ونكح زوجات أبيه وقيل : إنّه لم يصح عنه كفر ولا زندقة لكنّه اشتهر بالخمر والتلوّط!!
الثاني عشر : يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ، الملك الملقّب بالناقص لنقصه من أرزاق الجند ، وقد دعا الناس إلى القدر ـ كما قال الشافعي ـ وحملهم عليه ، وقرّب غيلان وأصحابه .
الثالث عشر : إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، ولم يمكث طويلاً ، وقد كان سيّء السيرة ، وخلعه مروان بن محمّد ، وهو آخر ملوك بني أمية .
الرابع عشر : مروان بن محمّد الملقّب بالحمار ، وكان ملكه ثلاثة أشهر .
ونتيجة لما وقع من الظلم والجور والفسق والفجور في زمن الأمويين استغل بنو العباس هذا الأمر ، ورفعوا شعار آل البيت ، وبه أسقطوا الدولة الأموية .
بنـو العبــاس :
دخل السفاح عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العباس الكوفة ، وبويع يوم الجمعة رابع عشر ربيع الأوّل سنة اثنين وعشرين ومائة ، وقام فيهم خطيباً يحمد الله ويثني على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويذكر فضل أهل البيت والخلفاء الراشدين حتّى قال : ثمّ وثب بنو حرب وبنو مروان فانبذوها وتداولوها فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها بما
ملأ الله لهم حيناً حتّى آسفوه فلمّا آسفوه انتقم منهم بأيدينا وردّ علينا حقّنا وتدارك بنا أمّتنا وولي نصرنا والقيام بأمرنا ليمنّ بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا ، وإنّي لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح ، وما توفيقنا أهل البيت إلاّ بالله(1) .
بيد أنّه بعد انتهاء ليلة العرس ، بدت سياسات الملك تزحف حتّى قتل الأخ أخاه(2) ، ثمّ أخذ الترف والغرور يطغى رويداً رويداً حتّى تحللت الخلافة العباسية إلى دويلات صغيرة .
وسنستعرض أمثلة على ما لحق بآل البيت (عليهم السلام) في زمن العباسيين :
1 ـ لمّا حملت الرؤوس إلى الهادي ، ووضع رأس الحسين (الحسين ابن علي بن الحسن السبط) بين يديه قال : كأنّكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت(3) .
2 ـ إنّ من يمعن النظر في تاريخ الإسلام يعلم علم اليقين أنّ غالب من خرج من آل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) ما كان ذلك منه إلاّ عن مصيبة نابته وضنك مسّه وفاقة لحقته وذلّ أهانه ، فإنّ الأمويين كانوا يمنّون على الموالي وصعاليك العرب بمئات ألوف الدنانير ، ويعطونهم الإقطاع
____________
1- علي بن أنجب الشهير بابن الساعي ، تاريخ الخلفاء العباسيين ، ص8 . 2- كقتل المأمون أخاه الأمين . 3- المرجع السابق ، ص32 .
والضيعات ، ويستعملونهم على الممالك ويستوزرونهم ، ويقتّرون على الفاطميين حتّى يصير الفاطمي في ضيق ومحنة شديدة بحيث لا يجد ثمن جارية زنجية يصون بها عفّته ، ولا ثمن كسوة يستر بها بدنه .
ويرى أنّ الموالي لبني أمية الذين يشاركونهم في شرابهم وفسقهم وفجورهم يتقلّبون في أنواع الرفاهة . فهنالك يهزّ الجماعة الفاطمية شرفهم ونخوتهم فيخرجون لا خروجاً على الطاعة ولا نقضاً للبيعة ، ولكن يقولون أرض الله واسعة ، فيهاجر أحدهم إلى ناحية من الأرض فيها قوم من أمّة جدّه(صلى الله عليه وآله) فإذا وصلهم حرّكتهم نخوة الدين فاحترموه وأكرموه ، وألفته قلوبهم واجتمعوا عليه . فمتى بلغ خبره الأمويون قالوا : خرج وربّ الكعبة . وساقوا عليه القواد والجنود ، ولا يزالون حتّى يتركوه شهيداً . وكذلك بنو العباس(1) .
3 ـ وفي سنة ثلاث وثمانون ومائة استشهد الإمام موسى الكاظم بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) ببغداد في حبس الرشيد مسموماً .
وقد بعث الإمام(عليه السلام) إلى الرشيد لمّا كان محبوساً برسالة : "إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتّى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون" .
وفي أوائل السنة العاشرة بعد المائتين توفي ولي الله الإمام إبراهيم
____________
1- المرجع السابق ص32 ـ 33 .
المرتضى بن موسى الكاظم(عليه السلام) مسموماً ببغداد ، وقد قدم بغداد بعهد وثيق من المأمون ، ولكن الله يفعل ما يشاء ، وأنشد ابن السماك الفقيه :
مات الإمام المرتضى مسمومـاً | وطوى الزمان فضائلاً وعلوما |
قد مات في الزوراء مظلوماً كما | أضحى أبوه بكربلا مظلومـا |
فالشمس تندب موته مصفــرة | والبدر يلطم وجهه مغمومـا(1) |
4 ـ إنّ عداء المتوكّل لعلي بن أبي طالب وذرّيته كان مشهوراً حيث أمر بهدم قبر الحسين السبط وأهل بيته فهدّمت . وقتل يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكّيت ، وذلك أنّه قال يوماً : أيما أحب إليك ولداى المعتز والمؤيد أم الحسن والحسين؟ فقال والله إنّ قنبراً خادم علي خير منك ومن أولادك ، فقال المتوكّل : سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات .
وكان عنده رجل مخنث يقال له عبادة يتمسخر بعلي بن أبي طالب فيشد على بطنه شيئاً ويدخل وهو يرقص ، ويقول : قد جاءكم الأنزع البطين عليّ خليفة المسلمين والمتوكّل يضحك غير أنّ ولده المنتصر نهاه وقال كٌل أنت ابن عمك ولا تدع هذا المخنث يأكل لحمه . فقال :
غار الفتى لابن عمه | رأس الفتى في حرأمه |
ما بعــد غــزو التتـار :
وعجز الحالمون أن يرجعوا الحق إلى قناته . وفي صراع هذه
____________
1- المرجع السابق باختصار ص 68.
الأحداث ضُرب الحلم بواقع خروج جماعة التتار الآتية من وسط آسيا زاحفة على وجه العالم الإسلامى ، فعمدوا إلى المدائن العامرة بالخراب والدمار حتّى تحوّلت بغداد حاضرة العالم إلى مدينة غير آهلة بالسكّان لا يسكنها إلاّ الهوام ، وتهاوى الجسد تحت سنابك الخيل .
وكان المماليك وهم (رقيق) قد وصلوا إلى حكم مصر بعد أن ضعفت الدولة الأيّوبية فحكموا البلاد مدّة قرنين ونصف ، وقد نجح الظاهر بيبرس في إحياء الخلافة العباسية في القاهرة ، وهو الذي أتى بأبي العباس عمّ المعتصم آخر الخلفاء العباسيين إلى القاهرة بعد أن استطاع الهرب من الاجتياح التتاري لبغداد ، وبدأت سلسلة الخلفاء في القاهرة من سنة 609هـ حتّى وصل عدد من تقلّد الخلافة في القاهرة ثلاثة عشر خليفة .
بيد أنّ نفوذ هؤلاء الخلفاء لم تتعدّى سوى تقليد السلاطين المماليك ، ووصل الحال بالخلفاء بأنّهم كانوا تابعين وليس متبوعين . وظلّ هذا الحال حتّى دخل سليم الأوّل القاهرة سنة 922هـ واضعاً بذلك نهاية الخلافة العباسية في القاهرة .
وبذلك قامت الخلافة العثمانية في الأستانة وكان منها حكم مطلق ، وتفريق بين المسلمين حتّى أنّ السلطان سليم الأوّل استصدر من الهيئة الإسلامية فتوى تجيز إعدام الذين يعتنقون المذهب الشيعي من رعايا الدولة ، واعتبارهم مرتدّين عن الإسلام .
وكذلك استعلاء الأجناس الأخرى كالترك والشركس على العرب وأهل الشرق ممّا جعل فكرة القومية تأخذ فى النفوس مجراها للخروج من هذا الاستبداد العرقي حتّى قامت الدولة التركية مقام الخلافة العثمانية ، وفي استفتاء شعبي أجرته الجمعية الوطنية التركية كان رفض الناس للخلافة وسقوطها ليعلنوا ذلك في مارس سنة 1924 ، وكان مؤتمر القاهرة الإسلامي في مصر عديم الجدوى في محاولة إرجاع الخلافة .
فانظر ما فعله الملوك في الناس حتّى رفضوا أمراً يعتبره الكثير أنّه من الدين!!!
وبعد مضي ما يقرب قرناً من الزمان من سقوط الخلافة ، واجتماع قوى الشر على الأمّة الذين استعمروا بلادنا ، ونهبوا خيرنا ، وحاصرونا وأذاقونا سوء العذاب ، ما كان ذلك ليحدث لولا تفرّق المسلمين إلى فرق وأحزاب وجماعات متفرّقة لا مجتمعة ، متخاصمة لا تتصالح ، تتقاتل لا تتحاب وتتصالح . أقول : "أليس فيكم رجل رشيد ؟؟!!" .
اختلاف الناس فى العقيدة :
أمّا الخلاف الذي كان في مسألة الخلافة أو الإمامة بما له من أبعاد نصوصية أو شورية فقد دخل حيّز آخر من الخطورة حتّى وصل إلى "التوحيد" ليكون مجالاً للخصومة والتكفير لا الدراسة والعلم ..
ومن المسائل التي أثيرت وأريقت بسببها الدماء ، مسألة مُرتكب
الكبيرة ، فقد أثارها الخوارج وسيوفهم في أيديهم ، والخصام بين المسلمين قد بلغ غايته حتّى أنّهم كانوا يرعون دم الذمي ، ولا يرعون دم المسلم ابن جلدتهم ; لأنّهم ذهبوا ـ وبئس ما ذهبوا إليه ـ أنّ مرتكب الكبيرة كافر مستباح الدم .
ثمّ تجددت هذه المسألة بين الحسن البصري وتلميذه ابن عطاء ، فجعلت التلميذ يضاد شيخه ومعلّمه ، ويعتزل مجلسه ، ويكوّن مجلساً آخر يتصدّر فيه برأيه ، وقد كان واصل يرى أنّ مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً ، وإنّما منزلة بين المنزلتين ، أي: فاسق وكان الحسن البصري يرى أنّ مرتكب الكبيرة (منافق)!!!
ثمّ جاءت مسألة أخرى عن خلق القرآن فزادت النار اشتعالاً ، بين الأمّة من المعتزلة ومن خالفهم في ذلك ، وتعصّب المأمون ومن أتى بعده لرأي المعتزلة وانقسمت الأمّة على نفسها حتّى إذا ما جاء أحد ملوك بني العباس انتصر لرأي أحمد بن حنبل وجماعة معه، لتدور الرحى مرّة ثانية من القتل والسجن والتعذيب . وظلّ الحال كما هو عليه حتّى بعد أن حاول أبو الحسن الأشعري محاولة التقريب بين المعتزلة وغيرهم من أهل السنة ، ولكن قامت خصومة شديدة بينه وبين المعتزلة من جهة ، وبين الحرس القديم لأهل السنة من جهة أُخرى . وفي عهد الملك طغرلبك السلجوقي انتصر الكرامية في خراسان وغيرها ، فعذّب الأشاعرة ففرّوا إلى الحجاز .
وفي عهد الوزير نظام الملك ناصرالأشاعرة عذّب غيرهم وشرّدهم حتّى طغى مذهب الأشاعرة على غيره ، وذاقت المعتزلة الاضطهاد حتّى انمحت آثارهم .
وتطوّر هذا الخلاف إلى ما هو أخطر من هذا ، فقد عمد البعض على أن يقيم هذه الخصومة على أساس من الدين ، لتكون الخصومة مشروعة لا إثم فيها، ويثاب أصحابها .
وأمّا قضية المذاهب الإسلامية والفرق فيجب أن نتعامل معها من منظور رحب داعين إلى وفاق لا خصام ، وإلى اجتماع والتئام وليس إلى قطيعة وانفصام . وثمة نقطة جوهرية تتصل بمنهج التعامل مع هذه القضية وهي أنّ نقاط الاتفاق أكثر بكثير من نقاط الاختلاف فعلينا جميعاً تقوية نقاط الاتفاق والاشتراك ، والحوار والنقد البنّاء حول نقاط الاختلاف ، وأن لا يتحوّل الاختلاف إلى التفكير .
مصالحــات تاريخيــة :
إنّنا في عصر يتّجه فيه الجميع إلى التكتلات دفاعاً عن المبادئ والمصالح . ونحن أمّة سبّاقة إلى كل خير ، فما بالنا نتأخّر ويتقدّم غيرنا ، وما بالنا نتخاصم ويتصالح غيرنا .
وما يدعونا إلى الدهشة والحزن معاً ، أنّنا سبقنا هؤلاء في محاولة إجراء الحوار والاتحاد منذ قرون عديدة ، ولكن لماذا ماتت محاولاتنا وأنتجت محاولاتهم؟!
لقد شهدت مصر سنة 1947م تشكيل دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وللأستاذ الأكبر محمود شلتوت مقدّمة في قصّة التقريب قال : "كان يجلس المصري إلى الإيراني أو اللبناني أو العراقي أو الباكستاني ، ويجلس الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي بجانب الإمامي والزيدي ، حول مائدة واحدة ، تدوي بأصوات فيها علم ، وفيها أدب، وفيها تصوّف ، وفيها فقه ، وفيها مع ذلك روح الأخوّة وذوق المحبّة والمودّة ، وزمالة العلم والعرفان" .
وأصدرت اللجنة مجلة (رسالة الإسلام) وشعارها {اِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(1) .
وفي الحقيقة لا يوجد خلاف وشقاق ونزاع بين الشيعة والسنة ، بل الخلاف والشقاق وراءه أجندة سياسية ومصالح فئوية وحزبية ، وكان وراء هذه النزاعات الحكّام الظلمة أمثال بني أمية وبني العباس . وهذا الخلاف أحدث فجوة وشقاق أمكنه من التأثير سلباً على فكرة التقارب بين الفريقين .
ولم يكن كتاب منهاج السنة فى نقض كلام الشيعة و القدرية لابن تيمية إلاّ حلقة في هذا النزال والجدل المرير الذي جاء في إطار المناظرة بينه وبين حسن بن يوسف بن المطهر الحلي المشهور بالعلامة المتوفى سنة 726هـ ، وردّاً على كتابه (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) ،
____________
1- الأنبياء : 92 .
وتناول الشيعة ومنهجها بالكثير من المبالغات والسخرية .
وفي أوائل القرن التاسع عشر قامت حركة تجديدية جعلت الحواجز تتساقط بين المسلمين ، وأخذت العلاقات أبعاد جديدة من الودّ والتفاهم ، وكان هدف المجددين هو وحدة الأمّة سنة وشيعة . وكان من هؤلاء السيد جمال الدين الأفغاني الذي اعتبر أنّ هذا الأمر أهمّ ما يقابل الأمّة في تلك الظروف من تحدّي ، وقد كان الرجل ساعياً وراء حلمه منادياً به ، يحمل بين جنباته قدراً غير قليل من رباطة الجأش وسعة الصدر ، ويرى أنّ القرآن يدعو إلى الوحدة والتحرّر من كل القيود التي تتلاعب بالأمّة حتّى تستطيع أن تنجز مهمّتها حيث أنّها حاملة لرسالة إلهية جاءت لدحض الجبّارين والمستكبرين ، وتثبيت التوحيد ، فالرؤية الشرعية والمصلحية تستدعي وحدة الأمّة .
وتجلّى نجاح هذه الحركة في أكثر من موقف ، منها : تظاهر مسلمي الهند من أجل تأييد الثورة المهدية ضدّ الإنجليز المحتلين فى السودان ، ومنها : تحريض علماء الشيعة في العراق وإيران شيعتهم على قتال الإنجليز في الحرب العالمية الأولى ، رغم ما فعلته فيهم الدولة العثمانية ، بيد أنّ تيار الوحدة وانعقاد أواصر الأخوّة بين السنة والشيعة كان أقوى من كل حدث سابق عليه .
ورغم أنّ حركة التجديد لم تؤت كل ما نعقده عليها من آمال إلاّ أنّها وفّقت على الأقل في القضاء على كثير من العقبات ، واستطاعت الوصول
إلى نقاط اتفاق ، واعتبروا الوحدة الإسلامية هدفاً أبعد من حدود الخلافات المذهبية والعقائدية ، ويجب أن ينتقل الخلاف من مساحة الخصوصية إلى مساحة الحوار .
وقد استمر الشيعة في نضالهم من أجل وحدة الأمّة ، فاشتركوا مشاركة فعلية في مؤتمر بيت المقدس 1921م ، وشارك مندوب اليمن ، ومندوبان من إيران ، ومفتي الشيعة فى سوريا ، ومندوب عن شيعة العراق ، وكانت لهذه المشاركات دلالة على أنّ قضية الخلاف بين الشيعة والسنة خلاف مفتعل . ويمكن أن تبنى وجهات النظر بينهما مرّة أُخرى على احترام كل من الطرفين ، وأن يكونوا وحدة سياسية واجتماعية .
وفي عام 1947م أنشأت في مصر دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ، والتي أصبحت مجمع للحوار بين الفرق الإسلامية .
وقد أثّر إحياء الاجتهاد والمدارسة الجديدة في إعادة النظر التاريخي بين السنة والشيعة على الحوار مع الشيعة لتحقيق مصلحة الأمّة ، ففي فبراير 1959م نشرت مجلة الأزهر الرسمية في القاهرة فتوى شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت ، والتي نصّت على جواز التعبّد بفقه الشيعة الإمامية ، وكان هذا يعني الاعتراف بالتشيع كمذهب رسمي إلى جوار المذاهب الفقهية الأخرى ، وهذه الفتوى كانت تحت عنوان (الإسلام دين الوحدة) ، واستطاع الشيخ أن يدحض التعصّب ، ويرصد مضارّه وآثاره ،
وأن يقدّم حلاّ إسلامياً في إرساء دعائم الإسلام ضماناً لرفاهية الأُسرة والمجتمع .
وتزامنت هذه الفتوى مع حركات تصالحية فى صدور (مجمع البيان) للشيخ الطبرسي ، و (وسائل الشيعة) للحرّ العاملي ، وكلٌّ منهما حاز على إجازة الأزهر وتأييده ، واستمرّ هذا الجهد العظيم ، وعقدت أواصر الصداقات والمراسلات بين كلا الطرفين .
وعلى غلاف المجلة الخلفي جاءت مواد القانون الأساسي للجمعية ، والتي نصّت على العمل على جمع أرباب المذاهب الإسلامية الذين باعدت بينهم آراء لا تمسّ العقائد التي يجب الإيمان بها ، والسعي لإزالة ما يكون من نزاع بين شعبتين أو طائفتين من المسلمين والتوفيق بينهما ، وظلّ هذا الفريق يعمل بتوفيق من الله تعالى على مدى ستة عشر عاماً حافلة بالنجاح عبر (رسالة الإسلام) ، ثمّ انتهى هذا الحلم مع الظروف السياسية سنة 1964م .
أفلا نفيق اليوم والعالم يرمى المسلمين بقوس واحد؟! وها هى الأحزاب ، وإن شئت فقل التحالف الدولي يتسلّط علينا ، ويحتل بلادنا بلداً بعد آخر .
وعقب قيام الشاه في إيران بالاعتراف بالكيان الصهيوني عام 1960م عقد الأزهر مؤتمر في أغسطس من نفس العام ، وأصدر بياناً
طالب فيه من كل مسلمي العالم أن يعلنوا الجهاد ضدّ الشاه ونظامه في إيران الموالي لإسرائيل ، وبعد ثلاث سنوات تمّ إلغاء دار التقريب في مصر ، وعلى أثر ذلك انعقدت القيادة لآية الله روح الله الخميني ، وانعقدت جبهة بين رجال الدين المناضلين من إيران والقوميين العرب الناصريين ضدّ الشاه ، وحظيت هذه الحركة باحترام قلّما يذكر مثله . وبانتصار الثورة الإسلامية في إيران 1978 ـ 1979م وصل التعاون الشيعي السني إلى مرحلة دقيقة لإنهاء النزاع المذهبي بين السنة والشيعة إلى الأبد . بيد أنّه في أقل من عام ، وبدوافع عدّة ، ومؤامرات لا تخفى عن الكثير تحوّلت المصالحات إلي حرب طاحنة لم يكن العراق وإيران هم ميدانها فحسب ، لكن أصبحت ميادين الحرب كُثُر من صحافة وإعلام ومنابر وغيره .
إنّ حلم الوحدة الذي يداعب أحلام المسلمين ، والذي ربما لا يعلم الكثير منّا أنّه يقف حجر عثرة أمام قوى الشر العالمية ، وحركة الاستعمار التي تريد أن تكون هذه الأمّة فِرَق وجماعات متنازعة للسيطرة عليها ، ولسرقة خيراتها الطبيعية ، والتحكّم في طرق التجارة العالمية .
فقامت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م فأحرقت الأخضر واليابس ، وتبدد كل هذا الجهد ، وظهرت أدبيات الحرب في صورة
كتابات أكثر فجاجة وقسوة سيطرت على الوعي العام الثقافي والديني في البلاد التي يسكنها أغلبية سنية ، ومازال السواد الأعظم من أهل السنة يعتبرون الشيعة خارجين عن الإسلام ، ومع كل ما سبق نقول : إنّنا نعيش مرحلة غاية في الدقّة والضيق ، فبلاد العرب والإسلام على مرمى صواريخ الأعداء ، وكل يوم تضرب بها بلد ، وتهدم بها نظام ، وتتلاعب بآخر .
والكلمة الأخيرة في هذه المرحلة توجب علينا أن نقيم من كل هؤلاء جبهة واحدة ممتدة ذات طابع ثورى أمام الأعداء ، وهذه الجبهة يجب أن تكون مقرونة برؤية فكرية متجانسة ومتّسعة لكافة الأمّة حتّى تكون معركتنا مع هذا العدو معركة حاسمة فإمّا الكل وإمّا الفناء مستمسكين بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(1) .
إنّ العمل على وحدة المسلمين أصبح شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة ، والواجب علينا جميعاً أن نعيد النظر في كثير من دواعي التشرذم والخلاف .
____________
1- آل عمران : 102 ـ 103 .
ونحن في حاجة ماسّة إلى جهد مشابه ، بل أكثر لما بذله علماؤنا الأعاظم من جهد في سبيل وحدة هذه الأمّة ، أمثال:
الشيخ الإمام عبد المجيد سليم ، والشيخ الإمام محمود شلتوت ، والسيد الإمام الأكبر الحاج آغا حسين البروجردي ، والإمام محمّد الحسين آل الكاشف الغطاء ، والسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، والإمام الشيخ محمّد تقي القمي ، والأستاذ محمّد جواد ، والإمام الدكتور محمّد أبو زهرة ، والإمام أبي القاسم الموسوي الخوئي ، والدكتور محمّد محمّد المدني ، وغيرهم الكثير الذين أضاءوا للأمّة نوراً من نور النبوّة ، وأعطونا فهماً . نسأل الله تعالى أن ينير قبورهم بما بذلوا للأمّة ولوحدة المسلمين .
ويجب أن نتوقّف وقفة إجلال وتحيّة لمسلمي جنوب لبنان حيث إنّ نصرهم هو الأمل الوحيد منذ أكثر من نصف قرن ، والذى تحققه جهة غير نظامية تلتف حول قاعدة شرعية وفقهية واضحة، استطاعت أن تنزل بالعدو الصهيوني أروع وأعظم الهزائم منذ عمر الصراع العربي الإسرائيلي ، ولقد انسحب وولي الأدبار دون قيد أو شرط ، فهل يمكن لعاقل أن يصف هؤلاء المجاهدين بأنّهم من أهل الأهواء أو الزيغ . هذا والله داء عضال .
ما زالت الدنيا تتذكّر تلك الفتوى العظيمة التي أصدرها آية الله العظمى الإمام الخميني ، حيث أهدر دم كاتب تطاول على القرآن الكريم
ورسولنا(صلى الله عليه وآله) وجعل لقاتله جعل عظيم ، فهل نعدّ هذا الرجل من يهود هذه الأمّة (كما يحلوا للبعض أن يسمّيهم) ، وإن كان يهود الأمّة هذا فعلهم ، فما هو فعل خُلَّص المؤمنين؟!
والقارىء المنصف الذي يقرأ الأحاديث الواردة في العترة كحديث الغدير ، وغيره الكثير في مصنّفات أهل العلم ، يعلم ـ على اختلاف مذهبه ـ أنّ الشيعة لم تتجمع حول قواعد بدعية ، ولكنّها تستند إلى أصول أصيلة في الدين ، والذين عايشوا النبي(صلى الله عليه وآله) علموا مكانة عليّ منه(صلى الله عليه وآله) وعظم قدره عند النبي(صلى الله عليه وآله) حتّى تشيّعوا له وناصروه ، وكانوا نواة الشيعة هم أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) ، وإذا ما علمنا مكانة أصحاب النبي في التشريع الإسلامي ، وأنّهم حملة هذا الدين إلى الناس ، وأنّ الله تعالى منّ على أناس بصحبة نبيه(صلى الله عليه وآله) لذلك يتحقق لنا صحة أصل التشيع من الدين .
الفصل الثاني
تعريف الشيعة
التشــيع لغــــةً : هو المشايعة ، أي : المتابعة والموالاة(1) .
والشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع والأنصار ، وقد غلب هذا الاسم على أتباع علي بن أبي طالب ، حتّى اختص بهم ، وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم.
واصطلاحـــاً : هو الاعتقاد بآراء وأفكار معيّنة . وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرة وقلة.
وقد ورد لفظ الشيعة في القرآن في تسعة مواضع بلفظ "شيعة" ، ولفظ "شيع" ، و لفظ "أشياع" ، أمّا بلفظ "شيعة" : فقال تعالى {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ}(2) ، وفى قوله تعالى {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}(3) ، وقوله تعالى {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً}(4) .
وأمّا بلفظ "شيع" ففي قوله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ}(5) ، وفي قوله تعالى {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}(6) ، وفي قوله
____________
1- صحاح الجوهري ، الجزء الثالث ص156 ، تاج العروس ولسان العرب مادة (شيع) . 2- الصافات : 83 . 3- القصص : 15 . 4- مريم : 69 . 5- الحجر : 10 . 6- الأنعام : 65 .
تعالى {اِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً}(1) ، وفي قوله تعالى {اِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً}(2) .
وأمّا بلفظ "أشياع" .
قوله تعالى {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}(3) ، وفي قوله تعالى {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكّ مُرِيب}(4) ، وفي حديث الرسول(صلى الله عليه وآله) : قال "إنّ هذا (علي) وشيعته لهم الفائزون"(5) . وقول الإمام علي(عليه السلام) في واقعة صفين (قتلوا شيعتي وعمّالي)(6) .
____________
1- الأنعام : 159 . 2- القصص : 4 . 3- القمر : 51 . 4- سبأ : 54 . 5- السيوطي : الدرّ المنثور ، قوله تعالى (أولئك خير البرية) قال المصنف : أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأقبل علي ، فقال النبي : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ج12 : 379 ، وقد حدّثنا ابن حميد قال : ثنا عيسى بن فرقد عن أبي الجارود عن محمّد بن علي (أولئك هم خير البرية) فقال النبي : أنت يا علي وشيعتك . ج12 : 171 ، جامع البيان في تفسير القرآن : الطبري . وعن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبي(صلى الله عليه وآله) فأقبل علي فقال(صلى الله عليه وآله) : والذي نفسي بيده ، فذكر الحديث السابق ، فنزلت (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) فكان أصحاب محمّد إذا أقبل قالوا : قد جاء خير البرية ، أخرجه ابن عساكر ، فتح البيان في مقاصد القرآن ـ القنوجي البخاري 15 : 377 . 6- نصر بن مزاحم ، وقعة صفين ، ص162 .
وانطلاقاً من كون التشيّع اعتقاداً بآراء معيّنة ذهب الباحثون تبعاً لذلك إلى تعريفه على اختلاف بينهم في مدى سعة هذه التعاريف وضيقها ، وإليك نماذج من تعريفاتهم :
1 ـ الشهيد الثاني في كتابه الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية قال : الشيعة من تابع علياً ، أي : اتّبعه وقدّمه على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة ، فيدخل فيهم الإمامية ، والجارودية من الزيدية ، والإسماعيلية غير الملاحدة منهم ، والواقفية والقطعية(1) .
2 ـ الشيخ المفيد في كتاب الموسوعة كما نقله عن المؤلف قال : الشيعة هم من شايع علياً وقدّمه على أصحاب الرسول ((صلى الله عليه وآله)) ، واعتقد أنّ الإمام بوصية من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو بإرادة من الله تعالى نصاً كما يرى الإمامية أو صفة كما يرى الجارودية(2) .
3 ـ النوبختي في كتابه فرق الشيعة قال : الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمّون بشيعة علي في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه ، والقول بإمامته ، منهم : المقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، وأبو جندب بن جنادة الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وغيرهم ممن وافقت مودّته مودّة علي(عليه السلام) وهم أوّل من تشيّع من هذه الأمّة ; لانّ التشيّع قديم(3) .
____________
1- الشهيد الثاني ، شرح اللمعة ، 2/288 . 2- جعفر الخليلي مدخل موسوعة العتبات المقدسة ، ص91 . 3- النوبختي ، فرق الشيعة ، ص28 .
4 ـ يقول أبو حاتم الرازي : إنّ الشيعة لقب قوم كانوا قد ألفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حياة الرسول وعرفوا به مثل سلمان وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر ، وقد كانوا يقال لهم شيعة علي وأصحاب علي إلى أن آن أوان صفين ، فاشتهر بين موالي علي(1) .
5 ـ الشهرستاني في الملل والنحل قال : الشيعة هم الذين شايعوا علياً ، وقالوا بإمامته وخلافته إمّا نصاً جلياً ، وإمّا خفياً ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده(2) .
6 ـ محمّد فريد وجدي قال : الشيعة هم الذين شايعوا علياً في إمامته ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج عن أولاده ، ويقولون بعصمة الأئمة من الصغائر والكبائر ، والقول بالتولّي ، والتبري قولا وفعلا إلاّ في حال التقية إذا خافوا بطش ظالم ، وهم خمس فرق : كيسانية ـ زيدية ـ إمامية ـ إسماعيلية وغلاة(3) .
7 ـ ابن الأثير في مادة (شيع) : وأصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى
____________
1- كتاب الزينة ، مخطوط ، وأبو حاتم من أعلام القرن الرابع وتوفي 322هـ . 2- الشهرستاني ، الملل والنحل ، ص107 . 3- فريد وجدي، دائرة المعارف، 5/424.
واحد وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنّه يتولّى علياً(رضي الله عنه) وأهل بيته ، حتّى صار لهم اسماً خاصاً ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنّه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي : عندهم . وتُجمع الشيعة على شيع ، وأصلها من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة(1) .
8 ـ أحمد أمين في فجر الإسلام قال : إن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ، ولكن بمعنى ساذج ، وهو أنّ علياً أولى من غيره من وجهتين : كفايته الشخصية ، وقرابته للنبي(2) .
وممّا سبق يتّضح أنّ نظر الباحثين على اختلاف مذاهبهم، هو أنّ الأساس في تعريف الشيعة هو تقديم علي بن أبي طالب على غيره من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) ، سواء كان لوجود نص أو صفات اختص بها ولم تتوفر في غيره ، وهنا يظهر بوضوح أنّ الإمامة في مذاهب الشيعة ليست بالانتخاب ، ولكن بالتعيين أو الوصية من إمام لآخر ، من ولد علي خاصّة ، وأنّها وليدة النصوص ، وبذلك فهي امتداد للنبوّة .
وبهذا المنطـق نقـول : إنّ التشيع في بداياته ونهاياته واحد ، وأنّ التطوّر الحاصل فيه ، ما هو إلاّ تبرعم أفكار مستنبطة من الأُصول ، وثمرة البحث في الحجج والأفكار .
ولكن إذا كان هذا النبت غير طبيعي ، وقد اختلط بتعاليم غير إسلامية
____________
1- ابن الأثير ، النهاية ، 2/520 . 2- أحمد أمين ، فجر الإسلام ، ص439 .
كما يزعم البعض ، فلابد أن نطرح سؤالا ونقول : متى بدأ التشيع؟
ولكن قبل الإجابة على السؤال نقول : إنّ الشيعة ذهبت إلى أن آيات من القرآن تدل على صدق ما ذهبوا إليه من أنّ علياً(عليه السلام) هو الوصي والإمام بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
لقوله تعالى {اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1) وسمّيت هذه الآية بآية الولاية .
وقد ذهبوا إلى أنّه إمام المسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ; لأنّ لفظ إنّما يفيد الحصر ، و(وليكم) يفيد من هو أولى بتدبير الأمور فيجب طاعته ، وهي نزلت في علي(عليه السلام) بلا خلاف .
وآية المباهلة {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ}(2) وقد ورد بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)باهل بأهل بيته(عليهم السلام) وهم الحسن والحسين وفاطمة وعلي ابن أبي طالب ، وهم أحق بالخلافة من غيرهم من الذين سبقوا الإمام علي(عليه السلام) . وقول الله تعالى (أنفسنا) المراد به هو الإمام علي الذي هو كنفس النبي(صلى الله عليه وآله) ومن كان كذلك فمن يسبقه؟!
____________
1- المائدة : 55 . 2- آل عمران : 61 .
وقد ذكر الطبري روايات عدّة تؤيّد ما ذهب إليه الشيعة في آية الولاية ، منها : رواية عن إسماعيل بن إسرائيل قال : ثنا أيوب بن سويد قال : ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية {اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ}(1) قال : علي بن أبي طالب .
وذكر في الرواية الثانية : أنّ الحارث قال : ثنا عبد العزيز قال : ثنا غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله تعالى {اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله} : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع ، وجاء بمثل هذه الروايات ابن كثير والزمخشري وغيرهما .
متـــى بدأ التشيـــع :
للرجوع إلى أصل التشيع وبذرته التاريخية ، وما هي أرضيته وعوامل تكوينه ، وهل هي عملية عاطفية أم عقلائية انتهى إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين؟
ولمّا كان هذا الأمر ممّا يُختلف فيه تبعاً لاستنتاج الباحثين وانتماءاتهم ، وما يترجّح لديهم من مرجّحات فلا بدّ من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذا الموضوع ، وسأعرض بعض هذه النماذج ومناقشتها :
ذهب البعض إلى أنّ التشيع نشأ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) وهم : ابن خلدون في تاريخه قال : إنّ الشيعة ظهرت لمّا توفي النبي(صلى الله عليه وآله) وكان
____________
1- المائدة : 55 .
أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر ، وأنّ الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ، وكان جماعة من الصحابة يتشيّعون لعلي ، ويرون استحقاقه على غيره ، ولمّا عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك(1) :
أحمد أمين قال : وكانت البذرة الأولى للشيعة ، الجماعة الذين رأوا بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) أنّ أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه(2) .
حسن إبراهيم قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون إثر وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) فيمن يولّونه الخلافة ، وانتهى الأمر بتولية أبي بكر ، وأدّى ذلك إلى انقسام الأمّة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية(3) .
اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلّفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيّع ، ومن أشهرهم سلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفارى ، والمقداد بن الأسود ، والعباس بن عبد المطلب(4) .
وإنّ ما عليه جمهور الباحثين والمؤرّخين الذين ذهبوا إلى أنّ التشيّع ظهر بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وخاصّة يوم السقيفة ، فإنّ هذا يعدّ دليلا على وجوده في حياة النبي ; لأنّه من غير المعقول أن يتبلور هذا الفكر في يومين من وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) حتّى السقيفة ، ويتّخذه الناس مذهباً لهم بميزته وخواصّه الفكرية ، ولهذا ذهب باحثون آخرون إلى تخطئة من
____________
1- تاريخ ابن خلدون ، 3/364 . 2- أحمد أمين ، فجر الإسلام ، ص439 . 3- دكتور حسن إبراهيم ، تاريخ الإسلام السياسي ، 1/371 . 4- أحمد بن أبي يعقوب ، تاريخ اليعقوبي ، 2/104 .
يؤرّخ للشيعة في عصور متأخرة مع أنّ الأحداث التاريخية شديدة الدلالة على وجود التشيّع لعلي في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) ، وفي هذا يقول الطبري : تعليقاً على قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(1)ودعاهم إلى إتّباعه فلم يجب إلاّ علي بن أبي طالب ، فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا(2) .
ومن الخطأ أيضاً أن يقال : إنّ الشيعة إنّما ظهروا لأوّل مرّة عند انشقاق الخوارج ، بل كان بدء التشيّع وظهوره في عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله)حين أمره ربّه بإنذار عشيرته(3) .
وذهب الشيعة وغيرهم من المحققين إلى أنّ التشيّع ولد أيام الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو الذي غرسه في نفوس أصحابه عن طريق الأحاديث التي جاءت عن النبي في حق عليّ ومكانته ، وهذا ما رواه أهل العلم من سنّة وشيعة ، فقد روى السيوطي عن ابن عساكر عند تفسيره الآيتين السادسة والسابعة من سورة البيّنة بسنده وعن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبي(صلى الله عليه وآله) فأقبل علي ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، فنزل قوله تعالى {اِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
____________
1- الشعراء : 214 . 2- محمّد بن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، 6/216 ، وابن الأثير ، النهاية 2/28 . 3- يحيى فرغل ، عوامل وأهداف نشأة علم الكلام 1/105 .
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(1) وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال : لمّا نزلت {اِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أولئِكَ هم خَيرُ البَرِيّة} قال النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي : هم أنت وشيعتك .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ألم تسمع قوله تعالى {اِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أولئِكَ هُمْ خَيْرَ البَرِيّة} : هم أنت وشيعتك ، وموعدي ، وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غراً محّجلين(2) .
وذهب أبو حاتم الرازي إلى أنّ أوّل اسم في الإسلام ظهر هو الشيعة ، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة ، وهم : أبو ذر ، وعمار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ولمّا آن أوان صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب(3) .
وعندما نزل قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(4) قال الطبري : إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) دعا علياً ، وأمره أن يصنع طعاماً ، ويدعوا آل عبد المطلب ، وعددهم يومئذ أربعون رجلا ، وبعد أن أكلوا وشربوا من لبن أعد لهم قام النبي(صلى الله عليه وآله) ، وقال : يابني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً
____________
1- البينة : 7 . 2- السيوطي ، الدرّ المنثور 6/376 . ـ جامع البيان للطبري 12/171 ـ القنوجي البخاري ، فتح البيان في مقاصد القرآن ، 15/337 . 3- الخونساري ، روضات الجنّات ، ص88 . 4- الشعراء : 214 .
من العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فأحجم القوم عنها جميعاً ، يقول علي : وقلت وإنّي لأحدثهم سناً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع(1) .
وكذا أورد ابن كثير في تفسيره روايات عديدة في تفسير هذه الآية ، فيها طلب العون من رجال بنى هاشم ، حتّى قام إليه علي بن أبي طالب(2) .
وأورد الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة من حديث عبد الله بن نوفل في تفسير الآية بنحو ما سبق .
هذا ما جاء في أكثر كتب أهل العلم وأسفارهم في تفسير هذه الآية ، وثبوت نزولها في علي بن أبي طالب ، وكلّها دليل على ما سبق .
وموقف النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم ، وذلك عند نزول الآية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله
____________
1- محمّد بن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، 2/216 . 2- الحافظ ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 3/362 ، 263 .
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(1)(2) وعند ذلك أوقف(صلى الله عليه وآله) الركب ، وصنعوا له منبراً من أحداج الإبل ، خطب عليه خطبته ، وأخذ بيد علي وقال : (من كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه اللّهم وال من والاه ، وعاد من عداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله) .
وقد ذكر الرازي في سبب نزول الآية عشرة وجوه ، منها : أنّها نزلت في علي ، ثمّ عقب بعد ذلك بقوله : وهو قول ابن عباس ، والبراء بن عازب ، ومحمّد بن علي (الباقر)(3) .
ومن المعلوم أنّ حديث الغدير أخرجه جماعة من حفاظ أهل السنة ، وليس كما يدّعيه البعض من أنّ هذه الروايات غير صحيحة(4) ، فقد رواه ابن حجر في صواعقه عن ثلاثين صحابيا ، ونص على أنّ طرقه صحيحة ، بعضها حسن(5) .
وأورده ابن حمزة الحنفي مخرجاً له عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : إنّ أسامة بن زيد قال لعلي : لست مولاي ، وإنّما مولاي رسول
____________
1- المائدة : 67 . 2- وقد أشار المحدّثون والمفسّرون إلى نزول هذه الآية يوم الغدير ، انظر السيوطي ، الدرّ المنثور 2/298 ، الشوكاني ، فتح القدير 2/57 ، القندوزي ، ينايع المودّة ص120 ، المنار 6/463 . 3- الرازي ، مفاتيح الغيب ، 3/431 . 4- نقل حديث الغدير ورواه (110) من الصحابة ، (89) من التابعين ، (3500) من العلماء والمحدّثين ، انظر كتاب الغدير للعلامة الأميني . 5- ابن حجر الهيتمي ، الصواعق المحرقة ، الباب الثاني ، الفصل التاسع .
الله(صلى الله عليه وآله) ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : كأنّي قد دعيت فأجبت إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، إن الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه(1) .
رجـال الشيـعـة الأوائـــل :
وقد أوردت كتب التراجم والرجال عدداً كبيراً من روّاد التشيّع الأوائل منهم :
جندب بن جنادة (أبو ذر الغفاري) ، عمار بن ياسر ، سلمان الفارسي، المقداد بن ثعلبة الكندي ، حذيفة بن اليمان (صاحب سرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)) ، خزيمة بن ثابت الأنصاري (ذو الشهادتين) ، الخباب بن الأرت الخزاعى (أحد المعذّبين في الله) ، سعد بن مالك (أبو سعيد الخدري) ، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري ، قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، أنس بن الحرث بن منبه (أحد شهداء كربلاء) ، أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد (بدري) ، جابر بن عبد الله الأنصاري ، هاشم بن أبي وقاص ، محمّد بن أبي بكر ، مالك بن الحرث (مالك الأشتر) ، مالك ابن نويرة (ردف الملوك الذي قتله خالد بن الوليد) ، البراء بن عازب
____________
1- إبراهيم بن محمّد الحنفي ، البيان والتعريف ، 2/136 .
الأنصاري، أُبي بن كعب (سيّد القراء) ، عبادة بن الصامت ، عبد الله بن مسعود (صاحب وضوء النبي وأحد سادات القراء) ، أبو الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمير (واضع أُسس النحو بأمر الإمام علي) ، خالد بن سعيد بن أبي عامر بن أمية بن عبد الشمس (خامس من أسلم) ، أسيد بن ثعلبة الأنصاري (بدري) ، الأسود بن عيسى بن وهب (بدري) ، الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري (بدري) ، رافع بن خديج الأنصاري (ممن شهد أُحداً ولم يبلغ وأجازه النبي(صلى الله عليه وآله)) ، كعب بن عمير بن عبادة الأنصاري (بدري) ، سماك بن خرشة أبو دجانة الأنصاري (بدري) ، سهيل بن عمرو الأنصاري (بدري) ، عتيك بن التيهان (بدري) ، ثابت بن حطيم بن عدى الأنصاري (من أهل بدر) ، سهيل بن حنيف الأنصاري (بدري) ، أبو مسعود عقبة بن عمر (بدري) ، أبو رافع مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله) شهد المشاهد كلها وهاجر الهجرتين ، أبو بردة بن دينار الأنصاري (بدري) ، أبو عمر الأنصاري (بدري) ، أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، عقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري (بدري) ، قرظة بن كعب الأنصاري ، بشير بن عبد المنذر الأنصاري (أحد نقباء بيعة العقبة) ، يزيد بن نويرة بن الحارث الأنصاري (المشهود له من النبي بالجنة مرّتين) ، ثابت بن عبد الله الأنصاري ، جبلة بن عمير بن أوس الأنصاري ، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، زيد بن أرقم الأنصاري ،
أعين بن ضبيعة بن ناجية التميمي ، الأصبغ بن نباتة ، جبلة بن ثعلبة الأنصاري ، يزيد بن الأسلمي ، تميم بن خزام ، ثابت بن دينار (أبو حمزة الثمالي) ، جندب بن زهيرالأزدي ، جعدة بن هبيرة المخزومي ، حارثة ابن قدامة التميمي ، جبير بن الجناب الأنصاري ، حبيب بن مظاهر الأسدي ، حكيم بن جبلة العبدي الليثي ، خالد بن أبى دجانة الأنصاري ، زيد بن صوحان الليثي ، الحجاج بن غاربة الأنصاري ، زيد بن شرحبيل الأنصاري ، بديل بن ورقاء الخزاعي ، أبوعثمان الأنصاري ، ثعلبة أبو عمرة الأنصاري ، أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ، سعد بن الحارث بن الصمد الأنصاري ، زيد بن جبلة التميمي ، مسعود بن مالك الأسدي ، عبد الله بن حزام الأنصاري ، سعد بن منصور الثقفي ، الحارث بن عمر الأنصاري ، سليمان بن صرد الخزاعي ، شرحبيل بن مرة الهمداني ، شبيب بن رت النميري ، سهل بن عمر ، حرملة بن المنذر الطائي أبو زبيد ، سهيل بن عمر ، عبد الرحمن الخزاعي ، أويس القرني الأنصاري ، عبد الله بن سليم العبدري ، عبيد بن التيهان الأنصاري (أوّل من بايع النبي(صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة) ، أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس من أمراء السرايا أيام النبي(صلى الله عليه وآله) هذه جملة ممّن بايعوا علياً ، وجاء ذكرهم في كتب الرجال المتعددة(1) .
____________
1- الكامل للمبرد ، رغبة الأمل ج7 ، ص130 ، أسد الغابة ج1 ، ص35 ، فجر الإسلام ص227 ، الاستيعاب لابن عبد البر ج1 ، ص280 .
يقول الذهبي في تاريخ الإسلام : عامر بن واثلة بن عمرو الليثي الكناني (أبو الطفيل) آخر من رأى النبي(صلى الله عليه وآله) في الدنيا بالإجماع ، وكان من شيعة علي ، وقد لقاه معاوية بالشام ، فقال له : كيف حبّك لعلي؟ قال : حب أم موسى لموسى ، وإلى الله أشكو التقصير(1) ، ثمّ أنشد :
فإن تكن العداوة قد أكنت | فشر عداوة المرء السباب(2) |
وفي الاستيعاب في ترجمة أبي الطفيل : روى نحو أربعة أحاديث ، وكان محبّاً لعلي ، وكان من أصحابه في مشاهده ، وكان ثقة مأموناً(3) .
ونحب أن نقول : أنّنا خلال المراجعات الكثيرة لكتب التاريخ لم نر من هؤلاء من عمد إلى شتم أو تجريح أحد من الصحابة ـ في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتّى نهاية خلافة الخلفاء ـ حتّى في أشد جمحات عاطفة الولاء . نعم ، من قيّم الخلفاء .
بل حتّى في عهود الأمويين كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة ، يقول ابن خلكان في ترجمة يحيى بن يعمر : كان شيعياً من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم(4) .
يقول أبو الأسود الدؤلى :
____________
1- الذهبي ، تاريخ الإسلام ، 3/207 . 2- ابن عبد البر ، الاستيعاب ، 1/280 . 3- ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، 2/193 . 4- ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2/269 .
أحب محمـّداً حباً شديــداً | وعباساً وحمزة والوصــيا |
يقول الأرذلـون بنو قشيـر | طوال الدهر ما تنسى عليـا |
أحبهــم لحب الله حتــّى | أجىء إذا بعثت علـى هويا |
بنو عم النـبي وأقربــوه | أحب الناس كلهـم إليـــا |
فإن يك حبهم رشداً أصبـت | ولست بمخطىء إن كان غيـا |
بين الشيعة والرافضـة :
نود في البداية أن نقول : هل الشيعة هم الرافضة؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نبدأ أولا في البحث عن معنى الكلمة ، وبداية هذه التسمية ، ومن أين أتت؟
1 ـ تاج العروس : الروافض كل جند تركوا قائدهم ، والرافضة فرقة منهم ، والرافضة أيضاً فرقة من الشيعة . قال الأصمعي : سمّوا بذلك ; لأنّهم بايعوا زيد بن علي ، ثمّ قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى قال : لا كانا وزيري جدي(صلى الله عليه وآله) ، فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه(1) .
2 ـ الصحاح : مادة (رفض) ذكر نفس مضمون الزبيدي(2)؟
3 ـ المعجم الوجيز : مادة (رفض) ذكر الشي رفضاً تركه وجانبه ورماه ، طرده فهو مرفوض رفيض ، الرافضة فرقة من الشيعة تجيز الطعن في الصحابة ، سمّوا بذلك ; لأنّهم رفضوا نصح زيد بن علي حين نهاهم
____________
1- محمّد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس ، 5/34 . 2- صحاح الجواهري ، 3/1078 تسلسل عام الكتاب .
عن الطعن في الشيخين أبي بكر وعمر ، وجمعها (روافض)(1)؟
4 ـ مقالات الإسلاميين : وإنّما سمّوا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر ، وهم مجمعون على أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) نص على خلافة علي بن أبي طالب باسمه ، وأظهر ذلك وأعلنه ، وأنّ أكثر الصحابة ضلّوا بتركهم الاقتداء به بعد النبي(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ الإمامة لا تكون إلاّ بنص(2) .
5 ـ الفتاوى : وهذا هو أصل مذهب الرافضة ، فإنّ الذي ابتدع الرفض كان يهودياً أظهر الإسلام نفاقاً ، ودسّ إلى الجهّال دسائس يقدح بها في أصول الإيمان ، ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة(3) .
6 ـ الفرق بين الفرق : ثمّ افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه أربعة أصناف : زيدية ، وإمامية ، وكيسانية ، وغلاة(4) .
7 ـ العواصم من القواصم : تحت عنوان ما أدخلته الشيعة في التاريخ الإسلامي (ملحق) بقلم : صالح بن عبد الله المحسن ، عميد كلية الدعوة وأصول الدين يقول : وبدعة الرفض هي أوّل بدعة أسست لهذا الغرض ، وأوّل مكيدة دبّرت تحت هذا الستار ، وهي الفتنة الكبرى التي دبّرت ضدّ عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، وهو ثالث الخلفاء الراشدين ،
____________
1- المعجم الوجيز ، مجمع اللغة العربية مصر ، ص271 . 2- أبو الحسن الأشعري ، مقالات الإسلاميين ، 1/16 . 3- ومن حقّنا أن نسأل من هم الجهّال ، هل أبو ذر الذي أشاعوا عنه بأنّ الذي ألبّه على معاوية وعثمان كان عبد الله بن سبأ ، فهل هذا من حسن الأدب مع أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟! انظر : فتاوى ابن تيمية 4/328 . 4- عبد القاهر البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص20 .
وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، فإنّ هذه الفتنة بدأت بإشاعة وتلفيق الأخبار المكذوبة أو المروية على غير وجهها الصحيح ، وذلك لتأليب الجهّال وغوغاء الناس عليه ، ممّا أدّى إلى قتله ، والذي خطط ونفّذ هذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ اليهودي(1) .
8 ـ مصادر مختلفة : زيد بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب (أبو محمّد) كان قد بايعه خلق في أيام هشام بن عبد الملك ، وشجّعوه على الخروج ، وحارب متولي العراق يوسف بن عمر الثقفي ، فظفر به يوسف ، فقتله وصلبه ، وبقي مصلوباً مدّة ، قال الذهبي : أربع سنوات .
وحين خرج جاءت طائفة كبيرة ، وقالوا : تبرّأ من أبي بكر وعمر ، ونحن نبايعك ونحارب معك ، فأبى ، فقالوا : إذن فنحن نرفضك ، فسمّي هؤلاء بالرافضة ، وبقي اسم (الزيدية) على من بقي معه ، وقد اختلف في عام وفاته ، فقيل : 120 ، وقيل : 121 ، وقيل : 122 هـ .
وممّا سبق نقول : إنّ الرفض هو الطرد والترك ، والرافضة فرقة من الشيعة ، أي : جزء من الكل ، وهي الفرقة من الجيش التي تترك قائدها .
وأمّا التعريف الذي ساقه أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين لم يفرّق بين الشيعة (الكل) وبين الرافضة (الجزء) ، وهذا تعريف في غاية القصور . وكذلك فعل عبد القاهر البغدادي في الفرق بين
____________