33في آخر فصل اختيار غريب كلامه عليه السّلام من الباب الثّالث ) و في حديثه عليه السّلام : كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ اِتَّقَيْنَا ؟ بِرَسُولِ اَللَّهِ ؟ ص فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى اَلْعَدُوِّ مِنْهُ
-----------
----------- [ 377 ] « و معنى ذلك انّه اذا عظم الخوف من العدو ، و اشتد عضاض الحرب ، فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فينزل اللّه عليهم النصر به ، و يأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه ، و قوله عليه السّلام : إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر و الحرب ، و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها : إنّه عليه السّلام شبّه حمي الحرب بالنّار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها ، و مما يقوي ذلك قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و قد رأى مجتلف الناس يوم حنين ، و هي حرب هوازن : « الآن حمي الوطيس » و الوطيس : مستوقد النار . فشبّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار ، و شدّة التهابها . انقضى هذا الفصل ، و رجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب » . أقول : رواه الطبري مع اختلاف يسير ، فروى عن جعفر بن محمّد البزوري ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي اسحاق ، عن حارثة ، عن علي عليه السّلام ، قال : لمّا أن كان يوم بدر ، و حضر الناس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فكان من أشدّ الناس بأسا ، و ما كان منّا أحد أقرب إلى العدوّ منه 1 . و رواه أبو عبيد مثل نقل المصنّف ، فنقله كتاب ( لسان العرب ) عنه ، هكذا : كنّا إذا احمرّ البأس اتّقيناه برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فلم يكن أحد أقرب إليه منه 2 . « كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » في ( تفسير القمي ) : لمّا رأى النبيّ انهزم أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ( يوم أحد ) هزيمة قبيحة ، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كلّ وجه فلمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه و قال : إنّي أنا رسول اللّه . إلى أين تفرّون عن اللّه و عن رسوله ؟ 3
-----------
-----------
----------- [ 378 ] و في ( اليعقوبي ) : أنّه كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوم أحد رأى أن لا يخرج من المدينة ، فأشارت عليه الأنصار بالخروج . فلمّا لبس لباس الحرب ردّت إليه الأنصار الأمر ، و قالوا : لا تخرج عن المدينة . فقال : الآن و قد لبست لامتي ، و النبيّ إذا لبس لأمته لا ينزعها حتّى يقاتل ، و يفتح اللّه عليه 1 . « فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه » في ( الطبري ) : كان فزع بالمدينة ، فانطلق أهل المدينة نحو الصوت ، فإذا هم قد تلقّوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله على فرس عري لأبي طلحة ، و ما عليه سرج و عليه السيف ، و قد كان سبقهم إلى الصوت ، فجعل يقول : يا أيّها النّاس لن تراعوا لن تراعوا 2 . قول المصنّف « و معنى ذلك أنّه إذا عظم الخوف من العدوّ » لشدّته . « و اشتدّ عضاض الحرب » شبّه المصنّف الحرب بكلب يعضّ . « فزع » أي : التجأ . « المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بنفسه » في ( الطبري ) : قال محمّد بن إسحاق : قاتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله بنفسه في تسع من غزواته : بدر ، و أحد ، و الخندق ، و قريظة ، و المصطلق ، و خيبر ، و الفتح ، و حنين ، و الطائف . و قال الواقدي : قاتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله في إحدى عشرة من غزواته و عدّ تلك التسع و وادي القرى . قال : و قتل فيها غلامه بسهم ، و يوم الغابة ، و قتل من المشركين ، و قتل محرز بن نضلة يومئذ . و قال : لا خلاف في أنّ غزواته كانت سبعا و عشرين ، إلاّ أنّه اختلف في تقديم بعضها على بعض 3 . « فينزل اللّه عليهم النصر به » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فينزل اللّه
-----------
-----------
----------- [ 379 ] تعالى النصر عليهم به ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) 1 . « و يأمنون ممّا كانوا يخافونه » من غلبة العدوّ . « بمكانة » متعلّق بقوله : « و يأمنون » . « و قوله عليه السّلام : إذا احمرّ البأس كناية عن اشتداد الأمر و الحرب » و لا ريب في أنّ المراد ذلك ، و لكن اختلف في وجه الدلالة . « و قد قيل في ذلك » أي : في وجه الكناية . « أقوال » منها : قول الأصمعيّ ، فقال كما في ( اللسان ) : يقال : هو الموت الأحمر ، و الموت الأسود ، و معناه الشديد ، و أرى ذلك من ألوان السباع كأنّه من شدّته سبع 2 . قال أبو عبيد : فكأنّه أراد بقوله : « احمرّ البأس » أي : صار في الشدّة و الهول مثل ذلك 3 . و منها : قول الأزهري ، فقال : كما فيه أيضا : و حمراء الظهيرة : شدّتها ، و منه حديث عليّ كرّم اللّه وجهه : « كنّا إذا احمرّ البأس . . . » 4 . « أحسنها أنّه عليه السّلام شبّه حمي الحرب » من حمي النهار ، إذا اشتدّ حرّه . « بالنّار الّتي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها » يشهد له قوله تعالى : . . . كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه . . . 5 ، و قوله عليه السّلام في استنفار الناس إلى أهل الشام : « و أيم اللّه إنّي لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى و استحرّ الموت » 6 و قولهم : اضطرم فلان للحرب نارا و سعّرها ، و أججّها ، و أرثّها ،
-----------
-----------
-----------
-----------
-----------
----------- [ 380 ] و أوراها ، و هشّها ، و شبّها ، و حضاها ، و ذكّاها ، و أذكاها . و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد الجيد أنّ المراد : احمرار المعركة من سيلان الدم ، فإنّما قالوا ما قاله في قولهم : « الموت الأحمر » لا في « أحمرّ البأس » 1 . « و ممّا يقوي ذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( النبيّ صلى اللّه عليه و آله ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) 2 . « و قد رأى مجتلد » اسم مكان ، من اجتلد القوم بالسيوف و تجالدوا . « الناس يوم حنين » و قد كانت عساكر الإسلام ذلك اليوم كثيرة ، لكونه بعد فتح مكّة ، حتّى قال أبو بكر معجبا بكثرتهم : « لن نغلب اليوم من قلّة » 3 ، ثمّ انهزم في من انهزم مع صاحبه 4 ، فأنزل تعالى معرّضا به و مخرجا له عن أهل الإيمان : . . . و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحجت ثمّ ولّيتم مدبرين . ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله و على المؤمنين . . . 5 . « و هي حرب هوازن » يعني : أنّ الكفّار الّذين قاتل المسلمون معهم في
-----------
-----------
-----------
-----------
----------- [ 381 ] حنين كانوا قبيلة هوازن . « الآن حمي الوطيس » قالوا : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله أوّل من قال : « الآن حمي الوطيس » 1 . و في ( الإرشاد ) : لمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم هزيمة القوم عنه ( في حنين ) قال للعبّاس و كان رجلا جهوريّا صيّتا : ناد بالقوم ، و ذكّرهم العهد . فنادى العبّاس بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة يا أصحاب سورة البقرة إلى أين تفرّون ؟ اذكروا العهد الّذي عاهدتم عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله . و القوم على وجوهم قد ولّوا مدبرين ، و كانت ليلة ظلماء و النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في الوادي ، و المشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي و جنباته و مضايقه مصلتين بسيوفهم و عمدهم و قسيّهم . قالوا : فنظر النبيّ صلى اللّه عليه و آله الى الناس ببعض وجهه في الظلماء ، فأضاء كأنّه القمر في ليلة البدر ، ثمّ نادى المسلمين : أين ما عاهدتم اللّه عليه ؟ فأسمع أوّلهم و آخرهم ، فلم يسمعها رجل إلاّ رمى بنفسه إلى الأرض ، فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي ، حتّى لحقوا بالعدوّ فقاتلوه . . . و تجالد المسلمون و المشركون . فلمّا رآهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعتهم ، و قال : الآن حمي الوطيس ، أنا النبيّ لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب . فما كان بأسرع من أن ولّى القوم أدبارهم وجيء بالأسرى إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله مكتّفين 2 .
-----------
----------- [ 382 ] « و الوطيس مستوقد النار » و في ( الصحاح ) الوطيس : التنّور 1 . « فشبّه صلى اللّه عليه و آله ما استحرّ » أي : اشتدّ . « من جلاد القوم » و قتالهم . « باحتدام النار » أي : صوت التهابها . « و شدّة التهابها » أي : اشتعالها . « انقضى هذا الفصل » أي : فصل الغريب ، و ليس في العنوان كلمة غريبة ، و إنّما اشتبه وجه الشبه في جملة « احمرّ البأس » فيه . و ممّا روي عنه عليه السّلام من الغريب ما في ( طبقات نحاة السيوطي ) أنّ عليّا عليه السّلام قال لكاتبه : « الصق روانفك بالجبوب ، و خذ المزبر بشناترك ، و اجعل جندورثيك إلى قيهلي ، حتّى لا أنفي نفية إلاّ أودعتها حماطة جلجلانك » و قال : أي : الصق مقعدتك بالأرض ، و خذ القلم بأصابعك ، و اجعل حدقتيك إلى وجهي حتّى لا أنطق كلمة إلاّ أودعتها حبّة قلبك 2 . « و رجعنا إلى سنن » بالفتح ، أي : طريقة . « الغرض » و الأصل فيه الهدف . « الأول » من نقل مطلق مختار كلمه القصار . « في هذا الباب » أي : الباب الثالث من الكتاب . هذا ، و في ( سيرة ابن هشام ) : كان أبيّ بن خلف يلقى النبيّ بمكة فيقول : يا محمّد إنّ عندي العوذ فرسا أعلفه كلّ يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه . فيقول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : بل أنا أقتلك إن شاء اللّه . فلمّا كان يوم أحد و انهزم أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أسند في الشعب ، أدركه أبيّ بن خلف و هو يقول : أي محمّد
-----------
----------- [ 383 ] لا نجوت إن نجوت . فقال القوم : يا رسول اللّه : أيعطف عليه رجل منّا ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله : دعوه . فلمّا دنا ، تناول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم الحربة من الحارث بن الصمة . قال بعضهم : لمّا تناولها انتفض بها انتفاضة تطايرنا بها تطاير الشّعراء ، أي : ذباب له لدغ عن ظهر البعير إذا انتفض بها ثمّ استقبله فطعنه في عنقه طعنة ، تدأدأ أي : تقلّب منها عن فرسه مرارا ، فجعل يتدحرج . فلمّا رجع إلى قريش و قد خدشه في عنقه خدشا غير كبير ، فاحتقن الدم ، قال : قتلني و اللّه محمّد . قالوا له : ذهب و اللّه فؤادك ، و اللّه إن بك من بأس . قال : إنّه قد كان قال لي بمكّة : أنا أقتلك ، فو اللّه لو بصق عليّ لقتلني . فمات عدوّ اللّه بسرف و هم قافلون به إلى مكّة . فقال حسّان بن ثابت في ذلك :
ألا من مبلغ عنّي أبيّا |