قالوا: الإشهاد يتعلق بالنكاح في قوله عن المطلقات: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن) لا بقوله: (أو فارقوهن) قلنا: قال القاضي في تفسيره: إنه متعلق بالرجعة والفرقة، ولأن العطف ب (أشهدوا) لا يجوز رجوعه إلى الفرقة، لأنها ليست شيئا يفعل، وإنما هي العدول عن الرجعة، ولم يوجب الإشهاد فيها أحد، ولا يرجع إلى الرجعة التي عبر الله عنها بالامساك لأنه لم يوجب الإشهاد فيها سوى الشافعي في أحد قوليه، وليس حجة علينا، مع أنه محجوج بقوله الآخر، وقول مقاتل: إنه مستحب، فتعين رجوع العطف إلى الطلاق.
قالوا: العطف على الأقرب أولى. قلنا: الأولوية تتبع المعنى لا القرب قال الله: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه (1)) عادت (و تسبحوه) إلى الله، وهو الأبعد لعدم صلاحها للأقرب، وبهذا يظهر لك الجواب عن قولهم: إن جملة الطلاق تقدمت.
قالوا: لا يلزم من عطف الإشهاد على الطلاق كونه شرطا فيه بأن يكون أمر إرشاد كما أمر في الدين بالكتابة والإشهاد، وأمر في البيع بالإشهاد، وليس هذان شرطا في صحة الدين والبيع.
قلنا: الأمر حقيقة في الوجوب، فلا يصار عنه إلا عن دليل، فلا تشنيع على من تبع ظواهر الآيات.
قالوا: المحتاج في الإشهاد النكاح لأن فيه انتقال البضع إلى الزوج، فيحتاج إلى تثبت الانتقال، والطلاق حل هو التخلية فيكفي فيه النية قلنا: وفي الطلاق رد البضع إليها فيحتاج إلى تثبيته، وقد ساعدنا الخصم عليه فقال ابن المرتضى في تفسيره:
فائدة الإشهاد على أن يموت أحدهما فيدعي الباقي بقاء الزوجية ليرث، ولأنه لما
____________
(1) الفتح: 9.
على أنا لا نثبت شرطية الإشهاد هنا بمجرد الأمر به لورود الأمر بالندب وغيره، بل نثبت بالأخبار الصحيحة عن أئمة الاسلام أهل البيت عليهم السلام وبها أيضا أثبتنا عدم شرطية النكاح به، وقد وافق بعضهم على أنهما إذا تواصيا بالكتمان صح بلا شهود، وقد جاء النكاح في مواضع من الكتاب عاريا عن ذكر الشهود.
قالوا: جاء بالسنة (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). قلنا: على تقدير صحته محمول على نفي الكمالية كلا صدقة وذو رحم محتاج، وبه يسقط الاحتجاج ويترك اللجاج، وقد خالف مالك ذلك وقد أضاف الله النكاح إليهن في قوله: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن (1)) (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن حتى تنكح زوجا غيره (2)).
ومنها: نجاسة المشرك يدل عليها قوله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام (3)) فقد أجراهم الله مجرى القذر، وقد جاء من طرق المخالف ما رواه ابن المرتضى والزمخشري عن الحسن: من صافح مشركا فليتوضأ وحكى الفراء في المعالم عن الضحاك وأبي عبيدة أنه قدري، وحكى ابن المرتضى و الزمخشري في تفسيرهما عن ابن عباس أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، و لفظة (نجس) حقيقة شرعية في نجاسة العين، فلا يعدل عنها مع إمكانها سوى ذي مين
____________
(1) البقرة: 240.
(2) البقرة: 223.
(3) براءة، 28.
ورووا أن أبا بكر قال: ندمت أن لا أكون سألت النبي صلى الله عليه وآله عن ذبائح أهل الكتاب، وروى النضر بن شميل عن هاشم بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة قال: سألت عليا عليه السلام عن ذبائح النصارى فقال: لا تأكلوا ذبائحهم. فإنهم لم يتعلقوا بشئ من دينهم إلا بشرب الخمر.
قال مؤلف الكتاب:
أباحوا ذبائح أهل الكتاب | فيا ويلهم من أليم العقاب |
أليس رووا النهي عنها وقد | بتنجيسهم جاء نص الكتاب |
قالوا: حل طعامهم في قوله: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم (1)) دليل طهارتهم، فوفقنا بين هذه وآية التنجيس بأن نجاستهم باطنة، وذلك استعارة لا على الحقيقة في عينهم، أو ذلك للمبالغة في ذمهم، أو للملازمة بين النجايس كالدم والخمر وبينهم، فقبلت التأويل بذلك وبوجود الخلاف، وحل الطعام لا يقبل التأويل.
قلنا: قد بينا أن النجاسة حقيقة في العينية على أن ظاهر آية حل الطعام متروك عندهم بخروج الخمر والخنزير، وما لم يذكر اسم الله عليه، فالمراد الحبوب أو غير المباشرة من غيرها.
قالوا: حل نكاحهم بالاتفاق، دليل على طهارتهم في قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب (2)) فآية حل الطعام والنكاح ناسخة للنجاسة للنص
____________
(1) المائدة: 5.
(2) المائدة: 5.
قلنا: نمنع الاتفاق إلا أن يكون منكم، ولا نسلم أن (المائدة) * لم يدخلها منسوخ، وقد ذكر صاحب التقريب أن آيتها منسوخة بقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن (1)) ونسبه الطبري إلى ابن عباس، ورواه ابن المغربي عن ابن عمر وهو مذهب عمر انتهى كلامه.
وقال هبة الله المفسر البغدادي منهم: إن عبد الله بن عمر قال: آية البقرة محكمة، وآية المائدة، ولهذا قال هبة الله: إن المائدة دخلها الناسخ والمنسوخ، و عند أكثرهم أن آيتي البقرة والمائدة مجهولتا التاريخ.
قالوا: ومن ثم اختلف في أيتهما الناسخة؟ قال صاحب التقريب فيهما و في آية الممتحنة: لا أعلم نقلا يعتمد في المتقدم والمتأخر منها.
قلنا: فحينئذ يترجح أحكام آية البقرة لقوله عليه السلام: ما اجتمع الخلال و الحرام إلا غلب الحلال الحرام.
إن قيل: آية البقرة مخصوصة بالوثني قلنا: لام الجنس للعموم، وقد روى شهر بن حوشب عن ابن عباس أن عمر فرق بين طلحة وحذيفة، وامرأتيهما الكتابيتين، ذكره صاحب التقريب وغيره، وقال: وأخرج الطبري عن ابن عباس أن الله حرم نكاح كل كافرة بقوله: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر (2)) ومن الكفار أهل الكتاب لقوله: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب (3)) (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب (4)) وقد بين الله مورد النكاح أنه المؤمنات
____________
(1) البقرة: 221.
(2) الممتحنة: 10.
(3) البينة: 1.
(4) البقرة: 105.
إن قالوا: مخصصة بالحربية لآية (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين (3)) قلنا: منسوخة الحكم، وقد حكى البلخي أن المراد بالكتابيات اللواتي أسلمن، لأنهم كانوا يتحرجون من نكاحهن، ومن علمائنا من خص الآية بالمتعة والملك للروايات وهم محجوجون بما ذكرناه، فالأولى عدمه إلا عند الضرورة.
قالوا: (ولقد كرمنا بني آدم (4)) يقتضي بعمومه عدم التنجيس، قلنا:
إنما استدللنا بالنص على التنجيس، على أن التكريم لو اقتضى عموم رفع التنجيس لزم أن لا ينجس المسلم بنجاسة عارضية، والاجماع خلافه، وقد فسر ابن عباس وعطاه والضحاك وغيرهم كما نقله الفراء وابن المرتضى عنهم التكريم بسبعة عشر خصلة منها العقل، والأكل بيده، والنظر إلى السماء، والنطق، واعتدال القامة وحسن الصورة، وتسخير الأشياء، والرجال والنساء، بالذوائب واللحاء ولم يذكروا التطهير، ولو فرضنا أن الله قال: ولقد طهرنا بني آدم، مع قوله:
(إنما المشركون نجس) (5)) لم يتناقضا، ولم يلزم مساواة ذوات الأنبياء في الطهارة
____________
(1) الروم: 21.
(2) المجادلة: 22.
(3) الممتحنة: 8.
(4) الإسراء: 70.
(5) براءة: 28.
ومنها: ما نقموا علينا من تركنا (ربنا لك الحمد) عند القيام من الركوع وقد ذكر في الحديث الثاني من الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ومثله في الحديث الثاني والخمسين من المتفق عليه ونحوه أبو داود في صحيحه (1) فنحن يحسن منا أن نذمهم، حيث تركوا أسوة نبيهم، وصحيح أخبارهم، وقالوا: ربنا لك الحمد، بأهوائهم.
ومنها: ما نقموا علينا في ترك الوضوء مع غسل الجنابة، وقد ذكر ابن حنبل في مسنده أن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يتوضأ بعد الغسل، وفي الحلية قال النبي صلى الله عليه وآله:
من توضأ بعد الغسل فليس منا، وذكره أيضا أبو داود في سننه (2) وقد سلف ذلك فيما سلف.
ومنها: فساد الصوم الواجب سفرا لما صح من روايات أهل البيت فيه، و ساعد الخصم عليه، قال ابن المرتضى: الصوم جائز يعني في السفر عند عامة أهل العلم إلا منعا روي عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين فإنهم قالوا: لا يجوز وأوجبوا القضاء قال: وهو مذهب أهل البيت لقوله عليه السلام: ليس من البر الصيام في السفر، وقال ذلك بعينه الفراء في معالمه.
وحكى صاحب التقريب في الناسخ والمنسوخ أن الطبري نسب القول بنسخ التحريم إلى عدة من الصحابة والتابعين، وأورده بأسانيد.
قال: وزعم بعض الناس أن التخيير منسوخ بحديث ابن عباس خرج النبي
____________
(1) سنن ابن داود ج 1: 198.
(2) سنن أبي داود ج 1: 57.
وقريب منه ذكر ابن المرتضى في تفسيره عن جابر والفراء في معالمه أيضا عن جابر، وروي ذلك في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني من المتفق عليه.
وفيه لما استوى النبي صلى الله عليه وآله على راحلته دعا بإناء فأراه الناس ثم شربه وشرب الناس، وفي حديث آخر من الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك لما بلغ كراع الغميم وقد تقدم في الباب المتقدم.
فهذه روايات الفريقين ويعضدها قوله تعالى: (فعدة من أيام أخر (1)) ومن أضمر (فأفطر فعدة) من غير دليل، فقد ضل سواء السبيل.
قالوا: الصوم عزيمة في الحضر، والفطر رخصة في السفر، ومتى صحت العزيمة قدمت على الرخصة كالماء والتراب قلنا: لا بل الفطر في السفر عزيمة أيضا ولو سلم أنه رخصة لم يناف الوجوب لاجتماعهما في مادة أكل الميتة بخوف التلف.
قالوا: إذا ارتفع وجوب الصوم لا يلزم منه رفع جوازه لما تقرر في الأصول قلنا: لا بل رفع الوجوب أعم من بقاء الجواز كما في صورة الميتة عند التلف، وقد سلف، والوجوب خاص لا يلزم من ارتفاعه ارتفاع العام الذي أحد أفراده التحريم ولو سلم بقاء الجواز من بحث الأصول فالاستناد في وجوب الفطر إلى ما مضى من المنقول (2).
____________
(1) البقرة: 185.
(2) منها: إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يجب أن يؤخذ بعزائمه.
فقال: بل عند الفراغ من القراءة.
ومنها: فساد صوم متعمد البقاء على الجنابة إلى الصباح استنادا إلى روايات أهل بيت نبينا، المعتضدة بروايات خصومنا، قال ابن قدامة في المغني: كان أبو هريرة يقول: لا صوم له، ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله، وذكر ذلك أكثر الأصوليين في باب التعادل، وحكي عن الحسن وسالم بن عبد الله قالا: يتم صومه ويقضي، وعن النخعي: يقضي عن الفرض دون النفل وعن عروة وطاوس: إن علم بجنابته في رمضان فلم يغتسل حتى أصبح فهو مفطر، وإن لم يعلم قضاها هذا آخر كلام قدامة.
فإن عارضوا بخبر عائشة كان النبي صلى الله عليه وآله يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم يومه، وفي بعض الروايات وذلك في شهر رمضان قلنا: هو من طرقكم دوننا فلا يعارضنا.
إن قالوا: الجنابة لا تنافي الصوم كما في المحتلم نهارا، فكذا هنا، قلنا:
يفرق بين عمد البقاء عليها إلى النهار لأجل الاختيار، وبين الاحتلام في النهار لعدم الاختيار، على أن ابتداء الجنابة أضعف من استدامتها ولا يلزم من عدم تأثير الضعيف في إبطال الصوم عدم تأثير القوي.
قالوا: لا معنى للطهارة والحدث في الصوم إذ ليس عملا كالصلاة.
قلنا: إنما أثبتنا شرطية الطهارة بالأحاديث، لا بقياس الصوم على الصلاة ثم لا نسلم أن الطهارة لا يكون إلا لعمل، فإنها تكون للزمان والمكان، فلا يلزم من عدم تعلقهم المعنى بين الطهارة والصيام عدم المعنى، وقد أوجب الله اعتداد الصغيرة
قالوا: أباح الله الجماع والأكل والشرب إلى الفجر فيقع الغسل في جزء من اليوم، قلنا: جاز تعلق الغاية بالجملة الأخيرة وقد تواتر أن المباشرة قبل نزول الآية كانت منتفية نفيا كليا فتكون الآية الناسخة لتحريمها إيجابا جزئيا لأن السلب الكلي إنما يناقضه الايجاب الجزئي.
وأما الأكل والشرب، فكان نفيهما جزئيا متعلقا باليوم، فيكون إيجابهما كليا في عامة الليل، وإن السنة بنيت إجمال الآية كما بينت إجمال أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ونحوهما.
قالوا: وإذا جاز الوطئ إلى الفجر، وقع النزع الذي هو جزء منه بعد الفجر قلنا: إذا جعلتم النزع جزءا منه والفجر غاية له فهو غاية لجزئيه فلا يجوز تأخير الجزء إلى الفجر إذ يجب خروج الغاية هنا تغليبا للحرمة بخلاف المسجد الأقصى في آية الأسرى.
ومنها: ما نقموا علينا في السجود على شئ تتخذوه، وفي الجمع بين الصحيحين في الحديث الثالث من المتفق عليه في مسند ميمونة كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على خمرته، ومنه: في أفراد مسلم في الحديث الثاني كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على الخمرة (1) ونحوه في مسند عائشة عن الخدري وقد ذكر صاحب الصحاح و غيره من أهل اللغة أن الخمرة سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك ولنا به أسوة حسنة، فعلام تنكره الفرقة المفتتنة؟
ومنها: إنكار بعضهم فضيلة الجمعة والمنافقين في الجمعة وفي مسند أبي نعيم
____________
(1) وتراه في سنن أبي داود ج 1 ص 152.
ومنها: إنكارهم الجريدتين مع الميت وقد أسلفنا في الباب السالف حديث الحميدي فيها، ونزيد هنا ما أسنده أيضا إلى كعب الأسلمي وجابر الأنصاري أن النبي أمر أن يقطع غصنين من شجرتين، ويوضع كل منهما على قبر، وقال:
أحببت بشفاعتي أن ترد عنهما العذاب ما داما رطبين.
وقال البخاري (1): أمر بريدة الأسلمي أن يوضع في قبره جريدتان، و ذكر الإصفهاني في كتاب الترغيب، وأخرجه مسلم والبخاري عن يعلى بن سيابة قال: إن النبي صلى الله عليه وآله مر على قبر يعذب صاحبه، وقال: كان يأكل لحوم الناس ثم وضع عليه جريدة، وقال: لعله أن يخفف ما دامت رطبة.
قال المرتضى والحسن: والتعجب من ذلك كتعجب الملحدة من الطواف والرمي وتقبيل الحجر، ونحو ذلك وكثير من الشرائع مجهول العلل.
ومنها: ما نقمونا في الجمع بين الفرائض وقد جاء القرآن (بأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل (2)) ولم يعين تفريق الصلاة، ولا خص كل واحدة بوقت معين من دلك؟، وقد عرف في الأصول بطلان من خص الوجوب بأول الوقت أو آخره.
قالوا: السنة بينت قلنا: بيانها محمول على الاستحباب ولا لوم في تركه.
____________
(1) كتاب الجنائز باب الجريد على القبر ج 1 ص 236.
(2) أسرى: 78.
على أنه قد روى الحميدي في الحديث الثامن والثمانين من المتفق عليه في مسند عبد الله بن عباس قال: صلى النبي الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، من غير خوف ولا سفر، قال ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته وفي صحيح مسلم من حديث حبيب مثل ذلك (1).
وفي رواية جابر بن زيد في مسند ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله صلى في المدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وفي فرائد الأفراد للدارقطني عن عائشة: جمع النبي صلى الله عليه وآله بين الظهرين و العشائين في المدينة من غير خوف ولا مطر، ونحوه روى صاحب الحلية عن سفيان الثوري عن جابر أن النبي جمع بين الظهرين بالمدينة من غير مطر ولا سفر ولا خوف، وجمع بين العشائين أيضا ونحوه في موطأ مالك عن ابن عباس.
وقد روى مسلم في صحيحه أن عبد الله بن شقيق نازع ابن عباس في الجمع بين الصلاتين فقال: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟ فسألت أبا هريرة فصدقه.
ولو أنصفت في حكمها أم مالك | إذا لرأت تلك المساوي محاسنا |
____________
(1) أخرجه في نيل الأوطار ج 3 ص 229، والحديث متفق عليه، تراه في سنن أبي داود ج 1 ص 276 و 277.
تذنيب:
لا خلاف في وجوب اتباع المجمع عليه، وترك المختلف فيه إذ فيه براءة الذمة عن يقين، والبعد عن تجويز اتباع المضلين، فنقول: أجاز بعض السنة الوضوء بالنبيذ، والماء مجز إجماعا، ومسح الخفين، والقدمان مجزيان إجماعا والصلاة في الدار المغصوبة، والمباحة مجزية إجماعا، وترك النية والتسمية في الفاتحة، وفعلهما غير مبطل إجماعا، و (مدهامتان (1)) عوضها، وفعلها وتمام السورة غير مبطل إجماعا وترك الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما، و فعلهما غير مبطل إجماعا، وفعل الكتف والتأمين وتركهما غير مبطل إجماعا، و السجود على الملبوس، وعلى الأرض ونباتها غير مبطل إجماعا، وترك التشهد مع قول النبي صلى الله عليه وآله لابن مسعود لما علمه إياه: إذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك مع أن فعله غير مبطل إجماعا، والخروج من الصلاة بحبقة (2) والتسليم مخرج إجماعا إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، وما كفاهم ترك ما أجمع فيه حتى شنعوا على العاملين به، فما أحسن قول بعض الفضلاء في ذلك ونحوه:
إذا محاسني اللاتي أمت بها | صارت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر |
وقد وضعت أشياء أخر من ذلك في باب تخطئة كل واحد من الأئمة الأربعة وما فيها من المخالفات للمعقولات، ومنطوق الآيات، وأخبار الثقات، فإذا أريد التطرف به فليطلب من موضعه.
____________
(1) الرحمن: 64.
(2) الحبقة: الضرطة، وأكثر استعمالها في العنز يقال: ما يساوي حبقة عنزة.
قلنا: أما تفريق الفرائض فندب إجماعا، والنكاح على العمة منطوق القرآن (فانكحوا ما طاب (1)) (وأحل لكم ما وراء ذلكم (2)) وقد أسلفنا في الجريدتين ما رويتم، وقدمنا الدليل على عدم اشتراط الولي والإشهاد، والوضوء من كتاب الله وكتبكم، فلا اشتراك بيننا وبينكم ولله المنة.
فهذا ما تهيأ لي في جمع الصراط المستقيم، إلى مستحقي التقديم. وقد أردفته من المعقول معان مستغربة الإشارات، مستعذبة العبارات، وأردفته من المنقول تقريب الكلمات، وتهذيب المقدمات، فجاء بحمد الله محصول فصوله متخلصا من تضليل معانيه، وكان بعون الله مدلول أصوله ملخصا من تطويل مبانيه، حيث استعنت من الله بمنه ومنعته، واستبنت من لطفه ورحمته واعتضدت بطوله وعزته، و اعتمدت على حوله وقوته.
وأسأل الله الكريم أن يستمر بي على اعتقاد صحته، وأطلب من فضله العميم أن يجازيني على جمعه النعيم بجنته، عالما بأنه يجيب من دعاه من عباده، ولا يخيب من رجاه لمعاشه ومعاده، ولأختمه بأبيات سنحت لي عند نظامه، وسمحت بها فكرتي عند تمامه:
____________
(1) النساء: 3.
(2) النساء: 24.
جمعت من الدين القويم صحائفا | هداني إليها خالقي بجلاله |
وحررت فيه للولي لطائفا | تجلى عمى عين الغبي وباله؟؟ |
وأوضحت فيه للغوي طرائفا | سرائرها مطوية في خياله؟؟ |
وقررت فيه كل قول منضد | يزحزحه في دينه عن؟؟؟ له |
فلا وامق إلا هدى بكماله | ولا وامق (1) إلا هوى بفعاله |
يساق إليه الموت عند نزاله | وينساق للأفحام عند جداله |
وسميته باسم الصراط تيمنا | ليسلك فيه للنبي وآله |
وأرجو إلى الرحمن منهم شفاعة | تصرف عني من عظيم وباله |
لنصف وثلث من ربيع آخر أتى | لا عوام (ذق ند) تمام (2) جماله |
____________
(1) ولا مارق خ ل.
(2) عدد حروفها 854، راجع ج 2 ص 20 من مقدمة المجلد الثاني؟ دمة العلامة آقا بزرك الطهراني مد ظله.
هذا الكتاب مبشر برشاد من | يسلك طرائقه بغير خلاف (1) |
فكأنه المبعوث أحمد إذ أتى | في آخر الأديان بالإنصاف |
وكأنه من بين كتب الشيعة | المتقدمين كسورة الأعراف |
ينبيك عن كتب الرجال وما رووا | بعبارة تغني وقول شاف |
سهل الطرايق عذبة ألفاظه | فكأنها ممزوجة بسلاف |
فإذا قرأت أصوله وفروعه | رواك من عذب فرات صاف |
فهو الصراط المستقيم ومنهج | الدين القويم لسالكيه كاف |
تأليف من شهدت له آراؤه | بكماله في سائر الأوصاف |
للشيخ زين الدين قطب زمانه | رب المكارم عبد آل مناف |
فلقد أنار منار شيعة حيدر | وأبار من هو للنصوص مناف |
فجزاؤه من أحمد ووصيه | أهل السماحة معدن الأشراف |
أن يمنحاه شفاعة مقبولة | ويخصه باريه بالألطاف |
____________
(1) قطعة مدح قائلها المؤلف والمؤلف قدس سره، توجد في النسخة التي جعلناها أصلا في الصفحة الأخيرة بعد ختم الكتاب، وفي بعض النسخ في ظهر الكتاب الصفحة الأولى على ما في ص 10 من تقدمه العلامة المرعشي مد ظله في المجلد الأول من هذا الكتاب.