نقل في ذكر المآخذ على الإمام علي (عليه السلام) رواية وردت في (بحار الأنوار) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قصة إصلاحه بين علي وفاطمة عليهما السلام: "يا أبا الحسن، إيّاك وغضب فاطمة، فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها".
نقول: انظر وتعجّب من قوله إن ما ينقله من مصادر الشيعة، يستدلّ برواية نقلها المجلسي عن مناقب ابن شهراشوب، ولكن بمراجعة الرواية تجد أنّ ابن شهراشوب يصرّح في أوّلها بأنّه نقلها عن ابن عبد ربه الأندلسي في (العقد الفريد)، وهو بدروه ذكر كلاّ من عبد الله بن الزبير ومعاوية ابن أبي سفيان في سندها - والأوّل من قادة معركة الجمل ضدّ الإمام، والثاني يكفي ذكر اسمه لمعرفة عدائه لعلي (عليه السلام) - وبعد هذا كلّه نقل ابن شهراشوب في (المناقب) تعليق ابن بابويه - الشيخ الصدوق - حيث قال: هذا غير معتمد، لأنّهما منزّهان عن أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (المناقب ـ ج3 ص382)، والعلامة المجلسي نقل الرواية عن ابن شهراشوب، ونقل معها تعليقة ابن بابويه، فهل هناك شي من الأمانة عند هذا الناقل، الحكم للقاريء.
المورد الرابع:
نقل عن (بحار الأنوار) قصّة في نفس الموضوع عن فاطمة الزهراء(عليها السلام)أنّها "وضعت خمارها على رأسها تريد النبي تشكو إليه علياً".
ويكفي ضعفا في السند وجود شريك، وهو شريك، بن عبد الله، قال السيد الخوئي (رحمه الله)في (المعجم): كان قاضياً معاصراً للصادق (عليه السلام)، قيل للصادق (عليه السلام): إنّ شريكا يردّ شهادتنا، فقال (عليه السلام): لا تذلّوا أنفسكم...، وروى الكشّي عن زرارة، قال: شهد أبو كريبة الأزدي ومحمّد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة - وهو قاض - فنظر في وجههما ملياً، ثمّ قال: جعفريان فاطميان!! فبكيا، فقال لهما: ما يبكيكما؟ قالا له: نسبتنا إلى أقوام لا يرضون بأمثالنا أن يكونوا من إخوانهم لما يرون من سخف ورعنا، ونسبتنا إلى رجل لا يرضى بأمثالنا أن يكونوا من شيعته، فإن تفضّل وقبلنا فله المنّ علينا والفضل فينا، فتبسم شريك، ثمّ قال: إذا كانت الرجال فليكن أمثالكما بأولئك أجيزها هذه المرة، قال: قال: فحججنا فخبّرنا أبا عبد الله (عليه السلام) بالقصّة فقال: ما لشريك؟ شركه الله يوم القيامة بشراكين من نار (معجم رجال الحديث - ج9 ص21).
وقال السيد الخوئي (رحمه الله): "أقول: المتحصّل من ذلك أنّه كان يوالي علياً وينقم على معاوية، وهل كان يفضّله على من تقدّمه؟ فيه ترديد من جهة التهافت فيما روي عنه في ذلك، ثمّ الظاهر من قول أحمد كان شديداً على أهل الريب والبدع، هو ما صرّح به في الروايات المتقدّمة من أنّه كان يردّ شهادة من ينتمي إلى جعفر بن محمّد (عليه السلام) فكان له معهم عداء، وإن كان هو يعتقد بجلالة جعفر ابن محمّد (عليه السلام) لو صحّ ما ذكره الكشي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني" (نفس المصدر السابق: 25)، هذا على مباني الشيعة والمفترض أنّه يبني عليها.
وأمّا على مباني السنّة ففي السند ليث بن أبي سليم، قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب): "قال ابن أبي حاتم سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث، قال: وقال أبو زرعة: ليث بن أبي سليم لين الحديث، لا تقوم به الحجّة عند أهل العلم بالحديث" (تهذيب التهذيب ـ ج8 ص418).
وفضلا عن ذلك فهناك عدّة مجهولين في السند، فلا نعرف كيف قطع بمضمون الرواية، وهل بمثل هذا السند تثبت مؤاخذة على علي (عليه السلام).
المورد الخامس:
نقل رواية عن (بحار الأنوار) فيها عن علي (عليه السلام): "أنا جنب الله وكلمته، وقلب الله وبابه الذي يؤتى منه، ادخلوا الباب سجّداً أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين، وبي وعلى يدي تقوم الساعة، وفيّ يرتاب المبطلون، وأنا الأوّل وأنا الآخر والظاهر والباطن وبكلّ شيء عليم".
ثمّ قال: "ماذا أبقيتم لله؟ ولا شكّ أنّ هذا الكلام كفر صريح وعلي بريء منه".
نقول: لم نفهم كيف عدّ ذلك من المؤآخذات على علي (عليه السلام)، لأنّ الفرض أنّ الأمر من كتب الشيعة، وهم يرفضون مثل هذا الخبر، فهل لو كذب على أمير المؤمنين بكلام لم يقله يعتبر هذا من أخطائه، فهلاّ اعتبرت الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطأ الرسول، شيئا من التعقل.
وأمّا الرواية فقد رواها المجلسي عن (مناقب) ابن شهراشوب، وهو نقلها مرسلة من دون سند عن علي (عليه السلام)، ولو فرض أنّ هناك من الشيعة من قَبِل الخبر فهو يفسّره بتفسير لا يتنافى مع التوحيد، فهذا ابن شهراشوب نقل تفسيراً للرواية بما لا يتنافى مع التوحيد، ولا يعني ذلك قبوله للخبر، وقد تجاهل الكاتب ذكره، نقله المجلسي:
"شرح ذلك عن الباقر (عليه السلام): (أنا جنب الله وكلمته وأنا قلب الله) يعني أنا سراج علم الله (وأنا باب الله) يعني من توجّه بي إلى الله غفر له وقوله: (بي وعلى يدي تقوم الساعة) يعني الرجعة قبل القيامة، ينصر الله في ذرّيّتي المؤمنين، (وأنا الأوّل) أوّل من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(وأنا الآخر) آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده، (وأنا الظاهر) ظاهر الإسلام، (وأنا الباطن) بطين من العلم (وأنا بكلّ شيء عليم) فإنّي عليم بكلّ شيء أخبر الله به نبيّه، فأخبرني به" (بحار الأنوار ـ ج39 ص349)، فكيف يقال لمثل هذا الشيعي: إنّ هناك مؤاخذة على علي (عليه السلام)في مصادرك.
وألفاظها تشبه إلى حد كبير خطبة (البيان) التي نسبت لعلي (عليه السلام)، والمذكورة في كتاب (مشارق أنوار اليقين) وقد سئل السيد الخوئي (رضي الله عنه) عنها في (صراط النجاة): "ما رأيكم بخطبة البيان المنسوبة للإمام علي (عليه السلام)؟ الجواب: لا أساس لها والله العالم" (صراط النجاة ـ ج1 ص471).
المورد السادس:
قال ـ بعد أن ذكر رواية في (بحار الأنوار) عن ردّ الشمس لعلي (عليه السلام) ـ: "كيف يؤخّر صلاة العصر حتّى تغيب الشـمس؟".
نقول: حادثة ردّ الشمس لعلي (عليه السلام) صحيحة، وردت في مصادر السنّة وصحّحها بعض علمائهم.
قال ابن حجر في (فتح الباري):
"وقع في (الأوسط) للطبراني من حديث جابر أنّ النبي أمر الشمس فتأخّرت ساعة من نهار" وإسناده حسن، ووجه الجمع أنّ الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)فلم تحبس الشمس إلاّ ليوشع، وليس فيه نفي أنّها تحبس بعد ذلك لنبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وروى الطحّاوي والطبراني في (الكبير) والحاكم والبيهقي في (الدلائل) عن أسماء بنت عميس أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا لمّا نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر، فردّت الشمس حتّى صلّى علي، ثمّ غربت، وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في الموضوعات، وكذا ابن تيمية في كتاب الردّ على الروافض في زعم وضعه والله أعلم" (فتح الباري - ج6 ص222).
وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه (الصواعق المحرقة) عند ذكر فضائل علي (عليه السلام): "ومن كراماته الباهرة أنّ الشمس ردّت عليه لمّا كان رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في حجره، والوحي ينزل عليه، وعلي لم يصلّ العصر فما سري عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)إلا وقد غربت الشمس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، فطلعت بعد ما غربت، وحديث ردّها صحّحه الطحاوي والقاضي في (الشفاء) وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره، وردّوا على جمع، قالوا: أنّه موضوع، وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردّها في محلّ المنع، بل نقول: كما أنّ ردّها خصوصية، كذلك إدراك العصر الآن أداء خصوصيّة وكرامة لعلي" (الصواعق المحرقة: 197).
وقال السيوطي في كتابه (اللآلئ المصنوعة) حينما يتعرّض لسند رواية ردّ الشمس لعلي (عليه السلام): "قلت: فضيل الذي أعلى به الطريق الأوّل ثقة صدوق احتجّ به مسلم في صحيحه، وأخرج له الأربعة وعبد الرحمن بن شريك، وإن وهّاه أبو حاتم، فقد وثّقه غيره، وروى عنه البخاري في الأدب..، ثمّ الحديث صرّح جماعة من الأئمّة والحفّاظ بأنّه صحيح، قال القاضي عياض في (الشفاء): أخرج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي فذكر هذا الحديث.
قال الطحاوي: وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات، وحكى الطحاوي أنّ احمد بن صالح كان يقول لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء; لأنّه من علامات النبّوة، انتهى ما في (الشفاء)" (اللآلئ المصنوعة - ج1 ص308).
ثمّ قال السيوطي:
"وممّا يشهد بصحّة ذلك قول الإمام الشافعي (رضي الله عنه) وغيره ما أوتي نبي معجزة إلاّ أوتي نبيّنا نظيرها، أو أبلغ منها، وقد صحّ أنّ الشمس حبست على يوشع ليالي قاتل الجبّارين، فلا بدّ أن يكون لنبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) نظير ذلك فكانت هذه القصة نظير تلك والله أعلم" (نفس المصدر السابق - ج1 ص312).
هذا وقد ثبت في مصادر الشيعة ردّ الشمس لعلي (عليه السلام) مرّة أخرى بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سنذكرها عند إيراد كلام الشيخ المفيد في (الإرشاد).
وأمّا الرواية التي نقلها الكاتب من (البحار) (بحار الأنوار - ج41 ص166)، فضعيفة السند، وليس الحديث فيها عن المرتين اللتين ذكرهما الشيخ المفيد في الإرشاد ، والرواية التي نقلت في طريقها كلّ من: القطّان شيخ الصدوق مجهول، وهو من العامّة غالبا، وعبد الرحمن بن محمّد الحسني مجهول.
وفرات بن إبراهيم صاحب التفسير، قال عنه محقق التفسير: "صفحات التاريخ لم تنقل إلينا من حياته شيئا، ولم تفرد له الكتب الرجاليّة التي بأيدينا ترجمة لا بقليل ولا كثير، ولم تذكره حتّى في خلال التراجم" (تفسير فرات ابن إبراهيم: 10)، وقال المحقق التستري في (قاموس الرجال): "أقول وقد طبع تفسيره في هذه الأعصار إلاّ أنّ الغريب عدم ذكر الكشّي والشيخ في الرجال والفهرست والنجاشي له أصلا" (قاموس الرجال - ج8 ص376).
والفزاري هو جعفر بن محمّد بن مالك البزار الفزاري، تعارض فيه الجرح والتعديل.
وابن سعيد الهاشمي في السند الثاني، هو شيخ الصدوق الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي مجهول.
وأمّا مسألة تأخير صلاة العصر حتّى تغيب الشمس، فقد وردت في الروايات التي صحّحها علماء السنّة، ولم يشكل الغالب منهم هذا الإشكال عدا ابن تيمية وأمّا ابن كثير في تاريخه حينما يشير إلى رواية شاذّة في أنّ علي شغلته قسمة الغنائم عن صلاة العصر، يقول: "فإن كان هذا ثابتاً على ما رواه هؤلاء الجماعة وكان علي متعمّدا لتأخير الصلاة لعذر قسم الغنيمة وأقره عليه الشارع صار هذا وحده دليلا على جواز ذلك ويكون أقطع في الحجّة" (البداية والنهاية - ج6 ص90).
فمثل ابن كثير يعتبر أنّ فعل علي (عليه السلام) وحده حجّة وهذا دأب كل من يحسن الأدب أمام أمثال الإمام علي (عليه السلام).
فعلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، فهذا إقرار لعلي (عليه السلام) على فعله.
ولكن مع ذلك كلّه فالرواية الأسلم من مصادر الشيعة أنّ علي (عليه السلام) صلّى من جلوس إيماءً، وردّت الشمس لكي يصلّي صلاة تامة من الركوع والسجود، فقد نقل الشيخ المفيد في الإرشاد: "وممّا أظهره الله تعالى من الأعلام الباهرة على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما استفاضت به الأخبار، ورواه علماء السيرة والآثار، ونظمت فيه الشعراء الأشعار: رجوع الشمس له (عليه السلام)مرّتين: في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة، وبعد وفاته مرّة أخرى.
وكان من حديث رجوعها عليه في المرة الأولى ما روته أسماء بنت عميس وأم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري في جماعة من الصحابة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ذات يوم في منزله، وعلي (عليه السلام)بين يديه إذ جاءه جبريل (عليه السلام) يناجيه عن الله سبحانه، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يرفع رأسه عنه حتّى غابت الشمس فاضطرّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك أن يصلّي صلاة العصر جالسا يومئ بركوعه وسجوده إيماءً، فلمّا أفاق من غشيته، قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أفاتتك صلاة العصر؟ قال له: لم أستطع أن أصلّيها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحال التي كنت عليها في استماع الوحي فقال له: ادع الله حتّى يردّ عليك الشمس لتصلّيها قائماً في وقتها كما فاتتك، فإنّ الله تعالى يجيبك لطاعتك الله ورسوله فسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) الله في ردّ الشمس فردّت..." (الإرشاد - ج1 ص345).
ثمّ ذكر المرّة الثانية قائلاً:
"وكان رجوعها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم، فصلى (عليه السلام) بنفسه في طائفة معه العصر، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفاتت الصلاة كثيرا منهم، وفات الجمهور فضل الاجتماع معه، فتكلّموا في ذلك فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى أن يردّ الشمس عليه; لتجتمع كافّة أصحابه على صلاة العصر في وقتها، فأجابه الله في ردّها عليه" (الإرشاد ـ ج1 ص346).
وكذلك نقل العلاّمة المجلسي في (البحار) قول الشيح الصدوق تعليقا على رواية ظاهرها أنّه لم يصلّ: "ولعلّه صلّى إيماء قبل ذلك أيضاً" (بحار الأنوار - ج41 ص167).
المورد السابع:
ذكر رواية نقلها العلامة المجلسي في بحار الأنوار، قال: إنّ فيها كلام بذي منسوب للإمام علي (عليه السلام).
نقول: الرواية التي نقلها ذكرها المجلسي في (البحار) عن (الاختصاص) و(البصائر)، وسند الصفار صاحب (البصائر) عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز عن غير واحد منهم بكار بن كردم وعيسى بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعناه وهو يقول: جاءت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو على المنبر، وقد قتل أباها وأخاها فقالت: هذا قاتل الأحبة، فنظر إليها فقال لها: يا سلفع ياجريئة يا بذية يا مذكرة يا التي لا تحيض كما تحيض النساء يا التي على هنها شي مبين مدلي" (نفس المصدر السابق - ج41 ص293)، والرواية تذكر عند ذكر كرامات أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أخبر المرأة بشي مستور عن الناس، بل في آخر الرواية قالت: "يا ويلها اطلع منها علي بن أبي طالب (عليه السلام) على شيء لم يطلع عليه إلاّ أمّي أو قابلتي".
وفي السند عمر بن عبد العزيز، قال عنه النجاشي: مخلط، ولا معارض لما قاله النجاشي إلاّ على مبنى السيد الخوئي في تفسير القمي، وبكار بن كردم وعيسى بن سليمان مجهولان، فالرواية ضعيفة، ولكن هناك عدّة روايات تنقل الواقعة، ولكن بتفاصيل متفاوتة يمكن معها القول بأنّها عدّة وقائع، ولكنّه احتمال بعيد، منها ما نقله في (البحار) (بحار الأنوار - ج24 ص129)، عن (بصائر الدرجات ) عن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام)وفي مورد آخر (نفس المصدر السابق: 126)، عن جابر عن الباقر (عليه السلام)، ورواه صاحب (البصائر) (بصائر الدرجات - ص357)، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنّا وقوفا على رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة، وهو يعطي العطا في المسجد، إذ جائته امرأة...، وفي مورد آخر (نفس المصدر السابق: 359)، عن الحارث الأعور، قال: كنت ذات يوم مع أمير المؤمنين في مجلس القضاء إذا أقبلت امرأة...، ورواه ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) قال: وروى محمّد بن جبلة الخيّاط عن عكرمة، عن يزيد الأحمسي أنّ عليّاً (عليه السلام)كان جالسا في مسجد الكوفة وبين يديه قوم منهم عمرو بن حريث، إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف... (شرح ابن أبي الحديد - ج2 ص288)، وهذه الكثرة تعطي اطمئناناً بوقوع الحادثة، وأنّ أمير المؤمنين أخبر عن أمر مغّيب عن الناس، لذا في نهاية رواية الأصبغ التي في (البصائر) أنّ عمرو بن حريث سأله: فمن أين علمت ذلك؟ فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمني ألف باب من الحلال والحرام ممّا كان ومما كائن إلى يوم القيامة، كلّ باب يفتح ألف باب حتّى علمت علم المنايا والبلايا والقضايا وفصل الخطاب، وحتّى علمت المذكرات من النساء والمؤنّثين من الرجال.
وأمّا الألفاظ التي اعتبرها شتما فهي سلفع، قال العلاّمة المجلسي: السلفع: الصخابة (بحار الأنوار - ج24 ص127)، قال ابن الأثير في (النهاية): "سلفع في حديث أبي الدرداء (وشر نسائكم السلفعة) هي الجريئة على الرجال، وأكثر ما يوصف به المؤّنث، وهو بلا هاء أكثر" (النهاية في غريب الأثر - ج2 ص351)، وأمّا جرية وبذية فمعناهما واضح، ولا يعدّ ذلك من الشتم إذا كانت كلّ تلك الصفات تتجاهر بها، وهي معروفة بها بين الناس كما هو واضح من الواقعة.
نعم، كشف أنّها لا تحيض كما تحيض النساء، وعلى هنها شي بيّن مدلي، وهذا من كرامات أمير المؤمنين (عليه السلام) التي أراد أن يبيّن حكمه وعدله، إن صحت تلك التفاصيل، وخاصّة أنّ الأمر الثاني لم يرد بأية رواية من الروايات الأخرى التي نقلت الواقعة.
عموما قال العلاّمة المجلسي تعليقا على بعض الألفاظ التي وردت في الروايات التي نقلت الحادثة: "ولم أر السلفع والسلسع والمهيع والقردع بتلك المعاني التي وردت في هذه الأخبار، بل بعضها لم يرد بمعنى أصلا، ولعلّها كانت من لغاتهم المولدة، ويحتمل تصحيف الرواة أيضا" (بحار الأنوار - ج41 ص293).
وفي الختام أنت الذي تريد أن تشكل على الشيعة بأنّ هناك كلمات يتبادر منها الشتم والسبّ، وكيف يمكن أن يصدر هذا من علي (عليه السلام)، وماذا تصنع بالرواية التي ينقلها مسلم في صحيحه، وتقرّون بصحّتها ويصرّح فيها أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سب رجلين؟!
فقد روى مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك عن عائشة، قالت: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلان، فكلّماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبّهما، فلمّا خرجا، قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان، قال: "وما ذاك؟" قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربّي؟ قلت: اللهم! إنّما أنا بشر فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً" (صحيح مسلم ـ ج4 ص2007).
والمصيبة ليست فقط في أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسبّ، بل إنّ سبّته فيها أجر وثواب !! ولكن الأمر واضح، فما وضعت أمثال هذه الروايات إلاّ كي تحوّل لعنات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمثل معاوية إلى فضائل له !!.
المورد الثامن:
ذكر خبراً فيه قول الإمام علي (عليه السلام) لشخص اعترف بأنّه أوقب على غلام وطلب تطهيره: "يا هذا، إنّ الله قد تاب عليك، فقم ولا تعاود شيئا مما فعلت".
قال: أليس هذا تعطيل لحدود الله؟
نقول: علّق العلاّمة المجلسي في (مرآة العقول) على الرواية بقـوله: "المشهور بين الأصحاب لو أقرّ بحدّ، ثمّ تاب كان الإمام مخيّراً في إقامته رجماً كان أو حدّاً، وقيّده ابن إدريس بكون الحدّ رجماً، والمعتمد المشهور" (مرآة العقول - ج23 ص307).
وقد ورد في روايات أهل السنّة أنّ رسول الله قد ترك الحدّ عن رجل اعترف بالحدّ، والرواية في صحيح البخاري، وذكرها أحمد بن حنبل في مسنده (مسند أحمد بن حنبل ـ ج5 ص264)، روى البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر، باب إذا أقرّ بالحدّ ولم يبن هل للإمام أن يستر عليه؟ عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حدّاً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلّى مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلمّا قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حدّاً فأقم فىّ كتاب الله، قال: أليس قد صلّيت معنا؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدّك" (صحيح البخاري ـ ج8 ص207).
لذا قال ابن حجر في (فتح الباري): "وقد يتمسّك به من قال أنّه إذا جاء تائباً سقط عنه الحدّ" (فتح الباري ـ ج12 ص134).
ثمّ قال في الصفحة التالية: "وقد تمسّك بظاهره صاحب الهدى، فقال للناس في حديث أبي امامة - أي المذكور قبل - ثلاث مسالك: أحدها أنّ الحدّ لا يجب إلاّ بعد تعيينه، والإصرار عليه من المقرّ به، والثاني أنّ ذلك يختصّ بالرجل المذكور في القصّة، والثالث أنّ الحدّ يسقط بالتوبة، قال: وهذا أصحّ المسالك، وقوّاه بأنّ الحسنة التي جاء بها من اعترافه طوعاً بخشية الله وحده تقاوم السيئة التي عملها; لأنّ حكمة الحدود الردع عن العود، وصنيعه ذلك دالّ على ارتداعه، فناسب رفع الحدّ عنه لذلك، والله أعلم" (فتح الباري ـ ج12 ص135).
أقول: العاقل يقرأ شيئاً من الفقه قبل المجازفة في الكلام!!
المورد التاسع:
ذكر خبراً عن (بحار الأنوار) في قضاء الإمام علي (عليه السلام) عن امرأة قد تعلّقت برجل من الأنصار كانت تهواه، فأخذت بيضة، وصبّت البياض على ثيابها وبين فخذيها، فقام علي فنظر بين فخذيها فاتّهمها"، ثُمّ قال: كيف ينظر علي بين فخذي امرأة غريبة عنه؟
نقول: هنا ينكشف لك من يجب أن يوصم بأنّه كاذب مفتر، فالنصّ الأصليّ كما ورد في (بحار الأنوار): "فنظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها" (بحار الأنوار ـ ج4 ص303).
فالنظر كان إلى البياض الذي أخذ من البيضة لا إلى جسم المرأة ، والمعنى نظر إلى بياض أخذ من ثيابها ومن بين فخذيها بقرينة فصبّ الماء الحارّ عليه في آخر العبارة، وهل يصبّ الماء الحارّ على فخذ المرأة؟! أتريد أوضح من هذه القرينة؟! لكنّه الدهر، حينما تصبح الجهالة علماً، ويكون لها أتباع.
والناقل حرّف العبارة إلى "فقام علي فنظر بين فخذيها فاتّهمها"، ويصعب على المرء ألاّ يرجع هذا التحريف المتعمّد إلى غير النصب والعداء لعلي (عليه السلام)والذي أعماه ودعاه إلى بتر مقاطع من الخبر الوارد ليتلائم مع ما في نفسه.
المورد العاشر:
نقل رواية عن حبيب بن ثابت، قال: "كان بين علي وفاطمة كلام فدخل النبي... ولم يزل حتى أصلح بينهما".
نقول: الرواية تشبه ما ورد في المورد الثالث من مآخذه على الإمام علي من كتب الشيعة، وصاحب (كشف الغمّة) ينقل الروايات مرسلة، وذكرها العلاّمة المجلسي في (البحار) عن (علل الشرائع) للشيخ الصدوق، قال: عن القطّان، عن السكري، عن عثمان بن عمران، عن عبيد الله بن موسى، عن عبد العزيز، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: "كان بين علي وفاطمة (عليها السلام)كلام..." (بحار الأنوار - ج43 ص146).
ثمّ نقل العلاّمة المجلسي تعليق الشيخ الصدوق، قال: قال الصدوق (رحمه الله): ليس هذا الخبر عندي بمعتمد، ولا هو لي بمعتقد في هذه العلّة لأنّ عليّاً وفاطمة (عليهما السلام) ما كان ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإصلاح بينهما، لأنّه (عليه السلام) سيّد الوصيّين، وهي سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) مقتديان بنبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حسن الخلق.
فإذا كان علماء الشيعة يردّون مثل هذه الروايات من رأس، فلا وجه للاستدلال بها من قبل باحث منصف.
وأحمد بن حسن القطّان شيخ الصدوق في الرواية، قال عنه السيد الخوئي في (المعجم): ولا بعد في أن يكون الرجل من العامّة، كما استظهر بعضهم (معجم رجال الحديث - ج2 ص86)، وباقي السند جلّهم مجهولون، ومنهم الراوي حبيب بن أبي ثابت، ولكن الأخير له ترجمة وافية في المصادر الرجالية لأهل السنّة، قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب): قال ابن حبّان في (الثقات) كان مدلّسا، وكذلك قال ابن خزيمة في صحيحه، وحديثه هذا مرسل، فهو أدرك ابن عمر صبيّاً فكيف ينقل حادثة وقعت بين علي (عليه السلام)وفاطمة (عليها السلام)، قال في (التهذيب): وقال سليمان في قول حبيب: رأيت هدايا المختار تأتي ابن عمر: ما علّمه بهذا، وهو صبي، ونافع أعلم منه بأمر ابن عمر (تهذيب التهذيب - ج2 ص156).
ثمّ ذكر موارد أخرى اعتبرها مؤاخذات على الإمام من دون تفصيل ودون أن يذكر مصادرها، وقال بعدها: ومع ذلك كلّه لا تجد سنيّاً واحداً يطعن في علي، أمّا النواصب والخوارج فليسوا من أهل السنّة ولا وجود للنواصب الآن فيما أعلم.
نقول: لا ندري أيّ شيء ترك للنواصب، إن لم يكن ما فعله ينطلق من بغض مكنون في نفسه لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقد ذكر أوّلاً سلسلة من المؤاخذات المزعومة على الإمام (عليه السلام)في كتب أهل السنّة، ثمّ ذكر مثلها من كتب الشيعة دون أن يدرس سنداً أو يحقّق متناً وفق المدارك المعتمدة والأصول الحديثّية والرجالّية في تصحيح الأحاديث عند علماء الشيعة، بل اكتفى بكونها موجودة في كتب الشيعة، ولكن حينما يذكر شيءً من ذلك في حقّ عمر أو عثمان يسرع لتضعيف السند والبحث عن الأعذار.
وما دام يؤمن بأنّ عليّاً (عليه السلام) من الصحابة فليقرأ معنا هذه الأقوال لعلماء يعتقد بهم ويرى أقوالهم حجّة:
قال أحمد بن حنبل: "إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتّهمه على الإسلام" (البداية والنهاية - ج8 ص148).
وروى الخطيب البغدادي في (الكفاية) عن أبي زرعة الرازي، قال : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاعلم أنّه زنديـق" (الكفاية: 67)، ألم يكن ما سبق انتقاصاً من صحابي، أم هو حرام على الشيعة حلال لكم.
وقال الإمام أبو نعيم: "فلا يتتّبع هفوات أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزللهم ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة إلاّ مفتون القلب في دينه" (الإمامة لأبي نعيم: 344).
ثمّ لنتأمّل كيف تغيّر وجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما نال بعض الناس من علي (عليه السلام)لشي رأوه منه، فقد روى ابن حبّان في (صحيحه) (صحيح ابن حبان - ج6 ص269)، والحاكم في (المستدرك) (المستدرك على الصحيحين - ج3 ص110). وصحّحه على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي، كما قال الألباني وأقرّهم على الصحّة (سلسلة الأحاديث الصحيحة - ج5 ص261)، وأبو يعلى في (المسند) (مسند أبو يعلي - ج1 ص293)، وعلّق المحقّق حسين أسد بقوله: رجاله رجال الصحيح، والترمذي في (السنن) (سنن الترمذي - ج5 ص632)، قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان، والنسائي في الخصائص (السنن الكبرى - ج5 ص132)، وأحمد في (المسند) (مسند أحمد - ج33 ص154)، ونصّ الحديث كما عن أحمد في (فضائل الصحابة): "عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سريّة وأمّر عليهم علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه)فأحدث شيئا في سفره، قال عفان: فتعاقد أربعة من أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يذكروا أمره لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال عمران: وكنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فسلّمنا عليه، قال: فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، إنّ عليّاً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثمّ قام الثاني فقال: يا رسول الله، إنّ عليّاً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثمّ قام الثالث فقال: يا رسول الله، إنّ عليّاً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثمَّ قام الرابع فقال: يا رسول الله، إنّ عليّاً فعل كذا وكذا، قال: فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرابع وقد تغيّر وجهه، فقال: دعوا عليّاً دعوا عليّاً إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو ولّي كلّ مؤمن بعدي".
علّق عليه محقّق الكتاب بقوله: إسناده حسن (فضائل الصحابة - ج2 ص749 (1035)).
ولنتأمّل كيف يطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القول بأنّ عليّاً مع الحقّ، فقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد عن أبي سعيد يعني الخدري، قال: كنّا عند بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفر من المهاجرين والأنصار فقال: "ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى، قال: الموفون الطيّبون، إن الله يحبّ الخفي التقي، قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: "الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا" قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى ورجاله ثقات" (مجمع الزوائد - ج7 ص234).
ثمّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما رواه أحمد في (فضائل الصحابة) عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "أيّها الناس، لا تشكوا عليّاً، فوالله لهو أخيشن في ذات الله وفي سبيل الله"، قال المحقّق في الحاشية: إسناده صحيح (فضائل الصحابة - ج2 ص845).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمرو بن شاس الأسلمي، وكان من أصحاب الحديبية كما روى ذلك الهيثمي في (مجمع الزوائد) حينما شكى عليا: "يا عمرو، والله لقد آذيتني، قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله، قال: بلى من آذى عليّاً فقد آذاني"، قال الهيثمي: رواه احمد والطبراني والبزار باختصار، ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد - ج9 ص129).
لذا فمن الغريب والعجيب أن يتجرّأ جاهل ليضع نفسه موقف الناقد لأفعال الإمام علي (عليه السلام)، ولكنّه على دين بني أميّة الذين آذوا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)بإيذاء علي (عليه السلام).
فقد روى الحاكم في (المستدرك) عن ابن أبي مليكة، قال: جاء رجل من أهل الشام فسب عليّاً عند ابن عباس، فحصبه ابن عباس فقال: يا عدّو الله، آذيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "إنّ الذين يُؤْذُون الله ورسولَه لَعَنَهم اللهُ فِي الدّنَيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مَهيناً" لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حيّاً لآذيته" (المستدرك على الصحيحين - ج3 ص121)، والذي يُشعر بأمويّة الكاتب ترديدُه لمقولة معاوية مبرّراً حربه لعلي (عليه السلام) من أنّه لم يقتص من قتلة عثمان الأمر الذي سنتطرق له في النقطة التالية.
ومن انتقاداته الجريئة على الإمام علي (عليه السلام) قوله: إنّ الإمام علي (عليه السلام) لم يقتل قتلة عثمان.
نقول: إنّ المقولة السابقة هي أهمّ ادّعاءات معاوية وأتباعه من القاسطين، وهو شعارهم الذي كانوا يرفعونه في وجه الإمام (عليه السلام)، وفي هذا الصدد يتعجّب المرء كيف يمكن أن يكون الإنسان أعمى بحيث لا يكتفي في تصحيح موقف علي بما ورد في صحيح البخاري من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار" (صحيح البخاري - ج4 ص25)، وما رواه مسلم في باب ذكر الخوارج من كتاب الزكاة من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحقّ" (صحيح مسلم - ج2 ص745)، ألا يشمل ذلك في أنّها على حقّ في عدم الانشغال بالاقتصاص من قتلة عثمان.
قال ابن حجر في (فتح الباري): "حديث مسلم ومن وجه آخر عن أبي سعيد" تمرق مارقة عند الفرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحقّ "أخرجه هكذا مختصرا على وجهين، وفي هذا وفي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)" تقتل عمّار الفئة الباغية" دلالة واضحة على أنّ عليّاً ومن معه كانوا على الحقّ، وأنّ من قاتلهم كانوا مخطئين في تأويلهم" (فتح الباري - ج6 ص619).
ألم يكن تأويلهم الخاطئ هو رؤيتهم بأنّ لهم الحقّ في المطالبة بقتلة عثمان، ويقول ابن حجر في (الفتح) حينما يذكر ما قاله الرافعي في (شرح الوجيز): "بأنّ الخوارج هم فرقة من المبتدعة خرجوا على علي حيث اعتقدوا أنّه يعرف قتلة عثمان، ويقدر عليهم ولا يقتصّ منهم لرضاه بقتله ومواطأته إيّاهم "يقول مصحّحاً كلامه: "وليس الوصف الأول في كلامه وصف الخوارج المبتدعة، وإنّما هو وصف النواصب أتباع معاوية بصفين" (نفس المصدر السابق - ج13 ص537).
وننقل لك أيضاً رأي أحد المتعصّبين من علماء السنّة، يقول أبو بكر بن العربي في كتابه (العواصم من القواصم): "قاصمة، ودارت الحرب بين أهل الشام وأهل العراق هؤلاء يدعون إلى علي بالبيعة وتأليف الكلمة على الإمام، وهؤلاء يدعون إلى التمكين من قتلة عثمان، ويقولون: لا نبايع من يأوي القتلة... عاصمة، أمّا وجود الحرب بينهم فمعلوم قطعا، أمّا كونه بهذا السبب فمعلوم كذلك قطـعاً، وأمّا الصـواب فيه فمع علـي..." (العواصم من القواصم - ص162).
ونقول: فلا نعرف من أين استقى هذا آراؤه إلاّ أن يكون من الخوارج أو النواصب، ونقول له ولمن هو على شاكلته: لو تركتم الانكباب على الآراء الأمويّة لابن تيمية وأقواله لما وقعتم في مثل هذه الجناية على علـي (عليه السلام).
وهنا نعرض رأي ابن كثير - وهو أيضا أموي المشرب - في توضيح موقف علي (عليه السلام)وتصحيحه وفق ما ذكره في تاريخه (البداية والنهاية) : "ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة (رضي الله عنه) وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم بأنّ هؤلاء لهم مدد وأعوان، وأنّه لا يمكنه ذلك يومه هذا" (البداية والنهاية - ج7 ص255).
ثمّ حينما ينقل محادثة القعقاع بن عمرو رسول الإمام علي (عليه السلام) للزبير وطلحة وعائشة: "فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أمّ المؤمنين فقال: أي أمّاه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني! الإصلاح بين الناس...، ثمّ قال لطلحة والزبير: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شي يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن ولئن انكرناه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان، فإنّ هذا إن ترك كان تركاً للقرآن، فقال القعقاع: قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستّمائة رجل، فغضب لهم ستّة آلاف فاعتزلوكم...، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم، كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا الأمر أعظم ممّا أراكم تدفعون وتجمعون منها" (نفس المصدر السابق - ص265).
وهنا يعلق ابن كثير: "يعني أنّ الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة، ولكنّه يترتّب عليه مفسدة هي أربى منها، وكما أنّكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستّة آلاف في منعه ممّن يريد قتله، فعلي أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وإنّما أخرّ قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكّن منهم فإنّ الكلمة في جميع الأمصار مختلفة" (البداية والنهاية - ج7 ص265).
ومن عجيب ما عدّد على الإمام علي (عليه السلام) أنّه لم يحلق رأسه في الحديبية ولم ينحر.
نقول: لا يوجد في كتب التاريخ بأجمعها ما يمكن أن يستدلّ به على مدّعاه بصورة صريحة، نعم الظاهر أنّه اعتمد على الجملة المعروفة التي يذكرها أرباب الحديث والسير حين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: "قوموا فانحروا، ثمّ احلقوا"، وقول الراوي: فوالله لم يقم منهم أحد"، وهل تلزمنا بما في كتبكم، ولو صحت العبارة فإنّما هي وصف لحال جموع الناس ولا تشمل من نزل فيه قوله تعالى "وأنفسنا وأنفسكم" ومن قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم): "علي منّي وأنا منه" مراراً وفي مناسبات عدّة ، فعلي (عليه السلام) كان ساعده الأيمن الذي كتب به معاهدة الصلح مع المشركين، ولن تتخلّف يمين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن متابعة أمره يوماً.
بل قد ذكرنا سابقا في محلّه رواية الترمذي في كتاب المناقب يصف بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)الإمام علي (عليه السلام) في نفس يوم الحديبية وقبل عقد الصلح مع سهيل بن عمرو، قال علي (عليه السلام): "لمّا كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله، خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنّما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا، قال: فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر قريش، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان، قالوا: من هو يا رسول الله، فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله، وقال عمر : من هو يا رسول الله، قال: هو خاصف النعل وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها...".
قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب (سنن الترمذي - ج5 ص634).
فإذا وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إرسال علي (عليه السلام) إلى المشركين بأنّه بعث من الله تعالى، ثمّ اتّبعه بوصف "امتحن الله قلبه على الإيمان" فلا يتخيّل عاقل أنّه يتخلّف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يعصيه، ولا يُدخِل عليّاً (عليه السلام) في ذلك العموم إلا أعمى القلب عن أدوار علي (عليه السلام) ومواقفه الواضحة في الاستجابة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم التخلّف عنه قيد أنملة.
ومن عجيب ما تفّوه به أيضا قوله: إنّ الإمام علي (عليه السلام) أخطأ حينما صلّى التراويح عشرين ركعة.
نقول: إن كان الكلام على مبنى السنّة فهم يفتون بأن عدد التراويح عشرين ركعة، قال الجزيري في (الفقه على المذاهب الأربعة): "ويتبيّن أيضاً أنّ عددها - التراويح - ليس مقصوراً على الثمان ركعات التي صلاّها بهم بدليل أنّهم كانوا يكمّلونها في بيوتهم، وقد بين فعل عمر (رضي الله عنه) أنّ عددها عشرون حيث إنّه جمع الناس أخيرا على هذا العدد في المسجد" (الفقه على المذاهب الأربعة - ج1 ص325).
بل روى البيهقي في سننه الكبرى خبرا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ابن عباس قال: "كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلّي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة ووتر" (السنن الكبرى للبيهقي - ج2 ص698 (496)).
ولكن الصحيح أنّه أمر حدّد من قِبَل عمر، فقد روى البيهقي في (السنن الكبرى) عن السائب بن يزيد، قال: "كانوا يقرأون على عهد عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرأون بالمئين، وكانوا يتوكّأون على عصيّهم في عهد عثمان بن عفّان (رضي الله عنه)من شدّة القيام" (السنن الكبرى للبيهقي - ج2 ص698).
وقد قال الشيرازي في (المهذّب في الفقه الشافعي): "ومن السنن الراتبة قيام رمضان وهو عشرون ركعة بعشر تسليمات" ، وقال النووي في شرحه: "أمّا حكم المسألة فصلاة التروايح سنّة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنّها عشرون ركعة بعشر تسليمات" (المهذب في الفقه الشافعي - ج4 - ص37).
وقال ابن قدامة المقدسي في (الكافي) وهو في فقه الإمام أحمد : "وقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بأصحابه ثلاث ليال، ثمّ تركها خشية أن تفرض، فكان الناس يصلّون لأنفسهم حتّى خرج عمر (رضي الله عنه) عليهم، وهم أوزاع يصلّون، فجمعهم على أبي ابن كعب، قال السائب بن يزيد: لمّا جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلّي بهم عشرين ركعة، فالسنّة أن يصلّي بهم عشرين ركعة في الجماعة لذلك" (الكافي لابن قدامة - ج1 ص180).
وأمّا ما روي من أنّ عليّاً صلّى التروايح عشرين ركعة فقد ذكره البيهقي في (السنن الكبرى): "وروينا عن شتير بن شكل، وكان من أصحاب علي (رضي الله عنه) أنّه كان يؤمّهم في شهر رمضان بعشرين ركعة، ويوتر بثلاث" (السنن الكبرى للبيهقي - ج2 ص699 (469))، فالخبر غير مسند كما ترى، وذكر المتقي الهندي في (كنز العمال) عن ابن السائب أنّ عليّاً قام بهم في شهر رمضان، ونسبه لابن شاهين (كنز العمال - ج8 ص410 رقم23476).
نعم، روى البيهقي في نفس المصدر السابق أنّ عليّاً أمر رجلاً أن يصلّي بالناس، قال: "وأمّا التروايح ففيما أنبأنا أبو عبد الله..، عن أبي الحسناء أنّ علي ابن أبي طالب أمر رجلاً أن يصلّي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة، قال البيهقي: وفي هذا الإسناد ضعف والله أعلم" (السنن الكبرى للبيهقي - ج2 ص699)، وقال ابن حجر في (التقريب): أبو الحسناء مجهول، وروايته عن علي (عليه السلام) مرسلة (تقريب التهذيب - ج2 ص384).
نعم، ذكر البيهقي نحوه في الخبر السابق على الخبر المذكور لكن في سنده حمّاد بن شعيب، ذكره الذهبي في الميزان وقال: "ضعّفه ابن معين وغيره، وقال يحيى مرة: لا يكتب حديثه، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: أكثر حديثه ممّا لا يتابع عليه" (ميزان الاعتدال - ج1 ص596).
ومن الواضح أنّ مثل هذه الصلاة لم تكن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل نهى عنها كما ذكر البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب، عن زيد بن ثابت (رضي الله عنه) قال: "احتجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجيرة مخصفة أو حصيراً فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلّي فيها فتتّبع إليه رجال، وجاؤوا يصلّون بصلاته - وظاهره المتابعة لا الجماعة - ثمّ جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب فخرج إليهم مغضباً فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت أنّه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإنّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة" (صحيح البخاري - ج8 ص34).
وقد روى البخاري في كتاب الصوم، باب فضل من قام رمضان، قصّة استحداث هذه الصلاة في زمن عمر، وتسمية عمر لها بالبدعة، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنّه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، ثمّ عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثمّ خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوّله" (المصدر السابق - ج3 ص58).
وقد نقل البخاري قبلها قول ابن شهاب: "فتوفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر على ذلك، ثُمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر" (المصدر السابق).
وأمّا إن كان النظر إلى رأي الشيعة، فهم يتّفقون مع الرواية التي تصرّح بأنّ التروايح بدعة أحدثها عمر إذ لا يجوز أن تصلّى النوافل جماعة.
فقد روى الكليني في (روضة الكافي) خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها البدع التي حدثت، إلى أن يقول (عليه السلام): "والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام، غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري..." (روضة الكافي - ص52).
وقال السيد المرتضى كما عن (تلخيص الشافي): "وقد روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه واجتمعوا لأنفسهم، وقدّموا بعضهم، فبعث إليهم الحسن (عليه السلام)فدخل عليهم المسجد- ومعه الدرّة - فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: واعمراه" (تلخيص الشافي - ج4 ص52).
فوالله لم أستطع أن أعرف بأيّ منطق يتحدّث حينما يقول: إنّ من المؤاخذات على علي صلاته التروايح عشرين ركعة؟!
ومن عجيب ما تفوّه به أنّ من أخطاء الإمام علي (عليه السلام) أنّه كان يلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في بدر.
نقول: إنّما قال علي (عليه السلام) ذلك كما في مسند أحمد (مسند أحمد - ج2 ص81 ح654)، لبيان أشجعية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المعركة، وإلاّ فإنّ كتب التاريخ حافلة بما قام به علي (عليه السلام) في بدر وغيرها من معارك الإسلام الخالدة..، وقد مرّ ذكر ذلك عند الحديث عن شجاعته.
وإلى ذلك أشار ابن الأثير في تاريخه في بيان شجاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "وقال علي بن أبي طالب: كنّا إذا اشتدّ البأس أتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان أقربنا إلى العدوّ"، ثمّ يعلقّ ابن الأثير: "وكفى بهذا شجاعة، أنّ مثل علي الذي هو هو في شجاعته يقول هذا، وقد تقدّم في غزواته ما يستدلّ به على تمكّنه من الشجاعة، وأنّه ما يقاربه فيها أحد" (الكامل في التاريخ - ج2 ص170).
فالكلام قد وضع موضع المثل لبيان شجاعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل فاته فهم ذلك الأمر الواضح، أم كان البحث عمّا ينقص من قدر الإمام (عليه السلام) هو همّه الشاغل؟
ذكر أنّ الإمام علي (عليه السلام) جلس بين رسول الله وعائشة حتّى قالت عائشة: ما وجدت إلاّ فخذي.
لم أعرف كيف يعدّ هذا من المؤاخذات على الإمام علي (عليه السلام)؟! فالمتحدّث إن كان يتحدّث على مبنى السنّة فالرواية مكذوبة في نظرهم.
قال ابن حجر في الإصابة في ترجمة ليلى الغفارية قالت: "كنت أغزو مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلمّا خرج علي إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة أتيتها، فقلت: هل سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلة في علي (عليه السلام)، قالت: نعم، دخل على رسول الله، وهو معي وعليه جرد قطيفة فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عائشة، دعي لي أخي فأنّه أوّل الناس إسلاما...، قال العقيلي: لا يعرف إلاّ لموسى ابن القاسم، قال البخاري: لا يتابع" (الإصابة في تمييز الصحابة - ج8 ص183)، والحصيلة أنّ الرواية ضعيفة عندهم.
وإن كان يتحدّث على مبنى الشيعة، واعتبرنا أنّ الرواية صحيحة - كما هو المحتمل قوّياً لتعدّد طرقها - فالخطأ خطأ عائشة في تفوّهها بتلك الكلمات التي تعبرّ عن بغضها لعلي (عليه السلام).
فليس هناك خطأ في جلوس علي كما هو صريح الروايات التي أوردت الحادثة، فقد نقلها (البحار) في عدّة مواضع، منها عن كتاب (اليقين في إمرة أمير المؤمنين) عن جابر الجعفي قال: أخبرني وصي الأوصياء، قال: "دخل علي (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده عائشة، فجلس قريبا منها، فقالت: ما وجدت يا بن أبي طالب مقعداً إلاّ فخذي، فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على ظهرها، فقال: يا عائشة، لا تؤذيني في أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وأمير الغر المحجّلين، يقعده الله غداً يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار" (بحار الأنوار - ج39 ص200).
فالرواية صريحة في أنّه جلس قريباً منها، لا ملاصقاً لها، وإنّما هي بالغت في عبارتها فاعتبرت هذا القرب كأنّه جلوس على فخذها، لذا عنّفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعنّف عليّاً (عليه السلام)لأنّها هي المخطئة لا علي، كما حاول أن يصوّر هذا الكاتب المتعامي.
ورواه العلاّمة المجلسي في (البحار) عن (أمالي) الطوسي، عن جندب بن عبد الله البجلي، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: "دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قبل أن يضرب الحجاب، وهو في منزل عائشة فجلست بينه وبينها، فقالت: يا ابن أبي طالب، ما وجدت لأستك مكاناً غير فخذي! امط عنّي، فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين كتفيها، ثمّ قال لها: ويل لك ما تريدين من أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين" (نفس المصدر السابق - ج37 ص336)، وهذه الرواية صريحة في أنّ الواقعة كانت قبل أن يضرب الحجاب.
نعم، ما نقله ابن أبي الحديد المعتزلي يظهر منه أنّ عائشة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)كانا متلاصقين، وكأنّ مجيء علي (عليه السلام)، وإدناء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له، وجلوسه بقربه، أوجب ابتعادها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا أغاضها، فقالت ما قالت، وهي لا تعتبر رواية شيعيّة، فقد صرّح جلّ من ذكر ابن أبي الحديد بأنّه معتزلي، ووصفه بالتشيّع لا يعني أنّه لا يعتقد بالشيخين، بل شرحه ملي بمدح الشيخين والدفاع عنهما، وكثير من محدثي السنة وعلمائهم وصفوا بالتشيع، ولكن هذا لم يعن أبدا تركهم للاعتقاد بتقديم الشيخين على علي (عليه السلام)، قال ابن أبي الحديد في شرحه: "ثم كان بينها وبين علي (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أحوال وأقوال كلها تقتضي تهييج ما في النفوس نحو قولها له - وقد استدناه رسول الله فجاء حتّى قعد بينه وبينها وهما متلاصقان: أما وجدت مقعدا لكذا - لا تكني - إلا فخذي" (شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد - ج9 ص194)، ونكرر أن الرواية لا تدل إلا على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)استدناه فأوجب ذلك ابتعاد عائشة وجلوسه (عليه السلام) مكانها فغضبت وقالت العبارة المنقولة، لا أنهما تلامسا كما تصور الكاتب المتحامل.
ذكر أن الإمام علي (عليه السلام) تزوج بعد وفاة فاطمة بتسع ليال
نقول: إن زواج علي (عليه السلام) بعد الزهراء (عليها السلام) كان بوصية منها وحددت أمامة بنت أختها كزوجة له، وقد ذكر ذلك المجلسي في (البحار) عن (روضة الواعظين): "... ثُمّ قالت: جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم رسول الله أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرجال لا بد لهم من النساء" (بحار الأنوار - ج43 ص192)، ورواه ثانية عن كتاب سليم (نفس المصدر السابق - ص197).
ويتضح من النص الأول أن الزواج لرعاية الأولاد ولم يكن الحديث عن فرح أو بحث عن شهوة وخصوصا مع لحاظ عمر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إذ لم يتعد أكبرهم ثمان سنين، لذا لا يستبعد أن يكون الزواج بعد مدة قصيرة من رحيلها (عليها السلام).
ولكن الكاتب نقل خبر زواجه بعدها بتسعة أيام من كتاب (بحار الأنـوار) للمجلسي ثُمّ علق الكاتب بقوله: "هذا هو المشهور في كتب الشيعة".
رغم أن المجلسي نقله عن (مناقب) ابن شهراشوب (بحار الأنوار - ج42 ص92)، وهو بدوره نقله عن كتاب (قوت القلوب)، الذي عده ابن شهراشوب من كتب العامة التي نقل منها، قال العلامة المجلسي في (البحار): "قال ابن شهراشوب في (المناقب): كان جمع ذلك الكتاب بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم والديانة بالسماع... فأما طرق العامة فقد صح لنا إسناد البخاري... إسناد (قوت القلوب) عن القطيفي عن أبيه عن أبي القاسم الحسن ابن محمد عن أبي يعقوب يوسف بن منصور السياري... فأما أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبي جعفر الطوسي..." (نفس المصدر السابق - ج1 ص66).
فالكتاب المنقول عنه ما ذكر هو لأحد علماء أهل السنة، ولا ينتمي للشيعة بأي صلة، ومع ذلك يقول الكاتب بجرأة غريبة: "هذا هو المشهور في كتب الشيعة".
والكتاب ذكره الحاجي خليفة في (كشف الظنون) قال: "(قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحـيد) في التصوف لأبي طالب بن علي بن عطية العجمي ثُمّ المكي المتوفى سنة 386..." (كشف الظنون - ج2 ص1361).