الصفحة 198
الله عليه وآله وسلم أنه قال:

علي وليكم من بعدي.

ورووا عن عمران بن حصين وابن عباس وبريدة الأسلمي وجابر بن عبد الله الأنصاري، كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي.

ورووا عن عبد الله بن الحارث قال: دخل علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة، فجلس بينهما، فقالت: ما وجدت لاستك موضعا إلا فخذي أو فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

مهلا، ولا تؤذيني في أخي، فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وأمير الغر المحجلين يوم القيامة، يقعده الله على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

ورووا عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله، عليه وآله وسلم:

لما أسري بي إلى السماء أوحي إلي في علي عليه السلام: أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.

ورووا عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

اسكب لي وضوءا، فتوضأ، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا أنس يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين.

قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار إذ جاء علي عليه السلام، فقال:

من هذا يا أنس؟ فقلت: علي، فقام مستبشرا واعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهة علي عليه السلام.


الصفحة 199
فقال علي عليه السلام: لقد رأيتك صنعت اليوم في شيئا ما صنعته بي قط.

قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم الذي اختلفوا فيه بعدي.

ورووا عن رافع مولى عائشة قال: جاءت جارية بإناء مغطى فوضعته بين يدي عائشة، فوضعته عائشة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمد يده فأكل، ثم قال:

ليت (1) أمير المؤمنين وسيد المسلمين يأكل معي.

فقالت عائشة: ومن أمير المؤمنين؟ فسكت.

ثم جاء جاء فدق الباب، فخرجت إليه فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: أدخليه (2)، فدخل.

فقال: مرحبا وأهلا، والله لقد تمنيتك حتى لو أبطأت علي لسألت الله عز وجل أن يجيئني بك، إجلس فكل، فجلس فأكل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قاتل الله من قاتلك، عادى الله من عاداك، الحديث.

ورووا عن جابر بن سمرة قال: كان علي عليه السلام يقول:

أرأيتم لو أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض من كان يكون أمير المؤمنين إلا أنا.

وربما قيل له: يا أمير المؤمنين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه ويتبسم.

____________

(1) في النسخة: " أيت ".

(2) في النسخة: " أدخله ".

الصفحة 200
ورووا عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعدا مع أصحابه، فرأى عليا عليه السلام، فقال:

هذا أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.

ورووا عن زكريا بن ميسرة، عن أبي إسحاق، عن محمد بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

عرج بي، فانتهو بي إلى السماء السابعة، فأوحى الله إلي في علي عليه السلام ثلاث: سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.

ورووا عن بريدة الأسلمي من عدة طرق أنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نسلم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.

ومن طرق أنه قال عليه السلام لأبي بكر وعمر: إذهبا فسلما على أمير المؤمنين.

قالا: يا رسول الله وأنت حي؟، قال عليه السلام: وأنا حي.

وفي رواية أخرى: إن عمر قال: يا رسول الله أمن الله أم من رسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بل من الله ورسوله.

ورووا عن المسعودي، عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي، عن أبيه، عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته حوله أصحابه من المهاجرين والأنصار وعائشة إلى جنبه، وذلك قبل أن يضرب الحجاب عليهن.

فجاء علي عليه السلام فلم ير مجلسا، فجلس بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة، فقالت عائشة: يا بن أبي طالب ما وجدت مجلسا إلا فخذي، في هذا اليوم تحول بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما هذا بأول

الصفحة 201
ما لقيت منك، فقام (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده فضرب كتفها، فقال.

يا حميراء لا تؤذيني في أخي وسيد المسلمين بعدي وأولى الناس بالناس بعدي، والله ليقعدنه الله على الصراط فليقسمن النار فيقول: هذا لي وهذا لك، فيدخلن الله وليه الجنة، وليدخلن عدوه النار ورووا عن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

يا معشر المهاجرين والأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا بعدي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هذا علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي إمامكم فأحبوه لحبي، وأكرموه لكرامتي، فإن جبرئيل عليه السلام أمرني أن أقوله لكم.

ورووا عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ألا أدلكم على ما إن استدللتم عليه لم تهلكوا ولم تضلوا، إن إمامكم ووليكم علي بن أبي طالب عليه السلام فوازروه (2) وناصحوه وصدقوه، إن جبرئيل عليه السلام أمرني بذلك.

ورووا عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه عليهما السلام، عن علي عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام:

يا بنية إن الله عز وجل أشرف على أهل الدنيا فاختار أباك على رجال العالمين، فاصطفاني بالنبوة وجعل أمتي خير الأمم، ثم أشرف ربي الثانية فاختار زوجك علي بن أبي طالب على رجال العالمين، فجعله أخي ووزيري وخليفتي في

____________

(1) في النسخة: " فقال ".

(2) في النسخة: " فواردوه ".

الصفحة 202
أهلي، الحديث.

ورووا عن مطر بن خالد قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إن أخي ووصيي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام.

ورووا عن أنس قال: كنت خادما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبينا أنا أوضيه، إذ قال:

يدخل واحد هو أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيين وأولى الناس بالناس وأمير الغر المحجلين.

قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار حتى قرع الباب، فإذا علي عليه السلام، فلما دخل عرق وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرقا شديدا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجهه بوجه علي عليه السلام.

فقال علي عليه السلام: ما لي يا رسول الله أنزل في شئ؟ فقال: أنت مني تؤذي عني وتبرئ ذمتي وتبلغ رسالتي.

فقال: يا رسول الله: أو لم تبلغ الرسالة؟ قال: بلى، ولكن تعلم الناس من بعدي تأويل القرآن ما لم يعلموا أو تخبرهم.

ورووا عن عمرو المسلي (1) قال: سمعت جابر الجعفي يقول: أخبرني وصي الأوصياء قال: دخل علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة، فجلس قريبا منها، فقال:

يا عائشة لا تؤذيني في أمير المؤمنين وسيد المسلمين، يقعد غدا يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

ورووا عن أبي المنذر الهمداني، عن أبي داود، عن أبي برزة الأسلمي،

____________

(1) كذا في النسخة.

الصفحة 203
قال: كنا إذا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان علي عليه السلام صاحب متاعه، فإن رأى شيئا يرمه رمه، وإن كانت نعل خصفها، فنزلا منزلا، فأقبل علي عليه السلام يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل أبو بكر فسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إذهب فسلم على أمير المؤمنين، قال: يا رسول الله وأنت حي! قال: وأنا حي.

قال: ومن ذلكم؟ قال؟ خاصف النعل.

ثم جاء عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

اذهب فسلم على أمير المؤمنين.

قال بريدة: وكنت أنا فيمن دخل معهم، فأمرني أن أسلم على علي عليه السلام، فسلمت عليه كما سلموا.

ورووا عن حبيب بن يسار وعثمان بن نسيطة (1) مثله.

وعن أبي بريده مثله.

ورووا عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام:

يا علي من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله.

ورووا عن أبي هارون العبدي، عن زاذان (2)، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة فقال:

أيها الناس إن الله باهى بكم اليوم ليغفر لكم عامة ويغفر لعلي عليه

____________

(1) كذا في النسخة.

(2) في النسخة " راذان ".

الصفحة 204
السلام خاصة.

فقال: ادن مني يا علي، فدنا، فأخذ بيده ثم قال: إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أطاعك وتولاك من بعدي، وإن الشق كل الشقي حق الشقي من عصاك ونصب لك العداوة من بعد.

ورووا عن أبي أيوب مثله، إلا أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

يا إيها الناس إن الله باهى بكم في هذا اليوم فغفر لكم عامة وغفر لعلي عليه السلام خاصة، فأما العامة ففيهم من يحدث بعدي أحداثا، وهو قول الله عز وجل: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (1) وأما الخاصة فطاعته طاعتي ومن عصاه فقد عصاني.

ورووا عن أبي عمر (2) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام:

يا علي من خالفك فقد خالفني ومن خالفني فقد خالف الله عز وجل.

ورووا عن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ما من رجل مسلم إلا وقد وصل ودي إلى قلبه، وما وصل ودي إلى قلب أحد إلا وصل من ود علي عليه السلام إلى قلبه.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذب يا علي من زعم أنه يبغضك ويحبني، حتى قالها ثلاثا.

وهذه نصوص صريحة على فرض طاعة علي كالنبي عليهما الصلاة والسلام، وذلك مقتض لإمامته، لأنه لا أحد يثبت طاعته كالنبي صلى الله عليه

____________

(1) الفتح 48: 10.

(2) كذا في النسخة.

الصفحة 205
وآله وسلم إلا من يثبت إمامته، وعلى كونه خليفة من بعده، وولي أمره، وأولى الخلق بأمته، وسيد المسلمين وأمير المؤمنين.

قد نقلها من ذكرنا وأضعافهم من رجال العامة، كل منها مقتض بصريحه النص عليه بالإمامة.

وأما النص المعلوم مراده منه صلوات صلى عليه بالاستدلال: فخبرا تبوك والغدير، وطريق العلم بهما كبدر وأحد وحنين وغزا تبوك وحجة الوداع وصفين والجمل.

لأن كل ناقل لغزاة تبوك ناقل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وكل من نقل حجة الوداع نقل نزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم، وجمع الناس به، وقيامه فيهم خطيبا، وتقريره الأمة علي فرض طاعته، وقوله بعد الاقرار منهم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

كما أن كل من روى بدرا روى مبارزة علي وحمزة وأبي عبيدة لشيبة وعتبة والوليد وقتل الثلاثة.

وكل من روى أحدا روى قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب عليه السلام.

وكل من روى الجمل روى قتل طلحة والزبير، وعقر الجمل، وهزيمة أنصاره.

وكل من روى صفين نقل قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه ذي الكلاع الحميري لعنه الله، ورفع المصاحف.

وحصول العلم بهذا التفصيل لكل مخالط متأمل للسير والآثار كالجمل.

وإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير جاريا مجرى ما ذكرناه من الوقائع المعلومة على وجه يقبح الخلاف فيه، لم يحتج إلى استدلال على إثباتهما، كما لم يحتج إليه في شئ من الوقائع - وما ذكرناه من تفصيل الحادث فيها.


الصفحة 206
هذا مع علمنا وكل متأمل للروايات بثبوت ذين الخبرين في نقل من لم يرو المغازي ممن تقوم الحجة بنقله من الخاصة والعامة، فشاركا لعامة الوقائع (1) في النقل، واستبدا بنقل متواتر من الشيعة وأصحاب الحديث، فيجب الحكم بتساوي الطريق إلى العلم بالجميع إن لم يحكم لما ذكرناه بالزيادة لما بينا من المزية على الوقائع.

وليس لأحد أن يقول: إن الأمر لو كان كذلك لاشترك في العلم به العامي والخاص.

لأن العلم به ليس من كمال العقل فيجب القول بعمومه، وإنما يحصل للمخالط المتأمل للآثار على الوجه الذي ذكرناه، دون البعيد عنهما، كأمثاله من المعلومات التي يعلم العلم بها من خالط العلماء وتأمل النقل، ولا يحصل للمعرض، كتفصيل ما جرى في بدر وأحد والجمل وصفين وتبوك وحجة الوداع، وكون الركوع والسجود والطواف والوقوف بعرفة من أركان الصلاة والحج، وتعلق فرض الزكاة بأنواع التسعة، وإيجاب تعمد الأكل والشرب والجماع في الصوم بالقضاء والكفارة، إلى باقي أحكام هذه العبادات، وما ثبت تحريمه من المأكل والمشارب والمناكح والمعايش وأحكام البيوع والشهادات والقصاص والمواريث، والمعلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم وجوبها، مع وجود (2) أكثر العامة وقطان البدو والسواد جاهلين بجميعها أو معظمها، لتشاغلهم بما بينهم من المعايش والأغراض الدنيوية.

فإن كان جهل العامي المعرض عن سماع النقل بخبري الغدير وتبوك قادحا في عموم علمهما لكل مخالط متأمل للآثار فكجهل (3) من ذكرناه من

____________

(1) في النسخة: " للعامة للوقائع ".

(2) في النسخة: " وجودنا ".

(3) في النسخة: " كجهل ".

الصفحة 207
العوام وأهل البدو والسواد والجند والأكراد بما يعم العلم به من تفاصيل الحروب الدينية والأحكام الشرعية قادح فيما أجمع عليها المسلمون منها وعم العلم به للأكل مخالط متأمل، وهذا ما لا يطلقه أحد من العلماء، لعظيم ما فيه.

وإن كان جهل هؤلاء الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح في عموم العلم بها اتفق العلماء عليه وعلم من دينه صلى الله عليه وآله من الشرعيات، لم يقدح جهل العوام وطغام (1) الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما.

ولذلك لا نجد أحدا من علماء القبلة قديما وحديثا ينكرهما ولا يقف في صحتهما، كما لا يشك في شئ من الأحكام المجمع عليها، وإن خالف في المراد بهما.

ولا يقدح في هذا ما حكاه الطبري عن ابن أبي داود السجستاني من إنكار خبر الغدير.

بل ذلك يؤكده، لأنه لا شبهة في عموم العلم بما انقضت (2) الأعصار خالية من منكر له، مع ثبوت الاحتجاج به على أكثر أهلها، ووقوف دعوى إنكاره على واحد لا ثاني له، قد سبقه إجماع أهل الأعصار وتأخر عنه، إذ بهذا تميزت المعلومات العامة من غيرها، ولم يقدح فيها - بعد استقرارها وانقراض العصر بفتيا صحتها واتفاق العلماء على عموم الحجة بها - حدوث مخالف فيها، بل أطرح الكل قوله، لولا ذلك لبطلت الشريعة جملة، إذ لا معلوم منها إلا وقد حدث من يخالف فيه.

على أن المضاف إلى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري،

____________

(1) في النسخة: " طعام " والمثبت هو الظاهر، لأن الطغام: أوغاد الناس.

(2) في النسخة: " نقصت ".

الصفحة 208
مع ما بينها من الملاحاة والشنآن، وقد أكذب الطبري في حكايته عنه، وصرح بأنه لم ينكر الخبر، وإنما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدما، وصنف كتابا معروفا يعتذر فيه مما قرفه (1) به الطبري ويتبرأ منه.

وما يجري حاله في الثبوت هذا المجرى الذي لا يمكن دعوى مخالف فيه إلا واحد (اجتمع (2)) عليه العلماء بخلافه، ويعتذر هو مما أضيف إليه، ويكذب الحاكي عنه الذاهب إليه مستغن عن إقامة حجة على صحته.

وليس لأحد أن يقول: فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عاما، فلم فزع أكثر سلفكم إلى إيراد الأسانيد بهما وإثبات طريق النقل لهما؟ وأي حاجة فيما عم العلم به كبدر وحنين إلى ترتيب نقل؟

لأن العلماء من سلفنا وخلفنا - رضي الله عنهم - لم يعولوا في إثبات ذين الخبرين إلا على ما ذكرناه، وإنما نبهوا في الاستدلال على الطريق وصفة التواتر تأكيدا للحجة وتنبيها للمعرض على الطريق التي يعم العلم بتأملها.

وجروا في ذلك مجرى من يسأل بيان العلم بصفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي قران أو إفراد أو تمتع؟ وأعيان المخلفين عن غزاة تبوك؟

وهل كانت ذات حرب أم لا؟ وبقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد دون غيره؟ وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر؟

في فزعه إلى الإشارة إلى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين لذلك لا يجد مندوحة عنه، إذ هو الطريق الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم، ولذلك يجد كل من لم يخالط العلماء ويسمع (3) الأخبار ويتأمل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئا من ذلك، ولا يكون التنبيه لهم

____________

(1) أي: كذبه.

(2) في النسخة: " سمع ".

(3) في النسخة: " وسمع ".

الصفحة 209
على طريق العلم بما نقله الرواة وأصحاب السير من تفاصيل ما جرى قادحا في عموم العلم بها لكل متأمل للآثار.

كذلك حال المنبه من شيوخنا - رضي الله عنهم - على طرق الناقلين والمشير إلى صفات المتواترين بخبري تبوك والغدير للمعرض عن سماع ذلك ليس بقادح فيما بيناه من عموم العلم بهما للمتأملين.

على أن بإيراد ما نقله أصحاب الحديث من الخاصة والعامة حصل للسامع العلم بهما، كما ينقل الرواة للمغازي حصل العلم بها لكل سامع، وكيف يكون التنبيه على طريق عموم العلم بالمنقول قادحا فيه لولا الغفلة.

وإذا كانت الحجة ثابتة بهما على الوجه الذي ذكرناه تعين فرض النظر فيهما ليعلم المراد بهما، ومتى فعل هذا الواجب دل فاعله على كون كل منهما دالا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من وجوه.

أما خبر تبوك، فإنه صلوات الله عليه دل به على أن عليا عليه السلام منه بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة في الحال التي استثنى فيها ما لم يرد ثبوته لعلي عليه السلام من النبوة، وذلك يقتضي ثبوت ما عداها من منازل هارون لعلي عليه السلام بعد وفاته، ودال على استخلافه له بهذا القول من وجوه:

منها: أن من جملة منازل هارون عليه السلام كونه خليفة لموسى عليه السلام على بني إسرائيل، وقد نطق بذلك القرآن في قوله سبحانه: (وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح) (1) الآية، وأجمع عليه المسلمون، فيجب كون علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهما (2) كذلك، إذ لا فرق بين أن يقول فيه: أنت الخليفة من بعدي، وبين أن يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، مع علم المخاطب بكون هارون خليفة لموسى، كما لا

____________

(1) الأعراف 7: 142.

(2) في النسخة: " وعليها ".

الصفحة 210
فرق بين قول الملك الحكيم لمن يريد استيزاره: أنت وزيري، أو: أنت مني بمنزلة فلان من فلان المعلوم كونه وزيرا له.

ومنها: أن من جملة منازل هارون كونه مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل، فيجب كون علي عليه السلام كذلك، وذلك يوجب إمامته، إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام: أنت الخليفة من بعدي أو إمام أمتي أو المفترض الطاعة عليهم، أو أنت مني بمنزلة هارون من موسى، مع علم السامع والناظر بكون هارون مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل.

ومنها: أن من جملة منازل هارون كونه مستحقا لمقام موسى عليه السلام باتفاق، فيجب أن يكون علي عليه السلام كذلك، إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام: أنت مستحق لمقامي، أو أنت مني بمنزلة هارون المعلوم استحقاقه لمقام موسى عليه السلام.

وليس لأحد أن يقدح فيما ذكرناه: بأن الاستحقان وفرض الطاعة والاستخلاف كان لهارون بالنبوة، وقد استثناها النبي ملى الله عليه وآله وسلم، فيجب أن يلحق بها في النفي ما هو موجب عنها.

لأنا نعلم (عدم) وقوف الاستخلاف وفرض الطاعة على النبوة، لصحة استحقاق ذلك من دونها، والمعلوم ثبوت الاستحقاق والاستخلاف وفرض الطاعة لهارون عليه السلام، ولا سبيل إلى العلم بوجهه.

على أنه لو سلم لهم ذلك لم يضرنا، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع في الاستحقاق، فيجب الحكم بمشاركتهما فيه، وإن اختلفت (1) جهتاه، إذ كان اختلاف جهات الاستحقاق لا يمنع من المشاركة فيه بغير إشكال.

وإنما كان يكون في كلامهم شبهة لو كان فرض الطاعة والخلافة لا يثبتان إلا لنبي، ليكون استثناء النبوة استثناء لهما، والمعلوم خلاف ذلك، فليس

____________

(1) في النسخة: " اختلف ".

الصفحة 211
استثناؤها يقتضي استثناء المنازل الثابتة بها، (وإلا) لم يكن في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فائدة، لأنه لا يبقى شئ من منازل هارون يصح إثباته لعلي عليه السلام حسب ما تضمنه لفظ النبي ودل منه على مراده، وذلك مما لا يصح وصفه به.

فلم يبق إلا القول بثبوت منازل هارون له بعد النبوة أو بها، وليس في استثنائها استثناء المنازل، ليصح مقصود النبي صلى آله عليه وآله وسلم.

وليس لأحد أن يقول: المحبة والنصرة غير موجبين عن النبوة كالخلافة وفرض الطاعة الثابتين عنها، فإذا استثناها باستثناء مقتضيهما بقيت المحبة والنصرة، فتخصص مراده بهما، وذلك يخرج كلامه عليه السلام عن العبث.

لأن المحبة والنصرة كالخلافة وفرض الطاعة في صحة كونهما موجبين عن النبوة، كصحة كون الخلافة وفرض الطاعة ثابتين بغير النبوة، إذا كانت هذه القضية واجبة فمطلق قوله صلى الله عليه وآله وسلم يتناول جميع المنازل الهارونية، إلا ما استثناه من النبوة التي لا يدل استثناوها على استثناء بعض المنازل دون بعض، لصحة استحقاق الكل بها، وخروج ثبوت الجميع عن مقتضاها، فلو أراد بعض ما عدا المستثنى لوجب عليه بيانه، وفي إطلاقه صلى الله عليه وآله وإمساكه عن الإبانة بتخصيص مراده ببعض المنازل دليلا على إرادته الجميع.

وأيضا فإن المحبة والنصرة معلوم ضرورة لكل سامع مقبر بالنبوة ومنكر لها ثبوتها لعلي من النبي صلوات الله عليهما، فلا فائدة أيضا إذا في إعلام ما لا يدخل في معلومه شبهة.

على أن ذلك لو صح أن يكون مرادا - مع بعده - وقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لنص عليه خاصة، ولم يحتج إلى إطلاق لفظ موهم له ولغيره مع عدم الإبانة.


الصفحة 212
ولا يجوز أن يقال: على هذا لو أراد الخلافة لنص عليها بعينها، ولم يحتج إلى قول يحتملها وغيرها.

لأنه عليه السلام أراد بما قاله الخلافة وما عداها من المنازل الهارونية عدا النبوة، ولو نص على الخلافة أيضا لا يستفد من نصه غيرها، فافترق الأمران، (و) المنة لله.

وليس لهم أن يقولوا: لو أفاد الخبر فرض الطاعة والاستخلاف لكان ثابتا في حياته كثبوت ذلك لهارون من موسى عليهما السلام، والاجماع بخلاف ذلك.

لأن الخبر إذا كان مفيدا للاستخلاف بما أوضحناه وجب حمله على عرف الاستخلاف، وقد علمنا أنه لا يفهم من قول الملك لغيره: أنت خليفتي والقائم مقامي، إلا بعد وفاته.

وأيضا فإن الخبر إذا وجبت به إمامته عليه السلام على كل حال، فمنع الإجماع من ثبوتها في حال الحياة، بقيت أحوال بعد الوفاة.

وبعد، فإنا قد أوضحنا أنه عليه السلام قد أفصح في كلامه بمراده، فأغنى الناظر عن هذا القدح بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، فنفى النبوة بعده، فاقتضى ذلك أن يكون ما عدا المستثنى ثابتا في الحال التي نفى فيها ما لم يرده من المنازل، فناب ذلك مناب قوله صلى الله عليه وآله: أنت مني بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى في حياته، لأن إطلاق الاستحقاق وفرض الطاعة يتناول زماني الحياة الوفاة، فإذا استثنى ما لم يرده من المنازل التي لولا الاستثناء لكانت ثابتة في حال بعد الوفاة، اختص مراده صلى الله عليه وآله بها دون حال الحياة، لأنه لا فرق بين قول القائل لصاحبه: اضرب غلماني يوم الخميس إلا زيدا، وبين قوله:

اضرب غلماني إلا زيدا يوم الخميس، في تخصيص أمره بإيقاع الضرب بالمأمور بهم بيوم الخميس.

ولا يجوز حمل قوله عليه السلام: بعدي، على بعد نبوتي، لأنه رجوع

الصفحة 213
عن الظاهر الذي لا يفهم من إطلاقه إلا بعد الوفاة، كقوله صلى الله عليه وآله:

لا ترجعوا بعدي كفارا.

أو كقوله لعلي عليه السلام: ستغدر بك الأمة بعدي.

وقوله: تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.

في إفادة ذلك أجمع بعد الوفاة بغير إشكال.

ولأن الخبر قد أفاد فرض الطاعة والإمامة، فمنع ذلك من حمله على ما قالوه.

ولأنه لا أحد قال إن الخبر يفيد الإمامة إلا قال بثبوتها بعد وفاته عليه السلام، وقد دللنا على اختصاص إفادته لذلك.

ولو سلم ما قالوه لاقتضى استحقاق علي عليه السلام الإمامة وفرض الطاعة في كل حال، انتفت فيه النبوة من بعد ثبوتها له، ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع عليه المسلمون.

ولا يعترضنا قولهم: إن لفظ: منزلة لفظ توحيد، وأنتم تحملونها على جملة منازل.

لأن القائل قد يعبر عمن له عدة منازل من السلطان فيقول: منزلة فلان من السلطان جليلة، وهو يريد الجميع، ويوضح ذلك ثبوت الاستثناء مع قبح دخوله في لفظ الواحد، إذ كان من حقه أن يخرج من الجملة ما تعلق به ويبقى ما عداه.

وإذا ثبت أن لفظ: منزلة متناول لعدة منازل، بدليل دخول الاستثناء الذي لا يدخل إلا على الجمل، فكل من قال بذلك قال إن الخبر مفيد للإمامة.

وليس لأحد أن يقول: إنه عليه السلام لو أراد الخلافة لشبهه بيوشع.

لأنا قد بينا دلالة الخبر على الخلافة مع تشبيهه بهارون، فاقتضى ذلك سقوط السؤال، إذ كان الاقتراح في الأدلة باطل.


الصفحة 214
على أن لعدوله صلى الله عليه وآله بتشبيهه بهارون عن يوشع وجهين:

أحدها: أن خلافة هارون منطوق بها في القرآن ومجمع عليها، وخلافة يوشع مقصورة على دعوى اليهود العرية من حجة.

الثاني: أنه عليه السلام قصد مع إرادة النص على علي عليه السلام بالإمامة إيجاب باقي المنازل الهارونية من موسى له منه: من النصرة وشدة الأزر والمحبة والاخلاص في النصيحة والتأدية عنه، ولو شبهه بيوشع لم يفهم منه إلا الخلافة، فلذلك عدل إلى تشبيهه بهارون عليه السلام.

وأما خبر الغدير، فدال على إمامته عليه السلام من وجهين:

أحدهما: أنه صلوات الله عليه قرر المخاطبين بما له عليهم من فرض الطاعة بقوله: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم، فلا أقروا قال عاطفا من غير فصل بحرف التعقيب: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، وذلك يقتضي كون علي عليه السلام مشاركا له صلوات الله عليه وآله في كونه أولى بالخلق من أنفسهم، وذلك مقتض لفرض طاعته عليهم، وثبوتها على هذا الوجه يفيد إمامته بغير شبهة.

إن قيل: دلوا على أن من جملة أقسام مولى أولى، وأنها في الخبر مختصة به، وأن أولى يفيد الإمامة.

قيل: أما كون أولى من جملة أقسام مولى فظاهر في العربية ظهورا لا يدخل فيه (1) شبهة على أحد عرفها، لثبوتها من جملة أقسامها، وحصول النص منهم عليها، كالمالك والمملوك، ونص أهلها على كونها من جملة الأقسام كهما، وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى: (مأواكم النار هي مولاكم) (2)، يريد: أولى

____________

(1) في النسخة: " في ".

(2) الحديد 57: 15.