الصفحة 290

غصب الخلافة على لسان معاوية

وبلغني عنك: أنك لا تخطب الناس خطبة إلا قلت قبل أن تنزل عن منبرك: (والله إني لأولى الناس بالناس، وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله).

لئن كان ما بلغني عنك من ذلك حقا فلظلم أبي بكر وعمر إياك أعظم من ظلم عثمان.

لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن شهود، فانطلق عمر وبايع أبا بكر وما استأمرك ولا شاورك، ولقد خاصم الرجلان بحقك وحجتك وقرابتك من رسول الله، ولو سلما لك وبايعاك لكان عثمان أسرع الناس إلى ذلك لقرابتك منه وحقك عليه لأنه ابن عمك وابن عمتك. ثم عمد أبو بكر فردها إلى عمر عند موته ما شاورك ولا استأمرك حين استخلفه وبايع له.

ثم جعلك عمر في الشورى بين ستة منكم وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار وغيرهم، فوليتم ابن عوف أمركم في اليوم الثالث حين رأيتم الناس قد اجتمعوا واخترطوا سيوفهم وحلفوا بالله (لئن غابت الشمس ولم تختاروا أحدكم ليضربن أعناقكم ولينفذن فيكم أمر عمر ووصيته)، فوليتم أمركم ابن عوف، فبايع عثمان فبايعتموه.

ثم حوصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه ودعاكم فلم تجيبوه، وبيعته في أعناقكم وأنتم يا معاشر المهاجرين والأنصار حضور شهود. فخليتم عن أهل مصر حتى قتلوه وأعانهم طوائف منكم على قتله وخذله عامتكم، فصرتم في أمره بين قاتل وآمر وخاذل.

ثم بايعك الناس وأنت أحق بهذا الأمر مني، فأمكني من قتلة عثمان حتى أقتلهم، وأسلم الأمر لك وأبايعك أنا وجميع من قبلي من أهل الشام.


الصفحة 291

2
رسالة من أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية

فلما قرأ علي عليه السلام كتاب معاوية وأبلغه أبو الدرداء وأبو هريرة رسالته ومقالته، قال علي عليه السلام لأبي الدرداء: قد أبلغتماني ما أرسلكما به معاوية، فاسمعا مني ثم أبلغاه عني كما أبلغتماني عنه وقولا له:

إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما إمام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته ولا يسع الأمة خذلانه، أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولا نصرته. فلا يخلو من إحدى الخصلتين.

والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل - ضالا كان أو مهتديا، مظلوما كان أو ظالما، حلال الدم أو حرام الدم - أن لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدءوا بشئ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجهم وجمعتهم ويجبي صدقاتهم. ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلما ويحاكمون قتلته إليه ليحكم بينهم بالحق: فإن كان إمامهم قتل مظلوما حكم لأوليائه بدمه، وإن كان قتل ظالما نظر كيف الحكم في ذلك.

هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه: أن يختاروا إماما يجمع أمرهم - إن كانت الخيرة لهم - ويتابعوه ويطيعوه. وإن كانت الخيرة إلى الله عز وجل وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في

الصفحة 292
ذلك والاختيار، ورسول الله صلى الله عليه وآله قد رضي لهم إماما وأمرهم بطاعته واتباعه وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان، بايعني المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا في ثلاثة أيام، وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وعقدوا إمامتهم، ولى ذلك أهل بدر والسابقة من المهاجرين والأنصار، غير أنهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة وإن بيعتي كانت بمشورة من العامة.

فإن كان الله جل اسمه قد جعل الاختيار إلى الأمة وهم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم، واختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خير لهم من اختيار الله ورسوله لهم، وكان من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة هدى وكان إماما واجبا على الناس طاعته ونصرته، فقد تشاوروا في واختاروني بإجماع منهم، وإن كان الله عز وجل هو الذي يختار، له الخيرة فقد اختارني للأمة واستخلفني عليهم وأمرهم بطاعتي ونصرتي في كتابه المنزل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.

ولو أن عثمان قتل على عهد أبي بكر وعمر كان لمعاوية قتالهما والخروج عليهما للطلب؟

قال أبو هريرة وأبو الدرداء: لا.

قال علي عليه السلام: فكذلك أنا فإن قال معاوية: (نعم)، فقولا: إذا يجوز لكل من ظلم بمظلمة أو قتل له قتيل أن يشق عصى المسلمين ويفرق جماعتهم ويدعو إلى نفسه، مع أن ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية.

قال: فسكت أبو الدرداء وأبو هريرة وقالا: لقد أنصفت من نفسك.

قال علي عليه السلام: ولعمري لقد أنصفني معاوية إن تم على قوله وصدق ما أعطاني، فهؤلاء بنو عثمان رجال قد أدركوا ليسوا بأطفال ولا مولى عليهم، فليأتوا أجمع بينهم وبين قتلة أبيهم، فإن عجزوا عن حجتهم فليشهدوا لمعاوية بأنه وليهم ووكيلهم وحربهم في خصومتهم.


الصفحة 293
وليقعدوا هم وخصمائهم بين يدي مقعد الخصوم إلى الإمام والوالي الذي يقرون بحكمه وينفذون قضائه، وأنظر في حجتهم وحجة خصمائهم. فإن كان أبوهم قتل ظالما وكان حلال الدم أبطلت دمه، وإن كان مظلوما حرام الدم أقدتهم من قاتل أبيهم، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا عفوا وإن شاءوا قبلوا الدية.

وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم ولهم، فليأتني ولد عثمان أو معاوية - إن كان وليهم ووكيلهم - فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى أحكم بينهم وبينهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله.

وإن كان معاوية إنما يتجني ويطلب الأعاليل والأباطيل فليتجن ما بدا له فسوف يعين الله عليه. (1)

قال أبو الدرداء وأبو هريرة: قد والله أنصفت من نفسك وزدت على النصفة، وأزحت علته وقطعت حجته، وجئت بحجة قوية صادقة ما عليها لوم.

ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء، فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنعين بالحديد فقالوا: (نحن قتلة عثمان ونحن مقرون راضون بحكم علي عليه السلام علينا ولنا، فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم أبيهم، فإن وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا).

فقالا: قد أنصفتم، ولا يحل لعلي عليه السلام دفعكم ولا قتلكم حتى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم وبين صاحبكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله.

____________

(1). يتجني أي يرمي بإثم لم نفعله.

الصفحة 294

3
رد فعل معاوية على رسالة أمير المؤمنين عليه السلام

فانطلق أبو الدرداء وأبو هريرة حتى قدما على معاوية فأخبراه بما قال علي عليه السلام وما قال قتلة عثمان وما قال أبو النعمان بن ضمان. (1)

فقال لهما معاوية: فما رد عليكما في ترحمه على أبي بكر وعمر وكفه عن الترحم على عثمان وبرائته منه في السر وما يدعي من استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله إياه وأنه لم يزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله؟

قالا: بلى، قد ترحم على أبي بكر وعمر وعثمان عندنا ونحن نسمع. ثم قال لنا فيما يقول: إن كان الله جعل الخيار إلى الأمة فكانوا هم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم - وكان اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خيرا لهم وأرشد من اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله - فقد اختاروني وبايعوني، فبيعتي بيعة هدى وأنا إمام واجب على الناس طاعتي ونصرتي، لأنهم قد تشاوروا في واختاروني.

وإن كان اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا لهم وأرشد من اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها، فقد اختارني الله ورسوله للأمة واستخلفاني عليهم وأمراهم بنصرتي وطاعتي في كتاب الله المنزل على لسان نبيه المرسل، وذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.

____________

(1). لم نعرف الرجل ولا وجه ذكره هنا. ولعله تكلم نيابة عن العشرين ألف المسمين أنفسهم بقتلة عثمان.

الصفحة 295

4
مناشدات أمير المؤمنين عليه السلام للمسلمين في صفين

ثم صعد عليه السلام المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي والمهاجرين والأنصار، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال:

مناقب علي عليه السلام لا تحصى

يا معاشر الناس، إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد، ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال في رسول الله صلى الله عليه وآله، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي.

أتعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق، السابق إلى الإسلام - في غير آية من كتابه - على المسبوق وإنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.

علي عليه السلام أفضل الأوصياء

قال: أنشدكم الله، سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن قوله: (والسابقون السابقون أولئك المقربون) (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله وأخي ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء؟

فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن ياسر وغيره، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك.

____________

(1). سورة الواقعة: الآيتان 10 و 11.

الصفحة 296

إعلان الولاية في غدير خم

قال: أنشدكم الله في قول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (1)، وقوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2)، ثم قال: (ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) (3)، فقال الناس: (يا رسول الله، أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم)؟ فأمر الله عز وجل رسوله أن يعلمهم فيمن نزلت الآيات وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم.

فنصبني بغدير خم وقال: (إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبوني، فأوعدني لأبلغنها أو يعذبني. قم يا علي). ثم نادى بالصلاة جامعة، فصلى بهم الظهر، ثم قال: (أيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).

فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كما ذا؟ فقال: (ولاؤه كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وأنزل الله تبارك وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (4) فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة).

____________

(1). سورة النساء: الآية 59.

(2). سورة المائدة: الآية 55.

(3). سورة التوبة: الآية 16. وفي المصحف: ولم يتخذوا.

(4). سورة المائدة: الآية 3.

الصفحة 297
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا سلمان، اشهد أنت ومن حضرك بذلك وليبلغ الشاهد الغائب). فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، بينهم لنا. فقال: (علي أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماما من ولده.

أولهم ابني الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد. القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض).

فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله كما قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص حرفا، وأشهدنا رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك. وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا. فقال عليه السلام:

صدقتم، ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض.

فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رحمهم الله، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظناه أنه قال يومئذ وهو قائم وعلي قائم إلى جنبه.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إماما ووصيا يكون وصي نبيكم فيكم وخليفتي في أمتي وفي أهل بيتي من بعدي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته وأمركم فيه بولايته. فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أيها الناس، إن الله - جل اسمه - أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم وسننتها، والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم، وأمركم في كتابه بالولاية وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب والأوصياء من ولدي وولد أخي ووصيي، علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين

الصفحة 298
ابني، لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض.

يا أيها الناس، إني قد أعلمتكم مفزعكم وإمامكم بعدي ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني الله أن أعلمه إياه وأعلمكم أنه عنده، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم).

حديث الكساء وآية التطهير

ثم قال علي عليه السلام لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله:

أيها الناس، أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (1) فجمعني رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسن والحسين معه في كسائه وقال: (اللهم هؤلاء عترتي وخاصتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (إنك على خير، وإنما أنزلت في وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني - صلوات الله عليهم - خاصة ليس معنا غيرنا).

فقام كلهم فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة به.

الصادقون في القرآن هم الأئمة عليهم السلام

ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل في كتابه: (يا أيها

____________

(1). سورة المائدة: الآية 3.

الصفحة 299
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (1)، فقال سلمان: يا رسول الله، أعامة هي أم خاصة؟ فقال: (أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة).

قال علي عليه السلام: وقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك: يا رسول الله، لم خلفتني؟

فقال: يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي.

فقام رجال ممن معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك.

الشهداء على الناس في القرآن هم الأئمة عليهم السلام

فقال عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) (2)، فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله وما جعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا وأخي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولدي، واحدا بعد واحد، كلهم أئمة، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفترقون حتى يردوا علي الحوض. قالوا: اللهم نعم.

____________

(1). سورة التوبة: الآية 119.

(2). سورة الحج: الآيتان 77 و 78.

الصفحة 300

حديث الثقلين والنص على أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام

قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام خطيبا - ولم يخطب بعدها - وقال: (يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد عهد إلي اللطيف الخيبر أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)؟

فقالوا: اللهم نعم، قد شهدنا ذلك كله من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال عليه السلام: حسبي الله.

فقام الاثنا عشر من الجماعة البدريين فقالوا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله، أكل أهل بيتك؟

فقال: لا ولكن أوصيائي، أخي منهم ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر من ولده، هذا أولهم وخيرهم ثم ابناي هذان - وأشار بيده إلى الحسن والحسين - ثم وصي ابني يسمى باسم أخي علي وهو ابن الحسين، ثم وصي علي وهو ولده واسمه محمد، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن مهدي الأمة. اسمه كاسمي وطينته كطينتي، يأمر بأمري وينهى بنهيي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. يتلو بعضهم بعضا، واحدا بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.

فقام باقي السبعين البدريين ومثلهم من الآخرين فقالوا: ذكرتنا ما كنا نسينا، نشهد أنا قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم عاد عليه السلام إلى السؤال فلم يدع شيئا مما سأل عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في خلافة عثمان (1) إلا ناشدهم فيه حتى أتى عليه السلام على آخر مناقبه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله.

____________

(1). راجع عما قاله عليه السلام في خلافة عثمان: الحديث 11 من هذا الكتاب.

الصفحة 301

5
كتاب معاوية جوابا لأمير المؤمنين عليه السلام

فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد عليه الناس وجم من ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة، لئن كان ما تحدثاني عنه حقا لقد هلك المهاجرون والأنصار غيره وغير أهل بيته وشيعته.

تقية أمير المؤمنين عليه السلام

ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام: لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقا لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك.

وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارك لهم، وإنه لعلى وجهين ما لهما ثالث: إما تقية إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم، أو أن الذي ادعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصتك بأنك تقول لشيعتك الضالة وبطانتك بطانة السوء: (إني قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان (1)، فإذا سمعتموني أترحم على أحد من أئمة الضلالة فإني أعني بذلك بني).

مشاهدات معاوية في السقيفة

والدليل على صدق ما أتوني به ورقوه إلي: أنا قد رأيناك بأعيننا، فلا نحتاج أن نسأل

____________

(1). روي في البحار: ج 31 ص 307 قال: كنا جلوسا عند علي عليه السلام فدعا ابنه عثمان فقال: يا عثمان ثم قال:

إني لم أسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

الصفحة 302
من ذلك غيرنا، رأيتك حملت امرأتك فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين - إذ بويع أبو بكر - فلم تدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة إلا دعوتهم واستنصرتهم عليه فلم تجد منهم إنسانا غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير.

لعمري لو كنت محقا لأجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت باطلا وما لا يقرون به.

وسمعتك أذناي وأنت تقول لأبي سفيان - حين قال لك: (غلبت يا بن أبي طالب على سلطان ابن عمك، ومن غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم وعدي) ودعاك إلى أن ينصرك - فقلت: (لو وجدت أعوانا أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل)، فلما لم تجد غير أربعة رهط بايعت مكرها.

6
كتاب أمير المؤمنين عليه السلام جوابا لمعاوية

قال: فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام:

بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك فكثر تعجبي مما خطت فيه يدك وأطنبت فيه من كلامك، ومن البلاء العظيم والخطب الجليل على هذه الأمة أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته، وأنت من تعلم وابن من تعلم وأنا من قد علمت وابن من قد علمت!

وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو،

الصفحة 303
الموافق لك كما وافق شن طبقة (1)، فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك، وحضركما فيه إبليس ومردة أصحابه.

والله لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلا، أئمة ضلال من قريش يصعدون منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد خبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمة جميعا إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم.

فليس من دم يهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراما ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره.

وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال: (جاهد في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) (2)، وقال: (حرض المؤمنين على القتال) (3)، فكنت أنا وأنت المجاهدين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أؤمر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه لا يعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام.

وإن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت من حجتك، متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه، ولا سيما لما أتوك قبل (4) مخالفة ما

____________

(1). قوله (وافق شن طبقة) مثل يضرب للشيئين يتفقان.

(2). إشارة إلى سورة النساء: الآية 84، والآية هكذا: (فقاتل في سبيل الله...).

(3). سورة الأنفال: الآية 65.

(4). لعل المراد من قوله (لما أتوك) أن لهم سابقة سوء معك في حياتي قبل غصب حقك بعد مماتي.

الصفحة 304
أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدع، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك (1) واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم.

إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه لم يعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكت عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك.

ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتم من غير أن يكون معك فئة أعوان تقوي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له.

وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شئ من أمره ولم يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء عجل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2) فقلت: شكرا لله على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.

____________

(1). المراد من قوله (إن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم...)، إن استجابوا لك ثم خالفوك فقم في وجوههم وذلك مثل أصحاب الجمل والنهروان.

(2). سورة النجم: الآية 31.

الصفحة 305
ثم قال صلى الله عليه وآله: يا أخي، أبشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم، أحقاد بدر وترات أحد.

وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك، إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق.

واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الأمة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة، وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه.

ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلا، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذابا. وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرما ولا أصغر ذنبا وأهون بدعة وضلالة ممن استنالك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكم ظلمنا أهل البيت وحملاكم على رقابنا، فإن الله يقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون

الصفحة 306
الناس على ما آتاهم الله من فضله) (1)، فنحن الناس ونحن المحسودون. قال الله عز وجل: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) (2)، فالملك العظيم أن جعل الله فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة النبوة. فلم تقرون بذلك في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد؟

يا معاوية: فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغاة الشام واليمن والأعراب، أعراب ربيعة ومضر جفاة الأمة، فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين!

يا معاوية: إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى.

يا معاوية، إن الله جل جلاله لم يدع صنفا من أصناف الضلالة والدعاة إلى النار إلا وقد رد عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى فيه عن اتباعهم، وأنزل فيهم قرآنا قاطعا ناطقا عليهم قد علمه من علمه وجهله من جهله. وإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما منه حرف إلا وإن له تأويل، (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (3)، الراسخون نحن آل محمد.

وأمر الله سائر الأمة أن يقولوا: (آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) (4)، وأن يسلموا لنا ويردوا علمه إلينا وقد قال الله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (5)، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه.

____________

(1). سورة النساء: الآيات 54 ـ 51.

(2). سورة النساء: الآيتان 54 و 55.

(3). سورة آل عمران: الآية 7.

(4). سورة آل عمران: الآية 7.

(5). سورة النساء: الآية 83.

الصفحة 307

آيتان نزلتا في معاوية

لعمري لو أن الناس - حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله - سلموا لنا واتبعونا وقلدونا أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما طمعت فيها أنت يا معاوية فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم.

ولقد أنزل الله في وفيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت ونظراؤك على ظاهرها ولا تعلمون تأويلها وباطنها، وهي في سورة الحاقة: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) إلى قوله: (وأما من أوتي كتابه بشماله) (1) إلى آخر الآية، وذلك أنه يدعى بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه فيدعى بي ويدعى بك.

يا معاوية، وأنت صاحب السلسلة الذي يقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه) إلى آخر القصص (2)، والله لقد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله يقوله فيك، وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه.

آية نزلت في بني أمية

ونزل فيكم قول الله عز وجل: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس

____________

(1). الآية الأولى في سورة الانشقاق: الآية 6 وتمام الآيات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا). والآية الثانية في سورة الحاقة: الآيات 37 - 19، وتمام الآيات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ما ليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه...).

(2). سورة الحاقة: الآيات 29 - 25. وقوله (أنت صاحب السلسلة)، إشارة إلى قوله تعالى في الآية 32 من هذه السورة: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).

الصفحة 308
والشجرة الملعونة في القرآن) (1)، وذلك حين رآى رسول الله صلى الله عليه وآله اثني عشر إماما من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول الله صلى الله عليه وآله. (2)

يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثوابا.

وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله أنت ووزيرك وصويحبك، يقول: (إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). (3)

يا معاوية، إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى الله عز وجل، وذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قديما حاربوا أولياء الرحمن، قال الله: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم). (4)

____________

(1). سورة الإسراء: الآية 60.

(2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 243 عن البلاذري أن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام. وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه. فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بإصبعه. فبقي على تخليجه وأصابته خبلة. واطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نساءه، فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذه الوزغة اللعين؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده. فغربهم جميعا إلى الطائف.

فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة.

(3). قوله (كتاب الله دخلا) أي يتخذون كتاب الله خديعة وعباد الله عبيدا وإماء ويتداولون مال الله بينهم.

(4). سورة آل عمران: الآية 21.