5من الخطبة ( 63 ) و من خطبة له عليه السّلام : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً وَ يَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرَهُ قَلِيلٌ وَ كُلُّ عَزِيزٍ غَيْرَهُ ذَلِيلٌ وَ كُلُّ قَوِيٍّ غَيْرَهُ ضَعِيفٌ وَ كُلُّ مَالِكٍ غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ وَ كُلُّ عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ وَ كُلُّ قَادِرٍ غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَ يَعْجَزُ وَ كُلُّ سَمِيعٍ غَيْرَهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ اَلْأَصْوَاتِ وَ يُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَ يَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا
----------- ( 2 ) مقصود الشارح هشام بن الحكم و هشام بن سالم و يونس بن عبد الرحمن و محمد بن النعمان صاحب الطاق و الفضل بن شاذان ، و النسب التي نسبها اليهم ابن أبي الحديد رواها جمع من مؤلفي الشيعة و السنة ، لم يسع المقام لنقل رواياتهم . ( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 1 : 295 . ( 4 ) شرح ابن أبي الحديد 1 : 294 نقله الشارح بالمعنى . [ 176 ] وَ كُلُّ بَصِيرٍ غَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ اَلْأَلْوَانِ وَ لَطِيفِ اَلْأَجْسَامِ وَ كُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرَهُ غَيْرُ بَاطِنٍ وَ كُلُّ بَاطِنٍ غَيْرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَ لاَ تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ وَ لاَ اِسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لاَ شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ وَ لاَ ضِدٍّ مُنَافِرٍ وَ لَكِنْ خَلاَئِقُ مَرْبُوبُونَ وَ عِبَادٌ دَاخِرُونَ لَمْ يَحْلُلْ فِي اَلْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ فِيهَا كَائِنٌ وَ لَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا اِبْتَدَأَ وَ لاَ تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ وَ لاَ وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ وَ لاَ وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَ قَدَّرَ بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ وَ عِلْمٌ مُحْكَمٌ وَ أَمْرٌ مُبْرَمٌ اَلْمَأْمُولُ مَعَ اَلنِّقَمِ اَلْمَرْجُوُّ مَعَ اَلنِّعَمِ « الحمد للّه » حمده تعالى باعتبار خمسة عشر وصفا ، لا يوصف بواحد منها غيره تعالى : الأوّل : « الذي لم يسبق له حال حالا ، فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا » و غيره تعالى لا يوصف بالأوّليّة و الآخرية في زمان واحد ، مثل أوّل سلطنة سلطان و آخرها ، و أوّل فاكهة و آخرها ، و أمّا هو تعالى ففي كلّ وقت أوّل و آخر ، و سئل الصادق عليه السّلام عن معنى الأول و الآخر فيه تعالى ، فقال : الأوّل : لا عن أوّل قبله و لا عن بدء سبقه ، و الآخر : لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ، و لكن قديم أوّل آخر لم يزل و لا يزول بلا بدء و لا نهاية 1 . « و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا » هو أيضا كسابقه تفريع على قوله : « لم يسبق له حال حالا » فكما أنّه تعالى في حين آخريته أوّل ، كذلك هو في حين باطنيته ظاهر ، قال تعالى : هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكلّ
----------- [ 177 ] شيء عليم 1 . و قال الرضا عليه السّلام في خبر في أسمائه تعالى : و أمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليها ، و تسنّم لذراها ، و لكن ذلك لقهره و لغلبته الأشياء و قدرته عليها ، كقول الرّجل : ظهرت على أعدائي ، و أظهرني اللّه على خصمي ، يخبر عن الفلج و الغلبة ، فهكذا ظهور اللّه على الأشياء . و وجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده ، و لا يخفى عليه شيء ، و أنّه مدبّر لكلّ ما برأ ، فأيّ ظاهر أظهر و أوضح من اللّه تعالى ؟ لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت ، و فيك من آثاره ما يغنيك ، و الظاهر منّا البارز بنفسه ، و المعلوم بحدّه . فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى . و أمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ، و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا ، كقول القائل : أبطنته ، يعني : خبرته ، و علمت مكتوم سرّه . و الباطن منّا الغائب في الشيء المستتر ، فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى 2 . الثاني : « كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل » في وحدته ، روى الفتح بن يزيد عن الرضا عليه السّلام في خبر : فالإنسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى ، و اللّه تعالى واحد لا واحد غيره ، و لا اختلاف فيه و لا تفاوت ، و لا زيادة و لا نقصان ، فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف ، فمن أجزاء مختلفة و جواهر شتّى ، غير أنّه بالاجتماع شيء واحد 3 .
----------- ( 2 ) أخرجه الكليني في الكافي 1 : 120 ح 2 ، و الصدوق في التوحيد : 189 ح 2 ، و العيون 1 : 122 ح 50 ، و رواه الطبرسي في الاحتجاج 2 : 398 . ( 3 ) أخرجه الصدوق في التوحيد : 62 ح 18 ضمن حديث طويل ، و أخرجه أيضا الكليني في الكافي 1 : 137 ح 3 ، لكن ليس في حديث الكافي هذه القطعة . [ 178 ] و في خبر عن الجواد عليه السّلام : فلا يقال : اللّه مؤتلف و لا اللّه قليل و لا كثير . و لكنه القديم في ذاته ، لأنّ ما سوى الواحد متجزّىء ، و اللّه واحد لا متجزّىء ، و لا متوهّم بالقلّة و الكثرة ، و كلّ متجزّىء أو متوهّم بالقلّة و الكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له 1 . الثالث : « و كلّ عزيز غيره ذليل » . . . أيبتغون عندهم العزّة فانّ العزّة للّه جميعا 2 . و العزّة في غيره تعالى و إن كان مجازيا إلاّ أنّها أيضا بيده ، فلا ينالها إلاّ من يشاء تعالى : قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء و تعزّ من تشاء و تذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير 3 . كما أنّه تعالى جعلها بمعنى آخر للمنسوبين إليه . . . و للّه العزّة و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون 4 و كلتاهما و إن كانت غير حقيقية ، إلاّ أنّ الأولى ظاهرية و الثانية باطنيّة . الرّابع : « و كلّ قوي غيره ضعيف » كيف لا يكون غيره ضعيفا ، و الإنسان الّذي سخّر له ما في السماوات و الأرض ، و قال تعالى فيه : و لقد كرّمنا بني آدم و حملناهم في البرّ و البحر و رزقناهم من الطيّبات و فضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا 5 في غاية الضعف ، فقال تعالى : . . . و خلق الإنسان ضعيفا 6 ، و قال عليه السّلام : « مسكين ابن آدم مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ
----------- ( 2 ) النساء : 139 . ( 3 ) آل عمران : 26 . ( 4 ) المنافقون : 8 . ( 5 ) الاسراء : 70 . ( 6 ) النساء : 28 . [ 179 ] العمل ، تؤلمه البقة و تقتله الشرقة ، و تنته العرقة » 1 . الخامس : « و كلّ مالك غيره مملوك » هو تعالى . . . له ملك السماوات و الأرض . . . 2 ، و غيره . . . و لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا 3 ، . . . و ما يملكون من قطمير 4 . قال الجوهري : القطمير الفوفة التي في النواة ، و هي القشرة الرقيقة ، و يقال : هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة ، تنبت منها النخلة 5 . السادس : « و كلّ عالم غيره متعلّم » و أمّا هو تعالى فعلمه من صفات ذاته . السابع : « و كلّ قادر غيره يقدر » على أشياء معدودة « و يعجز » عن أشياء غير محصورة ، و أمّا هو تعالى فقادر على كلّ أمر غير مستحيل ، و أمّا المستحيل كإدخال الدنيا في بيضة مع ابقائهما على حالهما ، كما اقترحه جاهل معاند ، فخارج عن موضوع القدرة ، مع أنّه تعالى فعل نظيره . قال الديصاني لهشام بن الحكم : ألك ربّ ؟ فقال : بلى . قال : أقادر هو ؟ قال : نعم ، قادر قاهر . قال : يقدر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تكبر البيضة ، و لا تصغر الدنيا ؟ قال هشام : النظرة . فقال له : قد أنظرتك حولا . ثمّ خرج عنه ، فركب هشام الى الصادق عليه السّلام فاستأذن عليه ، فأذن له ، فقال له : يابن رسول اللّه أتاني عبد اللّه الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلاّ على اللّه و عليك ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام : عن ماذا سألك ؟ فقال : قال لي : كيت و كيت . فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : يا هشام كم حواسّك ؟ قال : خمس . قال : أيّها أصغر ؟ قال : النّاظر .
----------- ( 2 ) الفرقان : 2 . ( 3 ) الفرقان : 3 . ( 4 ) فاطر : 13 . ( 5 ) صحاح اللغة للجوهري 2 : 797 مادة ( قطمر ) . [ 180 ] قال : و كم قدر الناظر ؟ قال : مثل العدسة أو أقل منها . فقال عليه السّلام له : يا هشام فانظر أمامك و فوقك و اخبرني بما ترى . فقال : أرى سماء و أرضا و دورا و قصورا و براري و جبالا و أنهارا . فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام : إنّ الّذي قدر أن يدخل الّذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة ، لا تصغر الدنيا و لا تكبر البيضة . فأكبّ هشام عليه ، و قبّل يديه و رأسه و رجليه و قال : حسبي يابن رسول اللّه ، و رجع إلى الدّيصاني فأجابه . فقال : ليس هذا من عندك 1 . الثامن : « و كلّ سميع غيره يصمّ » بالفتح ، كناية عن عدم السّماع « عن لطيف الأصوات و يصمّه » بالضمّ « كبيرها » و أمّا هو تعالى فيسمع السرّ و أخفى ، و هو ما خطر بالقلب 2 ، « و يذهب عنه ما بعد منها » بخلافه تعالى ، فالقرب و البعد عنده سواء ، بل ليس عنده قرب و لا بعد . التاسع : « و كلّ بصير غيره يعمى » كناية عن عدم الرؤية « عن خفيّ الألوان و لطيف الأجسام » الظاهر سقوط ما يؤدّي معنى قوله عليه السّلام في السابق « و يذهب عنه ما بعد منها » فكما يذهب عن كلّ سميع غيره تعالى ما بعد من الأصوات ، كذلك يذهب عن كلّ بصير غيره جلّ و علا ما بعد من الألوان و لو كانت واضحة ، و الأجسام و لو كانت عظيمة ، فإنّ السّامعة و الباصرة منّا محدودتان ، و غاية ما قالوا في القصص التاريخيّة : إنّ زرقاء اليمامة كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيّام ، و أنّها قالت لقومها جديس لمّا بعث ملك
----------- سؤال ابليس عيسى عليه السّلام أخرجه الصدوق في التوحيد : 127 ح 5 ، و منها سؤال رجل عليّا عليه السّلام أخرجه بروايتين الصدوق في التوحيد : 130 ح 9 ، 10 ، و سؤال رجل الرضا عليه السّلام أخرجه الصدوق في التوحيد : 130 ح 11 . ( 2 ) قول الشارح اشارة الى قوله تعالى : فانه يعلم السر و أخفى طه : 7 ، و تفسيره بما خطر بالقلب مروي موقوفا عن علي بن ابراهيم و قتادة و الحسن البصري و عكرمة ، يجيء تخريجه في العنوان ( 15 ) من هذا الفصل . [ 181 ] اليمن اليهم لأخذ ثأر طسم منهم ، و كانوا خافوا أن تبصرهم فتنذرهم فيستعدّوا و لا يقدروا عليهم ، فقطعوا الأشجار و جعل كلّ رجل منهم بين يديه شجرة : أرى أشجارا تقبل اليكم ، و أرى فيها رجلا معه كتف يأكلها أو نعل يخصفها ، ففنّدوها ، فصبّحوهم على غرّة و أبادوهم 1 . العاشر : « و كلّ ظاهر غيره غير باطن ، و كلّ باطن غيره غير ظاهر » لأنّ الظاهر و الباطن في غيره تعالى ضدّان لا يجتمعان بخلافهما فيه جلّ و علا ، كما عرفت معناهما في شرح قوله عليه السّلام « و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا » 2 . الحادي عشر : « لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان » . . . و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون . ما أريد من رزق و ما أريد أن يطعمون 3 « و لا تخوّف من عواقب زمان » كالملوك في أفعالهم . و في ( تاريخ الطبري ) : أنّ المنصور بنى الهاشمية قبالة مدينة ابن هبيرة التي كانت إلى جانب الكوفة ، و بني أيضا الرّصافة بظهر الكوفة ، فلمّا ثارت الراونديّة في هاشميته كره سكناها ، لاضطراب من اضطرب أمره عليه من الراونديّة مع قرب جواره من الكوفة ، و لم يأمن أهلها على نفسه ، فأراد أن يبعدهم من جوارهم ، فذكر أنّه خرج بنفسه يرتاد موضعا يتخذه مسكنا لنفسه و جنده ، فبدأ فانحدر إلى جرجرايا ، ثمّ صار الى بغداد ، ثمّ مضى الى الموصل ، ثمّ عاد إلى بغداد ، فقال : هذا موضع معسكر صالح ، هذه دجلة ليس بيننا و بين الصين شيء ، يأتينا فيها كلّ ما في البحر ، و تأتينا الميرة من الجزيرة و أرمينية و ما حول ذلك . و هذا الفرات يجيء فيه كلّ شيء من الشام
----------- ( 2 ) هي الفقرة الثالثة من هذا العنوان . ( 3 ) الذاريات : 56 57 . [ 182 ] و الرّقة و ما حول ذلك ، فنزل و ضرب عسكره على الصّراط و خطّ المدينة ، و وكلّ بكلّ ربع قائدا 1 . « و لا استعانة على ندّ » بالكسر : المثل و النظير . « مثاور » أي : مواثب . « و لا شريك مكاثر » كأهل الدنيا اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد . . . 2 . و في ( المروج ) : كتب ملك الصين الى أنو شيروان : من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدرّ و الجوهر الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود و الكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين ، و الّذي تخدمه بنات ألف ملك ، و الّذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنو شيروان 3 . و فيه : و كتب إليه ملك الهند : من ملك الهند و عظيم أراكنة المشرق ، و صاحب قصر الذهب ، و أبواب الياقوت و الدّر إلى أخيه ملك فارس صاحب التاج و الراية كسرى أنو شيروان 4 . « و لا ضدّ منافر » كالسلاطين في استحكاماتهم . و في ( تاريخ الطبري ) : قيل للمنصور في ما قيل له في محاسن موضع بغداد ليتّخذه حصنا : و أنت بين أنهار لا يصل إليك عدوّك إلاّ على جسر أو قنطرة ، فإذا قطعت الجسر و أخرجت القناطر لم يصل اليك عدوّك . . . و التّدبير في المدن أن تتّخذ لها الأسوار و الخنادق و الحصون ، و دجلة و الفرات
----------- ( 2 ) الحديد : 20 . ( 3 ) مروج الذهب 1 : 292 . ( 4 ) مروج الذهب 1 : 293 . [ 183 ] خنادق لمدينتك 1 . « و لكن خلائق مربوبون ، و عباد داخرون » بالدّال المهملة ، أي : صاغرون ذليلون . . . إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد 2 ، فكيف يعمل عملا لتشديد سلطان أو سائر ما ذكر ؟ الثاني عشر : « لم يحلل في الأشياء فيقال : هو فيها كائن ، و لم ينأ » بفتح الهمزة ، أي : لم يبعد و لم ينفصل « عنها ، فيقال : هو منها بائن » مثلا لا يقال : إنّه تعالى حلّ في السماء ، كما لا يقال : إنّه عزّ و جلّ نأى عن الأرض ، بل نسبتهما إليه تعالى على السواء و هو الّذي في السماء إله و في الأرض إله . . . 3 . هذا ، و ( توحيد الصدوق ) روى الثاني عشر قبل الحادي عشر 4 ، و الظاهر أصحّيته ، فإنّ المناسب أن يكون قوله : « لم يحلل . . . » بعد قوله « و كلّ باطن غيره غير ظاهر » ، كما أنّ المناسب أن يكون الثالث عشر « لم يؤده . . . » بعد قوله « لم يخلق . . . » لكونهما من واد واحد . كما أنّه زاد بعد قوله « بائن » : « و لم يخل منها فيقال له : أين ، لكنّه سبحانه أحاط بها علمه ، و أتقنها صنعه ، و أحصاها حفظه » فالظاهر وقوع سقط في النهج لكون الزائد من موضوعه كتقديم و تأخير . الثالث عشر : « لم يؤده » أي : لم يثقله ، من آده الحمل أثقله ، أو من آدني هذا الأمر بلغ منّي المجهود . « خلق ما ابتدأ » . . . وسع كرسيّه السماوات و الأرض و لا يؤوده حفظهما و هو العليّ العظيم 5 . « و لا تدبير ما ذرأ » في ( الصحاح ) :
----------- ( 2 ) ابراهيم : 19 . ( 3 ) الزخرف : 84 . ( 4 ) التوحيد للصدوق : 42 ، 43 ح 3 . ( 5 ) البقرة : 255 . [ 184 ] حكى بعضهم ذرأت الأرض ، أي : بذرتها ، و زرع ذريّ ، على فعيل ، و أنشد :
شققت القلب ثمّ ذرأت فيه إنّ اللّه يمسك السّماوات و الأرض أن تزولا و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . . . 2 ، . . . فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين . فقضاهنّ سبع سماوات في يومين و أوحى في كلّ سماء أمرها و زيّنا السماء الدّنيا بمصابيح و حفظا ذلك تقدير العزيز العليم 3 . « و لا وقف به عجز عمّا خلق » هكذا في النسخ 4 ، و الظاهر وقوع تصحيف ، فقولك وقف بي الأمر الفلاني عن الشيء الفلاني إنّما يقال اذا لم تفعله ، فلا بدّ أنّ الأصل ( و لا وقف به عجز في ما خلق ) أو ( و لا وقف به عجز عمّا لم يخلق ) . و يشهد له رواية ( التوحيد ) للخطبة : و لا من عجز ، و لا من فترة ، بما خلق اكتفى ، علم ما خلق و خلق ما علم 5 . الرابع عشر : « و لا ولجت عليه شبهة في ما قضى و قدّر ، بل قضاء متقن ، و علم محكم ، و أمر مبرم » ، و في ( التوحيد ) : لا بالتفكّر و لا بعلم حادث أصاب ما خلق ، و لا شبهة دخلت عليه في ما لم يخلق ، لكن قضاء مبرم . . . 6 . قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون . . . فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما
----------- ( 2 ) فاطر : 41 . ( 3 ) فصلت : 11 12 . ( 4 ) كذا في نهج البلاغة 1 : 113 ، و شرح ابن أبي الحديد 1 : 471 ، و شرح ابن ميثم 2 : 168 . ( 5 ) التوحيد للصدوق : 43 ح 3 . ( 6 ) المصدر نفسه . [ 185 ] كنتم تكتمون 1 . الخامس عشر « المأمول مع النّقم و المرجوّ مع النّعم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و المرهوب مع النّعم ) كما في ( ابن ميثم ، و غيره ) 2 . يدلّ على كونه تعالى مأمولا مع النقم ، و مرهوبا مع النّعم ما ورد أنّه تعالى قال لداود عليه السّلام : بشّر المذنبين ، و انذر الصدّيقين . قال داود : كيف أبشّر المذنبين ، و أنذر الصديقين ؟ قال : يا داود بشّر المذنبين أنّي أقبل التوبة و أعفو عن الذنب ، و أنذر الصدّيقين ألاّ يعجبوا بأعمالهم ، فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك 3 . هذا ، و نقل ابن أبي الحديد 4 هنا آيات و أبياتا لا ربط لها بالمقام ، كقوله تعالى . . . فعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل اللّه فيه خيرا كثيرا 5 ، و كقول الشاعر :
من عاش لاقى ما يسوء |