(4)
فصل
خلق الله تعالى قبل آدم الجن والنسناس، وأسكنهم الأرض، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فخلق آدم خليفة فيها وأسجد له الملائكة فأبى إبليس تعظما لقوله:
(خلقتني من نار وخلقته من طين(1)) ولم يدر أن الطين أنور من النار، لأن النار من الشجر الذي هو من الطين.
وعهد الله إلى آدم وإلى صور ذريته في السادة عليهم السلام، فعزم بعضهم أن ذلك كذلك فسموا أولي العزم، أي القوة، ثم ولد هابيل وقابيل، فلما تقربا تقبل من هابيل دون قابيل، فعاداه فقتله، فأولد الله لآدم شيث، وهو هبة الله فأوحى الله تعالى إلى آدم أني متوفيك فأوص إلى خير ولدك وهو هبة الله فإني لا أخلي الأرض من عالم أجعله على خلقي ففعل، وأوصاه أن يفعل مثل ذلك، إذا حضرته الوفاة، وأن يوصي من بعده إلى من بعده، وهكذا.
فلما قبض آدم أوحى الله إلى هبة الله أن: صل عليه وكبر خمسا، فصلى و كبر فجرت السنة، وكبر سبعين أخرى سنة بعدد صفوف الملائكة كلهم، ممن صلى خلفه، ودفن بأبي قبيس، ثم حمل نوح عظامه ودفنها بالغري، فقام هبة الله بأمر الله، فجاء قابيل إليه وتوعده أنه إن أظهر أنه وصي أبيه قتله.
فلما حضرت هبة الله الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ريسان ابن نزله و هي الحورية التي نزلت إليه من الجنة، وروي أن اسمه ايونش ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أمخوق وروي اسمه قينان ففعل، وظهر عوج بن عناق من ولد قابيل فأفسد في الأرض، فاشتدت المحنة على الشيعة، فلما حضرت أمخوق الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه مخليب ففعل، فقام بأمر الله متخفيا من عوج فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه عميشا ففعل.
فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أخنوخ وهو إدريس
____________
(1) الأعراف: 12.
فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أرفخشد، ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه نوح ففعل.
وكان اسم نوح عبد الغفار سمي نوحا لنوحه على قومه، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه سام ففعل، فآمن به شيعته وخالف عليه أخواه حام ويافث، وولد لحام كنعان أبو نمرود، وأقام أولاد قابيل وعوج على كفرهم، فلما حضر سام الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أرفخشد ففعل، وملك في زمانه افريدون وهو ذو القرنين، وروي أن الخضر عليه السلام وهو ابن أرفخشد بن سام كان على مقدمته.
فلما حضرت أرفخشد الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه شالخ ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه هود ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه قالع ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه يروع ففعل فقام يروع بأمر الله مستخفيا حتى قتله عوج فعند ذلك اختار الله لأمره بوسيا بن أمين الله، وجمع له المؤمنين، فلم يزل يجاهد حتى رفعه الله إليه بغير موت، وأمره قبل ذلك أن يوصي إلى ضارع بن يروع بن قالع، ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه ناخور ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه تارخ ففعل، وهو أبو إبراهيم عليه السلام وأمر نبوته مشهورة، وكان آزر جده لأمه منجما لنمرود بن كنعان بن حام بن نوح، وهذا نمرود الذي ملك المغربين وهو صاحب النسور والتابوت.
فلما حضرت إبراهيم الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه إسماعيل، فلما
فلما حضرت يعقوب الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه يوسف ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه لاوا، فلما حضرته الوفاة قام ابنه يزد مقامه فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه ميتاح فاتبعه المؤمنون مستخفون من الجبابرة، فلما حضرت ميتاح الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه عاف ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه حتام ثم أوصى إلى ابنه أدوم، وأوصى أدوم إلى شعيب، وهو ابن ثابت بن إبراهيم ثم ظهر فرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب ثم بعث الله آبور بن آمون بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ثم ولد هارون وموسى وأمرهما مشهور.
فلما ماتا كان وصي موسى يوشع بن نون، فخرجت عليه صافورا، وهي غير صفرا بنت شعيب امرأة موسى ثم أوصى يوشع إلى ابنه فنحاس، وفنحاس إلى ابنه شبر، وشبر إلى ابنه حيويل، وحيويل إلى ابنه آثاب، وآثاب إلى ابنه أحمر وأحمر إلى ابنه عرق، وعرق إلى ابنه طالوت، وطالوت إلى داود، وداود إلى سليمان، وسليمان إلى آصف، وآصف إلى ابنه صفور، وصفور إلى ابنه منبه ومنبه إلى ابنه هند، وهند إلى ابنه أسفر، وأسفر إلى ابنه خامر، وخامر إلى ابنه إسحاق، وإسحاق إلى زكريا ابن أذن.
وقبل أن تنشره اليهود(1) سلم الأمر إلى عيسى عليه السلام وقيل: إلى شايع وأوصى شايع إلى ابنه دوييل، فلما مات بعث الله المسيح عليه السلام فلما رفعه الله قام شمعون مقامه، فلما حضرته الوفاة أمره الله أن يسلم الأمر إلى يحيى، فلما أراد الله قبضه أوحى إليه أن يجعل الإمامة في ولد شمعون فجعلها في ابنه منذر بن شمعون وفي زمان منذر خرج بخت نصر بن بلينصر.
____________
(1) أي يقطعوه بالمنشار.
ثم أوصى انسوا إلى ابنه وسيخا وملك في زمانه سابور بن سابور، ثم ابنه يزدجرد، وأوصى وسيخا إلى ابنه نسطورش، وملك في زمانه بهرام بن يزدجرد أيضا ثم ابنه فيروز ثم أوصى نسطورش إلى مرعيد، ومرعيد إلى بحير.
ثم استخلص الله من الشجرة الطاهرة سيد الأولين والآخرين محمدا صلى الله عليه وآله كل واحد ممن قدمناه بوحي الله إليه أن يوصي عند وفاته بمن أخرناه.
وفي خبر آخر إن الله تعالى لما أراد قبض يحيى بن زكريا أوحى إليه بالوصية إلى منذر بن شمعون، ففعل، فأوصى شمعون إلى ابنه سلمة، وسلمة إلى ابنه برزة، وبرزة إلى أبى، وأبى إلى دوس، ودوس إلى أسيد، وأسيد إلى هوف وهوف إلى ابنه يحيى، ويحيى إلى قانا، وهو السيد محمد صلى الله عليه وآله.
فهذا ما أجراه من سننه في الأنبياء السالفين من الوحي إليهم بالنص على الوصيين فكيف يخرق عادته في سيد المرسلين، وقد وجدت نحو ذلك في بصائر الأنس مرويا برجاله، ولكن فيه زيادات ومغايرات في الأسماء، فاقتنعت بهذا عن إيراده، وفي آخره:
ودفعها إلي بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى ولدك واحدا بعد واحد، وسماهم عليهم السلام، تركتهم هنا لألحقهم بالفصل المخصوص بإفراد الأسماء فمن توسع إلى ذلك طلبه منه، ووجدته أيضا في الكتاب المذكور مرويا برجال آخرين وفيه أسماء الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد، وسأورده إن شاء الله تعالى.
(5)
فصل
* (من غير هذا) *
أسند ابن جبر في نخبه عن الصادق عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة نودي أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود فيقال له: لسنا إياك أردنا، وإن كنت لله خليفة فيقوم أمير المؤمنين فيأتي النداء: يا معشر الخلائق، هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده، فمن تعلق بحبله في الدنيا فليتعلق بحبله اليوم فيستضئ بنوره ويتبعه إلى الجنة.
وأسند أيضا في الكتاب المذكور أن عليا قال: من لم يقل: إني رابع الخلفاء فعليه لعنة الله، ثم ذكر عليه السلام آدم، وداود، وموسى عليهم السلام(1).
وأسند الشيرازي إلى علقمة بن الأسود: وقعت الخلافة من الله لثلاثة: آدم:
(إني جاعل في الأرض خليفة(2)) داود (إنا جعلناك خليفة في الأرض(3)) علي بن أبي طالب (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض(4)) ونحوه في تفسيره ابن أبي عبيدة والطائي وقد سلف ذلك.
وأسند ابن حنبل إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله يوم خرج إلى تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وهذا يعم كل ذهاب، وإن كان سببه ذلك، فإن السبب لا يخص كما تبين في الأصول، وقد سلف ذلك مستوفى.
وأسند أيضا حديث الدار وفيه ذكر الخلافة وأسند ابن المغازلي والثعلبي وقد مضى وأسند أيضا إلى سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله: كنت أنا وعلي نورا واحدا ثم
____________
(1) بل هارون لقول موسى فيه بأمر الله (اخلفني في قومي).
(2) البقرة: 30.
(3) ص: 26.
(4) النور: 55.
وأسند ابن مردويه والسمعاني إلى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله تنفس فقلت:
ما لك؟ قال: نعيت إلي نفسي فقلت: استخلف، قال من؟ قلت: أبا بكر فسكت صلى الله عليه وآله ثم تنفس، فقلت: ما لك؟ قال: نعيت إلى نفسي، قلت: استخلف قال: من؟
قلت: عمر، فسكت صلى الله عليه وآله ثم تنفس فقلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إلي نفسي، قلت:
استخلف، قال: من؟ قلت: عليا فسكت ثم قال: أما والذي نفسي بيده، لو أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين. فأقسم عليه بذلك بعد أن سكت عن الأولين مؤكدا بقوله: أجمعين أكتعين والحق لا يكون إلا في واحدة، وهي هنا جهة علي بقول النبي صلى الله عليه وآله.
وفي مناقب ابن مردويه قالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وآله في مرضه: ادعوا لي حبيبي فدعوت أبا بكر فنظر إليه، ثم وضع رأسه، وقال: ادعوا لي حبيبي، فقلت:
ادعوا له عليا فوالله ما يريد غيره، فجاءه فأفرج له الثوب الذي عليه، وأدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض. ورواه الطبري في الولاية والدارقطني والسمعاني والموفق المكي، وفي بعضها أن عمر ادخل أيضا إليه، ففعل معه مثل ما فعل بأبي بكر.
وفي مناقب ابن المغازلي قالت: لقد فاضت نفسه في يد علي فردها في فيه.
فهذه أخبار الفريقين بلفظ الخلافة المقتضية لسلبها عن غيره في زمانه كافة ولم يبق بعدها لمقتبس نارا، ولا لملتمس منارا.
وأنشأ السيد المرتضى في ذلك:
إذا ذكروه للخلافة لم تزل | تطلع من شوق رقاب المنابر |
إذا عدد المجد التليد تنحلوا | علا يتبرا من عقود الحناجر |
جريون إلا أن تهز رماحه | ضنينون إلا بالعلا والمفاخر |
وقال زيد بن مزيد:
خلافة الله في هارون ثابتة | وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور |
إرث النبي لكم من دون غيركم | حق من الله في القرآن مسطور |
(6)
فصل
أذكر فيه أخبارا من القبيلين تجري مجرى النص عليه.
منها: ما أسنده ابن مردويه إلى النبي صلى الله عليه وآله لو أن عبدا عبد الله ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف حجة على قدميه ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة.
قلت: لأنه ليس بمؤمن، والإيمان شرط وجوب الثواب، في نص الكتاب (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن(1)).
وفي شرف المصطفى وتاريخ النشوي عن النبي صلى الله عليه وآله لو أن عبدا عبد الله بين الركن والمقام ألف عام، ثم ألف عام، ولم يكن يحبنا أهل البيت لكبه الله على منخره في النار.
ونقل ابن المغازلي عن مجاهد عن ابن عباس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي غضبانا وقال: آذاني فيك بنو عمك، فقام النبي غضبانا فقال: أيها الناس من آذى عليا فقد آذاني، إن عليا أولكم إيمانا وأوفاكم بعهد الله، من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا، فقال جابر: وإن أقر بالوحدانية والرسالة؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن ذلك كلمة يحتجبون بها عن أن تسفك دماؤهم، و تؤخذ أموالهم.
____________
(1) طه: 112.
جاءني جبرائيل بورقة آس أخضر. مكتوب فيها ببياض: افترضت محبة علي بن أبي طالب على خلقي، فبلغهم ذلك عني.
وفي معجم الطبراني من أهل الخلاف قالت فاطمة: قال لي النبي صلى الله عليه وآله: إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير هائب لقومي، ولا محاب لحق قرابتي، هذا جبرائيل يخبرني أن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته، والشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد موته.
وفي فردوس الديلمي عن عمر قال النبي صلى الله عليه وآله: حب علي براءة من النار.
وروى ابن حنبل في مسنده، وابن بطة في أماليه، والخطيب في أربعينه، والثعلبي في ربيع المذكرين، عن زيد بن أرقم قول النبي صلى الله عليه وآله: من أحب أن يتمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه، فليتمسك بحب علي بن أبي طالب.
وأسند المفيد في إرشاده عن حنش قول علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي إلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق، ونحوه عن حنش بطريق آخر ونحوه عن الحارث الهمداني و مثله في مسند ابن حنبل ونحوه عن أم سلمة بطريقين، ورواه الحميدي في الحديث التاسع من الجمع بين الصحيحين في الجزء الثاني من الجمع بين الصحاح الستة من صحيح أبي داود ومن صحيح البخاري.
وأسند ابن حنبل أيضا عن الخدري: كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم عليا وأسند إليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: من أبغضنا أهل البيت فهو منافق، وأسند إلى الزبير: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم إياه. وأسند إلى عمار قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.
وأسند إلى عروة أن رجلا وقع في علي بحضرة عمر، فقال عمر: إن أبغضته آذيت هذا في قبره، يعني النبي صلى الله عليه وآله.
وهذه الأحاديث ونحوها حذفت إسنادها للتطويل بذكرها، ولأن المسلم لها لا يحتاج إلى ذكرها، والطاعن فيها قد يطعن في سندها وقد اتضح بين الأمة بالاتفاق أن حبه علم الإيمان، وبغضه علم النفاق، ولأجل محبة الله ورسوله أمر بمحبته.
وفي الخبر عن الرسول: إذا أحب الله عبدا حببه إلى خلقه. فكيف من فرض حبه على كل مكلف من عباده، وجعله علما لطهارة ميلاده، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله فيه: لا يبغضه ويعاديه إلا منافق أو كافر أو ولد زنية.
وأسند ابن خلاد قول عقبة ابن عامر الجهني: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على وحدانية الله، وأنه نبيه، وعلي وصيه، فأي الثلاثة تركنا كفرنا، وقال لنا:
حبوا هذا فإن الله يحبه، واستحيوا منه فإن الله يستحيي منه.
ويعضده قول النبي صلى الله عليه وآله في رواية جابر: أول ثلمة في الاسلام محالفة علي وأول حق فيه اتباع علي، والمحبة هنا الاتباع له والاقتداء به، وقد ظهر أن المتقدم عليه ومن تبعه لا يحبه، لأنه أغضبه وغصبه حقه، وقد سلف في ألفاظ النبي صلى الله عليه وآله (الشقي كل الشقي من أبغضه، ومن آذاه بعث يهوديا أو نصرانيا) فوجب تقديمه وجوبا ومحتوما لا بد له.
قال الخليفة القاضي العباسي:
قسما بمكة والحطيم وزمزم | والراقصات وسعيهن إلى منى |
بغض الوصي علامة مكتوبة | تبدو على جبهات أولاد الزنا |
من لا يوالي في البرية حيدرا | سيان عند الله صلى أو زنى |
وقول رسول الله فيه مصدق | رواه ابن عباس وزيد وجابر |
محب علي لا محالة مؤمن | وباغضه - والله والله - كافر |
(7)
فصل
* (في تسمية على أمير المؤمنين وهو يؤيد ما سبق) *
أسند المفيد في إرشاده إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله: يدخل عليك الساعة أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأقدم الناس إسلاما، وأكثرهم علما، وأرجحهم حلما، فدخل علي، فقال: حدث في حدث؟ فقال صلى الله عليه وآله: ما أحدث فيك إلا خير أنت مني وأنا منك، وتفي بذمتي، وتغسلني، وتلحدني، وتسمع الناس عني وتبين لهم ما يختلفون فيه من بعدي. ونحوه روى القاسم به جندب وبشير الغفاري وأبو الطفيل عن أنس، ونحوه أيضا في حلية أبي نعيم وولاية الطبري عن أنس.
وأسند أيضا إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله لأم سلمة: اسمعي واشهدي هذا علي أمير المؤمنين، وسيد المرسلين، وأسنده الأعمش إلى السدي إلى ابن عباس.
وأسند علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هو أمير المؤمنين بولاية من الله عقدها له.
وأسند المفيد أيضا وابن مردويه إلى معاوية بن ثعلبة قول أبي ذر: أوصيت إلى أمير المؤمنين قبل عثمان؟ قال: لا ولكنه أمير المؤمنين حقا علي بن أبي طالب.
وروي أيضا عن بريدة قال: وهو مشهور بأسانيد يطول شرحها قال: أمرني النبي صلى الله عليه وآله وأنا سابع سبعة، فيهم أبو بكر، وعمر، وطلحة، والزبير بالسلام على علي بإمرة المؤمنين، فسلمنا والنبي صلى الله عليه وآله حي بين أظهرنا.
وأسند ابن جبر في نخبه قول الله للنبي في المعراج: من خلفت لأمتك؟
تذنيب:
لا يدل سبق إسلامه على تقدم كفره، لأنه دعوة إبراهيم عليه السلام في قوله:
(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام(1)) بل المراد أنه صدق بسيد المرسلين، وقد قال إبراهيم عليه السلام: (أنا أول المسلمين(2)) وموسى (وأنا أول المؤمنين(3)) وقد قال الله تعالى في نبينا صلى الله عليه وآله: (آمن الرسول بما أنزل إليه) (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان(4)).
وأسند السعودي وعباد الأسدي وهما من أهل الخلاف إلى بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر وعمر بالسلام على علي بإمرة المؤمنين فقالا: يا رسول الله وأنت حي؟ قال صلى الله عليه وآله: وأنا حي. وفي رواية السبيعي أن عمر قال: عن أمر الله وأمر رسوله؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم.
وأسند الثقفي إلى الكناني إلى المحاربي إلى الثمالي إلى الصادق عليه السلام أن بريدة قدم من الشام فرأى قد بويع لأبي بكر، فقال له: أنسيت تسليمنا على علي بإمرة المؤمنين، واجبة من الله ورسوله؟ فقال له: إنك غبت وشهدنا، وإن
____________
(1) إبراهيم: 35.
(2) الأنعام: 163.
(3) الأعراف: 143.
(4) البقرة: 285، الشورى: 52.
وفي رواية الثقفي والسدي أن عمر قال: إن النبوة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد، فقال بريدة: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة [ والنبوة ] وآتيناهم ملكا عظيما(1)) فقد جمع لهم ذلك.
وروى ابن عباس أن عليا سلم على النبي صلى الله عليه وآله فرد عليه بإمرة المؤمنين قال: وأنت حي؟ قال: سماك جبرائيل من عند الله وأنا حي، فإنك مررت علينا ونحن في حديث فلم تسلم، فقال: ما بال أمير المؤمنين لم يسلم علينا، ولو سلم لسررنا ورددنا عليه.
وفي رواية ابن مخلد أنه سلم فرد عليه جبرائيل بإمرة المؤمنين، وقال:
خذ رأس نبيك في حجرك، فأنت أحق به، فلما انتبه قال: هذا جبرائيل أتى ليعرفك أن الله سماك بذلك.
وأسند الخوارزمي إلى ابن عباس نحوه إلا أن فيه سلم فرد عليه دحية الكلبي وقال: إن عندي مدحة أزفها إليك أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وسيد ولد آدم ما خلا النبيين، ولواء الحمد بيدك تزف إلى الجنان مع محمد أنت وشيعتك، قد أفلح من تولاك، وخسر من تخلاك، لن تنالهم شفاعة محمد.
ونحوه روى محمد بن جعفر المشهدي وزاد: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: لجبرائيل كيف سميته أمير المؤمنين؟ قال: إن الله تعالى أوحى إلي يوم بدر: اهبط على محمد فمره أن يأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يجول بين الصفين قال النبي صلى الله عليه وآله:
فسماك الله [ أمير المؤمنين ] فأنت أمير من الله على من مضى ومن بقي: لا يجوز أن يسمى به من لم يسمه الله.
ولما سمى رجل الصادق عليه السلام بذلك أنكره وقال: لا يرضى به أحد إلا ابتلي ببلاء أبى؟ ل.
____________
(1) النساء: 54.
قال سلمان: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: تمتارون منه العلم ولا يمتار من أحد.
وفي أمالي القطان وكافي الكليني قال أبو جعفر: لو علم الناس متى سمي أمير المؤمنين، ما أنكروا ولايته، قلت: فمتى سمي بذلك؟ قال: إن الله تعالى حين أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم قال:(1) (ألست بربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وليي؟ قالوا: بلى).
وذكر الخطيب في مواضع من تاريخ بغداد أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيد على يوم الحديبية وقال: هذا أمير البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، يمد بها صوته، ونحوه روى الشافعي ابن المغازلي عن جابر الأنصاري.
وأسند ابن جبر في نخبه إلى الباقر عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن قول الله تعالى: (واسأل الدين يقرؤن الكتاب من قبلك(2)) من المسؤول؟ قال:
الملائكة والنبيون والشهداء والصديقون، حين صليت بهم في السماء، قال لي جبرائيل: قل لهم: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن عليا أمير المؤمنين.
وأسند المشهدي أيضا إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: طوبى لمن أحبك وويل لمن أبغضك، أنت العلم لهذه الأمة، أنا المدينة وأنت الباب، أنت أمير المؤمنين ذكرك في التوراة والإنجيل، وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكل خير، أهل الإنجيل يعظمون اسمك اليا، وشيعتك وما يعرفونهم، خبر أصحابك أن ذكرهم في السماء أعظم وأفضل من الأرض، ليفرحوا وليزدادوا اجتهادا فإنهم على منهاج الحق
____________
(1) راجع سورة الأعراف: 172.
(2) يونس: 94.
وأسند أيضا إلى عائشة قول النبي صلى الله عليه وآله: أنا سيد الأولين والآخرين، و علي سيد الوصيين، وهو أخي ووارثي وخليفتي في أمتي، ولايته فريضة، أولياؤه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله، هو إمام المسلمين ومولى المؤمنين، وأميرهم بعدي فقال لها الراوي: وهو سعيد بن جبير: فما حملك على حربه؟ فبكت وقالت:
بغض بيت الأحماء.
وأسند ابن مردويه إلى الأصبغ بن نباتة أن زيد بن صوحان لما أصيب يوم الجمل، وقف عليه فرفع رأسه إليه، وقال: والله ما قاتلت معك عن جهل، و لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: علي أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ألا وإن الحق معه يتبعه، فميلوا معه، وقد ذكرنا هذا في موضع آخر.
وأسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام إنما سمي أمير المؤمنين عليه السلام ميرة العلم(1) لأن العلماء من علمه امتاروا، ومن ميرته اشتغلوا وقد روي أن رجلا من الشام قال لعمر: يا أمير المؤمنين! فسمعه العباس فقال: أنا أحق به منك، فقال له عمر: أحق به والله مني ومنك رجل خلفناه بالأمس في المدينة يعني عليا.
وقد تضمنت أحاديث الفريقين، وكتب القبيلتين، بالتصريح بإمامة علي عليه السلام لا بالتضمين والالتزام، وهي قطرة من بحره الزخار، وقبة من ضوء النهار، وقد أنشأ الفضلاء فيه أنواع الأشعار، تركنا أكثرها طلبا للاختصار قال السيد الحميري:
وفيهم علي وصي النبي | بمحضرهم قد دعاه أميرا |
وكان خصيصا به في الحياة | وصاهره واجتباه عشيرا |
____________
(1) الميرة: الطعام يمتاره الانسان.
علي أمير المؤمنين صريمة | ففي الوحي والأخبار ما فيه مقنع |
رواها الموالي والمولي فلم يكن | لمنكرها عنها محيد ومرجع |
سوى بغضه الموروث من شر سالف | وأنف الذي لا يتبع الحق يجدع |
ويصلى عذابا واصبا ومؤبدا | يجر إليه كارها يتدفع |
تذنيب:
أسند صاحب المراصد إلى سهل الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام وقال: أين ابن عمك؟ قالت: جرى بيننا كلام وخرج، فقال صلى الله عليه وآله:
مه لا تعودي إلى مثله، فإن رضا علي رضا الله، وغضبه غضب الله، ثم خرج في طلبه فوجده نائما والتراب على ظهره، فنفضه بيده، وقال: قم يا أبا تراب، ودخلا على فاطمة عليها السلام فطافت حول علي سبع مرات قائلة: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله وغضب وصيه، حتى سكن غضبه، فما كان إلى علي اسم أحب إليه من أبي تراب.
(8)
فصل
في قول النبي صلى الله عليه وآله: (أنت مني وأنا منك) في مقام بعد مقام حتى شاع ذلك وظهر، وذاع واشتهر، دليل على إمامته واستحقاقه لخلافته، لأن (من) هنا ليست لابتداء الغاية، وإلا لكان كل منهما مبدءا للآخر، وهو دور، ولا للتبعيض وإلا لكان كل منهما جزءا للآخر، وهو دور، نعم قد يحمل ذلك على لازم الجزء من إرادة حراسته ودفع الأذية عنه والسعي في إيصال المنافع إليه، والاشفاق التام عليه.
ولا زائدة وإلا لكان كل منهما هو الآخر، وهو اتحاد، وليست بمعنى اللام كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق(1)) أي: لأجل إملاق وإلا لكان كل منهما علة للآخر، وهو دور، ولا غير ذلك فلم يبق إلا أنها للجنسية، ومن ثبتت له المجانسة المشابهة بخير البشر، فالاتباع له والاقتداء به أجدر.
____________
(1) الأنعام. 151.