الصفحة 408
حاربت وسلم لمن سالمت.

وقد اتفقت الأمة على أن حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام لملة كفر، ومحاربه كافر، فيجب أن يكون حرب حال علي عليه السلام عليه ومحاربه كذلك، حسب ما نص عليه وحكم به.

ويدل أيضا على ضلالهم: حصول العلم من قصورهم استحلال دماء المؤمنين على الظاهر باتفاق، والمقطوع على إيمانهم عند الله تعالى، كعلي والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وابن عباس وعمار وجماعة من الصحابة والتابعين بإجماع، وقد اتفق الكل على كفر مستحل دماء أهل الإيمان، فيجب الكفر لحكمهم.

ويدل أيضا على ذلك: المعلوم من شعار أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه في الجمل والصفين والنهر من الحكم بكفر أهلها وتحليل دمائهم في حال الحرب وبعدها، والحكم بكفر المسلم واستحلال دمه ضلال، ولا أحد حكم بذلك في علي عليه السلام ووجوه أصحابه، فتثبت صحة فتياهم.

إن قيل: أليس الخوارج تدين بكفر من ذكرتم، فكيف يصح مع ذلك هذا - الاعتبار؟

قيل: لا اعتداد بفتيا الخوارج، لضلالهم عن الدين ومروقهم من الإسلام بما قدمناه، وباتفاق الأمة على كفرهم، ومن هذه حاله لا تأثير لخلافه ولا وفاقه، على أن الإجماع بإيمان علي وولده عليهم السلام ومن ذكرناه من أصحابه والقطع بثوابهم عند الله سبحانه سابق لبدعة الخوارج، فجرى قدحهم في إيمان من ذكرنا حصول الإجماع بإيمانه، وكونه معلوما من دين النبي صلى الله عليه وآله ضرورة، مجرى المعلومات من دينه كالصلاة والزكاة والثواب والعقاب، فكما لا يحكم للقدح في شئ منها ولا ريب في كفر القادح فكذلك إيمان المذكورين.

وبعد، فإن الخوارج لم تكفر عليا عليه السلام وشيعته بقتالهم القوم، ولا بشهادتهم بكفرهم، وكيف بذلك وهم شركاؤهم في الأمرين؟! فسقط الاعتراض بهم على دليلنا، وبان بعد الشبهة به منه.


الصفحة 409
وإنما اشتبه على الخوارج الأمر في التحكيم، فظنوه كبيرة، ومذهبهم في مرتكب الكبيرة عامة كافر.

وقد بينا حسن التحكيم وجهل من قبحه، وسنبين صحة ثبوت الإيمان مع ارتكاب الكبائر، فسقط بكل واحد من الأمرين مذهب الخوارج على كل وجه، وإن لم يكن الاعتراض بهم قادحا فيما ذكرناه.

إن قيل: لو كانوا كفارا لحكم فيهم بأحكام الكفار: من سبي، وقسمة في استيصال.

قيل: قد ثبت كفرهم بالأدلة القاهرة، فلا يقدح في سيرته فيهم بما يخالف أحكام المشركين وأهل الكتاب، بإجماع العلماء على صواب سيرة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم وكونها قدوة لجميع الأمة في محاربي أهل القبلة ومن كان كذلك، فلا اعتراض على شئ مما يفعله.

وبعد، فقد علمنا اختلاف أحكام الكفار، كحال اليهود والنصارى والمجوس الحربيين يخالف حال الداخلين منهم تحت الذمة، وحال الجميع يخالف حال عباد الأصنام، وأحكام الكل تخالف أحكام المرتد، وأحكام المرتدين تختلف، والمجبرة والمشبهة عند كافة أهل العدل كفار، وحالهم يخالف أحوال من قدمناه من ضروب الكفار، والمعتزلة ومن عداها من الخوارج وغيرهم من الفرق الجاحدة للنص أو إمامة إمام من الله تعالى عند (1) الشيعة كفار، مع مخالفة حالهم لمن ذكرناه، والمقلدة كفار عند جميع أهل النظر وإن اعتقدوا الحق بأسره، وأحكامهم خارجه عمن ذكرناه.

وإذا علمنا من دين المسلمين اختلاف أحكام الكفار مع اشتراكهم في الكفر، لم تكن مخالفة المحاربين في الحكم لبعض الكفار مخرجة لهم عن سمة الكفر وحكمه، الثابتين بالأدلة، مع علمنا باستناد ذلك على سيرة المشهود له بالعلم ومقارنة الحق، حيث كان المدلول على ثبوت الحجة بقوله وفعله.

____________

(1) في النسخة: " عن ".

الصفحة 410

(رد من ادعى توبتهم)

فأما دعوى توبتهم، فباطلة من وجوه:

منها: أن كل من قال أن قتالهم عليا عليه السلام كفر حكم بموتهم عليه، وقد دللنا على ذلك، فلحق التفصيل بالجملة.

ومنها: إجماع آل محمد عليهم السلام وشيعتهم على ذلك، وإجماعهم حجة بما بيناه.

ومنها: حصول العلم بقتل طلحة في المعركة والزبير بوادي السباع، فلو كانا تابا من نكث بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وحربه لوجب أن يرجعا إليه نادمين معتذرين، لا سيما وذلك ممكن، ومن حصول خلافه دليل على إصرارهما.

وأيضا، فضلالهم بالحرب معلوم، فلا يجوز الرجوع عنه بأخبار شاذة مقدوح في طرقها، ولو سلمت من القدح لكانت آحادا لا يجوز من جهة العقل ولا السمع عندنا العمل بها في شئ من الفروع، فكيف في مسألة لا يجوز الحكم فيها بشئ لا يوجب العلم باتفاق.

وبعد، فلو صحت الأخبار المتعلقة بها في التوبة لم تدل على المقصود، لاحتمالها للتوبة وغيرها، فلا يجوز الحكم بالمحتمل على ما لا يحتمل.

كقول طلحة: ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي، و:


ندمت ندامة الكسعي لمارأت عيناه ما صنعت يداه

وقول الزبير: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما شهدت الجمل.

وقوله، شعر:


فاخترت عارا على نار مؤججةأنى يقوم لها خلق من الطين

وقول عائشة: ليت أمي لم تلدني ولا شهدت يوم الجمل، وليتني كنت نسيا منسيا.

في أمثال لهذه الخرافات، لأنه لا شئ من هذه الأقوال دال على التوبة بصفتها، بل

الصفحة 411
الظاهر من حالها إفادة التأسف على فوت الأمنية من الظفر بعلي عليه السلام، ونيل المأمول من الخلافة.

وأحسن أحوالها أن تكون صادرة عن شك في الأمر، وليست التوبة من الشك في شئ، يؤكد ما قلناه: عدولهم عما لا تصح التوبة من دونه، مع إمكانه من الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام، والتنصل من قتاله وخلافه.

فأما بقاء عائشة (1)، فغير نافع، لحصول العلم بإصرارها على عداوة أمير المؤمنين عليه السلام، وتعريضها به في مقام بعد مقام.

وقولها: كلما جرى ذكر قصة الإفك أشار على رسول الله صلى الله عليه وآله بطلاقي، فلا جرم أني لا أحبه أبدا.

وقولها: - وقد بشرها بعض عبيدها بقتل علي صلوات الله عليه - شعر:


فإن يك نائيا (2) فلقد نعاهناع (3) ليس في فيه التراب

ثم قالت للعبد: من قتله؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم، قالت: فأنت حر لوجه الله، وقد سميتك عبد الرحمن.

ثم تمثلت ببيت آخر، شعر:


وألقت عصاها واستقر بها النوى (4)كما قر عينا بالإياب المسافر (5)

ومجاهرة بعداوة أمير المؤمنين، والغبطة بقتله، وما جرى منها عند وفاة الحسن عليه السلام، وقد أوصى أن يجدد به عهد بالنبي ويدفن بالبقيع، فجاءت مسرعة على بغل يقدمها مروان بن الحكم قائلة: لا والله لا يدفن في بيتي إلا من أحب، خذوا ابنكم واذهبوا حيث شئتم، فلا سبيل لكم إلى دفنه، فقال لها ابن الحنفية - وفي رواية ابن عباس

____________

(1) أي بقاؤها بعد حرب الجمل.

(2) في النسخة: " نابا ".

(3) في النسخة: " بباع ".

(4) في النسخة: " واستقرت بها الثوى ".

(5) في النسخة: " بالآيات المسافرة ".

الصفحة 412
- مالك يا حميراء ألا تحملك الأرض عداوة لبني هاشم، يوما على جمل ويوما على بغل، أما والله لو كان ذلك سائغا لدفن وإن رغم أنفك، لكن الحسن (1) صلوات الله عليه أعرف بحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله منك ومن أبيك وصاحبه، أذهبتكم حرمته وضربتم عنده بالمعول.

إلى غير ذلك مما يدل على عداوتها عليا وذريته، يعلم ذلك من حالها كل سامع للأخبار، كما يعلم ولاية أم سلمة وأسماء بنت عميس زوجة أبي بكر لعلي وذريته عليهم السلام، فإلى دعوى أحمق من دعوى توبة من هذه حاله!! (2).

____________

(1) في النسخة: " الحسين ".

(2) كذا في النسخة.

الصفحة 413


(إمامة الإمام الثاني عشر)





الصفحة 414

الصفحة 415

فصل: (في إثبات إمامة الحجة بن الحسن ووجه الحكمة في غيبته)

ما قدمناه من الأدلة على إمامة الأئمة صلوات الله عليهم برهان واضح على إمامة الحجة بن الحسن عليه السلام، ومغن عن تكلف كلام يختصها، غير أنا نستظهر في الحجة على ذلك بحسب قوة الشبهة في هذه المسألة على المستضعف، وإن كان برهان صحتها واضحا.

والكلام فيها ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: إثبات إمامة الحجة بن الحسن عليه السلام منذ قبض أبيه وإلى أن يظهر منتصرا لدين الله من أعدائه.

والثاني: بيان وجه الحكمة في غيبته وتعذر معرفة شخصه ومكانه، وإسقاط ما يعتريها (1) من الشبه.

فأما الدلالة على إمامته وثبوت الحجة بوجوده، فمن جهة العقل والسمع.

(برهان العقل على إمامته)

فأما برهان العقل، فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله على الرعية في الظاهر والباطن، وكونه أعلمهم بما هو رئيس فيه، وكل من قال بذلك قال بإمامة الحجة بن الحسن عليه السلام، وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة، دون سائر الخلق، من وفاة أبيه وإلى أن يظهر للانتقام (2) من الظالمين.

ولأن اعتبار هذه الأصول العقلية يقضي بوجود حجة في الأوقات المذكورة دون من عداه، لأن الأمة في كل عصر أشرنا إليه بين: ناف للإمامة، ومثبت لها معترف بانتفاء

____________

(1) في النسخة: " ما يعترفها ".

(2) في النسخة: " الانتقام ".

الصفحة 416
الصفات الواجبة للإمام عمن أثبت إمامته، ومثبت لإمامة الحجة بن الحسن عليه السلام.

ولا شبهة في فساد قول من نفى الإمامة، لقيام الدلالة على وجوبها، وقول (1) من أثبتها مع تعري الإمام من الصفات الواجبة للإمام لوجوبها له وفساد إمامة من انتفت عنه وحصول العلم بكون الحق في الملة الإسلامية، فصح بذلك القول بوجود الحجة عليه السلام، إذ لو بطل كغيره من أقوال المسلمين لاقتضى ذلك فساد مدلول الأدلة أو خروج الحق عن الملة الإسلامية، وكلا الأمرين فاسد، فصح ما قلناه، وقد سلف لنا استنادها بين الطريقتين إلى أحكام العقول دون السمع، فأغنى عن تكراره هاهنا.

(برهان السمع على إمامته)

وأما أدلة السمع على إمامته، فعلى ضروب:

منها: أن كل من أثبت إمامة أبيه وأجداده إلى علي عليه السلام قال بإمامته في الأحوال التي ذكرناها، وقد دللنا على إمامتهم، فلحق الفرع بالأصل، والمنة لله.

ولأنا نعلم وكل مخالط لآل محمد عليهم السلام وسامع لحديثهم تدينهم (2) بإمامة الحجة الثاني عشر عليه السلام، ونصهم على كونه المهدي المستثير (3) لله ولهم من الظالمين، وقد علمنا عصمتهم بالأدلة، فوجبت القطع على إمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم خاصة، فما له وجبت إمامة الأول من الآيات والأخبار له وجبت إمامة الثاني عشر صلوات الله عليه، إذ لا فرق بين الأمرين.

ومنها: النص على إمامة الحجة عليه السلام، وهو على ضروب ثلاثة:

أحدها: النص من رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام على عدد الأئمة عليهم السلام وأنهم اثنا عشر، ولا شبهة على متأمل في أن النص على هذا

____________

(1) أي: وفساد قول.

(2) في النسخة: " بدينهم ".

(3) في النسخة: " المستشير ".

الصفحة 417
العدد المخصوص نص على إمامة الحجة عليه السلام، كما هو نص على إمامة آبائه من الحسن بن علي بن محمد بن عين الرضا، إلى علي بن أبي طالب عليهم السلام، إذ لا أحد قال بهذا العدد المخصوص وقصر الإمامة عليه دون ما نقص منه وزاد عليه إلا خص به أمير المؤمنين والحجة بن الحسن ومن بينهما من الأئمة عليهم السلام.

وهذا الضرب من النص وارد من طريقي الخاصة والعامة.

(نص رسول الله على عدد الأئمة من بعده من طريق العامة)

فمما روته العامة فيه: عن الشعبي، عن مسروق، قال: كنا عند ابن مسعود، فقال له رجل: أحدثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ فقال له عبد الله بن مسعود: نعم، وما سألني عنها أحد قبلك، وإنك لأحدث القوم سنا، سمعته عليه الصلاة والسلام يقول:

يكون بعدي من الخلفاء عدة نقباء موسى عليه السلام: اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش (1).

ورووا عن ابن مسعود من طرق أخر.

وزاد في بعضها مسروق قال: كنا جلوسا إلى عبد الله يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله كم يملك أمر هذه الأمة من خليفة من بعده؟ فقال له عبد الله: ما سألني أحد منذ قدمت العراق عن هذا، سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اثنا عشر، عدة نقباء بني إسرائيل (2).

ورووا عن عبد الله بن أبي أمية مولى بني مجاشع، عن يزيد الرقاشي (3)، عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها، وساق الحديث (4).

____________

(1) غيبة النعماني: 107 من طرق العامة.

(2) مسند أحمد 1: 398.

(3) في النسخة: " الرفاسي ".

(4) كشف الأستار للنوري: 134.

الصفحة 418
ورووا عن زياد بن خثيمة، عن الأسود بن سعيد الهمداني قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، فقالوا له: ثم يكون ماذا؟ فقال: ثم يكون الهرج (1).

ورووا عن الشعبي، عن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على من ناواهم إلى اثني عشر خليفة، فجعل الناس يقومون ويقعدون، وتكلم بكلمة لم أفهمها، فقلت لأبي أو لأخي: أي شئ قال؟ فقال: كلهم من قريش (2).

ورووا عن سماك بن حرب (3)، وزياد بن علاقة (4)، وحصين بن عبد الرحمن (5)، وعبد الملك بن عمير (6)، وأبي خالد الوالبي (7)، عن جابر بن سمرة، مثله.

ورووا عن يونس بن أبي يعفور (8)، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يخطب وعمي جالس بين يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمر اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (9).

ورووا عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شقيق الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يكون خلفي اثنا عشر خليفة (10).

ورووا عن حماد بن سلمة، عن أبي الطفيل قال: قال لي عبد الله بن عمر: يا

____________

(1) رواه الشيخ في الغيبة: 88، والنعماني في الغيبة: 103 من طرق العامة.

(2) رواه النعماني في الغيبة: 104 من طرق العامة.

(3) سنن الترمذي 3: 40.

(4) الغيبة للنعماني: 103.

(5) صحيح مسلم 6: 3.

(6) صحيح البخاري 9: 101.

(7) الغيبة للنعماني: 106.

(8) في المستدرك: " يعقوب ".

(9) المستدرك على الصحيحين 3: 618.

(10) رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 89 من طرق العامة، وفيه: " شفي الأصبحي ".

الصفحة 419
أبا لطفيل أعدد اثني عشر خليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله، ثم يكون النقف والنفاق (1).

في أمثال لهذه الأحاديث من طريق العامة.

(النص على عدد الأئمة من طريق الخاصة)

ومن الشيعة ما تناصرت به روايتهم:

عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، عن أبيه، عن جده عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني واثنا عشر من أهل بيتي - أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام - أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا (2).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أهل بيتي اثنا عشر نقيبا نجباء محدثون مفهمون وآخرهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملأت جورا (3).

ورووا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن المشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار (ني) من الرسل، واختار مني عليا، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء عليهم السلام، وهم تسعة من ولد الحسين، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم

____________

(1) رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 89 من طرق العامة، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد 6: 263، وفيه: " النقف والنقاف "، أي: القتل والقتال كما قيل، وفي بعض المصادر: " النفث والنفاث)، فراجع.

(2) الكافي 1: 534، غيبة الشيخ الطوسي: 92، مع اختلاف يسير.

(3) الكافي 1: 534، منتخب الأثر: 33.

الصفحة 420
وظاهرهم وهو قائمهم (1).

ورووا عن سلمان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أجلس الحسين ابن علي عليهما السلام على فخذه وتفرس في وجهه: ثم قال: إمام ابن إمام أبو أئمة حجج تسع تاسعهم قائمهم أفضلهم أحلمهم أعلمهم (2).

ورووا عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه وآله إلى الجن والإنس عامه، وكان من بعده اثنا عشر وصيا، منهم من سبق، ومنهم من بقي، وكل وصي جرت به سنة (و) الأوصياء الذين بعد محمد صلى الله عليه وآله... (3).

ورووا عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: كنا عند معاوية والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فذكر كلاما جرى بينه وبينه، وأنه قال: يا معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم - وستدركه يا علي - ثم ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسم - وستدركه يا حسين - ثم تكمله اثني عشر إماما من ولد الحسين عليه السلام.

قال عبد الله بن جعفر: فاستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فشهدوا لي بذلك عند معاوية.

قال سليم: وقد كنت سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر وأسامة بن زيد، وروره عن رسول الله صلى الله عليه وآله (4).

____________

(1) الاكمال: 281.

(2) مقتضب الأثر: 8.

(3) الكافي 1: 532، الغيبة للشيخ: 92.

(4) الخصال 2: 477 مع اختلاف يسير، الكافي 1: 529، الغيبة للشيخ: 91.

الصفحة 421
ومنه ما تناصرت به الرواية من حديث الخضر عليه السلام وسؤاله أمير المؤمنين عليه السلام عن المسائل، فأمر الحسن عليه السلام فإجابته عنها، فأجابه، فأظهر الخضر عليه السلام بحضرة الجماعة الاقرار لله سبحانه بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ولأمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين عليه السلام (و) أنه الخضر عليه السلام (1).

ورووا قصة اللوح الذي أهبطه الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله فيه أسماء الأئمة الاثني عشر.

ورووا ذلك من عدة طرق عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، قال: دخلت على فاطمة عليها السلام، وبين يديها (2) لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها عليهم السلام، فعددت اثني عشر، أحدهم (3) القائم بالحق، اثنان منهم محمد، وأربعة منهم علي (4).

ورووا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال:

قال أبي - يعني الباقر محمد بن علي عليهما السلام - لجابر بن عبد الله: إن لي إليك حاجة، متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: أي الأوقات أحببت، فخلى به في بعض الأيام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السلام وما أخبرتك به أن فيه مكتوبا؟ فقال جابر: أشهد بالله، وساق الحديث (5).

ومما رو [و]ه حديث الاثني عشر صحيفة المختومة بإثني عشر خاتما، التي نزل بها جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فيعمل بما فيها (علي عليه السلام)، فإذا احتضر سلمها إلى الحسن عليه السلام، ففتح صحيفة وعمل بما فيها، ثم

____________

(1) الكافي 1: 525، الاكمال: 213 العيون 1: 53.

(2) في النسخة: " يديه ".

(3) في المصدر: " آخرهم ".

(4) الاكمال: 213، وفيه: " ثلاثة منهم محمد ".

(5) الاكمال: 309، الغيبة للشيخ: 93، الكافي 1: 527.

الصفحة 422
إلى الحسين عليه السلام، ثم واحدا بعد واحد إلى الثاني عشر عليهم السلام.

ورووا عن أبي عبد الله عليه السلام من عدة طرق قال: إن الله عز وجل أنزل على عبده كتابا قبل وفاته وقال: يا محمد، هذه وصيتك إلى النخبة من أهلك، قال: وما النخبة (1) يا جبرئيل؟ قال: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام، وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين عليه السلام الخاتم وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسن وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففك الحسن عليه السلام الخاتم (وعمل بما فيه فما تعداه)، ثم دفعه إلى الحسين عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك وأشر نفسك لله ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام ففك خاتما فوجد فيه: أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ففعل، ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي عليهما السلام ففك خاتما فوجد فيه:

حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله فإنه لا سبيل لأحد عليك، ثم دفعه إلى ابنه جعفر عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آبائك الصالحين ولا تخافن إلا الله وأنت في حرز وأمان ففعل، ثم دفعه إلى موسى عليه السلام، وكذلك يدفعه موسى عليه السلام إلى الذي بعده، ثم كذلك أبدا إلى قيام المهدي عليه السلام (2).

ومما رووه عن أبي الطفيل قال: شهدت جنازة أبي بكر يوم مات، وشهدت عمر حين بويع، وعلي عليه السلام جالس ناحية، فأقبل غلام يهود في جميل عليه ثياب حسان - وهو من ولد هارون عليه السلام - حتى قام على رأس عمر بن الخطاب فقال:

يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبتهم صلى الله عليه وآله؟ فطأطأ عمر رأسه، فأعاد عليه القول، فقال له عمر: ولم ذاك؟ فقال: إني جئت مرتادا لنفسي شاكا في

____________

(1) في النسخة بدون نقاط، وفي المصادر: " النجيب ".

(2) الكافي 1: 279، الاكمال: 232، العلل 1: 164، مع اختلاف يسير.

الصفحة 423
ديني أريد الحجة وأطلب البرهان، فقال له عمر: دونك هذا الشاب - وأشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام - قال الغلام: ومن هذا؟ قال عمر: هذا علي ين أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبو الحسن والحسين إلي رسول الله، وزوج فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم، وأعلم الناس بالكتاب والسنة.

قال: فأقبل الغلام إلى علي عليه السلام فقال له: أنت كذلك؟ فقال له علي عليه السلام: نعم، قال الغلام: فإني أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة، قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا هاروني، ما منعك أن تقول سبعا؟ قال: لأني أريد أسألك عن ثلاث، فإن علمتهن سألتك عما بعدهن، وإن لم تعلمهن علمت أنه ليس فيكم عالم، قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا أسألك بالله الذي تعبده إن أنا أجبتك عن كل ما تسأل عنه لتدعن دينك ولتدخلن في ديني؟ قال: ما جئت إلا لذلك، قال له أمير المؤمنين عليه السلام: سل.

فقال: أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي؟ وأول عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟ وأول (1) شئ اهتز على وجه الأرض أي شئ هو؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا هاروني، أما أنتم فتقولون: أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم عليه السلام صاحبه، وليس كذلك، ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد ابنيها.

وأما أنتم فتقولون: أول عين فاضت على وجه الأرض العين إلي ببيت المقدس، وليس كذلك هو، ولكنها لعين الحياة التي وقف عليها موسى عليه السلام وفتاه ومعهما النون المالح، فسقط منه فيها فحي، وهذا الماء لا يصيب ميتا إلا حي.

وأما أنتم فتقولون: أول شئ اهتز على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح عليه السلام، وليس كذلك هو، ولكنها النخلة التي أهبطت من الجنة، وهي

____________

(1) في النسخة: " وأي أول ".

الصفحة 424
العجوة، ومنها تفرع جميع ما ترى من أنواع النخل.

فقال: صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجد هذا في كتب أبي هارون عليه السلام، كتابته بيده وإملاء عمي موسى عليه السلام.

ثم قال: أخبرني عن الثلاث الأخر: عن أوصياء محمد صلى الله عليه وآله وكم أئمة عدل بعده؟ وعن منزله في الجنة؟ ومن يكون معه ساكنا في منزله؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا هاروني، إن لمحمد عليه السلام اثني عشر وصيا أئمة عدل، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض.

ومسكن محمد عليه السلام في جنة عدن التي ذكرها الله عز وجل وغرسها بيده.

ومعه في مسكنه فيها الأئمة الاثنا عشر العدول.

فقال: صدقت والله الذي لا إله إلا هو، إني لأجد ذلك في كتب أبي هارون عليه السلام، كتابته بيده وإملاء عمي موسى عليه السلام.

فقال: أخبرني عن الواحد: كم يعيش وصي محمد عليه السلام من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟

قال: يا هاروني، يعيش بعده ثلاثين سنة، لا تزيد يوما ولا تنقص يوما، ثم يضرب ضربة هاهنا - ووضع يده على قرنه وأوما إلى لحيته - فتخضب هذه من هذه.

قال: فصاح الهاروني وقطع كشنيره (1) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنك وصي رسوله صلى الله عليه وآله، ينبغي أن تفوق ولا تفاق وأن تعظم ولا تستضعف، وحسن إسلامه. (2) ورووا عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول: إن الله

____________

(1) كذا يقرء ما في النسخة، وهذه الجملة لم تذكر في المصادر التي نشير إليها في الذيل إلا الكافي بهذه العبارة:

" وقطع كستيجه "، وهو كما في الوافي: خيط غليظ يشده الذمي فوق نيابه دون الزنار.

(2) الكافي 1: 530، الاكمال: 300، الخصال: 476، الغيبة للنعماني: 97، مقتضب الأثر: 14 - 17، مع اختلاف يسير.

الصفحة 425
عز وجل خلق محمدا عليه السلام واثني عشر من أهل بيته من نور عظمته، فأقامهم أشباحا في ضياء نوره يعبدونه ويسبحونه ويقدسونه، وهم الأئمة من بعد محمد صلى الله عليه وآله (1).

ورووا عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من آل محمد صلوات الله عليه اثنا عشر إماما كلهم محدث، ورسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما هما الوالدان (2).

ورووا عن الحسن بن العباس بن الحريش، عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس: إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، وكذلك ولاة الأمر (3) بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، قال ابن عباس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي محدثون (4).

وبإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: آمنوا بليلة القدر، فإنها تكون بعدي لعلي بن أبي طالب وولده وهم أحد عشر من بعده عليهم السلام (5).

ورووا عن أبي بصير، (عن) أبي جعفر عليه السلام قال: يكون تسعة أئمة بعد الحسين عليه السلام تاسعهم قائمهم (6).

ورووا عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الأئمة اثنا عشر إماما منهم الحسن والحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام (7).

في أمثال لهذه الروايات الواردة من طريقي الخاصة والعامة.

____________

(1) الكافي 1: 530، الاكمال: 318 مع اختلاف يسير.

(2) الكافي 1: 533، غيبة الشيخ الطوسي: 97، مع اختلاف يسير.

(3) في الغيبة " ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله ".

(4) غيبة الشيخ الطوسي: 93، الكافي 1: 533.

(5) إكمال الدين: 281، الكافي 1: 533.

(6) غيبة النعماني: 94، الخصال: 480، الكافي 1: 532.

(7) الكافي 1: 533 مع إختلاف يسير، الخصال: 480 وفيه: " منهم علي والحسن والحسين ".