الصفحة 23
فداك، ممن المعصية؟ فنظر إلي ثم قال: اجلس حتى أخبرك. فجلست، فقال: إن المعصية لا بد أن تكون من العبد أو من ربه، أو منهما جميعا، فإن كانت من الله (تعالى) فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله.

وإن كانت منهما فهو شريكه، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف.

وإن كانت من العبد فعليه وقع الأمر، وإليه توجه النهي، وله حق الثواب والعقاب، ووجبت الجنة والنار.

قال أبو حنيفة: فلما سمعت ذلك قلت: * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (1). وقد نظم كلامه (عليه السلام) هذا شعرا، فقيل:


لم تـخل أفعالنا اللاتي نذم لهاإحـدى ثـلاث خـلال حين نأتيها
إما تـفرد بـارينا بـصـنعتهافـيـسـقط اللوم عنا حين ننشيها
أو كـان يـشركنا فيها فيلحقهمـا سـوف يـلحقنا من لائم فيها
أو لـم يكن لإلهي في جنايتهاذنـب، فـما الذنب إلا ذنب جانيها
سيعلمون إذا الميزان شال بهمأهم جنوها، أم الرحمن جانيها؟ (2)

وهكذا كانوا (عليهم السلام)، لم يعرف عن أحدهم أنه تلكأ يوما في مسألة، أو أفحمه أحد في حجة، بل كان سبقهم نوعا من الاعجاز، وأظهر ما يكون ذلك مع الإمام محمد الجواد الذي أوتي العلم والحكمة صبيا، وسبق علماء عصره ومتكلميهم وشهدوا له بالفضل والتقدم والعلو وتأدبوا في مجلسه ولم يبلغ التاسعة من العمر.

قال الشيخ المفيد: عن المعلى بن محمد، قال: خرج علي أبو جعفر (عليه السلام) حدثان موت أبيه، فنظرت إلى قده لأصف قامته لأصحابنا، فقعد، ثم قال: يا معلى، إن الله (تعالى) احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: * (وآتيناه الحكم صبيا) * (3).

____________

(1) أمالي المرتضى 1: 151 - 152، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 4: 314، بحار الأنوار 48: 106، والآية من سورة آل عمران 3: 34.

(2) أمالي المرتضى 1: 152.

(3) الارشاد: 325، إعلام الورى: 349 - 350، والآية من سورة مريم 19: 12.


الصفحة 24
4 - أحاديثهم وآثارهم: إن الاستدلال على الإمام من حديثه وآثاره استدلال صحيح، فسلوك المدعي وحديثه خير شاهد على حقيقة دعواه وجوهرها، وهو شاهد أيضا على صدق دعواه عندما ترافقه القرائن والدلائل الأخرى، وإلا فلا تعد وحدها دليلا كافيا على إمامته.

ومن أراد معرفة ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فإنه يجده ظاهرا ظهور النهار في أحاديثهم الشريفة، معدن الهداية، وسبل النجاة، دعاة إلى الحق هداة إليه بالقول والعمل.

فما على الباحث إلا أن يتوخى ما صح عنهم من الحديث والأثر ليجد ذلك بينا بلا عناء. ولا بد من الإشارة هنا إلى مسألة هي في غاية الأهمية، فقد قلنا إن على الباحث أن يتوخى ما صح عنهم (عليهم السلام)، ونؤكد هذا الكلام ونقول: إن عليه أن يحذر ما اختلط بحديثهم من أباطيل الوضاعين، فقد كثرت الكذابة عليهم كما كثرت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد فصل الإمام الرضا (عليه السلام) القول في ذلك أجمل تفصيل وأدقه، وهو يقول: " إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا. وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله (عز وجل): * (لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * (1).

5 - نص الإمام السابق: تقدم أن نص النبي كان خير شاهد على نبوة النبي اللاحق له، ومثل هذا يقال مع الإمام، بل هو واضح مع الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ملازم لهم جميعا، فقد ثبت النص من كل إمام إلى الإمام اللاحق بالطرق الصحيحة والكثيرة التي كانت سببا في اطمئنان أتباعهم وأشياعهم (2).

وهنا ينبغي التنبيه إلى أن هذه النصوص لا بد أن تكون منسجمة مع نصوص

____________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 304 / 63، والآية من سورة الأنعام 6: 108.

(2) راجع في ذلك تراجم الأئمة (عليهم السلام) في: الارشاد، وإعلام الورى.


الصفحة 25
النبي (صلى الله عليه وآله) في موضوع الإمامة، من قبيل: حديث الثقلين - " كتاب الله، وعترتي أهل بيتي " -، وحديث: " الخلفاء بعدي اثنا عشر، كلهم من قريش ". فما جاء مخالفا لهذا فهو مردود لمخالفته نص النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن هنا صحت النصوص عنهم (عليهم السلام)، وبطلت عن غيرهم، فلا اعتبار لما عرف بولاية العهد التي يعهد بها الخليفة إلى ابنه أو أخيه كما هو شأن الخلفاء الأمويين والعباسيين لمخالفتها لنصوص النبي (صلى الله عليه وآله) المتقدمة وغيرها، أضف إلى ذلك أن أحدا منهم لم يصل إلى الخلافة بالطريق المشروع الذي يقره الاسلام ليكون من حقه أن يوصي لمن بعده، فولاية العهد تلك إنما هي من قبيل تبادل الشئ المغصوب، فلا أثر لهذا التبادل يرجى منه رفع الغصبية، بل على العكس، فهو تكريس لها وإصرار عليها.

هذه هي أهم الفوارق بين عهود الأئمة (عليهم السلام) وعهود الملوك، بغض النظر عن كون الأئمة (عليهم السلام) إنما يعهدون بعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا من عند أنفسهم.

6 - النسب الرفيع: إن الإمامة - مقام النبوة - لا يصلح لها إلا ذو نسب وشرف رفيع كالنبي بلا فارق. وهذه مزية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون سواهم، بلا خلاف ولا نزاع، بل لا يدانيهم فيه حتى بني عمومتهم.

روى الخطيب في تاريخه: أن هارون الرشيد حج مرة ومعه الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فأتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وحوله قريش وشيوخ القبائل، فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عمي. افتخارا على من حوله، فدنا موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقال: السلام عليك يا رسول الله يا أبت. فتغير وجه هارون، وقال: هذا الفخر - يا أبا الحسن - حقا (1).

7 - المعجزة: لقد أخرنا هذه النقطة - التي كانت ثاني دلائل النبوة - إلى هذا المحل لاتصالها بموضوع هذا الكتاب. فالمعجزة التي كانت تظهر على أيدي الأنبياء تصديقا لهم، هي ضرورية أيضا لتصديق دعوى الإمام. كيف لا وقد أظهر الله

____________

(1) تاريخ بغداد 13: 31.


الصفحة 26
المعجزات لمن هو أدنى من الإمام تصديقا لدعواه المرضية عند الله؟ ومثال ذلك ما ظهر لمريم العذراء (عليها السلام) تبرئة لساحتها، وما كان لأصحاب الكهف، وكل ذلك في القرآن مسطور.

وخلاصة القول في المعجزات يمكن إيجازه بما يلي:

أ - إذا كان يصعب التصديق بالمعجزات، أو بعضها فلأن أصل المعجزة هو كونها خارقة للعادة مخالفة للمألوف، وإنما يشترط في قبولها شهرتها أو صحة إسنادها، فمتى ثبتت نسبتها إليهم (عليهم السلام) بالطرق المعتبرة والموثقة فليس هناك ما يمنع قبولها، ولم يبق مبرر للشك فيها بعد أن عرفنا عظيم منزلتهم، وصحة نسبة الخبر إليهم.

كيف ونحن نرى ونصدق الكثير من خوارق العادات التي تظهر لعباد صالحين هم أدنى بكثير من مراتب الإمامة؟!

ب - إن الإيمان بإمامة الأئمة لا يصح أن ينحصر في النظر إلى معجزاتهم وكراماتهم، كما لا يصح إثبات نبوة موسى (عليه السلام) بقلب العصا ثعبانا، أو نبوة عيسى (عليه السلام) بخلق الطير من الطين، ما لم تجتمع القرائن الأخرى التي تجعل ظهور المعجزة زيادة في ظهور صدقه ليس إلا. وإلا فإن خوارق العادات قد تجري على أيدي الكثيرين من طرق وفنون وحيل كثيرة، ولكن ما أن تعرض أصحابها على تلك الشرائط والقرائن والدلائل المتقدمة حتى تجد حظوظهم منها حظوظ الفقراء إن لم يكونوا عراة منها على الإطلاق.

ج - ليس المطلوب منا عند الإيمان بمعجزاتهم أن نجعلها كل شئ في اعتقادنا وسلوكنا وثقافتنا، إنما المطلوب هو الإيمان بهم وبحقيقة إمامتهم لأجل اتباعهم والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم، ولم تأت المعاجز التي أتحفهم بها الله (تعالى) إلا خدمة لذلك الغرض، فهي ليست غاية في ذاتها، وإنما هي شاهد واحد فقط يقوي الدوافع إلى اتباعهم في نفوس الناس.

د - إن الغرض من المعجزة هو أن تتم بها الحجة، ويتوقف عليها التصديق، وأما ما خرج عن هذا فلا يجب على الله إظهاره، ولا تجب على النبي أو الإمام الإجابة إليه ولو كان على سبيل التحدي.


الصفحة 27
هـ - إن إقامة المعجزة ليست أمرا اختياريا للنبي أو الإمام، وإنما ذلك بيد الله يظهره متى شاء واقتضت حكمته (1).

فهذه كلها مبادئ أولية ينبغي إدراكها قبل الدخول في قراءة كتاب غرضه جمع المعجزات وإحصائها، ككتابنا هذا (دلائل الإمامة).

وأخيرا، فالذي ينبغي الإشارة إليه هو أن محتوى هذا الكتاب إنما يشكل عنصرا واحدا من عناصر موضوع دلائل الإمامة، ويدور حول ركن واحد من أركانها، وأما الموضوع بشموله فيبقى متسعا لمزيد من الدرس والبحث، آملين أن يتصدى له من هو أهل له من علمائنا وأساتذتنا المخلصين، بحثا ودرسا وتفصيلا، حفظا لهذا الدين الحنيف، وخدمة للمسلمين الأعزاء، ووفاء لعهد الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) وأداء لحق الأئمة الأطهار (عليهم السلام). والله ولي التوفيق.

____________

(1) لمزيد من التفصيل راجع البيان في تفسير القرآن: 80 - 119.


الصفحة 28

الصفحة 29

ترجمة المؤلف

اسمه وكنيته

هو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي (1) الصغير (2).

المشتركون معه في التسمية:

1 - أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري العامي، صاحب التاريخ والتفسير، والمتوفى سنة (310 هـ).

2 - أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير، والذي كان معاصرا لمحمد بن جرير الطبري العامي، وقد ترجم له الشيخ الطوسي المتوفى سنة (460 هـ) في (الفهرست) (3) والشيخ النجاشي صاحب الرجال المتوفى سنة (450 هـ)، وروى عنه الأخير كتبه بواسطتين (4)، وروى النجاشي أيضا عن ثقة الاسلام

____________

(1) هكذا نسب في المصادر التي نقلت عن مصنفاته، إلا أن السيد ابن طاوس في كشف المحجة: 35، والأمان: 66، وفرج المهموم: 102، نسبه هكذا: أبو جعفر محمد بن رستم بن جرير الطبري الإمامي، ولعله نسبه للجد مباشرة، أو إنه من وهم النساخ، بدليل نقل السيد ابن طاوس عنه بعنوان محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي في الموارد التي ستأتي في وصف الكتاب كافة، وكذا وصف من قبل المتأخرين الذين نقلوا عنه كالعلامة المجلسي في (بحار الأنوار) والسيد البحراني في (مدينة المعاجز) والحر العاملي في (إثبات الهداة) وغيرهم.

(2) وصف الشيخ الطوسي سمي صاحب الدلائل المعاصر للشيخ الكليني ب (الكبير) ولعل ذلك الوصف كان دليلا على تمييزه عن صاحب الدلائل الذي يشترك معه في التسمية والتكنية والمعاصر للشيخ الطوسي كما سيأتي.

(3) الفهرست: 158 / 697.

(4) رجال النجاشي: 376 / 1024.


الصفحة 30
الكليني بواسطتين (1)، ولهذا يمكن القول إن محمد بن جرير الطبري الكبير كان معاصرا للشيخ الكليني المتوفى سنة (329 هـ)، وله من المصنفات (المسترشد في الإمامة) (2) و (الايضاح) (3) و (الرواة عن أهل البيت (عليهم السلام)) (4) وغيرها.

3 - محمد بن جرير، من رواة الحديث، متقدم الطبقة، إذ يروي عنه محمد بن جرير الطبري الكبير بثلاث وسائط، وهو يروي عن ثقيف البكاء عن الإمام الحسن ابن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، كما في الحديث (8) من دلائل الإمام الحسن بن علي المجتبى (عليهما السلام).

عصره وطبقته

لم نعثر في المصادر المتوفرة لدينا على تاريخ دقيق لولادته ووفاته، ولكن من مجموع القرائن المتوفرة في هذا الكتاب يمكن تحديد عصره وطبقته.

أما من حيث عصره فيمكن القول إنه كان من أعلام النصف الثاني من القرن الرابع وأوائل القرن الخامس، يدل على ذلك تاريخ وفيات شيوخه كما سيأتي، وجملة نصوص نقلناها من الكتاب كما يلي:

1 - في دلائل الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) الحديث (24) قال: " وأخبرني أخي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن علي المعروف بابن البغدادي ومولده بسوراء (5)، في يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ".

____________

(1) رجال النجاشي: 377 / 1026.

(2) الذريعة 21: 9 / 3690.

(3) المصدر 2: 489 / 1924.

(4) المصدر 11: 256 / 1564.

(5) سوراء، بالمد: موضع يقال هو إلى جنب بغداد، وقيل هو بغداد نفسها، وسورى، بالقصر: موضع بالعراق قرب بابل.


الصفحة 31
2 - في دلائل الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) الحديث (92) قال: " حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ".

3 - وفي دلائله (عليه السلام) أيضا الحديث (96) قال: " وأخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة ".

4 - وفي دلائله (عليه السلام) أيضا الحديث (128) قال: " نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري (رحمه الله) ". والغضائري توفي سنة (411 هـ).

أما عن طبقته فقد قال الشيخ الطهراني في أعلام الشيعة في القرن الخامس:

" ويروي في الكتاب غالبا عن جماعة هم يروون عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري الذي توفي سنة (385 هـ) وهم: ولده أبو الحسين محمد بن هارون، وأبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، كما أن الطوسي يروي عن جماعة عن التلعكبري، منهم: ولده الحسين بن هارون بن موسى، وكذلك النجاشي يروي عنه بواسطة ولده محمد بن هارون، إلى أن قال: ويروي أيضا عن الصدوق المتوفى سنة (381 هـ) بواسطة تلاميذه، منهم: أبو الحسن علي بن هبة الله بن عثمان بن الرائقة الموصلي صاحب كتاب (المتمسك بحبل آل الرسول (عليهم السلام) كما أن الطوسي والنجاشي يرويان عن الصدوق بواسطة واحدة " (1).

وخرج الشيخ الطهراني من هذا إلى الاستنتاج بأن صاحب الدلائل كان معاصرا للشيخ الطوسي المتوفى سنة (460 هـ) وللشيخ النجاشي المتوفى سنة (450 هـ) وهو ما يبدو من مجمل القرائن التي ذكرها، ويبدو لنا أيضا بأنه كان مقدما على الشيخ الطوسي والنجاشي قليلا مع معاصرته لهما، وذلك من خلال القرائن التالية:

1 - يروي الشيخ الطوسي عن أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف تلميذ محمد

____________

(1) النابس في القرن الخامس: 155.


الصفحة 32
ابن جرير الطبري العامي بواسطتين (1)، وصاحب الدلائل يروي عنه بواسطة واحدة، كما في الحديث (49) من دلائل فاطمة الزهراء (عليها السلام).

2 - يروي الشيخ الطوسي عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني بواسطة جماعة (2)، أما صاحب الدلائل فإن أبا المفضل الشيباني من شيوخه الذين يروي عنهم بلا واسطة بقوله: حدثنا وأخبرنا.

3 - يروي الشيخ الطوسي عن ثقة الاسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بواسطتين (3)، وكذا الشيخ النجاشي (4)، أما صاحب الدلائل فيروي عنه في أحد طرقه إليه بواسطة واحدة كما في الحديث (98) من دلائل الإمام صاحب الزمان (عليه السلام).

فصاحب الدلائل كان معاصرا للشيخ الطوسي والنجاشي إلا أنه كان متقدما عليهما قليلا لما ذكرناه، ودليل المعاصرة أيضا اشتراك المشايخ بين الثلاثة، فصاحب الدلائل يروي عن أبي المفضل الشيباني، وأبي محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي، والقاضي أبي إسحاق بن مخلد بن جعفر الباقرحي. وأبي أحمد عبد السلام ابن الحسين بن محمد البصري، وعبر عن الشيخ الغضائري بشيخنا في الحديث (128) من دلائل الإمام صاحب الزمان (عليه السلام)، وكل هؤلاء من مشايخ النجاشي، وروى أيضا عن أبي عبد الله الحسين بن إبراهيم بن علي المعروف بابن الخياط القمي وهو من مشايخ الطوسي.

____________

(1) الفهرست: 150 / 640.

(2) المصدر: 140 / 600.

(3) المصدر: 135 / 591.

(4) رجال النجاشي: 377 / 1026.


الصفحة 33

مصنفاته

1 - دلائل الإمامة: وهو هذا الكتاب، يتعرض فيه المؤلف لدلائل ومعجزات وتواريخ وأحوال الأئمة الهداة (سلام الله عليهم)، وفضائل ومعجزات فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ونسخته غير تامة، حيث سقط قسم من أوله، وسنأتي إلى دليل السقط في وصف الكتاب.

وقد نقل عنه السيد علي بن موسى بن طاوس المتوفى سنة (664 هـ) في كتاب (اليقين) و (فرج المهموم) و (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) و (اللهوف في قتلى الطفوف) و (إقبال الأعمال) وغيرها، كما نقل عنه السيد هاشم البحراني المتوفى سنة (1107 هـ) صاحب كتاب (البرهان في تفسير القرآن) في (مدينة المعاجز) و (المحجة في ما نزل في القائم الحجة)، والعلامة المجلسي المتوفى سنة (1110 هـ) في (بحار الأنوار) وغيرهم من المتأخرين.

2 - نوادر المعجزات: جمع فيه طرفا من فضائل وكرامات الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) دون أن يتطرق إلى ذكر أحوالهم وتواريخهم (عليهم السلام) كما فعل في الدلائل، والكتاب مطبوع بتحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام).

مشايخه وأسلوب روايته

الروايات التي أثبتها المصنف في هذا الكتاب يرويها بثلاثة أساليب:

الأول: ما يرويه عن مشايخه الذين تحمل عنهم رواية الحديث إجازة أو قراءة أو سماعا، وصح له أن يقول: حدثنا وأخبرنا وحدثني وأخبرني... ومن هؤلاء المشايخ الذين ذكرهم في كتابه هذا:

1 - القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطبري المقرئ (324 - 373 هـ).


الصفحة 34
2 - إبراهيم بن محمد بن الفرج الرخجي.

3 - القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي، المتوفى سنة (410 هـ).

4 - أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور بن محمد بن الحجاج الفارسي الوراق (312 - 392 هـ).

5 - النقيب أبو محمد الحسن بن أحمد بن القاسم العلوي المحمدي.

6 - أبو علي الحسن بن الحسين بن العباس البرداني (346 - 431 هـ).

7 - الحسين بن إبراهيم بن علي بن عيسى، المعروف بابن الخياط القمي.

8 - الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب.

9 - أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي.

10 - أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البزاز.

11 - أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم البغدادي الغضائري، المتوفى سنة (411 هـ).

12 - أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز.

13 - أبو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد البصري، المتوفى سنة (405 هـ).

14 - أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن.

15 - أبو الحسن علي بن هبة الله بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن رائقة الموصلي.

16 - القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد الجريري.

17 - أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الشيباني (297 - 387 هـ).

18 - أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى بن أحمد بن موسى التلعكبري.

19 - أخوه الذي يروي عن أحمد بن علي المعروف بابن البغدادي، وقد نقل

الصفحة 35
عنه في هذا الكتاب بعد وفاته حيث إنه ترضى عليه عند النقل عنه، كما في الحديث (24) من دلائل الإمام زين العابدين (عليه السلام).

الثاني: أن يرفع الحديث إلى رجل متقدم عليه، وأمثلة ذلك كثيرة في هذا الكتاب، وطريقته هنا أن يسبق الرواية بقوله " روى " ويحتمل أنه وجد الرواية في كتبهم أو وصلت الرواية إليه مسندة وأرسلها هو اختصارا، ومن الرواة الذين رفع الحديث إليهم في هذا الكتاب:

1 - إبراهيم بن هاشم.

2 - أحمد بن إبراهيم.

3 - أحمد بن محمد.

4 - أيوب بن نوح.

5 - جميل بن دراج.

6 - أبو حامد السندي.

7 - الحسن بن أبي حمزة.

8 - الحسن بن أحمد بن سلمة.

9 - الحسن بن علي الوشاء.

10 - الحسين بن أبي العلاء.

11 - أبو أسامة زيد الشحام.

12 - سليمان بن خالد.

13 - عباد بن سليمان.

14 - العباس بن معروف.

15 - عبد الله بن حماد.

16 - عبد الله بن محمد.

17 - علي بن أبي حمزة.

18 - أبو القاسم علي بن الحسن بن القاسم بن الطبال.

19 - عمار الساباطي.


الصفحة 36
20 - عمرو بن شمر.

21 - فضالة بن أيوب.

22 - مالك الجهني.

23 - محمد بن أحمد.

24 - محمد بن الحسن.

25 - محمد بن سعيد.

26 - محمد بن عبد الجبار.

27 - محمد بن عبد الله العطار.

28 - المعلى بن محمد البصري.

29 - هارون بن خارجة.

30 - الهيثم النهدي.

31 - أبو الحسين يحيى بن الحسن.

32 - يعقوب بن يزيد.

الثالث: أن يروي الرواية عن رجل متقدم عليه بعنوان " قال " وذلك عن الرجال الذين لم يلقهم، ومنهم:

1 - الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي، المتوفى سنة (381 هـ).

2 - أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني.

3 - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الكبير.

وصاحب الدلائل يروي عن الشيخ الصدوق بواسطة أبي الحسن علي بن هبة الله، كما في الحديث (14) من دلائل الإمام الباقر (عليه السلام) والحديث (15) من دلائل الإمام الصادق (عليه السلام) والحديث (31) من دلائل الإمام صاحب الزمان (عليه السلام).

ويروي عنه أيضا بواسطة أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، كما في الحديث (59) والحديث (66) من دلائل فاطمة الزهراء (عليها السلام).

ويروي عنه أيضا بواسطة النقيب أبي محمد الحسن بن أحمد العلوي

الصفحة 37
المحمدي، كما في الحديث (19) من دلائل فاطمة الزهراء (عليها السلام).

أما أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني فيروي عنه بواسطة النقيب أبي محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي كما في الأحاديث (62) و (63) و (64) من دلائل فاطمة الزهراء (عليها السلام).

وأما أبو جعفر محمد بن جعفر الطبري الكبير فيروي عنه صاحب الدلائل بواسطة أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري عن أبيه هارون بن موسى، كما في الحديث (74) من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام)، ورواية صاحب الدلائل عن سميه الكبير بواسطتين دليل آخر على معاصرة الكبير للشيخ الكليني، ولا يقدح في هذه المعاصرة كان صاحب الدلائل يروي عن الشيخ الكليني مرة بواسطة واحدة كما في الحديث (98) من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام)، وأخرى بثلاث وسائط كما في الحديث (31) من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام)، وذلك جائز بحسب عمر الراوي والمروي عنه، أو بحسب بعده أو قربه عنه.

عنوان الكتاب

من خلال استعراض المصادر التي نقلت عن هذا الكتاب يمكن الوقوف على خمسة عناوين مختلفة له، وهي:

1 - الإمامة: كذا عنونه السيد هاشم البحراني المتوفى سنة (1107 هـ) وقد أكثر النقل عنه في (مدينة المعاجز) بهذا العنوان، فقال في أول الكتاب عند ذكر مصادره: " كتاب الإمامة لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي " (1) وعند أوائل النقل عنه في المعجزة السابعة للإمام الحسن بن علي المجتبى (عليهما السلام) قال:

" أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب الإمامة وكل ما في هذا عنه فهو منه " (2).

____________

(1) مدينة المعاجز: 4.

(2) المصدر: 203.


الصفحة 38
2 - دلائل الأئمة: كذا عنونه الشيخ الطهراني وقال: " ينقل عنه كذلك في (الدمعة الساكبة) وغيره، ويأتي بعنوان (دلائل الإمامة) " (1).

3 - دلائل الإمامة: كذا عبر عنه السيد علي بن موسى بن طاوس في (اليقين) (2) و (فرج المهموم) (3) و (الأمان) (4) و (الملهوف) (5) و (إقبال الأعمال) (6)، وكذلك عنونه العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) (7) والشيخ الطهراني في (الذريعة) (8).

4 - مسند فاطمة: نقل عنه السيد هاشم البحراني عدة أحاديث تحت هذا العنوان في (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) (9) والأحاديث التي نقلها تتفق سندا ومتنا مع دلائل الإمامة (10).

وفي (الذريعة) للشيخ الطهراني، قال: استظهر سيدنا أبو محمد صدر الدين أنه كتاب الدلائل لابن جرير الإمامي (11).

ويبدو أن السبب في هذه التسمية هو أن الأحاديث الستة عشر التي يبدأ بها القسم المتبقي من هذا الكتاب تنتهي جميعا بالإسناد إلى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وبما أن أسلوب المؤلف في هذا الكتاب هو إفراد عنوان تندرج تحته مجموعة من الأحاديث، فلعله أدرج هذه الأحاديث الستة عشر تحت عنوان (مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام) فصار كأنه عنوان الكتاب بعد أن سقط عنوانه والقسم الأول منه

____________

(1) الذريعة 8: 239.

(2) اليقين 50 / الباب 65، 66، 67.

(3) فرج المهموم: 102 و 223 - 245.

(4) الأمان: 66، 135.

(5) اللهوف: 26.

(6) إقبال الأعمال: 6.

(7) بحار الأنوار 1: 20.

(8) الذريعة 8: 241 / 1018.

(9) المحجة: 28 - 48.

(10) انظر دلائل الإمام الحجة (عجل الله فرجه) - الحديث (130) و (131) و (132).

(11) الذريعة 21: 28 / 3790.


الصفحة 39
والذي يشتمل على مقدمة المصنف ودلائل نبوة الرسول الأكرم وإمامته (صلوات الله عليه وعلى آله) ودلائل إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقسم من أوائل دلائل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، ويبدو هذا جليا من خلال السقط في إسناد الحديث الأول من هذا الكتاب، ومن وجود نسخة تامة لهذا الكتاب عند السيد ابن طاوس المتوفى سنة (664 هـ) كما يتبين من مصنفاته التي نقل فيها عن (دلائل الإمامة) وسيأتي بيانه.

5 - مناقب فاطمة وولدها (عليهم السلام): ذكر الحر العاملي المتوفى سنة (1104 هـ) هذا الكتاب ضمن المصادر التي اعتمدها في كتابه (إثبات الهداة) (1) والتي كانت لديه ونسبه لمحمد بن جرير الطبري، والحق أنه كتاب الدلائل الذي بين أيدينا، يؤيد ذلك أن كل ما نقله عن (مناقب فاطمة وولدها (عليهم السلام) في إثبات الهداة يتحد بالسند والمتن مع هذا الكتاب، ويؤيد ذلك أيضا أن ما نقله السيد هاشم البحراني في (مدينة المعاجز) الباب الأول من معاجز أمير المؤمنين (عليه السلام) الحديث (106) (2) من كتاب (مناقب فاطمة (عليها السلام) متحد مع الحديث (51) من دلائل فاطمة الزهراء (عليها السلام).

ونعتقد أن هذه التسمية لحقت الكتاب بعد ضياع نسخته التامة، أي بعد عصر السيد ابن طاوس المتوفى سنة (664 هـ) وبعد بقاء النسخة الناقصة التي تحتوي على مناقب فاطمة وولدها (عليها السلام).

وقد رجحنا التسمية الثالثة (دلائل الإمامة) لتصريح السيد ابن طاوس بها، ولأنه كان مطلعا على نسخة الكتاب التامة، والتي يحتمل أن يكون المصنف قد سمى كتابه في ديباجته.

____________

(1) إثبات الهداة 1: 58.

(2) مدينة المعاجز: 53، وانظر الذريعة 22: 332 / 7322.