الصفحة 42

وفي هذا الكتاب ومؤلفه بحث مفضل مضى في آخر فصل علماء حلب، في ترجمة أبي صالح الحلبي، فراجع.

قال أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي في الفقه: 511: إن يفسح الله تعالى في العمر نجرد أعيان مسائل الخلاف، ونذكر طريق العلم بصحة كل مسألة على أصول الإمامية، وعلى وجه يتمكن معه الناظر من محاجة الخصوم، من غير افتقار به إلى تصحيح الأصول التي نذهب إليها.

وفي فهرست مؤلفات الكراجكي كما في الخاتمة صفحة 498: كتاب غاية الإنصاف في مسائل الخلاف، يتضمن النقض على أبي الصلاح الحلبي رحمه الله في مسائل خالف بينه وبين المرتضى، نصر فيها رأي المرتضى.

ويحتمل كون هذه المسائل في رسالة له.

طرق علمائنا إلى كتب أبي الصلاح:

نقتصر على أهمها:

(1) قال منتجب الدين في الفهرست باب التاء عن كتاب الكافي في الفقه:

أخبرنا به غير واحد من الثقات عن الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي، عنه.

(2) قال الشهيد في إجازته للشيخ شمس الدين أبي جعفر محمد بن تاج الدين عبد العلي، كما في البحار 107 / 198:

وأما مصنفات الشيخ... أبي الصلاح... فعن الشيخ سديد الدين أبي الفضل شاذان - بواسطة يحيي الدين بن زهرة والسيد فخار بحق رواية شاذان - عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن عمر الطرابلسي، عن القاضي عبد العزيز بن أبي كامل الطرابلسي، عن الشيخ أبي الصلاح.


الصفحة 43
(3) قال الشيخ علي بن عبد العالي الكركي في إجازته إلى الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ولولده إبراهيم، كما في البحار 107 / 46:

ومنه مصنفات الشيخ... تقي الدين أبي الصلاح... عن زين الدين علي بن هلال الجزائري، عن أبي العباس أحمد بن فهد الحلي، عن زين الدين علي بن الخازن، عن الشيخ الشهيد، عن الحسن بن نما، عن نجيب الدين يحيى بن سعيد، عن السيد يحيي الدين محمد بن زهرة الحسيني الحلبي، عن الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي، عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن عمر الطرابلسي، عن القاضي عبد العزيز ابن أبي كامل الطرابلسي، عن الشيخ أبي الصلاح رحمه الله ورضي عنه.

وراجع إجازات كثيرة وردت في البحار 107 / 68 - 70 و 152 - 160، 108 / 49 - 52 و 146 - 159، 109 / 88 - 92، 110 / 67 - 70، وراجع لؤلؤة البحرين: 133، وغير هذين الكتابين كثير.

وفاته:

في مكان وفاته قولان:

أ - حلب، نص عليه ابن حجر في لسان الميزان 2 / 71، والسيد الأمين في الأعيان 3 / 634.

ب - الرملة، نص عليه ابن أبي دوح (روح) كما في تاريخ الذهبي كما في أعلام النبلاء 4 / 77، والأعيان 4 / 634، وكذا نقله في الرياض 1 / 100 وفي التعليقة على أمل الآمل: 107 عن بعض الأفاضل.

والرملة: مدينة بفلسطين، وكانت قصبتها، وكانت رباطا للمسلمين، وبينها وبين بيت المقدس اثنا عشر أو ثمانية عشر ميلا، وهي كورة منها، قاله في مراصد الاطلاع.

وفي زمان وفاته قولان أيضا:

أ - سنة 447 ه، نص عليه ابن حجر في لسان الميزان 2 / 71 والسيد الأمين في أعيان الشيعة 3 / 634، والطباخ في أعلام النبلاء 4 / 77، والمدرس في ريحانة الأدب

الصفحة 44
7 / 161.

ب - سنة 446، نقله المولى الأفندي في رياض العلماء 1 / 100 وفي التعليقة على أمل الآمل: 107 عن بعض الأفاضل.

وذكر ابن أبي دوح (روح) والمولى الأفندي أن وفاته كانت بعد عوده من الحج في شهر محرم الحرام.

فبعد أن قضى مناسك حجه وجدد الميثاق وعزم على المرجوع إلى بلده التحق بالله سبحانه وتعالى في شهر الحزن والأسى.. شهر المحرم.. ذكرى واقعة الطف..

ففجعت الشيعة بارتحاله.. ونصبت في تلك السنة مأتمين وتعزت بعزاءين: لذكرى واقعة الطف.. ولفقد أحد زعمائها ناصري مذهب أهل البيت عليهم السلام: التقي.

فسلام عليه يوم ولد... ويوم مات... ويوم يبعث حيا


الصفحة 45


تقريب المعارف.. وتحقيقه





الصفحة 46

الصفحة 47

نسبة الكتاب لأبي الصلاح:

ذكره المترجم أبو الصلاح في كتابه الكافي في الفقه في خمسة موارد حيث أحال فيه على كتاب تقريب المعارف:

قال في ص 466 من كتاب الكافي قي الفقه في مسألة التوبة: وقد استوفينا الكلام في التحابط في كتاب التقريب، وبينا فساد ما يتعلقون به من الشبه، وفيما ذكرناه هاهنا بلغة.

وقال في ص 482 من الكتاب المذكور في مسألة دوام عقاب العاصي وعدمه: وفي هذا القدر من الكلام في أحكام المستحق كفاية، ومريد الغاية منه يجده في كتاب التقريب.

وقال في ص 479 من الكتاب المذكور في نفس المسألة السابقة: فأما اقتران الحدود بالاستخفاف ومنافاته للتعظيم فقد استوفينا الكلام عليه في كتاب التقريب.

وقال في ص 458 من الكتاب المذكور في مسألة عدم دلالة العقل على دوام الثواب:

وقد ذكرنا ما يتعلق به من قال بدوامه في كتاب التقريب، وبينا فساد متعلقه. وإنما نعلم دوامه بالسمع وهو العلم العام....

وقال في ص 510 من الكتاب المذكور في مسألة وجوب الرجوع إلى الأئمة عليهم السلام:

وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الفن (حفظ الشريعة في زمن الغيبة) وغيره مسائل الغيبة بحيث ذكرناه في كتاب التقريب في الأصول....

وعليه فنسبة كتاب تقريب المعارف إلى أبي الصلاح قطعية، لا تقبل أقل شك.

وبالإضافة إلى هذا فذكر هذا الكتاب ونسبه إلى أبي الصلاح جل من وضع له ترجمة وذكر كتبه، مثل: العلامة المجلسي في بحار الأنوار 2 / 20 و 38، والحر العاملي في أمل الآمل 2 / 46 وإثبات الهداة 1 / 30 و 673 و 733 و 2 / 198 و 288 و 528 و 3 / 349 و 586، والتستري في قاموس الرجال 2 / 415، والطهراني في الذريعة 4 / 366 و 18 / 88

الصفحة 48
و 21 / 186 و 22 / 435 والطبقات: 39، والتستري في كشف القناع: 129 و 133 والمقابس: 8، والسيد الأمين في الأعيان 3 / 635، والمحدث النوري في خاتمة المستدرك:

480، والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب 1 / 100، وسفينة البحار 1 / 295، والفوائد الرضوية: 57، والكنتوري في كشف الحجب: 136، والتنكابني في قصص العلماء: 432، والمدرس في ريحانة الأدب 7 / 161.

التعريف بالكتاب وميزاته:

قال العلامة المجلسي في البحار 2 / 38: وكتاب تقريب المعارف كتاب جيد في الكلام، وفيه أخبار طريفة، أوردنا بعضها في كتاب الفتن.

وقال الحر العاملي في أمل الآمل 2 / 46: رأيت تقريب المعارف حسن جيد.

وقال التستري في القاموس 2 / 415: وكتاب التقريب الذي ينقل عنه البحار في غاية الجودة.

ولهذا الكتاب عدة ميزات وخواص جعلته موردا لعناية الباحثين والمحققين:

منها: اعتماده على بعض المصادر التي فقدت في زماننا هذا وقبل زماننا بقرون، منها:

تاريخ الثقفي، وتاريخ الواقدي، وكتاب الدار للواقدي، وكتاب الفاضح للطبري، ونقل عن هذه الكتب نصوصا مهمة في بحث النكير على أبي بكر وعمر وعثمان تغير بعض المفاهيم التاريخية، وهذه النصوص لا يمكن العثور عليها في زماننا هذا إلا بالرجوع إلى هذا الكتاب.

ومنها: تطرقه إلى بعض المطالب التي لم يسبق بها إليه سابق، كما صرح هو قدس سره في كتابه هذا ص 57.

ومنها: توسعه في البحث عن مسألة التكليف من مسائل العدل، حيث بحث فيه:

حقيقة التكليف، والغرض من التكليف، وقبح تكليف ما لا يطاق. وما يجب كون المكلف

الصفحة 49
تعالى عليه من الصفات، وما يجب كون المكلف عليه من الصفات، والأفعال التي تعلق بها التكليف وصفاتها (راجع: ص 112 - 132 من هذا الكتاب).

ومنها: بحثه مسألة الإمامة وبصورة كاملة، وأتى بأدلة محكمة، فاستدل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمة عليه السلام بالقرآن والسنة، وتعمق في البحث عن مدلول ومفهوم الآيات والأخبار ودلالتها على إمامة الأئمة، كما وأثبت تواتر الأخبار التي استدل بها.

ومنها: إبطاله لما استدل به من القرآن والسنة على إمامة القوم، حيث ناقش مناقشة علمية لمفاهيم القرآن والأحاديث وأبطل دلالتها على إمامتهم، بل أثبت العكس، كما تعرض لإثبات كون ما استدل به من الأخبار على إمامة القوم بأنها آحاد لا يمكن الركون إليها.

ومنها: استدلاله بالروايات من طريق العامة والخاصة، وجعل الروايات المروية من طريق الخاصة حجة على الخصم، وذلك بعد أن أثبت كثرة ناقليها بحيث تصل إلى حد التواتر الذي يجب قبوله على الجميع، وأكثر ما اعتمد على هذه الطريقة في بحث معجزات الأئمة عليهم السلام... وذكر عدم الضرر بكون رواتها من الخاصة بعد أن ثبت تواترها.

ومنها: تعرض إلى ما نسبه الطبري إلى السجستاني من إنكاره لحديث الغدير، وأنه موقوف على حكاية الطبري، مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن، وأن السجستاني أكذب الطبري في حكايته عنه إنكار خبر الغدير، وصرح بأنه لم ينكر الخبر، وإنما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدما، وصنف السجستاني هذا كتابا معروفا يعتذر فيه مما نسبه إليه الطبري وتبرأ منه (راجع ص 207 - 208 من هذا الكتاب).

ومنها: إشباعه البحث عن إمامة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه ومن عدة جوانب، وتطرقه في هذا البحث إلى مسائل قلما بحث في غيره، حيث ذهب إلى جواز ظهور الحجة لكثير من أوليائه العارفين به المتدينين بطاعته في زمن الغيبة (راجع ص 444 من هذا الكتاب).

وتطرق في بحثه عن إمامة الإمام الحجة عليه السلام إلى حقوق الأموال الواجب حملها إلى

الصفحة 50
الإمام الحجة، وتقسيمها في زمن الغيبة إلى قسمين:

الأموال المعروف مستحقها من الزكوات والفطرة وشطر الخمس، فيجب على المكلف إخراجها وإعطاؤها إلى من يستحقها، وهم معروفون منصوص على أعيانهم وصفاتهم في الكتاب والسنة المعلومة، فإن جهل حالهم سأل علماء العصابة عنهم، أو حمل ما يجب عليه من الحقوق إليهم فيضعوه في مستحقيه.

والقسم المخصوص بالإمام الحجة عليه السلام من الخمس والأنفال، وحكم هذا أن يجرزه وينتظر به التمكن من إيصاله إليه أو إلى من يأذن له قبضه، والوصية به إن خاف الفوت قبل ذلك، فإن ضعف عن ذلك حمله إلى المأمون من فقهاء الطائفة ليحكم فيه بما شرع له، وأي الأمرين فعل برأت ذمته (راجع ص 446 - 447 من هذا الكتاب).

وذكر في بحث حفظه صلوات الله عليه الشريعة وتبليغها في حال الغيبة: بأنها لم تحصل له إلا بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة إلى الخلق، وإبانتهم عن أحكامها، وإيداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علة كل مكلف، وحفظهم عليهم السلام في حال وجودهم، وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام... فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق إليها ما ذكرناه والحجة به قائمة، ولا معضل ولا مشكل إلا وعند العلماء من شيعته منه تواتر ولهم على الصحيح منه برهان، من طلب ذلك ظفر به ظفر العلماء من شيعته....

ومن آرائه النادرة في هذا الكتاب تبنيه إلى أن القرآن معجز بالصرفة... وتعرض إلى هذا البحث وذكر بعض الايرادات وناقشها (راجع ص 158 من هذا الكتاب).

مصادر الكتاب:

اعتمد أبو الصلاح الحلبي في كتابه هذا على مصادر مهمة ونقل عنها، وتبلغ أهميتها إذا ما عرفنا أن بعضها فقد في زماننا هذا، بل وحتى قبل زماننا بقرون متتالية.


الصفحة 51
فأكثر الحلبي النقل في كتابه هذا عن تاريخ الثقفي المشهور، حتى تجاوز (60) موردا.

كما وأكثر النقل عن تاريخ الواقدي. وتجاوز (20) موردا.

قال أبو الصلاح الحلي:... وإنما اقتصرنا على تاريخي الثقفي والواقدي، لأن لنا إليهما طريقا، ولأن لا يطول الكتاب... (راجع ص 291 من هذا الكتاب).

ونقل في موارد يسيرة في كتابه هذا عن: تاريخ الطبري، وكتاب الدار للواقدي، وتاريخ البلاذري، والفاضح والمسترشد للطبري، والمعرفة للثقفي (راجع فهرس الكتب في آخر الكتاب).

وكثيرا ما أحال قدس سره على سائر كتبه - كما هو ديدنه في التاليف حيث أكثر الإحالة في كل كتاب على سائر كتبه -:

قال قدي سره: وقد فصلنا أحكام هذه العبادات في كتاب التلخيص، إذ كان بذلك أولى من هذا الكتاب المقصور على المعارف (راجع ص 459 من هذا الكتاب).

وقال: وقد دللنا على صحة هذه الفتيا (الواجب في التكليف السمعي العلم دون الظن) وفصلنا ما أجملناه هاهنا في مقدمتي كتابي العمدة والتلخيص في الفروع (راجع ص 121 من هذا الكتاب).

وقال: فثبت في كتابي العمدة والتلخيص (راجع ص 461 من هذا الكتاب).

وقال: وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الفصل (حفظ الشريعة حال الغيبة) في كتاب العمدة ومسألتي الشافية والكافية، وأوضحنا عن ثبوت الحجة به، وأسقطنا ما يتعلق به من الشبه... (راجع ص 445 من هذا الكتاب).

وقال في بحث النص على الأئمة من الكتاب والسنة: في أمثال لهذه الآيات والأخبار، وقد تكرر معظمها في رسالتي الكافية والشافية (راجع ص 181 من هذا الكتاب).


الصفحة 52

من نقل عن الكتاب:

كان الكتاب عند الشيخ العلامة المجلسي، وجعله من مآخذ كتابه مجار الأنوار، قال:

وكتاب تقريب المعارف كتاب جيد في الكلام وفيه أخبار طريفة أوردنا بعضه في كتاب الفتن، راجع البحار 2 / 20 و 38.

فأكثر من النقل عنه في موارد عديدة في مجاره، بالأخص في ثامن بحاره المختص بالبحث عن الفتن ومطاعن القوم.

وكان عند الشيخ الحر العاملي، ونقل عنه في كتابه إثبات الهداة 32 حديثا، راجع:

إثبات الهداة 1 / 30 و 673 و 733، 2 / 198 و 288 و 528، 3 / 349 و 586.

قال في أمل الآمل 2 / 46: رأيت تقريب المعارف حسن جيد.

واعتمد عليه ونقل عنه المير محمد أشرف في كتابه فضائل السادات، كما ذكره العلامة الطهراني في الذريعة 4 / 366.

وكان الكتاب عند الشيخ أسد الله التستري ونقل عنه في كتابه كشف القناع في حجية الإجماع.

قال في كشف القناع: 131: وقال في الجزء الأول من تقريب بالمعارف.

وقال فيه أيضا ص 133: ولم أقف على سائر كتبه التي أحال التفصيل عليها، ولا على الجزء الثاني من التقريب (1)، والجزء الأول عندي كان سقيما جدا، وصححنا ما نقلنا عنه هنا بحسب الإمكان.

وشاهد العلامة الشيخ الطهراني منتخب كتاب التقريب في هامش نسخة كفاية الأثر

____________

(1) يظهر من كلامه هذا أن للكتاب جزءا ثانيا، لأنه قدس سره نقل عن آخر الكتاب في بحث إمامة الإمام الثاني عشر عليه السلام، وصرح أنه لم يقف على الجزء الثاني من التقريب، وأحتمل أن مراده بالجزء الثاني مسائل التكليف الشرعي، حيث ذكر صفحتان منه في النسخة الناقصة التي اعتمدنا عليها.

الصفحة 53
المكتوبة سنة 1009 ه، قال: في باب التوحيد والنبوة وأكثر في باب الإمامة، ولم يعلم من انتخبه. راجع: الذريعة 8 / 88، 21 / 186، 22 / 435.

وأخبر العلامة السيد الأمين في الأعيان 3 / 635 عن وجود نسخة منه بمكتبة الحسينية في النجف الأشرف.

ليس تقريب المعارف تلخيص كتاب الشافي:

قال العلامة الشيخ المجلسي في بحار الأنوار 37 / 252: قال أبو الصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف وقد لخصه من الشافي:....

وفي الواقع أن التعبير ب: لخصه من الشافي، فيه نوع من المسامحة، ويتضح هذا المطلب بأدنى مقارنة بين الكتابين، حيث يجد القارئ الفوارق الكثيرة بين الكتابين، فأورد أبو الصلاح الكثير من المباحث ما لا توجد في الشافي، وكذلك طريقة استدلاله. وأورد روايات كثيرة لم توجد في الشافي.

نعم، من المتعارف بين العلماء أن يجعلوا مد نظرهم عدة كتب وبحوث في تأليف كتبهم، وهذا لا يعني الاختصار بتاتا، بالأخص إذا لاحظنا بعض بحوث التقريب مما تفرد بها أبو الصلاح ولم يسبقه إليها سابق، كما صرح بذلك نفس أبو الصلاح، فمثلا قال في كتابه هذا ص 57 بعد أن استدل على حدوث الأجسام بعدة طرق: ومن تأمل ما أوردناه من ذلك علم أنا نهجنا طرقا واضحة في الاستدلال على جملة المعارف وسعنا بها المسلك لكل ناظر ونبهنا على ما لم نسبق إليه منها ولم نضيق عليه الاستدلال تضييق من سلف من العلماء بهذا الشأن - رضي الله عنهم - ومن عاصرناه والمنة لله وحده.

وبعد هذا البيان يمكن لنا القول: بأن الحلبي تأثر في تأليفه لهذا الكتاب في بحث التوحيد والعدل بكتاب الذخيرة للسيد المرتضى... وفي بحث الإمامة وإبطال خلافة القوم بكتاب الشافي للسيد المرتضى... وفي بحث إمامة الحجة بن الحسن عجل الله فرجه بما كتبه

الصفحة 54
الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى في بحوثهم حول إمامة المهدي المنتظر وغيبته، وروى أحاديث كثيرة في إمامته عجل الله فرجه استخرجها من كتاب الكافي للكليني والغيبة للنعماني.

وإذا تأملنا في الكثير من الكتب المؤلفة في هذا المجال قبل أبي الصلاح الحلبي يمكن أن نجد بعض الاتحادات في البحوث، كما هو المتعارف عليه في سائر المؤلفات، وهذا لا يعني التلخيص، والله العالم.

تحقيق الكتاب:

لم نعثر على أكثر من نسخة واحدة لهذا الكتاب، محفوظة في المكتبة العامة لآية الله المرعشي، في مدينة قم، تحمل رقم (2263)، تقع في (191) صفحة، ناقصة الآخر، يرجع تاريخ كتابتها إلى القرن العاشر أو القرن الهادي عشر الهجري، وهذه النسخة غير مصححة ولا مقابلة، كثيرة الأغلاط، رديئة الخط، فكانت طريقتنا في تحقيق هذا الكتاب مشكلة جدا.

فالقسم المطبوع من الكتاب قابلناه مرة أخرى، حيث عثرنا على بعض الأخطاء، وقومنا نصه، واستفدنا من بعض هوامش الشيخ الأستادي، كما واستفدنا من مقدمته للكتاب في ترجمة المؤلف.

والقسم غير المطبوع منه، استنسخناه حرفيا كلمة كلمة، وبذلنا جهدا كثيرا في استنساخه، وحاولنا وبقدر الإمكان تصحيح الأغلاط الواقعة فيه، وراجعنا كتب الرجال في ضبط أعلام الكتاب، واستفدنا من الكتب الناقلة عنه، بالأخص البحار، وقابلنا الموارد المنقولة عن الكتاب فيها مع النسخة وأشرنا إلى بعض الاختلافات.

وحفاظا منا للأمانة العلمية أشرنا إلى الموارد التي صححناها في الهامش.

وأضفنا عدة عناوين للكتاب وضعناها بين معقوفين.


الصفحة 55
وفي نهاية الكتاب وضعنا عدة فهارس تسهيلا للباحثين.

وكما عرفت أنا لم نعثر إلا على نسخة واحدة لهذا الكتاب، وحاولنا تصحيحه وإخراجه إلى الوجود خال من الأخطاء، ومع هذا فأملنا كبير بالمحققين والباحثين لإرشادنا إلى ما يعثرون عليه من أخطاء غفلنا عن تصحيحها في هذه الطبعة، لتداركها في الطبعة اللاحقة التي سنقوم بإعدادها مع ترجمة الأعلام وتخريج الأحاديث والأقوال... إن شاء الله.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فارس تبريزيان           
الحسون               


الصفحة 56


الصفحة 57

الصفحة 58

الصفحة 59

تقريب المعارف


تأليف
عمدة الفقهاء والمتكلمين
خليفة السيد المرتضى في علومه
أبي الصلاح تقي بن نجم الحلبي
374 - 447 هـ

الصفحة 60

الصفحة 61
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وهو ثقتي

الحمد لله رب العالمين، وصلاته على نبيه وآله الطاهرين وسلامه.

أما بعد، فإني مجيب على ما سألتمونيه أدام الله توفيقكم، من إملاء جمل العبارات على المعارف، على وجه يزيد عن تقريب مخل، ويغني عن إطالة ممل، يطلع بها متأملها على تكليفه العقلي، ويقف منها على معظم الغرض الديني، ويتنبه بها المضطلع، ويقتدي بها المبتدئ.

ومن الله تعالى أستمد المعونة والتوفيق.


الصفحة 62

الصفحة 63


مسائل التوحيد





الصفحة 64

الصفحة 65

مسألة: (في وجوب النظر)

أول الأفعال المقصودة التي لا يصح خلو العاقل منها وجوبا النظر المؤدي إلى المعرفة، يفرق ما بين الحق والباطل.

لأن كل عاقل نشأ بين العقلاء يعلم اختلافهم، ودعوة كل فريق منهم إلى مذهبه وتخويفه من خلافه، فيخافهم لا محالة، وإذا خاف وجب عليه التحرز مما خافه، لعلمه ضرورة بوجوب التحرز من الضرر.

فلا يخلو أن يتحرز باتباع الجل، أو اطراح الجل، أو اتباع بعض عن نظر، أو تقليد.

واتباع الجل محال، لتنافي ما بينهم.

واطراح الجل يقتضي كونه على ما كان عليه من الخوف.

واتباع البعض عن تقليد لا يرفع خوفه مما أطرحه من المذاهب، لتجويز كونه حقا، ولا يقتضي سكونه إلى ما ذهب إليه، لتجويز كونه باطلا.

فلم يبق لتحرزه من الضرر المخوف إلا النظر المميز للحق من الباطل، فوجب فعله، لكونه تحرزا من ضرر (وليس لأحد أن يعترضنا بأن:) ما يعطينا هذا الاستدلال وجوب النظر للتحرز من ضرر المذاهب، ولا يفيد الوجه الذي يشترطونه في وقوع المعارف المتولدة (1) عن النظر الموقع الذي يستحق بها وبما تولدت عنه الثواب ويؤمن العقاب.

لأن الوجه الذي لأجله وجب النظر على جميع الطرق كونه تحرزا من

____________

(1) في النسخة: " عن المتولدة ".

الصفحة 66
ضرر مخصوص، وهذا الوجه حاصل في هذه الطريقة، فيجب مساواتها لطريقتي العلم بالثواب والعقاب ووجوب معرفة فاعل الحي وما هو عليه من النفع.

من حيث كان الناظر عند الخوف من معرة أهل الحق والباطل إنما ينظر في الأدلة للوجه الذي خوفه الدائن بها، من كونها (1) طرقا إلى معرفة من خلقه حيا قادرا عاقلا سميعا بصيرا، وخلق المنافع له، وكلفه فعل الواجب وترك القبيح.

ليعلم بمعرفته كونه منعما فيشكره، ومكلفا لما يستحق الثواب عليه من فعل الواجب واجتناب القبيح بفعل هذا والاخلال بذاك فيؤدي الواجب عليه من شكره، فيحوز به المدح والثواب، ويأمن الذم والعقاب، على الوجه الذي يستحق عليه الذم والمدح أقرب من الواجب وأبعد من القبيح.

(و) وقوع نظره على هذا الوجه موجب لحصول المعارف به للوجه الذي له وجبت بغير شبهة، ومقتض لاستحقاق الثواب بما فعله من النظر وتولد عنه من المعرفة.

وإن نظر في الشبه، فهو غير منفك من الخوف واستحقاق العقاب وفوت الثواب بترك النظر في أدلة المعارف.

وإذا لم ينفك من الخوف منها والحال هذه، فإنما ينظر في شبه المبطلين ليعلم هل هي شبه أم أدلة؟ فمتى وفي النظر حقه كشف له عن كونها شبها، واضطره الخوف إلى النظر في الأدلة، وأفضى به إلى العلم بمدلولها.

فبان لحوق هذه الطريقة في وجوب النظر بالأوليين في وقوعه موقعه، وحصول المعارف عنه لوجهها، وإن كان ترتيبها مخالفا لترتيبها (2).

____________

(1) في النسخة: " كونه ".

(2) كذا في النسخة.

الصفحة 67

مسألة: (في الأجسام وحدوثها)

وأول منظور فيه الأجسام، لأن تقدير قدمها يسقط حكم التكاليف المكتسبة، وتقدير حدوثها يعينها، وطريق العلم بحدوثها مبني على مقدمة ضرورية ونتيجة مكتسبة:

فالمقدمة: حدوث ما لم يسبق الحوادث.

والنتيجة: إثبات الجسم بهذه الصفة.

وتفتقر إلى إثبات أغيار للجسم، وأنها محدثة، وأن الجسم غير سابق لها.

وطريق إثباتها: حصول العلم بصحة تنقله في الجهات وهو على ما هو عليه، ووجوب اختصاصه ببعضها.

إذ لو وجب الأول لم يزل متنقلا ولاستغنى عن ناقل، ولو جاز الثاني في حال الاختصاص لم تكن جهة أولى به من جهة، فلا بد له من مقتض.

ولا يجوز أن يكون جنسه ولا وجوده، لصحة خروجه عن الجهة مع كونه جنسا وموجودا.

ولا يجوز أن يكون عدم معنى، لأن المعدوم لا يخصص ولا يؤثر.

ولا يجوز أن يكون صفة بالفاعل، لأنها الحدوث أو وقوعه على وجه، وذلك يقتضي حدوث الجسم، لحاجته في الوجود إلى جهة، ووجوب تقدم الفاعل لفعله، وهذا غاية المطلوب.

ولأن كونها بالفاعل يوجب اختصاصها بحال الحدوث، ولمن أحدث موصوفها، وتعلق به جميع صفاتها، إذ من المحال أن يحصل الحدوث لمن لا يقدر على الحادث ولا على جميع صفاته، أو يحصل كيفية الحدوث في حال البقاء كفعلي وفعل غيري.


الصفحة 68
واختصاص الجسم بالجهة لمن لا يقدر على ذاته ولا على جميع صفاته وفي حال بقائه كحدوثه يحيل كون ذلك بالفاعل.

فثبت أن المقتضي لهذا الحكم أمر غير الجسم.

وانتقال الجسم عن الجهة إلى غيرها يقتضي بطلان ما كان أوجب اختصاصه بالأولى، وتجدد ما خصصه بالثانية، لاستحالة الكمون والانتقال على الأعراض.

وتجدد الشئ عن عدم حقيقة في حدوثه وعدمه بعد الوجود يحيل قدمه، لوجوب وجود القديم، وما ليس بقديم محدث.

وكون الجسم متحيزا يوجب حاجته إلى جهة قد بينا استناد اختصاصه بها إلى معنى، فلو جاز خلوه منه لخلا منها، وذلك محال، لكونه متحيزا.

فثبت أن وجوده مضمن لوجود الحوادث، وقد علمنا ضرورة حدوث ما له هذا الحكم، فوجب إلحاق هذا التفصيل بتلك الجملة.

طريقة أخرى

معلوم أن للأجسام أحكاما هي عليها، مدركه وغير مدركة:

فالمدركة: الألوان، والطعوم، والأراييح، والحرارة، والبرودة، والآلام المبتداة.

وغير المدركة: الرطوبة، واليبوسة والشهوة، والنفور والحياة، والقدرة، والعلوم الضرورية التي هي من كمال العقل.

وطريق إثبات الجميع أغيارا للجسم طريق إثبات الأكوان، وقد بيناه.

ويدل في المدركات خاصة: أن الإدراك يتعلق بأخص صفات المدرك، وأخص صفات ذاته، على ما وضح برهانه في غير موضع.

فلا يخلو أن يتعلق الإدراك بذات الجسم، أو بصفة له نفسية، أو بالفاعل،

الصفحة 69
أو بذات غير الجسم أوجبت حكم المدرك له.

ولو كان متعلقا بذات الجسم لاستمر حكمه باستمرار بقاء الجسم، والمعلوم خلاف ذلك، ولوجب أن لا يختلف الحكم في الإدراك ولا يتغاير العلم الحاصل عنده، لكون ذات الجسم واحدة متماثلة الجنس، وفي اختلاف ما يتعلق به الإدراك وتغاير الحكم عنده في التعلق دليل على تعلقه بغير الجسم، ولأن الإدراك يتعلق ببعض هذه المدركات، ويبطل حكمه لبطلانها بضد، يحصل للمدرك حكم بإدراك الضد الثاني يخالف حكم المدرك المنتفي عنه، والجسم باق على ما هو عليه في كلا الحالين، فبطل تعلق الإدراك به.

ولمثل هذا يبطل تعقله بصفة له نفسية.

وتعلق الإدراك بأخص صفات المدرك يحيل كون هذه المدركات صفة بالفاعل، ولأن صفات الفاعل هي الحدوث، أو وقوعه على وجه، وهذه الصفات متجددة في حال بقاء الجسم، ولأن حصول العلم بها متغايرة منفصلة (1) من العلم بذات الجسم يحيل كونها صفات بالفاعل.

فثبت تعلق الإدراك بذات غيره، وهي محدثة لتجددها للجسم بعد عدم، وبطلانها عن وجود، لأن تضادها يمنع من كمونها، واستحالة قيامها بأنفسها بجيل الانتقال عليها.

ولو كانت صفات بالفاعل مع استحالة ذلك لصح الاستدلال بتجددها بعد عدم، وانتفائها عن وجود، إذ ذلك دليل على حدوثها، وإذا ثبت حدوثها - ذوات كانت أو صفات - اقتضى ذلك حاجتها إلى محدث قديم لنفسه ذات صفات نفسية تستحيل على الأجسام على ما بينته، وذلك يقتضي حدوث الأجسام من حيث كان قدمها يقتضي مماثلتها للقديم سبحانه في جميع الصفات

____________

(1) في النسخة: " منفصل ".