24

من الخطبة ( 131 ) منها :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ تَنَازُعٍ مِنَ اَلْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ اَلرُّسُلَ

-----------
( 1 ) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 181 .

-----------
( 2 ) لسان العرب لابن منظور 5 : 286 مادة ( و غر ) ، و البيت منسوب إلى الفرزدق .

-----------
( 3 ) آل عمران : 103 .

-----------
( 4 ) الأنفال : 63 .

[ 263 ]

وَ خَتَمَ بِهِ اَلْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اَللَّهِ اَلْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ اَلْعَادِلِينَ بِهِ « أرسله على حين فترة من الرّسل » في الخبر : أنّ أهل السماوات لم يسمعوا و حيا في ما بين أن بعث عيسى إلى أن بعث محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فلمّا بعث اللّه جبرئيل إليه فسمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا علموا أنّ اللّه بعث نبيّا 1 .

« و تنازع من الألسن » قال ابن أبي الحديد : معنى تنازع من الألسن : أنّ قوما في الجاهلية كانوا يعبدون الصنم ، و قوما يعبدون الشمس ، و قوما يعبدون الشيطان ، و قوما يعبدون المسيح ، فكلّ طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها 2 .

قلت : الأظهر أنّ معناه : أنّ الناس كانوا قبل رسالته يتنازعون في ملل و نحل ، لم يكن لها معنى في القلوب ، بل مجرد ألفاظ على الألسن ، فيكون قوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » نظير قول يوسف عليه السّلام في ما حكى اللّه تعالى عنه : ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . 3 ، أو المراد أنّهم كانوا يتنازعون في أنواع الكلام من القصائد و الخطب و الأراجيز هل هذه أحسن أو تلك ، فكانوا قبل بعثة النبيّ صلى اللّه عليه و آله يباهون بذلك ، و قصّة المعلّقات السبع معروفة ، قال امرؤ القيس لمّا احتضر في أنقرة في آخر شي‏ء تكلّم به : ربّ خطبة محبّرة ، و طعنة مسحنفرة ، و جفنة مثعنجرة ،

تبقى غدا بأنقرة .

و من السبع المعلّقات قصيدة عمرو بن كلثوم التغلبي ، التي كان قام بها

-----------
( 1 ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم له شاهد أخرجه الصدوق في كمال الدين : 161 ح 20 .

-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 362 .

-----------
( 3 ) يوسف : 40 .

[ 264 ]

خطيبا في ما كان بينه و بن عمرو بن هند ملك الحيرة ، و كان لقومه بها شغف كثير حتّى قالوا فيهم :

ألهى بني تغلب عن كلّ مكرمة
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يفاخرون بها مذ كان أوّلهم
يا للرجال لشعر غير مسؤوم

و من السبع قصيدة عبيد بن الأبرص الّتي أوّلها :

أقفر من أهلها ملحوب

و لمّا لقيه ملك الحيرة في يوم بؤسه و أراد قتله ، استنشده القصيدة إعجابا بها ، فغيّر البيت و قال :

أقفر من أهلها عبيد
فاليوم لا يبدي و لا يعيد

و الكلّ مجرد ألفاظ .

و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد من مجادلتهم بألسنتهم ، فبارد ، فالمجادلة لا تكون بغير اللسان . و كيف كان ، فقال الجوهري : قد يكنى بها عن الكلمة فتؤنث حينئذ . قال أعشى باهلة :

إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها
من علو لا عجب منها و لا سخر

فمن ذكّره قال في الجمع : ثلاثة ألسنة ، مثل حمار و أحمرة ، و من أنّثه قال : ثلاث ألسن 1 .

قلت : الظاهر أنّ اللسان إذا كان بمعنى اللغة يكون مذكّرا ، لقوله تعالى :

و هذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا . . 2 ، و قوله تعالى : . . . و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم . . . 3 ، و إذا كان بمعنى التكلّم يكون مؤنثا كقوله :

-----------
( 1 ) صحاح اللغة للجوهري 6 : 2159 مادة ( لسن ) .

-----------
( 2 ) الأحقاف : 12 .

-----------
( 3 ) الروم : 22 .

[ 265 ]

أتتني لسان بني عامر
أحاديثها بعد قول نكر

1 و كقول طرفة :

و إذا تلسنني ألسنها
إنّني لست بموهون فقر

2 و كقوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » لكن ينقضه قول ابن الزبعرى المتقدّم 3 .

« فقفّى به الرّسل » قال الجوهري : قفّيت على أثره بفلان ، أي : أتبعته إيّاه .

و منه قوله تعالى : ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا . . . 4 .

« و ختم به الوحي » فلا يوحى إلاّ إلى النبيّ ، و لا نبيّ بعده ، و أمّا الإمام فإنّما يلهم .

« فجاهد في اللّه المدبرين عنه » و أمّا قوله تعالى : فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدّنيا 5 فلا ينافيه .

« و العادلين به » أي : الجاعلين غير اللّه عديلا له تعالى ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : يا أيّها النبيّ جاهد الكفّار و المنافقين و اغلظ عليهم و مأواهم جهنّم و بئس المصير 6 . ذكرت الآية في التحريم و التوبة ، و أمّا عدم جهاده المنافقين ، و إنّما جاهدهم أمير المؤمنين بعده صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث إنّه كان كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بنصّ قوله تعالى : . . . و أنفسنا و أنفسكم . . . 7 .

-----------
( 1 ) لسان العرب للجوهري 13 : 385 ، 386 مادة ( لسن ) .

-----------
( 2 ) لسان العرب للجوهري 13 : 385 ، 386 مادة ( لسن ) .

-----------
( 3 ) مرّ في العنوان 22 من هذا الفصل ، و البيت :

يا رسول الإله إنّ لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور

-----------
( 4 ) صحاح اللغة للجوهري 6 : 2466 مادة ( قفى ) ، و الآية 27 من سورة الحديد .

-----------
( 5 ) النجم : 29 .

-----------
( 6 ) التوبة : 73 .

-----------
( 7 ) آل عمران : 61 .

[ 266 ]