الصفحة 20

فضل العلم والعبادة


أجل: العلم والعبادة جوهران لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما بينهما، ولأجلهما اُنزلت الكتب من السماء واُرسلت الرسل، فهما كلّ شيء، ولولاهما لكان الإنسان كالأنعام بل أضلّ سبيلا، ولكان قلبه كالحجارة بل أشدّ قسوة.

فحقيق علينا وعلى كلّ إنسان فهم الحياة وكشف سرّ الخلقة، أن لا يشتغل إلاّ بهما، ولا ينظر إلاّ فيهما، فما سواهما لغو لا حاصل له. ولمثل هذا يقول الإمام السجّاد (عليه السلام): (لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بسفك المُهج وخوض اللجج) هذا في مقدار وكيفيّة السعي، وأمّا في الزمان فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (اطلب العلم من المهد إلى اللحد) أي طيلة الحياة، وأمّا في المكان فقد قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): (اطلبوا العلم ولو في الصين) كناية عن البعد المكاني.

وأشرف الجوهرين: العلم، فقد جاء في الكافي(1) عن مولانا الباقر (عليه السلام): (عالم ينتفع بعلمه ـ هو ينتفع من علمه كما أنّ الناس ينتفعون من علمه ـ أفضل من سبعين ألف عابد).

____________

1- الكافي 1: 33.


الصفحة 21
فلا بدّ للعلم من عمل وعبادة، وهذا معنى العلم النافع والانتفاع به وأنّ ثمرة العلم العبادة، وإلاّ كان العلم هو الحجاب الأكبر، ولم يزدد صاحبه من الله إلاّ بُعداً ـ كما ورد في الخبر ـ فالعلم بلا عمل كليلة بلا قمر ـ كناية عن الظلام والظلمة ـ وإنّ العلم بمنزلة الشجرة اليانعة، والعمل والعبادة بمنزلة ثمرة من ثمراتها، فالشرف للشجرة، إذ هي الأصل، لكن الانتفاع بثمرتها، فلا بدّ أن يكون لنا من كلا الأمرين حظّ ونصيب ـ فمن أخذ أخذ بحظّ وافر ـ وإنّ العلم علم الدين والباقي فضل: (إنّما العلم ثلاث: آية محكمة ـ علم العقائد ـ وفريضة عادلة ـ علم الفقه ـ وسُنّة قائمة ـ علم الكلام ـ وما سواهنّ فهو فضل)(1). فعلم الدين فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، وبالعلم يكون الإيمان، والعبادة الصحيحة إنّما تورث في القلب صفاءً يجعله مستعدّاً لحصول نور فيه، وليس العلم بكثرة التعلّم، إنّما العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه(2)، ومن علم وعمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، ومن تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله دُعي في السماوات عظيماً. وليس العلم في السماء فينزل إليكم ولا في الأرض فيخرج إليكم، إنّما العلم في قلوبكم، تخلّقوا بأخلاق الروحانيّين يظهر لكم.

إنّ تحصيل العلم مقدّم على العبادة، فإنّ من لم يعرف المعبود ولا صيغة العبادة ولا آثارها كيف وأنّى تأت له العبادة الصحيحة؟ وكيف يكون عمله صائباً؟

فثمرة العلم الطاعة والعبادة، وإنّ العلم أمام العمل، والعمل تابعه.

____________

1- لقد ذكرنا بيان هذه الرواية النبويّة في كتاب (عقائد المؤمنين)، و (دروس اليقين في معرفة اُصول الدين)، فراجع.

2- جاء في الخبر ذلك. البحار 1: 225.


الصفحة 22

أقسام العبادة


اعلم أنّ العبادة في كيفيّتها على قسمين:

1 ـ العبادة الظاهرة التي هي من تقوى الجوارح والأبدان، كفعل الطاعات الظاهرة، كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة وغير ذلك من العبادات والمعاملات، وترك المعاصي الواضحة كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك ممّـا يوجب دخول النار.

ويسمّى العلم المتعلّق بذلك: علم الشريعة وعلم الفقه.

2 ـ العبادة الباطنة التي هي من تقوى القلوب والأرواح، وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فإنّ القلب سلطان البدن، والناس على دين ملوكهم، فتقوى القلب وإصلاح السريرة والسيرة أبلغ في الوصول من العمل بالجوارح، كالتخلّق بالصفات الحميدة من الإخلاص والتوكّل على الله والصبر والشكر وغير ذلك، والتجنّب عن الملكات الرذيلة كالحسد والكبر والعجب والرياء وقول الزور والظلم.

وسمّي العلم المتعلّق بذلك علم السرّ وعلم الأخلاق.

وكلتا العبادتين فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، لورود الأمر بهما جميعاً في الكتاب والسنّة كقوله تعالى:


الصفحة 23
{وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}(1).

والتكليف بكلتيهما إنّما هو بقدر الوسع والطاقة:

{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَهَا}(2).

والقلوب أوعية، ولكن خيرها أوعاها، فلكلّ منهما درجات في الكمال والنقص وزيادة القرب من الحقّ بحسب اختلاف الناس درجاتهم في تحمّلها والعمل بها، وإنّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق.

ولكنّ الناس في العبادة على أقسام ثلاثة ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ فمنهم من يعبد الله خوفاً من ناره وعذابه، وهذا مثل عمل وعبادة العبيد، ومنهم من يعبد الله طمعاً في جنّته وثوابه، وهذا مثل فعل التجّار، فعملهم إنّما هو للربح، الأكثر فالأكثر، ومن الناس وهم أولياء الله المقرّبون والخلّص من عباد الله، يعبدونه شوقاً وحبّاً وشكراً على نعمائه وآلائه، ووجدوا أنّ الله أهلا للعبادة.

سفينة البحار(3)، عن الكافي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنّ العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاُجراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة.

وإنّ أولياء الله وأحبّاءه يحبّون عبادة الله سبحانه، حتّى أنّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة وكان قيامه في صلاته قيام العبد

____________

1- 6: 151.

2- 2: 282.

3- سفينة البحار 6: 9.


الصفحة 24
الذليل بين يدي الملك الجليل.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قليل العمل مع كثير العلم خيرٌ من كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة.

بصائر الدرجات، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: عالم أفضل من ألف عابد ومن ألف زاهد. وقال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من عبادة سبعين ألف عابد.

والروايات في فضل العالم على العابد كثيرة. فلا بدّ للعالم من عبادة وللعابد من علم، وإنّما يحلّق الإنسان في سماء المكارم والفضائل ويصل إلى قمّة الكمال والجمال بالعلم والعبادة.

قال الراغب في مفرداته ما ملخّصه: إنّ العبوديّة إظهار التذلّل، والعبادة أبلغ منها لأنّها غاية التذلّل، ولا يستحقّها إلاّ من له غاية الأفضال وهو الله تعالى، ولهذا قال:

{ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيَّاهُ}.

والعبادة ضربان:

عبادة بالتسخير ـ أي عبادة تكوينيّة ـ كسجود الحيوانات والنباتات والظلال، قال الله تعالى:

{وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ}(1).

فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنتبهة على كونها مخلوقة وأنّها خلق فاعل حكيم.

____________

1- الرعد: 15.


الصفحة 25
والضرب الثاني عبادة بالاختيار ـ عبادة تشريعيّة ـ وهي لذوي النطق، وهي المأمور بها في نحو قوله تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمْ}.

والعبد يقال على أربعة أضرب:

الأوّل: عبد بحكم الشرع، وهو الإنسان الذي يصحّ بيعه وابتياعه نحو العبد بالعبد.

الثاني: عبد بالإيجاد، وليس ليس إلاّ لله، قال تعالى:

{إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}(1).

الثالث: عبد بالعبادة والخدمة، والناس في هذا ضربان: عبد لله مخلصاً، كقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}، {إنَّ عِبَادِي}، {عَبْدَنَا أيُّوب}، {عَبْداً شَكُوراً}، ونحو ذلك، وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار.

وعلى هذا النحو يصحّ أن يقال: ليس كلّ إنسان عبداً لله، فإنّ العبد على هذا بمعنى العابد، لكنّ العبد أبلغ من العابد، والناس كلّهم عباد الله، بل الأشياء كلّها كذلك، لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار. انتهى.

ثمّ كما ورد في الأخبار: أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً، وقيمة كلّ امرئ مايحسنه من العلم والمعرفة، ومن سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً به، وإنّه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإنّ العلماء

____________

1- مريم: 93.


الصفحة 26
ورثة الأنبياء، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر.

قال الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام): أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشتغلنّ بعلم ما لا يضرّك جهله، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه(1).

عن الصادق (عليه السلام)، قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله عزّ وجلّ الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء(2).

كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) إذا جاءه طالب علم فقال: مرحباً بوصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ يقول: إنّ طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجليه على رطب ولا يابس من الأرض إلاّ سبّحت له إلى الأرضين السابعة.

فكن عالماً أو متعلّماً على سبيل النجاة، فتحضر مجالس العلماء الصالحين الأخيار الذين زهدوا في الدنيا، ومن لم يحضر فيصاب بالخدلان الإلهي: (أو لعلّك فقدّتني من مجالس العلماء فخذلتني)(3).

جامع الأخبار، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): سيأتي زمان على الناس يفرّون من العلماء كما يفرّ الغنم من الذئب، ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء:

الأوّل: يرفع البركة من أموالهم.

____________

1- سفينة البحار 6: 344.

2- البحار 7: 226.

3- مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.


الصفحة 27
والثاني: سلّط عليهم سلطاناً جائراً.

والثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان(1).

فغاية الخلق وسرّ الحياة: العلم والعبادة المتبلورة بالرحمة الإلهية، والجنّ والإنس إنّما كلّفوا بكسب العلم والعبادة، وعلى كلّ فرد أن يكون عارفاً بالله عابداً إيّاه:

{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِين}(2).

وأمّا الامتحان والابتلاء والبلاء الإلهي والفتن والحوادث الكونية إنّما هي ليعلم الناس أيّهم أحسن عملا، ومن ثمّ أحسن عقلا ومعرفة، إذ حسن العمل والعبادة بعد حسن المعرفة والعلم بعلم الله وقدرته، ونتيجة ذلك تكامل الإنسان، وبلوغ القمّة والوصول إلى الله سبحانه.

{الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِـيَـبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ}(3).

والله سبحانه إنّما يريد حسن العمل لا كثرته من دون الحسن، وحسن العمل إنّما هو بالعلم والتقوى:

{اُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَـتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ مَا عَمِلُوا}(4).

{إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ}(5).

____________

1- السفينة 6: 347.

2- الحمد: 3.

3- الملك: 2.

4- الأحقاف: 16.

5- المائدة: 27.


الصفحة 28
وما أروع ما يقوله صدر المتألّهين الشيرازي(1): (فلا غاية له ـ أي لله سبحانه ـ في فعل الوجود إلاّ إفاضة الخير والجود، بل ليس لجوده غاية سوى وجوده إذ هو غاية الغايات ونهاية النهايات، إليه ينتهي كلّ موجود، وبه يقضى كلّ حاجة ومقصود، إنّما الغاية في فعله لما سواه من ذوي الفقر والحاجة واُولي المسكنة والفاقة وهو إيصال كلّ واحد إلى كماله، وإرواء كلّ وارد من مشرب جماله، إذ لم يخلق هذا الجسماني الفسيح والفلك والدوّار المسيح، إلاّ لأمر عظيم خطير، أعظم من هذا المحسوس الحقير).

____________

1- الواردات القلبية في معرفة الربوبيّة: 58.


الصفحة 29

سرّ الخليقة الكمال والتكامل


فالغاية والمقصود من المخلوقات (هو إيصال كلّ واحد إلى كماله).

وقد ورد عن الإمامين الصادقين (عليهما السلام):

(الكمال كلّ الكمال: التفقّه في الدين والصبر على النائبة والتقدير في المعيشة).

وهذا يعني أنّ كمال الإنسان في كلّ أبعاده، العلمي والعملي، والفردي والاجتماعي، المادّي والمعنوي، إنّما هو في حركات ثلاثة، واستفدنا الحركة من قوله (عليه السلام): (الكمال كلّ الكمال)، فإنّ الكمال فيما سوى الله سبحانه لازمه الحركة، وأمّا في الله سبحانه فإنّه الثابت فلا يتّصف بالحركة والسكون، فكمال الإنسان في حركات ثلاثة:

1 ـ الحركة العلمية (التفقّه في الدين) فإنّ الفقه بمعنى الفهم وهو يرادف العلم أو يلازمه.

2 ـ الحركة الأخلاقية (الصبر على النائبة) فإنّ أساس الأخلاقيات هو الصبر والفرد الشاخص له هو الصبر على النائبة.

3 ـ الحركة الاقتصادية (التقدير في المعيشة) فيكون عيشه بقدر معلوم من دون إفراط وتفريط، فيراعي الجانب الاقتصادي في حياته.


الصفحة 30


الصفحة 31

ختامه مسك


هذا والدعاء والتوسّل بالله سبحانه وتعالى وشفاعة أوليائه الكرام البررة، له التأثير البالغ في تكامل روح الإنسان وتعاليه وبلوغ مناه، فنسأله عزّ وجلّ، بلطفه وكرمه وجوده، أن يوفّقنا لكلّ خير، ولما يحبّ ويرضى، ويسعدنا وجميع المؤمنين والمؤمنات وقرّاءنا الأعزّاء في الدارين، آمين ربّ العالمين.

(إلهي انظر إليَّ نظر من ناديته فأجابك، واستعملته بمعونتك فأطاعك، يا قريباً لا يبعد عن المغترّ به، ويا جواداً لا يبخل عمّن رجا ثوابه، إلهي هب لي قلباً يُدنيه منك شوقه، ولساناً يرفع إليك صدقه، ونظراً يُقرّبه منك حقّه، إلهي إنّ من تعرّف بك غير مجهول، ومن لاذ بك غير مخذول، ومن أقبلت عليه غير مملوك (ملول)، إلهي إنّ من انتهج بك لمستنير، وإنّ من اعتصم بك لمستجير، وقد لذتُ بك يا إلهي فلا تخيّب ظنّي من رحمتك، ولا تحجبني عن رأفتك، إلهي أقمني في أهل ولايتك مقام من رجا الزيادة من محبّتك، ألهمني ولهاً بذكرك إلى ذكرك وهمّتي في روح نجاح أسمائك ومحلّ قدسك، إلهي بك عليك إلاّ ألحقتني بمحلّ أهل طاعتك والمثوى الصالح من مرضاتك، فإنّي لا أقدرُ لنفسي دفعاً، ولا أملك لها نفعاً، إلهي أنا عبدك الضعيف المذنب ومملوكك المنيب (المعيب)، فلا تجعلني ممّن صرفت عنه

الصفحة 32
وجهك، وحجبه سهوه عن عفوك، إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتّى تخرق أبصار القلوب حُجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك، ولاحظته فصعق لجلالك، فناجيته سرّاً وعمل لك جهراً، إلهي لم اُسلّط على حسن ظنّي قنوط الأياس ولا انقطع رجائي من جميل كرمك، إلهي إن كانت الخطايا قد أسقطتني لديك فاصفح عنّي بحسن توكّلي عليك، إلهي إن حطّتني الذنوب من مكارم لطفك فقد نبّهني اليقين إلى كرم عطفك، إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد نبّهتني المعرفة بكرم آلائك، إلهي إن دعاني إلى النار عظيم عقابك فقد دعاني إلى الجنّة جزيل ثوابك، إلهي فلك أسأل وإليك أبتهل وأرغب، وأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعلني ممّن يديم ذكرك، ولا ينقص عهدك ولا يغفل عن شكرك، ولا يستخفّ بأمرك، إلهي وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفاً، وعن سواك منحرفاً، ومنك خائفاً مترقّباً، يا ذا الجلال والإكرام، وصلّى الله على محمّد ورسوله وآله الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً)(1).

____________

1- من دعاء (المناجاة الشعبانيّة) في مفاتيح الجنان، وقد ذكرت بيان ذلك في كتاب (عقائد المؤمنين) و (دروس اليقين في معرفة اُصول الدين) وكتاب (التوبة والتائبون)، فراجع.