الصفحة 17
علي عليه السلام: تجلد هي دونه حدين، أحدهما لفريتها، والآخر لإقرارها (1).

وسأله أربعون امرأة: كم شهوة الرجل من شهوة المرأة؟ فقال: له جزء و لها تسعة، قلن: فما باله يتسرى (2) ويتمتع بجزء، وليس لها ذلك مع تسعة أجزاء فأفحم، فرجع بذلك إلى علي عليه السلام فأمر كل واحدة أن تأتي بقارورة ماء وتضعه في إجانة فلما فعلن ذلك قال: كل كل منكن تأخذ ماءها، فقلن: لا نميزه، فأشار إلى أنه لو فعل ذلك لبطلت الأنساب والمواريث (3).

وادعى صبي مال أبيه، فزجره عمر وطرده فصاح إلى علي عليه السلام فاستجر من قبر أبيه ضلعه فأشمه إياه فانبعث الدم من أنفه فقال لعمر: سلم المال إليه ثم أشمه الحاضرين، فلم ينبعث الدم، فأعاده إليه فانبعث فقال: إنه أبوه والله ما كذبت ولا كذبت (4).

قال الصاحب:


ناصبة هبني قد صدقتهافيما روى الأول من أمر فدك
لم قدموا على علي رجلامع قوله لولا علي لهلك

وهذا كله يبطل ما رووه من قول النبي: الحق ينطق على لسان عمر، وقد علمت من شأنه إنطاق الباطل بلسانه، على أن الحديث لو صح لصدق بفرد واحد لأنه مهمل في قوة الجزئي.

قال الجاحظ: ما كان علي إلا كبعض فقهائهم، الذين يكثر صوابهم، و يقل خطأهم.

قلنا: قد روى منكم من لا يتهم عليكم قول النبي صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي

____________

(1) وذلك لأن قولها (أنت أزنى مني) يستلزم الزناء لنفسه من دون تفضيل، ولكن الاقرار بالزناء لا بد وأن يقع أربع مرات حتى يستلزم الحد، فتأمل.

(2) أي يأخذ السرية، وهي الجارية المملوكة.

(3) أخرجه ابن شهرآشوب عن روض الجنان لأبي الفتوح الرازي ج 1 ص 492 ط إيران.

(4) راجع المناقب ج 1 ص 491.


الصفحة 18
وكان عمر أحد الفقهاء يضطر إليه اضطرار الفقير إلى الغني. والضعيف إلى القوي فأراد الجاحظ الحط لعلي من رتبته، فبالغ في تنقيص أحبته، وهذا من حمق الجاحظ وجهالته.

وقد روى البخاري قول النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أدر الحق مع علي، وروى ابن مردويه قول النبي: الحق مع علي، وروى أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: ألا وإن الحق معه يتبعه ألا فميلوا معه، ونحو ذلك كثير ولو فرضنا أنه اجتهد وأخطأ فلا لوم عليه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أيضا كل مجتهد مصيب.

ومنها: أنه بلغ به الجهل إلى إنكار موت النبي حتى قال له أبو بكر:

(إنك ميت وإنهم ميتون (1) (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (2)) فقال:

الآن أيقنت بوفاته، وكأني لم أسمعها (3) إن قيل: كان ذلك سهوا قلنا: كيف يقع السهو في الأمور المحسوسة، و خاصة في احترام خاتم النبوة، ومتى جاز السهو في هذه، جاز في جميع الأحكام فلا يوثق بها، وغلبة السهو توجب انعزال قاضي الأمة فضلا عن إمام الأمة.

وقد روى إنكاره لموته جميع أهل السير منهم البخاري والشعبي والجرجاني والطبري والزمخشري حتى قال العباس: إنما يقوله ابن الخطاب، فإنه لا يعجز أن يحثوا عنه خلوا بيننا وبينه، فإنه يأسن، أي يتغير، ولا عجب من إنكاره لموته وخطائه في أحكامه، وقد اجتهد في حفظ سورة البقرة بسبع سنين وقيل: اثنتي عشرة ونحر جزورا وليمة عند فراغه.

قالوا: إنما أنكر موته استصلاحا للرعية قلنا هذا يبطله قوله: الآن تيقنت وقوله لابن عباس: ما حملني على ذلك إلا قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة

____________

(1) الزمر: 30.

(2) آل عمران: 154 (3) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 200 ط دار المعارف، الكامل لابن الأثير ج 2 ص 219 وفي مسند ابن ماجة الحديث المرقم 1627، شرح النهج ج 2 ص 40 ط دار المعارف بمصر.


الصفحة 19
وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (1) فظننت أنه يبقى بعدنا حتى يشهد على آخر أعمالنا.

فاعترف أنه كان يعتقد ذلك حتى قال في إنكاره: لا يموت حتى يقطع أيدي وأرجل ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، فانظر كيف تهجم بالكذب على رسوله، وتخرص على الغيب المستلزم لأعظم العيب.

ومنها: أنه لما طعن قيل له: استخلف! فقال: لو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيا أو سالم مولى حذيفة لاستخلفته ذكره الطبري في تاريخه من طرق مختلفة عن مشايخه، وذكره البلاذري في تاريخ الأشراف (2) ولولا شدة بغضه لعلي ذي الخصال الجليلة، ما تمنى لها من لا يدانيه في الفضيلة.

ومنها: أنه أوجب على جميع الخلق إمامة أبي بكر، ودعا إليها لا عن وحي من الله، ولا خبر من رسول الله، أتراه كان أعلم منهما بمصالح العباد، أو استناباه في نصب أبي بكر إماما على البلاد، أم الأمة حكمته على أنفسها، حتى قضى بذلك

____________

(1) البقرة: 143.

(2) كلامه هذا من المتواترات ذكره الطبري وابن الأثير أيضا في حوادث سنة 23 وذكره شارح النهج في شرح الخطبة الشقشقية وذكره ابن الأثير في أسد الغابة ج 2 ص 246 ولفظه، لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى.

أقول: وفي روايات أصحابنا عند تفسير قوله تعالى: (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) الزخرف: 79، أن ستة من المهاجرين والأنصار وهم أبو بكر وعمر ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة وأبو عبيدة ابن الجراح عهدوا فيما بينهم وأبرموا عهدهم على أن يخرجوا سلطان محمد صلى الله عليه وآله عن أهل بيته.

ولذلك ترى ثلاثة منهم عندما كانوا حضروا يوم السقيفة، إنما يداولون البيعة فيما بينهم، وبعد ما وقعت البيعة لأبي بكر فلتة تداولوها كالكرة فيما بينهم، فأوصى أبو بكر إلى عمر، وقال عمر: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا أو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيا لما جعلتها شورى وأوصيت إليه، ثم إنه جعلها شورى في ستة وجعل الخيرة لعبد الرحمان ابن عوف لعلمه بأنه لا يدع جانب عثمان فيكون قد أخرج سلطان محمد عن أهل بيته.


الصفحة 20
عليها، فلزمها فساد أمرها، وقد سنح لمؤلف الكتاب شعر فيها:


يا بيعة القفة كم هدمتفي الخلق من أركان أديانها
وبدلت ما قاله الله فيعلي إذ تنباد أركانها
فأفسدت صالح أعمالهاتبا لها بات بخسرانها

توضيح: القفة هو الذي وضع يده في بوله فواضع يده في هذه البيعة كواضعها في بوله.

ومنها أنه تجسس على قوم في دارهم ذكره الطبري والرازي والثعلبي والقزويني والبصري وفي محاضرات الراغب والإحياء عن الغزالي وقوت القلوب عن المالكي فقال أصحاب الدار: أخطأت لقوله تعالى: (ولا تجسسوا (1)) ودخلت من غير باب لقوله: (وأتوا البيوت من أبوابها (2)) ودخلت من غير إذن لقوله: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها (3)).

قالوا: له أن يجتهد في إزالة المنكر، لأنه بلغه أنهم كانوا على منكر قلنا: لا يجوز الاجتهاد في محرم بغير علم وظن، ولهذا لما أظهر أنه كذب لحقه الخجل.

ومنها: أنه كان يعطي عائشة وحفصة كل سنة من بيت المال عشرة آلاف درهم، ومنع أهل البيت خمسهم، وكانت غلته ثمانون ألفا، ومنع فاطمة إرثها ونحلتها (4)

____________

(1) الحجرات: 12.

(2) البقرة: 189.

(3) النور: 27.

(4) فرض عمر لأزواج النبي صلوات الله عليه عشرة آلاف درهم إلا عائشة فإنه فرض لها اثنى عشر ألف درهم، كما ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال ص 226 وهكذا ذكره الطبري في تاريخه ج 3 ص 614.

لكن ولا خلاف في أنه كان لا يقسم العطية بالسوية راجع الأحكام السلطانية ص 177 فتوح البلدان للبلاذري ص 435، طبقات ابن سعد ج 3 ص 223، وكتاب الخراج لأبي يوسف ص: 51، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 153، مستدرك الحاكم ج 4 ص 8 وغير ذلك من الكتب.

وأما منعه الخمس عن أهل بيت الرسول، فقد تأولوا آية الخمس باختصاص سهم الله ورسوله وذي القربى بالرسول، وقالوا ذهب ذلك بذهاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأجروا الخمس على ثلاثة أصناف منهم على اليتامى والمساكين وابن السبيل وعزلوه عن القرابة، راجع في ذلك كتب التفاسير عند قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه وللرسول ولذي القربى).


الصفحة 21
قالوا: يجوز تفضيل النساء في العطاء قلنا: لا بسبب خطأ.

ومنها: أنه خرق كتاب فاطمة الذي أعطاها أبو بكر وقال: لا تعطها بغير بينة أسنده إبراهيم الثقفي إلى علي عليه السلام، وذكره المرتضى في شافيه، قال: وروي من طرق مختلفة فأقول: فما باله رد سبي اليمن بعد أن شراه المسلمون، بقول الأشعري: إنه صلى الله عليه وآله أعطاهم عهدا فمن أين لعمر أن يخرج حقوق المسلمين من أيديهم بغير بينة.

ومنها: أنه ترك حي على خير العمل، وقال: خفت أن يتكل الناس عليها وتدع غيرها، وروى أبو بكر بن شيبة وهو أحد شيوخ الحديث أن الحسين عليه السلام قالها وقال: هذا الأذان الأول، يعني أذان رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأسند محمد بن منصور الكوفي في كتابه الجامع إلى أبي محذورة أن النبي أمره بها، وقال ابن عباس لعمر: ألقيتها من الأذان، وبها أذن رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأبدع الكتف وهو في الصلاة من فعل اليهود والنصارى، وحذف البسملة منها، وزاد (آمين) فيها وهي كلمة سريانية يهودية، ووضع في التشهد الأول تسليما مع أنهم؟ ووا قوله عليه السلام: تحليلها التسليم، ولا خلاف عندهم أن من سلم قبل التشهد عمدا فلا صلاة له.

ومنها: أنه عطل حد الله لما شهدوه على المغيرة بن شعبة بالزنا فلقن الرابع وهو زياد بن سمينة فتركها فحد الثلاثة وكيف يجوز له صرف الحد عن مستحقه

الصفحة 22
ويوضع فيه ثلاثة بهوى نفسه، وكان كلما لقي المغيرة يقول: قد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء (1).

إن قيل: فعلي لم يحد رجلا أقر بالسرقة بل أسقطه بحفظه سورة البقرة فقال الأشعث بن قيس: تعطل حد الله؟ قلنا: قال له ويحك: إن للإمام الخيار في المقر أن يعفو أما مع الشهود فليس له أن يعفوا.

ومنها: ما ذكره الشهيد في قواعده أنه حد رجلا زور عليه كتابا مائة فشفع فيه قوم فجلده مائة ثانية ثم مائة أخرى، وليس ذلك من موجبات الحد، بل التعزير ولا يجوز أن يبلغ مائة جلدة.

ومنها: أنه كان يتلون في الأحكام ويتبع الظن، حتى قضى في الجد بسبعين قضية، وقيل: بمائة قضية وقال: إني قضيت في الجد تسعين قضية، وقيل:

مائة قضية وقال: إني قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها لم أكن فيها على الحق، ذكره عنه أيوب السختياني عن ابن سيرين.

وحكى الجاحظ قول عمر: أجرأكم على الجد أجرأكم على النار، ثم اختلف قضاؤه فيه، وهذا دليل مناقضته وخبطه، مع قوله: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله، بغير ما أراد الله.

وقال في الكلالة: أقول فيها برأيي، ومنع متعة الحج مع وجوبها في الكتاب ومتعة النساء، وسيأتي القول فيها محررا فليطلبه من أراده مأجورا.

ومنها: أنه أبدع في الشورى أمورا خرج بها عن النص والاختيار جميعا فروى الجمهور أنه نظر إلى أهل الشورى وقال: قد جاءني كل واحد منهم يهز عقيرته يرجو أن يكون خليفة.

____________

(1) ذكر القصة بطولها أصحاب السير، وتراه في ابن خلكان ج 2 ص 455، تاريخ ابن كثير ص 7 ص 81، شرح النهج لابن أبي الحديد ص 3 ص 161، السنن الكبرى للبيهقي ص 8 ص 235، تاريخ أبي الفداء ص 1 ص 174، الأغاني ص 14 ص 146 ط الساسي، تاريخ الطبري ص 4 ص 207 ط قديم مصر، وغير ذلك من الكتب.


الصفحة 23
أما أنت يا طلحة أفلست القائل (لئن مات النبي لننكحن أزواجه؟) فنزل تحريمهن أبدا.

وأما أنت يا زبير فوالله مالان قبلك يوما ولا ليلة، وما زلت جلفا جافيا مؤمن الرضا، كافر الغضب يوما شيطانا ويوما رحمانا.

وأما أنت يا عثمان فوالله لروثة خير منك، ولئن وليتها لتحملن بني معيط على رقاب الناس ولئن فعلتها لتقتلن قالها ثلاثا.

وأما أنت يا عبد الرحمن فعاجز تحب قومك.

وأما أنت يا سعد فصاحب عصبة وفتنة مفتتن وقتال لا تقوم بقرية لو حملتها.

وأما أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحتهم، ثم قام علي وخرج فقال عمر: والله إني لأعلم مكان الرجل لو وليتموه أمركم ليحملنكم على المحجة البيضاء قالوا: فلم لا توليه؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل. (1) وقال له ابنه مثل ذلك فقال: أكره أن أتحملها حيا وميتا (2).

وفي كتاب السقيفة للجوهري منهم ما يناسب ذلك وفي كتاب الاستيعاب منهم قول ابن عباس: ما أدري ما أصنع بأمة محمد؟ قلت: إنك القادر على أن تضع ذلك مكان الثقة، قال: تعني عليا؟ قلت: أجل قال: إنه كان كما ذكرت لكنه كثير الدعابة.

قال ابن طاووس: الدعابة من أخلاق النبيين، فانظر كيف طعن عمر فيهم ثم أهلهم وجعل الأمر إليهم، دون غيرهم ثم نقل الأمر إلى أربعة وأمر بقتل من خالفهم، ثم نقله إلى ثلاثة، وجعل للثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن، لعلمه أنه لا يعدل بها عن ختنه وابن عمه عثمان، وأن عليا وعثمان لا يجتمعان ثم أمر بقتل

____________

(1) راجع شرح النهج ج 1 ص 185 ط دار المعارف، أنساب الأشراف ج 5 ص 18، كنز العمال ج 3 ص 158، الاستيعاب في ترجمة علي عليه السلام.

(2) تراه في الاستيعاب في ترجمة عمر بن الخطاب، كنز العمال ج 6 ص 359 الرياض النضرة ج 2 ص 72.


الصفحة 24
الثلاثة الأخر، ثم أمر بقتلهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام، وكيف يستحقون القتل، وقد كلفوا اختيار الإمام، وربما طال زمان الاجتهاد بحسب تعارض الصلاح والفساد.

قالوا: أمر بقتلهم إن تأخروا على طريق شق العصا، وطلب الأمر من غير جهته قلنا: ذلك لا يوجب القتل، ولئن أوجبه لم يجز تأخيره ثلاثا ولله در القائل:


وما ترك النبي الناس شورىبلا هاد ولا علم مقيم
ولكن سول الشيطان أمرافأردى بالسواء وبالسئيم

وقد كانت الشورى سبب اختلاف الآراء، وتشتيت الأهواء، كما ذكره أهل التواريخ، وصاحب العقد في المجلد الرابع عن معاوية بن أبي سفيان، فكان عمر سبب الاختلاف في منع النبي صلى الله عليه وآله من الكتاب أولا، وفي جعل الأمر شورى ثانيا.

ومنها: أنه لم يحكم على نفسه بل أخرجها من أولياء الله الذين هم ناجون (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (1) فقد أسند الواقدي إلى ابن عباس أنه دخل عليه حين طعن، وقال: مضى النبي وهو عنك راض، فقال: المغرور من غررتموه، أما والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، فأين هذا من قول علي: إني إلى لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، وإني لعلى صراط مستقيم من أمري، وبينة من ربي، وسنذكر شيئا من ذلك عند ذكر الصحيفة.

وقال ابن عمر لابن أبي بكر: اكتم علي ما أقول، إن أبي لما حضرته الوفاة بكى فقلت: مم؟ قال: آت عليا ليحلني وأردد عليه الأمر فلما جاء قال له ذلك قال: أجيبك على أن تشهد رجلين من الأنصار ورجلين من المهاجرين أنك وصاحبك ظلمتماني فحول أبي وجهه، فخرج علي فقلت: قد أجابك فأعرضت عنه؟ فقال: يا أحمق أراد أن لا يصلي علي أحد.

____________

(1) يونس: 62.


الصفحة 25
فلما حضرته الوفاة كان يقول مثل ما كان أبوك يقول وكان في حياته شاكا في دينه، وسنذكر طرفا منه في باب المجادلة.

وفي مسند ابن سليمان قال رجل للشعبي: إن عليا شهد للثاني بالجنة، فما تقول أنت؟ فقال: يبكي في خطيئته، وأنا أشهد له بالجنة؟.

وفي الحلية إن عمر قال: لو نادى منادي السماء أنكم داخلون الجنة إلا واحدا لخفت أن أكون هو.

وفي مواعظ الكرامي أنه قال عند احتضاره: ليتني كنت كبشا لأهلي فأكلوا لحمي، ومزقوا عظمي، ولم أرتكب إثمي، وهذا يدل على خروجه من الدنيا على غير يقين.

وأسند الحسين بن عبد الله إلى الحسن بن علي أنه قال عند موته: أتوب إلى الله من اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو دور.

وفي الحديث الأول من أفراد البخاري من الجمع بين الصحيحين أن ابن عباس دخل عليه لما طعن وهو يتألم فقال: جزعي من أجلك وأجل صاحبك، والله لو أن لي تلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله، قبل أن أراه، ونحو هذا أحاديث أخر تأتي إن شاء الله.

ومنها: ما أسنده جعفر بن علي الخزاز إلى سعيد بن المسيب ومحمد بن علي البصري إلى أبي سعيد الخدري أنه كتب إلى معاوية عهدا يذم فيه الاسلام ومحمدا وجعله ساحرا ويقسم باللات والعزى ما جحدها منذ عبدها، ويشكرها أنها هي التي دلت عتيقا بحيلته، وشهادته بفضائله، وتسرعه إلى بيعته، وادعائه أن عليا سلم خلافته بعد أن جره إلى سقيفته، بحبل في عنقه، وأشاع القول ببيعته، وحلف أبو ذر أن عليا ما أجاب إلى بيعته، ولا واحد من عشيرته، ثم فمن يا معاوية فعل فعلي، واستشاد أحقاد أسالفه غيري.

وذكر له أنه إنما قلده الشام، ليتم له هذا المرام، وذكر ذلك في شعره (معاوي إن القوم ضلت حلومهم) إلى آخره.


الصفحة 26
ولما قدم ابن عمر على يزيد منكرا عليه قتل الحسين عليه السلام أوقفه على هذا العهد، فرجع مستبشرا وادا أن يكون له مشاركا.

وروي عن الرضا عليه السلام:


لآل محمد في كل عصرتجدد في أذى زفر جديد
إذا زفر مضى زفر تولىيشيب نواصيا طفل وليد

ولقد أبدع في وضع الخراج على السواد.

ومنها: أنه أبدع التراويح جماعة في شهر رمضان، وقال نعمت البدعة، وقد قال النبي: كل بدعة ضلالة، فكأنه قال: نعمت الضلالة، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وآله من أن يكون إماما في نافلة رمضان كما أخرجه الحميدي في الجمع بين الصحيحين ورووا عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله أول من صلاها وإنما تركها لئلا يظنوا وجوبها.

قلنا: لو كان كذلك، لأسنده عمر إليه، ولم يقل إنها بدعة، على أن النبي صلى الله عليه وآله داوم على سنن كثيرة، ولم يظنوا بذلك وجوبها، وسأل أهل الكوفة عليا أن ينصب لهم إماما يصليها، فزجرهم وعرفهم أن السنة خلافها، فاجتمعوا ونصبوا لأنفسهم إماما فيها، فبعث الحسن إليهم بالدرة، ليردهم عنها، فلما دخل المسجد تبادروا الأبواب، وصاحوا واعمراه.

وقيام رمضان ثابت عندنا انفرادا، لا جماعة. لقول النبي صلى الله عليه وآله: أيها الناس إن النافلة بالليل في رمضان جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمعوا في رمضان في النافلة، ولا تصلوا الضحى، فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة.

ألا وإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

تذنيب:

روى الحميدي في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب من رواية مرزوق والعجلي قلت: أكان عمر يصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فعثمان؟ قال: لا، قلت: فأبا بكر قال: لا، قلت: فالنبي؟ قال: ما إخاله.

وروى الحميدي أيضا في مسند عائشة قالت: إن النبي ما صلى الضحى، و

الصفحة 27
في مسندها عن ابن عمر أن صلاة الضحى بدعة، وفي مسند ابن حنبل ما يدل على مثل ذلك.

ومنها: أنه عارض النبي صلى الله عليه وآله في مواضع منها في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والتسعين لما أراد أن يصلي على ابن أبي سلول نهاه عمر، وقال:

قد نهاك ربك، فقال: بل خيرني ثم صلى، فنزلت (ولا تصل على أحد منهم (1)) فآذى النبي بالرد عليه، ولم يوقره ولم يتعظ بقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة (2)) وكيف لعمر النبي ولا يعلمه النبي على أن آية (ولا تصل على أحد منهم) إنما نزلت بعد ذلك كما في حديثهم.

ومنها: في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني من المتفق عليه، أن عمر أمر جنبا لم يجد الماء بترك الصلاة، فإن كان عرف شرعية التيمم في كتابه فلم لم يأمر به؟ وإلا فيأمر به بجرأته! وإلا فيأمر به بجهالته.

وذكر أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل وذكره غيره أيضا أن أول من أعال الميراث عمر، فقال ابن عباس لو قدموا من قدمه الله، وهو الذي اهبط من فرض إلى فرض، وأخروا من أحره الله، وهو الذي أهبط من فرض إلى ما بقي ما عالت فريضة قط.

قال الزهري: فقلت له: من أول من أعال؟ قال: عمر بن الخطاب.

فيا عجبا لمن يقع منه هذه الجهالات، ويسمونه فاروقا على منابرهم، ولا يستحيون من هذه المناقضات، وقد رووا أن الفاروق الفارق بين المؤمن والكافر، وفاروق الحق والباطل علي بن أبي طالب.

____________

(1) براءة: 84.

(2) الأحزاب: 36.


الصفحة 28

كلام
في خساسته وخبث سريرته.


ذكر الحنبلي في كتاب نهاية الطلب أن عمر بن الخطاب كان قبل الاسلام نخاس الحمير.

في المجلد الثاني من كتاب العقد قالت له امرأة من قريش: يا عمير فوقف فقالت: كنا نعرفك عمير، ثم صرت عمر، ثم صرت أمير المؤمنين، فاتق الله وانظر في أمور الناس.

وفي الفصل الرابع من الجزء الأول من الإحياء للغزالي أن عمر سأل حذيفة هل هو من المنافقين أم لا؟ ولولا أنه علم من نفسه صفات تناسب صفات المنافقين، لم يشك فيها، وتقدم على فضيحتها.

وذكر هشام بن السائب الكلبي من رجالهم في كتاب المثالب أن صهاك جارية حبشية لهاشم بن عبد مناف، وقع عليها فضلة بن هاشم، وعبد العزى بن رباح، فولدت جد عمر وقد قالوا: أنه نجب فردوا على نبيهم أن ولد الزنا لا ينجب.

فلينظر عقلاء الأنام، هل يقدم من هذه أحواله على بني هاشم الكرام، ذوي الأحلام في الجاهلية والاسلام، ولا غرو من ولد الزنا، وخبيث الأصل أن يجترئ على الاسلام. فقد روي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (لا يستوي الخبيث و الطيب (1)) الخبيثات للخبيثين (2)) نزلتا فيه وقد عرف أهل الأنساب أن أباه الخطاب، وجده نفيل، وأمه حنتمة، وجدته صهاك، وليس في قريش أوضع منها ولا تيم مع ضعتها.

وقد روى عنه جماعة: تعلموا أنسابكم تصلوا بها أرحامكم. ولا يسألني أحد ما وراء الحطاب وصحح أبو يحيى الجرجاني المحدث أن الصهاكي كان أبوه شاكرا (3).

____________

(1) المائدة: 100.

(2) النور: 26.

(3) يعني أنه كان أجيرا يخدم. وشاكر بفتح الكاف معرب جاكر؟ بالفارسية.


الصفحة 29
وفي البخاري والإحياء أسند أحمد بن موسى أن رجلا قال للنبي: من أبي؟

قال: حذافة، فسأله آخر من أبي؟ قال: سالم، فبرك عمر على ركبتيه وقال بعد كلام:

لا تبد علينا سوءتنا: واعف عنا رواه أبو يعلى الموصلي في المسند عن أنس.

قال شاعر:


إذا نسبت عديا في بني مضرفقدم الدال قبل العين في النسب
وقدم السوء والفحشاء في رجلوغد زنيم عتل خائن نصب

وفي خرائج الراوندي سأل الثمالي زين العابدين عليه السلام عن الأول والثاني فقال: عليها لعائن الله كلها، كانا والله كافرين مشركين بالله العظيم.

قلت: ويعضد ذلك مناداتهما بالويل والثبور، عند احتضارهما لما رأيا من سوء عاقبتهما ويعضده أيضا ما أسنده علي بن مظاهر الواسطي إلى الإمام العسكري أنه جعل موت عمر يوم عيد وأنشد الكميت الشاعر بحضرة الإمام الباقر عليه السلام:


إن المصرين على ذنبيهماوالمخفيا الفتنة في قلبيهما
والخالعا العقدة من عنقيهماوالحاملا الوزر على ظهريهما
كالجبت والطاغوت في مثليهمافلعنة الله على روحيهما

فضحك الباقر عليه السلام وسيجئ في كتابنا ما يؤكد هذا المقام.


الصفحة 30

(النوع الثالث)
* (في عثمان) *


مقدمة:

في تسميته نعثل أقوال: ففي حديث شريك أن عائشة وحفصة قالتا له: سماك رسول الله نعثلا تشبيها بكر يهودي (1) وقال الكلبي: إنما قيل: نعثلا تشبيها برجل لحياني من أهل مصر، وقيل: من خراسان، وقال الواقدي: شبه بذكر الضباع فإنه نعثل لكثرة شعره، وقال: إنما شبه بالضبع لأنه إذا صاد صيدا قاربه ثم أكله؟ إنه أتي بالمرأة لتحد فقاربها ثم أمر برجمها ويقال: النعثل التيس الكبير العظيم اللحية.

قال الكلبي في كتاب المثالب: كان عثمان (2) ممن يلعب به ويتخنث و كان يضرب بالدف، وقد أحدث عثمان أمورا. منها: أنه ولى أمر المسلمين من لا يؤتمن عليه ولا علم له به، التفاتا عن حرمة الدين إلى حرمة القرابة، فولى الوليد بن عقبة فظهر منه شرب الخمر والفساد، وفيه نزل (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا (3)) قال المفسرون: المؤمن علي والفاسق الوليد، وفيه نزل (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (4)) وصلى بالناس في إمارته سكرانا فقال: أزيدكم قالوا: لا.

وولى سعيد بن العاص الكوفة فقال: إنما السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شاءت، فمنعوه دخولها، وتكلموا فيه، وفي عثمان، حتى كادوا يخلعونه: فعزله قهرا.

وولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فتكلموا فيه فولى محمد بن أبي بكر وكاتبه أنه يقتل ابن أبي بكر وكل من يرد عليك وتستمر فلما ظفر بالكتاب كان سبب حصره وقتله.

____________

(1) كذا.

(2) عفان، خ ل.

(3) السجدة: 19.

(4) الحجرات: 7.


الصفحة 31
قالوا: ذلك مروان لا عثمان قلنا: فكان يجب على عثمان تعزيره، والتبري منه، فلما لم يفعل ذلك دل على خبثه وكذبه، ومن هذا حاله لا يصلح لأدنى ولاية مع إجماع الصحابة على قتله، وترك دفنه ثلاثا لما تحققوا من أحداثه.

قالوا: والحسين جرى له مثل ذلك قلنا: لا قياس لإجماع المسلمين على أنه قتل ظلما، ولم يحدث حدثا بخلاف عثمان، فقد روى الواقدي أن أهل المدينة منعوا من الصلاة عليه وحمل ليلا ليدفن فأحسوا به فرموه بالحجارة وذكروه بأسوء الذكر وقد روى الجوزي في زاد المسير أن عثمان من الشجرة الملعونة في القرآن.

ومنها: أنه آوى الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله من المدينة.

قالوا: ذكر أنه استأذن النبي في رده قلنا: لم ينقل ذلك في كتاب بل المروي خلافه.

قال الواقدي من طرق مختلفة وغيره أن الحكم قدم المدينة بعد الفتح فطرده النبي ولعنه لتظاهره بعداوته، والوقيعة فيه، والعيب بمشيته، وصار اسم الطريد علما عليه فكلمه عثمان فيه، فأبى عنه، وكلم الشيخين في زمن ولايتهما فيه، فأغلظا القول عليه وقال له عمر: يخرجه رسول الله وتأمرني أن أدخله؟ والله لو أدخلته لم آمن من قائل: غير عهد رسول الله، فإياك أن تعاودني، فلو كان النبي أذن له لأعتذر عثمان إليهما به، ولما لامه علي وعمار وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن قال: إنه قرابتي، وفي الناس من هو شر منه.

وقال: لو نال أحد من القدرة ما نلت فكان قرابته لأدخله، فغضب علي وقال:

لتأتينا بشر من ذلك إن سلمت وسترى غب ما تفعل.

وقد روى صاحب كتاب الشفا من الجمهور قول النبي صلى الله عليه وآله: من أحدث في المدينة حدثا فعليه لعنة الله وأورده البخاري في أول الكراس الثاني من الجزء الرابع وزاد: الملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا، ولا عدلا، ومثل هذا أورد الحميدي في الحديث الثامن عشر من الجمع بين الصحيحين، ومثله أيضا في