بقي هنا شيء:
يجب أن لا ننساه وهو أنّ بعض الجهلة من أهل السُنّة أرادوا بنقلهم النصوص السابقة، وإثارتهم لهذه المسألة بين الحين والآخر، التأكيد على وقوع هذا الزواج من أُمّ كلثوم، اعتقاداً منهم بأنّ ذلك سيفيد معتقدهم ويبلور أطروحتهم، في حين أنّ الأمر لم يكن كذلك، وأنّه إن دل على شيء فقد دلّ على ما يسيء إلى الخليفة ويشوّه صورته وموقعه بين المسلمين، لأنّ تلك النصوص لا تشير إلاّ إلى الأهواء الجامحة في نفس عمر بن الخطّاب، وخصوصاً لو وقفت على مقولته:
ما بقي شيء من أمر الجاهلية إلاّ أنّي لست أبالي أيَّ الناس نكحتُ وأيهم أَنكحتُ(1).
ومثله ما قالته له زوجته ـ حينما كان يريد الحاجة ـ:
ما تذهب إلاّ إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن(2).
إنّ دعوى القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعيدة عن واقع الأمور، فإن نفسيّة عمر تؤكّد شيئاً آخر، حسبما عرفته من النصوص السابقة، وباعتقادي أنّ تناقل هذه النصوص هي إساءة لعمر أكثر من كونها مكرمة أو فضيلة له.
نعم، إنّهم رجوا من نقلهم نصوص التزويج أن تتحول الكراهية بين
____________
1- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 289، كنز العمال 16: 534 ح 45787 (عب، وأبو سعيد).
2- المصنّف لعبدالرزاق 7: 303، المعجم الكبير 9: 338، مجمع الزوائد 4: 304 عن الطبراني والحديث عن عمر، تاريخ دمشق 69: 189.
ولو ألقيت نظرة سريعة على ما حدث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غصب الخلافة، وأخذ البيعة من عليّ قسراً(1)، وتهديد فاطمة بنت محمّد بإحراق دارها(2)، وإسقاط ولدها محسنا(3)، وعدم تولية أحد من بني هاشم السراية والولايات(4) و... لعرفت أنّ الخلاف كان كبيراً لا يُحلُّ بقضية تزويج إِكراهي مفترض.
كلّ هذه الأمور تشير إلى سقم تلك الدعاوي، فإن التراب لا يتحوّل إلى ذهب ـ كما كانوا يتصورونه ـ بالألفاظ والمدّعيات، فلو أرادوا القول بوقوع التزويج استناداً إلى نصوص معينة فإنّ عليهم أن يلتزموا بتواليه الفاسدة، وإن لم يقبلوا التوالي فليس لهم الاستناد على تلك النصوص، إذ لا يجوز تبعيض الصفقة، والأخذ بالبعض وترك الآخر.
وهذه الاختلافات ـ بل المتناقضات في بعض الأحيان ـ تدعونا لأن نقوم بدراسة شاملة لجميع جوانب الحدث، غير مكتفين بالمشهور المتناقل على الألسن.
____________
1- العقد الفريد 4: 247.
2- الجمل للمفيد: 57.
3- البدء والتاريخ 5: 20، الفصل 17.
4- أنظر مروج الذهب 2: 321 ـ 322.
فيجب علينا أن نعرف أولاً:
من هي أُمّ كلثوم؟
وما هي أدوارها؟
وهل وقع خلط بين من سُميّت بـ: " أُمّ كلثوم " في تلك الفترة من التاريخ؟
وهل حقاً أنّها ابنة فاطمة(1)؟
ومن هم الناس في تلك الفترة؟
وما هي الاتجاهات الفكرية والعقائدية والسياسية السائدة انذاك؟
ومن الذي زوّج أُمّ كلثوم: هل أبوها عليّ؟ أم أخواها الحسن والحسين؟ أم عمّها العباس؟ أم...
ومن هم أزواج أُمّ كلثوم بعد عمر، إن كان قد تزوّجها، هل هو عون بن جعفر ثمّ عبدالله بن جعفر(2)؟ أم محمّد ثمّ عبدالله(3)؟ أم عون ثم محمّد ثم عبدالله(4).
____________
1- جاء في الجوهرة في نسب الإمام عليّ لمحمّد بن أبي بكر التلمساني البري: 45... ولمّا دخل اهله [ أي أهل الحسين بن عليّ (عليه السلام) ] على يزيد بن معاوية بالشام وهم في حالة سيئة... قالت له أمّ كلثوم بنت عليّ من غير فاطمة: يا يزيد بنات رسول الله سبايا أذّلة!...
2- أنظر: سير أعلام النبلاء 3: 502، أسد الغابة 5: 616، نسب قريش لمصعب.
3- أنظر: ذخائر العقبى: 171، المعارف: 122.
4- البداية والنهاية 5: 330، سير أعلام النبلاء 3: 502، الإصابة 8: 465، الطبقات الكبرى 8: 463.
بل هل أنها ولدت لعمر أم لا(2)؟
ولو كانت الإجابة بالايجاب، فهل هو زيد فقط ـ كما نُقل عن الزهري ـ وغيره(3)؟ أم أنّها رقية كذلك ـ كما قاله البلاذري وغيره ـ(4)؟ أو فاطمة ـ كما قاله ابن قتيبة ـ(5).
ومن الذي صلّى عليها: هل سعيد بن العاص(6) أم عبدالله بن عمر(7)، أم...
وهل أنّها ماتت وابنها في يوم واحد(8)، أم على التعاقب(9).
____________
1- قال ابن سعد في الطبقات 8: 463، ولم تلد لأحد منهم شيئاً. ومثل ذلك قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 502، أما البيهقي فقد قال في السنن الكبرى 7: 71 فولدت لمحمد بن جعفر جارية يقال لها بتينة.
2- في سير أعلام النبلاء 3: 502 توفي شاباً ولم يعقب.
3- البداية والنهاية 5: 314، ذخائر العقبى: 170 و 171، مآثر الإنافة 1: 89، السنن الكبرى للبيهقي 7: 71.
4- سير أعلام النبلاء 3: 501، الاستيعاب بهامش الإصابة 4: 491، أنساب الأشراف: 190.
5- المعارف لابن قتيبة: 185.
6- ذخائر العقبى: 171، الطبقات 8: 465، سُنن النسائي 4: 71، سير أعلام النبلاء 3: 502.
7- الطبقات 8: 464، الاستيعاب بهامش الإصابة 4: 492 وفي مختصر تاريخ دمشق 9: 162: قيل أن سعيد بن العاص صلّى عليها، والمحفوظ أن عبدالله بن عمر صلّى عليها في إمارة سعيد بن العاص وكبر أربعاً وخلفه الحسن والحسين وابن الحنفية وابن عبّاس وغيرهم.
8- الطبقات 8: 464، سُنن النسائي 3: 71، مختصر تاريخ دمشق 9: 161، تهذيب تاريخ دمشق 6: 29، الاستيعاب 4: 491، التهذيب 9: 362، المعارف: 188.
9- صرح ابن أبي شيبة في مصنفه بأن عبدالملك بن مروان سمّه خوفاً من أن ينازعه الخلافة لأنه ابن الخليفتين، وهذا يشير إلى أنّه كان حياً إلى أواخر القرن الأول الهجري في حين أنّ أمّ كلثوم كانت قد ماتت قبل ذلك، فقد يكون الذي صلّى عليه ابن عمر هو زيد بن أُمّ كلثوم بنت جرول.
ولماذا لقّب زيد بن عمر من أُمّ كلثوم بنت جرول بـ " الأصغر " مع أنه الأكبر حقيقة؟ وهل يصح ما ادّعوه من أنّهم لقّبوه بذلك كرامة لجدّه رسول الله، ولكونه ابن فاطمة الزهراء؟
وما هو المهر الذي أمهرها عمر؟ هل هو عشرة آلاف دينار(1)، أم أربعون ألف دينار(2) أم أربعة آلاف درهم(3)، أم أربعون الف درهم(4)، أم أربعون ألفاً بلا تعيين(5)، أم مائة الف بلا تعيين(6) أم غيرها.
____________
1- تاريخ اليعقوبي 2: 149.
2- التراتيب الإدارية 2: 405.
3- الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: 69.
4- الاصابة 4: 492، أسد الغابة 5: 615، البداية والنهاية 5: 230، 7: 156، الطبقات 8: 340، 464، سير أعلام النبلاء 3: 501، المجموع للنووي 6: 327، المصنف لابن أبي شيبة 3: 319، كنز العمال 13: 625، عمدة القاري 20: 137، مختصر تاريخ دمشق 9: 161، المنتظم 4: 237.
5- سير أعلام النبلاء 3: 501، الطبقات 8: 463، نهاية الأرب 19: 391، تاريخ عمر بن الخطّاب: 267.
6- انساب الاشراف 2: 160.
وجاء في كتاب السرائر: خطب الناس عمر بن الخطّاب وذلك قبل أن يتزوج أُمّ كلثوم بيومين، فقال: أيّها النّاس لا تغالوا بصدقات النساء، فإنّه لو كان الفضل فيها لكان رسول الله يفعله، كان نبيكم يصدق المرأة من نسائه المحشوَّةَ، وفراشَ الليف، والخاتم، والقدح الكثيف، وما أشبهه، ثم نزل المنبر، فما قام إلاّ يومين أو ثلاثة حتّى أرسل في صداق بنت عليّ أربعين ألفاً(5).
إنّه ليثير الاستغراب حقاً؟!
إنّ إعطاء عمر هذه الأرقام الخيالية من الأموال ـ أربعين ألف دينار،
____________
1- التراتيب الادارية 2: 405.
2- النساء: 20.
3- أنظر في ذلك: كنز العمال 16: 534 إلى 542.
4- مجمع الزوائد 4: 284، السنن الكبرى 7: 233، إرشاد الساري 8: 57، الدر المنثور 2: 133، كنز العمال 8: 288.
5- السرائر 3: 637 (قسم المستطرفات / ما استطرفه من رواية ابن قولوية).
ومثل ذلك يأتي كلامنا فيما نقل عن أزواج أُمّ كلثوم بعد عمر، فلو صحّ أنّ أُمّ كلثوم قد تزّوجت عوناً بعد عمر، ثمّ تزوّجها أخوه محمّد بعده، فكيف يمكننا أن نقبل بهذا ونحن نقرأ في كتب التواريخ: أنّ عوناً ومحمّداً ابنا جعفر قد استشهدا بتستر في إيران سنة 17 للهجرة(1)، مع وقوفنا على أنّ عمر كان قد تزوج بأمّ كلثوم في سنة 17 للهجرة ودخل بها في ذي القعده من تلك السنة، حسبما يقوله المؤرخون(2).
فمتى تزوّجها عون ومحمّد، في حين أنّ زوجها الأوّل عمر بقي إلى سنة 23 للهجرة؟!
ومثل ذلك تأتي إشكالية زواجها من عبدالله بن جعفر، إذ أنّ في النصوص: أن عليّاً زوّجها بعون ومحمّد وعبدالله ابناء أخيه جعفر بن أبي طالب، فلو صحّ هذا النقل فكيف يتطابق مع ما ثبت من أنّ عبدالله بن جعفر كان زوج العقيلة زينب، التي شهدت واقعة الطف سنة 60 هـ وماتت في 15 رجب سنة 62 أو 65 أو سنة 74، وهي عند عبدالله بن
____________
1- الاصابة 4: 619، ت 6122.
2- تاريخ الطبري 3: 168، ثقات ابن حيان 2: 217.
فكيف يصحّ القول بأن عليّاً زوّج أُمّ كلثوم من عبدالله ابن جعفر بعد أخويه محمّد وعون، في حين أنّ الإمام عليّ كان قد استشهد سنة 40 من الهجرة.
بل ماذا نقول فيما جاء في أنساب الأشراف، قال:
كتب معاوية إلى مروان ـ وهو على المدينة ـ أن يخطب زينب بنت عبدالله بن جعفر ـ وأُمّها أُمّ كلثوم بنت عليّ وأُمّها فاطمة بنت رسول الله ـ على ابنه يزيد، ويقضي عن عبدالله دينه وكان خمسين ألف دينار، ويعطيه عشرة آلاف دينار، ويصدقها أربعمائه، ويكرمها بعشرة آلاف دينار.
فبعث مروان إلى ابن جعفر فأخبره.
فقال: نعم، واستثنى رضاء الحسين بن عليّ.
فأتى الحسين فقال له: إنّ الخال والد، وأمرُ هذه الجارية بيدك، فأشهد عليه الحسين بذلك.
ثم قال للجارية: يا بنية إنّا لم تخرج منا غريبة قط، أفأمرك بيدي؟
قالت: نعم.
فأخذ بيد القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب فأدخله المسجد وبنو هاشم وبنو أُميّة مجتمعون، فتكلّم الحسين، فحمد الله وأثنى عليه ثّم قال: إنّ الإسلام دفع الخسيسة وتمّم النقيصة وأذهب اللائِمة، فلا لوم على مسلم إلاّ في أمر مأثم، وإنّ القرابة ـ التي عظّم الله حقّها وأمر برعايتها وأن يسأل نبيَّه الأَجر له بالمؤدة لأهلها ـ قرابتنا أهل
بل كيف يمكن الجمع بين الاختين؟ اللهمّ إلاّ أن يقال بأنّ أُمّ كلثوم هذه لم تكن من عليّ وفاطمة، بل هي ربيبته، أي أنّها بنت أسماء ـ زوجة الإمام عليّ ـ أو بنت زوجة أُخرى له (عليه السلام)، والربيبة تعد بمنزلة البنت.
وهذا القول هو الآخر يجب أن يُدرس وأن لا يؤخذ على علاّته، لأنّ كتب التواريخ ذكرت لأسماء ابناً واحداً، وهو محمّد بن أبي بكر، أمّا أُمّ كلثوم بنت أبي بكر فقالوا عنها أنّها بنت حبيبة بنت خارجة الخزرجية، فهي أخت محمّد لكن من أبيه لا من أمه.
بل كيف نرى أُمّ كلثوم تولد لعمر ثلاثه أولاد: زيد، ورقية، وفاطمة، ولا نراها تولد لابناء جعفر بن أبي طالب أي ولد ـ وفي قول يتيم اولدت لمحمد فقط ـ.
وهكذا الامر: نرى أولاد جعفر بن أبي طالب يزوّجون من أمّ كلثوم الواحد منهم تلو الاخر كلّ ذلك بعد أنّ تزوجها عمر.
هل جاء ذلك لتصحيح كلام الإمام عليّ ورضوخاً لأمنيته لأنّه كان قد قال لعمر: حبستهن لاولاد أخي جعفر؟!
هل جاء كلّ هذا صدفة، أمّ هناك أشياء أُخرى وراء الكواليس لم يكشف الستار عنها؟
____________
1- انساب الاشراف ترجمة معاوية ورواه ابن عساكر في ترجمة مروان أنظر هامش شواهد التنزيل 2: 644.
إذاً، لا يمكننا القبول بهذه الأخبار على علاّتها، حيث إنّ شخصية أُمّ كلثوم يكتنفها كثير من الغموض من البداية إلى النهاية، وعلى الباحث والمؤرخ أن يدرس كلّ ما جاء عنها في التاريخ، وأن لا يكتفي بدراسة حالة معيّنة منها، لأنّ شخصيتها كامنة في مواقفها وأقوالها، وهذه النصوص كما تراها مضطربة اضطراباً شديداً جداً، فلا يجوز النظر إلى جانب وترك الآخر، لأنّ ذلك خيانة للعلم والتحقيق.
فمما يجب على المحقّقين والباحثين هو الرجوع إلى النصوص مع ملابساتها. فإن أمكنهم الخروج بنتيجة مطلوبة فنعم النتيجة، وإلا فليؤمنوا بأنّ هذه التناقضات أكبر دليل على أنّ في هذا الامر لغزاً قد يكون متعمّداً، وقد يكون جاء من حالة التشابه بين الأسماء ووحدة المواقف، والأول أقرب للأحداث والملابسات، وهو ما ندعو الباحثين إلى التريّث فيه، وعدم ترجيح رأي على آخر، لأن الوقوف على دور السياسة والأهواء والمصالح في مثل هذه الأمور كفيل بأنّ يحلّ لنا هذا الموضوع.
إن اختلاف النصوص والمدّعيات تدعونا إلى ضرورة بحث ودراسة مثل هذه الأمور، بل تشكّكنا في صحّتها، وتجعلنا نميل إلى عدم
سائلين المولى سبحانه أن يوفّقنا لتقديم دراسة موسّعة عن هذا الموضوع، تُرفع فيها كلّ الاشكالات المطروحة في هذه القضيّة، على أمل اللقاء مع القرّاء في وقت آخر إن شاء الله تعالى.
الخلاصة
تلخّص ممّا سبق عدّة أمور:
الأوّل:
أنّ عمر بن الخطّاب لم يكن معصوماً، وقد أخطأ في فهم كثير من الأحكام الشرعية عن اجتهاد أو مصلحة أو... كما يدّعون، وأنّ المصالح لم تكن شرعية، بل هي مصالح شخصية وهمية.
الثاني:
أنّ عمر بن الخطّاب لم يُعر للقربى منزلة لا في أول الإسلام ولا في فتوّته، ولم يكن على وفاق مع بني هاشم، وأنّ دعوى الحصول على القرابة ما هو إلا غطاء يبتغي من ورائه اُمور خفية، وإذا صحّ مدّعاه فكان الأولى به أن يحاول المصاهرة مع رسول الله مباشرة من خلال احدى بناته (صلى الله عليه وآله) لا من خلال بنت بنته.
نعم أقدم على خطبة فاطمة الزهراء فقط، ربّما منافسة لعلي، فردّه رسول الله وانتهى كلّ شيء.
الثالث:
أنّ النساء كنّ يكرهن الزواج من عمر، لكونه شديداً غليظاً، يدخل
الرابع:
وقفنا على دور بعض أعداء الإمام عليّ ـ كعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة ـ في تطبيق وتطبيع هذا الزواج المفترض، وأنّ عائشة استعانت بهما لدفع عمر عن الزواج بأُم كلثوم بنت أبي بكر، وأنّهما أرادا بسعيهم خدمة عمر والإزراء بعلي معاً.
الخامس:
أنّ نصوص أهل السُنّة تشير إلى كون أمر الزواج سياسي عاطفى، وأنّ عمر بن الخطّاب كان يطلب اللّذة بدعوى الحصول على القربى، أمّا النصوص الشيعيّة ـ الدّالة على الزواج ـ فتؤكّد على الإكراه والجبر من قبل عمر.
السادس:
تعريض المغيرة بن شعبة بعمر بن الخطّاب لمّا قال له وهو بالموسم وقد رأى أُمّ جميل: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟ قال: نعم، هذه أُمّ
السابع:
ناقشنا في البحث الفقهي الروايات الحاكية لزواج أُمّ كلثوم في كتب الشيعة، مشيرين إلى كيفية دخول تلك الأخبار إلى المصادر الحديثية الشيعيّة، ثم منها إلى الفقه، ومدى حجيتها ودلالتها في تلك الفروع.
الثامن:
فتحنا ـ ولحدٍّ ما ـ أثناء البحث الكثير من المواضيع المرتبطة بالموضوع: كتشابه اسم أُمّ كلثوم بنت جرول الخزاعية ـ زوجة عمر قبل الإسلام ـ مع ما قيل عن أُمّ كلثوم بنت عليّ، وامكان استغلال النّهج الحاكم هذا التشابه الاسمي، لكن السئوال يبقى مطروحاً: هل أن زيداً كان إبناً لبنت جرول أو لبنت عليّ؟ وهل أنّه مات صبياً، أو غلاماً، أو رجلاً وأمثالها، موضحين مدى دلالة تلك النصوص على ما نحن فيه.
____________
1- مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: 110، وانظر تاريخ بغداد 6: 182 كذلك.
التاسع:
أنّ القول بوقوع الزواج لا يسيء إلى الفكر الشيعي بقدر ما هو مسيء إلى الفكر الآخر ; لأنّ له مخرج في الدين عند الشيعة، وعدمه عند السنّة، وأن طرح هذه المسألة بين الحين والآخر لا يخدم الطرف السنّي، بل يشدّد الأزمة بين الطرفين ولا يحلها، ويوقف القاريء الشيعي على ظلامة أهل البيت أكثر ممّا مضى، لأنّه يؤكد ما نقل لهم عن الّذي وقع عليهم.
وفي المقابل يشير إلى تداني المستوى الخلقي لعمر بن الخطّاب، إذ أنّ الكشف عن الساق، والضمُ الى الصدر، والتقبيل لا يتلاءم مع الفكر الإسلامي الأصيل، وهذا ما لا يرتضيه أتباع نهج الخلفاء، ولو قرأت كلام السبط بن الجوزي لرأيته مستاءً من وجود تلك النصوص في كتب قومه، إذ قال:
وذكر جدي في كتاب المنتظم: أنّ عليّاً بعثها إلى عمر لينظرها، وأنّ عمر كشف ساقها ولمسها بيده.
قلت، هذا قبيح والله، لو كانت أمة لما فعل بها اذا، ثم باجماع المسلمين لا يجوز لمس الاجنبية، فكيف ينسب إلى عمر هذا(1).
هذا كلام ابن الجوزي، وقد ذكره في كتابه تذكرة الخواصّ، وهو
____________
1- تذكرة الخواص: 288.
العاشر:
وصلنا إلى أن أُمّ كلثوم المدّعى الزواج بها، فيها الكثير من الغموض:
في أصل وجودها؟
ومقدار عمرها؟
ومن هم أزواجها؟
وكيف خطبة عمر لها؟
ومن كان وليها الذي تولى تزويجها؟
وهل الزواج وقع عن رغبة أو رهبة؟
وهل ولدت أم لا؟
ومن هم أولادها؟
وهل حقاً أنها بنت عليّ أم ربيبته؟
ولو كانت بنته، فهل هي من فاطمة، أو من غيرها أو من أُمّ ولد، أو من غيرها؟
ومتى ماتت وكيف؟ ومن صلّى عليها.
فالقضية من البدء إلى الختام محلّ نقض وإبرام، ويحتاج الى وقت كثير للخروج بنتيجة، وحيث لم يسعنا الوقت لمناقشة جميع تلك الأقوال، فقد اكتفينا بالتعليق على أشدّ الأقوال واشهرها على مواقع