الصفحة 585

سنة وشيعة، وانصدع الإسلام ولم يلتئم حتّى اليوم، فإنّهم يجيبون كالعادة وبكلّ سهولة قائلين: إنّ عليّاً ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا، فعلي اجتهد وأصاب فله أجران، أما معاوية فاجتهد وأخطأ وله أجر واحد، وليس من حقنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم، وقد قال الله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1).

هكذا ـ وللأسف ـ تكون إجاباتنا، وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين، ولا يقرّ بها شرع.

اللّهم إني أبرأ إليك من خطل الآراء، وزلل الأهواء، وأعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون.

كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية، ويعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين، وقتله المؤمنين الأبرياء، وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصى عددها إلاّ الله، وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة، وهو إطعامهم عسلا مسموماً وكان يقول: "إن لله جنوداً من عسل"(2)؟!

كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطونه أجراً وقد كان إمام الفئة الباغية، ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كلّ المحدثين، والذي جاء فيه: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية"(3)، وقد قتله معاوية وأصحابه، كيف يحكمون باجتهاده وقد

____________

1- سورة البقرة: 134.

2- المصنف لعبد الرزاق 5: 460، التاريخ الكبير للبخاري 7: 311، تاريخ دمشق 56: 389، سير أعلام النبلاء 4: 35، تاريخ الطبري 3: 218، البداية والنهاية لابن كثير 7: 126، شرح نهج البلاغة 7: 160.

3- مسند أحمد 3: 91، صحيح البخاري 3: 207 كتاب الجهاد والسير، باب مسح الغبار عن الناس في السبيل، صحيح مسلم 8:186، كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتّى يمر الرجل بقبر الرجل..، مسند أحمد 5:214 و6:311، سنن الترمذي 5:333، السنن الكبرى للبيهقي 8:72، مجمع الزوائد 3:182، مسند أبي داود الطيالسي :84، المصنف للصنعاني 11:240، المصنف لابن أبي شيبة 8:723، المستدرك للحاكم 2: 149، صحيح ابن حبان 15: 555، الجامع الصغير للسيوطي 2: 718، كنز العمال 11: 722 ح33531، وغيرها.


الصفحة 586

قتل حجر بن عدي وأصحابه صبراً، ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام، لأنّهم امتنعوا عن سبِّ علي بن أبي طالب(1).

____________

1- بعد قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) تتبع معاوية شيعته في كلّ بلد وبادية، وأمرهم بالبراءة منه، واظهار سبّه ولعنه، وقتل أصحابه المبرزين، ومن أولئك حجر بن عدي الكندي وأصحابه، فقد قتلهم معاوية صبراً قال ابن حجر في الاصابة 2: 33 ت 1634: "حجر بضم أوله وسكون الجيم بن عدي.. الأكرمين الكندي..

روى أحمد في الزهد والحاكم في المستدرك من طريق ابن سيرين قال: أطال زياد الخطبة، فقال حجر: الصلاة فمضى في خطبته، فحصبه حجر والناس، فنزل زياد، فكتب إلى معاوية، فكتب إليه أنّ سرح به إليّ، فلمّا قدم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين!

فقال: أو أمير المؤمنين أنا؟!

قال: نعم.

فأمر بقتله، فقال: لا تطلقوا عنّي حديداً، ولا تنسلوا عنّي دماً، فإنّي لاق معاوية بالجادة، وإنّي مخاصم..".

وقال ابن خلدون في تاريخه 3: 13: ".. بعث معاوية هدية بن فياض القضاعي، والحسن بن عبد الله الكلابي، وأبا شريف البدري إلى حجر وأصحابه ليقتلوا منهم من أمرهم بقتله، فأتوهم وعرض عليهم البراءة من علي! فأبوا، وصلّوا عامّة ليلتهم، ثمّ قدّموا من الغد للقتل، وتوضأ حجر وصلّى وقال: لولا أنّ يظنوا بيّ الجزع من الموت لاستكثرت منها، اللّهم إنّا نستعديك على إمشاء أهل الكوفة يشهدون علينا، وأهل الشام يقتلوننا، ثمّ مشى إليه هدية بن فيّاض بالسّيف، فارتعد، فقالوا: كيف وأنت زعمت أنّك لا تجزع من الموت، فابرأ من صاحبك وندعك! فقال: ومالي لا أجزع وأنا بين القبر والكفن والسيف، وإن جزعت من السيف لا أقول ما يسخط الربِّ، فقتلوه وقتلوا ستة معه، وهم: شريك بن شداد، وصفي بن فضيل، وقبيصة بن حنيفة، ومحرز بن شهاب، وكرام بن حبّان، ودفنوهم وصلّوا عليهم، وعبد الرحمن بن حسان العنزي، وجيء بكريم بن الخثعمي إلى معاوية فطلب منه البراءة من علي، فسكت واستوهبه سمرة بن عبد الله الخثعمي من معاوية فوهبه له على أن لا يدخل الكوفة، فنزل إلى الموصل، ثمّ سأل عبد الرحمن بن حسان عن عليّ، فأثنى عليه خيراً، ثمّ عن عثمان؟ فقال: اول من فتح باب الظلم وغلق باب الحقّ، فرده إلى زياد ليقتله شرّ قتلة، فدفنه حياً، وهو سابع القوم.." وارجع ايضاً إلى تاريخ الطبري 4: 206، والكامل في التاريخ 3:485، وفي مصنف عبد الرزاق 5: 273 قال: ".. أمر معاوية بقتل حجر بن عدي الكندي، فقال حجر: لا تحلوا عنّي قيداً ـ أو قال ـ: حديداً، وكفنوني بدمي وثيابي"

وفي المصنف لابن ابي شيبة الكوفي 3: 139 قال: "عن ابن سيرين قال: كان إذا سئل عن غسل الشهيد حدث بحديث حجر بن عدي قال: قال حجر بن عدي لمن حضره من أهل بيته: لا تغسلوا عنّي دماً، ولا تطلقوا عنّي حديداً، وادفنوني في ثيابي، فإنّي التقي أنا ومعاوية على الجادة غداً".

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 60: 219: ".. فقال معاوية: لا أحب أن أراهم ولكن اعرضوا عليّ كتاب زياد، فقرئ عليه الكتاب، وجاء الشهود فشهدوا، فقال معاوية بن أبي سفيان: اخرجوهم إلى عذراء فاقتلوهم هنالك..".

وفي تاريخ خليفة بن خياط: 160 في أحداث سنة 51 قال: "فيها قتل معاوية ابن أبي سفيان حجر بن عدي بن الادبر..".

وفي تاريخ دمشق 12: 231 قال: "قال معاوية: ما قتلت أحداً إلاّ وأنا أعرف فيم قتلته وما أردت به، ما خلا حجر بن عدي فإنّي لا أعرف فيما قتلته".

وفي سير أعلام النبلاء 3: 137: "وادعى زياداً أنّه أخوه، فولاه الكوفة بعد المغيرة، فكتب إليه في حجر بن عدي وأصحابه، وحملهم إليه، فقتلهم بمرج عذراء..".

وفي السير ـ أيضاً ـ 3: 464 في ترجمة حجر: ".. وأتي به إلى زياد وبأصحابه فقال: ويلك مالك؟

قال: إنّي على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ثمّ أوفدهم على معاوية، وبعث بحجر وأصحابه إليه، فبلغ عائشة الخبر، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فقال معاوية: لا أحبّ أن أراهم، هاتوا كتاب زياد، فقرئ عليه، وجاء الشهود، فقال معاوية: اقتلوهم عند عذراء".

وقال ابن كثير في البداية والنهاية 8 : 57: "فكتب معاوية إلى زياد كتاباً آخر في أمرهم، فأشار عليه بقتلهم لمن كان له حاجة في ملك العراق، فعند ذلك أمر بقتلهم..".

وفي البداية والنهاية 8 : 58: "روى ابن جرير: إنّ معاوية جعل يغرغر بالموت وهو يقول: إنّ يومي بك يا حجر بن عدي لطويل..".

وقد قتل معه في مرج عذراء لأنّهم رفضوا التبرأ من علي (عليه السلام) وهم:

1 ـ الأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم.

2 ـ شريك بن شداد الحضرمي.

3 ـ صفي بن فسيل.

4 ـ قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي.

5 ـ كريم بن عفيف الخثعمي.

6 ـ عاصم بن عوف البجلي.

7 ـ ورقاء بن سمي البجلي.

8 ـ كرام بن حبّان.

9 ـ عبد الرحمن بن حسان العريان.

10 ـ محرز بن شهاب التميمي.

11 ـ عتبة بن الأخنس.

12 ـ سعد بن عمران الهمداني.

راجع: البداية والنهاية 8:56، تاريخ ابن خلدون 3: 12، تاريخ الطبري 4:59.


الصفحة 587

الصفحة 588

كيف يريدونه صحابياً عادلا وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وقتله(1) ؟!

كيف ينزّهونه وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه أولا، ثمّ لابنه الفاسق يزيد من بعده، وبدّل نظام الشورى بالملكية القيصرية(2).

____________

1- راجع: الاستيعاب لابن عبد البر 1: 389 في ترجمة معاوية، شرح النهج لابن أبي الحديد، مقاتل الطالبيين: 48، تذكرة الخواص: 211، 213، وفي الطبقات لابن سعد: "سمّه معاوية مراراً"، وفي تاريخ ابن كثير 8: 43، وتاريخ ابن عساكر 4: 229 "يقال: إنّ معاوية قد تلطّف لبعض خدمه أن يسقيه سماً"، مروج الذهب 2: 50، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 192 وفيه "أن يزيد أرسل السم إلى زوجة الإمام الحسن (عليه السلام) فسمّته"، تاريخ الإسلام للذهبي 4: 40.

2- قال ابن حجر في فتح الباري 12: 346: "وأما معاوية ومن بعده فكان أكثرهم على طريقة الملوك ولو سمّوا خلفاء، والله أعلم"، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 157: "كان معاوية أوّل من اتخذ الديوان للختم، وأمر بالنيروز والمهرجان... وكان يقول: أنا أوّل الملوك"، وكذلك في امتاع الاسماع للمقريزي 12: 111، وفي المصنف لابن أبي شيبة 7:279: "قال معاوية: أنا أوّل الملوك"، وكذلك الاستيعاب 3:1420، درر السمط في خبر السبط: 48، تخريج الأحاديث والآثار 2:448، فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3:679، تهذيب الكمال 6:509، سير أعلام النبلاء 3:157 تاريخ اليعقوبي 2: 232، البداية والنهاية 8:144.


الصفحة 589

كيف يحكمون باجتهاده ويعطونه أجراً، وقد حمل الناس على لعن عليّ وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر، وقَتَل الصحابة الذين امتنعوا عن ذلك، وأصبحت سنّة متّبعة يهرم عليها الكبير، ويشيب عليها الصغير، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم؟!

والسؤال يعود دائماً ويتكرّر ويلحّ: تُرى أيّ الفريقين على الحقّ وأيهما على الباطل؟ فإما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحقّ، وإمّا أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحقّ، وقد أوضح رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ شيء.

وفي كلا الحالين فإنّ عدالة الصحابة كلّهم من غير استثناء أمر مستحيل، لا ينسجم مع المنطق السليم.

ولكلّ هذه المواضيع أمثلة كثيرة لا يحصي عددها إلاّ الله، ولو أردت الدخول في التفصيل وبحث هذه المواضيع من كلّ جانبها لاحتجت إلى مجلدات كثيرة، ولكنّني رمت الاختصار، وأخذت في هذا البحث بعض الأمثلة ـ وهي بحمد الله كافية ـ لإبطال مزاعم قومي الذين جمّدوا فكري ردحاً من الزمن، وحجروا عليّ أن أفقه الحديث، أو أحلّل الأحداث التاريخية بميزان العقل والمقاييس الشرعية التي علّمنا إياها القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة.

ولذلك سوف أتمرّد على نفسي، وأنفض عنّي غبار التعصّب الذي غلّفوني به، وأتحرّر من القيود والأغلال التي كبّلوني بها أكثر من عشرين عاماً،


الصفحة 590

ولسان حالي يقول لهم: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرمين، يا ليت قومي اكتشفوا العالم الذي يجهلونه ويعادونه دون أن يعرفونه.


الصفحة 591

الصفحة 592

بدايـة الـتحول


الصفحة 593

الصفحة 594

بداية التحول

بقيت متحيّراً ثلاثة أشهر مضطرباً حتّى في نومي، تتجاذبني الأفكار وتموج بي الظنون والأوهام، خائفاً على نفسي من بعض الصحابة الذين أحقق في تاريخهم، فأقف على بعض المفارقات المذهلة في سلوكهم، لأنّ التربية التي تلقيتها طيلة حياتي تدعوني إلى احترام وتقديس أولياء الله والصالحين من عباده الذين (يؤذون) من يتكلم في حقهم سوءً، أو يسيء إليهم الأدب حتّى في غيابهم وإن كانوا موتى.

ولقد قرأت في ما سبق في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدّميري(1): إنّ رجلا كان يشتم عمر بن الخطاب، وكان أصحابه في القافلة ينهونه، فلمّا ذهب يتبوّل لدغه أسود سالخ فمات لحينه، وحفروا له لدفنه، فوجدوا في القبر أسود سالخ، ثمّ حفروا قبوراً أخرى وفي كلّ مرّة يجدون أسود سالخ، فقال لهم أحد العارفين: ادفنوه أنّى شئتم، فلو حفرتم الأرض كلها لوجدتم أسود سالخ، ذلك ليعذبه الله في الدنيا قبل الآخرة على شتمه سيدنا عمر.

ولذلك وجدتني وأنا أقحم نفسي في هذا البحث العسير خائفاً محتاراً، وخصوصاً لأنني تعلّمت في الفرع الزيتوني بأنّ أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصّديق، ثُمّ يأتي بعده سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق الذي يفرق الله به بين الحقّ والباطل، ثُمّ بعده سيدنا عثمان بن عفان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن، ثُمّ بعده سيدنا علي باب مدينة العلم.

ثمّ يأتي بعد هؤلاء الأربعة الستة الباقون من العشرة المبشرين بالجنة وهم: طلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن، وأبو عبيدة، ثمّ يأتي بعد هؤلاء الصحابة جميعاً.

____________

1- كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري. هذه القصة توجد في حديثه عن الأسود السالخ (المؤلف).


الصفحة 595

وكثيراً ما كانوا يعلّموننا الاستدلال بالآية الكريمة: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِّن رُّسُلِهِ}(1) على وجوب النظر إلى بقية الصحابة بالمنظار نفسه دون خدش أيّ واحد منهم.

وعلى هذا خشيت على نفسي واستغفرت ربّي مرّات عديدة، أردت فيها الانقطاع عن البحث في مثل هذه الأمور التي تشككني في صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي تشككني في ديني، ولكني وجدت من خلال الحديث مع بعض العلماء طيلة تلك المدة تناقضات لا يقبلها العقل، وبدأوا يحذّرونني أنّني إن واصلت البحث في أحوال الصحابة فسوف يسلب الله نعمته عليّ ويهلكني، ومن كثرة معاندتهم وتكذيبهم كلّ ما أقول دفعني فضولي العلمي وحرصي على بلوغ الحقيقة إلى أن أقحم نفسي من جديد في البحث، ووجدت قوة داخلية تدفعني دفعاً.

____________

1- سورة البقرة: 285.


الصفحة 596

محاورة مع عالم

قلت لأحد علمائنا: إذا كان معاوية قتل الأبرياء، وهتك الأعراض، وتحكمون بأنّه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد، وإذا كان يزيد قتل أبناء الرسول، وأباح المدينة لجيشه، وتحكمون بأنّه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد، حتّى قال بعضكم: "قُتل الحسين بسيف جدّه"(1) لتبرير فعل يزيد.

فلماذا لا اجتهد أنا في البحث وهو ما يجرّني للشك في الصحابة وتعرية البعض منهم، وهذا لا يقاس بالنسبة للقتل الذي فعله معاوية وابنه يزيد في العترة الطاهرة، فإن أصبت فلي أجران وإن أخطأت فلي أجر واحد.

على أنّ انتقاصي لبعض الصحابة لا أريد منه السبّ والشتم واللعن، وإنّما أريد الوصول إلى الحقيقة لمعرفة الفرقة الناجية من بين الفرق الضّالة، وهذا

____________

1- قال المناوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 265: ".. وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتّى قال: قتله بسيف جده".

وقال الآلوسي في روح المعاني 26: 73: "وأبو بكر بن العربي المالكي عله من الله تعالى ما يستحق أعظم الفرية، فزعم أنّ الحسين قتل بسيف جده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وله من الجهلة موافقون على ذلك".

وفي خلاصة عبقات الانوار 4: 237: ".. قال ابن حجر المكي: في ذكر يزيد بن معاوية: "قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعاً وعلماً يقضيان بأنّه لم يقل ذلك إلاّ لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ثبتت عنده، وان لم تثبت عند غيري كالغزالي، فإنّه أطال في ردّ كثير ممّا نسب إليه كقتل الحسين، فقال: لم يثبت من طريق صحيح أنّه قتله ولا أمر بقتله، ثمّ بالغ في تحريم سبه ولعنه، وكابن العربي المالكي، فإنّه نقل عنه ما يقشعر منه الجلد، أنه قال: لم يقتل يزيد الحسين إلاّ بسيف جده، أيّ بحسب اعتقاده الباطل أنّه الخليفة والحسين باغ عليه، والبيعة سبقت ليزيد، ويكفي فيها بعض أهل الحلّ والعقد، وبيعته كذلك; لأنّ كثيرين أقدموا عليها مختارين لها، هذا مع عدم النظر إلى استخلاف أبيه له، أما مع النظر لذلك فلا يشترط موافقة أحد من أهل الحلّ والعقد على ذلك".

وارجع إلى كتاب نحو انقاذ التاريخ الإسلامي لحسن فرحان المالكي: 239.


الصفحة 597

واجبي وواجب كُلّ مسلم، والله سبحانه يعلم السرائر وما تخفي الصدور.

أجابني العالم قائلا: يا بني لقد أُغلق باب الاجتهاد من زمان.

فقلت: ومن أغلقه؟

قال: الأئمة الأربعة.

فقلت متحرّراً: الحمد لله إذ لم يكن الله هو الذي أغلقه، ولا رسول الله، ولا الخلفاء الراشدون الذين أُمرنا بالاقتداء بهم، فليس عليّ حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا.

فقال: لا يمكنك الاجتهاد إلاّ إذا عرفت سبعة عشر علماً، منها: علم التفسير، واللّغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، والأحاديث، والتاريخ وغير ذلك.

وقاطعته قائلا: أنا لن اجتهد لأبيّن للناس أحكام القرآن والسنّة، ولا لأكون صاحب مذهب في الإسلام.. كلاّ، ولكن لأعرف من على الحقّ ومن على الباطل، ولمعرفة إن كان الإمام عليّ هو الحقّ أو معاوية مثلا، ولا يتطلب ذلك الإحاطة بسبعة عشر علماً، ويكفي أن أدرس حياة كلّ منهما وما فعلاه حتّى أتبيّن الحقيقة(1).

____________

1- وقد افترى الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه الانتصار للصحب والآل ص 156 على المؤلف إذ ذكر أنّ التيجاني جاهل بأمور الشريعة ويريد الاجتهاد فيها وقد اعترف بذلك!!

وهذا خلط ولعب في الأوراق، لأنّ المؤلف لم يقل هذا الكلام أصلاً، فهو ذكر بأنّه يريد البحث في حياة الصحابة والأفعال التي صدرت منهم، ثُمّ يزنها بعد ذلك بالميزان الشرعي، ليرى مدى موافقتها للشريعة من عدمه، وبعد ذلك يتضح له المصيب من المخطئ، والصالح من الطالح، والتقي الورع الذي يمكن الاعتماد عليه واتباعه من الفاجر الخبيث الذي يجب اجتنابه والابتعاد عنه. وهذا الامر لا يتطلب من الباحث فيه أن يكون مطلعاً على سبعة عشر علماً، إذ لا ربط للغة في عدالة معاوية من فسقه، أو أحقية علي بن أبي طالب من غيره، وكذلك الصرف، والبلاغة، والتفسير.. وغير ذلك من العلوم، فلا ربط بين كون معاوية باغ لأنّه قتل عمار بن ياسر وبين كون الفاعل مرفوعاً، ولا ربط بين كون معاوية منافق لأنّه يسبّ علي بن أبي طالب ويأمر بسبه وبين كون فعل ضرب على وزن فعل.. إلى غير ذلك ممّا يزيد الشجون ويدمي الجفون.

وأين هذا ممّا رامه الرحيلي بقوله: "وقد اعترف المؤلف في مواطن آخر من كتابه ثمّ اهتديت بأنّه ليست عنده معرفة بعلوم الشريعة، زاعماً ـ لفرط جهله ـ أنّه لا يحتاج إليها في بحثه عن أحوال الصحابة"!! من أنّ المؤلف جاهل بعلوم الشريعة فكيف يتسنى له البحث عن الصحابة؟!

وهذا جهل أو تجاهل مركب من الرحيلي للطعن بالمؤلف عن طريق التلاعب بالالفاظ والتمويه على القارئ بأُمور يحسبها متناقضة، وهي ليست كذلك، وإنّما التناقض إن وجد فهو في ذهن الرحيلي لا غير.


الصفحة 598

قال: وما يهمك أن تعرف ذلك: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1).

قلت: أتقرأ ولا تسألون بفتح التاء أم بضمّها؟

قال: تسألون بالضم.

قلت: الحمد لله، لو كانت بالفتح لأمتنع البحث، وما دامت بالضم فمعناها أنّ الله سبحانه سوف لن يحاسبنا عمّا فعلوا وذلك كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(2)، و{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}(3).

وقد حثنا القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة ولنستخلص منها العبرة، وقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم، لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحقّ من الباطل، أما قولك: وما يهمني من هذا البحث؟

نعم يهمني:

أوّلا: لكي أعرف وليّ الله فأواليه، وأعرف عدو الله فأعاديه، وهذا ما طلبه منّي القرآن بل أوجبه عليّ.

____________

1- سورة البقرة: 134.

2- سورة المدّثر: 38.

3- سورة النجم: 39.


الصفحة 599

ثانياً: يهمني أن أعرف كيف أعبد الله، وأتقرّب إليه بالفرائض التي افترضها، وكما يريدها هو جلّ وعلا لا كما يريدها مالك أو أبو حنيفة أو غيرهم من المجتهدين; لأنّي وجدت مالكاً يقول بكراهة البسملة في الصّلاة، بينما يقول أبو حنيفة باستحبابها، ويقول غيره ببطلان الصلاة بدونها(1)، وبما أنّ الصلاة هي عمود الدّين، إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدت ردّ ما سواها، فلا أريد أن تكون صلاتي باطلة.

كما أن الشيعة يقولون بمسح الرجلين في الوضوء، ويقول السنّة بغسلهما، بينما نقرأ في القرآن: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}(2) وهي صريحة في المسح، فكيف تريد يا سيدي أن يقبل المسلم العاقل قول هذا ويردّ قول ذاك بدون بحث ودليل.

قال: بإمكانك أن تأخذ من كلّ مذهب ما يعجبك، لأنّهم مذاهب إسلامية، وكلّهم من رسول الله ملتمس.

____________

1- تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي 2: 47 قال: "اعلم أنّ في قراءة البسملة في الصلاة ثلاثة اقوال:

احدها: أنّها واجبة كمذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وطائفة من أهل الحديث، بناءً على أنّها من الفاتحة.

والثاني: أنّها مكروهة سراً وجهراً، وهو المشهور عن مالك.

والثالث: إنّها جائزة، بل مستحبة وهو مذهب أبي حنيفة..".

وقال ابن حزم في المحلّى 3:251: "مسألة: ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن لم تجزه الصلاة إلاّ بالبسملة، وهم عاصم بن أبي النجود، وحمزة، والكسائي، وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابة والتابعين ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين أن يبسمل وبين أن لا يبسمل وهو ابن عامر وأبي عمر ويعقوب، وفي بعض الروايات عن نافع.

وقال مالك: لا يبسمل المصلّي إلاّ في صلاة التراويح في أوّل ليلة من الشهر.

وقال الشافعي: لا تجزىء الصلاة إلاّ ببسم الله الرحمن الرحيم..".

وراجع الى سبل السلام 1:88، نيل الأوطار 2: 224، فقه السنّة: 126.

2- سورة المائدة: 6.


الصفحة 600

قلت: أخاف أن أكون ممّن قال الله فيهم: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(1).

يا سيدي، أنا لا أعتقد بأنّ المذاهب كلّها على حق، ما دام الواحد منهم يبيح الشيء ويحرّمه الآخر، فلا يمكن أن يكون الشيء حراماً وحلالاً في آن واحد، والرسول (صلى الله عليه وآله) لم يتناقش في أحكامه لأنه وحي من القرآن: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}(2)، وبما أنّ المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير، فليست من عند الله ولا من عند رسوله; لأنّ الرسول لا يناقض القرآن.

ولما رأى الشيخ العالم كلامي منطقياً وحجتي مقبولة، قال: أنصحك لوجه الله تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين، فهم أعمدة الإسلام الأربعة إذا هدّمت عموداً منها سقط البناء.

قلت: استغفر الله يا سيدي، فأين رسول الله إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الإسلام؟

أجاب: رسول الله هو ذاك البناء! هو الإسلام كلّه.

ابتسمت من هذا التحليل وقلت: استغفر الله مرة أخرى يا سيدي الشيخ، فأنت تقول من حيث لا تشعر بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليستقيم إلاّ بهؤلاء الأربعة، بينما يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}(3).

فقد أرسل محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة ولم يشركه فيها أحداً من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم، وقد قال الله تعالى في هذا الصّدد: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ

____________

1- سورة الجاثية: 23.

2- سورة النساء: 82.

3- سورة الفتح: 28.


الصفحة 601

رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}(1).

قال: هذا ما تعلّمناه نحن من مشايخنا وأئمتنا، ولم نكن نحن في جيلنا نناقش ولا نجادل العلماء مثلكم اليوم الجيل الجديد، أصبحتم تشكون في كلّ شيء، وتشكّكون في الدين، وهذه من علامات الساعة فقد قال (صلى الله عليه وآله): "لا تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق"(2).

فقلت: يا سيدي لماذا هذا التهويل، أعوذ بالله أنّ أشك في الدين أو أشكك فيه، فقد آمنت بالله وحده لا شريك له، وملائكته وكتبه ورسله، وآمنت بأن سيدنا محمّداً عبده ورسوله، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين، وخاتمهم وأنا من المسلمين، فكيف تتّهمني بهذا؟

قال: أتهمك بأكثر من هذا; لأنك تشكك في سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر، وقد قال (صلى الله عليه وآله): "لو وزن بإيمان أبي بكر مع إيمان جميع الخلق لرجح إيمان أبي بكر"(3)، وقال في حق سيدنا عمر: "رأيتني في المنام والناس يعرضون علي

____________

1- سورة البقرة: 151.

2- مسند أحمد 1:294 الاستيعاب 3:1245 عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وفي صحيح مسلم 6:54 كتاب الامارة، باب مراعاة مصلحة الدواب في السير، المستدرك للحاكم 4:456، فتح الباري 13:67 صحيح ابن حبّان 15:250 عن عبد الله بن عمر.

3- عمدة القارىء للعيني 1:108، المستصفى للغزالي:70، المحصل للرازي 6:133، تاريخ مدينة دمشق 30:126، الكامل لابن عدي 4:201 وهو من طريق عبد الله بن عبد العزيز الذي وصفه بقوله: "يحدث عن أبيه عن نافع عن ابن عمر بأحاديث لا يتابعه أحد عليه"، وفي ميزان الاعتدال 2:255 بعد نقله الحديث قال: "قال أبو حاتم وغيره: أحاديثه منكرة. وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلساً" وفي لسان الميزان 3:310 بعد أن ذكره قال: "كلام ابن الجنيد يحدث بأحاديث كذب".

وقد روي في مصادر أخرى عن عمر بن الخطاب كما في مسند ابن راهوية 3:672 وتخريج الآحاديث والآثار 1:248 وتذكرة الموضوعات وما دام أنّ الرواية عن عمر بن الخطاب موقوفة عليه فلا تحتاج إلى تعليق بعد ما عقد له البيعة مراعياً أفضليته على أمة الإسلام بينما أبو بكر لا يعتقد بأفضلية نفسه، وصدع في أوّل مقالة بقوله: إن لي شيطاناً يعتريني.


الصفحة 602

عليهم قميص منها إلى كذا ومنها إلى كذا، ومر علي عمر بن الخطاب يجر قميصه، قيل: يا رسول الله ما أولته؟ قال: الدين"(1)، وتأتي أنت اليوم في القرن الرابع عشر لتشكك في عدالة الصحابة وبالخصوص أبي بكر وعمر؟! ألم تعلم بأنّ أهل العراق هم أهل الشقاق، هم أهل الكفر والنفاق!!

ماذا أقول لهذا العالم المدّعي العلم الذي أخذته العزّة بالإثمّ، فتحوّل من الجدال بالتي هي أحسن إلى التهريج والافتراء، وبثّ الإشاعات أمام مجموعة من الناس المعجبين به، والذين احمرّت أعينهم، وانتفخت أوداجهم، ولاحظت في وجوههم الشر.

فما كان منّي إلاّ أن أسرعت للبيت، وأتيتهم بكتاب الموطأ للإمام مالك وصحيح البخاري، وقلت: يا سيدي، إنّ الذي بعثني على هذا الشك هو رسول الله نفسه، وفتحت كتاب الموطأ وفيه: روى مالك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لشهداء أحد: "هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ! فبكى أبو بكر ثمّ بكى، ثمّ قال: إنّنا لكائنون بعدك"(2).

____________

1- مسند أبي داود الطيالسي: 309، الاستيعاب 3:1148، تهذيب الكمال 21: 325، الوافي بالوفيات 22:285.

2- موطأ مالك 2:462 ح32 كتاب الجهاد، باب الشهداء، الاستذكار 5:104، التمهيد 21:228 وقال: "هذا الحديث مرسل هكذا، منقطع عند جميع الرواة للمواطأ، ولكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة.

ومعنى قوله: أشهد عليهم، أي أشهد لهم بالإيمان الصحيح، والسلامة من الذنوب الموبقات، ومن التبديل والتغيير والمنافسة في الدنيا ونحو ذلك، والله أعلم.

وقيد من الفقه دليل على أنّ شهداء أحد ومن مات من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبله أفضل من الذين تخلفهم بعده والله أعلم.

وهذا عندي في الجملة المحتملة للتخصيص; لأنّ من أصحابه من أصاب من الدنيا بعده وأصابت منه...". شرح النهج لابن أبي الحديد 15: 38.


الصفحة 603

ثمّ فتحت صحيح البخاري وفيه: "دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس، فقال ـ حين رآها ـ : من هذه؟

قالت: أسماء بنت عميس.

قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه.

قالت أسماء: نعم.

قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله منكم.

فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيّم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتّى أذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي أسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.

فلمّا جاء النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: يا نبي الله، عمر قال كذا وكذا،

قال: فما قلت له؟

قالت: كذا وكذا،

قال: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان،

قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني ارسالا يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم ممّا


الصفحة 604

قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله)"(1).

وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الأحاديث تغيّرت وجوههم، وبدأ ينظر بعضهم إلى البعض، ينتظرون ردّ العالم الذي صدم، فما كان منه إلاّ أن رفع حاجبيه علامة التعجب وقال: "..وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً"(2).

فقلت: إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أوّل من شك في أبي بكر، ولم يشهد عليه، لأنّه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده، وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقرّ بتفضيل عمر بن الخطّاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه، فمن حقّي أن أشك وأن لا أفضّل أحداً حتّى أتبيّن وأعرف الحقيقة.

ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كلّ الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنّهما أقرب إلى الواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة.

قال الحاضرون: وكيف ذلك؟

قلت: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يشهد على أبي بكر وقال له: "إنّني لا أدري ما تحدثون بعدي"(3)! فهذا معقول جداً، وقد قرّر ذلك القرآن الكريم، والتاريخ يشهد أنّهم بدّلوا بعده، ولذلك بكى أبو بكر، وقد بدّل وأغضب فاطمة الزهراء بنت الرسول ـ كما سبق ـ ، وقد بدّل حتّى ندم قبل وفاته وتمنّى أن لا يكون

____________

1- صحيح البخاري 3: 387، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، صحيح مسلم 7:172 كتاب الفضائل، باب من فضائل جعفر، مسند أبي يعلى الموصلي 13: 30، المصنف بن أبي شيبة 7:515، السنن الكبرى للنسائي 5:104، المعجم الأوسط 6:231، الطبقات الكبرى 8:281، سير أعلام النبلاء 2:283، تاريخ الإسلام 2:431، الوافي بالوفيات 9:34، البداية والنهاية 4:233.

2- سورة طه: 114.

3- موطأ مالك 2:462، المصنف للصنعاني 3:541، الاستذكار 5:104 الاكمال في أسماء الرجال: 19.


الصفحة 605

بشراً.

أمّا الحديث الذي يقول: "لو وزن إيمان أبي بكر مع إيمان جميع الخلق لرجح إيمان أبي بكر" فهو باطل وغير معقول، ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمّد بأسرها، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء، والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلّها جهاداً في سبيل الله.

ثُمّ أين أبو بكر من هذا الحديث؟ لو كان صحيحاً لما كان في آخر حياته يتمنّى أن لا يكون بشراً(1).

____________

1- يؤثر عن أبي بكر أمنيات كثيرة نذكر منها ما قدرنا عليه.

أ ـ في مصنف ابن أبي شيبة 8:144 بسنده عن الضحاك قال: "رأى أبو بكر طيراً واقعاً على شجرة فقال: طوبى لك يا طير، والله لوددت أني كنت مثلك، تقع على الشجرة، وتأكل من الثمرة، ثُمّ تطير وليس عليك حساب ولا عذاب، والله لوددت إنّي كنت شجرة إلى جانب الطريق مرّ عليّ جمل فأدخلني في فاه فلاكني ثُمّ أخرجني بعراً ولم أكن بشراً".

ب ـ في كنز العمال 12:529 عن الضحاك قال: "قال أبو بكر الصديق ونظر إلى عصفور: طوبى لك يا عصفور، تأكل من الثمار، وتطير في الأشجار، لا حساب عليك ولا عذاب والله لوددت أني كبش يسمني أهلي، فإذا كنت أعظم ما كنت وأسمنه يذبحوني فيجعلوني بعضي شواء وبعضي قديداً، ثُمّ أكلوني ثُمّ ألقوني عذرة في الحش، وإني لم أكن خلقت بشراً" .

ج ـ وفي كنز العمال 12:28 عن أبي بكر قال: "وددت أنّي شعرة في جنب عبد مؤمن".

د ـ وفي الطبقات الكبرى 3:198 بسنده عن قتادة قال: "بلغني أنّ أبا بكر قال: وددت أني خضرة تأكلني الدواب".

إلى غير ذلك من أماني أبي بكر التي لا تعد ولا تحصى .

والانسان ـ مهما كان ـ إذا كان عارفاً بالقدر الإنساني، وبعظمة الكيان الرباني المتجسد في الهيكل الناسوتي لا يمكنه تمني أن يكون عذرة أو كبشاً أو طيراً، لكن أبا بكر تمنى فهنيئاً له!


الصفحة 606

ولو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) تغضب عليه وتدعو الله عليه في كلّ صلاة تصلّيها؟!

ولم يرد العالم بشيء، ولكن بعض الجالسين قالوا: لقد بعث ـ والله ـ هذا الحديث الشك فينا.

عند ذلك تكلم العالم ليقول لي: أهذا ما تريده، لقد شككت هؤلاء في دينهم؟

وكفاني أحدهم الرد عليه إذ قال: كلا، إنّ الحقّ معه، نحن لم نقرأ في حياتنا كتاباً كاملا، واتبعناكم واقتدينا بكم في ثقة عمياء بدون نقاش، وقد تبيّن لنا الآن أن ما يقوله الحاج صحيح، فمن واجبنا أن نقرأ ونبحث!! ووافقه على رأيه بعض الحاضرين، وكان ذلك انتصاراً للحق والحقيقة، ولم يكن انتصاراً بالقوة والقهر، ولكنّه انتصار العقل والحجّة والبرهان {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(1).

ذلك ما دفعني وشجّعني على الدخول في البحث وفتح الباب على مصراعيه، فدخلته باسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، راجياً منه سبحانه وتعالى التوفيق والهداية، فهو الذي وعد بهداية كلّ باحث عن الحقّ وهو لا يخلف وعده.

وتواصل البحث ـ بكلّ دقة ـ ثلاث سنوات، وذلك لأنّي أُعيد ما أقرأ وأكرّر ـ في بعض الأحيان ـ قراءة الكتاب من الصفحة الأولى إلى آخر صفحة.

قرأت كتاب "المراجعات" للإمام شرف الدين وراجعته عدة مرات، وقد فتح أمامي آفاقاً سبّبت هدايتي، وشرحت صدري لحب أهل البيت ومودّتهم.

____________

1- سورة البقرة: 111.


الصفحة 607

وقرأت كتاب "الغدير" للشيخ الأميني، وأعدته ثلاث مرّات لما فيه من حقائق دامغة واضحة جلية، وقرأت كتاب "فدك في التاريخ" للسيد محمّد باقر الصدر، وكتاب "السقيفة" للشيخ محمّد رضا المظفر، وفهمت منهما أسراراً غامضة اتّضحت، كما قرأت كتاب "النّص والاجتهاد" فازددت يقيناً.

ثمّ قرأت كتاب "أبي هريرة" لشرف الدين، و"شيخ المضيرة" للشيخ محمود أبو ريّة المصري، وعرفت بأنّ الصحابة الذين غيّروا بعد رسول الله قسمان، قسم غيّر الأحكام بما له من السلطة والقوة الحاكمة، وقسم غيّر الأحكام بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثمّ قرأت كتاب "الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" لأسد حيدر، وعرفت الفرق بين العلم الموهوب والعلم المكسوب، عرفت الفرق بين حكمة الله التي يؤتيها من يشاء، وبين التطفّل على العلم والاجتهاد بالرأي الذي أبعد الأمة عن روح الإسلام.

وقرأت كتباً أُخرى عديدة للسيد جعفر مرتضى العاملي، والسيد مرتضى العسكري، والسيد الخوئي، والسيد الطباطبائي، والشيخ محمّد أمين زين الدين، وللفيروزآبادي، ولابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة، والفتنة الكبرى لطه حسين.

ومن كتب التاريخ قرأت "تاريخ الطبري"، و"تاريخ ابن الأثير"، و"تاريخ المسعودي"، و"تاريخ اليعقوبي"، وقرأت الكثير حتّى اقتنعت بأنّ الشيعة الإمامية على حقّ، فتشيّعت وركبت على بركة الله سفينة أهل البيت(عليهم السلام)، وتمسكت بحبل ولائهم; لأنّي وجدت بحمد الله البديل عن بعض الصحابة الذين ثبت عندي أنّهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى ولم ينج منهم إلاّ القليل، وأبدلتهم بأئمة أهل البيت النبوي الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم


الصفحة 608

تطهيراً، وافترض مودّتهم على الناس أجمعين.

فالشيعة ليسوا كما يدعي بعض علمائنا هم الفرس والمجوس الذين حطّم سيدنا عمر كبرياءهم ومجدهم وعظمتهم في حرب القادسية ولذلك يبغضونه ويكرهونه!

وأجبت هؤلاء الجاهلين بأنّ التشيّع لأهل البيت النبوي لا يختص بالفرس، بل الشيعة في العراق، وفي الحجاز، وفي سوريا، ولبنان، كُلّ هؤلاء عرب، كما يوجد الشيعة في الباكستان والهند، وفي أفريقيا وأمريكا، وكُلّ هؤلاء ليسوا من العرب ولا من الفرس.

ولو اقتصرنا على شيعة إيران، فإن الحجّة تكون أبلغ إذ إنّني وجدت الفرس يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر، وكلّهم من العرب من قريش من بني هاشم عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلو كان الفرس متعصّبين ويكرهون العرب ـ كما يدعي البعض ـ لاتّخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم; لأنّه منهم، وهو صحابي جليل، عرف قدره كُلّ من الشيعة والسنّة على حدّ سواء؟!

بينما وجدت أهل السنّة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس، فأغلب أئمتهم من الفرس: كأبي حنيفة، والإمام النسائي، والترمذي، والبخاري، ومسلم، وابن ماجة، والرّازي، والإمام الغزالي، وابن سينا، والفارابي، وغيرهم كثيرون يضيق بهم المقام.

فإذا كان الشيعة من الفرس يرفضون عمر بن الخطّاب لأنّه حطّم كبرياءهم وعظمتهم، فبماذا نفسّر رفض الشيعة له من العرب وغير الفرس؟!

فهذه دعوى لا تقوم على دليل، وإنّما رفض هؤلاء عمر للدور الذي قام به في إبعاد أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما سبّب ذلك من فتن ومحن وقلاقل وإنحلال لهذه الأمّة، ويكفي أن يزاح الحجاب عن أيّ باحث حر، وتكشف له الحقيقة حتّى يرفضه


الصفحة 609

بدون عداوة سابقة.

والحقّ إنّ الشيعة سواء كانوا من الفرس أم من العرب أم من غير هؤلاء، قد خضعوا للنصوص القرآنية والنصوص النبويّة، واتبعوا إمام الهدى وأولاده مصابيح الدّجى، ولم يرضوا بغيرهم رغم سياسة الترغيب والترهيب التي قادها الأمويون، ومن بعدهم العبّاسيون طيلة سبعة قرون، تتبّعوا خلالها الشيعة تحت كُلّ حجر ومدر، وقتلوهم وشرّدوهم، ومنعوهم العطاء، ومحوا آثارهم، وأثاروا حولهم الإشاعات والدعايات التي تنفر الناس منهم، وبقيت هذه الآثار حتّى اليوم.

ولكن الشيعة ثبتوا وصمدوا وصبروا وتمسّكوا بالحق، لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهم يدفعون حتّى اليوم ثمن هذا الصمود، وإنّي أتحدى أيّ عالم من علمائنا أن يجلس مع علمائهم ويجادلهم، فلا يخرج إلاّ مستبصراً بالهدى الذي هم عليه.

نعم، وجدت البديل ـ والحمد لله ـ الذي هداني لهذا وما كنت لاهتدي لولا أن هداني الله.

الحمد لله والشكر له على أن دلّني على الفرقة الناجية التي كنت أبحث عنها بلهف، ولم يبق عندي أيّ شك في أنّ المتمسك بعليّ وأهل البيت قد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والنصوص النبوية على ذلك كثيرة أجمع عليها المسلمون، والعقل وحده خير دَليل لمن ألقى السمع وهو شهيد.

فعليّ كان أعلم الصحابة وأشجعهم على الإطلاق(1)، وذلك بإجماع

____________

1- ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، فعلي باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو العلم ومنه العلم.

واليك مصادر الحديث: قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: 131: "وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله وأخرج الترمذي والحاكم عن علي قال: قال رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، هذا حديث حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم، ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي، وقد بينت حاله في التعقبات على الموضوعات".

وقال السيد حسن السقاف في كتاب تناقضات الالباني الواضحات 3: 82 : "صح عنه (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، صححه الحافظ ابن معين كما في تاريخ بغداد 11: 49، والامام الحافظ ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار، مسند سيدنا علي: 104 حديث 8 ، والحافظ العلائي في النقد الصحيح، والحافظ ابن حجر، والحافظ السيوطي كما في اللالىء المصنوعة 1: 334، والحافظ السخاوي كما في المقاصد الحسنة".

وفي فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي 3: 60: 2705: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب" فإنّ المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة الجامعة لمعاني الديانات كُلّها، أو لابدّ للمدينة من باب، فأخبر أنّ بابها هو علي كرم الله وجهه، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى.

وقد شهد له بالاعلمية الموافق والمخالف، والمعادي والمحالف، خرج الكلاباذي أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال: سلّ علياً هو أعلم منّي!

فقال: أُريد جوابك!

قال: ويحك أكرهت رجلاً كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغره بالعلم غراً.

وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك، وكان عمر يسأله عمّا أشكل عليه، جاءه رجل فسأله، فقال: هاهنا علي فاسأله.

فقال: أريد اسمع منّك يا أمير المؤمنين!

قال: قم، لا أقام الله رجليك، ومحى اسمه من الديوان.

وصح عنه من طرق أنّه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم، حتّى أمسكه عنده ولم يوله شيئاً من البعوث، لمشاورته في المشاكل.

وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من عليّ؟

قال: لا والله.

قال الحراني: قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عن القلوب الحجاب، حتّى يتحقّق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء، إلى هاهنا كلامه (عق عد طبا ك) وصححه، وكذا أبو الشيخ ] ابن حبّان[ في السنة كُلّهم (عن ابن عبّاس) ترجمان القرآن (عد ك عن جابر) بن عبد الله، ورواه أحمد بدون فمن..الخ.

قال الذهبي كابن الجوزي: موضوع.

وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا به.

وقال ابن معين: لا أصل له.

وقال الدارقطني: غير ثابت.

وقال الترمذي عن البخاري: منكر،

وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال: من حكم بوضعه فقد أخطأ، والصواب أنّه حسن باعتبار طرقه، لا صحيح ولا ضعيف، وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباه العقول..

وقال الزركشي: الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً.

وفي لسان الميزان: هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك، أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي اطلاق القول عليه بالوضع اهـ .

ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عبّاس، ثُمّ قال: قال القاسم: سألت ابن معين عنه فقال: هو صحيح.

قال الخطيب: قلت أراد أنّه صحيح من حديث ابي معاوية، وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه، وافتى بمسند ابن حجر وتبعه البخاري فقال: هو حديث حسن".

وفي عمدة القارئ للعيني 16: 215: "وفي التلويح: ومن خواصّه، أي خواص علي (رضي الله تعالى عنه) فيما ذكره أبو الشاء: أنّه كان أقضى الصحابة، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تخلف عن أصحابه لأجله، وأنّه باب مدينة العلم..".

وفي الاستيعاب لابن عبد البرّ 3: 1102: "وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فلياته من بابه"، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه: "أقضاهم عليّ بن ابي طالب"، وقال عمر بن الخطاب: علي أقضانا..".

وقد الف علماء أهل السنّة كتباً في هذا الحديث، وبيان طرقه، منها كتاب (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي) لاحمد بن الصديق الغماري

وفي مجمع الزوائد للهيثمي 9: 114: "أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة: اما ترضين أني زوجتّك أقدم أُمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً"، قال: "رواه أحمد والطبراني برجال وثقوا" وراجعه في أسد الغابة لابن الأثير 5: 520، والذرية الطاهرة للدولابي: 63.

وفي مستدرك الحاكم 3: 125 بسنده إلى أبي إسحاق قال: "سألت قثم بن العبّاس: كيف ورث علي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دونكم؟

قال: لأنّه أولنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً".

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في التلخيص، ثمّ قال: "سمعت قاضي القضاة أبا الحسن محمّد بن صالح الهاشمي... سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول، وذكر له قول قثم هذا فقال: إنّما يرث الوارث بالنسب وبالولاء، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العم لا يرث مع العمّ، فقد ظهر بهذا الاجماع، أنّ عليّاً ورث العلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)دونهم".

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: "عليّ عيبة علمي" تاريخ دمشق لابن عساكر 42: 385، جمع الجوامع للسيوطي 6: 153، وقال (صلى الله عليه وآله): "أعلم أُمتي من بعدي عليّ بن أبي طالب" المناقب للخوارزمي: 82، كفاية الطالب للكنجي: 332، فرائد السمطين للجويني 1: 97، كنز العمال للمتقي الهندي 6: 153، وقالت عائشة: "انّ علياً أعلم الناس بالسنة" ذخائر العقبى: 78، نظم درر السمطين: 133، تاريخ دمشق 42: 408، الصواعق المحرقة 2: 372، الاستيعاب 3: 40، وقال عمر: "أقضانا عليّ" الطبقات لابن سعد 2: 339، المستدرك للحاكم 3: 305، الاستيعاب 3: 38، تاريخ دمشق 3: 28، تاريخ ابن كثير 7: 359.

وأما كونه (عليه السلام) أشجع الناس فقد قال الشعبي: "كان عليّ أشجع الناس" أنساب الاشراف للبلاذري: 121، وهو القائل (عليه السلام): "والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها" نهج البلاغة 16: 289، ويكفيه ما ثبت عنه في السرايا والغزوات وما وسمه النبي (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر في حديث الراية.


الصفحة 610

الصفحة 611

الصفحة 612

الأمة، وهذا وحده كاف للدلالة على أحقّيته (عليه السلام) للخلافة دون غيره، قال الله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ