الفصل الثاني
صلاةُ التراويح..
موقف النبي وأهلِ بيتِهِ منها
1ـ موقف النبي من صلاةِ التراويح أ ـ النبيُّ يحثُّ على إخفاءِ النوافلِ في البيوت ب ـ النبيُّ يصلّي نوافلَ شهرِِ رمضانَ منفرداً ج ـ النبيُّ يغضبُ لالتحاقِ البعضِ به في النافلة خلسةً د ـ النبيُّ لم يصلِّ التراويحَ عندَ كثيرٍ من أئمةِ مدرسةِ الصحابة 2ـ أمير المؤمنينَ عليٌّ ينهى عن صلاةِ التراويح 3ـ أهل البيتِ يؤكدونَ عدمَ مشروعيةِ صلاةِ التراويح 4ـ التراويح بدعة بإجماعِ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيت |
نظرة
على الفصل الثاني
نتعرفُ من خلال هذا الفصل على موقفِ النبي (ص) وأهلِ بيته (ع) وعلماء مدرسة أهل البيت (ع) من صلاةِ (التراويح).
فنثبتُ أولاً: أنَّ النبي (ص) كانَ يحثُّ على إخفاءِ النوافلِ في البيوت، وهذا الأمرُ يتنافى مع الإعلان بنافلة الليل في شهر رمضان من خلال أدائها جماعةً.
ونثبتُ ثانياً: أنَّ النبي (ص) كان يؤدي نافلة الليل في شهر رمضانَ وغيره منفرداً طيلةَ حياته.
ونثبتُ ثالثاً: غضبَ النبي (ص) من المصلينَ الذينَ حاولوا الالتحاق بهِ في نافلةِ شهر رمضان، وكان ينهاهم عن أدائها جماعةً.
ونثبتُ رابعاً: أنَّ الكثير من علماء مدرسة الصحابة قد أقرّوا بأنَّ النبي (ص) لم يصلِّ (التراويح) في حياتهِ مطلقاً.
ومن ثمَّ نستعرضُ موقف الإمام علي (ع) الرادعِ عن أداءِ (التراويح)، وتصريحه بعدمِ ارتباط هذهِ الصلاة بالدين.
ومن بعد هذا نستعرضُ أحاديثَ أهل البيت (ع) في تأكيد عدم مشروعية (التراويح)، وعدّها (بدعةً) محدثةً في الدين.
وتبعاً لموقف أهل البيت (ع) أفتى علماء مدرستهم بعدم جواز أداء نوافل شهر رمضان جماعةً، وصرَّحوا بأنها (بدعةٌ) محدثة.
صلاةُ التراويح
(1)
موقف النبي (ص) من صلاةِ التراويح
هناك قرائنُ عديدةٌ تشيرُ إلى أنَّ رسولَ الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يؤدِ نافلةَ شهرِ رمضانَ المسماة بـ (التراويح) جماعةً، بل إنَّه نهى عن الإتيان بها على هذه الكيفية، وعدَّها (بدعةً) محدَثةً، ومن هذه القرائن ما يلي:
أ ـ النبي (ص) يحث على إخفاءِ النوافلِ في البيوت
إنَّ من الأُمور التي تؤيِّد منافاةَ صلاة (التراويح) لمبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها، وأنَّ رسولَ اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يسنَّها، هو الطائفةُ الكبيرةُ من الأحاديث النبوية التي دلَّت على حثِّ المسلمين على صلاة النوافل عموماً في البيوت؛ لأنَّ هذا الأمرَ أقربُ للإخلاص، وأدعى للقبول. بل قد وردَ النهي من قبل رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) عن صلاة النوافل جماعةً، لمّا رأى بعضَ الأصحاب يصلّون خلفه خِلسةً، ووجَّههم إلى إخفاءِ النوافل، وعدمِ تشريع الجماعةِ فيها، كما سيأتي بيانُه.
وقد وردَت رواياتٌ كثيرةٌ في كتب مدرسةِ الصحابة تدلُّ على استحباب إخفاءِ النوافل، والإتيانِ بها في البيوت، وأفتى بهذا الأمر علماءُ هذه المدرسة في مصنفاتهم، فقد وردَ في (صحيح مسلم) أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قالَ:
(إذا قَضى أحدُكم الصلاةَ في مسجدِهِ، فليَجعلْ لبيتِهِ نصيباً من صَلاتِهِ، فإنَّ اللهَ جاعلٌ من صَلاتِهِ في بيتِهِ خَيراً)(1) .
____________
(1) مسلم، صحيح مسلم، ج: 2، ص: 187، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.
والذي يتضحُ من ظاهر الحديث أنَّ المقصودَ بالصلاة التي ندبَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) المسلمينَ إلى إخفائها في البيوت هي (النوافل)، باعتبار أنَّ التي يقضونها في المسجد هي الصلاةُ المكتوبة.
وفي سُنن (أبي داود) عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
(عَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكُم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ المكتوبة)(1) .
ووردَ في (الترغيب والترهيب) عن (عبد اللّه بن مسعود) أنَّه قالَ:
(سألتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ:
ـ أيُّما أفضلُ: الصلاةُ في بيتي، أو الصلاةُ في المسجد؟ قالَ:
ـ ألا تَرى إلى بيتي ما أقربَهُ منَ المسجدِ، فَلأنْ أُصلّي في بيتي أحبُّ إليَّ من أنْ اُصلّيَ في المسجد، إلا أنْ تكونَ صلاةً مكتوبةً).
ثمَّ قالَ:
(رواه أحمدُ وابنُ ماجة وابنُ خزيمة في صحيحه)(2) .
وجاءَ فيه أيضاً:
(وعن أبي موسى رضيَ اللّهُ عنهُ قالَ: خرجَ نفرٌ من أهلِ العراقِ إلى عمر، فلَّما قَدِموا عليهِ يسألونَ عن صلاةِ الرجلِ في بيتِهِ، فقالَ عمرُ: سألتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، فقالَ: أمّا صلاةُ الرجلِ في بيتِهِ فنورٌ، فنوِّروا بيوتَكُم).
ثمَّ قالَ:
(رواه ابنُ خزيمةُ في صحيحه)(3) .
____________
(1) أبو داود، سنن أبي داود، ج: 2، ص: 69، ح: 1447. (2) المنذري،الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: 1، ص: 379، ح: 4. (3) المنذري، الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: 1، ص: 379، ح: 5.
وفي (كنز العمال):
(سُئلَ عمرُ عن الصلاةِ في المسجدِ فقالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: الفريضةُ في المسجد، والتطوعُ في البيت)(1) .
وجاءَ في مسند (أحمد بن حنبل):
(صلّى رسولُ اللّهِ صلاةَ المغربِ في مسجدِ بني الأشهل، فلمّـا صلّى قامَ ناس يتنفّلونَ، فقالَ النبيُّ: عليكم بهذه الصلاة في البيوت)(2) .
من هنا رأى بعضُ علماءِ مدرسة الصحابة أفضليةَ قيامِ المرءِ في رمضانَ بيته على صلاةِ (التراويح) المدَّعاة، فقد قالَ مالكُ وأبو يوسفَ وبعضُ الشافعية:
(إنَّ فعلَها (الصلاةَ ليلاً في رمضانَ) فرادى في البيت أفضلُ، لحديثِ: خيرُ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبة)(3) .
وقالَ (ابنُ قدامة) في (المغني):
(والتطوعُ في البيتِ أفضلُ لقولِ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: عَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكُم فانَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلا المكتوبة، رواه مسلم، وعن زيد بن ثابت أنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: صلاةُ المرءِ في بيتِهِ أفضلُ من صلاتِهِ في مسجدي هذا إلاّ المكتوبة، رواه أبو داود)(4) .
____________
وانظر: كنز العمال، ج: 8، ح: 23360، ص:384. (1) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 8، ح: 23363، ص: 384. (2) ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، ج: 5، ص: 427. (3) راجع: صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 6، ص: 39 - 40، وفتح الباري للعسقلاني، ج: 4، ص: 252، والتاج الجامع للأصول لناصيف، ج: 2، ص: 67. (4) ابن قدامة، موفق الدين، المغني، ج: 1، ص: 775.
ومن هنا أفتى (الشافعي) باستحباب الانفرادِ بنافلةِ شهر رمضانَ، فقالَ:
(صلاةُ المنفردِ أحبُّ إليَّ منهُ).
وشنَّعَ (ابنُ داود) على (الشافعي) في هذه المسألة فقالَ:
(خالفَ فيها السُنَّةَ والإجماعَ)(1) .
وجاءَ في (فضائل الأوقات) عن فعل صلاة (التراويح) في الجماعة:
(فأمّا من كانَ حافظاً، فقد ذهبَ ابنُ عمر أنَّ فعلَها بالانفراد أولى)(2) .
وعن (الفائق في غريب الحديث) للـ (الزمخشري):
(في حديثِ أنسٍ رضيَ اللهُ تعالى عنه: أنَّه سُئلَ عن التعقيبِ في رمضانَ، فأمرَهم أنْ يصلّوا في البيوت)(3) .
ورُويَ في (شرح نهج البلاغة) عن النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنَّه قالَ:
(فَضلُ صلاةِ المتطوِّعِ في بيتِهِ على صلاةِ المتطوعِ في المسجدِ كفضلِ صلاةِ المكتوبةِ في المسجدِ على صلاتِهِ في البيت)(4) .
وفسَّرَ (المحب الطبري) هذا الحديثَ بالقول:
(فيه دلالةٌ ظاهرة على أنَّ النافلةَ في البيت تُضاعَف تضعيفاً يزيدُ على الألف؛ لأنَّ المصطفى صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فضَّلها على الصلاةِ في مسجده، والصلاةُ فيه بألفِ صلاة)(5) .
____________
(1) الطوسي، أبو جعفر ، الخلاف، ج: 1، ص: 527، مسألة: 267، عن: المجموع، 4، ص: 5. (2) البيهقي، فضائل الأوقات، ص: 269. (3) الزمخشري، جار الله، الفايق في غريب الحديث، ج: 2، ص: 387. (4) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة للإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، ج: 12، ص: 284. (5) المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، تحقيق: أحمد عبد السلام، ج: 4، ص: 296.
وفي (شرح النهج) أيضاً عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
(إنَّ أفضلَ النوافلِ ركعتان يُصليهُما المسلمُ في زاويةِ بيتِهِ، لا يعلمُها إلاّ اللهُ وحدَه)(1) .
وأضافَ معللاً ذلك بالقول:
(قالَوا: ولأنَّها إذا صُليت فرادى، كانت الصلاةُ أبعدَ من الرياءِ والتصنُّع)(2) .
ولا يخفى على من أدركَ سرَّ العبادات المسنونة في الإسلام، ودورَها في تهذيب النفس الإنسانية، ما يهدفُ إليه إخفاءُ النوافل عن الأنظار، والانفرادُ بها مع خالقه، فهوَ من أبرز مظاهرِ الإخلاصِ بينَ العبد وربه.
يقولُ السيد (شرف الدين العاملي):
(إنَّ فائدة إقامتها في البيت فرادى هي أنَّ المصلّي حينَ يؤديها ينفردُ بربِّه عزَّ وعلا، يشكو إليه بثَّه وحزنه، ويناجيه بمهماته مهمةً مهمة؛ حتى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأً من اللّه تعالى إلا إليه، ولا منجي منه إلا به؛ لهذا ترك اللّهُ السننَ حرةً من قيد الجماعة، ليتزوّدوا فيها من الانَّفرادِ باللّه ما أقبلت قلوبُهم عليه، ونشطت أعضاؤُهم له، يستقلُّ منهم مَن يستقل، ويستكثرُ مَن يستكثر، فإنَّها خيرُ موضوع، كما جاءَ في الأثر عن سيّد البشر، أمّا ربطُها بالجماعة فيَحدُّ من هذا النفع، ويقلِّلُ من جدواه.
____________
(1) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة للإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، ج: 12، ص: 285. (2) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة للإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، ج: 12، ص: 285.
أضف إلى هذا أنَّ إعفاءَ النافلة من الجماعة يمسكُ على البيوت حظَّها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويمسكُ عليها حظَّها من تربية الناشئة على حبِّها والنشاط لها، ذلك لمكانِ القدوة في عمل الآباء والأُمهات والأجداد والجدّات، وتأثيره في شد الأبناء إليها شدّاً يرسّخها في عقولهم وقلوبهم)(1) .
ولا يمكنُ الإدّعاءُ بأنَّ هذهِ الروايات التي دلَّت على استحباب أداءِ النوافل في البيوت مطلقةٌ، فتُقيَّدُ بما دلَّ على استحباب صلاة (التراويح) المدَّعاة؛ لأنَّه لا يوجدُ أيُّ سندٍ شرعي، ودليلٍ صحيحٍ على كون النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد صلّى هذهِ النافلةَ في حياته الشريفة، أو سنَّها للمسلمين من بعده، غيرَ ما يُدعى بهذا الشأنَّ من النَّزر القليل المفتَعل من الأحاديث التي يتشبثُ بها البعضُ، إذ الغريقُ يتشبثُ بكل حشيش!! بل سيأتي أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد نهى أصحابَه عن هذه الصلاة من خلال جملةٍ من المواقفِ والأحاديث.
ب ـ النبي (ص) يصلي نوافلَ شهرِ رمضانَ منفرداً
جاءَ في (الفقه الإسلامي وأدلته) للدكتور (الزحيلي) عن (ابن عباس) أنَّه قالَ متحدثاً عن صلاة رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) في شهر رمضانَ وفي غيره من الشهور:
____________
(1) الموسوي، شرف الدين، مجلة رسالة الإسلام، دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، السنة الثامنة، العدد الثاني، شهر رمضان: 1375 هـ، ابريل: 1956م، ص: 138 - 142. وانظر:جعفر السبحاني، صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة، ص: 60 - 61.
(كانَ يصلي في شهر رمضانَ، في غير جماعة، عشرينَ ركعةً والوتر)(1) .
فقيدُ (في غيرِ جماعةٍ) في هذا النَّص مؤشرٌ على أنَّ النبيَّ الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يشرِّع صلاةَ (التراويح)، ولم يأتِ بها.
وتتحدثُ (عائشة) عن صلاة رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) في شهر رمضانَ، فلا نرى في حديثها أيَّةَ إشارةٍ الى (التراويح) من قريب أو من بعيد، بل على العكسِ من ذلكَ نجدُ أنَّ حديثَها يدلُّ على أنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) كانَ يصلّي نافلةَ شهر رمضان وغيره من الشهور من غير جماعةٍ.
ولو كانَ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد صلّى هذهِ النافلةَ في المسجد، أو في أيِّ مكانٍ آخر، لما كانَ يخفى علينا خبرُ هذهِ الصلاة، ولوردَ نقلُه في كتب الحديث في غاية الوضوح، ولكنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يشرِّع هذهِ الصلاة، بل جاءَ العكسُ على ذلك، فقد روى (البخاري) عن (عائشة) في صحيحه قائلاً:
(حدثنا إسماعيل، قالَ: حدّثني مالك عن سعيد المغبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنَّه سألَ عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها:
ـ كيفَ كانت صلاةُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ في رمضانَ؟
فقالَت:
ـ ما كانَّ يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعةً، يُصلّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنهِنَّ وطولهِنَّ، ثمَّ يُصلّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنهِنَّ وطولهِنَّ، ثمَّ يُصلّي ثلاثاً، فقلتُ: يا
____________
(1) الزحيلي، د. وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج: 2، ص: 44. وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، ج: 3، ص: 53.
رسولَ اللّهِ أتنامُ قبلَ أنَّ توتر؟ قالَ:يا عائشةُ ! إنَّ عينيَّ تنامانِ ولا ينامُ قَلبي)(1) .
ج ـ النبي (ص) يغضب لالتحاقِ البعضِ به في النافلة خلسةً
وردَ في (صحيح مسلم) عن (زيد بن ثابت) أنَّه قالَ:
(احتَجرَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ حجيرةً بخصفةٍ أو حصيرٍ (2)، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فيها، فتتبعَ إليهِ رجالٌ، وجاؤوا يصلّونَ بصلاتِهِ، قالَ: ثمَّ جاؤوا ليلةً فحضَروا، وأبطأَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفَعوا أصواتَهم، وحَصبوا (3) البابَ، فخرجَ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مُغضِباً فقالَ:
ما زالَ بكم صنيعُكم حتى ظننتُ أنَّه سيُكتبُ عليكم، فعَليكم بالصلاةِ في بيوتِكم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتهِ إلاّ الصلاة المكتوبة)(4) .
____________
(1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 252 - 253. وانظر: كنز العمال، ج: 7، ح: 17989، ص: 67. (2) أي: أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد اتخذ لنفسه حجرةً في المسجد، وقد حوَّطها بحصير، ليتسنى له الفراغ للعبادة، والانفراد بربِّه (جَلَّ وَعَلا)، والخلوة معه، من دون شاغلٍ للنظر. (3) أي: إنَّ الصحابة لما رأوا رسول الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد أبطأ بالخروج إليهم رفعوا أصواتهم مطالبين بخروجه، ورموا بابه بالحصى!! (4) مسلم، صحيح مسلم، ج:2، ص: 188، باب: استحباب الصلاة في بيته وجوازها في المسجد.
فمن هذا الحديث نفهمُ مجموعةً من المداليل التي تأتي في سياقِ عدمِ مشروعيةِ أداءِ نوافلِ شهر رمضانَ جماعةً، وهذهِ المداليلُ هي:
1ـ إنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد اتخذَ إجراءاً احترازياً في أداء نوافل شهر رمضانَ منفرداً، من خلال اتخاذه زاويةً من زوايا المسجد، وتحويطها، وإبعادِها عن الأنظار.
2ـ إنَّ المصلين الذين التحقوا بالنبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) كانوا قد تسلَّلوا إليه في أثناء أدائه للصلاة، وتتبعوا أثرَه فيها، من دون علمٍ منه، فهو (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم ينوِ إمامتَهم في الصلاة، ولا جمَعهم عليها، وإنَّما كانَ ذلك فضولاً وتطفُّلاً منهم في ذلك، أي إنَّ الصلاةَ كانت بمبادرةٍ من طرف واحدٍ فقط، وهم هؤلاءِ الثلةُ المتطفلون وحسب.
ويؤيدُ ذلك ما ذكره (الحميدي) في (الجمع بين الصحيحين) في مسند (أنس بن مالك) من (المتفق عليه) حيثُ يقولُ:
(كانَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ يُصلّي في شهرِ رمضانَ، فجئتُ فقمتُ إلى جنبه، وجاءَ رجلٌ آخرُ فقامَ أيضاً، حتى كنّا رهطاً، فلما أحسَّ النبيُّ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ أنَّا خلفَه جعلَ يتجوَّزُ في الصلاة، ثمَّ دخلَ رحلَه فصلّى صلاةً لا يصليها عندنا، فقلنا لهُ حينَ أصبحنا:
ـ أفطنتَ لنا الليلةَ؟ فقالَ:
ـ نعم، ذلكَ الذي حمَلني على الذي صنعتُ)(1) .
____________
(1) ابن طاووس الحسني، رضي الدين علي بن موسى، الطرائف في معرفة المذاهب والطوائف، ص: 456 ـ 457، والحديث في المسند برقم: 109، ورواه مسلم في صحيحه، ج: 2، ص: 775.
ففي هذه الرواية دلالةٌ صريحةٌ على عملية التسلُّلِ في الخفاء، التي كانَ يقومُ بها بعضُ الصحابة في ليالي شهر رمضانَ لقطعِ خلوةِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) مع الله (جَلَّ وَعَلا)، ومن أجلِ الاقتداء القسري بهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) على أحسنِ التقادير، أو الصلاة إلى جانبه كما هو ظاهرِ الحديث، وأنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) بمجرد أنْ فطنَ إلى وجودهم خلفه دخلَ رحلَه الخاصَّ به، ولم يعاود الخروجَ إليهم!!
فماذا يريد المرء أكثرَ دلالةً وبياناً من هذا الفعل الصريح على عدم مشروعيةِ الاقتداءِ في نافلة شهر رمضانَ؟!! بل فهمَ البعضُ أنَّ الإتمام لم يتمَّ أصلاً، وإنَّما المقصود من قولِ الحديث: (وجاؤوا يصلّونَ بصلاتِهِ) أنَّهم يصلّون (مع صلاته)، فهم يصلّونَ فرادى لا جماعةً، وهذا التفسير مدعومٌ بقولِ (ابن حجر) في (فتح الباري):
(مقتضاه أنَّهم كانوا يصلّونَ بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها).
وهو تفسير وجيه ذكره الشيخ (علي آل محسن) بقوله:
(قوله: يصلّونَ بصلاته، لا يدلُّ على أنَّهم كانوا يصلّونَ معه جماعةً، بل كانوا يصلّونَ مع صلاته، فهم يصلّونَ فرادى، فالباءُ في صلاتهِ بمعنى (مع)، مثل قولهم: (بعتُكَ الدارَ بأثاثها)، أي: معَ أثاثها؛ لأنَّ صلاة الجماعةِ لا تتمُّ والإمامُ داخلُ الحجرة، والمأمومونَ خارجها)(1) .
3 ـ إنَّ ذلك الإئتمام التطفُّلي ـ على فرضِ حدوثه ـ لم يحصل على ضوء هذه الرواية إلاّ ليلةً واحدةً فقط، ومن بعدها عالجَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) الموقفَ في الليلة الثانية من دون فصل، لخطورةِ الأمرِ وفداحته.
____________
(1) آل محسن، علي، مسائل خلافية حارَ فيها أهلُ السُنَّة، ص: 166.
وهناك رواياتٌ أخرى ذكرت أنَّ ذلك الأمرَ قد حدثَ لأكثر من ليلةٍ واحدةٍ، ففي (صحيح البخاري) عن (عائشة) أنَّها قالَت عن صلاةِ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لنوافل شهر رمضانَ:
(صلّى ذاتَ ليلةٍ في المسجد وصلّى بصلاتِهِ ناسٌ، ثمَّ صلّى من القابلةِ فكثُرَ الناسُ، ثمَّ اجتمعوا من الليلةِ الثالثةِ أو الرابعة، فلم يخرجْ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ)(1) .
وهناك رواياتٌ أخرى قريبةٌ من هذا المضمون أيضاً، وانْ كانت تختلفُ في عدد الليالي، وتواليها، ومواضعِها من شهر رمضانَ، مما يدعو لعدم الوثوق إلاّ بالقدر المتيقَنِ منها على أحسن التقادير، وهو حسب رأينا عدمُ تجاوزِ الليالي لأصابع اليدِ الواحدة؛ لأنَّها معضَدةٌ برواياتٍ مشابهة وردَت بطرقٍ معتبرة عن أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ)، ولأنَّ أكابرَ علماءِ (مدرسة الصحابة) يعتبرونها الشاهدَ الأساسيَّ في المقام.
ومن هذه الروايات ما وردَ في (صحيح البخاري) عن (عائشة) عن رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنَّه:
(خرجَ ليلةً في جوفِ الليلِ فصلّى في المسجد، وصلّى رجالٌ بصلاتِهِ، فأصبحَ الناسُ فتحدّثوا، فاجتمعَ أكثرَ منهم، فصلّى وصلّوا معه، فأصبحَ الناسٌ فتحدّثوا، فكثُرَ أهلُ المسجدِ من الليلةِ الثالثة، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، فصلّى وصلّوا بصلاتِهِ، فلمّا كانت الليلةُ الرابعةُ عجزَ المسجدُ عن أهلِهِ، حتّى خرجَ لصلاةِ الصبح، فلمّا قضى الفجرُ أقبلَ على الناسِ فتشهدَ، ثمَّ قالَ: أمّا بعدُ، فإنَّه لم يخفَ عليَّ مكانُكم، ولكنّي خشيتُ
____________
(1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 49، باب: تحريض النبي على صلاة الليل.
أنْ تُفرضَ عليكم فتَعجزوا عنها. فتُوفّيَ رسولُ اللّهِ والأمرُ على ذلك)(1) .
وسواءٌ أكانت ليلةً واحدةً كما في الرواية محل البحث أم أكثر من ذلك بيسير، فإنَّ النتيجةَ هي أنَّ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد بادرَ إلى معالجة الموقف، ونهى الناسَ عن أداء النافلة جماعةً بأي نحوٍ من التعليل كان.
وإنْ كانَ لنا تحفُّظٌ على أصل التعليل الوارد في مجموع هذه الروايات، حيثُ إنَّ هذه الروايات قد أناطت رفعَ التكليف عن أداءِ النافلة جماعةً بمخافة النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) من أنْ تُفرض على الأُمة، وهذا الأمرُ يتنافى مع فهمنا لواقع التشريع الإلهي المرتبط بالمصالح والمفاسد العامة للبشرية في مختلف الأمكنة والأزمنة، والذي لا علاقةَ له بميول ثلةٍ من المصلين، دفعتهم الرغبةُ الآنيةُ للائتمام بالنوافل في ليالي شهر رمضانَ، إذ لا يُعقل أنَّه كلما تتولد رغبةٌ عند مجموعةٍ من الناس في أداء عبادةٍ معيّنةٍ فأنَّ ذلك يستدعي قربَ فرضِها عليهم، ولماذا لا ينهى النبيُّ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أصحابه عن الإتيان ببقية النوافل الراتبةِ خشيةَ أنَّ تُفرض عليهم، فتصير واجبةً بمجرّد مواظبتهم عليها، لو كانَّ هناك صدقيةٌ حقيقيةٌ لهذه الصلاة بالكيفية المذكورة، إذ انَّ ملاكَ الخشيةِ من الافتراض جارٍ في كلتا الحالتين، فمجردُ الخشية من الافتراض لا يمكنُ له أنْ يكونَ مبرراً لعدول النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) عن تشريعِ أمرٍ إلهي مستحبٍ، ومرغوبٍ فيه.
هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر، فإنَّ الصلواتِ المفروضةَ على المسلمين قد تمَّ الفراغُ منها، وحُددت عن طريق القرآنِ الكريم، والأحاديثِ الشريفة، ومن أبرزِها حديثُ الإسراءِ المشهور، فعن (أنس بن مالك) قالَ:
____________
(1) البخاري، صحيح البخاري:ج: 3، ص: 45، باب: فضل من قام رمضانَ.
(فُرضت على النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسريَ بهِ الصلواتُ خمسين، ثمَّ نقصت حتّى جُعلت خمساً، ثمَّ نُوديَ:
ـ يا محمد! إنَّه لا يُبدَّلُ القولُ لديَّ، وإنَّ لك بهذهِ الخمس خمسين)(1) .
وعلى فرضِ صحة ما وردَ في هذه الأحاديث من خشيةِ الافتراض، فلعلَّ المرادَ بها هو:
(النهي عن التكلُّف فيما لم يَرد فيه أمرٌ، والتحذيرُ من ارتكابِ البِدعةِ في الدين)(2) .
فالنبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) كانَ يبالغُ في ردع هؤلاءِ المصلين، ويحذرُهم من التمادي في طلبِ الأُمورِ غير المشروعة، والوقوعِ في البِدع، من خلال هذا اللون من الخطاب.
4ـ بعد أنْ علمَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنَّ هذه الثلةَ جاءَت مرةً أخرى لأداءِ النوافل جماعةً أبطأَ في الخروج إليهم، لكي يكونَ في ذلك دليلاً لهم على عدم رغبتِهِ في استمرارهم في هذا الأمر غيرِ المشروع، فـ (الإبطاءُ) في الخروج قرينةٌ قويةٌ على عدم مشروعيةِ (التراويح) أيضاً.
وإذا لاحظنا (القرآن المجيد) نجدُ أنه يتنافى مع أمر (الإبطاء) هذا فيما لو كان العمل راجحاً، وذلك من جانبين:
فمن الجانب الأول: نرى أنَّ اللهَ (جَلَّ وَعَلا) يأمر عباده الصالحينَ بالمسارعة في طلب الآخرة والجنة، ومن ذلكَ قوله (جَلَّ وَعَلا):
____________
(1) الترمذي، سنن الترمذي:ج: 1، ص: 417، باب: كم فرض اللّه على عباده من الصلوات، ح: 213. (2) الطبسي، نجم الدين، صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة، ص: 15.
(وَسارِعُوا إلى مَغفرَةٍ من ربِّكُم وَجنَّةٍ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ أُعدَت للمتَّقينَ)(1) .
وقولُه (جَلَّ وَعَلا):
(سابِقُوا إلى مَغفرةٍ من ربِّكُم وجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِِ السماءِ والأرضِِ أُعدت للذينَ آمنوا باللهِ ورُسُلِهِ ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يَشاءُ واللهُ ذو الفضلِِ العَظيمِ)(2) .
ووردَ وصف الله (جَلَّ وَعَلا) لهؤلاءِ المؤمنينَ بالقول:
(أولئكَ يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَهم لَها سابقونَ)(3) .
فلو كانَ أمرُ (التراويح) مشروعاً ومندوباً، فكيفَ يُعقل أن يتباطأ عنه رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) مع هذه الدعوة القرآنية الصريحة للـ (مسارعةِ) والـ (مسابقةِ) في الخيرات التي وجهها الله (جَلَّ وَعَلا) لعباده المؤمنينَ، وهو (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) على رأس المؤمنينَ؟
ومن الجانب الثاني: نرى أنَّ هذا الإبطاء يتنافى مع الوصف الملازم للأنبياء، ويدلُّ على أنَّ (التراويح) ليست بـ (خير)، إذ لو كانت (خيراً)؛ لما أبطأَ عنها وهو سيد المرسلين وخاتَم النبيين.
قال (جَلَّ وَعَلا) في وصف أنبيائه:
(إنَّهم يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَيدعوننا رَغَباً وَرَهَباً وَكانوا لَنا خاشِعينَ)(4) .
5ـ إنَّ رفعَ هؤلاءِ الثلة أصواتَهم أمامَ بيت النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ومن ثمَّ رشقهم بابَ بيته بالحصى، لهوَ من الأدلة على المستوى الخُلقي والديني المتدنّي الذي
____________
(1) آل عمران / 133. (2) الحديد / 21. (3) المؤمنون / 61. (4) الأنبياء / 90.
كانَ يتصفُ به هؤلاءِ المحتجُّون، وإنَّ هذا السلوكَ المشين تجاه أطهرِ إنسانٍ أنجبته البشريةُ لهوَ من أقوى الأدلة على أنَّ هؤلاءِ القوم إنَّما أصرّوا على تنفيذ رغباتهم الذاتية، بقطع النظر عن رضا حاملِ لواءِ الشريعة، ولا شكَ أنَّ هؤلاء هم أكثرُ الناسِ ابتهاجاً بصلاة (التراويح) التي ابتُدعت فيما بعد في زمن خلافة (عمر بن الخطاب)، لأنَّها جاءَت ملبّيةً لرغبتهم الساذجة، وأهوائهم المضلة، التي دفعتهم إلى انتهاك حرمةِ الساحةِ المقدّسة لمن أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمين، ولا شكَ أنَّ هؤلاءِ كانوا يشكلونَ النواةَ الأُولى لإقامة صلاة (التراويح)، وهم الذين روَّجوا لها، وهلَّلوا، وكبَّروا لاستقبالها؛ لأنَّها أيقظت ما توارى من إصرارهم المبطَّن، وإلحاحهم الدفين.
جاءَ في كتابِ الله المجيد بصددِ تبجيل رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، وتوقيره، وتجليله:
(فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعزَّرُوه وَنَصَرُوهُ واتَّبَعوا النُّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَه أُولئِكَ هُمُ المُفلحُون)(1) .
وقد ذكرَ المفسرونَ أنَّ المرادَ من (التعزير) الوارد في هذه الآية ليس مطلقَ النصرة، إذ انَّه أُفرد عن قوله: (نصروه)، ولو كانَ بمعنى مطلق النصرة لما كانَ هناكَ داعٍ للتكرار، فالمراد من (التعزير) هو التبجيلُ، والتوقيرُ، والتعظيمُ، أو النصرةُ مَعَ التعظيم(2) .
كما ذكرَ (القرآنُ المجيد) الأدبَ الخاص الذي ينبغي أنْ يتعاملَ به المسلمونَ مَعَ رسولِ الإنسانية (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، والمكانةَ التي يتحتمُ عليهم حفظُها له،
____________
(1) الأعراف: 157. (2) قالَ (الطباطبائي) في تفسير الميزان، ج: 8، ص: 296: (التعزير: النصرة مَعَ التعظيم)، وقالَ (الطبرسي) في مجمع البيان، ج: 4، ص: 604: (وعزروه: أي عظموه ووقروه ومنعوا عنه أعداءه)، وقالَ (أبو حيان الأندلسي) في البحر المحيط، ج: 5، ص: 196: (وعزروه أثنوا عليه ومدحوه)، وقالَ (ابن كثير) في تفسير القرآن العظيم، ج: 9، ص: 265: (ونصروه: أي عظموه ووقروه).
ورعايتُها بشأنِه، فقد وردَ النهي عن أنْ يرفعوا أصواتَهم فوق صوته، أو يجهروا له بالقول؛ لأنَّ ذلك سيكونُ مدعاةً الى أنْ تحبَطَ أعمالُهم، بخلافِ أولئك الذين يُظهرون أمامَه الأدبَ الرفيع، ويغضّونَ أصواتَهم عنده، كما يقولُ اللّهُ (جَلَّ وَعَلا):
(يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبي وَلا تَجهَرُوا لَهُ بالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أنْ تَحبَط أَعمالُكُم وَأنتُم لا تَشعُرُونَ* إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهُم لِلتَّقوى لَهُم مَّغفِرةٌ وأَجرٌ عَظيمٌ)(1) .
كما وردَ النهي في (القرآنِ المجيد) عن أنْ يُدعى النبيُّ الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) باسمه كما يُدعى سائرُ الناس، وذلكَ في قوله (جَلَّ وَعَلا):
(لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضاً)(2) .
وكذلكَ وردَ النهي عن التسرُّعِ في إبداء الرأي والنظرِ بين يديه، كما قالَ (جَلَّ وَعَلا):
(يا أَيُّها الَّذِينَ آمنُوا لا تُقدِّموا بَينَ يَديِ اللّهِ ورسُولهِ واتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سميعٌ عليمٌ)(3) .
فأينَ هؤلاءِ المحتجّونَ على عدم خروج النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لأداء النوافل جماعةً من كلِّ هذا؟!
وماذا يقولُونَ للهِ (جَلَّ وَعَلا) بعد أنْ رشقوا بابَ النبي الخاتَمَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) بالحصى، وتعالت أصواتُهم بالاعتراضِ والاحتجاج؟؟!
____________
(1) الحجرات: 2 ـ 3. (2) النور / 63. (3) الحجرات / 1.
6ـ ومن القرائن المهمة في هذا المقام هو الهيئةُ التي خرجَ عليها رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، فقد خرج مُغضباً، ومن دون شكٍ أنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لا يغضبُ لأمور الدنيا، ولا للتجاوز على حرمته الشخصية، وإنَّما يغضبُ لأنَّه يرى دينَ اللهِ مهدَّداً من داخل الكيانِ الإسلامي، ويغضبُ لأنَّ القومَ كانوا يريدون أنْ يبدِّلوا شريعةَ السماء حسبَ أهوائهم ورغباتهم، ويغضبُ لأنَّه يريدُ أنْ يقولَ للأجيال القادمة: أنْ لا تتلاعبوا بالتشريع، ولا تجتهدوا في مقابل النص، ولا يأتينَّ عليكم يومٌ تبدِّلونَ فيه سُنَّتي، وتُغيِّرون شريعةَ ربِّكم وربي، فتبتدعوا قيامَ نوافل الليل جماعةً، وتورِّثوا ذلك للأجيال من بعدكم، فتختلطَ الأمورُ، ويلتبسَ الموقفُ، ويمتزج الحرامُ بالحلال!!
د ـ النبي (ص) لم يصل التراويحَ في نظرِ كثير من أئمةِ مدرسةِ الصحابة
صرَّح إمامانِ كبيرانِ من أئمة (مدرسة الصحابة) وهما (مالك) و(الشافعي) بأنَّ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد نهى القومَ عن أداء صلاة (التراويح) بالكيفيَّة المذكورة، وأنَّه قد عنَّفهم على فعلها، وأمرَهم أنْ يصلّوا النوافلَ في بيوتهم على طبقِ تلك القاعدة العامة.
جاءَ في (المغني):
(وقالَ مالكُ والشافعيُّ: قيامُ رمضانَ لمن قويَ في البيتِ أحبُّ إلينا، لما روى زيدٌ بنُ ثابتٍ قالَ: احتجرَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ حجيرةً بخصفةِ أو حصير، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فيها فتتبعَ إليهِ رجالٌ، وجاءوا يصلّونَ بصلاتهِ.
قالَ: ثمَّ جاءوا ليلةً فحضروا، وأبطأَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ عنهم، فلم يخرجْ إليهم، فرفَعوا أصواتَهم، وحصبوا البابَ، فخرجَ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مُغضباً فقالَ:
ـ ما زالَ بكم صنيعُكم حتى ظننتُ أنَّه سيُكتبُ عَليكم، فعَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبةَ)، رواه مسلم)(1) .
ومما يدلُّ على أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يقم بالناس في نافلة شهر رمضانَ ما رُويَ في (كنز العمّال):
(عن أُبي بنِ كعب: أنَّ عمرَ بنَ الخطّابِ أمرَه أنْ يصلّيَ بالليل في رمضانَ، فقالَ:
ـ إنَّ الناسَ يصومونَ النهارَ، ولا يحسنونَ أنْ يقرأوا، فلو قرأتَ عليهم بالليل، فقالَ:
ـ يا أميرَ المؤمنينَ! هذا شيءٌ لم يكنْ!! فقالَ:
ـ قد علمتُ، ولكنَّه حَسَنٌ! فصلّى بهم عشرينَ ركعةً)(2) .
وجاءَ في (صحيح البخاري) في باب (فضل مَن قامَ رمضانَ):
(عن أبي هريرةَ رضيَ اللّهُ عنه انَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ:
ـ مَن قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه.
____________
(1) ابن قدامة، موفق الدين، المغني، ج: 1، ص: 800. وانظر نصَّ الحديث في صحيح البخاري، ج: 7، ص: 99، باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر اللّه، ح: 4، وكنز العمال، ج: 7، ح: 21541، ص: 816، وح: 21543، و 21545، ص: 817. (2) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 8، ح: 23471، ص: 409.
قالَ ابنُ شهاب: فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ على ذلك، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلكَ في خلافةِ أبي بكر، وصدراً من خلافةِ عمر رضيَ اللّهُ عنهما)(1) .
فقالَ (العسقلاني) في (فتح الباري) ضمن شرح الحديث ما نصه:
(قالَ ابنُ شهاب: فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ، في رواية الكشميهني: ـ والأمرُ ـ (على ذلك): أي على تركِ الجماعةِ في التراويح).
وأضافَ الى ذلك القول:
(ولأحمدَ من روايةِ ابنِ أبي ذئب عن الزهري في هذا الحديث: ولم يكنْ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ جمعَ الناسَ على القيام، وقد أدرجَ بعضُهم قولَ ابنَ أبي شهاب في نفس الخبر، أخرجَه الترمذي عن طريقِ معمَّر بنِ أبي شهاب)(2) .
فهذا تصريحٌ واضحٌ وصريح من (ابن حجر العسقلاني) بأنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يصلِّ هذهِ الصلاةَ، ولم يجمعِ الناسَ لها.
ثمَّ يضعِّفُ (ابن حجر) بعد ذلك الحديثَ المنتحل الذي يُروى فيه أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد استحسنَ هذهِ الصلاةَ حين رآها! فيذكرُ أنَّ لضعفه سببين:
الأول: إنَّ فيه (مسلمَ بن خالد) وهو ضعيف.
والثاني: إنَّ الحديثَ يذكرُ أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد جَمعَ الناسَ على (أُبي بنِ كعب)، بينما المعروف أنَّ (عمرَ) هو الذي صنع ذلك.
وقد قالَ في هذا المجال:
____________
(1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 249 - 250. (2) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 252.
(وأمّا ما رواه ابنُ وهب عن أبي هريرة: خرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، وإذا الناسُ في رمضانَ يصلّون في ناحية المسجد، فقالَ:
ـ ما هذا؟ فقيلَ:
ـ ناسٌ يصلّي بهم أُبي بنُ كعب، فقالَ:
ـ أصابوا، ونعمَ ما صنعوا.
ذكرَه ابنُ عبدِ البر، وفيه مسلمُ بنُ خالد، وهو ضعيف، والمحفوظُ أنَّ عمرَ هو الذي جمعَ الناسَ على أُبي بن كعب)(1) .
ولكي نطلعَ على حال (مسلم بن خالد) الذي روى أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد استحسنَ صلاةَ التراويح وأقرَّها، يكفينا أنَّ نطّلعَ على ما ذكره (المزي) في (تهذيب الكمال)، حيثُ يقولُ حوله:
(وقالَ علي بنُ المديني:
ـ ليس بشيء. وقالَ البخاري:
ـ منكرُ الحديث. وقالَ النسائي:
ـ ليسَ بالقوي. وقالَ أبو حاتم:
ـ ليسَ بذلك القوي، منكرُ الحديث، يُكتب حديثه ولا يُحتجُّ به، تعرفُ وتُنكرُ)(2)
وأضافَ (محقّقُ الكتاب) في الهامش:
(وذكره أبو زرعة الرازي في كتاب: أسامي الضعفاء)(3) .
____________
(1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج: 4، ص: 252. (2) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512. (3) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512، عن: أبو زرعة الرازي: 657.
(وكذلك ذكره العقيلي وابن الجوزي في جملة الضعفاء، وكانَ علي بن المديني يضعفه)(1) .
(وقالَ علي: سمعت ابن نمير يقولُ:
ـ مسلم بن خالد الزنجي ليس يُعبأ بحديثه)(2) .
(وقالَ البزاز:
ـ لم يكن بالحافظ. وقالَ الدارقطني:
ـ سيئ الحفظ، وساق له الذهبي في الميزان عدةَ أحاديث وقالَ:
ـ هذهِ الأحاديث وأمثالها تُردُّ بها قوةُ الرجل ويُضعف.
وذكره ابن البرقي في باب مَن نُسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه)(3) .
وذكر (النووي) في شرحه على (صحيح مسلم) ما نصه:
(قولُه: فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافةِ عمر، معناه: استمرَ الأمرُ هذه المدّة على أنَّ كلَّ واحدٍ يقومُ رمضانَ في بيته منفرداً، حتى انقضى صدرٌ من خلافةِ عمر، ثمَّ
____________
(1) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512، عن: المعرفة والتاريخ: 3 / 51. (2) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512، عن: تقدمة الجرح والتعديل: 323. (3) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 513 - 514.
جمعهم عمرُ على أُبي بن كعب، فصلّى بهم جماعةً، واستمرَ العملُ على فعلها جماعةً)(1) .
وقالَ (القسطلاني) في (إرشاد الساري):
(قالَ ابنُ شهاب الزهري: (فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك)، أي: على تركِ الجماعةِ في التراويح، ولغيرِ الكشميهني كما في الفتح: والناسُ على ذلك، (ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك) أيضاً (في خلافة أبي بكر) الصدّيق (وصدراً من خلافة عمر) رضيَ اللّهُ عنهما)(2) .
وقالَ في موضع آخر:
(قالَ عمرُ لما رآهم: (نعمَ البدعةُ هذه)، سمّاها بدعةً لأنَّه صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ لم يسنَّ لهم الاجتماعَ لها، ولا كانت في زمنِ الصدّيق، ولا أول الليل، ولا كل ليلةٍ، ولا هذا العدد)(3) .
فأينَ هو موضعُ صلاة (التراويح) من كلِّ ذلك، وأينَ الأصلُ المدّعى لها في الدين؟؟!
قالَ الله (جَلَّ وَعَلا):
(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلِسنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذينَ يَفتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ)(4) .
____________
(1) مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 3، ص: 40. (2) القسطلاني، شهاب الدين، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 655. (3) القسطلاني، شهاب الدين، إرشاد الساري، ج: 4، ص: 656. (4) النحل / 116.
(2)
أمير المؤمنينَ عليٌّ (ع) ينهى عن صلاةِ التراويح
من المتفق عليه أنَّ أميرَ المؤمنينَ علياً (عَليهِ السَّلامُ) هو أعلمُ الصحابة، وأفقهُهُم، وأقضاهم، بنصٍ من رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) على ذلك، وقد روى علماءُ (مدرسةِ الصحابة) في كتبهم بهذا الصدد الكثيرَ من الأحاديث التي تدلُّ على هذا المعنى، فمن ذلك أنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قالَ:
(أعلمُ أمتي بالسُنَّة والقضاءِ بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب)(1) .
وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
(أعلمُ أمتي من بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب)(2) .
وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) مخاطباً علياً (عَليهِ السَّلامُ):
(أنتَ تبَيِّنُ لأمتي ما اختلَفوا فيهِ بَعدي)(3) .
ورُويَ عن (أنس) أنَّه قالَ:
(قيلَ:
____________
(1) راجع: الاستيعاب، ج: 2، ص 29، والرياض النضرة: ج: 2، ص: 194، وتفسير النيسابوري في سورة الأحقاف، ومناقب الخوارزمي، ص: 48، وتذكرة الخواص، ص: 87، ومطالب السؤول، ص: 12، وفيض القدير، ج: 4، ص: 257، وأخرجه أحمد، والعقيلي، وابن السمّان. ولمزيد من الإطلاع انظر: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 141. (2) راجع: الخوارزمي في المناقب، ص: 49، ومقتل الحسين، ج: 1، ص: 42، والمتقي في كنز العمال، ج: 6، ص: 152. ولمزيد من الإطلاع انظر: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 140. (3) راجع: الحاكم في المستدرك، ج: 2، ص: 122، والذهبي في ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 472، والقندوزي في ينابيع المودة، ص: 203، وانظر لمزيد من الإطلاع على مصادر الحديث إحقاق الحق، ج: 6، ص: 52 - 55، وج: 16، ص: 435 و 436، وج: 20، ص: 318 و316. ولمزيد من الإطلاع انظر: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 142
ـ يا رسولَ اللّهِ، عمَّن نأخذُ العلمَ بعدَكَ؟ فقالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ:
ـ عن علي)(1) .
وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
(عليٌّ وعاءُ علمي، ووصيي، وبابي الذي أُوتَى منه)(2) .
وكانَ جميعُ الصحابة يقرّون لعلي (عَليهِ السَّلامُ) بالأعلمية، ويرجعون إليه عندما تشكلُ عليهم أُمورُ الدين، ويَقبلونَ حكمَه من دون توقف؛ لمعرفتهم بأنَّه بابُ مدينة علمِ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ووارثُ حكمته، وقد قالَ فيه (أبو الفضل بنُ العباس بنُ عتبة بنُ أبي لهب):
ما كنتُ أحســبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ عن هاشمٍ ثمَّ منها عــن أبي حَسَنِ
أليـــــــــسَ أولَ مَن صلّى لقبلتكم وأعلمَ الناسِ بالقرآنَّ والسُّـــــــننِ
وقد ثبتَ تاريخيا أنَّ أمير المؤمنينَ (عَليهِ السَّلامُ) قد نهى عن صلاة (التراويح)، وزجرَ الناسَ عندما رآهم يؤدّونها، فقد رُويَ أنَّه:
(لمّا اجتمعَ الناسُ على أميرِ المؤمنينَ (عَليهِ السَّلامُ) بالكوفةِ سألوه أنَّ ينصبَ لهم إماماً يصلّي بهم نافلةَ شهرِ رمضانَ، فزَجرَهم، وعرَّفهم أنَّ ذلكَ خلافُ السُنَّة، فتركوه، واجتمعوا، وقدَّموا بعضَهم، فبعثَ إليهم الحسنَ عَليهِ السَّلامُ، فدخلَ عليهم المسجدَ ومعه الدرّةُ، فلمّا رأوه تبادروا الأبوابَ وصاحوا: واعمراه)(3) !
____________
(1) الشاكري، حسين، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 143، عن العلامة قطب الدين شاه في قرة العينين، ص: 234. (2) الشاكري، حسين، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 140، عن كفاية الطالب، ص: 70 و 92، وشمس الأخبار، ص: 29. (3) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: 12، ص: 283، وانظر: التهذيب للشيخ الطوسي، ج: 3، ص: 70، ح: 227، ووسائل الشيعة للحر العاملي، ج: 5، ص: 192، ح: 2.
وروي عن الإمامين الباقر والصادق (عَليهما السلامُ) أنَّهما قالا:
(لما كانَ أميرُ المؤمنينَ بالكوفة أتاهُ الناسُ فقالَوا له:
ـ اجعلْ لنا إماماً يؤمُّنا في شهرِ رمضانَ، فقالَ:
ـ لا!! ونَهاهم أنَّ يجتمعوا فيه، فلما أمسَوا جَعلوا يقولُون:
ـ ابكُوا شهرَ رمضانَ! واشهرَ رمضانَاه!!
فأتى الحارثُ الأعور في أنَّاسٍ، فقالَ:
ـ يا أميرَ المؤمنينَ! ضجَّ الناسُ وكرهوا قولَكَ، فقالَ أميرُ المؤمنينَ عند ذلك:
ـ دعوهم وما يريدون، ليصلِّ بهم مَن شاؤوا، ثمَّ قالَ:
ـ ومَن يتبع غيرَ سبيلِ المؤمنينَ نولِّهِ ما تَولّى ونُصلِهِ جَهنَّمَ وساءَت مَصيراً)(1) .
ولنقرأ معاناةَ أميرِ المؤمنينَ (عَليهِ السَّلامُ)، ومشاعرَه التي تجيشُ بالألم واللوعة، من خلال ما وردَ عنه بهذا الشأنَّ:
(قد عَملت الولاةُ قَبلي أعمالا خالفوا فيها رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ متعمدينَ لخلافِهِ، ولو حَملتُ الناسَ على تركها لتفرَّقوا عنّي … واللّهِ لقد أمرتُ الناسَ أنَّ لا يجتمعوا في شهرِ رمضانَ إلا في فريضةٍ، وأعلمتُهم أنَّ اجتماعَهم في النوافل بدعةٌ، فتنادى بعضُ أهلِ عسكري ممن يقاتلُ معي: يا أهلَ الإسلام، غُيِّرت سُنَّةُ عمر! ينهانا عن الصلاةِ في شهر رمضانَ تطوعاً، ولقد
____________
(1) البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة، ج: 10، ص: 523.
خِفتُ أنَّ يثوروا ناحية جانب عسكري، ما لَقيتُ من هذهِ الأمةِ من الفرقة!! وطاعةِ أئمةِ الضلال!! والدعاةِ إلى النار) ؟! (1)
فأمير المؤمنينَ عليٌّ (عَليهِ السَّلامُ) ينصُّ هنا على كون الجماعة في نافلة شهر رمضانَ (بدعةٌ)، وأنَّ الجماعةَ لا تشرعُ إلا في الفريضة، ونصَّ في صدر هذا الحديثِ أيضاً على أنَّ هذهِ الأمور قد أصبحت بمثابة السُنَّة الثابتة في نظر عوام الناس، على الرغم من أنَّها لم تُشرَّع من قبل صاحب الرسالة (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، وأنَّه (عَليهِ السَّلامُ) كانَ يعاني من تمسك الناس بهذهِ البدع، وتركهم لسُنَّة رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ولكنَّه (عَليهِ السَّلامُ) يؤثرُ السكوتَ، ويفضّلُ الغضَّ عن ذلك، خوفاً من وقوع الفتنة بين المسلمين، وحفظاً لمصلحة الإسلام العليا.
(3)
أهل البيتِ (ع) يؤكدونَ عدمَ مشروعيةِ التراويح
ومن بعد هذا يأتي دورُ أهلِ البيت (عَليهِمُ السَّلامُ) في ردع هذه (البدعة) الدخيلة على الإسلام، وتأكيدِهم على نهي النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) عن الإتيان بها.
ولا يخفى مقامُ أهل البيت (عَليهِمُ السَّلامُ) على مسلمٍ موحّدٍ قط، ودورُهم في حفظ التشريعات الإسلامية وذبِّهم ودفاعهم عنها، وأنَّ اللهَ (جَلَّ وَعَلا) عصمَهم وطهَّرَهم تطهيراً، حيثُ يقولُ:
____________
(1) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: 5، ص: 193، ح: 4. وانظر: بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج: 93، ص: 384، ح: 1.
(إنَّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذهبَ عَنكمُ الرّجسَ أَهلَ الَبيتِ ويطهّركُم تطهيراً)(1) .
وأنَّهم قرناءُ الكتاب الكريم كما وردَ في (حديث الثقلين) المروي في أُمهات كتب المسلمين، حيثُ قالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
(إنَّي تاركٌ فيكم ما إنْ تَمسكتُم به لن تضلّوا بعدي، أحدُهما أعظمُ من الآخر: كتاب اللّهِ حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلَ بيتي، ولن يَفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما)(2).
وجاءَ في (حديث السفينة) عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
(النجومُ أمانٌ لأهل الأرض من الغرق، وأهلُ بيتي أمانٌ لأُمتي من الاختلاف)(3) .
ويصفُ لنا أميرُ المؤمنينَ عليٌّ (عَليهِ السَّلامُ) دورَ أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) وموقعَهم بالقول:
____________
(1) الأحزاب: 33، انظر (علي في الكتاب والسُنَّة)، ج: (1، ص: 411 - 424) نقلاً عن الترمذي في (الجامع الصحيح)، ج: 5، ص: 351، ح: 3205 و ص: 352، ح: 3206، وص: 663، ح 3787، وص: 699، ح: 3871، وفي مسند أحمد بن حنبل، ج: 1، ص: 330، و ج: 4، ص: 107.. والطبراني في المعجم الصغير ج: 1، ص: 65 و 134، وتاريخ بغداد، ج: 9، ص: 126، وفي فتح الباري ج: 7، ص: 60 وفي الإصابة ج: 2 ص: 169 و 503، و ج: 4، ص: 366، وغير ذلك من الكتب الحديثية المعتبرة عند أتباع (مدرسة الصحابة) فضلاً عن مصادرنا المتواترة بهذا الشأن. (2) الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، المجلد الخامس، ص: 612، ح: 3786. والمتقي الهندي في كنز العمال، ج: 1، ص: 381، ح: 1657. وقد أخرج الحفّاظ والمحدّثون هذا الحديث بطرق كثيرة صحيحة، حتى ناهز عدد رواته من الصحابة بضعة وثلاثين صحابياً وصحابية، راجع للتفصيل: مجلة (رسالة الثقلين)، العدد الرابع، ص: (112 - 119). (3) الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم على الصحيحين، ج: 3، كتاب معرفة الصحابة، ص: 151.
(هم عيشُ العلم، وموتُ الجهل، يخبرُكم حلمُهم عن علمهم، وظاهرُهم عن باطنهم، وصمتُهم عن حكمِ منطقِهم، لا يخالفون الحقَّ، ولا يختلفونَ فيه، وهم دعائمُ الإسلام، وولائجُ الاعتصام، بهم عادَ الحقُّ إلى نصابه، وانزاحَ الباطلُ عن مقامه، وأنَّقطعَ لسانُه عن منبته، عقلوا الدينَ عقلَ وعايةٍ ورعايةٍ، لا عقلَ سماعٍ ورواية)(1) .
من هنا كانَ طريقُ أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) أقربَ الطرق إلى معرفة حقائق التشريع؛ لأنَّ أهلَ البيت (عَليهمُ السَّلامُ) أدرى بما فيه، ولأنَّ كلَّ ما يُدلون به من أحاديث إنَّما هو مأخوذٌ من باب مدينة علم النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) وصيِّه علي (عَليهِ السَّلامُ)، وبالتالي مأخوذٌ عن مدينة العلم، وعن اللهِ (جَلَّ وَعَلا).
يقولُ الإمام جعفرٌ الصادقُ (عَليهِ السَّلامُ):
(حديثي حديثُ أبي، وحديثُ أبي حديثُ جدّي، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنينَ، وحديثُ أمير المؤمنينَ حديثُ رسولِ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ، وحديثُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ قولُ اللّه عزَّ وجلَّ)(2) .
وقد وردَ النهي الصريحُ في أحاديث أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) عن أداء (التراويح)، واعتبروها (بدعةً) محدَثة، ولا علاقةَ لها مع الدين الحنيف، وذلك من خلال مجموعةٍ من الأحاديث، منها ما رُويَ عن الإمام جعفرٍ الصادقِ (عَليهِ السَّلامُ) حيثُ يقولُ:
____________
(1) نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب: الخطبة / 239. (2) العاملي، زين الدين، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ص: 194.
(صومُ شهر رمضانَ فريضةٌ، والقيامُ في جماعةٍ في ليلتِهِ بِدعةٌ، وما صلاّها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ في لياليهِ بجماعةٍ، ولو كانَ خيراً ما تركه، وقد صلّى في بعض ليالي شهر رمضانَ وحدَه، فقامَ قومٌ خلفه، فلَّما أحسَّ بهم، دخلَ بيتَه، فعلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍٍ، فلما أصبحَ بعدَ ثلاث، صعدَ المنبرَ، فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه ثمَّ قالَ:
ـ أيُّها الناسُ، لا تصلّوا النافلةَ ليلاً في شهر رمضانَ، ولا في غيره في جماعةٍ فإنَّها بدعةٌ، ولا تصلوا ضحىً فإنَّها بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار، ثمَّ نزلَ وهو يقولُ:
ـ قليلٌ في سُنَّة خيرٌ من كثيرٍ في بِدعةٍ)(1) .
وقالَ (عَليهِ السَّلامُ):
(إنَّ هذهِ الصلاةَ نافلةٌ، ولن يُجتمعُ للنافلة، فليصلِّ كلُّ رجلٍ منكم وحدَه، وليقل ما علَّمه اللهُ من كتابِهِ، واعلموا أنَّه لا جماعةَ في نافلةٍ)(2) .
وقالَ الإمامُ موسى الكاظم (عَليهِ السَّلامُ):
(قيامُ شهر رمضانَ بدعةٌ، وصيامُهُ مفروضٌ، قالَ الراوي، فقلت:
ـ كيفَ أُصلّي في شهر رمضانَ؟ فقالَ:
____________
(1) الطوسي، أبو جعفر، تهذيب الأحكام، ج: 3، ص: 69، ح: 226. وانظر: وسائل الشيعة للحر العاملي، ج: 5، ص: 192، ح: 1، وبحار الأنوار للمجلسي، ج: 94، ص: 381، ح: 4. (2) النراقي، أحمد بن محمد مهدي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج: 8، ص: 15، عن: التهذيب، ج: 3، ص: 217، والاستبصار، 1، ص: 454، والوسائل، ج: 8، ص: 32.
ـ عشرَ ركعات، والوتر، والركعتانِ قبلَ الفجر، كذلك كانَ يصلّي رسولُ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ، ولو كانَ خيراً لم يتركهُ)(1) .
ورُويَ عن الامام علي الرضا (عَليهِ السَّلامُ):
(ولا يجوزُ التراويحُ في جماعةٍ)(2) .
وبخصوص عدم مشروعية صلاة النوافل جماعةً وردَ عن الامام جعفرٍ الصادقِ (عَليهِ السَّلامُ):
(ولايصلّى التطوع في جماعةٍ، لأنَّ ذلك بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ في النار)(3) .
وقد وردَ استثناءُ بعضِ الصلوات من عموم هذا الإطلاق كصلاة الاستسقاء والعيدين، مما هو مذكورٌ في محلّه من الأبواب الفقهية.
(4)
التراويحُ بدعة بإجماعِ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيت (ع)
من الأُمور التي أجمعَ عليها علماءُ مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) هو أنَّ صلاةَ (التراويح) بدعةٌ محدثة، بناءاً على المنهج الاستدلالي العميق التي اتسمت به مدرسةُ
____________
(1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 93، ص: 384، ح: 3. (2) الحراني، الحسن بن علي بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ص: 419. (3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: 8، ص: 334، باب: 20، ح: 5.
أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ)؛ حيثُ يتمُّ استنباطُ الأحكام، وصياغةُ الفتاوى، وتحديدُ النتائج، بدقةٍ بالغة، وتتبعٍ مستفيض.
ويكفي المتأملَ في هذا المنهج الاطلاعُ على الكتب الاستدلالية لدى علماءِ مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) ككتاب (جواهر الكلام)(1) ، ليقف على معالم مدرسةٍ علميةٍ شاملة، قلَّما عرفَ لها التأريخُ الإنساني نظيراً.
ويضيقُ بنا المقامُ فيما لو أردنا استعراضَ مجملِ فتاوى علماءِ مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) بخصوص عدم مشروعية (التراويح)، فضلاً عن نقل كلماتهم، واستدلالاتهم، في هذا المجال، على أنَّنا سوف نقتصرُ على بعض النماذج من الأحكام التي توصّلَ إليها هؤلاءِ الأعلام:
يقولُ الشيخُ ( الطوسي) في (الخلاف):
(نوافلُ شهر رمضانَ تُصلى منفرداً، والجماعةُ فيها بِدعةٌ)(2) .
ويقولُ السيدُ (المرتضى):
(أما التراويحُ فلا شبهةَ أنَّها بدعةٌ، وقد روي عن النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ أنَّه قالَ:
ـ أيها الناسُ، إنَّ الصلاةَ بالليل في شهر رمضانَ من النافلة جماعةً بدعةٌ)(3) .
وجاءَ في (الحدائق الناضرة) للعلامة (البحراني):
____________
(1) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام من مؤلفات العلامة الفقيه الشخ محمد حسن النجفي المتوفى سنة (1266) هـ، وهو كتاب موسوعي يتألف من (43) مجلداً في الفقه الإستدلالي، يشرح المؤلف فيه كتاب: (شرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام) لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي المتوفى سنة (676) هـ. (2) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، الخلاف، تحقيق: جماعة من المحققين، ج: 1، ص: 528. (3) المرتضى، تلخيص الشافي، ج: 1، ص: 193.
(لا ريبَ أنَّ الجماعةَ في هذه النافلة محرّمةٌ عند أصحابنا)(1) .
و(التراويحُ) في كلمات علماء مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) مشمولةٌ بالفتاوى التي دلَّت على عدم مشروعية أداءِ النوافل الأصلية جماعةً، واستثنت من ذلك بعضَ الصلوات التي وردَ الدليلُ الشرعي بجوازِ أدائها جماعةً، كصلاة الاستسقاء، وصلاةِ العيدين المستحبة.
جاءَ في (العروةِ الوثقى) للسيد (محمد كاظم الطباطبائي)، وفي (منهاج الصالحين) لكلٍ من السيد (أبي القاسم الخوئي)، والسيد (علي السيستاني)، والسيد (محمد سعيد الحكيم):
(لا تشرع الجماعةُ في شيءٍ من النوافلِ الأصلية)(2) .
____________
(1) البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة، ج: 10، ص: 521. (2) الطباطبائي اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، ج: 1، فصل: في الجماعة، المسألة: 2، ص: 599، وانظر: أبو القاسم الخوئي، منهاج الصالحين، ج: 1، ص: 210. وانظر: علي السيستاني، منهاج الصالحين، ج: 1، ص: 271، والمسائل المنتخبة له، ص: 157. وانظر: محمد سعيد الحكيم، منهاج الصالحين، ج: 1، ص: 262.