اقول: الحجة التي سماها الشيخ المحجوج المبهوت شبهة قطعية وجوابه عنه ضعيف لما يلوح على ما تشبث به من حديث البخاري وصحيحه من إثار الوضع
أما أولاً فلما مر من القدح في البخاري وصحيحه.
وأما ثانياً فلأنه لاوجه لما ذكر فيه من عد سلمة تسع غزوات من غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكتفي بذكر من كان عليها في مرتين منها وبالجملة مرة اسامة مشهورة فليبين أولياءه إن مرة ابي بكر في أي بعث كانت ؟ وأظن إن بيانه أصعب من خرط القتاد لو لم يرتكبوا وضعاً آخر.
وأما ماذكره من دعوى ولاية أبي بكر للحج فسيأتي مافيه للشبهة الثانية فانتظر.
وأما ماذكره من إعتراف علي عليه السلام بأن أبا بكر أشجع منه فهو من أغرب المحال، واكذب المقال، الذي تكاد تنشق منه الجبال، وفي الفاظه من المجمجة التي لاتصدر عن الفصيح ما لا يخفى على من جاوز قليلاً عن حد الأطفال؛ واغرب من الكل إنه جعل إختياره لكونه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العريش شجاعة مع ظهور إن ذلك كان تستراً عن المبارزة خوفاً وجبناً كما صرح به إبن أبي الحديد المعتزلي. وفي بعض قصائده المشهورْة وبالجملة الوجه في إحتباس أبي بكر في العريش معروف لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعهد منه الجبن والهلع لما ظهر في مقام
فلو تركه يختلط بالمحاربين لم يأمن أن يظهر من جبنه وخوره ما يكون سبباً للهزيمة، وطريقاً الى إستظهار المشركين فاجلسه معه ليكفي هذه المؤنة ويكفي في هذا الوجه أن يكون ماذكرناه جائزاً فتدبر.
45 ـ قال: وقال بعضهم: ومن الدليل على إنه أشجع من علي (عليه السلام) إن علياً (عليه السلام) أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقتله على يد إبن ملجم فكان إذا لقيّ إبن ملجم يقول له متى تخضب هذه بهذه؟ وكان يقول: إنه قاتلي كما يأتي في أواخر ترجمته فحينئذ كان إذا دخل في الحرب ولاقى الخصم يعلم إنه لاقدرة له على قتله فهو معه كأنه نائم على فراش وأما أبو بكر فلم يخبر بقاتله وكان إذا دخل الحرب لايدري يقتل أو لا فمن يدخل الى الحرب وهو لايدري كذلك يقاسي من الكر والفر، والجزع والفزع، مايقاسي بخلاف من يدخلها كأنه نائم على فراشه انتهى.
اقول: من أين علم هذا القائل الذي صوبه الشيخ المخطيء إن علياً عليه السلام علم ذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وآله في أول امره لا بإلهام أو نور فراسة أو قرائن تظهر على صفحات وجه إبن ملجم عليه اللعنة وفلتات لسانه عند وجوده عليه اللعنة في ايام خلافته عليه السلام في الكوفة مع إن هذا الشيخ الكذوب الناسي لم ينسب ذلك عندما سيذكر في ترجمته عليه السلام الى أخبار النبي صلى الله عليه وآله ولو سلم إنه صلى الله عليه وآله أخبره عليه السلام بقتله على يد إبن ملجم عليه اللعنة لكن لم يدله عليه بعينه حتى يعرض عنه في الحروب ويتعرض لغيره ولو سلم إنه دله عليه بعينه فالغالب
46 ـ قال: ومن باهر شجاعته ما وقع له من قتال أهل الردة فقد أخرج الإسماعيلي عن عمر إنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إرتد من إرتد من العرب وقالوا لا نصلي ولا نزكي، فأتيت ابا بكر فقلت: ياخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله تألف الناس فارفق بهم فانهم بمنزلة الوحش فقال رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك جباراً في الجاهلية خواراً في الإسلام بماذا شئت أتألفهم؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفتري هيهات، هيهات، مضى النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما إستمسكوا
أقول: يتوجه عليه أولاً إنه لادلالة لما ذكره على شجاعة أبي بكر لأن الشجاعة إنما تعرف في الشخص بمبارزته لنفسه الى الأبطال ومصادفة الرماح ومصافحة السفاح وأن لا يتستر بالعريش ولا يهرب براية رسول الله صلى الله عليه وآله كالإماء ولا يذهب فيها عريضته كما قاله سيد الإنبياء وإنما ثبت في فتوحه صلى الله عليه وآله وسلم وقتال من إتهمهم أبو بكر بالردة الشجاعة لمباشرتها بأنفسهم لا بغيرهم وتوضيح ذلك إن الشجاعة لاتعرف بالحس لصاحبها فقط ولا بإدعائها وإنما هي شيء في الطبع يمده الإكتساب والطريق اليها أحد أمرين أما الخبر منها من جهة علام الغيوب فيعلم خلقه حال الشجاع وأما أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله فمبارزة الأقران ومقاومة الشجعان، ومنازلة الأبطال، والصبر عند اللقاء وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضاً بأول وهلة ولا يفعل واحد حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك على وجه الإتفاق أو على سبيل الهوج والهلع بالتدبير وإذا كان الخبر عن الله تعالى بشجاعة أبي بكر معدوماً وكان النقل الدال على الشجاعة غير موجود فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس له دلالة على شيء من ذلك عند أهل النظر لاسيما ودلائل جبنه وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها الى التأمل وذلك إنه لم يبارز قط قرناً ولا قادم قط بطلاً ولا سفك
ابوبكر وقراءة سورة البرائة
47 ـ قال: الشبهة الثانية زعموا أيضاً إنه صلى الله عليه وسلم لما ولاه قراءه براءة على الناس بمكة عزله وولى علياً فدل ذلك على عدم اهليته وجوابها بطلان مازعموا هنا أيضاً وإنما إتبعوه علياً عليه السلام لقراءه براءة لأن عادة العرب في أخذ العهد ونبذه أن يتولاه الرجل أو واحد من بني عمه ولذلك لم يعزل أبا بكر عن إمرة الحج بل أبقاه أميراً وعلياً مأموراً له في مات عدا القراءة على إن علياً لم ينفرد بالأذان بذلك ففي صحيح البخاري إن ابا هريرة قال بعثني ابو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال أحمد بن عبدالرحمن ثم أردف رسول الله صلي الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام فامره أن يؤذن ببراءة قال ابو هريرة فاذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة أن لايحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فتأمله تجد علياً إنما أذن مع مؤذني أبي بكر إنتهى.
أقول: دعوى ولاية أبي بكر للحج بالناس كذب صريح وإنما أدى اليه إيصال إيات البراءة الى الكفار في ايام الحج فلم يتم لأنه صلى الله عليه وآله قد عزله قبل وصوله بعلي عليه السلام كما هو المشهور في كتب الجمهور ورواية جامع الأصول ومسند احمد بن حنبل وغيرهما صريحة في رجوع أبي بكر عن الطريق وغاية ما أجاب
والحاصل إن بين العزل والولاية فرقاً عظيماً وبوناً بعيداً على من رزق الحجى وفي المثل السائر «العزل طلاق الرجال» فإن كانت ولايته من النبي صلى الله عليه وآله بحسن إختياره فعزله من الله تعالى بحسن إختياره لأن فعله تعالى على باطن الأحوال وفعل النبي صلى الله عليه وآله على ظاهرها فلا وجه في إنفاد الرجل أولاً وأخذها منه ثانياً إلا ما ذكرنا من التنبيه على الفضل والتنويه بالإسم والتعلية للذكر لمن إرتضي لتأديتها وعكس ذلك فيمن عزل وايضاً لولا إن الحكمة في إبلاغ علي عليه السلام ما أشرنا اليه من مدخلية خصوص حضوره في إنتظام الحج وكف المشركين لبأسه وخوفه عن تعرض المسلمين ونحو ذلك من الحكم لأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عمه العباس أو أخاه عقيلاً أو جعفراً مع كونهم أكبر سناً منه أو غيرهم من بني هاشم وقد روي إنه عليه السلام قد قتل جماعة من
وأما ماذكره «من قوله بل أبقاه أميراً وعلياً مأموراً» فهو كسائر كلماته مجرد دعوى لا يعجز أحد عن الإتيان بما يضادها
وأما ما إستدل به على عدم إنفراد علي عليه السلام بالأذان من حديث البخاري فلا دلالة له على ذلك لأن أبا هريرة لم يكن عبدا ولا خادماً ولا أجيراً لأبي بكر وإنما كان فقيراً من أهل الصفة قد صار رفيقاً له في تلك السنة لأداء الحج فلو سلم إنه بنفسه لم يعاون مؤذني علي عليه السلام فغاية الأمر إن ابا بكر أشار اليه بذلك تألفاً له عليه السلام وأما مانقله عن ابي هريرة من إنه قال: فأذن معنا علي يوم النحر الى إخره فمقلوب بأنه لما إعترف سابقاً بأن النبي صلى الله عليه وآله ولى علياً عليه السلام في أداء البراءة والإذان بها رعاية لعادة العرب فكان هو الأصل والعمدة في ذلك فكيف يتأتى لأبي هريرة أن يعكس الأمر ويجعل نفسه مع ابي بكر اصلاً ويقول إذن معنا علي عليه السلام مع إن كذب أبي هريرة في أحاديثه مما ملأ الخافقين وقد دلت أحاديث أهل السنة على إن التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الصحابة فمن ذلك مارواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس والستين بعد المائة
صلاة ابوبكر ايّام مرض الرسول «صلي الله عليه وآله»
48 ـ قال: الثالثة زعموا إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ولاه الصلاة أيام مرضه عزله عنها وجوابها إن ذلك من قبائح كذبهم وافترائهم فقبحهم الله وخذلهم كيف وقد قدمنا في سابع الأحاديث الدالة على خلافته من الأحاديث الصحيحة المتواترة ماهو صريح في بقائه إماماً يصلي بالناس الى أن توفي رسول الله صلى الله عليه
فتأمل عظيم إفترائهم وحمقهم على إن صلاته بالناس خلافة عنه صلى الله عليه وسلم متفق عليها مجمع منا ومنهم على وقوعها فمن إدعى إنعزاله عنها فعليه البيان. انتهى
اقول: ماذكره من أن الشيعة قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله ولاه الصلاة أيام مرضه كذب قبيح وافتراء صريح عليهم فإنهم لم يقولوا بذلك بل قالوا إن عائشة بنته أشارت اليه بذلك فلما أحس النبي صلى الله عليه وآله بذلك خرج الى المسجد مسارعاً معتمداً على أمير المؤمنين عليه السلام وفضل بن العباس رضي الله عنه حتى نحى أبا بكر عن المحراب وصلى بنفسه مع الناس وبهذا يظهر فساد ماذكره في العلاوة أيضاً من إتفاق الشيعة معهم في صلاته خلافة عن النبي صلى الله عليه وآله فليس عليهم إثبات عزله لأنه فرع إثبات توليته ودون إثباته خرط القتاد
وأما مانقله من الأحاديث فقد بيناه سابقاً على ما نعتقده في شأن أمثالها مع معارضة حديث البخاري المنقول في شرح المواقف لها وإن إتيان هذا الشيخ الجاهل بمثلها في مرتبة المصادرة وتكرار ذلك منه دليل على وقاحته وحماقته كما ما لايخفى.
عدم اعلميّة ابي بكر
43 ـ قال: الرابعة زعموا إنه أحرق من قال: أنا مسلم وقطع يد السارق
اقول: عدم القدح في أبي بكر على تقدير ثبوت أهليته للإجتهاد مقدوح من وجه:
أما أولاً فلأنه لايجوز إلإجتهاد على الإمام إذ بالإجتهاد لم يحصل الجزم بأن مايقوله من عند الله.
وأما ثانياً فلأن المجتهد قد يخطأ فحينئذ يجوز على الإمام الخطأ وذلك ينافي الإمامة لإشتراط العصمة فيها كما برهنا عليه سابقاً.
وأما ثالثاً فلأنا قد اشرنا في ما مضى الى إن من شرائط الإمامة العلم بجميع أحكام الدين، وإن ذلك شرط واجب وإلإ لإنتفى فائدة نصبه بعين ماذكرنا في إشتراط العصمة بل العصمة تستلزم هذا العلم فمن ظهر منه نقصان في هذا العلم لا يجوز أن يكون إماماً وقد ظهر عن ابي بكر في مسائل كثيرة الإعتراف على نفسه بأنه لايعرف الحكم وقد بين اصحابنا رضوان الله عليهم الفرق بين الأمير والحاكم وبين الإمام من حيث كانت ولاية الإمام عامة وولاية من عداه خاصة وبينوا إن الحاكم والأمير يجب ان يكونا عالمين بالحكم في جميع ما أسند اليهما وأن لا يذهب عليهما شيء من ذلك إلا إنه لما كانت ولايتهما خاصة لم يجب أن يكونا عالمين بجميع أحكام الدين والإمام بخلاف ذلك لان ولايته عامة كنبوة النبي صلى الله عليه وآله ومن كمال النقص وللؤم أن يقوم أحد مقام النبي صلى الله عليه وآله ولا يعلم المسائل الضرورية التي يحتاج اليها الناس.
وأما أول ماذكره من الأدلة التي زعم وضوح دلالتها على أهلية أبي بكر للإجتهاد فمدخول بأن جواب ابي بكر عن ذلك من غير ان يعلم جواب النبي صلى الله عليه وآله قبله غير مسلم وإن كان ذلك الجواب مما يظهر للعاقل المشاهد بخصوصيات تلك الواقعة بأدنى تأمل فغاية مايلزم من ذلك قصور فهم عمر لإكمال عقل أبي بكر
وأما الثاني منها فمردود بأن الإختلاف في موضع الدفن غير واقع كيف وقد صح إتفاقاً إنه مع أصحابه قد إشتغلوا بالخلافة عن دفن النبي صلى الله عليه وآله بل النبي صلى الله عليه وآله أوصى بذلك الى أهل بيته في أيام حياته كما نقله غير هذا الرواي الغاوي ولو سلم فلا إجتهاد في نقل خبر وصية النبي صلى الله عليه وآله بشيء كدفنه فيما نحن فيه كما لايسمى إيصال بعض خدمة السلطان وصيته الى بعض العساكر أو امره الى بعض الرعية إجتهاداً إذ ليس في مثله إستنباط الفرع من الأصل الذي هو حاصل معنى الإجتهاد شرعاً بل ليس فيه إجتهاد لغوي أيضاً كما لايخفى مع إن قول أبي بكر «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي؛ الى آخره» دعوى لابرهان له بها سوى دعوى سماعه لذلك وهو كما ترى
وأما ماذكره من وقوع الإختلاف في ميراثه فغير واقع أيضاً غاية الأمر إنه لما أخذ فدك عن فاطمة عليها السلام وإدعت النحلة فيها ثم الميراث تنزلاً إفترى أبو بكر لدفع دعواها عليها السلام ذلك فقالت لها: أترث اباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئاً فريا.. ! اللهم إلا أن يقال: أراد بالإجتهاد الإجتهاد اللغوي في دفعها عليها السلام عن حقها بتكلف الكذب والحيل فإن
وأما ماذكره من خبر نزول جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى له أن يستشير أبا بكر ففيه إنه على فرض صحته فإنما كان لتأليف قلبه وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله إنما كان يعمل بالوحي الإلهي كما نطق به القرآن الكريم وكان غنياً عن مشاورتهم وتعليمهم كما لايخفى على من عرف علو شأن النبي صلى الله عليه وآله كما هو حقه لكن أهل السنة حيث جعلوا النبي صلى الله عليه وآله مع أبي بكر الجاهل كفرسي رهان فقد حرموا عن حق معرفته وقد يقال إنما كان يستشير أصحابه ليستخرج بذلك دخائلهم وضمائرهم ويطلع على حسن نيانهم وفسادهم فلا فضل في هذه المشاورة وعلى هذا فقس سائر موضوعاتهم.
50 ـ قال: لايقال بل علي (عليه السلام) أعلم منه للخبر الآتي في فضائله «أنا مدينة العلم وعلي بابها» لأنا نقول سيأتي إن ذلك الحديث مطعون فيه وعلى تسليم صحته او حسنه فأبو بكر محرابها رواية «من أراد العلم فليأت الباب» لاتقتضي إلا علمية فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإيضاح والتفرغ للناس بخلاف الأعلم على إن تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس «أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها» فهذه صريحة في إن أبا بكر أعلمهم وحينئذ فالأمر بقصد الباب إنما هو لنحو ماقلناه لا لزيادة شرفه على ماقبله لما هو معلوم ضرورة إن كلاً من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب وشذ بعضهم فأجاب بمعنى«وعلي
اقول: يتوجه عليه إن طعنه على الحديث مطعون بأنه يكفي بكونه حجة عليه وعلى أصحابه رواية الترمذي من محدثي أصحابه ذلك في صحيحه ورواية البغوي ما في معناه من قوله صلى الله عليه وآله «أنا دار الحكمة وعلي بابها» لكن قد سبق إن مدار أهل السنة على إنه إذا إحتجت الشيعة عليهم من أحاديث صحاحهم بما يقدح في اصل من اصولهم يطعنون فيه على قدر حيلتهم ولا يستحيون عن الناس ولا عن سلفهم وهذا كما ترى على إنا قد اسبقنا إن الإنصاف إعتماد الطرفين على ما إتفق بينهما من الأحاديث وهذا الحديث كذلك فضلاً عن صحته فلا يجدي القدح فيه عناداً وهرباً عن قبول الإلزام
وأما ما قاله من قوله «فأبو بكر محرابها» فمع ظهور عدم إتجاهه دليل على جرأته على الوضع لأن هذا ليس بمذكور فيما سيذكره من حديث الفردوس ولا في غيره
وأما ماذكره من إن رواية «من اراد العلم فليأت الباب» لا تقضي إلا علمية الأعلمية الى إخره ففساده ظاهر لظهور إن المراد بالباب في هذا الخبر وما في معناه عن الحافظ للشيء الذي لا يشذ عنه شيء ولا يخرج إلا منه ولا يدخل إلا به وإذا ثبت إنه عليه السلام الحافظ لعلوم النبي صلى الله عليه وآله وحكمه ثبت إحاطته لما عند غير الأعلم أيضاً من زيادة الإيضاح والبيان وثبت الأمر بالتوصل به الى العلم والحكمة فوجب إتباعه والأخذ عنه وهذا حقيقة معنى الإمام كما لايخفى على ذوي الإفهام
أما زعمه من كون ذلك الحديث معارضاً لخبر رواه الجهنمي صاحب كتاب الفردوس من باب تسمية الشيء بإسم ضده فأثار الوضع عليه لائحة
أما أولاً فلأن المدينة لايكون لها سقف وإنما السقف للبيوت والدور وحاشى كلام الفصيح فضلاً عن الأفصح من الإشتمال علي مثل
وأما ثانياً فلا، راويه عن النبي صلى الله عليه وآله هو أبو هريرة المرمي بالكذب، المتهم بالوضع
وأما ثالثاً فلأن الكلام ليس بالعلو والإنخفاض والثبات وعدمه بل في الإتيان لأخذ العلم من صاحب المدينة ولا مدخل لأساس المدينة وحيطانها وسقفها في ذلك بل لو كان اساسها من الرمل والتراب وحيطانها وسقفها من السعف والأشواك لأمكن ذلك
وأيضاً الحديث إنما روي على كون لفظ علي فيه أسماً علماً لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام لا على كونه فعيلاً بمعنى الفاعل باقياً عليه فلو جاز التأويل العليل الذي تمحله شاب منهم لجاز أن يكون المراد بعلي في قوله تعالى «سراط علي مستقيم» إسم مولانا أمير المؤمنين (ع) بأن يكون مضافاً اليه السراط ولعل هذا اصعب على الناصبة من اصل الحديث ولعمري إن جرأتهم على وضع أمثال هذه الكلمات المشتملة على التمحلات الظاهرة لاتوجب إلا زيادة شناعتهم وإشاعة عداوتهم لأهل البيت عليهم السلام.
51 ـ قال: فثبت بجميع ماقررناه إنه من أكابر المجتهدين بل أكبرهم علىالإطلاق وإذا ثبت إنه مجتهد فلا عتب عليه في التحريق لأن ذلك الرجل كان زنديقاً وفي قبول توبته خلاف
وأما النهي عن التحريق فيحتمل إنه لم يبلغه، ويحتمل إنه بلغه وتأوله على غير نحو الزنديق، وكم من أدلة تبلغ المجتهدين ويؤولونها لما قام عندهم، لا ينكر ذلك إلا جاهل بالشريعة وحامليها وأما قطعه يسار السارق فيحتمل إنه خطأ من الجلاد، ويحتمل إنه لسرقة ثانية ومن أين علم إنها للسرقة الأولى، وإنه قال للجلاد إقطع يساره؟ وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله؛ فيحتمل إنه كان يرى بقائها على إطلاقها وإن قطعه صلى الله عليه وسلم اليمنى في الأولى ليس على التحتم بل الإمام مخير في ذلك وعلى فرض إجماع في المسألة فيحتمل إنهم أجمعوا على ذلك بعده
اقول: قد عرفت بما قررناه من بطلان جميع ما قرره نفي ذلك الثبوت، وانه اوهن من نسج العنكبوت
واما ماذكره من ان «النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه فهو مخالف لما إدعاه سابقاً من كمال أبي بكر
وأما إحتماله لتأويله على نحو غير الزنديق من غير قرينة ظاهرة مقتضية لذلك التأويل الممقوت، فهو من قبيل تأويلات ملاحدة الموت، ولو جاز أمثال هذا التأويل العليل لأرتفع الأمان عن دلالة القرآن المبين، وسنن سيد المرسلين، وخرجا عن كونهما دليلاً للمحققين، حجة على البطلين
وأما قوله «ان قطعه يسار السارق فيحتمل إنه خطأ من الجلاد» فوجه الخطأ فيه ظاهر فإن قطع يد ذلك السارق لم يكن من خلاء بحيث يكون الجلاد منفرداً بل كان في ملاء مشاهد القوم من الصحابة وغيرهم فاذا كان من غلط الجلاد فلم
وأما قوله «فمن اين علم انها للسرقة الأولى، وانه قال للجلاد إقطع يساره» ففيه ان من قدح في أبي بكر بتلك لارواية انما قدح لوجدانه اياها في كتب الحديث والسير مشتملة على تلك الخصوصيات فعلم ان قوله «من أين علم» نفخ من غير ضرام على إن التخطئة قد توجهت من الصحابة المعاصرين الشاهدين لحكمه الفاسد فلو كانت للسرقة الأولى ما نسبوه الى الخطأ لايقال: يحتمل أن يكون ذلك لعدم علمهم انه في المرتبة الثانية لأنا نقول لو كان كذلك وسلم عن التخطئة
وأما قوله «وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله؛ الى آخره» فنازل جداً لأن الشمول قد خص بفعل النبي صلى الله عليه وآله على رؤس الأشهاد فالغفلة عن ذلك لا تليق بحال من قام مقامه ص وكذلك الكلام في قوله «إنقطع النبي صلى الله عليه وسلم اليمنى في الأولى ليس على التحتم» لما تقرر في الإصول إن فعل النبي صلى الله عليه وآله مالم يعلم وجهه محمول على الوجوب
وأما قولة«وعلى فرض اجماع في المسئلة» فمدخول بظهور قطعية هذا الإجماع ظهوراً لاينكره إلا هذا الشيخ الفارض الذي فرض على نفسه إصلاح معايب أبي بكر بكل حيلة ووسيلة على إنه لو جاز ذنعقاد هذا الإجماع بعد فعل أبي بكر بكل حيلة ووسيلة على إنه لو جاز إنعقاد هذا الإجماع بعد فعل أبي بكر لجاز أن يقال في الإجماع الذي إدعاه هذا الشيخ مراراً في خلافة ابي بكر إنما إنعقد بعد غصبه الخلافة كما وقع نظيره لمعاوية ولعله لا يرضى بذلك فتأمل.
وأما ما إعترف به من توقف أبي بكر في مسئلة الجدة والسؤال فيها عن الناس فهو كاف في ظهور نقصه وقصوره وأين دنو من لم يقف على المسألة حتى سأل، من علو من قال مستوياً على عرش التحقيق «سلونني عما دون العرش، وسلوني قبل أن تفقدوني»
وأما قوله «فإنه نظر أولاً في القرآن ومحفوظاته؛ الى آخره» ففيه نظر ظاهر لأنه لو كان دأبه في الأحكام
وأما ما ذكره آخرً من أن «طلبه إنظمام آخر الى المغيرة إحتياط فقط» فهو مع إنه لايقدح في مقصودنا ليس بمتعين أن يكون منظوراً لأبي بكر لجواز أن يكون منظوره في ذلك إعتقاده لفسق المغيرة فقد روي الجمهور مستفيضاً إنه شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب ولقن الرابع وهو زياد بن أبيه حتى تلجلج في الشهادة فدفع عنه الحد هذا ومع ذلك فهو راوي شطر من أحاديث القوم فلا تغفل عنه.
ذم عمر لأبي بكر
52 ـ قال: الخامسة زعموا إن عمر ذمه والمذموم من مثل عمر لا يصلح للخلافة وجوابها إن هذا من كذبهم وافتراءهم أيضاً ولم يقع من عمر ذم له قط وإنما الواقع منه في حقه غاية الثناء عليه واعتقاد إنه أكمل الصحابة علماً ورأياً وشجاعة كما يعلم مما قدمناه عنه في قصة المبايعة وغيرها؛ على إن إمامة عمر إنما هي بعهد أبي بكر اليه فلو قدح فيه لكان قادحاً في نفسه وإمامته.
وأما إنكاره على أبي بكر كونه لم يقتل خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة وهو مسلم ولتزوجه إمرأته من ليلته ودخل بها فلا يستلزم ذماً له ولا إلحاق نصبه لأن ذلك إنما هو من إنكار بعض المجتهدين على بعض في الفروع الإجتهادية وهذا كان شأن السلف وكانوا لايرون فيه نقصاً وإنما يرونه غاية الكمال؛ على إن الحق عدم قتل خالد لأن مالكاً إرتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل أهل الردة وقد إعترف أخو مالك لعمر بذلك وتزوجه إمرأته لعله لإنقضاء عدتها بالوضع عقب موته، أو يحتمل إنها
اقول: ما أتى به من التكذيب والإنكار مكابرة على الشائع الذائع الذي ضاقت الدنيا من إمتلائه روماً لإصلاح ما أفسده الدهر من حال خلفائه «وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر».
وأما ماذكره في العلاوة من المقدمة القائلة بأن «إمامة عمر إنما هي بعهد أبي بكر اليه؛ الى آخره» ففيه إنا نعلم إن المقدمة المذكورة تقتضي كف عمر عن القدح فيه لكن الله تعالى قد أنساه تلك المقدمة بعض الأحيان وأجرى الحق على لسانه بذكر بعض القوادح التي نقلها الثقات من ارباب السير والتواريخ ليكون حجة لأهل الحق على أهل الباطل.
وأما ماذكره من أن «إنكاره على أبي بكر في عدم قتله خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة لاستلزم ذماً له؛ الى آخره» فمدخول بأن الذم كل الذم إنما هو في إهماله إجراء حكم الشرع في شأن خالد لكن لما كان صدور الذم عليه من مثل عمر أشد عند أوليائه من المتسمين بأهل السنة خاصه الشيعة بالذكر فقوله «لايستلزم ذماً له» كما ترى.
وأما ماذكره من إجتهاده في ذلك فهو من قبيل إجتهاد أبي جهل وامثاله في مقاتلة النبي صلى الله عليه وآله، واجتهاد معاوية في محاربة أمير المؤمنين عليه السلام؛ والقائل بمثل ذلك لا يليق بالجواب، ولا يستحق الخطاب،
وأما ماذكره في العلاوة الثانية من «إن الحق إن مالكاً إرتد ورد على قومه، الى آخره» فقد عرفت بطلانه بما نقلناه سابقاً من كلام إبن حزم وغيره عند الكلام على
وأما ما إحتمله من تزويج خالد لأمرأة مالك بعد إنقضاء عدتها بالوضع عقب موته فمردود بأن عدة إمرأة المسلم لا تنقضي بما ذكره، نعم إستبراء الإماء المسبية من الكفار يتحقق بمثل ذلك وقد بينا إن مالكاً لم يرتد قطعاً
وأما إحتمال «إنها كانت محبوسة عنده؛ الى آخره» فمع إبتنائه أيضاً على إرتداد مالك مردود كسابقه بأنه كيف يليق بشأن عمر مع ما رووا فيه «إنه لو كان نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله لكان هو عمر» أن ينكر على أبي بكر ذلك الإنكار المنقول، ويحرضه على قتل خالد سيف الله المسلول، من غير علم بحال القاتل والمقتول ولعمري إنه لو قيل لإنسان: أسخف واجتهد. ماقدرعلى أكثر مما أتى به هذا الشيخ من الهذيان والهذر؛ ومن بلغ الى هذه المرتبة من المكابرة، فقد كفى مؤنة خصمه في المناظرة.
وأما ماذكره من «إن خالداً إتقى الله من أن يظن به مثل هذه الرذائل؛ الى آخره» فهو مجرد حسن ظن لا يغني من الحق شيئاً ولو سلم فأول من يرد عليه هذا الإعتراض هو عمر حيث ساء الظن بخالد وهم بقتله.
وأما تسمية خالد بسيف الله فوقعت من أبي بكر لإعانته له في غصب الخلافة أولأً وقتل مالك الذي أوقع الخلل في خلافته ثانياً فانكشف المعمى، وظهر إنه لاكرامة في ذلك الإسم والمسمى.
وأما قوله «فالحق مافعله أبو بكر لا ما إعترض عليه» ففيه إن هذا الإعتراف منه ببطلان عمر في ذلك الإعتراض وهو يكفي للقدح فيهما لأنهما كالحلقة المفرغة في غصب الخلافة والبدع التي أحدثاها في الدين عن فرط الجلافة.
وأما ماذكره من التأييد فوهنه ظاهر مما قدمناه في الكلام المتعلق بالفصل الثالث ايضاً من إنه لما أفضت الخلافة الى عمر هرب خالد الى الشام واسترجع عمر بقية ماكان في أيدي
53 ـ قال: السادسة زعموا إن قول عمر «إن بيعة أبي بكر كانت فلتة لكن وقى الله شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه» قادح في حقيتها وجوابها إن هذه من غباواتهم وجهالاتهم، إذ لا دلالة في ذلك مما زعموه لأن معناه إن الأقدام على مثل ذلك من غير مشورة الغير وحصول الإتفاق منه مظنة الفتنة فلا يقدمن أحد على ذلك على إني اقدمت عليه فلست على خلاف العادة ببركة صحة النية وخوف الفتنة لو حصل توان في هذا الأمر كما مر مبسوطاً في فصل المبايعة انتهى.
اقول: حاصل إحتجاج الشيعة بذلك إن ضمير«شرها» في قول عمر راجع الى البيعة فيلزم توصيف بيعة أبي بكر بالشر وهذا إزراء بجلالة قدره عندهم وكذا في لفظ الفلتة إستحقار لها ففي ماذكره عمر غاية المذمة إذ لا مذمة فوق الوصف بالشر ولقد أنطقه الله بالحق حيث إعترف في بيان المعنى بعدم حصول الإتفاق على خلافة ابي بكر وبهذا أظهر إن الغبي الجاهل هل هذا الشيخ المتحجر أو الشيعة ؟ وقد مر منا أيضاً مفصلاً في الفصل الذي ذكره ما هو الفيصل فتذكر.
ابوبكر و غضب فدك
54 ـ قال: السابعة زعموا إنه ظالم لفاطمة عليها السلام بمنعه إياها من مخلف أبيها وإنه لادليل له في الخبر الذي رواه «نحن معاشر الأنبياء لانورث، ماتركناه صدقة» لأن فيه إحتجاجاً بخبر الواحد مع معارضته لآية المواريث وفيه ماهو مشهور عند الأصوليين.
وزعموا ايضاً إن فاطمة عليها السلام معصومة بنص (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وخبر «فاطمة بضعة مني» وهو معصوم فتكون معصومة وحينئذ فيلزم صدق دعواها الإرث وجوابها