الصفحة 71

باب الإمارة لفت إنتباهي حديث : "الاثني عشر خليفة"

وتساءلت يومها عن هؤلاء الخلفاء من يكونون؟ وهل صحيح أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)ذكرهم عدداً ولم يذكرهم أسماء؟

وما علاقة العدد (12 ) بالعدد القرآني المتكرر في الأسباط ، وفي الحواريين ، وفي العيون الاثني عشر التي انبجست لموسى ، والأمم الاثني عشر ، وفي عدّة الشهور ، ومنازل القمر ، وأبراج السنة؟

لا شك أنّ الرقم له دلالة غيبية ، متعلقة بالسنن الكونية التي أرساها الله سبحانه وتعالى ، لتتحرك في إطارها كلّ الموجودات على سطح الأرض. قال تعالى : {سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا}(1) .

الحديث في مضمونه يشتمل على إعلام غيبي هام بمن سيلي أمر الحكومة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولو قدّر له أن يصل إلى جميع المسلمين سالما من التحريف الذي وصلنا عليه ، لكان أمر الحكومة قد حسم منذ البداية .

الحديث كما أخرجه أصحاب المجاميع الروائية عند خط السقيفة كالآتي :

عن جابر بن سمرة قال قال النبي(صلى الله عليه وآله) : "لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة" قال ثم تكلم بشي لم أفهمه فقلت لأبي : ما قال؟ فقال : "كلهم من قريش"(2)إن الكيّس الفطن لا يمكنه المرور على الرواية ، دون أن يسجّل ملاحظاته على ما جاء فيها من محاولة طمس لبيان النبي(صلى الله عليه وآله)لأسماء خلفائه ، بعد أن ذكر عدّتهم ، ويظهر أنّ المحدّث أو مَن حرّف الرواية قد استعاض عن الأسماء بالقول إنّ كلمة قد خفيت عليه ، وبالجواب الذي جاء من أنّهم من قريش ، وفي ذلك كلّه دليل على المنحى التحريفي ، الذي انتهجه حكّام الأمّة من بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ، في

____________

1-الفتح : 23 .

2-صحيح مسلم 6 : 3، 4 . وانظر صحيح البخاري 8 : 127 ، مسند أحمد 1 : 398 ، 406 و86، 87 ، 88 وغيرها .


الصفحة 72

إعفاء عدد من الأحكام التي عليها مدار الشريعة ، وبها يقوم الدين وتتفاعل تركيبته ، كمسألة الحكومة الإسلامية التي مرّت على كثير من المسلمين ، ولم يجدوا لها صيغة يطمئنون لها . والطريقة التي اعتمدها هؤلاء التحريفيون ، تعتمد قطع الرواية أو الحديث ، وإسقاط بعض الكلمات التي تحتوي على بيان أمر هام أراد النبي(صلى الله عليه وآله)إبلاغه للمسلمين ، وفي رواية ابن عباس ما يوضح ذلك حيثُ أخذ أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)أوصى بثلاثة فقال : "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم" قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال : فأنسيتها وقال الحميدي عن سفيان : قال سليمان : لا أدري ، أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها(1) .

بل إنّ في الرواية شكَّ في إسقاطين ، إسقاط نُسِب إلى ابن عباس ، وإسقاط آخر نسبه (سليمان) أحد الرواة لنفسه . وباعتبار أنّ ابن عباس من أتباع علي وأهل بيته(عليهم السلام) ، وذلك ثابت من خلال سيرة الرجل وتعامله مع ابن عمّه ، وتعامله مع ابنه الحسن السبط سيّد شباب أهل الجنة(عليه السلام) ، ولم ينفك عن دأبه ذلك ، لإيمانه العميق بأحقيتهم في قيادة الأمة الإسلاميّة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) ، فنسيانه لأمر يعلمه ، وهو من الأهمية للإسلام والمسلمين بمكان لا يقبله عاقل ، كما أنّ السكوت عن الوصيّة الثالثة ، والذي نُسب للنبي(صلى الله عليه وآله) ، لا يتفق وتكليفه في البلاغ والنصح ، وهو الذي يقرئه الله تعالى الوحي بطرفيه الإعجازي والتفسيري فلا ينساه ، قال تعالى : {سنقرئك فلا تنسى}(2) . لذلك تولد لدي قناعة بدأت تتقوى يوماً بعد يوم ، من أنّ مسألة الحكومة الإسلامية لا يمكنها أن تخرج عن احتمالين :

____________

1-سنن أبي داود 2 : 41 .

2-الأعلى : 6 .


الصفحة 73

الاحتمال الأول : أن يكون الوحي قد نصّ على اسم من سيلي أمر الدين و الأمة من بعد النبي(صلى الله عليه وآله) .

الاحتمال الثاني : أن يكون الوحي قد نصّ على الشروط الواجب توفرها في من سيقوم مقام النبي(صلى الله عليه وآله) في الحكم ، ووضع ضوابط لاختيار الأمّة .

وفي كلتا الحالتين ، النص أو الشرط ، لا يستطيع أحد أن يتجاوز شخص الإمام علي(عليه السلام) ، ولا أنْ يتغاضى عن إمكانياته وأياديه ، ومن تجاوزه فإنّه يكون داعياً إلى حكم الجاهلية ، الذي قال عنه الباري تعالى : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُونَ}(1) .

والذي زاد في عجبي ، التفسير الأعرج الذي تبناه عدد من علماء خط السقيفة كالسيوطي ، الذي خرج برأي تفرد به ، حيث ذكر في بيان عدد الخلفاء ، الخلفاء الأربعة وأضاف لهم الإمام الحسن(عليه السلام) ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وابن الزبير ، وعمر ابن عبد العزيز الأموي ، واحتمل أن يكون منهم المهتدي ، والظاهر من العباسيين ، فيكون السيوطي قد أوصل العدد إلى عشرة ، وخلص إلى القول من أن المتبقيان أحدهما المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه(2) .

ونظرت حولي فلم أجد فريقاً من المسلمين أعطى للعدد تفسيره وبيّن أصحابه ، غير المسلمين الشيعة الاثني عشرية ، الذين ذكروا أنّ العدد ينطبق على أئمتهم وهم كالآتي :

الإمام الأول : علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) .

الإمام الثاني : الحسن بن علي المجتبى(عليه السلام) .

الإمام الثالث : الحسين بن علي سيد الشهداء(عليه السلام) .

____________

1-المائدة : 50 .

2-تاريخ الخلفاء : 12 .


الصفحة 74

الإمام الرابع : علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) .

الإمام الخامس : محمد بن علي باقر العلوم(عليه السلام) .

الإمام السادس : جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) .

الإمام السابع : موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) .

الإمام الثامن : علي بن موسى الرضا(عليه السلام) .

الإمام التاسع : محمد بن علي الجواد(عليه السلام) .

الإمام العاشر : علي بن محمد الهادي(عليه السلام) .

الإمام الحادي عشر : الحسن بن علي الزكي(عليه السلام) .

الإمام الثاني عشر : محمد بن الحسن المهدي المنتظر(عليه السلام) .

وطالما أنّ الإمام الأول والثاني والأخير قد اعتُرف بهما ، فلماذا لا يُقرُّ ببقيتهم ، وعرفت بعد ذلك أنّ هؤلاء الأئمة(عليهم السلام) ، هم الخلفاء الذين خلّفهم فعلا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأمر ربّه ، قد قدّموا للدين باعتبارهم مستحفظين عليه ، كلّ ما لديهم من علوم وتضحيات ، فأقاموا حروفه وحدوده ، وجاهدوا فيه بأرواحهم ، وبذلوا فيه من التضحيات الجسام ، التي لا يقوى على بذلها أحد غيرهم ، فنهلت من معينهم الصافي ، وتزودت من علومهم التي هي عين الإسلام المحمدي ما أسكن الطمأنينة في قلبي ، وأنزل السكينة عليّ ، ولم أجد في كل ما بحثت من علومهم فقهاً وعقائداً وغيرها ، غير الحجّة التي تُثبّتُ الفؤاد ، وتُقنع الفكر ، وتُرضي الربّ تبارك وتعالى ، والحمد لله أولا واخراً على نعمة الهداية إلى هؤلاء الأطهار ، وأسأله تعالى أن يهدي سواد الأمّة بالرجوع إلى الحقّ ، لأنّ الذي يهدي إلى الحق أحق أن يُتّبع . قال تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1) .

____________

1-يونس : 35 .


الصفحة 75

بعد أنْ أنهى بكّار كلامه ، قلت له: لدي دليل آخر متعلق بالأئمة الاثني عشر ، ويُشير إلى أنّ العدد قد ذكره النبي(صلى الله عليه وآله) ألاّ أنّ أعداء خطّ الإمامة محوه من كتبهم الروائية ; تجنباً لانهيار فكرتهم الباطلة ، وافتضاح أكذوبتهم في خصوص شورى السقيفة .

فقال : ما هو هذا الدليل؟

قلت : لقد نقل الشيخان "البخاري ومسلم" رواية مهمة تقول :

عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلّما هلك نبي خلفه نبي ، وإنّه لا نبيّ بعدي ، وسيكون خلفاء فيكثرون ، قالوا فما تأمرنا . قال : فوا ببيعة الأول فالأول اعطوهم حقّهم فإن الله سائلهم عمّا استرعاهم(1)

وهذه الرواية اشتملت في متنها على ذكر الحكومة التي كانت على عهد بني إسرائيل ، وهي حكومة أنبياء في عمومها ، وإنّ حكومة المسلمين هي حكومة خلافة للنبي(صلى الله عليه وآله) "إمامة بالمصطلح القرآني" . وخلفاؤه الذين تحدّث عنهم كان قد حدّد عددهم باثني عشر شخصاً ، وتساءل من حضر من الصحابة عن تكليفهم اتجاه هؤلاء الخلفاء ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : "فوا ببيعة الأول فالأول" .

وفي كلامه(صلى الله عليه وآله) دليل على ترتيب هؤلاء الخلفاء ، ومبايعة الناس لهم تكون بحسب ذلك الترتيب الذي تحدث عنه النبي(صلى الله عليه وآله) وحثّ على اتّباعه ، وهذا الإيحاء بالترتيب الذي جاءت به الرواية ، دليل نضيفه إلى العدد في الرواية التي أرشدتك إلى اتّباع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ، لتزداد يقينا في أنّ مسألة حفظ الدين ليست من شؤون الناس بل هي من شؤون الباري تعالى كما هو الشأن بالتنزيل ، والحمد لله رب العالمين .

____________

1-صحيح البخاري 4 : 144 ، صحيح مسلم 6 : 17 .


الصفحة 76

الحلقة السادسة

حديث انقسام الأمة والفرقة الناجية هو الذي شيّعني

عبد الوهاب ، صديق ربطتنا به علاقة زمالة ، هو من الجنوب الغربي للبلاد ، والجنوب معروف عندنا بالأصالة ، والتمسك بالقيم والمبادئ ، إذا ذكُر أهل الجنوب وكنت منهم ، نظر إليك السامع نظرة إكبار واحترام .

الصدفة هي إلتي جاءت به إلى مجلسنا ، فهو قد انتقل من المدينة منذ مدّة ، لظروف خاصة به ، فسررت لرؤيته وحمدت الله على لقائه من جديد ، ويقال رُبَّ صدفة خير من ألف ميعاد .

لم يتمالك عبد الوهاب نفسه ، فتحرّك من كرسيّه ، وطلب أن يُفسح له المجال في الكلام ، ولمّا مكنّاه من ذلك قال : كانت المالكية هي الطابع الذي ألبس به إسلام الجهة بأكملها ، فلا حديث إلاّ عن مالك وما جاء عنه ، ولا كتب بعد كتاب الله تعالى إلاّ الموطأ أو المدوّنة الكبرى ، حتى رسخت فكرة أنّ الإسلام لا يكون غير مالكي ، ولم يلتفت أتباع هذا المذهب إلى غيره من المذاهب ، إلاّ باعتباره بعيداً عن الإسلام الحقّ ، تلك النظرة الاستعلائية جعلتني لا أعير اهتماماً بالبحث خارج الإطار المذهبي ، ولا أهتمّ بغير مطالعة ما يتعلق بالمذهب ، الذي اتبعته وراثياً دون نظر ولا تحقيق .

تعرّفت على الأخ محمّد في الشغل ، وكان لي معه فسحتان ، واحدة عند وقت الراحة في العمل ، والثانية قرْب سكناه من سكناي الذي تسوغته ، ممّا أتاح لي فرصة التعرف عليه عن قرب ، في البداية كانت العلاقة سطحية وبسيطة ، وعدم عمق العلاقة معه مردّه حداثة عهدها ، فلم ألاحظ عليه أية بادرة أو مظهر أو


الصفحة 77

علامة ، تدفع إلى التساؤل عنها ، وبمرور الأيام تمتنت العلاقة ، وتوطدت الصداقة حتّى أصبحت من أفضل أصدقائه لديه وأقربهم إليه ، وحزت على حبه وثقته .

في أحد الأيّام وكان يوم عطلة ، وصادف يوم جمعة (العطلة الأسبوعيّة عندنا ما زالت يوم الأحد ، حتّى بعد رحيل الاستعمار الفرنسي المسيحي) ، فتهيّأت إلى صلاة الجمعة بالمسجد ، وذهبت إليه لأصطحبه ، لكنّه لم يُبد تحمّساً للذهاب وقال لي : إنّه لا يحبّذ الصلاة وراء أئمة يُعيّنون من طرف من لا أهليّة له ، ولا ضابط ، اعتذر إليّ برفق ، لكنّني لم اقتنع بكلامه ، ولمّا ضاق الوقت عليّ ، ذهبت على أساس أنْ أعود إليه لنتحاور في الموضوع .

من عجيب الصدف ، أنّ خطيب الجمعة قد تحدث يومها عن انقسام الأمّة وتشرذمها ، وجاء بحديث الانقسام الذي أخبر عنه النبي(صلى الله عليه وآله) ، كالآتي : "أخرج ابن ماجة بسنده ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنّة ، وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار ، وواحدة في الجنّة ، والذي نفس محمد بيده ، لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنّة ، واثنتان وسبعون في النار ، قيل : يا رسول الله من هم؟ قال : الجماعة"(1). مؤكّداً على أنّ الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة ، ودعا إلى التمسك بالمذهب المالكي لأنّه يُمثّل سنّة النبي(صلى الله عليه وآله) وشريعته .

عدتُ من الصلاة وفي خاطري ما كان دار بيني وبين صديقي وزميلي محمد من كلام حول إمامة الجمعة ، ودفعني إلى مواصلة الحديث ، حماسي وما كنت أشعر به من الحزن والأسى على ضياع الأمة التي يوجد بين يديها أعظم دستور أنزله الله تعالى على عباده ، وفي اعتقادي ، أن صاحبي مختلف معي فقط في

____________

1-سنن ابن ماجة 2 : 1322 .


الصفحة 78

مسألة واحدة ، أو مسائل لا تدفع إلى الخروج عن دائرة المذهب ، فقلت في نفسي : لعلّني بإقناعه إلى عدم مفارقة الجماعة ، أكون قد ربحت أجراً وثواباً كبيرين .

ذهبت إليه على ذلك الأساس ، وشعوراً منّي بواجب الرابطة التي تجمعني به ، فاستقبلني كعادته والابتسامة تعلو محيّاه ، وأدخلني بيته . وما أنْ جلست ، حتّى توجهت إليه بكلامي معاتباً : أيُعقل منك هذا التصرّف يا محمد ، وقد عرفتك ذو عاطفة وغيرة على الدين ؟ ماذا لو صليت وراء أيّ إمام ؟ المهم أن تكون قد أديت ما عليك ، وربحت أجر الجماعة وهي 27 درجة فوق صلاة المنفرد ، ووزر الإمامة يتحمله الإمام ومن عينه ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، ألا ترى واقع المسلمين اليوم وحالهم ؟ ألا يستوجب ذلك أنْ نغضّ الطرف على كثير من المسائل الخلافية ، ونلتفت إلى الوحدة لنجمع بها هذا الشتات؟

فقال لي : يا أخي ، إنّني بقناعتي هذه لم أكن قاصداً تكريس المزيد من الفرقة ، بل على العكس تماماً ، فأنا من الذين يدعون إلى الوحدة ، وينادون للمّ الشمل ، بتعقل وعلى أساس صحيح وليس عشوائيّاً ، وإنّ أكثر ما يقلقني حال الأمّة الذي شمّت فينا الأعداء .

فقلت له : طالما أنت كذلك فلماذا لا تذهب إلى الصلاة بالمسجد؟

فقال : إن الله سبحانه وتعالى لمّا شرّع دينه الخاتم ، كما هو شأن بقيّة الأديان التي سبقته ، جعل للأحكام التي أنزلها واجبات وسنن أمر باتّباعها ، وكلّ من يتجاوز تلك الأحكام خاصّة منها الواجبة ، لا تقبل عبادته ويذهب جهده أدراج الرياح ، والصلاة شعيرة من الشعائر المهمة في الدنيا والآخرة ، لها أحكام لإقامتها من طهارات ، وآداب ، وفرائض ، وسنن تخصّ أوقات الصلاة ومكانها والمصلي ، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً ، ولباسه ، وأنا تصرّفت بناء على تلك الأحكام.


الصفحة 79

فقلت له : عن أيّة أحكام تتحدث؟ ألسنا في المالكية نجيز الصلاة وراء السلطان ، حتّى لو كان ظالما؟ لقول النبي(صلى الله عليه وآله) : صلوا وراء كل بر وفاجر . وصدمني صديقي بقوله : لم أعد مالكيّا ، ولا من الجماعة التي تتحدث عنها ، لقد تشيّعت لأهل البيت(عليهم السلام) .

فقلت له : أتغير وجهتك من الفرقة الناجية إلى أصحاب الأهواء والبدع من أهل النار ، ألم تقرأ يوماً حديث النبي(صلى الله عليه وآله) عن انقسام الأمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها فقط هي الناجية ، وهي جماعتنا أهل السنة .

فقال : وما أدراك أن تلك الفرقة هي الناجية؟

فقلت : إتباعهم لسنّة النبي(صلى الله عليه وآله) ، واجتماعهم على رأي واحد ، وكثرة عددهم في العالم اليوم ، أليس هذا كافياً ليكونوا هم الفرقة الناجية .

قال : أمّا إتباعهم لسنّة النبي(صلى الله عليه وآله) ، فالمسألة تحتاج إلى دليل يُطمأنُّ إليه ، وأمّا اجتماعهم على رأي واحد ، فذلك ليس صحيحاً ; لأنّ ما يسمى بأهل السنة والجماعة ، أربع مذاهب هي : الحنفية ـ والمالكية ـ والشافعية ـ والحنابلة ، وهم مختلفون اختلافاً كبيراً في عديد من الأحكام ، وهذا وحده يكفي للقول بأنّ قول النبي(صلى الله عليه وآله) لا ينطبق عليهم لأنّهم أربعة ، وهو قد حدّد الفرقة الناجية بواحدة وليس أربعة ، وحتّى الأربعة تفرّقوا وتفرعوا إلى عدد من الطرق مثل السلفيّة والوهابيّة الذين تفرّعا من الحنابلة ، والمتصوّفة تفرّعت من بقيّة المذاهب ، وأمّا كثرة عدد هؤلاء فلا يفيد شيئاً ، بل أقول إنّها كثرة بلا بركة ، ولا أرى التقييم القرآني للعدد يصب لفائدتهم ، لأنّه طالما مدح الباري تعالى في محكم تنزيله القلّة وأثنى عليهم ، فقال : {كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ}(1) . وقال :

____________

1-البقرة : 249 .


الصفحة 80

{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}(1) . وقال : {وقليلٌ ما هُم}(2) ، وقال : {ثُلَّةٌ مِنْ الاَْوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنْ الاْخِرِينَ}(3) . ومقابل مدحه للقلة القليلة ، ذم الكثرة الكثيرة ، فقال : و{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الاَْرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}(4) . وقال : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}(5) .

قلت : إذاً فبماذا تفسر حديث انقسام الأمّة؟

قال : أفسره بكلام الإمام علي(عليه السلام) ، وكلامه كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لأنّه باب مدينة علمه ومستحفظ دينه ، إذ يقول في هذا الخصوص وقد سأله رجل عن السنّة والبدعة ، والفرقة والجماعة ، فقال(عليه السلام) : "أمّا السنّة فسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأمّا البدعة فمن خالفها ، وأمّا الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا ، وأمّا الجماعة فأهل الحقّ وإنْ قلّوا"(6).

قلت : لكنّ الشيعة أنفسهم مختلفون ، وهم منقسمون إلى عدّة فرق ، منها ما اندثر ولم يعد له وجود ، ومنها ما يزال قائماً إلى الآن كالزيديّة والإسماعيليّة والجعفريّة ، فكيف تدّعي أنّهم الفرقة الناجية؟

____________

1-سبأ : 13 .

2-سورة (ص) : 24 .

3-الواقعة : 24 .

4-الزخرف : 78 .

5-الأنعام : 116 .

6-تحف العقول لابن شعبة الحرّاني : 211 .

وفي كنز العمّال للمتقي الهندي : عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال : كان عليٌ يخطب فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين : أخبرني من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟ فقال : ويحك! أما إذا سألتني فافهم عنّي ، ولا عليك أنْ لا تسأل عنها أحداً بعدي ، فأمّا أهل الجماعة فأنا ومن اتّبعني وإنْ قلّوا ، وذلك الحقّ عن أمر الله وأمر رسوله ، فأمّا أهل الفرقة فالمخالفون لي ومن اتبعني وإن كثروا ، وأمّا أهل السنّة المتمسّكون بما سنّة الله لهم ورسوله وإنْ قلّوا وإنْ قلّوا ، وأمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله ، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا ، وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج ، وعلى الله قصمها واستئصالها عن جدبة الأرض... ]كنز العمال مجلد 8 ، 40 416 : 77، حديث رقم 44209[


الصفحة 81

قال : أنا لم أدّع أنّ جميع فرق الشيعة ناجون ، بل لم يدّع ذلك أحد من علماء الأمّة، غير أنّي سأبين لك أمراً قد يكون خفي عليك ثمّ أعود لبيان مَن هي الفرقة الناجيّة ، وهذا الأمر يتعلّق بتتمة الحديث السابق الذي بُتر وغُيّر من طرف له مصلحة في ذلك ، فإنّ السائل عن الفرقة الناجية لم يكن غير أمير المؤمنين(عليه السلام) ، حيثُ روى الشيخ الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر ، رواية طويلة جاء في آخرها : "يا أبا الحسن! إنّ أمّة موسى افترقت أحد وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار ، وإنّ أُمّة عيسى افترقت على اثنين وسبعين فرقة ، فرقة ناجيّة والباقون في النار ، وإنّ اُمّتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار . فقال : يا رسول الله! من الناجية؟ قال : المتمسك بما أنت عليه وأصحابك"(1) .

إذن ، فعليٌ هو المجسّد لمنهج النبي(صلى الله عليه وآله) وهو الهادي والقبس الذي أضاء الظلمة بعده . ولذلك نرى النبي(صلى الله عليه وآله) يُشير إلى عمار بن ياسر بهذه الحقيقة قائلا : "يا عمار ابن ياسر إنْ رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي فإنّه لن يدليك في ردى ، ولن يخرجك من هدى..."(2) .

أمّا انقسام الشيعة إلى فرق شأنها شأن بقيّة المذاهب ، فذلك مردّه إلى اختلاف الناس ، وليس إلى الدين الذي جاء موحّدا ومؤلّفا ولم يأت مفرّقاً ، وأنا لم ألتزم في تشيعي إلاّ بما وصلتْ إليه قناعتي ، حسب النصوص التي قرأتها ، ودرستها متناً وسنداً ، وتتبعت أقوال العلماء الأعلام فيها ، كما لم أقل لك : إنّ كلّ الشيعة هم

____________

1-نقل الرواية كاملة السيّد ابن طاووس في "الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف" : 429 ـ 430 ، وانظر موضع الشاهد في "الشيعة في أحاديث الفريقين" للسيد مرتضى الأبطحي : 236 ، نقلا عن "السيف اليماني الصقيل للسيد محمد بن يوسف التونسي الشهير بالكافي : 169 .

2-تاريخ بغداد 13 : 188 .


الصفحة 82

الناجون يوم القيامة ، لأنّنا بصدد الحديث عن فرقة ناجية واحدة .

قلت له : كل ما قلته معقول ، ولكن أخبرني عن الفرقة التي أخذت معتقداتها؟

قال : الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة ، لقول رسول الله(صلى الله عليه وآله) : "سيكون عليكم اثنا عشر إماما" .

قلت : الحديث يقول اثنا عشر خليفة(1) .

قال : ليس هنالك فرق ، المهم أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي خلّفهم بأمر ربّه ، ليكونوا قادة الدولة الحديثة العهد ، وهداة الأجيال القادمة ، وليس الخلفاء المزيفون الذين ادعوا كذباً أنّهم خلفاء النبي(صلى الله عليه وآله) ، وهو لم يخلّفهم ، وهم بأنفسهم قالوا : إنّه لم يخلّف ، لإزاحة الخلفاء الحقيقيين، فلماذا إدّعوا أنّهم خلفاء النبي(صلى الله عليه وآله) ، وليس لهم بيّنة واحدة على دعواهم تلك .

قلت : والسنة النبوية عند مَنْ إذاً ؟

قال : هل تعتقد أنّ هذا الخالق الحكيم الخبير ، الذي أتقن كلّ شي صنعه ، قد أنزل تشريعاً متكاملا ; ليحكم الناس ، ثمّ لا يأخذ بعين الاعتبار مسألة حفظ دينه ، وهو الذي أشار إليها في ثلاث آيات : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(2) . وقوله : {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}(3) . وفي الثالثة : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(4) . إنّ السنّة النبوية التي هي تفسير ما جاء في الكتاب العزيز ، هي عند الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، أهلُ بيته(عليهم السلام) الذين هم أوعى الناس بما جاء به سيّدهم(صلى الله عليه وآله) ، وليست السنّة عند كلّ من هبّ ودبّ من أمثال أبي هريرة ، والمغيرة بن شعبة ،

____________

1-انظر مثلا صحيح مسلم 6 : 3 ومسند أحمد 5 : 89 .

2-الحجر : 9 .

3-المائدة : 44 .

4-فاطر : 32 .


الصفحة 83

وعمرو بن العاص ، وسمرة بن جندب ، والوليد بن عقبة ، وكعب الأحبار ، ومن لفّ لفّهم من عبيد الدنيا ، وتُبّع الأهواء والشهوات ، والتاريخ حافل بمخازيهم ، وجرائمهم في حقّ الدين وأهله .

سكتّ لحظة متسائلا في قرارة نفسي ، ومستعرضاً من جديد حديث انقسام الأمّة ، فتبيّن لي أنّ صاحبي على حقّ ، التفت إليّ محمد فرأى وجومي ، واستغراقي في الفكر ، وقال : وأزيدك على ذلك أنّ الشافعي ـ أحد أصحاب المذاهب الأربعة ، والذين عاشوا في القرنين الثاني والثالث ، ولم يجمعهم في منظومة واحدة سُميّت بأهل السنة والجماعة ، غير حُكّام البغي والظلم الذين أوقفوا المذاهب على أربعة فقط ، وذلك في القرن الخامس ، وحكموا على البقيّة بالخروج على السلطان ـ قد خرج من فقهه الأول ، إلى فقهه الثاني لمّا انتقل إلى مصر ، وقال قصيدته الشهيرة بخصوص ذلك :


ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهممذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجاوهم أهل المصطفى خاتم الرسل
وأمسكتُ حبل الله وهو ولاؤهمكما قد أمرنا بالتمسك بالحبل(1)
إذا افترقت في الدين سبعون فرقة ونيفاً على ما جاء في واضح النقل
ولـم يك ناج منهـا غير فرقةفقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل
أفي الفرقة الهلاك آل محـمد أم الفرقة التي نجت منهم قُل لي
فإنْ قلت في الناجين فالقول واحدوإنْ قلت في الهلاك حفت عن العدل

إلى أن قال أخيراً :

رضيتُ علياً لي اماماً ونسلهوأنت من الباقين في أوسع الحلّ(2)

____________

1-رشفة الصادي ، شهاب الدين الحضري : 57 .

2-نقلها النقوي في خلاصة عبقات الأنوار 4 : 29 ، عن العجيلي في ذخيرة المآل .


الصفحة 84

ثُمّ هل لي أنْ أسألك ، بماذا كان يتعبد أصحاب القرون الثلاثة الأولى؟ ولم تظهر المذاهب الأربعة إلاّ من بعدهم؟ وهي القرون التي عاش فيها الأئمة الهداة من أهل البيت(عليهم السلام) .

قلت له : حكى بعض الجهلة عندنا ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) صلّى حنفيّاً ومالكيّاً وشافعيّاً وحنبليّاً ، هذا ما وصل إليه التردي في هوّة الجهل السحيقة . أمّا عن الشيعة فمن الذي سماهم هكذا إذاً؟

قال : رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي سمّاهم شيعة ; لأنّ معناه لا يتعدى الاتباع والاقتداء والموالاة ، محاكياً القرآن في تسمية إبراهيم(عليه السلام) من شيعة نوح(عليه السلام) ، قال تعالى في سورة الصافات : {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}(1) . فقال مخاطبا عليا(عليه السلام)عند نزول آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(2) : "هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتى عدوّك غضابي مقمحين"(3) .

ثمّ أخيراً ، يُعدُّ إسلام أهل البيت(عليهم السلام) الخطّ الوحيد المتصل بعصر النبوّة ، فعليّ إمامنا الأوّل عاش مع النبي(صلى الله عليه وآله) ، بينما غيره من الفرق والمذاهب قد عاش أفضلها حالا في الثلث الأوّل من القرن الثاني وهو أبو حنيفة .

شكرت صاحبي على ما أبداه من رحابة صدر ، وعلى ما قدّمه لي من معلومات ، نوّرت لي درب الهداية إلى خط أهل البيت(عليهم السلام) ، وانصرفت عاقداً العزم على مزيد الالتزام بذلك الصديق ، حتّى آخذ عنه بقيّة معالم ديني ، وأركان عقيدتي ، ولم يفرّق بيننا غير مغادرتي مدينة قابس التونسية إلى مدينة توزر بالجنوب الغربي التونسي .

____________

1-الصافات : 83 .

2-البيّنة : 7 .

3-شواهد التنزيل 2 : 461 ، ونظم درر السمطين للحافظ الزرندي : 92 .


الصفحة 85

الحلقة السابعة

الكذب على الشيعة هو الذي شيّعني

أمّا محمد فقد قال : كنت إمرئاً متمنطقاً ومتعقلا ، لا أُثبّتُ شيئاً ولا أنفيه إلاّ بالدليل الحقيقي والحجّة التي تدحض الشكّ ، وتحوله إلى يقين ، ذلك لم أكن أعتبر نفسي منذ أن دخلت سنّ التكليف أنّني مالكيّ المذهب ، بل على العكس ، كنت أرى ذلك ترجيحاً بلا مرجح ، لأنّ الانتماء إلى فكرة تحتاج إلى إثباتها علميّاً وعمليّاً ، وهو أمر غير متوفّر في أغلب المتدينين بالوراثة ، وأنا أرفض هذا المنحى وأستهجنه ، فكان انتمائي إلى الإسلام بمفهومه العام ، وليس إلى مذهب معين من المذاهب المتداولة بين المسلمين .

وفوق ذلك ألزمت نفسي بأنْ أدرس التاريخ الإسلامي ، من أيّ مصدر إسلامي ، لعلّني أجد بين طيّاتها ما يرشدني إلى إتّباع الحقّ ، وكان تاريخ الأمم والملوك للطبري وتاريخ ابن الأثير(الكامل) وكتابه النهاية أيضاً ، ومروج الذّهب للمسعودي ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، باعتبارها أقدم الكتب التي اعتمد رواياتها القدامى والمتأخرون فقررت تتبع وقراءة تلك الكتب لعليّ أحصلُ على مبتغاي .

كان اهتمامي منحصراً في أحداث القرن الأول من الهجرة المباركة من بعثة النبي(صلى الله عليه وآله) ، إلى نهاية القرن الأول ، وكانت مسألة الحكومة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) بالنسبة لي محسومة بمبدأ الشورى ، فقد كنت أراها تتماشى وعقلية العصر في التنفر من كلّ ما يرمز من قريب أو بعيد لمبدأ الوراثة والملك ، ولأنّني لم أكن مطّلعاً على النصوص التي وردت في ديننا الإسلامي ، والتي كانت تخصّ الوصيّة والتعيين ،


الصفحة 86

وكلّ ما استقرّ في ذهني منها مُأوّل تأويلا خاطئاً من طرف علماء خطّ الشورى والخلافة ، كحديث منزلة علي(عليه السلام) من النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والتي حصروها في الخلافة في الأهل فقط .

استمررت في الدراسة والبحث إلى أن عثرتُ على ضالتي ، وحيث وجدتُ وثيقة هامة ، احتوت في مضمونها على الدليل الذي كشف التزييف والكذب في دين الله تعالى ، تقول الوثيقة :

"كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عمّاله بعد عام الجماعة (سُمّي ذلك العام بعام الجماعة لاستتباب الأمر إلى بني أمية بعد مقتل الإمام علي(عليه السلام) ، وخذلان الناس لابنه الحسن(عليه السلام) إلى درجة أجبرته على الصلح) : أنْ برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كل منبر يلعنون عليّاً ، ويبرأون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ... وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة كتب إليهم : أنْ انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم . ففعلوا ذلك حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات .. ثم كتب إلى عمّاله : إنّ الحديث في عثمان قد كثُر وفشا في كل مصر وفي كلّ وجه وناحيّة ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبُّ إليّ وأقرُّ ليني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله ، فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى ، حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وأُلقي إلى معلمي


الصفحة 87

الكتاتيب ، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتّى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتّى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله"(1) .

الكذب كما نعرف جميعا ، أسلوب بذيء قذر وخسيس ، حذّر منه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) وشدّد على خطورته ، معتبراً أنّ المؤمن لا يكذب أبداً ، وإنّما هي ظاهرة كامنة في فئة المنافقين ، الذين ليس لهم همّ يحملونه غير قلب الحقائق ، وباعتبار أنّ المؤمن لا يكذب كما صرّح بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقد حكم الكاذب على نفسه بنفسه ، ونقلها من حالة الإيمان المرجو ، إلى مرض النفاق الذي لا دواء منه .

هالني الأمر ، وصدمت منه صدمةً شديدةً ، ليس ممّا اقترفه معاوية وحزبه من طلقاء بني أميّة ، فأولئك لا يجهل حالهم إلاّ من كان مثلهم ، ولكن صدمتي جاءت من الأمّة ، التي انساقت وراء باطل صنعه أعداءها ، ومضت على السكوت عليه وقبوله ، وشخصُ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما زال عالقاً في أذهان من بقي من الصحابة في ذلك العصر ، وصوته المبارك ما زال يتردّد صداه في آذانهم و حوافظهم . فأين هؤلاء في تلك الفترة؟ ولماذا لم يفعلوا مثل ما فعل عمّار بن ياسر ، عندما قاتل معاوية وهو ابن تسعين سنة ، إلى أن استشهد؟ أين أبناءهم الذين يفترض أنّهم تربّوا على أيد لامست براهين الوحي ، وعانقت قيم الدين الحنيف بدون واسطة؟ أين التابعون لهم الذين عايشوا الظلم والظالمين ، وركُن من ركُن منهم إليه ، وسكت من سكت عنه؟ لماذا ركنوا إلى زيف معاوية ؟ ولماذا سكتوا على ظلمه ؟ ولماذا نصروا باطله ولم يحاربوه؟ لماذا تزلّف منهم متزلّف لمعاوية؟ ولماذا وصل الأمر بعبيد الله بن عمر إلى أنْ قُتل في صفّ الذين أخبر عنهم النبي(صلى الله عليه وآله) بأنّهم بغاة على

____________

1-شرح نهج البلاغة 11 : 44 .


الصفحة 88

علي(صلى الله عليه وآله)؟ وما قام به عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وسمرة بن جندب ، وأبو هريرة ، لا يبعد عن ذلك الولاء الأعمى . ولماذا بلغت هشاشة العقيدة في ذلك العصر وما تلاه ، إلى أنْ يُسبّ علي(عليه السلام) وأهل بيته على منابر الإسلام ، والسابّ لعلي(عليه السلام) كالسابّ لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقد احتجّت أمّ المؤمنين أمّ سلمة على ذلك بقولها لأبي عبد الله الجدلي : "أيسبُّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)فيكم؟ قلت معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها ، قالت : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول من سبّ علياً فقد سبني"(1).

ولماذا بلغ الحال بالأمّة إلى ذلك المستوى من التنكّر لعلي(عليه السلام)وحال علي(عليه السلام)من أوضح الواضحات عند من في قلبه مثقال ذرّة من إيمان ؟

أسئلة تقاطرت عليّ من كلّ جانب ، وألحّت في الإجابة التي لم تكن بالطبع عند أولئك المؤرخين الذين نقلوا جملة من الأخبار المتراوحة بين الصحيحة والمحرّفة ، والواقعة والموهومة ، والثابتة والواهية. هذا ولم يكن همّهم غير نقل الروايات التي مثلت انتماءهم الفكري والعقائدي ، وشحن كتبهم بها مهما كانت نسبة صحتها ، وقد أساء الطبريّ إلى نفسه ومن تبعه في اعتماد رواياته المتعلقة بأحداث ما اصطلح عليه بالردّة إلى ما بعد شهادة الإمام علي عليه السلام ، فقد كان عمدته في تلك الروايات ، عدد من الكذابين والوضاعين من المشهورين والمجهولين ، منهم سيف ابن عمر الضبيّ، الذي أجمع علماء الجرح على أنّه كذّاب .

ثم انتقلت لمزيد من التأكد إلى الكتب الروائية ( البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجة ) فحصلت عندي قناعة بعد ذلك ، بأن أرفض كلّ الكتب الروائية التي أُنزلت منزلة القداسة ، ووُصفت بأنّها أصحّ الكتب بعد كتاب

____________

1-مسند أحمد 6 : 323 . وانظر سنن النسائي 5 : 133 ، والمستدرك 3 : 121 .


الصفحة 89

الله ، وقالوا بأنّ الأمّة قد تقبّلتها بالرضا والقبول ، وأتهمها جميعاً بنقل التحريف والترويج له ، والكذب على النبي(صلى الله عليه وآله) ، لأنّ ناقل الكذب ومتبنية كقائله ، خاصّة المفضوح منه ، الذي يمسّ من مقام الخالق سبحانه وتعالى ، ويحطّ من منزلة رسوله(صلى الله عليه وآله) ، ويشين الدين الإسلامي عقيدة وشريعة .

أمّا الأمثلة التي تشير بوضوح إلى بصمات تحريف معاوية ومَنْ جاء بَعده من بني أُميّة ، شجرة التحريف الملعونة في القرآن، كثيرة لكنني سأقتصر على البعض منها إثباتاً للحجّة ، وطلباً للاختصار :

الصحيح: عن ابن مسعود قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما"(1).

المكذوب عن ابن عمر قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأبي بكر وعمر : "هذان سيدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النبيين والمرسلين"(2) .

الصحيح: عن ابن عباس أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمر بسد الأبواب إلاّ باب علي(3) .

المكذوب: عن عروة عن عائشة أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمر بسد الأبواب إلا باب أبي بكر(4) .

الصحيح: عن ابن بريدة عن أبيه قال : "كان أحب النساء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)فاطمة ، ومن الرجال علي"(5) .

المكذوب : عن أنس قال : قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال : عائشة . قيل : من الرجال؟ قال : أبوها(6).

____________

1-المستدرك على الصحيحين 3 : 167 .

2-ضعفاء العقيلي 2 : 345 .

3-سنن الترمذي 5 : 305 ، وعدّه الكتاني من الاحاديث المتواترة في نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 191 .

4-سنن الترمذي 5 : 278 .

5-سنن الترمذي 5 : 360 والمستدرك 3 : 155 .

6-سنن الترمذي 5 : 366 .


الصفحة 90

يضيف محمد : إنّ من لم يقرأ ما أقدم عليه حزب الطلقاء الذي استولى على زمام الحكومة الإسلامية ، بعد تمهيد من أصحاب السقيفة ، من تحريف وكذب وتشويه للدين ، لا يمكنه أن يقف على حقيقة منشأ التحريف ، ففي النص الذي نقلته نجد أنّ معاوية من أجل أنْ يستتب له الأمر ، أقدم في مرحلة أولى على إشاعة ظاهرة سبّ علي(عليه السلام) وأهل بيته ، والساب لعلي هو ساب للنبي(صلى الله عليه وآله) ، فتمّ له ذلك ، ثمّ أقدم على خلط النصوص الصحيحة بالوهم الذي شجّع عليه بالأموال ، ثمّ سعى في مرحلة ثالثة إلى منع النصوص الصحيحة التي كانت متعلقة بالإمام علي وأهل بيته(عليهم السلام) ، وفي مرحلة أخيرة إلى التنكيل بمن ثبت لدى السلطة أنّه من أهل بيت الإمام علي(عليه السلام) أو من شيعته ، في عصر لم يكن هناك سوى فريقين يسعيان إلى تحقيق غاياتيهما المتباينتين ، علي وشيعته ، ومعاوية وشيعته ، ولا اعتبار للفريق الثالث الذي لم يكن يمثّل شيئاً ، ولا وزن له ; لأنّ أفراده قّلة قليلة أسكنها الخوف واللامبالاة فتبنت السكوت والانطواء ، بل نجد إلى الآن في معسكر الشورى والخلافة ، من لا يزال رافعاً شعار العن يزيد ولا تزيد(1) ، وهو مستمر في اعتماد معاوية بن أبي سفيان صحابياً جليلا يطلب له من الله الرضا ، وهو المحارب والساب والقاتل لقربى النبي(صلى الله عليه وآله) ومواليهم .

أثناء بحثي عن الحقيقة ، التقيت بأحد زملاء الدراسة ، وكان معه كرّاس دفعني الفضول إلى سؤاله عنه ، فقال : هو كتاب قد سحبه أحد الأصدقاء من الانترنيت لأحد الكتاب ، فرجوته رجاءً حاراً أنْ يعيرني إيّاه ، ولمّا رأى اهتمامي وتشبثي بالكُرّاس ، لم يمانع من ذلك ، على شريطة أنْ لا أتأخر في قراءته ، فوافقته وأخذت منه الكرّاس شاكراً ، وانصرفت إلى البيت استعجل الخطى.

وفي البيت بدأت في تصفح الكُرّاس ، فذُهلت للمستوى التعيس الذي وصل

____________

1-بل نجد من يرفض لعن يزيد ويصفه بأمرة المؤمنين مع وضوح حاله .


الصفحة 91

إليه الكاتب والناقل من الانترنيت ، الكتاب عنوانه "الرافضة أو الإماميّة الاثني عشريّة أو الجعفريّة" ،لم يكن ذا منهجية محدّدة في تعامله مع أكثر الموضوعات التي تناولها ، ولا روعي فيه تثبيت المصادر الواردة فيه ; لأنّ كلّ صفحاته قد ذكرت مصادرها من (1 ) إلى (5 ) تقريباً ، واشتركت تلك الترقيمات في فهرست المصادر ، فلم تعد تستطيع تمييز مصدر من غيره . هذا من الناحية الفنية ، أمّا من حيث المحتوى فلم أقرأ في حياتي مهزلة سُميّت كتاب غير ذلك الكرّاس .

للكراس سبعة مباحث ، ظاهرها يوحي بأنّ الكاتب وكتابه من أهل الاختصاص ، لكنّك عندما تقرأه لا تخرج بانطباع حسن عنهما ، لأنّك ستكتشف تهافت الكاتب على إثبات أنّ عقيدة المسلمين الشيعة ، هي إلى اليهود أقرب منها إلى الإسلام ، ومن أجل إضفاء التقوى وخشية الله تعالى على نفسه وعلى كتابه ، بثّ الكاتب عددا من الآيات القرآنية التي يستشفُّ القارئ منها بشكل إيحائي أنّ الكاتب على حقٍّ في جميع أقواله ، وأنّ من كتب عنهم على الباطل مطلقاً ، وكأنّ الآيات القرآنية التي ذكرها لا تعنيهم ، أو هي ليست في مصاحفهم.

سعى الكاتب إلى التأثير في محصّلة القارئ ، وجعلها تنساق معه في قناعاته ، التي ظهرت من كلامه أنها لا تتزحزح قيد أنملة ، فرأيه المسبق في تكفير المسلمين الشيعة ، لم يكن ليسمح له بأخذ آراء من ينتمون حتّى إلى مذهبه الأشعري ، فلا الدكتور طه حسين ، ولا الدكتور علي الوردي ، ولا الدكتور مصطفى كامل الشيبي ، ولا الدكتور علي النشّار ، ولا الدكتور حامد حفني داود ، ولا عبد الله فيّاض ، أقنعوه برأيهم الذي استقرّ على أنّ شخصيّة عبد الله بن سبأ اليهودي ، لا يمكن أنّ تكون حقيقيّة ، وقد اختلقها معاوية وحزب الطلقاء ، لتكون أكبر تشنيع على علي(عليه السلام)وشيعته ، وتشبّث المتشبثين بها إلى الآن ، وهي تحكي حالة الغريق الذي يسعى للنجاة بأيّ شكل ، ويروم الخلاص بأيّ طريق .


الصفحة 92

قلت له : لماذا تأنس في مطالعتك لكاتب مجهول لم يذكر صاحبه اسمه على الكتاب؟

فقال لي : إنّ الموقع الذي سُحب منه الكتاب ، إسلامي فيه ما يحتاجه المسلم من تفاسير وتلاوات للقرآن ومصادر للسنّة النبوية .

قلت له: ومع ذلك فلا بد من أن تأنس إلى مصدرك بمعرفة هويّة الكاتب ، على الأقل ليطمئنّ قلبك وتعرف عمّن تقرأ .

التفت محمد إلى نصيحتي فوجدها منطقيّة فقال : كلامك صحيح مائة بالمائة ، أنا لم ألتفت إلى هذه الجزئية رغم أهميتها ، لقد أسهبتني المظاهر الإسلاميّة التي عليها الموقع على الانترنيت ، فنقلت الكتاب معتقداً أنّ فيه فائدة .

قلت له: لكنّك وقعت من حيث لا تعلم في شبكة من أدعياء العلم ، هدفها نشر الكذب بين أفراد الأمة الإسلامية ، وتعميق الهوّة الاعتقادية بينهم ، والتحريض على التكفير ، وأكثر من ذلك فقد صدرت فتاوى تبيح قتل المسلمين الشيعة باعتبارهم كفاراً ومشركين .

قال محمد : فبماذا تنصحني يا أخي؟

قلت له : أنصحك وأنصح نفسي، بأن نعطي لهؤلاء الذين اضطهدوا (15) قرناً فرصة ليَعبّروا عن فكرهم بمنتهى الحريّة ، فموائدهم في هذا المجال مفتوحة لكلّ من يروم الحقيقة ، نحن الآن في عصر العلوم والتكنولوجيا ، والقرآن الذي هو دستورنا الأصل ، يحثُّ على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن ، وليس بالتي هي أخشن ، فلنستمع إليهم ، ولنقرأ عن تواريخهم وكتاباتهم من علمائهم ، وليس من أعدائهم ، ولنشاهد ما يُقدّمونه اليوم من أمثلة ونماذج قد تكون النواة لعودة الدين من غربته ، لنقول كلمة الحق والعدل فيهم .

وأضفت إليه قائلا : إنّ الكذب ، والادّعاء بالباطل على الشيعة هما اللذان أخذا


الصفحة 93

بيدي إلى التشيّع ، ودعاوى الافتراء هذه قد استند عليها أغلب المحاربين لشيعة أهل البيت(عليهم السلام) ، وهي في مضامينها لا تستند إلى دليل منطقيّ ، ولا تقف بحجّة ثابتة ، كلّ ما تشتمل عليه هي جملة من الأباطيل الواهية ، والظنون التي لا ترقى إلى الحقيقة مهما خلصت ، والكذب الذي ينمّ عن نفاق دفين لا علاج له .

لعل أكبر أكاذيب هؤلاء الأدعياء ، التي يراد بها صرف المسلمين عن حقيقة التشيّع لأهل البيت(عليهم السلام) ، وإبعادهم نهائيّاً عن البحث والتساؤل والنظر ، في منهج أهل البيت(عليهم السلام) ـ والذي كان محلّ سخط وتبرّم ونقمة ، من قبل الطغاة والظالمين على مرّ العصور ـ كذبتان كبيرتان ، واحدة موجهة إلى البسطاء من قليلي الثقافة والعلم ، وترتكز على الادّعاء بأنّ جبريل أخطأ في الوحي ، وعوض أنْ ينزل على عليّ ، نزل على محمّد . نعوذ بالله تعالى من هذا البهتان ، ونبرأ إليه من مخترعه الأفّاك ، ولا أخاله إلاّ شيطاناً إنسيّاً مقرّباً من إبليس لعنه الله ، جاء بهذه الفرية ليُنفّرَ الناس من موالاة أهل البيت(عليهم السلام) والتشيّع لهم .

أمّا الأخرى فهي موجّهة إلى الذين لهم ثقافة وعلم ، وتقول : إنّ عبد الله بن سبأ اليهوديّ هو الذي اخترع التشيّع عقيدة ، وإنّ ذلك حصل في عصر الإمام علي(عليه السلام) .

والظاهر أنّ أصحاب هذه الأكاذيب ومن يقف معهم فيها ، ليس لهم دين ولا عقل ; لأنّ الذي دفع الإمام عليّ(عليه السلام) إلى حمل السلاح ، والوقوف في وجه ثلاث فرق ، هو التحريف الذي بدأ يدبُّ في جسد الإسلام ، وينتقل إلى عقول المسلمين بكلّ خبث ودهاء ، فالناكثون وهم طلحة والزبير ، الذين بايعوا عليّاً(عليه السلام) ، ثمّ نكثوا بيعتهم ، واصطحبوا معهم في خروجهم على الإمام(عليه السلام) عائشة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ليوهموا الناس بأنّهم على الحقّ ، وقد استطاعوا أنْ يخدعوا كثيراً من الأعراب ، ويستميلوهم إلى صفّهم في حربهم القذرة ، من أجل الاستيلاء على السلطة ،


الصفحة 94

والقاسطون وهم أصحاب معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وحزبهم لعنهم الله ، الذين قلبوا الحقائق ، واستبدلوا الفضائل الحقيقيّة للصفوة الطاهرة من أهل البيت(عليهم السلام) ، بفضائل زائفة لبعض الصحابة ، ليلبسوا على الناس دينهم فلا يهتدون سبيلا ، والمارقون هم أصحاب ذي الثدية من الخوارج ، الذين رأوا رأياً في الحكومة لم يكن صائباً ، ثمّ حمّلوه علياً(عليه السلام) وانقلبوا وحاسبوه عليه ، ليسوا أكثر جرماً من عبد الله بن سبا ، الذي ادعى مختلقوه أنّه دعا إلى عقيدة هي خليط من اليهوديّة والمجوسيّة ، على أساس أنّها الدين الحقّ ، على مرأى ومسمع من علي(عليه السلام) ، ولو كان ذلك الرجل الأسطورة موجوداً لاشتدّ في طلبه الإمام علي(عليه السلام) ،

ولقد قرأتُ بعد ذلك كتاب عبد الله بن سبا ، للباحث والمحقّق السيّد الجليل مرتضى العسكري ، فأثلج صدري بتحقيقه وبراهينه واستدلالاته ، وأتى على تلك الأسطورة فجعلها خاوية على عروشها . والكتاب متوفر ومتداول بين الناس اليوم .

أمّا ما قيل من أنّ الشيعة يسبّون الصحابة ، فهو مهزلة كمهزلة إخوة يوسف(عليه السلام) ، عندما جاؤوا أباهم بقميص أخيهم وعليه دم كذب زاعمين أنّ الذئب قد أكله ، أو كالذين رفعوا قميص الخليفة الثالث طالبين القصاص من قتلته ، وهم من حرّض عليه ، وسكت عن نصرته إلى أنْ قضى .

وإنّي أعجب من الذين يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، فيمرّون بعديد من الآيات التي تفضح حال الكثير من الصحابة ، ولا يقولون إنّ القرآن يسبّ عدداً من الصحابة . وأزداد عجباً من الذين يمرّون على أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله)المتعلقة بالحوض ، والتي جاء في بعضها أنّ عدداً كبيراً من الصحابة سيكون مآلهم النار يوم القيامة ، ولا يقولون إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) يسبّ الصحابة ويضع من


الصفحة 95

مقامهم(1) .

وأكثر من ذلك أقول لهؤلاء الذين جاؤوا بهذه الفرية والصقوها بالشيعة ، أيّهما أعظم جرماً ، وأكبر ذنباً ، سبّ صحابي أم سبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ؟

بالطبع سيقولون لك سبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أعظم ، لكنّك عندما تُذكّرهم بأنّ عليّاً سُبّ على منابر المساجد الإسلامية دهراً طويلا ، بتخطيط وتنفيذ من عدد ممن يسمونهم صحابة ، وسبّ علي(عليه السلام) ، هو سبّ للنبيّ بلا فرق حسب النصّ الذي ذكرته(2)، والسابّ للنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، خارج عن ملّة الإسلام بلا شكّ ، فلماذا تتهمون الشيعة بسبّ الصحابة ، وأنتم تأوون وتباركون وتقدّسون وتطلبون الرضا من الله إلى البارزين للنبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته بالسبّ والحرب ؟

وإذا الذين أرادوا بالشيعة كيداً ، قد رُدّت مكائدهم إلى نحورهم ، وخابت جميع مساعيهم الباطلة ، كالزبد الذي يذهب دائماً جفاء ، وأمّا عليّ وشيعته فيمكثون في الأرض رواسي ينحدر عنها السيل ولا يرقى إليها الطير ، جيلا بعد جيل ، وعصراً بعد عصر ، يُثبّتون للناس مقامات العزّة والشرف والتضحية والإباء ، تأصيلا للقيم الإسلاميّة العليا ، وتحقيقاً لأمر الله تعالى في الثلّة المؤمنة ، التي ستبقى دوماً ظاهرة إلى أنْ يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .

أبدى صديقي رغبة في اقتفاء اثري في البحث عن الحقيقة ، وأُعجب بالأدلة التي عرضتها عليه ، فزودته بكتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة ; ليكون منطلقا له في معرفة الحقيقة ، والحمد لله رب العالمين أولا وآخراً .

____________

1-انظر مثلا صحيح البخاري 4 : 110 ، 7 : 207 ، وصحيح مسلم 7 : 67 ـ 68 .

2-كما تقدم وهو في مسند أحمد 6 : 323 ، وسنن النسائي 5 : 133 ، وغيرها .


الصفحة 96

الحلقة الثامنة

شيّعتني آية الوضوء

حمد أحد الأصدقاء القدامى ، الذين تربطني بهم أواصر أخوّة وصداقة ، لا يعلم قدرها إلا الله سبحانه وتعالى ، تعرّفت عليه هو أيضا في العمل ، فكان بالنسبة لي ، الإنسان الذي يستطيع المرء أنْ يفضي إليه بمكنون سرّه ، دون أنْ يخشى شيئاً ، صراحته التامة زادت في تفرّد شخصيته ، وثقته بنفسه رفعته بين المحيطين به ، فزادته احتراما وتقديراً ، كان على الموعد معنا ، وأراد أنْ يدلي بشهادته عن تشيّعه ، ويتحدّث عن السبب الذي دفعه إلى ترك مذهب أسرته ومجتمعه ، والانتقال منه إلى خطٍّ آخر وفكر آخر ، فقال :

منذ نعومة أظافري ، كنت مغرماً بمشاهدة صورة أمير المؤمنين(عليه السلام) المعلّقة في بيتنا، تلك الصورة التي انتشرت في عدد من بيوت القرية ، والتي ظهر فيها فارسان قد أهوى الأوّل بسيف ذو ذبابتين على الفارس الثاني فقدّه نصفين ، كتب على الأوّل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) والثاني رأس الغول ، كناية عن عمرو بن ود . وعلى الرغم من أنّ الصورة لا تتميز بالدقّة والإتقان في التصوير ، إلاّ أنّها كانت تمثّل رمزاً إسلاميّاً ، وقمّة من قمم البطولة ظلّ باقياً على مدى قرون عديدة، متحديّاً كافة الأساليب التي واجهته لمحو آثاره .

كان والدي وخالي من خريجي الزيتونة ، وقد درسا المذهب المالكي باعتباره المذهب الوحيد المتداول في البلاد ، وتحت إشراف ورعاية وعناية سلطة الباي ، الذي يعتبر نائب الخليفة العثماني ، حتّى أواخر عهد الاستعمار الفرنسي ، وكنت تبعاً لذلك الانتماء متعبداً وفق التربية والتعليم الذي تلقيته من والدي ، تابعاً له في


الصفحة 97

تقريره نظراً لصغر سنّي ، ولمّا كبرت ، بدأت الكثير من الاسئلة والاستفسارات تتوارد عليّ حسب الحدث والظرف .

من ذلك مثلا ، أنّني كلّما مررت بآية الوضوء في سورة المائدة ، تساءلت عن حقيقة تفسيرها ، إنْ كانت تحتاج إلى تفسير؟ حتّى قلت في نفسي يوماً : تُرى هل كانت الغاية من قوله تعالى (وامسحوا)هي قوله (اغسلوا) ، وطالما أنّ الآية في ظاهرها تفيد مسح الرجلين فلماذا نغسل أرجلنا؟ ومن أين فهم الأوائل حكم غسل الرجلين ، والآية لا تفيد ذلك أبداً ؟ بل هي تفيد المسح ، وعلمْ النحو والإعراب جاءا متأخرين جدّاً عن تلك الفترة؟ وحتّى الإعراب الذي ذكره الرازي في تفسيره الكبير ، وفصلّ فيه القول على القراءتين النصب والجرّ لآية الوضوء ، خرج بنتيجة أنّهما يفيدان المسح .

بقيت على ذلك الترقّبُ والتردّد ، إلى أنْ عدت يوماً إلى بيت العائلة في قرية من قرى الجنوب التونسي ، فوجدت والدتي بصدد البحث عن وثائق تخصّ والدي المتوفى(رحمه الله) فرأيت كُتباً مخطوطة كان والدي يحتفظ بها في عناية تامّة بأحد الصناديق المقفلة ، تناولت تلك المخطوطات فوجدت من بينها كتاب موطأ مالك صاحب المذهب الذي كنت أنتمي إليه ، ودفعني الحرص على اكتشاف خيط من الحقيقة أنْ أبحث فيه عن شي يمكن أن يفيدني في تساؤلي ، ويرفع عنّي حيرتي بخصوص حكم مسح الرجلين في الوضوء ، وبعسر شديد بدأت أبحث فيه نظراً لصعوبة قراءة الكتابة التي كانت جميلة ولكنّها غير واضحة بالنسبة لي ، إضافة إلى حرصي على عدم الإضرار بأوراق الكتاب القديمة أثناء تصفحي لها ، بعد المقدمة وصلتُ إلى كتاب الطهارة ، وكان متصدّراً للكتاب ، وكانت المفاجأة متمثلة في عثوري على تعليق لا أدري من كتبه ، يقول : بأنّ الغسل هو حكم الرجلين في الوضوء ، وأنّ النبي قد غسل رجليه في الوضوء ، والذين يقولون


الصفحة 98

بمسح الرجلين في الوضوء ، هم قلة قليلة من الروافض ، والملقّبون أيضاً بالشيعة . تنفست الصعداء ، وشكرتُ من أعماقي صاحب التعليق ، الذي أرجو أنْ يكون والدي المرحوم ، أنا الذي كنت معتقدا أنّني وحدي في اعتقادي بصحة ظاهر آية الوضوء ، ولا تحتمل الفلسفة والتأويل ، ومنذ ذلك الحين بدأت ألتفتُ إلى كل شي له علاقة بالرفض والتشيّع ، فكانت الثورة الإسلاميّة في إيران إحدى اهتماماتي ، فوجدت فيها مخزوناً مختلفاً عن الذي كنت أعيش وسطه ، وزادني تحقّقاً ويقيناً معرفة الأخ محمد الذي تحادث معي ، وبيّن لي عدداً من المسائل التي كنت متحيّراً فيها ، ومدّني بكتب زادتني بصيرة في اتّباع خطّ أهل البيت(عليهم السلام) ، فآية الوضوء مثلا ، التزم فيها الشيعة بالمسح ، امتثالا لأمر الله تعالى في حكم الرجلين في الوضوء ، وإتّباعاً لتطبيق النبيّ الأكرم ، وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) الذين أخذوا عنه ذلك الحكم ، ويؤيده أنّ التّيمم الذي هو بديل للوضوء يفيد المسح ، وبمقارنته بآية الوضوء كما صرّحت الأخبار بذلك ، نجد أنّ المغسول في الوضوء يمسح في التيمّم ، والممسوح في الوضوء يسقط في التيمّم(1) ، فسقط بذلك الرأس والرجلان ، هذا مضافاً إلى أنّ عليّاً وأهل بيته(عليهم السلام) ، كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء ، ولم يثبت غسل الرجلين إلاّ عبر طغاة بني أميّة ، وجلوازهم الحجّاج بن يوسف الثقفي ، الذي أخرج الطبري في تفسيره للآية ، ما يفيد تورطه في إجبار الناس على غسل الرجلين في الوضوء ، إمعاناً في إبطال آثار علي(عليه السلام) ، كأنّما آثار علي(عليه السلام) مخالفة للإسلام .

فقد أخرج الطبري بسنده إلى حميد قال : قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده : يا أبا حمزة ، إنّ الحجّاج خطبنا الأهواز ونحنُ معه ، فذكر الطهور ، فقال : "اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، إنّه ليس شيء من

____________

1-تفسير الطبري 5 : 156 .


الصفحة 99

ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما" . فقال أنس : صدق الله وكذب الحجّاج ، قال الله : "وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم" .

ولا شك في أنّ الجماعة حين كانوا بالأهواز قد استرابوا من كلام الحجّاج ، لأنّ الرجل ممّا لا يخفى على أحد في الظلم والدموية ، يأخذ المشتبه بالظن والريب ، وعانى منه الشيعة الويلات ، فمثّل بمن مثّل منهم ، سمر وسمل العيون ، وقطع الأيدي والأرجل وصلب على جذوع النخل ، وقطع الرؤوس ، وقتل من قتل ، وسجن من سجن ، وعذب من عذب ، فجلا من شرّه من استطاع أنْ لا تطاله يده .

وفي أثناء عودة أولئك الرجال من الأهواز إلى البصرة ، مرّوا على أنس بن مالك الصحابي ، الذي كان حيّاً وقتها ، وحدّثوه بما قاله الحجاج في خطبته ، فقال أنس : صدق الله وكذب الحجّاج .

ومع أنّ المالكية قد أثبتوا في وضوءهم حكم غسل الرجلين في الوضوء ، إلاّ أنّهم قالوا بخلافه في السفر ، فأجازوا مسح الرجلين ثلاثة أيّام ، وقالوا أيضاً بجواز المسح على الخفين والجوارب ، فتراهم لا يقرّون بالمسح مباشرة على الرجلين ، ثمّ ينقضون ذلك بالقول بالمسح على الحائل .

أما ما أخرجوه من أنّ حمران مولى عثمان بن عفان، هو الذي أراهم الوضوء الذي رأى عثمان يفعله(1) ، أو ما نقلوه عن عبد الله بن زيد كيف أراهم وضوء النبي(صلى الله عليه وآله)(2) ، فذلك لا يعني بالضرورة وضوءه ، طالما أنّ الروايتين مخالفتين للآية ، ومتعارضتين مع ما وافق الكتاب العزيز ممّا جاء عن العترة الطاهرة ـ التي هي ثقله وعدله في الحفظ والبيان والتطبيق .

____________

1-صحيح البخاري 1 : 48 .

2-صحيح مسلم 1 : 145 .


الصفحة 100

عموماً فإنّ لجوء الناس إلى كلّ من هبّ ودبّ في اخذ دينهم ، دلّ على حالة الحصار والتضييق والحرب التي عانى منها أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ، وحالة الخوف التي عاشها المسلمون من جرّاء بطش بني أميّة لكلّ من يقصد بيوت آل محمد الأطهار ، فذهبوا في طلب الحقيقة بعيداً ، ممّا باعد بينهم وبينها ، وحال الاستنجاد بمَن لا أهليّة ولا علم له دونهم وبلوغ مرامهم .

تعددت بعد ذلك لقاءاتي بالأخ محمّد الذي استفدت منه أيّما استفادة ، باعتباره سبقني إلى اتّباع خطّ أهل البيت(عليهم السلام) ، وقد أعلمني ذات يوم بأنّه سيذهب إلى العاصمة ، التي تبعد حوالي 400 كلم عن بوابة الجنوب ، مدينة قابس ; لاقتناء كتب من معرض الكتاب الدولي ، الذي يقام بالعاصمة ربيع كلّ سنة ، فرجوته أنْ يقتني لي كتباً بمعرفته ، فأبدى استعداده لذلك بكلّ سرور .

بدأت إذاً في تأسيس مكتبة خاصّة بي وكان نواتها مجموعة الكتب التي اختارها لي الأخ محمّد ، والتي كانت متنوعة ومنتقاة حسب احتياجاتي ، أذكر من بينها كتاب المراجعات للسيد الجليل عبد الحسين شرف الدين الموسوي رضوان الله تعالى عليه ، والذي عمّق من شعوري بالطمأنينة والارتياح ، وزاد في قناعتي بصحّة الانتماء إلى إسلام أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) ، وفهمت منه أنّ مسألة الحكومة الإسلامية تندرج في خصوصيات المولى سبحانه وتعالى ، باعتبار أنّ الحكم عائد له تقنيناً وحفظاً ، وذلك يستوجب آليات لإقامتها ، كإرسال الرسل ، وتنزيل الوحي عبر الملائكة ، وحفظ الشرائع بواسطة الأئمة الهداة ، الموكلون برعاية الدين والقيام عليه ، والمعبر عنه في إطاره العام باللطف الإلهي . بينما تناولت بقيّة الكتب ، العقائد ، والفقه ، والسيرة العطرة للنبي(صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) .

إنّ مسألة تشيعي لأهل البيت(عليهم السلام) ، لم تكن متعلقة بالشرح الذي وجدته على هامش الموطّأ فقط ، فذلك لم يكن سوى نقطة تحوّل ، وسبب قويّ دفعني إلى