الصفحة 233

الفصل السابع
صلاةُ التراويح..
بصماتُها على الحياة الإسلاميَّة


1ـ بصماتُ التراويح على المسائل الفقهيَّة الإسلاميَّة

2ـ بصماتُ التراويحِ على الوحدةِ الإسلامية

3ـ بصماتُ التراويحِ على الممارسة التعبديَّة العملية



الصفحة 234

الصفحة 235

نظرة
على الفصل السابع

لقد تركت صلاةُ (التراويح) بصماتِها وآثارَها على الحياةِ الإسلاميَّة في مختلفِ الجوانب والأبعاد، فبعدَ أنْ شيَّدَ لها أعلامُ (مدرسةِ الصحابة) ركاماً من الأوهام التي اعتبروها أدلَّةً على مشروعيتها، أخذت تمتدُّ كالاخطبوط على صفحاتِ الكتبِ، وعلى مسرحِ الحياة، وتناولها القومُ تناولَ المسلَّماتِ جيلاً بعدَ جيل، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأٌ عن فتاواهم، ودراساتِهم، وحياتِهم، وأخذوا يتباهونَ بها في ليالي شهرِ رمضان، ويتسابقونَ إليها، ويشنِّعونَ على أتباعِ مدرسةِ أهل البيتِ (ع) على عدم ممارستِها طبقاً للكيفيةِ التي يمارسونها!!

فالطامةُ الكبرى هيَ أنْ تحتلَّ (بدعةٌ) لا أصلَ لها في الإسلامِ مثلَ هذا الموقع، ويُبنى كلُّ هذا البناءِ على شفا جرفٍ هارٍ لا قاعدةَ لهُ ولا أساس!!لقد دخلتِ (التراويحُ) في العشراتِ من أبوابِ الفقهِ المختلفة، وناقشها علماءُ (مدرسةِ الصحابة) في عشراتِ المواضع من كتبهم العلمية، أضف إلى أنَّ عدمَ الإلتزام بها صارَ مثلبةً على مَن يعتقدُ بعدمِ مشروعيتها، وطريقاً إلى تفتيتِ وحدةِ المسلمينَ من خلالِ الاتهامات الباطلةِ والكلماتِ اللامسؤولة، كما أنَّها أصبحت ملاذاً للملايينَ من المسلمينَ المعتقدينَ بشرعيتها، يقصدونَها كلَّ عامٍ من دونِ أدنى تساؤلٍ أو مناقشة، ولكنَّ المسلمَ المتفكرَ الحرَّ يبقى ساعياً نحوَ الحقيقةِ، ومطابقاً عملَهُ مع الشريعةِ، بعيداً عن الميولِ والعواطفِ والتقاليد.

صلاةُ التراويح


الصفحة 236

الصفحة 237

(1)
بصمات التراويحِ على المسائلِ الفقهية الإسلاميَّة

مما يؤسف له أنَّ صلاة (التراويح) المبتدعة دخلت في مختلف مجالات الفقه والحياة، على الرغم من عدم وجود أساسٍ لها في الدين، حتى صار شأنها شأن المسلَّمات التي لا تقبل المناقشة والتحليل، فنرى أن الملايين من الناس يواظبون على إقامتها في ليالي شهر رمضان بشكل مهيب، من دون أن يجرؤ أحد على أن يتساءل عن مشروعيتها وأساس ارتباطها في الدين.

ومن جانب آخر نرى عشراتِ الأبواب الفقهية المختلفة التي تمَّ تنقيحُها من بعد الإقرار بمشروعية هذه البدعة، ونلاحظ أن المصنفات الفقهية بدأت تنسج الأوهام والأباطيل على أمرٍ غير موجود من الأساس.

فبعد أن تمَّ الحديث المستفيض في تحديد وقتها، وعدد ركعاتها، ومشروعية الجماعة فيها، وكيفية الالتحاق فيها، وأفضلية الرواتب عليها، وموضع القنوت منها، ومقدار ما يُقرأ من المصحف فيها.. بدأ الفقهاء يبحثون في تفاصيل أخرى شكَّلت ركاماً موهوماً مستنداً على قاعدة هشَّة خاوية.

وقد ألقت هذه (البدعة) بظلالها الموهومة جليَّة على المسائل الفقيَّة الإسلاميَّة، فمن ذلك أن مسألة (التراويح) بُحثت في موارد (الجهر والإخفات)، ومما ورد في هذا المجال قولهم:

(ويُسنُّ الجهرُ في التراويح)(1) .

____________

(1) البكري الدمياطي، إعانة الطالبين، ج: 1، ص: 180.

وانظر: أبو زكريا النووي، المجموع من شرح المهذب، ج: 3، ص: 391.

وانظر: أبو زكريا النووي، روضة الطالبين، ج: 1، ص: 354.

وانظر: زكريا الأنصاري، فتح الوهاب، ج: 1، ص: 105.


الصفحة 238

وقولهم في باب (النداء للصلاة):

(ينادى لصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء الصلاة جامعة، وكذلك لصلاة التراويح إذا أقيمت جماعةً)(1) .

وقولهم في باب (جواز الاستئجار للصلاة):

(ولا يجوز الاستئجار على إمامة الصلوات الفرائض، وفي إمامة التراويح خلاف، والأصح منعه)(2) .

وقولهم في باب (وقوع التعارض بين الصلوات):

(وإن خسف القمر وقت صلاة القيام يعني التراويح، بدأ بصلاة الخسوف)(3) .

وقولهم في باب (النذر):

(ويصح نذر فعل المكتوبة أول الوقت، وصلاة الضحى، وقيام التراويح)(4) .

____________

(1) الرافعي، أبو القاسم عبد الكريم، فتح العزيز شرح الوجيز، ج: 3، ص: 148.

وانظر: عبد الحميد الشرواني وأحمد العبادي، حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، ج: 1، ص: 462.

(2) الرافعي، أبو القاسم عبد الكريم، فتح العزيز شرح الوجيز، ج:12، ص: 280.

وانظر: شمس الدين محمد المنهاجي الأسيوطي، جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، ج: 1، ص: 215.

(3) النووي، أبو زكريا، المجموع من شرح المهذب، ج: 5، ص: 58.

وانظر: موفق الدين بن قدامة، المغني، ج: 2، ص: 281.

وانظر: منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، كشف القناع عن متن الإقناع، ج: 2، ص: 74.

(4) الشربيني الخطيب، محمد، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، ج: 4، ص: 370.

وانظر: عبد الحميد الشرواني وأحمد العبادي، حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، ج: 1، ص: 361.


الصفحة 239

وقولهم في باب (قضاء الصلاة):

(تكره التراويح لمن عليه صلوات)(1) .

وقولهم في باب (إمامة الصبي في صلاة الجماعة):

(وكذا الصبي العاقل يصلح إماماً في الجملة، بأن يؤم الصبيان في التراويح)(2) .

وقولهم في باب (إمامة المرأة في صلاة الجماعة):

(وقال بعض أصحابنا: يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم)(3) .

ودخلت (التراويح) أيضاً في (تراجم الرجال)، فجاءَ في ترجمة (موسى بن الحسن):

(كانَ حسنَ الصوت بالقرآن في الفجر، وفي صلاة التراويح، فلُقِّبَ بذي الصوت الجيد).

وجاء في ترجمة (محمد بن سعد العسال):

(كانَ من القرّاء المجوّدين الموصوفين بحسن الأداء، يُقصدُ في رمضان لسماع قراءته في صلاة التراويح من الأماكن البعيدة)(4) .

____________

(1) الحطّاب الرعيني، مواهب الجليل، ج: 2، ص: 377.

(2) الكاساني الحنفي، علاء الدين بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج: 1، ص: 157.

(3) بن قدامة، موفق الدين، المغني، ج: 2، ص: 33.

وانظر: محمد بن إسماعيل الكحلاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام في جمع أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني، ج: 2، ص: 29.

وانظر: محمد بن علي الشوكاني، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار، ج: 3، ص: 201.

(4) السعيد، لبيب، التغني بالقرآن، ص: 116، عن: ابن الجوزي، المنتظم، ج: 6، ص: 22، وابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، ج: 1، ص: 113.


الصفحة 240

(2)
بصمات التراويحِ على الوحدةِ الإسلامية

لقد دفعَ أتباعَ مدرسةِ أهلِ البيتِ (عَليهمُ السَّلامُ) ثمنَ تمسكهم بسُنَّةِ رسولِ اللهِ الناصعةِ على مرِّ العصورِ باهضاً وثميناً، فقد أخذت الشبهاتُ تثارُ حولهم من كلِّ جانبٍ ومكان، وأخذ المتعصبونَ يكيلونَ لهم الاتهامات الباطلة من دونِ أدنى سببٍ، وانقلبت الموازينُ الحقيقيةُ رأساً على عقب، وأصبح أصحابُ البدعِ والضلالات يتهمونَ أصحابَ الحقِّ والبصيرةِ بعدمِ الإتباع.

وبدلاً من أنْ تبحثَ الأُمورُ وفقاً للمناهج العلميةِ، والآراءِ الموضوعية، والدراساتِ التحليلية، لبلوغ الحقيقة، والتقاربِ والتآلف، أصبحَ منطقُ كيلِ الاتهاماتِ، وإثارةِ الضغائنِ والأحقاد هو السائد والرائج على مسرحِ الخلاف.

وكانت (صلاةُ التراويح) واحدةً من المفردات التي شهدت سيادةَ الأهواءِ على العقلِ، وغلبةَ الشقاقِ على الوحدة، واستعلاءِ الضغينةِ على المودةِ والمحبة.

ولا نريدُ أنْ نستفيضَ في ذكرِ الشواهدِ على هذا اللونِ من مصادرةِ العقلِ، وظلمِ الحقائق؛ لأنَّ في ذلك إيلاماً للنفس، وتهييجاً للمشاعر، وإدماءاً للقلوبِ التي عشقت منهج أهل بيتِ النبوة، وسارت على محجتهم، وانتهلت من معين علومهم، فدفعت ثمنَ ذلكَ ظلامةً، وتنكيلاً، ومطاردةً، وتقتيلاً، على مدى العصورِ، من قبل السياساتِ الظالمة، والعصبيات المقيتة(1) .

____________

(1) راجع على سبيل المثال لا الحصر: المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد لفارس الحسّون؛ فقد تناول الكتاب حقبةً زمنيةً محددةً، وهي تعتبر فترةً قصيرةً بالنسبة إلى التاريخ الإسلامي الطويل، ولكنَّها على الرغم من ذلك فقد زخرت بالمآسي المريرة، والفجائع الكبيرة، التي سوف تبقى شاهداً يحكي مظلومية أهل البيت (ع) وأتباعهم على مستوى الفكر والجسد، على مدى العصور.

ومن أمثلة ذلك ما أورده في أحداث سنة (345) هـ، ص(46): (فيها وقعت فتنة عظيمةٌ بإصبهان بين أهل إصبهان وأهل قم بسبب المذاهب … وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً)، عن: الكامل في التأريخ: 8 / 517، والبداية والنهاية: 11 / 230.

وأوردَ في أحداث سنة (354) هـ، ص: (54): (ثمَّ تسلَّطت أهل السُنَّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشُّ الروافض، وقتلوا بعضَ مَن كانَ فيه من القومة)، عن: المنتظم: 7 / 23 وتأريخ الإسلام: 17 / حوادث ووفيات 351-380 والنجوم الزاهرة: 3 / 339 والبداية والنهاية: 11 / 355.

وأوردَ في أحداث سنة (361) هـ، ص: (59): (وفيها وقعت فتنة عظيمة ببغداد، وظهرت العصبية الزائدة… وأحرقَ أهلُ السُنَّة دورَ الشيعة في الكرخ، وكانت معدنَ التجار الشيعة، ونُهبت الأموالُ، وقُتلَ جمعٌ غفير)، عن: الكامل في التاريخ: 8 / 619 والبداية والنهاية: 11 / 271.

وأوردَ في أحداث سنة (363) هـ، ص: (62): (وفيها قويت السُّنَّةُ على الشيعة… واتصلت الحروب، وكبسَ أهلُ السُّنة المنازل، وأحرقوا الكرخَ حريقاً ثانياً)، عن: البداية والنهاية: 11 / 275، 7 / 68.

كلُّ هذا غيضٌ من فيض، ومَن أراد المزيد فليرجع إلى المصدر المذكور.


الصفحة 241

على أننا سوف موارد طفيفة كشواهدٍ على ما أوردناه، منها قول (محمد الخضر) حول (التراويح):

(فالشيعة الإثني عشرية مقولتهم في عمر جمعت بين حق وباطل.. وأظن أنّ من حقنا أن نحاكم هذا الفكر المنحرف الذي أشهر منذ ظهوره سهام التكفير والتبديع لصحابة رسول الله ولجمهور المسلمين المتبعين لهم.

ومن نكد الزمان أن ترى هذه الفئة المكفّرة المبدعة تصرخ بكل قوتها إذا ما نالها تكفير أو تبديع ممن خالفها، وتتهم من تشاء بأنه وهابي خارجي يكفر المسلمين! لقد أرانا القدر في دنيانا عجباً)(1) .

____________

(1) محمد الخضر، صلاة التراويح بين عمر بن الخطاب والشيعة الإثني عشرية، مقالة على شبكة الانترنيت، www.ansar.org/arabic/tarawee7.htm


الصفحة 242

وقول (عبد الرحيم السحيم) عندما يُسأل عن (التراويح) مستشهداً بقول (القحطاني):

إن التراوح راحـة في ليلـه*** ونشاط كل عويجز كسلان

والله ما جعلَ التراوحَ منكراً *** إلا المجوسُ وشيعةُ الصلبان(1)

وقول (السرخسي) في (المبسوط):

(والأُمةُ أجمعت على شرعيتِها وجوازِها، ولم ينكرها أحدٌ من أهلِ العلم، إلاّ الروافضُ لا باركَ اللهُ فيهم)(2) .

وكتب محررو شبكة (بوابة العلم) حول نافلة المغرب:

(وهذه البدعة من فعل الرافضة قبحهم الله لأنهم يكرهون صلاة التراويح ويزعمون أنها بدعة أحدثها عمر بن الخطاب رضي اله عنه)(3) .

ومن الواضح أنَّ هؤلاءِ الذينَ يقطرُ التعصُّبُ من بينِ ثنايا كلماتهم ينعتون أتباع مدرسةِ أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) بلفظ (الروافض)، تعمقاً منهم في الكراهيةِ، وتأكيداً على القطيعة، على أنَّ نشأة هذه التسميةِ وخلفياتها لها أبعادٌ تاريخية بحثناها في كتابنا (الشّيعة والتشيُّع.. بحث في النشأة والجذور)، وبحثَها أعلامُ آخرون.

____________

(1) السحيم، عبد الرحيم، حكم من لم يصلِّ التراويح في شهر رمضان، مقالة على شبكة الانترنيت، www.alayat.net/assuhaim/fatwa/alsyam/11.htm

وانظر: شبكة الحق، الإجابات الجليَّة عن الشبهات الرافضيَّة: www.rightword.net

(2) السرخسي، شمس الدين، المبسوط، ج: 2، ص: 143.

(3) شبكة بوابة العلم: www.al3lm.ae


الصفحة 243

(3)
بصمات التراويحِ على الممارسة التعبديَّة العملية

وأما على المستوى العملي فقد صار الالتزام بأداء (التراويح) شائعاً إلى درجةٍ كبيرة جداً، وأن مئات الملايين من المسلمين قد انساقوا وراء هذه (البدعة)، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولنقرأ ما ورد في صحيفة (الرياض) حول إحياء (التراويح):

(امتلأت أروقة وساحات الحرم النبوي الشريف وأسطحه مساء أول من أمس الأول ليلة السابع والعشرين من رمضان بالمصلين حيث زاد عددهم على مليون مصل حضروا صلاتي التراويح والتهجد وسط أجواء إيمانية وروحانية مفعمة بالإيمان، والأمل بأن يستجيب الله دعاءهم ويغفر ذنوبهم ويتقبلهم مع عباده المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(1) .

وجاء في مورد آخر:

(إنَّ صلاة التراويح في مصر أصبحت ظاهرة عادية أن ترى جميع المساجد عامرة بالمصلين حتى يخرج العشرات إلى الشوارع للصلاة، إلا أن مسجد عمرو بن العاص أكبر وأول مسجد بني في مصر يظل أكثر المساجد حظًا في عدد المصلين والذين يصل عددهم ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من رمضان إلى ما يقرب من نصف مليون مسلم من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية، بل إن الكثيرين منهم من خارج مدينة القاهرة أتوا من المحافظات أو من أبناء الدول العربية والإسلامية حرصوا

____________

(1) صحيفة الرياض اليوم، العدد: 12583، السنة: 38، 28 / رمضان / 1423هـ - 3 / 12 / 2002م.


الصفحة 244

على صلاة التراويح، وخاصة ليلة القدر.. ويكون المشهد رائعًا عندما يمتلئ المسجد عن آخره، وتمتلئ الشوارع والأزقة والميادين المحيطة بالمسجد في تظاهرة جميلة أثناء تأدية إحدى شعائر المسلمين.. الجميع فيها ينتظر رحمة من ربه)(1) .

فكيف انساق هؤلاء الملايين إلى هذه الصلاة من دون السؤال عن شرعيتها، ومتى أصبحت شعاراً للمسلمين؟

وهل لنا كبشر أن نخترع ألواناً من المظاهر العبادية الجامعة حسب المشتهيات والأهواء؟ وهل يمكن لنا أن نسمي (التراويح) بالصلاة بعد أن عرفنا أنها في مقابل السنة المطهرة الثابتة؟

وهل الصلاة إلا صلةٌ بين الإنسان وربه على النحو الذي يقرره الله ورسوله؟

فهل تبقى هذه الصلة محفوظةً عندما يؤتى بالعمل إتباعا لبشر لا يملكون أهلية التشريع؟

فماذا لو أدى الناسُ نوافل الظهر والعصر جماعةً، ألا يكون في الأمر هيبةً أكثر، وجماعةً أشمل؟

وماذا لو أدى المكلف صلاة الصبح خمس ركعات بدلاً من ركعتين؟ أليس في ذلك زيادةٌ في الخير، وقوةٌ للمسلمين، وإجابةٌ للدعاء؟؟!

ومثلها فيما لو فعلنا مع الصومِ والحجِّ وبقية العباداتِ الأخرى؟

فهل يمكن لنا أن نتلاعب بالشريعة حسب أهوائنا ومشتهياتنا، وهل يمكن أن نسمي صلاة الصبح ذات الخمس ركعات، ونافلة الظهر جماعةً صلاةً بالمعنى الحقيقي للصلاة؟؟

____________

(1) مقالة: التراويح في رمضان تؤكد أن المسلمين بخير، صفحة: إسلام اون لاين على الإنترنيت، 29 / رمضان / 1420هـ. www.islam-online.net/Arabic/index.shtml


الصفحة 245

وهل يمكن لها أن تكون صلةً بيننا وبين الله تعالى، نتقرب من خلالها إليه، مهما اشتملت عليه من دعوات، ودموع، وخشوع، وجموع…؟؟

إنها أسئلة ينبغي على كل مسلم أن يسأل بها نفسه بمنتهى الصراحة والوضوح، ويجب عليه أن يتجرد من كل خلفية مسبقةٍ، وأثر يربطه بالمحاكاة والتقليد، ومن ثم يبني عباداته التي يتقرب بها إلى خالقه على عقيدةٍ صحيحة راسخة، لا مدخل فيها للأهواء، ولا اعتبار فيها لآراء الرجال، وإنما الرائد فيها طلب الحقيقة المطلقة، والسعي نحوها من خلال البحث النزيه، والحوار العلمي البناء، والكلمة الصادقة الطيبة، كما يقول (جَلَّ وعَلا):

(ادعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادلهم بالتي هيَ أحسنُ)(1) .

وفي الختام نسأل الله القدير أن يمنحنا كمسلمين وعياً كاملاً لعظمة الدين الذي نتشرف بالانتساب إليه، وأن يجعلنا ننظر إلى نقاط القوة التي تجمع فيما بيننا، والأصول التي تربط بعضنا ببعض، وأن نتحلى بسعة الصدر، وقبول الرأي الآخر، والمناقشة الحرة البناءة، في ظل سقف البيت الواحد، وأن تتكامل جهودنا في تشييد أسس الإسلام العظيم، وقواعد القرآن الكريم، لنعرض ديننا للعالم دستوراً حياً نابضاً قادراً على مواكبة الحياة، ومعالجة أمراض العصر، وهداية البشرية المعذَّبة إلى ساحل النجاة، وانتشال إنسان اليوم من التيه والضياع إلى حيث الصفاء والسلام والنور، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

____________

(1) النحل / 125.