لأنّهم يعتقدون بأنّ أقوالهم صحيحة وكأنّها منزلة من عند الله، فمن أنكر شيء من كلامهم أو ردّ ولو حرف واحد فهو كافر مشرك، كما يقول البربهاري المشبه والمجسم في كتابه (شرح السنّة) لأنّه يرى كتابه كالقرآن، اقرأ واعجب من هذا الغرور.
فإنّه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنّه ليس يدين لله بدين، وقد ردّه كله، كما لو أنّ عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنّه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر(1).
هل هذا عاقل أو مجنون، أو أنّه قد ركبه الشيطان ونطق على لسانه حتى قال هذا الكلام الزخرف؟ وربّما كان هو شيطان من شياطين الإنس الذين ذكرهم القرآن ولعنهم.
وأكبر العداء يكنّونه لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) ومن ثمّ للأحناف وأتباع الإمام أبي حنيفة النعمان، والصوفيين من بعدهم، والعداء لهؤلاء من باب العداء المستحكم للأمة الإسلامية كلها ولهؤلاء الخواص.
____________
(1) انظر شرح السنة للبربهاري: ص125.
أ) التعصب: لأنّ الوهابيين يناصبون العداء لأهل البيت (عليهم السلام) ويبغضونهم ويحقدون على شيعتهم؛ ولذا راحوا يحاربون الشيعة بغضاً بأئمتهم، وكما قال أولئك الجفاة الغلاظ للإمام الحسين (عليه السلام) حين قال لهم: لماذا تحاربونني. قالوا: بغضاً منّا لأبيك.
وهؤلاء يحاربونا، ويحقدون علينا بغضاً منهم لأئمتنا وأئمة المسلمين لا لذنب اقترفناه أو مبدئٍ خالفناه، ولكنّ عشقنا لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأبنائه الطاهرين، وإحيائنا لذكرى مولانا وسيدنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في أيام عاشوراء، كل ذلك أكبر ذنب لنا عندهم.
ب) الأوامر والتعليمات الاستعمارية وكما قلنا من قبل، إنّ الوهابية صناعة بريطانية مخابراتية بحتة، وأولئك اللعناء يرون الإسلام بأهل البيت (عليهم السلام) والقرآن، والكعبة المقدسة، فأعطوا تعليماتهم لعناصرهم بمحاولة تدمير الإسلام بهذه الطرق المشينة القذرة.
فغلادستون السياسي البريطاني قال يوماً: «إذا أردتم ترسيخ
ومنذ القرن الثامن عشر وهم يدرسون الإسلام ويبحثون عن نقاط القوة فيه، ونقاط الضعف، فكانوا يهدّموا الأولى ويعززون الثانية.. فكانت أعظم نقاط الضعف في الأمة الإسلامية الاختلاف بين السنة والشيعة، والاختلاف بين الحكام والشعوب، والجهل والأميّة، وترك الدنيا، والدكتاتورية والاستبداد، والمرض وخراب البلاد، وضعف الاقتصاد، وتخلّف الجيوش، واحتقار المرأة.
واللازم حسب رؤيتهم إبقاء المسلمين في جهلهم وتخلفهم حتى لا ينتبهوا إلى نقاط قوتهم وحقيقة دينهم.. لأنّ قوة الأمة العربية والإسلامية بالإسلام وليس بشيء آخر، ولذا فإنّهم وجدوا نقاط القوة بالإسلام وأمته تكمن بما يلي:
____________
(1) بقيع الغرقد: ص 18.
قوة المسلمين
الإسلام يأمرهم بالوحدة، والإخاء والعلم، والوعي، والسعي بالحلال والشورى والأمن وتعاهد الأجساد والأرواح بالصحة والعافية، وعمارة البلاد، والنظام وتنظيم الحياة كلها، واقتصادهم أقوى نظام اقتصادي في العالم، وجيشهم قوي بالإيمان، والمرأة محترمة ومقدرة جداً، والنظافة من الإيمان، ولا يعيرون أي أهمية للقوميات واللغات والألوان فالكل سواء.
ويحرّم الإسلام الربا، والاحتكار، والبغاء، والخمر، والخنزير، والسنّة يحترمون الخليفة والشيعة يقدّسون الإمام، ويتعلقون جميعاً بعلمائهم أشدّ التعلق.. ويؤمنون بالجهاد وبالتالي يعتقدون أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
يهتمون بالتربية الدقيقة على أخلاقيات الإسلام وعقائده، والالتزام بالواجبات وتبادل الحقوق وحرمتها، واجتماعهم بصلاة الجماعات، وبناء المساجد والأضرحة والقباب على قبور الأئمة والأولياء واحترام ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيّما احترام.
وتقديس القرآن ودراسته وتفسيره وحفظه عن ظهر قلب.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزواج المبكر والنسل الكثير، والدعوة إلى الإسلام وتعزيز السنن الحسنة ونشرها في كل مكان.
قوة الشيعة
وهناك نقاط قوّة خاصة بالشيعة يذكرونها في الكثير من الكتب والرسائل والوصايا لعناصرهم، كذاك التقرير الذي كتبه الدكتور (مايكل برانت) المساعد السابق لرئيس الاستخبارات الأمريكية في عقد الثمانينات، وكانت لديهم خطة لتحطيم المذهب الجعفري، وتكلفتها الإجمالية تسعمائة مليون دولار لأجل ذلك.
وفي المقدمة يقول: «إنّه في عام 1979 حدث زلزال كبير في المفاهيم الغربية القريبة المتوازنة، هذا الزلزال هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
وبناءاً على دراسات، فقد عقد مؤتمر مخابراتي موسّع جداً في الولايات المتحدة الأمريكية وحضره رئيس الاستخبارات البريطانية وذلك في عام 1983 وتوصلوا في نهاية المؤتمر إلى ما يلي:
إنّ النظرية الإسلامية في الحكم أصبحت حقيقة واقعية، وإنّ الشيعة بالذات يقتدون بسبط الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الإمام الحسين (عليه السلام) في مكافحة الظلم والذي ثار ضده قبل ألف وأربعمائة عام، وحتى اليوم تقام المواكب والمآتم بمناسبة استشهاده وبطولاته في كربلاء، لإحيائها بقوة من جديد، ولذا فإنّنا رأينا أنّ هذين
وقسم العمل إلى ثلاث مراحل:
1- مرحلة جمع المعلومات.
2- الأهداف القصيرة الأجل.
3- الأهداف الإستراتيجية المطلوبة.
في المرحلة الأولى: تمّ إرسال باحثين إلى جميع أنحاء تواجد الشيعة ومنهم من قدم رسالة دكتوراه، وآخر ماجستير بأحوال الشيعة ومراسم العزاء بالإمام الحسين (عليه السلام).
وطبقاً للدكتور برانت فإنّه رأى أنّ مراجع الشيعة وعلماءَهم، هم القوة المحركة الحقيقية في هذه الطائفة، والتاريخ يشهد أنّ العراق حرره الشيخ محمد تقي الشيرازي في ثورة العشرين، وإيران بثورة التنباك وغير ذلك من مواقف مراجع الشيعة الكبار في هذا المجال.
وأمّا القوة الثانية: فإنّها مراسم العزاء الحسيني في عاشوراء والشعائر الحسينية لدى الشيعة، وبرانت يهوله هذا الرقم الهائل والحضور الحافل في مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) والتعاطف المنقطع النظير مع فجيعة كربلاء.
1- إيجاد شيعة ضعيفي الاعتقاد ويحبّون المال والماديات.. ودعم بعض الخطباء قليلي المعرفة.
2- إيجاد صنف من الشيعة مهمته إلقاء التهم وتبادل الاتهامات لا سيما للمراجع والشخصيات القيادية.
3- الاعتماد على صنف يخترق المجالس مباشرة لتصويرها على أنها ممارسات جاهلة من الأوباش.
4- التهويل وإعطاء الحجم الكبير للقضايا الذي يتكلم بها الخطباء، وهي غير معقولة لإحداث البلابل في الوسط الشيعي.
هذا ما يخص مجالس عاشوراء، أمّا الخطّة العامّة لضرب الشيعة فإنّها تتضمن:
1- تعيين ومساعدة الأشخاص الذين يكرهون الشيعة ويتحاملون عليهم، ودعمهم بشتى الوسائل والإمكانيات (الوهابية خير من نفذ ذلك).
2- القيام بحملة واسعة لتشويه سمعة الشيعة وعزلهم عن الوسط الإسلامي العام.
4- الدعاية الواسعة ضد الشيعة من المراجع لضرب القمة بالقاعدة في الطائفة.
والسلفية الوهابية تقوم بكل ما يُملى عليها من تعليمات لضرب الإسلام وتقتيل المسلمين كلهم، لا سيما أتباع المذهب الإسلامي والأقوى، مذهب أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وها هي الساحة العراقية تشهد على ما نقول، بعد أنْ شهدت الساحة الأفغانية قبل ذلك، والساحة الباكستانية والكشميرية كذلك.
وإليك نموذجاً واحداً لما يشاع حالياً في الساحة العراقية والدولية ومن أتباع محمد بن عبد الوهاب ضد الشيعة، وبين يدي رسالة لأحد رؤوسهم يوجهها إلى أسامة بن لادن يقول في بعضها:
«الصليبيون الصهاينة بدورهم يرون أنّ دين الرافضة يقوم على نسف كل قيم الإسلام وحضارته، وتاريخه، فالرافضة يعتقدون أنّ تاريخ الأمة لم يكن سوى مؤامرات متواصلة على بيت النبوة.
فعادت ثوابت الحضارة الإسلامية، وتاريخ الإسلام كلها إلى زيف عند الرافضة.
فلا جرم أنْ كان أقرب طريق مختصر لضرب الحضارة الإسلامية هو طريق النجف - تل أبيب - واشنطن.
ومن الواضح أنّ المخطط الصهيوني رافضي، قد انجلت معالمه، واتضحت مراميه، وانكشف أنّ التحالف بين واشنطن والنجف والذي يمر عبر تل أبيب يهدف إلى ضرب الحضارة الإسلامية، بهذه الطائفة والى زعزعة النظام العام لقيم حضارتنا، ومفاهيمنا، وأخلاقها، وإشاعة الفوضى السياسية والفكرية والثقافية في العراق والخليج باستغلال الدين الرفض، ورموزه، ومؤسساته»، إلى أنْ يقول: «هذه الأيام تكتظ العراق، والمحافظات الجنوبية، وبالذات النجف وكربلاء.
بأكبر معرض للشرك والإشراك في العالم للاحتفال بما يسمى بعاشوراء الحسين، مشهد لم يره العراقيين العقلاء من قبل لأنّ النظام السابق كان يمنعه منذ 35 سنة.
أما بغداد فوا أسفاه على بغداد فقد أصبحت كأنّها إحدى المحافظات الإيرانية في كل شيء ما عدا مآذن مساجد السنّة والجماعة، كصور الشرك، واللطم، وضرب السياط، والتطبير وسب الصحابة لا سيما الصديق والفاروق».
هذه بعض السخافات والاتهامات التي انهال بها هذا العبد الذليل أمام أسياده الأمريكان، يرمي شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بكل تهمة
وما هو بالحقيقة إلا دمية صغيرة وحقيرة تحرّكها أصابع الأعداء من خلف الكواليس، فيظنّ الجاهل أنّ هذا الشكل وتلك الصورة حقيقية، وأمّا أصحاب البصائر فإنّهم يعلمون علم اليقين أنّهم خشب مسنّدة لا أكثر ولا أقل. أخزاهم الله وقلَّل أمثالهم في صفوف الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان.
الإرهاب الخطابي
أما بقية أقسام وأشكال العنف اللساني، فإنّ قاموس الجماعة اللفظية: هو قاموس من السباب والشتائم تتوزع بكل اتجاه وعلى كل من يخالفهم الرأي. وبالحقيقة أنّك تستغرب ويستولي عليك العجب العجاب من مجرّد سماع أحدهم يتحدث، فتراه في حديثه حدة وقسوة، وما من جملة إلا وفيها اتهام أو تكفير أو سباب.
وكأنّ الرجل منهم خريج المراعي القاحلة التي لا يخرج منها إلا النشاز ولا تشمّ منها إلا رائحة عفنة كرائحة الرجيع المقززة، وتتأسف وتقول: واويلاه على الإسلام وأهله إنْ كان مثل هذه الحثالة يتحدثون باسمه الشريف ويتعاملون مع الناس بأعمال أبناء الشوارع من الشذّاذ الذين لا أب لهم ولا مربي يرعى شؤونهم ويعلمهم أصول التعامل مع الناس.
وقد تتأسف على وقتك ونفسك إذ ما سمعتهم؛ لأنّ استماعك إليهم أنّك مشتوم أو متهم بالكفر، أو الشرك، أو عدم التوحيد.. لأنّك إذا لم تكن معهم فأنت عليهم، ولذا فحربك واجب وجهادك لابدّ منه.. ولا تظن.. يا عزيزي أنّنا نتحدث عن دوائر الاستكبار العالمية أو المنظمات اليهودية بل نتحدث عن الوهابية وعدائهم للأمة الإسلامية.
العنف العملي
وهذا واضح وجلي لكل ذي عينين فما من بقعة من بقاع الأرض حالياً إلا وفيها جرائم من آثار أولئك الجهّال.. وما الحرب الكونية الثالثة على الإرهاب إلا من نتائج أفكارهم الفاسدة، وأعمالهم المعادية للإنسانية، فالتفجيرات تجتاح العالم، وأصبح العالم الإسلامي كله في قفص الاتّهام، فأنت مسلم يعني أنّك إرهابي بالقوة وإنْ لم تكن إرهابياً بالفعل، أمّا إذا كانت لحيتك طويلة وثوبك قصير فأنت إرهابي بالقوة والفعل.
فمن أفغانستان وتدمير المعابد، وتفجير الكنائس والأديرة وإعدام بوذا شنقاً..؟ وحتى باكستان وتفجير المساجد التابعة لشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، إلى أنْ تصل إلى العراق وما فعلوه في يوم عاشوراء من تفجيرات لا إنسانية في كل من كربلاء والكاظمية والنجف، حيث قتلوا العشرات وأصابوا المئات وقتلوا السيد محمد باقر الحكيم وقطعوه إرباً حتى لم يبق منه إلا بعض يده بجوار جده أمير المؤمنين (عليه السلام).
وما زالوا يفعلون ما يندى له جبين الإنسانية من قتل الأبرياء،
لا لشيء لحبّهم سفك الدماء البريئة، وقتل النفوس الآدمية، فلا قيمة لأحد عندهم؛ لأنّهم من أجناس اليهود الذين يرون بأنفسهم أنّهم شعب الله المختار وعرقهم صافي ودمائهم نقية لم يخالطها غير اليهودية، وهؤلاء كأولئك اللعناء الذين مسخوا بالأمس قردة وخنازير وعبدة الطاغوت كما صرَّح بذلك القرآن الكريم.
الوهابية والعداء للإنسانية
الناس مشتركون في هذه الدنيا بخصائص ثابتة، وأول هذه الخصائص هي الإنسانية وأسميتها بأصالة الإنسانية ورحم الله القائل:
الناس من جهة التمثال أكفاء | أبــوهم آدم والأمُّ حـــواء |
وأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) يقول بعهده لمالك بن الأشتر النخعي: «فإنهم [الناس] صنفان أمّا أخ لك في الدين أو نظير في الخلق"(1).
والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول قبل ذلك كله: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى"(2).
ورسالة الإسلام رسالة عالمية شاملة وكاملة تنادي بالناس قبل المؤمنين، وتدعوا الجميع إلى عبادة رب العالمين، وتحاور جميع الأطراف المختلفة (بالحكمة والموعظة الحسنة)؛ لأنّ الفظاظة
____________
(1) نهج البلاغة: 3/84، عهده لمالك الاشتر على مصر.
(2) مسند أحمد: 5/411.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): «أدبني ربي فأحسن تأديبي»(2).
وقالت زوجته: «كان خلقه القرآن»(3).
والقرآن يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(4).
ويقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ}(5).
فالإسلام رسالة أخلاق، وأدب، ومناقب عالية، وقيم سامية (ديناً قِيَماً) ليس فيها من قلّة الأدب -حاشاه- ولا يتطرق إليها أي شائبة من قلة الحياء، أو سوء الآداب، ولذا فإنّ إسلامنا علَّمنا أنْ نكون دعاة محبة وسلام، وأخّوة، ووئام.
أمّا منطلقات خوارج العصور المتأخرة فهو من سويداء قلب الجاهلية الجهلاء في كل شيء إلا بتاريخ الزمان، فكل تصرفاتهم وأخلاقهم وكلماتهم، تنطلق من فكر جاهلي بحت.. لا أثر للأخلاق
____________
(1) آل عمران: 159.
(2) الجامع الصغير للسيوطي: 1/51.
(3) مسند أحمد: 6/91.
(4) سبأ: 24.
(5) آل عمران: 64.
فلا أخلاق عربية، ولا شيم ولا شهامة إنسانية.. بل نزع الله الرحمة والرأفة من قلوبهم؛ لأنّهم حجَّروها وباعوها إلى أعدائهم، فساقوهم إلى أبشع من كان من الحضيض الإنساني والتدني الأخلاقي… وكأنّ القوم تربّوا في شوارع شيكاغوا أو أقبية هوليود التي لا أثر للأخلاق فيها، ولكن لا يخلو أمرهم من الإنسانية كما أعتقد وأرى.
وأمّا الوهابية فإنّهم تخلّوا حتّى عن أصالتهم الإنسانية وذلك حين أعلنوا الحرب على بني جلدتهم جميعاً دون ذنب يذكر، لأنّك إذا لم تكن وهابياً سلفياً فأنت عدو لدود، ودمك ومالك وعرضك مباح لهم.
الوهابية والغرب
إنّ الغرب صار به كتلك العجوز العربية التي خرجت ذات يوم إلى المراعي فرأت فرخ ذئب يتلوى جوعاً وقد شارف على الهلاك، فحملته وجاءت به إلى خيمتها، وراحت ترضعه من لبن شاتها الى أنْ قوي وترعرع، فجاءت إليه يوماً وإذ به قد ذبح الشاة وجلس على صدرها يأكلها فتفجعت وقالت شعراً:
بقرت شويهتي وفجعت قلبي | فمن أنبأك أنّ أباك ذيب |
غذوت بلحمها ونشأت معها | فـأنت لشاتنا ولد ربيب |
إذا كـان الطباع طباع سوء | فلا نسب يفيد ولا ربيب |
فالغرب -وبالخصوص بريطانيا- اخترع المذهب الوهابي، ورعته وغذته حتى قوي واشتد عوده على أمل أنْ يقوى وينقضُّ على الإسلام ويكيده، وهكذا فعلوا فعلاً منذ زمن طويل حيث عاثوا فساداً وإفساداً في بلاد المسلمين، فقتلوا البشر، وهدموا الحجر، وأحرقوا الشجر دون خوف أو حذر.
هدّموا القباب العالية، ونهبوا الأضرحة الزاكية، ودمّروا المساجد وآثار الرسالة الخالية.. فأعادوا الأرض يباباً من تلك الآثار، وعادت
ألا فالعجب كل العجب من هؤلاء الجهّال، فإنّ في كل دولة من دول العالم تقام نصب تذكارية وأضرحة لمجهول تحت اسم (الجندي المجهول) يزار ويقدّر ويقدّس.. وهؤلاء يعمدون إلى كل أثر من آثار صاحب الرسالة المباركة، ليمحوا آثارها ويجعلونها لا أثراً ولا عين.
الغرب أراد ذلك بكل تأكيد إلا أنّ السحر انقلب على الساحر -كما يقال- في هذه الأيام، حيث قوي هؤلاء على الدماء البريئة التي سفكوها دون حق في أمتنا الإسلامية، وتورَّموا من نهب ثرواتنا النفطية، وصاروا قوادين بالدينار والدولار، وفراعنة في الحياة وتملكهم حبّ القوة والقهر، فالتفتوا إلى الغرب المشرك الكافر، ورأوا به عدواً حقيقياً واجب جهاده.
فأعلنوها حرباً شعواء على الغرب طمعاً بتدميره، واحتلاله، وتحويله إلى صحراء، قاحلة لا ماء ولا نبات فيها.. أرادوا التدمير بدلاً من التعمير، والهدم بدل البناء، والأرض بدل السماء والحقد والفساد وسفك الدماء.
والأوروبيون عامة، والشعوب المرفهة الغنية لم يعتادوا على تلك الفلسفة، فهم لا عهد لهم بالحروب؛ إلا على شاشات هوليود
فالسلفية الوهابية كانت ربيبة بثوب مفصّل جميل إلا أنّها وبلحظة من اللحظات تحوّلت إلى قاتل مفترس انقضَّ عليهم، وراح ينهش لحومهم ويمزّق أجسادهم بمخالبه التي قلّموها، والقوة التي درّبوها، مستعملين أنواع القتال التي تعلموها عندهم.. فكانت الطامة الكبرى عليهم حيث فجعوا مراراً وتكراراً.
- بالابن الربيب، المجاهدين وعملاء المخابرات والأصابع المتحركة عن بعد لتنفيذ الأوامر.
- بالشعب الذي فقد أمنه وراح يعيش هاجس الإرهاب في كل لحظة.
- بالاقتصاد الذي نكبوه أشد النكبات وصرفوا بلايين البلايين من الدولارات.
وما زال الأمر يتفاقم، والحرب في بداية الطريق، ولا يعلم نهايتها إلا الله سبحانه وتعالى، إلا أنّها حرب الجميع ضد الجميع في كل زمان ومكان.
الخاتمة
إنّ الحديث عن هؤلاء القوم الخونة، هو حديث عن آلام الأمة وعذابها ونكباتها المتلاحقة في هذا العصر، ومنذ حوالي القرنين من الزمان، حيث بزغ وطلع قرن الشيطان من شرق الحجاز، نجد ومن بلد مسيلمة الكذاب وشريكته سجاح في الماضي البعيد.. ومحمد بن عبد الوهاب ومن شاركه من العشائر النجدية بالأمس واليوم الذي نعيش فيه.
ولكن للحقيقة نقول؛ إنّ هؤلاء الناس ينقسمون الآن إلى فئتين هما:
1- العلماء والرؤوس: هؤلاء قطعاً يعلمون الحقيقة علم اليقين، وهم على غاية من الدراية بأصول اللعبة السياسية المطلوب منهم تنفيذها، ولا همّ لهم إلا الدينار والدولار، وفي كل أمسية جارية تؤنسه من بني الأصفر، كصفية وآسيا بالنسبة لشيخه الأكبر محمد عبد الوهاب.
2- العامة والذنابي: وهؤلاء مغرَّر بهم فلا يعلمون من الحقيقة شيء، إلا أنّهم اقتاتوا على بعض الفتات، فراحوا كالهررة يلحقون
أو أنّهم لا من هؤلاء ولا من أولئك، بل هم همج رعاع ينعقون وراء كل ناعق، بهرهم كلام وهندام أولئك القوم فقالوا: هذا هو الإسلام.
لحاهم طويلة، وأثوابهم قصيرة، وسواكهم معهم، ويتحدثون عن السنّة والفرقة الناجية، ويجزمون ويقطعون بأنّهم الفرقة تلك، وغيرهم كافر أو مشرك أو فاسق.. فهؤلاء معذورون ولكنّهم يحتاجون إلى جهود كبيرة لتبصيرهم وإعادتهم إلى جادة الصواب وحظيرة الإسلام المباركة.
أمّا الرؤوس فلابدّ من قطعها، أو رضخها، أو بترها، لأنّهم كرأس الأفعى يلدغ وهو مقطوع، ويؤذي وهو منزوع عن جسده. أما الذنابي والجهال فلا تأثير لهم ولا أثر فبمجرد قطع الرؤوس تموت الذنابي وتتلاشى الدعوى إلى تلك المبادئ الهدامة.
إنّ الوهابية تدَّعي التجديد، ويكتبون على كتبهم، لا سيما محمد ابن عبد الوهاب الإمام المجدد، والتجديد عندهم بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار كما في الرواية فالتفتوا إلى هذه الناحية فقالوا: بل ندعو إلى الإصلاح.
والإمام الحسين (عليه السلام) السبط الشهيد عندما خرج لطلب الإصلاح في
وأي تجديد ترغبون أيها الناس.. قولوا لنا بحق ربكم عليكم يا دعاة الإصلاح بالفساد؟! واعلموا أنّ الإصلاح في القرآن والإسلام لا في الغرب ودوائر الاستعمار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
مصادر الكتاب
1. القرآن الكريم.
2. ابن تيمية، صائب عبد الحميد، مركز الغدير للدراسات، قم الطبعة الثانية: 1417هـ - 1997م.
3. البراهين الجلية، السيد محمد حسن القزويني بتقديم العلامة محمد كاظم القزويني.
4. بقيع الغرقد، الشيرازي.
5. تاريخ اليعقوبي، ابن واضح، دار صادر، بيروت.
6. تبديد الظلام، ابراهيم الجبهان.
7. تكملة السيف الصقيل، محمد زاهد بن الحسن الكوثري، مطبوع في نهاية السيف الصقيل للسبكي، مكتبة زهران.
8. تيارات الفكر الاسلامي، د. محمد عتمارة، دار الشروق، القاهرة الطبعة الثانية، 1411هـ - 1991م.
9. الجامع الصغير، السيوطي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ.
10. الحموية الكبرى، ابن تيمية.
11. دراسات استراتيجي، محمد جمال باروت، العدد11.
12. الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية،
13. دستور الوحدة الثقافية، محمد الغزامي، دار القلم، دمشق، الطبعة الرابعة، 1424هـ - 2003م.
14. رأس الحسين، ابن تيمية، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ _ 1985م.
15. رحلة ابن بطوطة، ابن بطوطة.
16. رسالة في الرد على الرافضة، محمد بن عبدالوهاب، مركز البحث العلمي واحياء التراث، الطبعة الثانية، 1400هـ.
17. السلفية مرحلة زمنية، محمد سليم البوطي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية، 1417هـ - 1996م.
18. السلفية الوهابية، حسن السقاف، دار الإمام النووي، عثمان - الأردن، الطبعة الاولى، 1423هـ - 2002م.
19. سنن ابي داود، ابن الأشعت السجستاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ - 1999م.
20. سنن الدار قطني، الدار قطني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ - 1996م.
21. شرح السنّة، البربهاري، دار السلف، الرياض، الطبعة الثالثة، 1421هـ - 2000م.
22. صحيح البخاري، البخاري، دار الفكر، بيروت، 1401هـ - 1981.
24. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، دار الفكر، بيروت.
25. الصواعق الإلهية، سليمان بن عبدالوهاب، مكتبة ايشيق، استانبول، الطبعة الثالثة، 1399هـ -1979م.
26. الفتاوى الحديثة، ابن حجر الهيثمي.
27. فتاوى مهمّة، عبدالعزيز بن باز، محمد بن عثيمين، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1413هـ.
28. مذكرات مستر همفر، مستر همفر، مطبعة الشهيد، قم، 1422.
29. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت.
30. المعجم الكبير، الطبراني، دار احياء التراث العربي.
31. معلومات مهمّة عن الدين، محمد جميل زينو.
32. منهاج السنّة، ابن تيمية، المكتبة العلمية، بيروت.
33. منهج البلاغة، دار الذخائر، الطبعة الأولى، قم - ايران، 1412هـ.
34. يوم البقيع، الصفار.