقول النبي (صلى الله عليه وآله): «لَضربة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة»(1).
وقد روى ذلك منهم موفق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم في كتاب المناقب(2)، وروى أبو هلال العسكري في كتاب الاوائل(3) حديث قتل مولانا عليّ (عليه السلام) لعمرو بن عبد ود، وغيرهما، وهو من الايات المشهورة والمعجزات المذكورة.
وأمّا حديث اضطراب قلوب المنافقين وشكوكهم في الله وفي سيّد المرسلين صلوات الله عليه، فإن(4) الزمخشري لم يذكر غير واحد، والقرآن قد تضمّن لفظ ذكر الجمع وما يدلّ على كثرة من شكّ منهم واضطرب قلبه، وينبغي أن تكون الاشارات بفساد النيّات إلى مَن عرف منهم الجبن والذلّ والهرب عند المعضلات والحروب والحوادث السالفات والحادثات، فإنّهم أهل هذه الصفات.
[63] فصل:
فيما نذكر أوله من الوجهة الثانية من القائمة السابعة من الكراس السادس من الكشاف من الجزء السابع أيضاً، من حديث
____________
(1) راجع: شواهد التنزيل 2 / 8 رقم 636، فرائد السمطين 1 / 255 رقم 197، المستدرك للحاكم 3 / 37.
(2) المناقب: 169.
(3) الاوائل: 2 / 199.
(4) ع. ض. ط: فأرى، والمثبت من حاشية ع.
وروي: أنّ جبرئيل أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صبيحة الليلة الّتي انهزم فيها الاحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا سلاحهم، فقال: يا رسول الله إنّ الملائكة لم تضع السلاح، إنّ الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عائد إليهم، فإنّ الله داقّهم دقّ البيض على الصفا وإنّهم لك طعمة.
فأذن في الناس: أنّ مَن كان سامعاً مطيعاً فلا يصلّي العصر إلاّ في بني قريظة، فما صلّى كثير من الناس العصر إلاّ بعد العشاء الاخرة لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة حتّى جهدهم الحصار، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تنزلون على حكمي»، فأبوا، فقال: «على حكم سعد بن معاذ» فرضوا به.
فقال سعد: حكمتُ فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم.
فكبّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «لقد حكمتَ بحكم الله من فوق سبعة أرقعة».
ثمّ استنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقاً وقدّمهم فضرب أعناقهم، وهم بين ثمانمائة إلى تسعمائة
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
اعلم أنّ اليهود إمّا كانوا قد عرفوا من جانب موسى (عليه السلام) أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) رسول الله فكتموا ذلك وعاندوه، أو أنّه غالب لهم ومذل لهم ومسلّط عليهم ولا بدّ من أحد الامرين، لاجل ما يدّعونه من شفقة موسى (عليه السلام) عليهم وتعريفهم بما يحدث بعده عليهم.
وعلى هذا فانّ الذين حاربوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقاتلون(2) مستحقّون لما جرى عليهم من الاستيصال، حيث عرفوا أنّه قاهر لهم ومسلّط عليهم، فلم يلتفتوا إلى سابق علمهم به وأهلكوا نفوسهم بأيديهم وتعرضوا للقتال، وهو يدلّك على أنّ سلف اليهود عملوا بالجحود على كلّ حال، وأنّ مَن تخلّف منهم غير معذور في الاقتداء بهم في الضلال، وقد عرفوا منهم أنّهم كابروا حقيقة علمهم السابق وعاندوا في سلوك سوء الطريق.
[64] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثامن من الكشاف، للزمخشري، من الوجهة الاوّلة من القائمة السادسة من الكراس السادس منه بلفظه:
(إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(3)، يجوز أن يكون استثناءً
____________
(1) الكشاف: 3 / 422.
(2) ع: معاندون.
(3) الشورى: 42 / 23.
ويجوز أن يكون منقطعاً، أي لا أسألكم أجراً قط، ولكن أسألكم أن تودّوا قرابتي الّذين هم قرابتكم فلا تؤذوهم.
فإن قلتَ: فهلاّ قيل: إلاّ مودّة القربى(4)، وما معنى قوله: (إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
قلتُ: جُعلوا مكاناً للمودّة ومقرّاً لها، كقولك: لي في آل فلان مودّة ولي فيهم هوى وحبّ شديد، تريد: أحبّهم وهم مكان حبّي(5)، وليست في بصلة(6) للمودّة كاللام إذا قلت إلاّ المودة للقربى(7)، وإنّما هي متعلّقة بمحذوف
____________
(1) حاشية ع: منفصلاً.
(2) في المصدر: أن تؤدّوا أهل قرابتي ولم يكن.
(3) في المصدر: في المروءة.
(4) في المصدر: فهلاّ قيل إلاّ مودّة القربى أو إلاّ المودّة للقربى.
(5) في المصدر: وهم مكان حبّي ومحلّه.
(6) ع. ض: وليست بصلة، والمثبت من ط. المصدر.
(7) ع. ض: كالكلام إذا قلت إلاّ المودّة في القربى، والمثبت من ط. المصدر.
والقربى مصدر كالزلفى والبشرى: بمعنى القرابة، والمراد: في أهل القربى.
وروي: أنّها لمّا نزلت قيل: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما».
ويدلّ عليه ما روي عن عليّ: «شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد الناس لي، قال: أما ترضى أن تكون رابع أربعة، أول مَن يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرّياتنا خلف أزواجنا».
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «حرّمت الجنّة على مَن ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومَن اصطنع صنيعاً إلى ولد(1) عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة»(2).
ثمّ قال الزمخشري أيضاً ما هذا لفظه:
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَن مات على حبّ آل محمّد فقد مات شهيداً، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد
____________
(1) في المصدر: إلى أحد من ولد.
(2) الكشاف: 4 / 172 ـ 173.
ألا ومَن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب(1) بين عينيه: آيس من رحمة الله(2)، ألا ومَن مات على بغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومَن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنة»(3).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
انظروا إلى أهل هذه الاحوال(4) والوصايا بالقرابة والال وإلى ما جرت عليهم حالهم من القتل والذلّ والاستيصال وسوء الاحوال
____________
(1) كذا في الاصول المعتمدة والمصدر، ولعل الصحيح: مكتوباً.
(2) قوله: الا ومن مات على بغض...، إلى هنا، لم يرد في ع. ض، وأثبتناه من ط. المصدر.
(3) الكشاف: 4 / 173.
(4) حاشية ع: الاقوال.
[65] فصل:
فيما نذكره من الجزء التاسع من كتاب الكشاف، للزمخشري، وهو آخر الكتاب في تفسير القرآن، من الكرّاس الحادي عشر من الوجهة الاوّلة من القائمة التاسعة، في تفسير: (هَلْ أتَى)(1)، بلفظ الزمخشري:
وعن ابن عباس: أنّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناس معه، فقالوا: يا أبالحسن لو نذرت على ولديك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهم إن برءا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيام.
فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصواع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليه يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
____________
(1) الانسان: 76 / 1.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
في هذه القصة والسورة أسرار شريفة:
منها:
أنّه يجوز الايثار على النفس والاطفال بما لا بدّ منه
ومنها:
أنّ القرض لا يمنع أن يؤثر الانسان به.
ومنها:
أنّ الواجب من نفقة العيال لا يمنع من الصدقة في مندوب
ومنها:
أنّه إذا كان القصد رضاء الله جلّ جلاله هان كلّ مبذول.
ومنها:
أنّ الله جلّ جلاله إطّلع على صفاء سرائرهم في الاخلاص فجاد عليهم بخلع أهل الاختصاص.
ومنها:
أنّه لم ينزل مدح في سورة من القرآن كما نزلت فيهم على هذا الايضاح والبيان.
____________
(1) الكشاف: 4 / 535 ـ 536.
ومنها:
أنّ من تمام الاخلاص في الصدقات أن لا يراد من الذي يتصدّق عليه جزاءً ولا شكوراً بحال من الحالات.
ومنها:
أنّ الايثار وقع من كثير من القرابة والصحابة أيّام حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) فلم ينزل من الثناء على أحد ما نزل على مولانا عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم.
[66] فصل:
فيما نذكره من تفسير أبي عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبّائي، وهو عندنا عشرة مجلّدات في كلّ مجلّد جزءان.
واعلم
أن هذا أبا عليّ الجبائي من نسل عبد لعثمان بن عفان، اسم العبد المذكور أبان، فهو يتعصّب على بني هاشم تعصّباً لا يخفى على مَن أنصف من أهل البصائر، وكأنّه حيث فاته مساعدة بني أميّة بنفسه وسيفه وسنانه، قد صار يحارب بني هاشم بقلمه ولسانه
أقول:
وأمّا نسبته إلى أبان عبد عثمان بن عفان، فذكره محمد بن مُعَيّة في كتاب الموالي عن الخطيب مصنّف تاريخ بغداد، ووقفتُ عليه في تاريخه، فقال عند ذكر أبي هاشم ولد أبي علي الجبائي: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد(1) بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان(2).
أقول:
وكان هذا حمران بن أبان ـ جدّ الجبائي ـ حاجباً لعثمان بن عفان،
____________
(1) ع. ض: ابن خاله، والمثبت من المصدر.
(2) تاريخ بغداد: 11 / 55 رقم 5735.
ولد أبو علي الجبائي سنة خمس وثلاثين ومائتين، ومات في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.
أقول:
وأمّا تعصّبه(1) على بني هاشم، فإنّ أظهر التفاسير بين الناس تفسير عبدالله بن عباس ومَن يروي عنه، وهذا كتاب تفسيره كأنّه ما سمع في الدنيا مفسّراً للقرآن اسمه عبدالله بن عباس.
أقول:
ويبلغ تعصّبه الفاضح أنّه يأتي إلى آيات ما ادّعاه المتقدّمون على بني هاشم في الخلافة أنّها نزلت فيهم أيام خلافتهم ولا قبلها ولا احتجّوا بها ولا ادّعى لهم مدع أيّام حياتهم أنّها نزلت فيهم، فيدّعي هو بعد مائتي سنة ونحو خمسين سنة من زمان الصحابة أنّ هذه الايات نزلت فيهم، ويستحسن المكابرة والبهت والعناد الّذي لا يليق بالعقل ولا بالنقل.
أقول:
واعلم أنّ تفسيره يدلّ على أنّه ما كان عارفاً بتفسير القرآن ولا علومه، فإنّه يذكر ما يدّعيه من التأويل إلاّ شاذّاً غير مستند إلى حجّة من خبر أو كلام العرب أو وصف اختلاف المفسّرين، ولا احتجاج لقوله الّذي يخالف أقوالهم.
____________
(1) ض: بغضته.
أقول:
ثمّ يذكر الاية ويقول في أكثر ما يفسّره: إنّما يعني الله كذا وكذا في آيات محتملات عقلاً وشرعاً لعدّة تأويلات، وما كان جبرئيل ولا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقولون في مثل ذلك ـ يعني الله كذا وكذا ـ إلاّ بوحي من الله جلّ جلاله، وهو قد عرف أنّ القرآن الشريف تضمّن عن أعظم الخلائق محمد (صلى الله عليه وآله) (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)(1)، وقال جلّ جلاله: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة)(2)، فيتحكّم على الله جلّ جلاله ويقدم بأنّ الله عنى هذا المعنى.
ثمّ يقول في أواخر تفسير آيات: قد قال في أولها يعني الله جلّ جلاله كذا وكذا، فيغفل عن قوله: إن الله عنى ذلك، ويعود يقول وجهاً أو وجوهاً أخر ويذكر أنّ الله عناها.
وكيف كان يحسن في حكم العربية والاستعمال أن يقول إنّما يعني الله كذا وكذا بلفظ إنّما المحققة، لما اشتملت عليه النافية لما عداه، ثمّ يذكر بعد ذلك وجهاً أو وجوهاً آخر ويقول: إنّ الله جلّ جلاله يعنيها.
أقول:
ثم لا يذكر قصص الانبياء (عليهم السلام)، ولا الحوادث التي تضمّن القرآن الشريف ذكرها، كما جرت عادة المفسّرين العارفين بها
____________
(1) الحاقة: 69 / 44 ـ 46.
(2) الزمر: 39 / 60.
أقول:
ثمّ لا يذكر أسباب النزول على عادة المفسّرين، ولا وجوه الاعراب، ولا التصريف، ولا وجود الاحتمال، ولا ما جرت به العادة من تعظيم فصاحة آيات القرآن ومواضع الاعجاز فيها على صواب من كمال المقال.
[67] فصل:
فيما نذكره من أواخر مجلّد من تفسير أبي عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائي، من القائمة الثانية إلى ما نذكره من كلامه في الكرّاس الاوّل من لفظه، فقال:
محنة الرافضة على ضعفاء المسلمين أعظم من محنة الزنادقة!!!.
ثمّ شرع يدّعي بيان ذلك:
بأنّ الرافضة تدّعي نقصان القرآن وتبديله وتغييره!!!.
فيقال له:
كلّما(1) ذكرته من طعن أو قدح على من تذكر أنّ القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجّه على سيّدك عثمان بن عفان، لانّ المسلمين أطبقوا أنّه جمع الناس على هذا المصحف الشريف وحرق ما عداه من المصاحف، فلو لا اعتراف عثمان بأنّه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف يحرق(2)، وكانت تكون متساوية.
____________
(1) ع. ض: كما، والمثبت من ط.
(2) ض: تحرّف، ط: محرّف.
ويقال له:
أنت مقرّ بهؤلاء القراء السبعة الّذين يختلفون في حروف وإعراب وغير ذلك من القرآن، ولو لا اختلافهم ما كانوا سبعة، بل كانوا يكونون قارئاً واحداً، وهؤلاء السبعة منكم وليسوا من رجال مَن ذكرتَ أنّهم رافضة.
ويقال له أيضاً:
إنّ القرّاء العشرة أيضاً من رجالكم، وهم قد اختلفوا في حروف ومواضع كثيرة من القرآن، وكلّهم عندكم على صواب، فمَن ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغييره أنتم وسلفكم أو الرافضة؟! ومن المعلوم من مذهب الّذي تسمّيهم رافضة أنّ قولهم واحد في القرآن.
ويقال له:
قد رأيناك في تفسيرك ادّعيت أنّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ما هي من القرآن الشريف، وقد أثبتها عثمان فيه، وهو مذهب لسلفكم أنهم لا يرونها آية من القرآن، وهي مائة وثلاثة عشر آية في المصحف الشريف، وتزعمون أنّها زائدة وليست من القرآن، فهل هذا الاعتراف منك يا أبا عليّ بزيادتكم في المصحف الشريف والقرآن ما ليس فيه؟!
ويقال له:
وجدناك في تفسيرك تذكر أنّ الحروف التي في أوّل سور القرآن أسماء السور، ورأينا هذا المصحف الشريف الّذي تذكر أنّ سيّدك عثمان بن عفان جمع الناس عليه قد سمّى كثيراً من السور الّتي أوّلها حروف مقطّعة بغير هذه الحروف وجعل لها أسماءاً غيرها، فهل كان هذا مخالفةً على الله جلّ جلاله أن يسمّي سور كتابه العزيز بما لم يسمّها الله جلّ جلاله؟! أو كان ما عمله صواباً وتكون أنتَ فيما تدّعيه أنّها أسماء السور مدّعياً على الله جلّ جلاله ما لم يعلم من تفسير
ويقال له:
قد رأيناك قد طوّلت الحديث بأنّ سورة الحمد كانت تقرأ مدّة زمان البعثة، وكيف يمكن أن يكون فيها تغيير؟!
فهل قرأت هذا الكلام على نفسك وعيّرته بميزان عقلك؟!
فكيف ذكرتَ مع هذا أنّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) المذكورة في أوّلها في كلّ مصحف وجدناه ليست منه؟!
وكيف اختلف المسلمون في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من سورة الحمد هل هي آية منها أم لا؟!
وكيف قرأ عمر بن الخطاب: غير المغضوب عليهم وغير الضالين، بزيادة غير قبل والضالّين، على ما حكاه الزمخشري عنه في تفسيره(1)؟!
أما سمع المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ الحمد في صلاته وغيرها فعلام اختلفوا بها في هذا وأمثاله منها؟!
فهل ترى الان(2) كلّما طعنت به على الّذي تسمّيهم رافضة متوجّه إلى سلفك وإليك وإلى سيّدك الّذي(3) تتعصّب له على بني هاشم المظلومين معكم.
ويقال له:
وجدنا القرآن الشريف يتضمّن أنّ فيه ما لا يعلم تأويله
____________
(1) الكشاف: 1 / 14.
(2) ض: إلاّ أنّ.
(3) ع. ض: الّتي، والمثبت من ط.
وعلى القراءة الاخرى: أنّ الراسخين في العلم يعلمون قسماً من القرآن دون غيرهم، فهل تدّعي أنّك من الراسخين في العلم؟! وهذا تفسيرك يدلّ على أنّك لست من أهل العلم بالقرآن، فكيف تدّعي رسوخاً فيه؟!
ويقال له:
إنّ الّذي تدّعيه أنتَ وأمثالك على الرافضة أنّهم يقولون: إنّ القرآن لا يعرف تأويله إلاّ إمامهم، بهتان قبيح لا يليق بأهل العلم ولا بذوي الورع ولا بمن يستحيي مما يقول، فإنّ الرافضة ما تدّعي ولا أعرف أحداً من العقلاء يدّعي شيئاً من أنّ القرآن لا يعرف تأويله مطلقاً إلاّ واحد من الامّة، لانّ القرآن الشريف فيه المحكم الّذي تعرف تأويله ومفهومه بغير تأويل يخالف ظاهره، فكيف يدّعي أحد أنّ هذا لا يعرفه إلاّ واحد من الامّة؟!
أقول:
فأما المتعلّق من القرآن بالقصص، فكيف يدّعي أحد أنّ مفهوم القصص المشروحة بالقرآن لا يعرفها إلاّ إمام الشيعة؟! ما أقبح مكابرتك.
أقول:
وأمّا الاحكام الشرعية الّتي تضمّنها صريح لفظ القرآن الشريف، فكيف تدّعي مَن تسمّيهم بالرافضة أنّها لا يعرفها إلاّ إمامهم، وهم يحتجّون بها في تصانيفهم وكتبهم؟!
أقول:
ثمّ يقال له:
كيف تدّعي على قوم ـ قد عرفناهم ووقفنا على كتبهم وتصانيفهم أنّهم موحّدون شاهدون لله جلّ جلاله ولرسوله (صلى الله عليه وآله)بما شهد به صريح العقل وصحيح النقل ـ أنّهم أضرّ على الاسلام من الزنادقة؟!
وهل يدّعي عليهم إلاّ تقديمهم لمولانا عليّ (عليه السلام) على من تقدّمه من الصحابة؟!
فإن كنتَ تقصد بهذا الطعن على مولانا عليّ (عليه السلام)وعلى بني هاشم على قاعدة الخوارج، فكفاك بذلك عاراً وشناراً، فإنّ البخاري ومسلم شهدا في صحيحهما: انّ عليّاً وبني هاشم تأخّرا عن بيعة أبي بكر ستة أشهر نصف سنة إلى حين وفاة فاطمة (عليها السلام)، وعرفتَ أنّ عليّاً كان يقول: إنّه مظلوم منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما كان لك أن تطعن بما يرجع على هدم الاسلام وتفتضح به بين الانام.
وأنتَ قد عرفتَ أنّ عليّاً والصحابة تحاربوا بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)أيام طلحة والزبير ومعاوية، قد اعتذرت للجميع، فهلاّ كان للّذين تقدّموا على مولانا عليّ أسوة بمن حاربهم ويكون الجميع عندك
فمن أين علمت أنّهم جميعاً معاندون وأنّهم أضرّ على الاسلام من الزنادقة؟!! لو لا أنّك مطرود عن الحقّ وتابع للهوى ومفتون، وستعلم إذا جمعنا وإيّاك موقف القيامة كيف نكون وتكون.
ويقال لابي عليّ الجبائي ولامثاله:
هل ترى العقل يقتضي أنّ نبيّاً أو سلطاناً يخرج رعيّته من الضلال إلى الهدى ومن الفقر إلى الغنى ومن الذلّ إلى العزّ وبلوغ غايات المنى ومن المشابهة للدواب(2) بعبادة الاحجار والاخشاب ويردّهم إلى حكم الالباب، فلما خاطر هذا النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو السلطان على أقلّ عقائد المتعصّبين عليه وصفى الملك من الاكدار، أن يزاحم الاجانب أهل بيته على دولته، ثمّ لم يقنعوا بمزاحمتهم على رئاستهم(3) حتّى قتلوا منهم فريقاً وأسّروا فريقاً وقصدوهم بالعداوة في الحياة وبعد الممات، وبلغت العدواة لهم إلى أنّهم إذا سمعوا عن أحد أنّه يمدحهم ويتولاّهم أو يفضّلهم على مَن سواهم، أخرجوه عن الاسلام وحكموا عليه بالزندقة وجحود الشرائع والاحكام.
____________
(1) ع. ض: شيعة الجميع، والمثبت من ط.
(2) ع. ض: للذوات، والمثبت من ط.
(3) حاشية ع: رئاسته.
أما تعلم أنّكم إن كنتم مسلمين مؤمنين فقد عتقناكم من كلّ هوان ومن النيران، وإن كنتم غير مسلمين باطناً فقد عتقناكم من القتل ومن الجزية التي ألزمناها أهل الذمة، وأنّكم عتقاؤنا على كلّ حال، وبنا وصلتم إلى كلّ ما تدّعونه من رئاسة أو علم أو عمل أو بلوغ آمال.
وارحموا نفوسكم من يوم الحساب والسؤال.
[68] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثاني من المجلّد الاول من تفسير أبي علي الجبائي، من الوجهة الاوّلة من القائمة الخامسة من الكراس الثاني من الجزء الثاني المذكور بلفظه:
وأمّا قول الله سبحانه وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)(1)، فإنّما عنى به ما كان فرضه على الناس في صدر الاسلام من الوصية للوالدين والاقربين، ثمّ نسخ ذلك بأن بيّن لنبيّه (عليه السلام) أن لا وصية لوارث وبيّن لنا ذلك رسول الله ونسخ عنّا فرض الوصيّة أيضاً.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
يقال لابي علي الجبائي:
إنّ هذا الحديث الّذي قد ذكرته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لا وصية لوارث ينقض بعضه بعضاً، وهو يقتضي أنّه حديث مكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو مما يستحيل العمل بجميع ظاهره، وإذا كان لا بدّ من تأويله على خلاف الظاهر فهلاّ ذكرتَ له
____________
(1) البقرة: 2 / 180.
لانّ ظاهره يقتضي أن تكون الوصية في حال يكون الموصى له وارثاً، وهذا متعذر ; لان الوصي يوصي وهو حيّ وما انتقل ماله ولا ما أوصي به إلى غيره حتّى يسمّى الّذي يوصى له أنّه وارث، فلا بدّ أن يقول: إنّ معناه لا وصية لمن يمكن أن يكون وارثاً.
أقول:
وإذا قلت: إنّه لا وصية لمن يمكن أن يكون وارثاً، بطلت الوصية للقريب والبعيد وذهب حكم كتاب الاوصياء في هذا وأحكام الوصية به في الاسلام، لانّه لا يوجد أحد من المسلمين إلاّ ويمكن أن يكون وارثاً في وقت دون وقت.
ومثال ذلك: أنّه إذا فقد ذووا السهام من أهل المواريث كان الوارثون ذووا الارحام على الخلاف في ترتيبهم، وإذا فقد ذووا الارحام كان ميراث الانسان إمّا لبيت المال وهو عائد على إمام الوقت وإلى سائر المسلمين أو إلى فقراء المسلمين على بعض المذاهب، فإذن تكون الوصية ساقطة في ملّة الاسلام لهذا الحديث المتهافت في العقول والافهام.
أقول:
وإن قال: إنّما المراد من يكون عند وفاة الميّت وارثاً.