12

من الخطبة ( 159 ) و من خطبة له عليه السّلام :

بَعَثَهُ بِالنُّورِ اَلْمُضِي‏ءِ وَ اَلْبُرْهَانِ اَلْجَلِيِّ وَ اَلْمِنْهَاجِ اَلْبَادِي وَ اَلْكِتَابِ اَلْهَادِي أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ وَ ثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ مَوْلِدُهُ ؟ بِمَكَّةَ ؟ وَ هِجْرَتُهُ ؟ بِطَيْبَةَ ؟ عَلاَ بِهَا ذِكْرُهُ وَ اِمْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ وَ مَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ وَ دَعْوَةٍ مُتَلاَفِيَةٍ

-----------
( 1 ) أخرجه بهذا اللفظ القمي في تفسيره 1 : 177 ، و الطبرسي في أعلام الورى : 43 ، و أمّا الحوار بين جعفر و النجاشي فحديث مشهور أخرجه أحمد بطريقين في مسنده 1 : 201 ، و 5 : 290 ، و الطبراني بطرق في معجمه عنه مجمع الزوائد 6 : 24 32 ، و ابن هشام في السيرة 1 : 289 و غيرهم .

[ 223 ]

أَظْهَرَ بِهِ اَلشَّرَائِعَ اَلْمَجْهُولَةَ وَ قَمَعَ بِهِ اَلْبِدَعَ اَلْمَدْخُولَةَ وَ بَيَّنَ بِهِ اَلْأَحْكَامَ اَلْمَفْصُولَةَ فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاَمِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ وَ تَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ وَ تَعْظُمْ كَبْوَتُهُ ثُمَّ يَكُونُ مَآبُهُ إِلَى اَلْحُزْنِ اَلطَّوِيلِ وَ اَلْعَذَابِ اَلْوَبِيلِ « بعثه بالنور المضي‏ء » أي : القرآن ، قال تعالى : . . . فالّذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و أتبعوا النور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون 2 .

« و البرهان الجلي » قال تعالى : . . . قد جاءكم برهان من ربّكم و أنزلنا إليكم نورا مبينا 3 .

« و المنهاج » أي : الطريق الواضح .

« البادي » أي : الظاهر المستبين ، من : بدا يبدو ، لا بادى بدى الّذي أصله الهمز بمعنى الابتداء ، قال تعالى : . . . قد تبيّن الرشد من الغيّ . . . 4 .

« و الكتاب الهادي » إلى اللّه تعالى ، قال تعالى : . . . و كتاب مبين . يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السلام . . . 5 .

« أسرته » أي : عشيرته ، و هم بنو هاشم .

« خير أسرة » قالت قتيلة ابنة النضر الداري الّذي قتله أمير المؤمنين عليه السّلام صبرا بأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أبيات :

أ محمّد و لأنت صنو نجيبة
من قومها و الفحل فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت و لربّما
منّ الفتى و هو المغيظ المحنق

-----------
( 1 ) آل عمران : 85 .

-----------
( 2 ) الأعراف : 157 .

-----------
( 3 ) النساء : 174 .

-----------
( 4 ) البقرة : 256 .

-----------
( 5 ) المائدة : 15 16 .

[ 224 ]

« و شجرته خير شجرة » و المراد أصله الّذي خلق صلى اللّه عليه و آله منه ، كما يشهد له قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنا و عليّ من شجرة واحدة ، و الناس من أشجار شتّى 1 .

« أغصانها معتدلة » ليس فيها زيغ و اعوجاج .

« و ثمارها متهدّلة » أي : نازلة لا تمتنع من قطفها ، و المراد من أغصانها و ثمارها خلفاؤه الحقّة ، و عن الباقر عليه السّلام سئل عن قوله تعالى : . . . كشجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السماء . تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها . . . 2 ،

فقال : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنا أصل تلك الشجرة و عليّ ، و الأئمّة عليهم السلام أغصانها ،

و علمنا ثمرها ، و ما يخرج من الإمام من الحلال و الحرام في كلّ سنة إلى شيعته هو إيتاء أكلها كلّ حين 3 .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : نحن شجرة النبوّة ، و محطّ الرسالة ،

و مختلف الملائكة ، و معادن العلم ، و ينابيع الحكم 4 .

« مولده بمكّة » حرم اللّه .

« و هجرته بطيبة » أي : المدينة ، فطيبة أحد أسمائها ، ففي ( شرح المرتضى لقصيدة الحميري ) : أنّ للمدينة اثني عشر اسما : طيبة ، و يثرب ، و الدار ،

و السكينة ، و جابرة ، و المجبورة ، و المحبّة ، و المحبوبة ، و العذراء ، و الرعبوبة ،

و القاصمة ، و بندد 5 .

-----------
( 1 ) أخرجه الحاكم و ابن مردويه و الذهبي عنهم الدر المنثور 4 : 44 ، و ابن عساكر بطريقين في ترجمة علي عليه السّلام 1 : 142 ، 147 ح 178 ، 181 ، و الخوارزمي في مناقبة : 87 ، و ابن المغازلي في مناقبه : 400 ح 453 ، و الحسكاني بطريقين في شواهد التنزيل 1 : 288 ح 395 ، 396 ، و الجويني في فرائد السمطين 1 : 52 ح 17 و غيرهم .

-----------
( 2 ) إبراهيم : 24 25 .

-----------
( 3 ) هذا المعنى روي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام كليهما ، بعضه مرفوع إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و بعضه لم يرفع . أقرب الألفاظ ما أخرجه الصفار في بصائر الدرجات : 78 ح 1 ، و جمع بعض طرقه المجلسي في بحار الأنوار 24 : 136 الباب 44 .

-----------
( 4 ) نهج البلاغة للشريف الرضي 1 : 209 ضمن الخطبة 107 .

-----------
( 5 ) شرح القصيدة الذهبية للشريف المرتضى : 8 .

[ 225 ]

و قال سيف بن ذي يزن لجدّه عبد المطلب لما بشّره به : أجد في الكتاب الناطق و العلم السابق أنّ يثرب دار هجرته و بيت نصرته 1 .

« علا بها » أي : بطيبة .

« ذكره ، و امتدّ بها » في الآفاق .

« صوته » قال قيس بن صرمة من بني النجار فيه صلى اللّه عليه و آله :

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة
يذكّر من يلقى صديقا مواليا

و يعرض في أهل المواسم نفسه
فلم ير من يؤوي و لم ير داعيا

فلمّا أتانا أظهر اللّه دينه
فأصبح مسرورا بطيبة راضيا

و قال الأعشى :

نبي يرى ما لا يرون و ذكره
أغار لعمري في البلاد و أنجدا

هذا ، و في ( الفقيه ) عن الصادق عليه السّلام : كان اسم النبيّ صلى اللّه عليه و آله يكرّر في الأذان ، فأوّل من حذفه ابن أروى 2 .

قلت : أي : عثمان ، و كان معاوية يتلهف على عدم استطاعته رفع اسمه صلى اللّه عليه و آله رأسا من الأذان .

« أرسله بحجّة كافية » و هي القرآن ، قال تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس و الجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا 3 ، و قال عزّ و جلّ : و إن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا

-----------
( 1 ) حديث سيف بن ذي يزن أخرجه البيهقي في الدلائل عنه أعلام الورى : 17 ، و المسعودي في مروج الذهب 2 : 58 و الصدوق في كمال الدين : 176 ح 32 ، و الكراجكي في كنز الفوائد : 82 ، و رواه شاذان بن جبرئيل في الفضائل :

38 ، و الطبرسي في أعلام الورى : 15 باختلاف بين الروايات .

-----------
( 2 ) الفقيه للصدوق 1 : 195 ح 51 .

-----------
( 3 ) الإسراء : 88 .

[ 226 ]

بسورة من مثله . . . 1 .

« و موعظة شافية » . . . و جاءك في هذه الحقّ و موعظة و ذكرى للمؤمنين 2 ، يا أيّها الناس قد جاءتكم موعظه من ربّكم و شفاء لما في الصدور و هدى و رحمة للمؤمنين 3 . و لو لم يكن في القرآن إلاّ قوله تعالى :

فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره . و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره 4 ، أو قوله تعالى : . . . يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون 5 ، إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء . . . 6 ، أو قوله تعالى : قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فانّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون 7 ، إلى غير ذلك من نظائرها ، لكفى في كونها موعظة شافية .

« و دعوة » إلى اللّه .

« متلافية » أي : متداركة ، قال تعالى : . . . إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا . و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا منيرا 8 .

« أظهر به الشرائع المجهولة » يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيرا ممّا كنتم تخفون من الكتاب و يعفو عن كثير . . . 9 ، في ( سنن أبي داود )

-----------
( 1 ) البقرة : 23 .

-----------
( 2 ) هود : 120 .

-----------
( 3 ) يونس : 57 .

-----------
( 4 ) الزلزلة : 7 .

-----------
( 5 ) يونس : 23 .

-----------
( 6 ) يونس : 24 .

-----------
( 7 ) الجمعة : 8 .

-----------
( 8 ) الأحزاب : 45 46 .

-----------
( 9 ) المائدة : 15 .

[ 227 ]

عن البراء بن عازب : مرّوا على النبيّ صلى اللّه عليه و آله بيهودي قد حمّم وجهه ( أي : سوّد ) و هو يطاف به ، فناشدهم ما حدّ الزاني في كتابهم ، فأحالوه على رجل منهم ،

فنشده النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما حدّ الزّنا في كتابكم ؟ فقال : الرّجم ، و لكن ظهر الزّنا في أشرافنا فكرهنا أن يترك الشريف و يقام على من دونه ، فوضعنا هذا عنّا ، فأمر به النبيّ صلى اللّه عليه و آله فرجم . ثمّ قال : اللّهم إنّي أوّل من أحيا ما أماتوا من كتابك 1 .

« و قمع به البدع المدخولة » في الدين ، ما جعل اللّه من بحيرة و لا سائبة و لا وصيلة و لا حام . . 2 .

و في ( النهاية ) كانوا إذا ولدت إبلهم سقبا بحروا أذنه أي : شقّوها و قالوا : اللّهم إن عاش ففتيّ و إن مات فذكيّ . فإذا مات أكلوه و سمّوه : البحيرة .

و قيل : البحيرة : بنت السائبة ، كانوا إذا تابعت الناقة بين عشر أناث لم يركب ظهرها و لم يجزّ و برها ، و لم يشرب لبنها إلاّ ولدها أو ضيف ، و تركوها مسيبة لسبيلها و سمّوها السائبة ، فما ولدت بعد ذلك من أنثى شقّوا أذنها و خلّوا سبيلها ، و حرم منها ما حرم من أمّها و سمّوها البحيرة 3 .

و الوصيلة : هي الشاة إذا ولدت ستّة أبطن اثنيين أثنيين ، و ولدت في السابعة ذكرا و أنثى . قالوا : وصلت أخاها . فأحلّوا لبنها للرجال ، و حرّموه على النساء . و قيل : إن كان السابع ذكرا ذبح و أكل منه الرجال و النساء ، و إن كانت أنثى تركت في الغنم ، و إن كان ذكرا و أنثى قالوا : وصلت أخاها و لم تذبح ،

و كان لبنها حراما على النساء 4 .

-----------
( 1 ) سنن أبي داود 4 : 154 ح 4447 ، 4448 .

-----------
( 2 ) المائدة : 103 .

-----------
( 3 ) النهاية لابن الأثير 1 : 100 مادة ( بحر ) .

-----------
( 4 ) النهاية لابن الأثير 5 : 192 مادة ( وصل ) .

[ 228 ]

و في ( الصحاح ) الحامي : الفحل من الإبل الذي طال مكثه عندهم 1 .

قال الفرّاء : إذا لقح ولد ولده ، فقد حمى ظهره ، و لا يجزّ له وبر ، و لا يمنع من مرعى 2 .

و عن ( البخاري ) البحيرة التي يمنع درّها للطواغيت ، فلا يحلبها أحد من الناس ، و السائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شي‏ء ، و الوصيلة الناقة البكر تبكّر في أوّل نتاج الإبل ثمّ تثنّي بعد بأنثى ، و كانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينهما ذكر ، و الحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ، فإذا قضى ضرابه و دعوه للطواغيت و أعفوه من الحمل فلا يحمل عليه شي‏ء و سمّوه الحامي 3 .

و قال تعالى : و قالوا هذه أنعام و حرث حجر لا يطعمها إلاّ من نشاء بزعمهم و أنعام حرّمت ظهورها و أنعام لا يذكرون اسم اللّه عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون . و قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا و محرّم على أزواجنا و إن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم و صفهم إنّه حكيم عليم 4 .

و قالوا : كانت تلبية قريش و العرب تلبية إبراهيم و الأنبياء عليهم السلام : « لبّيك اللّهم لبّيك لا شريك لك لبّيك » فجاءهم إبليس في صورة شيخ و قال : ما هذا تلبية أسلافكم و إنّما تلبيتهم ( لا شريك لك إلاّ شريك هو لك ) فنفرت قريش من

-----------
( 1 ) صحاح اللغة 6 : 2320 مادة ( حمى ) .

-----------
( 2 ) لسان العرب لابن منظور 14 : 202 مادة ( حما ) .

-----------
( 3 ) أخرجه البخاري في صحيحه 3 : 126 ، و مسلم في صحيحه 4 : 2192 ح 51 ، و عبد الرزاق و عبد ابن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه عنهم الدر المنثور 2 : 337 كلّهم عن سعيد بن المسيب موقوفا .

-----------
( 4 ) الأنعام : 138 139 .

[ 229 ]

هذا القول ، فقال لهم إبليس : على رسلكم حتّى آتي على آخر كلامي . فقالوا : و ما هو ؟ قال : ( إلاّ شريك هو لك تملكه و ما ملك ) ألا ترون أنّه يملك الشريك و ما ملكه . فرضوا بذلك ، و كانت قريش خاصّة يلبّون به ، فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله : هذا شرك ، و أنزل تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم ممّا ملكت من أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء 1 .

« و بيّن به الأحكام المفصولة » . . . و قد فصّل لكم ما حرّم عليكم . . . 2 ،

و هو الذي أنزل اليكم الكتاب مفصّلا . . 3 .

« فمن يبتغ غير الاسلام دينا تحقّق شقوته » قال تعالى : و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين 4 .

« و تنفصم » أي : تنقطع .

« عروته » فإنّ العروة الوثقى التي لا انفصام لها هي دين الاسلام .

« و تعظم كبوته » بحيث لا يرجى نعشه .

« ثمّ يكون مآبه » أي : مرجعه .

« إلى الحزن الطويل » الذي لا انقضاء له .

« و العذاب الوبيل » أي : الوخيم ، قال أبو طالب فيه :

نبيّ أتاه الوحي من عند ربّه
و من قال : لا . يقرع بسنّ نادم

هذا ، و للبحتري في أحمد بن محمّد الطائي :

و لو تناهت بنو شيبان عنه إذن
لم يجشموا غير ذي حدّين مذروب

-----------
( 1 ) نقله كذلك عبد الرؤوف سعد في هامش السيرة النبوية 1 : 73 ، و نقله مختصرا ابن هشام في السيرة 1 : 73 ،

و الطبراني و ابن مردويه عنهما الدار المنثور 5 : 155 ، و اليعقوبي في تاريخه 1 : 255 ، و الآية 28 من سورة الروم .

-----------
( 2 ) الأنعام : 119 .

-----------
( 3 ) الأنعام : 114 .

-----------
( 4 ) آل عمران : 85 .

[ 230 ]

ما زادها النفر عنه غير تغوية
و بعدها من رضاه غير تتبيب