الفصل الخامس

عوامل في بناء شخصية الانسان

 

 

«أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ.

وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالاَْرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْء قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالاَْدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الاَْمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ».

* * *

رأي في صدور هذا النص:

اتّفق لنا أن اجتمعنا بسماحة شيخنا الحجة المتبحِّر، الشيخ محمّد علي الأُوردبادي(1) ـ حفظه الله تعالى ـ في أثناء مشغوليتنا بكتابة هذه الفصول، فجرت مذاكرة حول هذه الفقرات وتوضيح المراد منها، فأنكر الشيخ صدورها عن الإمام أشد الانكار، وبرهن على رأيه بالبرهنة العقلية حسب عرفانه الجمّ، فطلبنا إليه أن يملي علينا رأيه، فأجاب وأفاد وإليك ما أفاد:

«هذه الفقرات ممّا تسلب الثقة عن صدورها عن مبدأ الخلافة الكبرى، لأنّ الإمام معصوم عن الخطأ والزلل وعن كل ما يصم مقامه، وينفّر عنه القلوب، من الخبل والعطل الذي هو النقص في الرأي، وهذا أصل مسلّم من أُصول الشيعة المسلّمة عندهم جمعاء.

وإن النقص في الرأي من طبيعيات الإنسان متى طعن في السن، لكنه من لوازم الأفراد العاديين لا الإمام الذي شرع سواء في أوّليّاته وأُخرياته، فإنّه مكلوء عن تسرّب النقص إليه في كل الحالات.

وقد دعمت ذلك البرهنة العقلية والسمعية، بالرغم مما تحذلق به ابن أبي الحديد من أنّه يدلّ على بطلان قول من قال إنّه لا يجوز أن ينقص في رأيه، وأن الإمام معصوم عن أمثال ذلك.

وخبط آخر خبط عشواء بقوله: إن القوى النفسانية تضعف عند علوّ السن لضعف الأرواح الحاملة لها، فينقص بذلك تصرّف العقل وتحصيله للآراء الصالحة، وهذا من الأغلاط الشائنة، لأنّ من واجب المنصب أن يكلأه المولى سبحانه عن كل ما يزري به، وينقص من محله، ويجلب الشماتة إليه، وأيّ منقصة أعظم من أن يُعتقد أن الإمام كغيره يخرف في أُخرياته، إذن فتسلب الثقة عمّا يبلّغه ويفوه به في منصرم أمره، ولسنا نذعن لمن حسب أن الإمام كالنبي (صلى الله عليه وآله)إذا أزف إليه الموت فإنّه يهجر فيما يقول.

وينجلي لديك ما ارتأيناه ـ من عدم الثقة بصدور هذه الفقرات من الإمام ـ قوله (عليه السلام): «أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى، وفتن الدنيا، فتكون كالصّعب النّفور»، أفمن المعقول أن يكون الإمام السبط المجتبى، تعترضه غلبات الهوى فيكون معها في صراع يسفر عن غلبة الهوى على عقله الواسع، ويسفر عن الخور في مقاومة النفس الأمّارة، أو أن يبلغ من الانحطاط حداً يشبه فيه بالصعب النفور، فيصعب بذلك حمله على الحق وجذبه إليه، كما حسبه بعض من أخذ بالظواهر من الشراح.

وقد غلط ابن أبي الحديد فأظهر ما انطوى عليه ضميره من مناوأة أئمة الهدى (عليهم السلام) بقوله من تتمة ما أسلفناه من القول الشائن: (كذلك قوله (عليه السلام) للحسن: «أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا يدل على انّ الامام لا يجب أن يعصم عن غلبات الهوى ولا عن فتن الدنيا)(2).

أو أن نُشَبِّه قلب الإمام (عليه السلام) بالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فهذه وإن كانت سنة طبيعية في العاديين، لكن لا في من قيَّضه المولى سبحانه حجة على العالمين كالأنبياء والحجج الذين هم الوسائط بين المولى وعبيده، فمنهم من بعثه بالرسالة صبياً، ومنهم من جعله في المهد نبياً، فالطفولة والكبر غير داخلين في حقيقة المنصب ولياقة المنصوب.

أوَ مِنَ الجائز أن يقسو قلب الإمام عن الانقياد للحق؟ ويشتغل لبُّه بالأُمور الباطلة كما يرتأيه بعض من لم يتعدَّ الظاهر من الألفاظ من شراح الخطبة.

لاهاالله تلك هي جمل مدسوسة،تقوّلهاأضدادالحقوالمناوؤن للمبادئ الصميمة.

أضف إلى هذه كلها ما تقدَّم في أوليات الوصية من قوله: «عبد الدنيا، وتاجر الغرور» فنحن بأيّ شيء فسّرنا العبد والتاجر، فليس من المستطاع تطبيقه بأئمة الهدى، الذين هم في منتأى عن الغرور وعبادة الدنيا.

هذا ما نرتأيه في المقام ونحن لا نلين لأي متعصّب في القول، أو متحذلق في العقيدة، ونرتأي أيضاً أن من يقول بمقتضيات هذه العبائر فإنّه قد ارتكب عظيماً، وارتقى مرتقىً صعباً».

 

مناقشة العلامة الاُوردبادي:

وهذا الرأي مع حظّه العظيم من المتانة والانصاف مدفوع بأن الإمام (عليه السلام) فرد من أفراد المجموعة البشرية يجري عليه ما يجري على الفرد منها، إلاّ أن الصارف الإلهي الذي تحلّى به الإمام يصرفه عن كل ما يشين وينفّر، وهذه الفقرات صادرة منه ـ صلوات الله عليه ـ على أُصول العظات، والقواعد التربوية لبيان ما عليه البشر من حيث هو بشر، من الانتكاس في بدنه ورأيه في أُخريات وجوده، وإن كان هو ومن في مرتبته بحسب المنصب الإلهي والخلافة الكبرى مصوناً من أمثال هذه المزريات.

فكلامه ـ صلوات الله عليه ـ يجري مجرى كلام النبي يوسف الصديق (عليه السلام)إذ يقول: (وما أبرّي نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي) [يوسف : 53 ]وكقوله تعالى حكاية عنه: (والاّ تصرف عنّي كيدهنّ أصبُ إليهنّ وأكن من الجاهلين) [يوسف : 33].

 

عود الى شرح النص:

قال الشيخ الجليل ابن ميثم (رحمه الله) في شرح هذه الفقرات:

في هذا الفصل مقاصد: الأول أنّه اشار (عليه السلام) إلى بعض العلل الحاملة له على هذه الوصية، وهي كونه قد بلغ سناً عالياً، وأخذ ازدياداً في الضعف، وذلك أنّه كان (عليه السلام)قد جاوز الستين، فلزم من ذلك خوفه لأحد الخصال المذكورة، وعدّ من تلك الخصال ثلاث:

الأُولى: أن يُعجّل به أجله إلى الآخرة قبل أن يوصل إليه ما في نفسه من الحكمة الأدبية والمعاني النفسانية.

الثانية: أن ينقص في رأيه، وذلك أن القوى النفسانية تضعف عند علوّ السن لضعف الأرواح الحاملة لها، فينقص بسبب ذلك تصرف العقل وتحصيله للآراء الصالحة.

الثالثة: أن يسبقه إليه بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فإنّ الصبي إذا لم يؤخذ بالآداب في حداثته، ولم تروّض قواه لمطاوعة العقل وموافقته، كان بصدد أن تميل به القوى الحيوانية إلى مشتهياتها، وينجذب في قياد هواه إلى الاستعمال بها، فيفتنه ويصرفه عن الوجهة الحقيقية وما ينبغي له، فيكون حينئذ كالصعب النفور من الابل، ووجه التشبيه أنّه يعسر حمله على الحق وجذبه إليه بعد ذلك، كما يعسر قود الجمل الصعب النفور.

ثم نبّه (عليه السلام) على وجوب المبادرة إليه بالأدب وزرعه في قلبه ـ أي بقلب الصبي ـ فقال (عليه السلام): «وإنما قلب الحَدِث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته»، وذلك أن قلب الحدث لما كان خالياً من الانتقاش بالعقائد وغيرها، مع كونه قابلا لما يلقى إليه من خير أو شر فينتقش به، أشبه الأرض الخالية من النبات والزرع القابلة لما يلقى فيها من البذر، وكل قلب كان كذلك فيجب أن يسبق إليه ببذر الآداب وغرس الحكمة، فلذلك يجب أن يبادره قبل أن يقسو قلبه عن الانقياد للحق، والاشتغال بالأُمور الباطلة»(3).

 

التربية منذ الطفولة:

ليس لدى الطفل إلاّ المدركات الحسية التي تناسب القوة الشهوية والغضبية، فهو في هذه الحال بمنزلة الحيوان، يهوى المحسوسات إذا تخيّل فيها نفعاً، وينفر إذا تخيّل ضرراً، فقوّته العاقلة بمنزلة جوهرة نفيسة خالية من النقش قابلة لما يرسم فيها من حسن أو قبيح، فهو أمانة في يد أبويه، أو من وكلت إليه تربيته، فعليه أن يحفظه من موارد التلف.

فإن نقش فيهاالمعلومات الحقة المفيدة، وطبّعه على الأخلاق الفاضلة، وجنبه الأباطيل والرذائل، وعوّده خير الأعمال أثابه الله على حفظ تلك الأمانة، والعمل الصالح الذي كان به كمال ذلك الطفل، ذلك الكمال الذي أفاده وأفاد أسرته ومعاشريه بل أمته وبني الإنسان، وإلاّ كان ضاراً لنفسه بعدوله عن حفظ ما إئتُمِنَ عليه، ضاراً لتك الأمانة ولأُسرتها ولأُمّتها.

يرشد إلى هذا قول الرسول (صلى الله عليه وآله): «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه»(4) والمرء كما هو مسؤول عن إصلاح نفسه وإفسادها، مسؤول عن إصلاح نفس من وكلت إليه تربيته وإفسادها.

يجب أن يعلّم الطفل من المعلومات النافعة شيئاً فشيئاً على المقدار الذي يصل إليه عقله، كما يجب الاحتراس من تعليمه شيئاً أعلى من مداركه، ولا يلقى إليه شيء من المعلومات الباطلة، والأقاصيص الكاذبة، فإنّ ذلك مجلبة فساد الأخلاق وباطل الآمال، فمن الأشياء الموجبة لسوء تربية النشء قراءة الأقاصيص والروايات المملوءة بالأباطيل، فانها تؤصِّل فيه الأماني الكاذبة فوق ما تجلبه من الخوف والكذب، واتباع هوى النفس، وليس ذلك بمقصود في مبحثنا هذا لأنّه من مباحث علم النفس.

 

غرس الفضيلة في الطفل:

ولنذهب إلى القول في طريق إنماء القوّة الحِكَميّة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة فيه، وهو خلو من هذه أو من أضدادها، فإنّه أسهل وأنسب بطريقنا، وأنفذ للوصول إلى الكمال المطلوب.

1 ـ وجوب التبكير في غرس الفضيلة:

إذ إلقاء بذر في مغرس خال لا يحوج إلى عناء، كالعناء الذي ينشأ عن إلقائه في أرض مملوءة بالحشائش الفاسدة، والجذور المتلفة لنماء ذلك البذر، فإنّه يستدعي قبل الالقاء تعباً عظيماً في تنقية ذلك المغرس من تلك الحشائش والجذور العائقة عن إنبات البذر نباتاً طيباً يثمر ثمراً حسناً.

2 ـ أثر القدوة:

يجب أن يُعوَّد الطفل الصدق في كل أقواله، ومن أقوم السبل إلى ذلك نشأته بين أسرة لا تقول إلاّ حقاً، فلا يُرَغَّب ترغيباً كاذباً ممن هو بينهم لأنهم بذلك يجرونه إلى الكذب، وإذا درج عليه مرة درج أخرى وهكذا حتّى يكون خُلُقاً راسخاً يصعب علاجه.

فالطفل قابل لما يودع في نفسه من حَسَن أو قبيح، ألا ترى أنّه ينبت على مثال كافله ومربيه، وأخلاق مربيه تصل إلى قرارة نفسه من حيث لا يشعر، فإنّه يراه أعظم منه لكونه قائماً بشأنه، صاحب أمره ونهيه، فيحاكيه محاكاة المفضول للفاضل.

ولذا ترى الأبناء يتشبهون بآبائهم في حركاتهم وسكناتهم، فيجب أن يكون القائم بتربيته ممن عرفوا بمحاسن الأخلاق، والتمسك بالتقوى جهد الاستطاعة، ومن ثم حظرت الشريعة أن يعهد في تعليمهم إلى معلم فاسق.

3 ـ التشجيع على الفضيلة:

ويحسن بالمربين تشجيع الطفل على الفضيلة بالاحسان إليه إذا قال صدقاً، وترك معاقبته إذا أجرم، وأن ينهى عن الكذب ويأمر بالصدق في كل أقواله، ويكافئ عليه بما يعده حسناً، وعن ترك النميمة لكبير الأسرة فيما يحصل داخل المنزل من أحد أفراد أسرته، ويعالج في ذلك بالقضاء عليها قبل نموها.

وأن يُعوَّد العطف والخير على من معه، وأن يستحسن منه ما هو حسن ويكافئ عليه، ويستقبح منه ما هو قبيح بالنصح وإظهار الاستياء منه، فإن رأى أن النصح كاف في الردع والزجر، فلا يعدل عنه إلى العقوبة لأنها تولد في القلب هلعاً وخوفاً يذهبان بالصراحة والحرية المطلوبة في المقال والافعال.

ويجب حثّه على التمسك بأذيال تقوى الله، فيعوّد القيام بامتثال أوامر الشرع واجتناب نواهيه قدر استطاعته، حتّى إذا جاء دور التكليف وجده مألوفاً، فلا يصعب على مربيه في بدء أمره تهذيبه، وحمله على الأخلاق الفاضلة متى كان القائم بتربيته حكيماً عالماً بطبائع النفوس ووجوه إصلاحها.

ولقد أتى على علماء التربية حين من الدهر كانوا يعتقدون أن المربي بيده كل شيء، وأن المربية قادرة لا يعجزها شيء، لأنّه قد ملك عقائدهم أن الطفل يولد صفحة بيضاء يخط المربي فيها ما يشاء، وعجينة لينة هينة يصورها كما يريد ويبغي، لا يصدّه عن ذلك صادّ، ولا يحجبه حجاب.

من هذا ما قاله إراسم الروتردامي:

«إن الفطرة اذاوهبت لك إبناً فانما تسلمك كتلة فجة، ومن شأنك أن تعطي هذه المادة القابلة للتهيئة والتشكل بكل شيء أحسن صورة تريدها، فأنت إن أهملتها حصلت منها بهيمة، وإن عنيت بتربيتها حصلت منها، ـ إن صح القول ـ مَلَكاً كريماً».

يمكننا أن نفهم الآن أن التربية في استطاعتها أن تمد يدها إلى الطفل لتخرج غرائزه الصالحة من أكمامها، وتكشف عنها غطاءها، وتحفظها من كل ما يعوق نموّها، وتحوطها بشيء من الرعاية حتّى يستطيع الطفل بعد نضوج جسمه، وتسوية خلقه، وتهذيب عقله أن يزج بنفسه في المجال العام لحضارة الإنسان ورقيه، وذلك عمل إيجابي تقوم به التربية.

الغرائز الكامنة في الطفل ليست كلها من ذلك النوع الشريف الذي يتخذ أساساً لكل رفعة وكمال، بل بجانب تلك الغرائز الشريفة غرائز أخرى لها خِسَّتها وحقارتها، لأنها دعامة كل مبتذل وخسيس يلمح في الطفل، كالجبن والكذب والكسل، وغير ذلك من كل رذيلة تفيض بها الاثرة الإنسانية.

فالتربية أمام تلك الغرائز الدنية تحصد شوكتها، وتغيّر وجهتها، وتحسن استخدامها، فللتربية إذاً عملان:

1 ـ إيجابي: وهو إحياء الغرائز الشريفة ورعايتها حق رعايتها.

2 ـ سلبي: وهو إضعاف سلطان الغرائز الدنية، وتصريفها في طريق غير طريقها.

وغير خاف أن هذين العملين ضروريان، ولا يغني أحدهما عن الآخر، وكل منهما شرط في الثاني، فالشيئان المتساويان لا ترجح كفة أحدهما إلاّ إذا خفت كفة الآخر.

لهذا كان لزاماً أن يبدأ العملان في وقت واحد، وأن يسيرا جنباً لجنب دون أن يتقاعد أحدهما، أو يتباطأ أو يخلد إلى الأرض، أو يثاقل حتّى ينشأ عنهما إنسان كامل.

 

الموانع أمام التربية:

نرى التربية وهي قائمة بعمليها: الايجابي والسلبي ذات يد غير مبسوطة إلاّ إلى حد معين، وذات قوة لا تظهر إلاّ بقدر معلوم، إذ يحجبها عن القدرة، المطلقة والارادة الحرة في اختيار سبيل غير ذي عوج حدود كامنة خافية، ومظاهر سافرة واضحة، هذه المظاهر وتلك الحدود تقعد بالتربية عن السير في طريقها سيراً حراً.

أما الحدود الكامنة: فانها تُعرف من غرائز الطفل التي خُلِقَت معه ومصدرها الوراثة.

وأما المظاهر السافرة: فانها تتجلى في بيئة الطفل الكفيلة بتحديدها وتعيينها فمصدرها البيئة، يطلع الجنين ويشرق وجهه، فتطلع معه مواهبه الباطنة وتشرق، واياه خواصه الذاتية التي ورثها عن آبائه السالفين.

يولد فتولد معه تلك الغرائز الكامنة، وينمو فتنمو معه دون أن يبدأ المربي أول خلقها، أو يكون له أثر في نشأتها وتكوينها، فالطفل إذ ذاك صورة آبائه الصادقة، وتاريخ أجداده الصامت الناطق، تهدي سطوره القارئة إلى ما تحلى به أسلافه من مزايا، وما توطن في نفوسهم من خواص، وما درجت عليه عقولهم من ميول، وبرزت فيه هممهم من شؤون، وما استقر فيهم من عادات ذات خلق سوي أو غير سوي.

وما أشبهه في ذلك بالغصن تعرف به شجرته والأثر يدل على مؤثره، فالطفل صورة مصغرة لحياة سابقة قطعت دهوراً، وأفنت أعواماً.

لم يصل العلم إلى معرفة ما تجري عليه سنة التوارث من ضوابط، وما تسير على ضوئه من قوانين، وغاية ما في استطاعتنا أن نحفظ لتلك المواهب خلالها، ونعد لها عدتها باعتبارها قوة هائلة، ذات سلطان قاهر، وحياة بارزة تحدد من موقف المربي أمامها، فلا يدور بخلده حينئذ أن يحصل من الطفل على ما ترمي إليه إرادته، ويشير إليه رأيه.

ولكن الذي يستطيع الوصول إليه من الطفل ما يوحي إليه به استعداد ذلك الطفل، وتدل عليه غرائزه، وتولي وجهها شطر خواصه التي ركبت فيه، وانتقلت إليه في طريق طويل من أجيال عمّرت آلافاً من السنين.

نقف أمام الطفل فإذا به لغز مظلم، وعقدة وثيقة محكمة لا يجسر أحد بادئ ذي بدء أن يحلها، ويعرف ما انحنت عليه من مواهب الطفل التي استقرت فيه، لأنّ سماءه لا تطلع فيها غرائز أسرة واحدة بل غرائز أسر كثيرة.

فالطفل له أبوان لكل واحد منهما أبوان، والأربعة لكل واحد منهم أبوان وهكذا... وكل أب وأم من أسرة تختلف عن الأسرة الثانية في خواصها وغرائزها.

فالطفل إذاً مجال تجري فيه غرائز أسر عديدة مختلفة، وصفحة ترقم فيها خواصها المتباينة.

من ذلك يمكننا أن نفهم التباين الذي يقع بين الأخوة الأشقاء والأخوات الشقيقات في الأخلاق والعادات، وقوة الفكرة وحصافة الرأي، إلى غير ذلك مما يرجع تكوينه إلى أسر سابقة، وينسب ظهوره إلى الوراثات المتعاقبة.

 

أثر البيئة:

لقد عرفنا أن تأثير المربي في تلك الغرائز تأثير محدود فهو محكوم لها، خاضع لأمرها، نازل على إرادتها، لهذا كانت التربية أمراً غير ذي بال لو أن العامل الوحيد في نمو الطفل وتكوينه يرجع إلى الوراثة وحدها، ولكن العالم الفرنسي «لامرك» دلَّنا بنظريته على أن هناك عاملا آخر لا يقل خطراً عن الأول ذلك هو عامل المخالطة، وهي ما نسميها البيئة.

فكل مخلوق قُدِّر له أن يتأثر نموه بما يخالطه ويشاركه في الوطن وما حواه، ومن شواهدهم على ذلك ما جاء في احدى المجلات إذ قالت: «النبات المعروف بسنّ الأسد ينبت بين نباتين عاليين من نبات المروج بأوراق قائمة، على حين أنّه اذا نبت وحده هنالك نامت أوراقه الوردية الشكل على الأرض.

وبعض أنواع المسك والنبات المعروف بقدم الديك إذا نبت على الشاطئ الجاف يكون له أوراق ذات فلقتين فقط، وإذا نبت في الماء نبتت له من أحد جانبيه أوراق قائمة عريضة ذات فلقتين تطفو على سطح الماء، وفي جانبه الآخر أوراق دقيقة على شكل خيوط تحت الماء».

على هذه السنة تدرج نفس الطفل، وتشق سفينته طريقها في الحياة.

لذلك كان لزاماً أن نعرف البيئة التي يلقى الطفل بين أناسها، إذ كل شيء في الحياة يدع في نفسه أثراً يختلف قوة وضعفاً على حسب قوة مصدره.

غير أننا لا نستطيع أن ننتقي بيئة خَيِّرة لا يزورها الفساد، ولا تمر بها عواصف الشر، وبخاصة المدن حيث يكثر الازدحام، ويطغى سيل الحضارة، فالطفل في بيئته أمام عوامل لا تحصى، كامنة له في كل مرصد، مقتنصة إياه في كل مكان، تدخل عينه فتقيدها، وتنفث في أسماعه فتملكها، وتصل إلى قرارة نفسه فتأسرها وتغويها، وتساور فؤاده مساورة السموم القاتلة، لا يمتنع عنها بحيلة، ولا يفر منها بوسيلة، فهو مضطر إلى أن يختلط بالتلاميذ في مدرسته، وبالناس في طريقه، وأن ينظر ما يوضع على الجدران من إعلانات وصور، إلى غير ذلك مما يقحم الطفل ولجات الشر ، ويحله ورطات الفساد، ويجعل واجب المربي شاقاً غير يسير، ينحني عجزاً أمام تلك القوة الهائلة قوة المخالطة « البيئة».

 

تنازع الوراثة والبيئة وأثر المربي:

فالوراثة والبيئة إذ ذاك يتنازعان الطفل، بقوة خارجة على الجملة عن دائرة المربي، إلاّ أننا إذا لحظنا أن المربي نفسه من ضمن البيئة التي لها تلك القوة فإنّه يستطيع بجانبها أن يفعل شيئاً في نفس الطفل، ويؤثر فيها تأثيراً ما.

لذلك كان من الضروري انتقاء المربين واصطفاؤهم أخياراً بررة صالحين، لينقضوا لمؤثرات البيئة الضارة غزلها، ويميتوا ما عسى أن يظهر من ضروب الاستعداد السيء، أو يوجهوها وجهة صالحة، وأن تقوم رقابتهم على دعائم من اليقظة الصادقة والاحساس الحي، حتّى يكونوا في التأثير أورى قدحاً، وأعلى كعباً، وأرجح وزناً، وبذلك يصلحون أبواباً فتحت إلى تهذيبه وأسباباً ذللا إلى كماله.

 

أثر الوالدين:

لا نكون بعد هذا متجانفين لغلو إذا قلنا: إن التبعة الكبرى منصبة على الوالدين، لأنهما اكثر الناس اختلاطاً بالطفل، وهو أخشع لهما، وأعظم استكانة لأمرهما، واستسلاماً لطاعتهما، يهوي إليهما فؤاده، وتسكن لجوارهما نفسه.

فعلى الوالدين والمربين أن يضعوا أمام عينهم أنهم قدوة طيبة، ومثل مشكور، يحتذيه أبناؤهم، وأن يخلعوا قناع الخسَّة، ويلبسوا لباس الكمال الذي يملأ القلوب جلالاً، والعيون جمالاً، وأن يتنازلوا عن كثير مما يشتهون نفياً للرذيلة أن يراها الطفل، وإبعاداً للنقيصة أن يدنو منها.

 

العوامل الثلاثة في بناء الشخصية:

نستخلص من هذا أنّه يعمل على تنمية الطفل تنمية صالحة، بأيد مترادفة تجتاز به عن كل أمر يكسر الفقرة، ويوهن الهمَّة، ويدنيه إلى البهيمة إلى حيث ينشر الخُلُق القيّم عليه جناحه، ويسيل له جداول نعيمه، يعمل على ذلك ثلاثة أمور:

1 ـ الوراثة 2 ـ المخالطة 3 ـ المربّون

تبدأ الثلاثة عملها من حين الولادة بدرجات مختلفات، فقد ينشط أحدها ويتباطأ غيره، ولهذا لا يحمل الوالدان الهجينة(5) وحدهما إذا نما الطفل نزّاعاً إلى الشر، كما لا يُنَسب إلى المربّي وحده ما يجمل الطفل من استقامة محترمة، وسلوك حازم، لأنّ للمربي شريكين لهما أثَرهما: الوراثة والمخالطة.

العامل الأول: الوراثة:

الإنسان خاضع لقانون الوراثة كالحيوان والنبات، وقد أثبت العلماء صحة هذا القانون بتجارب كثيرة لا تخفى على المتأمل، ولا يقتصر تأثير الوراثة على حالات الإنسان البدنية، بل يتعدى إلى عقله وأخلاقه، فالانسان يكاد يكون جسماً وعقلا نتيجة لازمة لما كان عليه أسلافه.

ينشأ الصغير على ما كان والده *** إنّ الأصول عليها ينبت الشجَرُ

نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ونفعل مثل ما فعلوا

ولقد كان العرب يؤمنون بتوارث الطبائع والعادات.

كان لأبي أخزم الطائي ابن يقال له أخزم، كان عاقاً، فمات وترك بنين، فوثبوا يوماً على جدهم أبي أخزم فأدموه، فقال:

إن بنيَّ ضرجوني بالدم *** شنشنة أعرفها من أخزم

يعني: أن أحفاده لطخوه بالدم، وقد أشبهوا أباهم أخزم في العقوق.

وكذلك كانوا يعترفون بالتوارث عن الأم، ويظهر ذلك في قول شاعرهم:

إن الكريمةَ ينصرُ الكَرَم ابنُها *** وابنُ اللئيمة للئام نصير

وقد أشار إلى ذلك النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) بقوله: «تخيروا لنطفكم فإنّ العرق دّساس»(6) وفي الأمثال «الولد على سرّ أبيه».

ويظهر تأثير الوراثة واضحاً في زمن الحمل، إذ هو الزمن الذي يوضع فيه أساس القوى الإنسانية.

وقد أثبت الأطباء ان انفعالات الحامل من سرور وخوف وحزن وحب وبغض وغيرها تؤثر في جنينها، وأوصوا بادخال السرور على الحامل والعناية بصحتها، وترويح نفسها بالمناظر الجميلة، والبعد عن كل ما يثير انفعالاً سيّئاً في نفسها.

وكثير من المتعلمات فطنّ لقانون الوراثة، وعملن على غرس الأخلاق الحميدة في نفوس أجنّتهنّ وهم في طور التكوين، بارتياحهنّ في أثناء الحمل إلى الفضيلة ونفورهنّ من الرذيلة، فجاء أطفالهنّ على ما شئن أن يكونوا عليه، وعلى ما اتخذن من الوسائل الموصلة إلى غرضهنّ.

ومهما كان الإنسان خاضعاً لقانون الوراثة، ومهما كان ايماننا بهذا القانون، فلا يمكننا أن نقف جامدين أمام تأثير التهذيب والصقل.

ومهما كانت قابلية النفس البشرية للتأثر بالتهذيب، فليس في الامكان مقاومة ما استكن في النفس عن الوراثة والغرائز مقاومة تامة، فقد نرى بعض أبناء الصالحين طالحين، كما نرى بعض أبناء الأشرار أخياراً.

 

العامل الثاني: المخالطة:

إذ هي التي تغيّر في الإنسان كثيراً من أخلاقه وعاداته من حيث يدري ولا يدري، ومن حيث يريد ولا يريد، وأثرها فينا لا يستطيع انكاره منكر، بل إنك لتجد أثرها في الجماد والحيوان، وهما دون الإنسان قبولاً للتأثر.

فالماء يطيب ريحه، ويعذب في الفم مذاقه إذا جاور الأزهار، ويخبث ريحه ويشتد غصصه إذا جاور الجيف، والحصان الشرود إذا قرن بآخر ذلول صار ذلولاً سهل القياد.

وإن العوامل التي تتخذ في التربية لتجعل الشرير خيراً، والفاسد صالحاً، من وعد ووعيد، وتحذير وترغيب، وثواب وعقاب، قد لا تأتي في الغالب على ما في نفس الإنسان، ولا تنتقل به من حال إلى حال، أما المخالطة فانها لا تحصل بدون أن يكون لها أثر ظاهر في حال الإنسان الخلقية والاعتقادية والفكرية.

وكل أنواع التربية تعرض وتزول كالمدرسة والبيت إلاّ المخالطة فانها تربية لا تنقضي إلاّ بالموت، فإنّ حسنت أثمرت ثمراً طيباً، وإن ساءت كانت شراً وبلاء.

عنى الباحثون وعلماء الأخلاق والدين، والمثقفون في كل أمة وعصر بوصف العشراء والخلطاء، وأرسلوا القول في ذلك شعراً ونثراً، ما شاءت لهم البلاغة ووحي البيان، ولم تفرط الشريعة الإسلامية في شيء من ذلك، والأحاديث الواردة فيها أكثر من أن تعيها أذن واعية، أو يلم بها قلب حافظ أو راوية.

من ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): «مَثَل الجليس الصالح كمثل الداري إن لم يجدك من عطره يعلقك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل التبن إن لم يحرقك بشرره يؤذك بدخانه»(7).

وقوله: «من أراد الله به خيراً رزقه خليلا صالحاً إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه»(8)، ذلك لأنّ للمخالطة أثراً بيناً في تكوين أخلاق الإنسان، وفيما يصدر عنه من أفعال الخير والشر، وفيما يناله من سعادة وشقاء ونعيم الحياة وبؤسها، ولأنّ الإنسان موسوم بسمات من يخالطه ومنسوب إليه فعله.

قال عبد الله بن مسعود: «ما من شيء أدلّ على شيء، ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب».

 

اختيار الصديق:

لهذا ينبغي للإنسان أن يعرف فيمن يختارهم لمخالطته، ويصطفيهم لمعاشرته أموراً لابد منها لتستقيم الصحبة وتدوم الالفة.

1 ـ العقل والتجربة:

فمن ذلك أن يكون العشير موفور العقل، كامل التجربة لأنّ الأحمق لا تدوم مودته، ولاتطول عشرته، وقديصيب الإنسان بضرره أكثر ما يصيبه بخيره، وقد أبان القرآن الكريم عن هذا أوضح بيان، قال تعالى: (ويوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً) [الفرقان : 27-29].

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «البذاء لؤم، وصحبة الأحمق شؤم».

وقال بعض الحكماء: «عداوة العاقل أقل ضرراً من مودة الأحمق».

2 ـ الدين:

ومنها أن يكون ذا دين يقف به على الخير وينهاه عن الشر، لأنّ تارك الدين عدوّ نفسه فكيف يكون صديق غيره، ولهذا قال بعض الحكماء: «اصطف من الاخوان ذا الدين والحسب، والرأي والأدب، فإنّه ردء لك عند حاجتك، ويدلك عند نائبتك، وأنس عند وحشتك، وزين عند عافيتك».

وقال علي أمير المؤمنين (عليه السلام): «فاصحب من إذا صحبته زانك، وان خدمته صانك، وإن عرضت لك مؤونة أعانك، وإن قلت صدق قولك، وإن بدت عنك عورة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن سألته أعطاك، وإن نزلت بك ملّمة واساك، ومن لا تأتيك منه البوائق ، ولا يخدعك عند الحقائق»(9).

3 ـ حسن الاخلاق:

ومنها أن يكون رضي الأخلاق، حميد الفعال، يؤثر الخير على الشر، ويفعله ويأمر به، فإنّ مخالطة سيّئ الخُلُق تكسب العداوة، وتفسد الأخلاق، ولا خير في مودّة تجلب عداوة، وتورث صاحبها مذمة وملامة.

قال بعض العقلاء: «مخالطة الأشرار على خطر، والصبر على صحبتهم كركوب البحر، من سلم منه ببدنه من التلف لم يسلم بقلبه من الحذر منه».

* * *

أجل للمخالطة الصالحة نتائج حسنة إذ يستحي الإنسان في الغالب من رفقائه والمتصلين به، ولا سيما من عرفوا منهم بالترفع من الدنايا وفي هذا ما يبعده عن الشر ويدنيه من الخير، كما يأمن على أخلاقه بمعاشرتهم، ومن آثارها أن يذكره اخوانه بالخير فيفعله، والشر فيجتنبه، وأنّه يكتسب بصحبتهم شرفاً، ويجد منهم عوناً في الملمات، وعضداً في النائبات.

فالمخالطة عامل من عوامل التربية، ومن أجل ذلك يجب على الآباء والمربين أن يعيروا المخالطة عنايتهم كلها، لأنّ أثرها في التربية تنقطع دونه جميع الأسباب.

ولتحقيق الغرض الصالح منها يجب أن يُمنع الأطفال من مخالطة من ساءت أخلاقهم، ولو زمناً قليلا، وأن يمنعوا من الذهاب إلى المجتمعات العامة وحدهم، ولا سيما التي يغشاها ذوو الدناءة والأخلاق السيئة.

وأن يختار لهم آباؤهم وأولياؤهم إذا بعثوهم ليتعلموا في بلد بعيد اُناساً ممن عرفوا بكرم الأخلاق، وصحة الآداب ليشرفوا عليهم، وألاّ يتركوا لهم الحبل على الغارب في اختيار الأصدقاء والخلاّن، فإنّ قلة خبرتهم ونقص تجربتهم تدعوهم في الغالب إلى اختيار من يضرّون ولا ينفعون، ويفسدون ولا يصلحون.

العامل الثالث: التربية:

المنزل هو أول بيئة يعيش فيها الطفل، وهو أكثر ما يكون قبولا للتهذيب.

المنزل هو المدرسة الاولى التي يتأدّب الطفل بآدابها ويُعتاد عاداتها، ويقف على كثير من أفكارها وآرائها واعتقاداتها، فإن كانت الأُسرة التي تسكن في المنزل شريفة تنسَّم فيه الطفل نسيم الفضيلة، وإلاّ انغمس في حمأة الرذيلة.

ولا نشك في أن البيئة التي عليها مدار تربية الطفل عندنا الآن موبوءة، فالكذب والبذاءة والخرافات متفشية فيها بحال مروّعة لا تتفق، وتربية الأطفال الذين نعدُّهم للحياة.

والأُسرة الشريفة والدنيئة سواء في تكوين الأخلاق وإن اختلف الأثران، غير أن الأُسرة الدنيئة خير من بعض الوجوه من الأُسرة المهملة، لأنّ الدنيئة كثيراً ما تغرس في نفس الحَدِث مضاء العزيمة ليصل إلى غاية وضيعة، ولكن قد يدركه حسن الطالع فيغسل وزره بالتوبة ويضرب في سبيل الفضيلة، وحينذاك يجد ما نبت في نفسه من قوة العزيمة سلاحاً نافعاً له في الوصول إلى محاسن الأعمال، أما من نشأ في أُسرة مُهمِلة فإنّه يقف أمام مصاعب الحياة مغلول اليدين يذهب مع كل خاطر، ليس له رأي سديد ولا إرادة حازمة.

وغير خاف أن رؤساء المنزل ومعلميه هم الآباء والأُمّهات، فإذا كانوا على بيّنة من المهمة الخطيرة الملقاة على عواتقهم، قادرين على أن يربوا أولادهم تربية حسنة، أمدوا أمتهم برجال نافعين أصحّاء الأجسام، كريمي الأخلاق.

وينشأ ناشئ الفتيان منّا *** على ما كان عوَّده أبوه

فالناشؤون بحكم غريزة المحاكاة مدفوعون إلى محاكاة آبائهم وغيرهم من المحتكين بهم، وإذا عرف المربون قيمة هذه الغريزة واستثمروها بأن حفظوا عيون أولادهم من أن تقع إلاّ على كل جميل، وآذانهم من أن تسمع إلاّ كل قول حميد، وصانوهم من مخالطة ذوي النقائص، ومن غشيان مجالس اللهو والمجون نشؤوا نشأة حسنة.

إذا أراد الوالدان مثلا أن ينميا الاحساسات الطيبة في نفس الناشيء، عرضا عليه مواضع الشفقة على الإنسان والحيوان، ووجهاه إلى مواضع الرحمة ومساعدة الضعفاء، واشتركا معه في أعمال البر، وأبعداه عن كل ما يميت هذا الشعور عنده، وبذلك يمهدان له السبيل إلى أرقى الأخلاق.

وإن لم يحسن الآباء تربية أولادهم شبوا على الرذيلة، وضعف الرجاء في إصلاحهم، فإنّ من شب على شيء شاب عليه.

إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت *** ولن يلين اذا قوَّمته الخشب

وأكبر جناية يجنيها الآباء على أولادهم سوء تربيتهم.

قال سبنسر(10): «لم يهمل الآباء شيئاً إهمالهم إنعام الفكر في تأديب أطفالهم، وتعويدهم حميد الخصال وجميل الفعال، ولعلّهم ظنوا الأمر هيّناً، وحسبوا أنّهم قادرون بلا فحص ولا بحث على أن يودعوا طبائع صبيانهم ما شاؤا من المناقب، وجهلوا أن علم تهذيب النفس علم صعب المأخذ، عسر الملتمس، من جهل قواعده خاب في تأديب غلامه، وبدهي أن من سار إلى الشيء من غير طريقه لا يصل، ومن دخل الظلام بغير سراج فقد ضلّ».

ويؤخذ من كلام سبنسر أن علم النفس ضروري للآباء والأُمّهات، وبدونه لا يهتدون إلى الطريقة المثلى في تهذيب أبنائهم، ولتكون على بينة من خطأ الاّ الآباء في تربية أولادهم إذا جهلوا علم النفس.

 

حكاية في التربية:

أذكر لك حكاية يتبين لك منها كيف يسيرون في طريقهم على غير هدى:

أراد والد أن يعلِّم إبنه الصدق، وأن يحبّبه إليه ليَشُبَّ صادقاً، فأخذ يذكر له جملة ممّا جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف خاصاً بفضيلة الصدق وجزاء الصادقين، وبينما هو يسدي إليه من عبارات النصح والوعظ ما هو كفيل بتثبيت هذه الفضيلة في نفسه إذا بقادم دقّ الباب، فنهض الولد ليفتح له فاستمهله الوالد وأطلّ من النافذة، فرآه زائراً لا يودّ مقابلته، فأمر ابنه أن يقول له: إنّ والدي يا سيدي غير موجود هنا.

فمن الخطأ نسبة الشر إلى الأطفال وتبرئ آبائهم منه، فما الأطفال إلاّ صورة آبائهم، وما أصدق قول «سبنسر» في ذلك: «ولقد نرى الناس ينسبون الهفوات والعيوب إلى الأطفال ويخلون الآباء منها، شأنهم مع الحكومة إذ يُبَرِّئون الولاة من كلّ عيب، وينسبون إلى الرعية كل نقص، والحقيقة أنّ سوء معاملة الآباء أصل أكثر ما ينسب إلى عناد الأطفال وتشبثهم».

وإذا انتقل النشء من المنزل إلى المدرسة شيّد المدرِّسون أخلاقهم على الأساس الذي وُضع في المنزل، فإن كان وطيداً زادته المدرسة توطيداً، وإن كان واهياً صعب اصلاحه على المدرسة، وهي مهما بذلت من المجهود في تقويمه فلابد أن يبقى للتربية المنزلية أثر ظاهر أو خفي في نفوس النشء.

وبالاجمال، فاننا لا ننتظر من وراء التربية المنزلية نتيجة خُلُقية سارَّة إلاّ إذا كان الآباء والأُمّهات على خُلُق عظيم.

هذا ما أردنا بيانه وتوضيحه مما يجب أن يؤخذ به الطفل في حال صباه من التربية والتعليم، وغرس الفضيلة في قلبه، إذ في هذا الدور يكون التعليم أرسخ في الذهن وأكثر أثراً.

 

التربية في لسان الأدب:

ومن حِكَم العرب وأمثالها العالية قولهم: «العلم في الصغر كالنقش في الحجر، والعلم في الكبر كالخط على الماء». ومن حكمهم أيضاً: «من أدّب ولده صغيراً، سُرّ به كبيراً».

ومن قولهم في الشعر:

عوّد بنيك على الآداب في الصغر *** كيما تَقَر بهم عيناك في الكبر

فانما مَثَل الآداب تجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر

هي الكنوز التي تنمو ذخائرها *** ولا يخاف عليها حادث العبر

إنّ الأديب إذا زَّلت به قدم *** يهوى على فُرُش الديباج والسرر

وقال آخر:

لكل شيء زينة في الورى *** وزينة المرء تمام الأدب

قد يشرف المرء بآدابه *** فينأ وإن كان وضيع النسب

وقال آخر:

ما وهب الله لامرئ هبة *** أفضل من عقله ومن أدبه

هما حياة الفتى فإن فقدا *** فإنّ فقد الحياة أحسن به

قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام): «يا بُني اُحرز حظك من الأدب، وفرّغ له قلبك، فإنّه أعظم من أن يخالطه دَنَس، واعلم انّك إذا افتقرت غنيت به، وإن تغربت كان لك كالصاحب الذي لا وحشة معه، يا بُني الأدب لقاح العقل، وعنوان الفضل، وذكاء القلب، واعلم أنّه لا مروة لأحد بماله ولا حاله، بل الأدب عماد الرجل، وترجمان عقله، ودليله على مكارم أخلاقه، وما الإنسان لولا الأدب إلاّ بهيمة مهملة»(11).

وأوصى بعض الحكماء بنيه فقال: «الأدب أكرم الجواهر طبيعة، وأنفسها قيمة، يرفع الأحساب الوضيعة، ويفيد الرغائب الجميلة، ويُعِز بلا عشيرة، ويكثر الأنصار لغير ذرية، فألبسوه حُلَّة، وتزيّنوه حِلية، يؤنسكم في الوحشة، ويجمع لكم القلوب المختلفة».

وأوصى آخر ابنه فقال: «يا بُني الأدب دعامة أيَّد الله بها الألباب، وحِلية زيَّن بها عواطل الأحساب».

وقال ابن المقفع: «ما نحن إلى ما تتقوّى به حواسنا من المطعم والمشرب بأحوج منّا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا، فإنّ الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضرتها إلاّ بالماء الذي يعود عليها من مستودعه».

 

حكاية الحجاج:

ومن ظرائف الأدب ولطائفه أن الحجاج نهى الناس أن يخرجوا ليلا وقال لحرسه: كل من وجدتموه اضربوا عنقه، ففي بعض الليالي وجد الحرس في منتصف الليل أربعة من الشبان عليهم أثر الشراب، فقبضوا عليهم وقال لهم صاحب الحرس: من أنتم حتّى خالفتم الأمير وخرجتم في هذا الوقت، فقال أحدهم:

أنا ابن من دانت الرقاب له *** ما بين مخدومها وخادمها

تأتيه بالرغم وهي صاغرة *** يأخذ من مالها ومن دمها

فسكت عنه صاحب الحرس وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين، ثم سأل الثاني فقال:

أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره *** وإن نزلت يوماً فسوف تعود

ترى الناس أفواجاً على ضوء داره *** قيام لها من حولها وقعود

فسكت عنه وقال: لعله من أشرف العرب، ثم سأل الثالث فأنشأ يقول:

أنا ابن الذي يعلو الرقاب بسيفه *** ويضرب أعناق الرجال القشاعم

ولا ذاك من دخل ولا هو ثائر *** ولكنه حاوي العلا والمكارم

فسكت عنه وقال: لعله ابن حاكم العرب، ثم سأل الرابع فأنشأ يقول:

أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه *** وقوّمها بالسيف حتّى استقامتِ

ركاباه لا تنفك رجلاه منهما *** إذا الخيل في يوم الكريهة ولَّت

فسكت عنه وقال: لعله ابن أشجع العرب.

فلما أصبح الصباح جاء بهم إلى الحجاج فكشف عن حالهم، فإذا الأول ابن حجام، والثاني ابن طباخ، والثالث ابن صيقل، والرابع ابن حائك، فأعجب الحجاج لبلاغتهم فأطلقهم وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فوالله لولا أدبهم لضربت أعناقهم، ثم أخذ يقول:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً *** يغنيك محمودُه عن النسب

إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا *** ليس الفتى من يقول كان أبي

ومن نُكَت الأدب المُلِّذة أنْ قدم وفد من العراق على عمر بن عبد العزيز، فنظر عمر إلى شاب فيهم يريد الكلام، فقال عمر: أولوا الأسنان أولى، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك لكان في المسلمين من هو أسنّ منك، فقال: صدقت تكلَّم.

قال: يا أمير المؤمنين إنّا لم نأتك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فقدمت علينا في بلادنا، وأما الرهبة فقد آمننا الله بعدلك من جورك، قال: فما أنتم؟ قال: وفد الشكر، قال: لله أنت ما أحسن منطقك.

وقيل: عزم الفضل بن الربيع على تطهير(12) بعض ولده فأتى الرشيد فقال: يا سيدي قد عزم عبدُك على تطهير وَلَده خادمك، فإن رأى أمير المؤمنين أن يزيِّن عبده بنفسه، ويصل نعمته هذه بنعمته المتقدمة، ويتمّ سروره فعل متفضلا على عبده متمنناً بذلك، فقال: نعم.

فغدا إليه وقد أصلح جميع ما يحتاج إليه، ووضعت الموائد، وقعد الناس يأكلون، وأقبل الرشيد يدور في داره، فرأى صبياً صغيراً أول ما نطق، فقال: يا صبي أيّما أحسن داركم هذه أم دار أمير المؤمنين؟ فقال: دارنا هذه أحسن ما دام أمير المؤمنين فيها، فإذا صار أمير المؤمنين إلى داره فداره أحسن، فضحك منه الرشيد وتعجَّب من نجابته، ووهب له عشر قريات، وماءة ألف درهم.

قال الإمام محمّد الجواد (عليه السلام):

«وحقيقة الأدب إجتماع خصال الخير، وتجافي خصال الشر، وبالأدب يبلغ الرجل مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة، ويصل به إلى الجنة، والأدب عند الناس النطق بالمستحسنات لا غير، وهذا لا يعتد به ما لم يوصل به إلى رضاء الله سبحانه، والأدب الحقيقي هو أدب الشريعة، فتأدّبوا بها تكونوا أدباء حقاً، ومن صاحب الملوك بغير أدب أسلمه ذلك إلى الهلكة، فكيف بمن يصاحب ملك الملوك وسيد السادات»(13).

الأدب مع الله:

وقد روي أن الله تعالى يقول في بعض كتبه:

«عبدي أمِنَ الجميل أن تناجيني وأنت تلتفت يميناً وشمالاً؟ ويكلّمك عبد مثلك تلتفت إليه وتدعني؟ وترى من أدبك إذا كنت تحدّث أخاً لك لا تلتفت إلى غيره، فتعطيه من الأدب ما لا تعطيني؟ فبئس العبد عبد يكون كذلك»(14).

وروي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج إلى غنم له، فوجد الراعي عرياناً يفلي ثيابه، فلما رآه الراعي كأنه استحى منه فلبس ثيابه، فقال له (صلى الله عليه وآله): يا هذا امضِ لشأنك فلا حاجة لنا في رعايتك، فقال: ولم ذلك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إنّا أهل بيت لا نستخدم من لا يتأدّب مع الله، ولا يستحي منه في خلواته، وإنما فعل ذلك (صلى الله عليه وآله) لأنّ الراعي أعطاه من الأدب فوق ما أعطى ربَّه(15).

وروي أنّه (صلى الله عليه وآله) سلَّم عليه غلام دون البلوغ وبشّ له وتبسم فرحاً بالنبي، فقال له (صلى الله عليه وآله): أتحبني يا فتى؟ فقال: إي والله يا رسول الله، فقال: مثل عينيك؟ فقال: أكثر، فقال: مثل أبيك؟ فقال: أكثر، فقال: مثل امك؟ فقال: أكثر، فقال: مثل نفسك؟ فقال: أكثر والله يا رسول الله.

فقال (صلى الله عليه وآله): أمثل ربك؟ فقال: الله الله يا رسول الله ليس هذا لك ولا لأحد، فانما أحببتك لحب الله تعالى لك، فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى من كان معه وقال: هكذا كونوا، أحبّوا الله لإحسانه اليكم وإنعامه عليكم، وأحبوني لحب الله تعالى، فاختبره (صلى الله عليه وآله)على صحة أدبه في المحبة في الله سبحانه(16).

فالأدب مع الله تعالى الاقتداء بآدابه وآداب نبيه (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، وهو العمل بطاعته، والحمد له على السرّاء والضرّاء، والصبر على البلاء، ولهذا قال أيوب النبي(عليه السلام): (أني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين) [الأنبياء : 83].

فقد تأدّب هنا من وجهين: أحدهما أنّه لم يقل: إنك مسستني بالضر، والآخر لم يقل: إرحمني، بل عرّض تعريضاً فقال: أنت أرحم الراحمين، وإنما فعل ذلك حفظاً لمرتبة الصبر.

وكذا قال إبراهيم الخليل (عليه السلام): (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء : 80] ولم يقل: إذا أمرضتني، حفظاً للأدب. وقال أيوب (عليه السلام) في موضع آخر: (أني مسّني الشيطان بنصب وعذاب) [ص : 41] أي ببلاء وشر، يريد مرضه وما كان يقاسيه من أنواع النَصَب، ـ ويقال: النصب في البدن، والعذاب في ذهاب الأهل والمال ـ وأما نسبته إلى الشيطان لأنّه كان يوسوس إليه من عظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه من الجزع، فالتجأ إلى الله تعالى، كل ذلك تأدباً منهم مع الله جل وعلا في مخاطبتهم إياه.

 

آداب الصلاة:

ومن هنا كان أهل العرفان من الأنبياء والأولياء والحكماء، يلزمون العبد إذا قام بين يدي الله في حال صلاته أن يتأدّب في خطابه، ويخشع لعظمته، ولا يلتفت ولا يعبث، ولا يتثأب، ولا يتمطى، ولا يفرقع أصابعه، وبالجملة لا يتحرك لغير الصلاة، ولا يفعل شيئاً من المكروهات، إذ الغرض الأصلي من الصلاة ـ بل وسائر العبادات ـ هي تصفية النفس وتصقيلها، فكل عمل يكون أشد تأثيراً يكون أفضل، «أفضل الأعمال أحمزها».

وهذه الأشياء لا تبطل الصلاة سواء كانت عمداً أو سهواً، ولكن تخرج بها عن الحسن والكمال، وزيادة الأجر والثواب، فهي بمنزلة الحاجبين واستقواسهما واللحية والأهداب، وتناسب الخلقة وغير ذلك مما يفوت بفوات بعضها الحسن والجمال، وبفوات بعض كمالها، ويصير الشخص مشوه الخلقة، مذموماً غير مرغوب فيه، إذا علمت ذلك فاني أضرب لك مثلا في المقام، إذ الأمثال إنما توضع لكشف الغوامض.

أقول: فليعلم كل إنسان أن صلاته قربة وتحفة، يتقرّب بها إلى حضرة ملك الملوك، كوصيفة(17) يهديها طالب القرب والجاه من السلطان إليه، وهذه التحفة تعرض على الله ثم ترد إلى الإنسان في يوم العرض الأكبر، فإلى الرجل الخيرة في تحسين صورتها أو تقبيحها.

فمن أدّاها على النحو المأمور به بأعمالها الواجبة والمندوبة، وشرائطها الظاهرة والباطنة، مع الاخلاص والتأدّب وحضور القلب، كان كمن أهدى عبداً صحيحاً سوياً شاباً جميلا عاقلا كاملا إلى ملك من الملوك، ومن اقتصر على أعمالها الظاهرة، وغفل عن الحضور، والتوجه، والتأدّب، والقربة، والاخلاص، كان كمن أهدى عبداً ميتاً إلى ملك من الملوك.

ومن ترك عمداً شيئاً من واجباتها، كان كمن أهدى عبداً مقتولاً إليه، ومن اقتصر على أقلّ ما يجزي، كان كمن أهدى إليه عبداً حيّاً لكنّه أعمى أو أصم أو أبكم، أو مقطوع الأطراف أو هرماً، أو قبيح المنظر، أو مجروح الأعضاء، أو أمثال ذلك.

فليتنبّه المرء ويتأمّل في أنّه إذا أراد أن يهدي تحفة إلى ملك من ملوك الدنيا، بل إلى من دونه بمراتب كثيرة من الأُمراء والحكام، كيف يجتهد ويسعى في تجويدها وتحسينها ليقبلها، إذاً فما باله يغفل ويتساهل من تحسين هديته وتحفته إلى ملك الملوك الذي منه بدؤه وإليه عوده، وقد ورد أن كل صلاة لا يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي الخصم الأول على صاحبها يوم العرض الأكبر، تقول: ضيّعك الله كما ضيّعتني(18).

وقد شبّه أهل العرفان الصلاة بالانسان، قالوا: كما أن الإنسان حقيقة مركبة من أجزاء معيّنة، فهو لا يكون إنساناً موجوداً كاملا إلاّ بمعنى باطني (وهو الروح)، وأعضاء محسوسة بعضها في جوفه وبعضها في ظاهره، وهذه الأعضاء متفاوتة المراتب إذ بعضها مما ينعدم الإنسان بعدمه، وتزول الحياة بزواله كالقلب والدماغ والكبد والمعدة وأمثالها، وبعضها وإن لم ينعدم بعدمه اصل الحياة إلاّ أنّه يرتفع به تمامية الإنسان، ويصير ناقصاً كاليد والرجل وأمثالها.

وكذلك الصلاة، وهي حقيقة مركبة، وصورة صوَّرها الشرع من أُمور متفاوتة، وتعبدنا باكتسابها، فروحها النية والقربة، وأعمالها الأركانية من تكبيرة الاحرام والركوع والسجود والقيام بمنزلة الأعضاء الرئيسية، فتفوت بفواتها الصلاة على الاطلاق ولا يمكن تحققها وصحتها بدونها.

وسائر الأعمال الواجبة من الفاتحة، والسورة، وأذكار الركوع، والسجدتين، والطمأنينة فيهما، وفي رفع الرأس منهما، والتشهد، والتسليم، وغير ذلك من الأعمال الواجبة التي تبطل الصلاة بتركها عمداً لا سهواً، بمنزلة اليدين والرجلين وآلات التناسل وغير ذلك مما تفوت الحياة بزوالها، وقد لا تفوت به.

 

الصلاة ظاهرها وباطنها:

أما صلاة الظاهر المأمور بها شرعاً، والمفروضة على كافة المكلفين سمعاً، فأعدادها معلومة، وأوقاتها مرسومة، وأركانها مضبوطة، وأحكامها في الكتب مسطورة لا حاجة بنا إلى تفصيلها، لشهرتها وكفالة الكتب الفقهية في تعيين شرائطها وأحكامها، وإذا مدَّ الله في العمر نشير إلى اركانها وواجباتها، ومبطلاتها وشكوكها وغير ذلك، ونبيّنها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وأما صلاة الباطن فنشير إلى بعض أسرارها، ويسير مما ينبغي لها ليكون الإنسان على مقربة استعداد، وأوفى عدة عند القيام بها بحيث يأتي بها على وجه البصيرة والمعرفة، إن كان من أهل القرب والطاعة، فنقول:

أولها: الطهارة; وهي من مفاتيح الصلاة والطرف الأهم، إذ بواسطتها تقبل الصلاة كما جاء في الحديث: «لا صلاة إلاّ بطهور»(19) وإذا تفكّر العاقل في هذا الحكم إجمالاً، ونظر في حقيقتها وثمرتها، عرف أن السعادة ظاهرة وباطنة في النظافة.

ثم إذا تفكّر فيما ورد فيها من الآيات القرآنية لا سيما قوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) [المائدة : 6] ويضم الى ذلك قوله تعالى: (والله يحب المطهرين) [التوبة : 108]، ويعقل معنى حب الله جل وعلا، وأن ثمرته كشف الحجب عن قلب العبد، فيلقي به كل نور وسعادة، ثم في قوله (صلى الله عليه وآله): «الطهور نصف الايمان»(20)، فيستشعر من ذلك أن المراد من الطهور إنما هو التخلّي والتنظيف من موجبات الأكدار والقذارات عن الظاهر.

ويكون النصف الآخر من الايمان عبارة عن التحلِّي والتزيُّن بالفواضل والفضائل في الظاهر والباطن، مثلا طهارة البدن بالوضوء واجتناب المعاصي، وحليته بالعطر والأعمال الصالحة، وطهارة القلب بتزكيته عن الأخلاق الرذيلة، وحليته بالأخلاق الحسنة الجميلة، وطهارة السر بنسيان ما سوى الله، وحليته بذكر الله، وبعبارة أخرى نفي الموهوم، وتصحيح المعلوم، وكشف سبحات الجمال.

فإن قلت: الطهارة تطلق في عرف الفقهاء على التنظيف من الأخباث والأحداث، فمن أين يستشعر أنّ المراد منها هذا المعنى العام؟ قلت: يستشعر ذلك من النقل والعقل، أما النقل: فيكفي قوله تعالى: ـ في سورة الشمس ـ بعد تلك الأقسام العظيمة: (قد أفلح من زكّاها  وقد خاب من دساها) [الشمس : 10-9]. وهذا التأكيد العظيم إنما يدلّ على أنّ الأمر في طهارة القلب أهمّ بمراتب من طهارة البدن.

وأما العقل: فمن تأمّل في لطف الله تعالى في طلبه من الإنسان طهارة المكان الذي هو مجاور لك، ثم اللباس الذي هو ملاصق لبدنك، ثم البدن الذي هو قشر لحقيقتك، يعلم من ذلك بالعلم القطعي أنّه ـ تعالى ـ لا يهمل طهارة قلبك وسرّك من الأقذار والأرجاس المعنوية التي لا يقاس خبثها ورجاستها بالأرجاس الظاهرية بوجه.

ثانياً: ستر العورة; فمعناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق ـ أعني سكان عالم الأرض ـ فإذا وجب عليك ستر ظاهر البدن عن الخلق وهم مخلوق مثلك، فما ظنّك في عورات باطنك، وفضائح سرّك الذي هو موضع نظر معبودك وخالقك، فانها أولى بالستر وأحرى.

فأحضر تلك الفضائح ببالك، وطالب نفسك بسترها بالندم والخوف والحياء، ونزّل نفسك منزلة العبد المجرم المسيء الآبق الذي ندم فرجع إلى مولاه، ناكساً رأسه من الحياء والخوف، فإنّ الله تعالى ألطف ما يكون بك، أطعته فأحبك، وعصيته فأمهلك، ورجعت إليه فقبلك.

فقد روي: أنّ شاباً من بني إسرائيل أطاع الله عشرين سنة، ثم عصاه عشرين سنة، فنظر ذات يوم وهو يترائى في مرآت إلى شيب في لحيته فتأوّه وندم على ما فرّط، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي أطعتك عشرين سنة وعصيتك عشرين سنة، وها أنا تائب ونادم، أفتقبلني؟ صدر النداء من الجليل جل وعلا: عبدي أطعتنا أحببناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإذا رجعت إلينا قبلناك.

ثالثها: الاستقبال; فهو إستقبال ظاهر وجهك من سائر الجهات إلى جهة البيت الحرام، أفترى أنك مأمور بذلك ولست مأموراً بتوجيه قلبك إلى معبودك!؟ فليكن وجه قلبك مع وجه بدنك، وكما لا يمكن التوجه إلى البيت إلاّ بالالتفات عن سائر الجهات، فكذلك لا يمكن التوجه إلى الحق إلاّ بالاعراض عن كل ما عداه، والانقطاع بكليته إلى الله تعالى.

رابعها: القيام; فليكن على ذكرك في الحال خطر القيام بين يدي الرب المتعال في القيامة، وهول المطلَّع في مقام العرض والسؤال حين ما أيقن أهل الجرائم بالعقاب، وعاينوا أليم العذاب، فقم بين يديه سبحانه قيام عبد ذليل بين يدي ملك جليل، وعليك بخفوت أنفاسك، وهدو أطرافك، وسكون جوارحك، وخشوع أجزائك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وزن نفسك قبل أن توزن.

خامسها: النية; فاعلم ان الأعمال بالنيات، وأن النية رأس العبادات، فاجتهد في تحصيل الاخلاص رجاءً للثواب، وخوفاً من العقاب، وطلباً للقرب إلى رب الأرباب.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه، فلا يضر ما دخله بعد ذلك، فليمض في صلاته، وليخسأ الشيطان من نفسه»(21).

سادسها: التكبير; فإذا نطق به لسانك فينبغي أن لا يكذّبه قلبك، فإن كان هواك أغلب عليك من أمر الله، وأنت أطوع له، فقد اتخذته إلهاً لك ومعبوداً من دون الله كما قال تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) [الفرقان : 43] فقولك: «الله أكبر» يكون حينئذ كلاماً بمجرّد اللسان من دون أن يساعده القلب والجنان، فيشهد الله سبحانه عليك بأنك كاذب في تكبيره وتعظيمه، كما شهد على المنافقين بأنهم لكاذبون في قولهم: «نشهد أنك لرسول الله» وما أعظم الخطر في ذلك لولا التدارك بالتوبة والاستغفار.

سابعها: القراءة; والناس فيها على ثلاثة أقسام: السابقون وهم المقرّبون، وأصحاب اليمين وهم أهل الجنَّة، وأصحاب الشمال وهم أهل النار.

فرجل يتحرك لسانه وقلبه غافل عما هو فيه وما يتكلم به، بل مشغول الفكر بأغراض نفسه ومعاملاته وتجاراته وخصوماته وغيرها، وهو مقام أصحاب الشمال.

ورجل يتحرّك لسانه، وقلبه يتبع اللسان، فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره، وهو مقام أصحاب اليمين.

ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولاً، ثم يخدمه اللسان فيترجمه، كما ربما يخطر بالبال شيء فينبعث من الرجل داعية الشوق إلى التكلّم به، وفرق بين اللسان الذي هو ترجمان القلب، وبين أن يكون القلب ترجماناً تابعاً للسان، والمقربون لسانهم ترجمان قلوبهم.

وجماع القول من كلّ ما ذكرناه، هو إتقان الفريضة، وحفظ أصولها، والتدبر في معانيها لأنَّها الطرف الأعلى والركن المهم من الدين، يقول السيد الجليل بحر العلوم في أُرجوزته:

إن الصلاة هي أفضل القرب *** وأكمل الطاعات طُرّاً وأحب

عمود هذا الدين والعنوان *** لسائر الأديان والميزان

إن قبلت فغيرها بها قبل *** وإن تُردُّ ظلّ سعي من عمل(22)

وليكن المصلي داخلا تحت عنوان قوله تعالى: (إن الصلوة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) [النساء : 103]. وإنما خصّ الله تعالى المؤمنين بالذكر دون غيرهم، لأنّ الصلاة التي تكون صحيحة مقبولة عنده هي صلاة المؤمنين، وغيرهم لا تقبل منه الصلاة كما تقبل منهم، والعلة واضحة، وذلك لعدم قيامهم بشرائطها التي منها الايمان بالله، ولعدم إمتثالهم لأمر الله ونهيه.

وإن شدة إيمان المؤمن هو الذي يدعوه إلى المحافظة على الصلاة، والشوق إليها، والاقبال عليها لأنّها معراجه، وبها يصل إلى أعلى مراتب السعادة، ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) كثير الشوق إليها، شديد التعب بها، فقد كان يصلّي الليل كلّه، فعاتبه الله تعالى على ذلك وأنزل عليه (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) [طه : 1-2 ]وأمره بأن يخفّف على نفسه، وذكر أنّه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كلّ هذا التعب.

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: «لقد قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشر سنين على أطراف أصابعه، حتّى تورّمت قدماه، واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك، فقال الله تعالى: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)(23) ـ والشقاء بمعنى التعب ـ .

فكان (صلى الله عليه وآله) أعبد الخلق من لدن آدم إلى آخر رجل في العالم، فكان لم يسبقه في العبادة سابق، ولا يتعلّق به مرافق، إلاّ أخوه وابن عمّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقد كان يسلك منهاجه في العبادة، ويقفو أدراجه في تلك السعادة.

فكان (عليه السلام)يصلي كما هو المتواتر في اليوم والليلة ألف ركعة، ولم تعرف ليلة من الدهر لم يقم بها أمير المؤمنين (عليه السلام)لعبادة ربه إلاّ ليلة الفراش بمكة فإنّه نام فيها، ولكن قابلها بليلة صفين فإنّه قام فيها.

أما ليلة الفراش فإنّ طوائف من قريش تعاقدت على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله)وجعلوا موعدهم ليلة عيّنوها، فأخبر الله تعالى نبيّه بذلك، فبيّت النبي علياً على فراشه تلك الليلة، وهاجر من مكة لئلاّ يجد المشركون فراش رسول الله خالياً فيعلموا بهجرته فيتبعوه.

فبات علي (عليه السلام) على ذلك الفراش، باذلاً دمه في سبيل الله، جاعلا جسمه دريئة لأعداء الله، فنام والمشركون حوله يظنّونه رسول الله، فلو أنّه قام تلك الليلة لعبادة ربّه لعرفوه وتبعوا رسول الله، فبقى (عليه السلام)نائماً والحجارة ترضخه إلى أن عرف لهم الصباح فقام، فذلك المنام أفضل من كل قيام، وفي ذلك يقول شاعره:

فدى النبي بنفس حين بات على *** فراشه يوم رامته أعاديه

قالوا تضوّر من نوم فقلت لهم *** لأنّه بات ليلا لم يصلّيه

لو أنّه قام قالوا ذاك حيدرة *** فنام في عين باريه يناجيه

ولم يتركها أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ أعني تلك الليلة ـ قائماً وقاعداً إلاّ لعبادة هي أفضل وأوفى، وأشد زلفى إلى الله تعالى، وأما ليلة صفين: فإنّ الله تعالى قد قصر الصلاة الواجبة في الجهاد عند الخوف إشفاقاً على المسلمين، ورعاية لهم، كما أمر نبيّه أن يصنع ذلك في حروبه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) صلى النافلة بصفين بين أعداء الله اللئام، وصناديد أهل الشام.

قال نصر بن مزاحم: ضارب علي بصفين، فشقّ صفوف أهل الشام، وجعل يضرب فيهم قُدماً، فلا يرون إلاّ وميض سيفه، ولا يسمعون إلاّ تكبيره، وكان (عليه السلام)يكبّر عند كل شجاع يقتله، فعدّوا له في تلك الحملة سبعين تكبيرة ثم خفي صوته، فانتدبت له رجال من ربيعة وقحطان، فشقّوا الصفوف فرأوه قائماً يصلّي النافلة بين أعدائه.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) هو من علماء النجف الأشرف، كان زاهداً ناسكاً، وعالماً أديباً، اعتمد العلامة الأميني عليه كثيراً في كتابه القيم (الغدير) صدر له كتاب (علي وليد الكعبة) وكانت تربطه مع العلامة القبانجي رابطة مصاهرة.

(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 16 : 67 باب 31.

(3) شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5 : 15 الفصل الرابع.

(4) البحار 61 : 186 ح52.

(5) الهجينة: بمعنى العار ومنه مستهجَن أي مستعار.

(6) نحوه كنز العمال 15 : 855 ح43400.

(7) كنز العمال 9 : 22 ح24737 نحوه.

(8) البحار 77 : 164 ح2.

(9) مستدرك الوسائل 8 : 211 ح9278.

(10) هو أحد أبرز علماء الاجتماع الحديث.

(11) اعلام الدين للديلمي : 84 .

(12) هو الختان.

(13) ارشاد القلوب : 160.

(14) المصدر السابق.

(15) ارشاد القلوب : 161.

(16) المصدر السابق.

(17) الوصيفة هي الجارية.

(18) 83 : 9 ح2 .

(19) التهذيب 1 : 49 ح83; ومن لا يحضره الفقيه 1 : 58 ح129.

(20) مستدرك الوسائل 1 : 357 ح843 .

(21) الكافي 3 : 268 ح3; الوسائل 1 : 80 ح3.

(22) الدرّة النجفيّة: 81 كتاب الصلاة.

(23) البحار 71 : 26.