من الخطبة ( 114 ) أَمَا وَ اَللَّهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ؟ ثَقِيفٍ ؟ اَلذَّيَّالُ اَلْمَيَّالُ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَ يُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ إِيهٍ ؟ أَبَا وَذَحَةَ ؟ أقول الوذحة الخنفساء و هذا القول يومئ به إلى ؟ الحجاج ؟ و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكرهأقول : الوذحة : الخنفساء . و هذا القول يومئ به إلى الحجّاج ، و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره .
أقول : روى ( المسعودي في مروجه ) : عن المنقري عن عبد العزيز بن الخطاب عن فضيل بن مرزوق قال : لمّا غلب بسر بن أرطاة على اليمن ، و كان من قتله لابني عبيد اللّه بن العباس و لأهل مكّة و المدينة و اليمن ما كان ، قام عليّ عليه السلام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على نبيه محمّد صلّى اللّه عليه و آله ثم قال : إنّ بسرا قد غلب على اليمن ، و اللّه ما أرى هؤلاء القوم إلاّ سيغلبون على ما في أيديكم و ما ذلك بحق في أيديهم ، و لكن بطاعتهم ، و استقامتهم لصاحبهم ،
و معصيتكم لي ، تناصرهم و تخاذلكم ، و إصلاح بلادهم و إفساد بلادكم إلى أن قال .
اللّهمّ عجّل عليهم بالغلام الثقفي الذيّال الميّال يأكل خضرتها ، و يلبس فروتها ، و يحكم فيها بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنها ، و لا يتجاوز عن مسيئها و ما كان ولد الحجّاج يومئذ 2 .
و روى ( ابو الفرج في مقاتله ) ، عن إسماعيل بن موسى من بيت السدي ،
عن عليّ بن مسهر ، عن الأحلج ، عن موسى بن أبي النعمان قال : جاء الأشعث
-----------
( 1 ) ابراهيم : 22 .
-----------
( 2 ) مروج الذهب 3 : 142 .
[ 13 ]
إلى أمير المؤمنين عليه السلام يستأذن عليه فردّه قنبر . فأدمى الأشعث أنفه ، فخرج عليّ عليه السلام و هو يقول : مالي و لك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف تمرست لا قشعرّت شعيراتك . قيل يا أمير المؤمنين و من غلام ثقيف ؟ قال : غلام يليهم لا يبقي أهل بيت من العرب إلاّ أدخلهم ذلاّ . قيل : يا أمير المؤمنين كم يلي ، و كم يمكث ؟ قال عشرين إن بلغها 1 .
و روى عثمان بن سعيد و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر عن يحيى التيمي عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء قال : قام أعشى باهلة و هو يومئذ غلام حدث إلى عليّ عليه السلام و هو يخطب و يذكر الملاحم . فقال : يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة . فقال عليّ عليه السلام : إن كنت آثما في ما قلت يا غلام فرماك اللّه بغلام ثقيف ثم سكت فقام رجال فقالوا : و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ قال : غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك للّه حرمة إلاّ انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه . فقالوا : كم يملك يا أمير المؤمنين ؟ قال :
عشرين إن بلغها . قالوا : فيقتل قتلا ام يموت موتا ؟ قال عليه السلام : « بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه » .
قال إسماعيل بن رجاء : فو اللّه لقد رأيت بعيني أعشى باهلة ، و قد أحضر في جملة الأسرى الذين اسروا من جيش ابن الأشعث بين يدي الحجّاج فقرعه و وبّخه ، و استنشده شعره الّذي يحرّض فيه ابن الأشعث على الحرب ، ثمّ ضرب عنقه في ذاك المجلس 2 .
و روى ( الاحتجاج ) : أنّ عباد بن قيس من بكر بن وائل قام إلى عليّ عليه السلام بعد فتح البصرة ، و قال له : جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات . فقال
-----------
( 1 ) مقاتل الطالبيين : 20 .
-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 1 : 209 ، شرح الخطبة 37 .
[ 14 ]
له أمير المؤمنين عليه السلام : إن كنت كاذبا فلا اماتك اللّه حتّى يدركك غلام ثقيف .
قالوا : و من غلام ثقيف ؟ قال : رجل لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها : قالوا : أفيموت أو يقتل ؟ فقال عليه السلام : يقتله قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه 1 .
و نقل ( المختلف ) في أحكام البغاة عن العماني قال : إنّ رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل . فقال : يا أمير المؤمنين ما عدلت حين تقسم بيننا أموالهم ، و لا تقسم بيننا نساءهم ، و لا أبناءهم . فقال له : إن كنت كاذبا فلا أماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف ، و ذلك أنّ دار الهجرة حرّمت ما فيها ، و دار الشرك أحلّت ما فيها . فأيّكم يأخذ امّه من سهمه . فقام رجل فقال : و ما غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ قال : عبد لا يدع للّه ، حرمة إلاّ هتكها . قال : يقتل أو يموت ؟ قال :
بل يقصمه اللّه قاصم الجبارين 2 .
و في ( كامل الجزري ) : قال الحسن البصري : سمعت عليّا عليه السلام على المنبر يقول : اللّهمّ ائتمنتهم فخانوني ، و نصحتهم فغشّوني . اللّهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم و أموالهم بحكم الجاهلية . فوصفه و هو يقول : الزيال مفجّر الأنهار . يأكل خضرتها ، و يلبس فروتها . قال الحسن : هذه و اللّه صفة الحجّاج . قال حبيب بن أبي ثابت قال عليّ عليه السلام لرجل : لا تموت حتّى تدرك فتى ثقيف . قيل له : يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف ؟ قال : ليقالنّ له يوم القيامة إكفنا زاوية من زوايا جهنّم . رجل يملك عشرين أو بعضا و عشرين سنة لا يدع للّه معصية إلاّ ارتكبها حتّى لو لم تبق إلاّ معصية واحدة بينه و بينه باب مغلق لكسره حتّى يرتكبها 3 .
-----------
( 1 ) الاحتجاج 1 : 168 .
-----------
( 2 ) المختلف : 337 .
-----------
( 3 ) الكامل 4 : 587 ، سنة 95 .
[ 15 ]
« أما و اللّه ليسلّطن عليكم غلام ثقيف » مراده عليه السلام بغلام ثقيف الحجّاج ،
و أخبر عليه السلام في موضع آخر بغلام ثقيف آخر ابن عم الحجّاج باسمه و نسبه يوسف بن عمر .
ففي ( إرشاد المفيد ) : قال عليه السلام أيّها الناس إنّي دعوتكم إلى الحقّ فتوليتم عني ، و ضربتكم بالدرّة فأعييتموني . أما إنّه سيليكم من بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا حتّى يعذّبوكم بالسياط و الحديد إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه اللّه في الآخرة ، و آية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتّى يحلّ بين أظهركم . فيأخذ العمال و عمّال العمال . رجل يقال له يوسف بن عمر 1 . قلت :
و صار الأمر كما ذكر عليه السلام فغضب هشام على خالد القسري عمله على العراق .
فكتب إلى يوسف باليمن بعهده على العراق فقدم و أخذ خالدا و عمّاله . فعذّبهم و صادرهم و مات خالد و عامله بلال بن أبي بردة في عذابه .
و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر بلفظ آخر . أخبر عليه السلام بالحجاج و يوسف معا بوصفهما فقال : قال عليه السلام : « لقد دعوتكم إلى الحق فتولّيتم ،
و ضربتكم بالدرّة . فما استقمتم و ستليكم ولاة يعذّبونكم بالسياط و الحديد ،
و سيأتيكم غلاما ثقيف أخفش و حصوب يقتلان و يظلمان ، و قليل ما يمكّنان » و قال : الأخفش ضعيف البصر خلقة . و كان الحجّاج كذلك ، و الحصوب القصير الدميم ، و كان يوسف كذلك .
ثمّ كما أنّه عليه السلام أخبر بتسلّط غلام ثقيف و هو الحجّاج في مواضع كثيرة عموما و خصوصا خبرا و دعاء ، و بتسلّطه مع ابن عمّه كما عرفت في موضع كذلك دعا الحسين عليه السلام على قتلته من أهل الكوفه بتسلّط غلام ثقيف أي المختار عليهم لينتقم منهم . فروى ( المناقب ) مسندا عن عبد اللّه بن
-----------
( 1 ) الارشاد : 169 .
[ 16 ]
الحسن أنّه عليه السلام قال لهم في جملة ما قال لهم : « ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلاّ كريث ما يركب الفرس حتّى تدرو بكم الرحى ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم كيدوني جميعا ، و لا تنظرون . إنّي توكّلت على اللّه ربي و ربّكم ما من دابة إلاّ و هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء ، و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، و لا يدع فيهم أحدا إلاّ قتلة بقتلة و ضربة بضربة ينتقم لي و لأوليائي ، و أهل بيتي و أشياعي منهم . فإنّهم غرّونا و كذبونا و خذلونا . . . و رواه ( التحف ) و ( الاحتجاج ) و ( اللهوف ) 1 .
هذا ، و في ( الأغاني ) : قال عبد الملك لا بن الزبير الشاعر الأسدي : انشدني أبياتك فيّ و في الحجّاج و ابن الزبير بعد قتل الحجّاج لابن الزبير و بعثه برأسه إليه فانشده .
كأنّي بعبد اللّه يركب ردعه
و فيه سنان زاعبيّ محرّب
و قد فرّ عنه الملحدون و حلّقت
به و بمن آساه عنقاء مغرب
تولّوا فخلّوه فشال بشلوه
طويل من الاجذاع عار مشذّب
بكفّي غلام من ثقيف نمت به
قريش و ذو المجد التليد معتب
فقال له عبد الملك : لا تقل غلام ، و لكن قل : همام .
و في السير : قدمت لبلى الأخيلية على الحجّاج فأنشدته :
إذا ورد الحجّاج أرضا مريضة
تتبّع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العقام الذي فيها
غلام إذا هزّ القناة ثناها
-----------
( 1 ) رواه عن كتاب المناقب و هو غير مناقب السروي و أيضا عن التحف و الاحتجاج و اللهوف المجلسي في بحار الأنوار 45 : 9 ، لكن روى ابن شعبة في تحف العقول : 242 ، و ابن طاووس في اللهوف : 43 ، بعضه و روى الطبرسي في الاحتجاج 2 : 300 ، صدره فقط .
[ 17 ]
فقال لها : لا تقولي غلام ، و لكن قولي همام .
و أما ثقيف فاختلف فيها هل هي من بقايا ثمود أو أياد أو هوازن . و في ( كامل المبرد ) : قال الحجّاج على المنبر : تزعمون أنّا من بقايا ثمود . و اللّه تعالى يقول : « و ثمود فما أبقى » 1 .
و قال الحجّاج لأبي العسوس الطائي : أيّ أقدم أنزول ثقيف الطائف أم نزول طيئ الجبلين ؟ فقال له : إن كانت ثقيف من بكر بن هوازن فنزول طيئ قبلها ، و إن كانت ثقيف من ثمود فهي أقدم . فقال له الحجّاج : إتّقني فإنّي سريع الخطفة 2 .
و قال الشاعر :
فلو لا بنو مروان كان ابن يوسف
كما كان عبدا من عبيد أياد
ثمّ تسلط الحجّاج على أهل العراق كما أخبر عليه السلام كان في سنة ( 75 ) و سبب توليته أنّ المهلب بن أبي صفرة لمّا كان يقاتل الخوارج بالعراق . و كان الناس بطاء عنه ، كتب إلى عبد الملك كما في ( المروج ) إمّا بعثت إليّ بالرجال و إمّا خلّيت بينهم و بين البصرة . فخرج إلى أصحابه . فقال : ويلكم من للعراق ؟
فصمتوا و قام الحجّاج فقال : أنا ، و قال الثانية و الثالثة و يقول الحجّاج : أنا . فقال له في الثالثة : أنت زنبورها . فكتب له عهده فشخص . فلمّا بلغ القادسيّة أمر الجيش أن يقيلوا ، و يروّحوا ، و دعا بجمل عليه قتب . فجلس عليه بغير حشية و لا وطاء و أخذ الكتاب بيده ، و لبس ثياب السفر ، و تعمم بعمامة حتّى دخل الكوفة وحده . فجعل ينادي : الصلاة جامعة ، و ما منهم رجل جلس في مجلسه إلاّ و معه العشرون و الثلاثون و أكثر من أهله و مواليه . فصعد المنبر متلثما
-----------
( 1 ) النجم : 51 .
-----------
( 2 ) كامل المبرد 4 : 201 .
[ 18 ]
متنكّبا قوسه . فجلس واضعا إبهامه على فيه . فقال بعضهم لبعض : قوموا حتّى نحصبه . فقال بعض : حتّى نسمع ما يقول . فمن قائل يقول : حصر الرجل ،
و من قائل يقول : أعرابي ما أبصر حجّته . فلمّا غصّ المجلس بأهله حسر اللثام عن وجهه ثمّ قام و نحىّ العمامة عن رأسه . فو اللّه ما حمد اللّه و لا أثنى عليه ، و لا صلّى على نبيّه ، و كان أوّل ما بدأهم به أن قال :
أنا ابن جلا و طلاّع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
إلى أن قال و اعلموا أنّه ليس منّي الإكثار و الإهذار ، و لا منكم الفرار و النفار . إنّما هو انتضاء السيف ثم لا اغمده في شتاء و لا صيف حتّى يقيم اللّه للخليفة أودكم إلى أن قال .
يا غلام إقرأ عليهم كتاب الخليفة . فقرأ القاري « أما بعد . سلام عليكم فإنّي أحمد إليكم اللّه » فقال له : إقطع . يا عبيد العصا يسلم عليكم الخليفة فلا يردّ رادّ منكم السلام هذا أدب ابن نهية و هو صاحب شرطة كان بالعراق أما و اللّه لأؤدّبنّكم غير هذا الأدب . يا غلام إبدأ بالكتاب . فلمّا بلغ إلى قوله « سلام عليكم » لم يبق منهم أحد إلاّ قال : و على الخليفة السلام 1 .
و في ( تاريخ الطبري ) : ولاّه عبد الملك على العراق بعد أخيه بشر . فدخل الكوفة حين انتشر النهار فجأة . فصعد المنبر و قال : أما و اللّه إنّي لأحمل الشرّ محمله و أخذوه بنعله ، و أجزيه بمثله ، و إنّي لأرى رؤوسا قد أينعت ، و حان قطافها و إنّي لأري الدماء بين العمائم و اللحى قد شمّرت عن ساقها تشميرا .
هذا أو ان الشدّ فاشتدّي زيم
قد لفّها الليل بسوّاق حطم
ليس براعي إبل و لا غنم
و لا بجزّار على ظهر و ضم
قد لفّها الليل بعصلبيّ
اورع خراج من الدّويّ
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 126 129 ، و النقل بتلخيص .
[ 19 ]
مهاجر ليس بأعرابي
ليس أو ان يكره الخلاط
جاءت به و القلّص الأعلاط
تهوى هوى سابق الغطاط و إنّي و اللّه يا أهل العراق ما أغمز كتغماز التين ، و لا يقعقع لي بالشنآن ،
و لقد فررت عن ذكاء و جرّبت إلى الغابة القصوى . إنّ الخليفة عبد الملك نثر كنانته ثمّ عجم عيدانها فوجدني أمرّها عودا ، و أصلبها مكسرا فوجّهني إليكم أنّكم طالما أوضعتم في الفتن ، و سننتم سنن البغي . أما و اللّه لألحونّكم لحو العود ، و لأعصبنّكم عصب السلمة ، و لأضربنّكم ضرب غرائب الإبل . إنّي و اللّه لا أعد إلاّ و فيت ، و لا أخلق إلاّ فريت ، و إيّاي و هذه الجماعات و قيلا و قالا ،
و اللّه لتستقيمنّ على سبل الحقّ أو لأدعنّ لكلّ رجل منكم شغلا في جسده ،
و من وجدته بعد ثالثه من بعث المهلّب سفكت دمه و أنهبت ماله إلى أن قال اقسم باللّه لتقلبنّ على الانصاف و لتدعنّ الإرجاف ، و كان و كان ، و أخبرني فلان عن فلان أو لأهبرنكم بالسيف هبرا يدع النساء أيامى و الولدن يتامى ،
و حتّى تمشوا السّمهي ، و تقلعوا عن ها و ها . إيّاي ، و هذه الزرافات لا يركبنّ الرجل منكم إلاّ وحده ألا إنّه لو ساغ لأهل المعصية معصيتهم ما جبي فيء ، و لا قوتل عدوّ ، و لعطّلت الثغور ، و لو لا أنّهم يغزّون كرها ما غزوا طوعا ، و قد بلغني رفضكم المهلّب ، و إنّي اقسم باللّه لا أجد أحدا بعد ثالثه إلاّ ضربت عنقه إلى أن قال .
و لا تغلقنّ أبواب الجسر ليلا و لا نهارا حتّى تنقضي هذه المدّة إلى أن قال .
فلمّا كان اليوم الثالث سمع تكبيرا في السوق . فخرج حتّى جلس على المنبر . فقال : يا أهل العراق ، و أهل الشقاق و النفاق ، و مساوى الأخلاق إنّي سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الّذي يراد اللّه به في الترغيب ، و لكنّه التكبير الّذي
[ 20 ]
يراد به الترهيب ، و قد عرفت أنّها عجاجة تحتها قصف . يا بني اللكيعة ، و عبيد العصا ، و أبناء الأيامى ألا يربع رجل منكم على ظلعه ، و يحسن حقن دمه و يبصر موضع قدمه . فاقسم باللّه لأوشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها و أدبا لما بعدها إلى أن قال .
فازدحموا على الجسر حتّى سقط بعض الناس في الفرات . فأتاه صاحب الجسر . فقال له : إعقد لهم جسرين . و خرج الناس هربا إلى السواد و أرسلوا إلى أهاليهم أن زوّدونا و نحن بمكاننا 1 .
« الذيّال » من « ذالت المرأة » أي : جرّت ذيلها على الأرض ، و تبخترت ، و منه قوله طرفة :
فذالت كما ذالت وليدة مجلس
تري ربّها أذيال سحل ممدد 2
« الميّال » من « تميّلت المرأة في مشيتها » أي : تدللّت . في ( بيان الجاحظ ) :
قال الحجّاج لعبد الملك يوما : لو كان رجل من ذهب لكنته . قال : و كيف ذلك ؟
قال : لم تلدني أمة بيني و بين آدم ما خلا هاجر . فقال : لو لا هاجر لكنت كلبا من الكلاب 3 .
و في ( كامل المبرد ) : قال عليّ بن عبد اللّه بن عباس : سايرت يوما عبد الملك فما جاوزنا إلاّ يسيرا حتّى لقيه الحجّاج قادما عليه . فلمّا رآه ترجّل و مشى بين يديه فخبّ عبد الملك . فأسرع الحجّاج فزاد عبد الملك . فهرول الحجّاج . فقلت لعبد الملك : إبك موجدة على هذا . فقال : لا و لكنّه رفع من نفسه فأحببت أن أغضّ منه 4 .
-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 5 : 40 44 ، سنة 75 ، و النقل بتلخيص .
-----------
( 2 ) أورده أساس البلاغة : 148 ، مادة ( ذيل ) ، و لسان العرب 11 : 260 ، مادة ( ذيل ) .
-----------
( 3 ) البيان و التبيين 2 : 86 .
-----------
( 4 ) كامل المبرد 5 : 199 .
[ 21 ]
و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال عبد الملك للحجاج : ليس من أحد إلاّ و هو يعرف عيب نفسه . فصف لي عيوبك . قال : إعفني ، قال : لا بدّ أن تقول . قال : أنا لجوج حسود حقود . قال : ما في إبليس شرّ من هذا 1 .
و قال العتبي قال أبي : ما رأيت مثل الحجّاج ، كان زيّه زي شاطر ، و كلامه كلام خارجي ، و صولته صولة جبار . فسألته عن زيّه فقال : كان يرجّل شعره ،
و يخضب أطرافه 2 .
و في ( معارف ابن قتيبة ) : أوّل ولاية وليها الحجّاج تبالة : فلما رآها احتقرها و انصرف . فقيل في المثل « أهون من تبالة على الحجّاج » 3 .
و في ( بيان الجاحظ ) : قال سليمان بن عبد الملك : كتب إليّ الحجّاج : إن رأيت فيّ ما رأى أبوك و أخوك كنت لك كما كنت لهما ، و إلاّ فأنا الحجّاج و أنت نقطة من مداد . فإن شئت محوتك ، و إن شئت أثبتّك . فقام ابن أبي بردة فقال :
كان عدوّ اللّه يتزيّن تزيّن المومسة ، و يصعد المنبر فيتكلم بكلام الأخيار . فإذا نزل عمل الفراعنة ، و كان أكذب في حديثه من الدجّال 4 .
و في ( ذيل الطبري ) : قال الحسن البصري لمّا خرج من عند الحجّاج :
خرجت من عند احيول قصير يطبطب شعيرات له . أخرج إليّ بنانا له قصيرة قلّما عرفت فيها الأعنّة في سبيل اللّه . أما و اللّه إنّهم و إن ركبوا البراذين ، و صعدوا المنابر . إنّ المعاصي لفي أعناقهم . أبى اللّه إلاّ أن يذل من عصاه . ما زال اللّه يريهم في أنفسهم العبر ، و يري المؤمنين فيهم
-----------
( 1 ) العقد الفريد 5 : 283 .
-----------
( 2 ) العقد الفريد 5 : 282 .
-----------
( 3 ) المعارف : 396 .
-----------
( 4 ) البيان و التبيين 1 : 408 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 22 ]
المعتبر . اللّهم أمته كما أمات سنّتك 1 .
و في ( تاريخ الطبري ) : خطب الحجّاج . فقال : لا يصبحنّ من جند المهلّب بعد ثالثة أحد . فلمّا كان بعد ثالثة أتى رجل يستدمي . فقال : من فعل بك قال :
عمير بن ضابي البرجمي أمرته بالخروج إلى معسكره فضربني و كذب عليه .
فأرسل الحجّاج إلى عمير فأتى به شيخا كبيرا . فقال له : ما خلّفك عن معسكرك . قال : أنا شيخ كبير لا حراك بي . فأرسلت ابني بديلا فهو أجلد منّي .
فقال عنبسة بن سعيد للحجاج : هذا الّذي أتى عثمان قتيلا . فلطم وجهه و وثب عليه فكسر ضلعين من أضلاعه . فأمر به الحجّاج فضربت عنقه .
قال عمرو بن سعيد : فو اللّه إنّي لأسير بين الكوفة و الحيرة إذ سمعت رجزا مضريا فعدلت إليهم فقلت : ما الخبر ؟ قالوا : قدم علينا رجل من شرّ أحياء العرب من هذا الحي من ثمود أسقف الساقين ممسوح الجاعرتين أخفش العينين فقدم سيد الحي عمير بن ضابي فضرب عنقه . فقال في ذلك ابن الزبير الأسدي :
تخيّر فإمّا أن تزرو ابن ضابئ
عميرا و إمّا أن تزور المهلّبا
و خرج من الكوفة بعد قتل ابن ضابئ من فوره حتّى قدم البصرة ،
و توعّدهم مثل أهل الكوفة فأتى برجل من بني يشكر . فقيل : هذا عاص . فقال :
إنّ بي فتقا و قد رآه بشر . فعذرني ، و هذا عطائي مردود في بيت المال . فلم يقبل منه و قتله ففزع لذلك أهل البصرة . فخرجوا حتّى تداكّوا على العارض بقنطرة رامهرمز فقال المهلّب : جاء الناس رجل ذكر 2 .
قوله عليه السلام في رواية ( المروج ) : « ويحكم فيها بحكم الجاهلية لا يقبل من
-----------
( 1 ) منتخب ذيل المذيل : 126 .
-----------
( 2 ) تاريخ الطبري 5 : 44 46 ، سنة 75 ، و النقل بتلخيص .
[ 23 ]
محسنها و لا يتجاوز عن مسيئها » فيه : لمّا خرج ابن الأشعث على الحجّاج ،
و دخل الكوفة كتب الحجّاج إلى عبد الملك يذكر فيه جيوش ابن الأشعث ،
و يسأله الإمداد ، و قال في كتابه : و اغوثاه يا اللّه ، وا غوثاه يا اللّه ، و اغوثاه يا اللّه » فأمدّه بالجيوش ، و كتب إليه « يا لبيك يا لبيك يا لبيك » فالتقى الحجّاج مع ابن الأشعث بدير الجماجم ، و كانت بينهم نيّف و ثمانون وقعة تفانى فيها خلق ،
و كانت على ابن الأشعث فمضى حتّى انتهى إلى ملوك الهند ، و لم يزل الحجّاج يحتال في قتله حتّى قتل ، و اتي برأسه 1 . قلت : أهل الجاهلية كانوا يجعلون مع اللّه إلها آخر ، و لا يجعلون اللّه آخر كالحجاج .
و قال الحجّاج قال اللّه فاتقوا اللّه ما استطعتم 2 فهذه للّه و فيها مثواه و قال اللّه و اسمعوا و اطيعوا 3 و هذه لعبد اللّه و خليفته ، و نجيبه عبد الملك .
أما و اللّه لو أمر الناس أن يدخلوا في هذا الشعب فدخلوا في غيره لكانت دماؤهم لي حلالا عذيري من أهل هذه الحميراء يلقي أحدهم الحجر إلى الأرض و يقول : إلى أن يبلغها فرّج اللّه لأجعلنهم كالرمس الداثر ، و الأمس الغابر . عذيري من عبد هذيل يعني ابن مسعود يقرأ القرآن كأنّه رجز الأعراب أما و اللّه لو أدركته لضربت عنقه ، عذيري من سليمان بن داود يقول لربه وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي 4 كان و اللّه في ما علمته عبدا حسودا بخيلا .
و قال الربيع بن خالد : سمعت الحجّاج يقول في خطبته : « أ خليفة أحدكم في أهله أكرم عليه أم رسوله في حاجته » فقلت : للّه عليّ ألاّ اصلّي خلفك أبدا ،
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 132 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) التغابن : 16 .
-----------
( 3 ) التغابن : 16 .
-----------
( 4 ) ص : 35 .
[ 24 ]
و لئن رأيت قوما يجاهدونك لاقاتلنّك معهم . فقاتله في دير الجماجم حتّى قتل 1 .
و قال أبو جعفر الإسكافي : أخذ الحجّاج الناس بقراءة عثمان ، و ترك قراءة ابن مسعود ، و أبيّ بن كعب ، فما مات حتّى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان و نشأ أبناؤهم ، و لا يعرفون غيرها لإمساك الآباء عنها ، و كفّ المعلمين عن تعليمها ، حتّى لو قرئت عليهم قراءة عبد اللّه و أبيّ ما عرفوها ، و لظنّوا بتأليفها الإستكراه و الاستهجان لإلف العادة 2 .
و قال الجزري : قال الحجّاج : لا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أمّ عبد يعني ابن مسعود إلاّ ضربت عنقه ، و لأحكّنّها من المصحف ، و لو بضلع خنزير . قد ذكر ذلك عند الأعمش فقال « و أنا سمعته يقول ، فقلت في نفسي لأقرأنّها على رغم أنفك » 3 .
و في ( العقد ) : قال العتبي : قال أبي : أراد الحجّاج الحج فخطب و قال : « يا أهل العراق إنّي قد استعملت عليكم محمّدا ، و به الرغبة عنكم . أما إنّكم لا تستأهلونه و قد أوصيته فيكم خلاف وصية النبيّ بالأنصار . فأوصى أن يقبل من محسنهم ، و يتجاوز عن مسيئهم ، و قد أوصيته ألاّ يقبل من محسنكم و لا يتجاوز عن مسيئكم . أما إنّي إذا ولّيت عنكم علمت أنكم تقولون : لا أحسن اللّه له الصحابة و ما منعكم من تعجيله إلاّ الفراق و أنا اعجّل لكم الجواب لا أحسن اللّه عليكم الخلافة » ثمّ نزل فلمّا كان غداة الجمعة مات محمّد بن الحجّاج . فلما كان بالعشي أتاه بريد من اليمن بوفاة محمّد أخيه ففرح أهل
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 143 و 147 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) رواه عن نقض الاسكافي ابن أبي الحديد في شرحه 3 : 259 ، شرح الخطبة 190 .
-----------
( 3 ) الكامل 4 : 586 ، سنة 95 .
[ 25 ]
العراق ، و قالوا : انقطع ظهر الحجّاج و هيض جناحه إلى أن قال .
فدخل الناس يعزّونه ، و فيهم الفرزدق . فقال له : أما رثيت محمّدا و محمّدا . قال : نعم و أنشده خمسة أبيات ثمّ خرج و هو يقول : لو كلّفني الحجّاج بيتا سادسا لضرب عنقي قبل أن آتيه به و ذلك أنّه دخل و لم يهيّئ شيئا 1 .
و في ( المروج ) : لمّا هلك بشر بن مروان ، و ولّي الحجّاج العراق بلغهم ذلك فقام الغضبان القبعثري الشيباني في الجامع خطيبا . فقال : يا أهل الكوفة إنّ عبد الملك قد ولّى عليكم من لا يقبل من محسنكم ، و لا يتجاوز عن مسيئكم الظلوم الغشوم الحجّاج . ألا و إنّ لكم من عبد الملك منزلة بما كان منكم من خذلان مصعب و قتله ، فاعترضوا هذا الخبيث في الطريق . فاقتلوه ، فإنّ ذلك لا يعدّ منكم خلعا ، فإنّه متى يعلو على متن منبركم و صدر سريركم و قاعة قصركم ثمّ قتلتموه عدّ خلعا ، فأطيعوني و تغدّوا به قبل أن يتعشّى بكم . فقالوا له : جننت يا غضبان هل ننتظر الا سيرته فإن رأينا منكرا غيّرناه . قال :
ستعلمون .
فلمّا قدم بلغه مقالته و أمر بحبسه . فأقام في حبسه ثلاث سنين فاحضر فقال له أنت القائل لأهل الكوفة : يتغدون بي قبل أن أتعشّى بهم ؟ قال : ما نفعت من قيلت له و لا ضرّت من قيلت فيه 2 .
و في ( العقد ) : كتب عبد الملك إلى الحجّاج في اسرى الجماجم أن يعرضهم على السيف . فمن أقرّ منهم بالكفر بخروجه علينا فخلّ سبيله ، و من زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه . فأتي الحجّاج برجل . فقال : على دين من أنت ؟
-----------
( 1 ) رواه ابن عبد ربه في العقد 5 : 280 281 ، لكن خلط الشارح صدر الحديث برواية المسعودي في مروج الذهب 3 : 146 .
-----------
( 2 ) مروج الذهب 3 : 149 .
[ 26 ]
قال : على دين إبراهيم حنيفا ، و ما كان من المشركين . فقال : اضربوا عنقه ثمّ قدّم آخر . فقال له : على دين من أنت ؟ قال : على دين أبيك الشيخ يوسف . فقال :
أما و اللّه لقد كان صوّاما قوّاما خلّ عنه يا غلام . فلمّا خلّى عنه انصرف إليه .
فقال له : سألت صاحبي على دين من أنت ؟ فقال : على دين إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين فأمرت به فقتل ، و سألتني على دين من أنت . فقلت : على دين أبيك الشيخ يوسف . فقلت : أما و اللّه لقد كان صوّاما قوّاما . فأمرت بتخلية سبيلي ، و اللّه لو لم يكن لابيك من السيئات إلاّ أنّه ولد مثلك لكفاه . فأمر به فقتل 1 .
و في ( العقد ) : عن عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كلّ امّة بمنافقيها و جئنا بالحجّاج لفضلناهم ، و حلف رجل بطلاق امرأته انّ الحجّاج في النار فأتى امرأته فمنعته نفسها . فسأل الرجل الحسن البصري . فقال : لا عليك فإن لم يكن الحجّاج في النار فما يضرّك أن تكون مع امرأتك على زنا .
و مما كفّرت به العلماء الحجّاج قوله و رأى الناس يطوفون بقبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منبره إنّما يطوفون بأعواد و رمّة .
و عن ابن عياش قال : كنّا عند عبد الملك إذ أتاه كتاب الحجّاج ، يعظّم فيه أمر الخلافة ، و يزعم أن ما قامت السموات و الأرض إلاّ بها ، و أنّ الخليفة عند اللّه أفضل من الملائكة المقرّبين ، و الأنبياء ، و المرسلين ، و ذلك أنّ اللّه خلق آدم بيده ، و أسجد له الملائكة و أسكنه جنّته ثمّ أهبطه إلى الأرض و جعله خليفته ،
و جعل الملائكة رسلا إليه ، فأعجب عبد الملك بذلك و قال : لوددت أن عندي بعض الخوارج فاخاصمه بهذا الكتاب إلى أن قال .
فجاءه حوار بن زيد الضبي . فقال له : اقرأ الكتاب . فقرأه حتّى أتى على
-----------
( 1 ) العقد الفريد 55 : 286 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 27 ]
آخره . فقال حوار . أراه قد جعلك في موضع ملكا ، و في موضع . نبيّا ، و في موضع خليفة . فإن كنت ملكا فمن أنزلك ؟ و إن كنت نبيّا فمن أرسلك ؟ و إن كنت خليفة فمن استخلفك ؟ أعن مشورة من المسلمين أم ابتززت الناس أمورهم بالسيف ؟
فقال له عبد الملك : قد آمنّاك ، و لا سبيل عليك . لا تجاوزني في بلد 1 .
قلت : إنّ الحجّاج سمع ما كتب من قيام السموات و الأرض بالخليفة و كونه أفضل من الملائكة و الانبياء ممّا ورد في الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين فأراد تطبيقه على عبد الملك .
و يقال لحوار في ردّه على عبد الملك في قوله : « إن كنت خليفة فعن مشورة من المسلمين أم ابتززت امور الناس بالسيف » بأن صدّيقك ،
و فاروقك أيضا ابتزّا امور الناس بإحراق اهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بالسيف و العصا .
« يأكل خضرتكم » و كلامه عليه السلام و إن كان استعارة ، و كناية عن كونه كسقر لا تبقي و لا تذر للناس شيئا كما ستعرف من تشديده في الخراج حتّى خرب أكثر القرى إلاّ أنّ الرجل أيضا كان من الأكولين كمعاوية يأكل ما يجد ،
و يطلب ما لا يجد .
قال سلم بن قتيبة : عددت للحجّاج أربعا و ثمانين لقمة في كلّ لقمة رغيف من خبز فيه ملء كفّه سمك طري .
و يشهد لقوله عليه السلام من أكله خضرة أهل العراق قول الفرزدق لسليمان بعد الحجّاج .
ما قلت إلاّ الحق تعرفه
في القول مرتجلا و في الشعر
-----------
( 1 ) العقد الفريد 5 : 284 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 28 ]
ما أصبحت أرض العراق بها
ورق لمختبط و لا قشر
« و يذيب شحمتكم » في ( كامل المبرد ) : يروي عن ابن ميرة أنّه قال : إنّا لنتغدّى مع الحجّاج يوما إذ جاء رجل من سليم برجل يقوده . فقال : أصلح اللّه الامير إنّ هذا الرجل عاص . فقال الرجل : انشدك اللّه أيّها الأمير في دمي فو اللّه ما قبضت ديوانا قط ، و لا شهدت عسكرا ، و إنّي لحائك اخذت من تحت الجف .
فقال : اضربوا عنقه . فلمّا أحسّ بالسيف سجد فلحقه السيف و هو ساجد .
فأمسكنا عن الطعام . فأقبل علينا الحجّاج فقال : ما لي أراكم صفرت أيديكم و أصفرّت وجوهكم و حدّ نظركم من قتل رجل واحد .
و فيه : أتى الحجّاج البصرة . فكان عليهم أشدّ إلحاحا و قد كان أتاهم خبره لما كان بالكوفة . فتحمّل الناس قبل قدومه . فأتاه رجل من بني يشكر و كان شيخا كبيرا أعور و كان يجعل على عينه العوراء صوفة فكان يلقّب ذا الكرسفة . فقال : أصلح اللّه الأمير ، إنّ بي فتقا ، و قد عذرني بشر ، و قد رددت العطاء . فقال : إنّك عندي لصادق ، ثمّ أمر به فضربت عنقه . ففي ذلك يقول كعب الأشقري أو الفرزدق :
لقد ضرب الحجّاج بالمصر ضربة
تقرقر منها بطن كلّ عريف 1
و في ( المروج ) : حبس الحجّاج إبراهيم التيمي و مات في الحبس ، و إنّما كان الحجّاج طلب إبراهيم النخعي فنجا و وقع إبراهيم التيمي . فقال الأعمش لابراهيم النخعي : أين كنت حيث طلبك الحجّاج ؟ فقال : بحيث يقول الشاعر :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
و صوّت إنسان فكدت أطير
و مات الحجّاج بواسط سنة ( 95 ) و هو ابن ( 54 ) سنة و كان تأمّره على
-----------
( 1 ) كامل المبرد 8 : 73 .
[ 29 ]
الناس عشرين سنة ، و احصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره و حروبه فوجد مئة و عشرين ألفا و مات ، و في حبسه خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة منهنّ ستّة عشر ألفا مجردة ، و كان يحبس النساء و الرجال في موضع واحد ، و لم يكن للمحبس ستر يستر الناس من الشمس في صيف ، و من المطر و البرد في الشتاء ، و ركب يوما يريد الجمعة فسمع ضجّة . فقال : ما هذا ؟ فقيل له : المحبوسون يضجّون و يشكون ما هم فيه من البلاء . فالتفت إلى ناحيتهم و قال : إخسئوا فيها و لا تكلمون ، و وجد بعده في سجونه ثلاثة و ثلاثون ألفا لم يجب على واحد منهم قتل و لا صلب 1 ، و فيهم أعرابي اخذ ببول في أصل مدينة واسط . فكان في من اطلق فأنشأ يقول :
إذا ما خرجنا من مدينة واسط
خرينا و بلنا لا نخاف عقابا
و في ( تنبيه الاشراف ) : كان محبوسوه يسقون الماء مشوبا بالرماد ،
و فيه : مات الحجّاج قبل الوليد بتسعة أشهر و كانت ولايته على العراق عشرين سنة ، و ترك في بيت المال مئة ألف الف دينار و بضعة عشر ألف ألف درهم ،
و تولّى العراق و خراجها مئة ألف ألف درهم . فلم يزل بعنته و سوء سياسته حتّى صار خراجها خمسة و عشرين ألف ألف درهم 2 .
و في ( عيون القتيبي ) : إنّ رجلا كان يطلبه الحجّاج فمر بساباط فيه كلب بين جبّين يقطر عليه ماؤهما . فقال : يا ليتني مثل هذا الكلب فما لبث ساعة إن مرّ بالكلب في عنقه حبل فسأل عنه . فقالوا : جاء كتاب الحجّاج يأمر فيه بقتل الكلاب 3 .
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 171 و 166 .
-----------
( 2 ) التنبيه و الاشراف : 274 و 275 .
-----------
( 3 ) عيون الأخبار 1 : 263 .
[ 30 ]
و في ( الأغاني ) : منع الحجّاج من لحوم البقر خوفا من قلّة العمارة في السواد فقيل فيه :
شكونا إليه خراب السواد
فحرّم فينا لحوم البقر
فكنّا كمن قال من قبلنا
اريها السها و تريني القمر
و فيه في أخبار أعشى همدان و مدحه سليم بن صالح العنبري و كان منزله بساباط المدائن بعد ذكر قصة عن هشام في قرية سليم و ذكر غير هشام أنّ الحجّاج طالب سليما العنبري بمال فلم يخرج منه حتّى باع كلّ ما يملكه و خربت قريته ، و تفرّق أهلها ثمّ باعه الحجّاج عبدا . فاشتراه بعض أشراف الكوفة أسماء بن خارجة أو بعض نظرائه فاعتقه .
و في ( عيون القتيبي ) : قال الحجّاج : سوطي سيفي فنجاده في عنقي ،
و قائمه في يدي و ذبابه قلادة لمن اغترّبي . فقال الحسن البصري : بؤساله ما أغرّه باللّه 1 .
قلت : و قالوا : سوط عمر كان أهيب من سيف الحجّاج .
و في ( أنساب السمعاني ) : مات إبراهيم بن يزيد التيمي ، و كان عابدا صابرا على الجوع في حبس الحجّاج أرسلت عليه الكلاب في السجن تنهشه حتّى مات 2 .
قلت : و الظاهر أنّه الّذي مرّ أخذه بدلا عن إبراهيم النخعي .
و في ( العقد ) : كان الحجّاج إذا صعد المنبر تلفّع بمطرفه ثمّ تكلّم رويدا فلا يكاد يسمع حتّى يتزايد في الكلام فيخرج يده من مطرفه ثمّ يزجر الزجرة ،
فيفزع أقصى من في المسجد .
-----------
( 1 ) عيون الأخبار 2 : 245 .
-----------
( 2 ) أنساب السمعاني : 114 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 31 ]
و عن أبي وائل : بعث الحجّاج إليه يستدعيه لعمله فاعتذر و قال في ما قال : « و اخرى أنّي ما علمت الناس هابوا أميرا قط هيبتهم لك ، و اللّه إنّي لأتعارّ من الليل فأذكرك ، فما يأتيني النوم حتّى أصبح ، هذا و لست لك على عمل » فأعجبه ذلك و قال : هيه كيف قلت . فأعدت عليه الحديث . فقال « إنّي و اللّه ما أعلم اليوم رجلا على وجه الأرض هو أجرأ على ربّه منّي » فقمت فعدلت عن الطريق كأنّي لا أبصر . فقال : اهدوا الشيخ . أرشدوا الشيخ .
و قال المدائني : أخبرني من دخل المسجد و الحجّاج على المنبر ، و قد ملأ صوته المسجد بأبيات سويد بن أبي كاهل اليشكري حيث يقول :
ربّ من انضجت غيظا صدره
قد تمنّى لي موتا لم يطع
ساء ما ظنّوا و قد أبليتهم
عند غايات المدى كيف أقع
كيف يرجون سقوطي بعد ما
شمل الرأس مشيب و صلع 1
و في ( كامل الجزري ) : قال الحجّاج : و اللّه لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلّت لي دماؤكم 2 .
و في ( المروج ) : لمّا انهزم ابن الأشعث بدير الجماجم حلف الحجّاج ألاّ يؤتى بأسير إلاّ ضرب عنقه . فأتي باسرى كثيرة ، و كان أوّل من أتي به أعشى همدان ، و هو ، أوّل من خلع عبد الملك و الحجّاج بين يدي ابن الأشعث بسجستان . فقال له الحجّاج : إيه أنت القائل :
من مبلغ الحجّاج أنّي
قد جنيت عليه حربا
إلى أن قال قال له : أخبرني عن قولك في ابن الأشعث :
بين الأشج و بين قيس باذخ
بخ بخ الوالد و المولود
-----------
( 1 ) العقد الفريد 5 : 267 268 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) الكامل 4 : 586 ، سنة 95 .
[ 32 ]
فأنشده فقال : و اللّه لا تبخبخ لأحد بعدها و أمر به فضربت عنقه 1 .
و في ( الأخبار الطوال ) : بعث الحجّاج أيوب بن القرية إلى ابن الأشعث إلى أن قال .
و اسر في من اسر فلمّا ادخل عليه قال : بعثتك رسولا فصرت وزيرا و مشيرا تصدر له الكتب ، و تسجّع له الكلام . فقال : كان شيطانا في مسك إنسان ، إستمالني بسحره ، و خلبني بلفظه . فكان اللسان ينطق بغير ما في القلب . فقال له الحجّاج : كذبت يا ابن اللخناء ، بل كان قلبك منافقا ، و لسانك مدامجا ، فكتمت أمرا أظهره اللّه ، و أطعت فاسقا خذله اللّه إلى أن قال .
فقال الحجّاج : يا غلام ناولني الحربة . فتناولها و قد أمسك ابن القريّة أربعة رجال . فلا يستطيع تحرّكا و هزّ الحجّاج الحربة ثلاثا : فقال ابن القريّة :
اسمع منّي ثلاث كلمات تكون بعدي مثلا . قال : هات . قال : « لكلّ جواد كبوة و لكلّ حليم هفوة و لكلّ شجاع نبوة » فوضع الحجّاج الحربة في ثندوة ابن القريّة و دفعها حتّى خالطت جوفه ثمّ خضخضها و أخرجها فاتبعها دم اسود . فقال الحجّاج هكذا تشخب أوداج الإبل ، و فحص ابن القريّة برجليه و شخص بصره ، و جعل الحجّاج ينظر إليه حتّى قبض فحمل في النطع . فقال الحجّاج : للّه درّك يا ابن القرّية أيّ أدب فقدنا منك . و أيّ كلام رصين سمعنا منك 2 .
و في ( كامل المبرد ) : كان العديل بن فرخ العجلي هاربا من الحجّاج فجعل لا يحلّ ببلدة إلاّ ريع لأثر يراه من آثار الحجّاج ، فيهرب حتّى أبعد ففي ذلك يقول العديل :
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 154 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) الأخبار الطوال : 323 327 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 33 ]
يخشّونني الحجّاج حتّى كأنّما
يحرّك عظم في الفؤاد ميهض
فلم ينشب أن اتي به فقال :
فلو كنت في سلمى أجا و شعابها
لكان لحجّاج عليّ دليل 1
في ( الأغاني ) : بعث الحجّاج مولى له في جيش إلى بني العجل يطلب منهم العديل الشاعر ، فهرب فلم يقدر عليه فاستاق إبله ، و أحرق بيته ، و سلب امرأته و بناته و أخذ حليّهن فهرب العديل إلى قيصر و قال :
و دون يد الحجّاج من أن تنالني
بساط لأيدي الناعجات عريض
مهامه أشباه كأنّ سرابها
ملأ بأيدي الراحضات رحيض
فبلغ شعره الحجّاج فكتب إلى قيصر : لتبعثنّ به أو لأغزينّك جيشا يكون أوّله عندك و آخره عندي . فبعث به قيصر إلى الحجّاج . فلمّا ادخل عليه قال :
أ أنت القائل « و دون يد الحجّاج من أن تنالني » فكيف ؟ فقال بل أنا القائل :
فلو كنت في سلمى أجا و شعابها
لكان لحجّاج عليّ سبيل
و قلت :
إذا ذكر الحجّاج أضمرت خيفة
لها بين أحناء الضلوع نفيض 2
و في ( العيون ) : قال الحسن البصري : وا عجبا من اخيفش اعيمش جاءنا ففتلنا عن ديننا ، و صعد على منبرنا يخطب و الناس يلتفتون إلى الشمس فيقول ما بالكم ؟ إنّا لا نصلّي للشمس بل لربّها ، أفلا يقولون له : يا عدوّ اللّه إنّ للّه حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، و حقّا بالنهار لا يقبله بالليل ، و كيف يقولون ذلك و على رأس كلّ واحد منهم علج قائم بالسيف 3 .
-----------
( 1 ) كامل المبرد 5 : 14 .
-----------
( 2 ) الأغاني 22 : 329 331 ، و النقل بتلخيص .
-----------
( 3 ) لم اجده في عيون الأخبار .
[ 34 ]
و في ( العقد ) : كان الوليد بن عبد الملك و كان جبارا كأبيه ، و كان الحجّاج واليا من قبلهما يقول : كان أبي يقول الحجّاج جلدة ما بين عيني و أنفي و أنا أقول : إنه جلدة وجهي كله .
و كان عمر بن عبد العزيز و لم يكن جبّارا يدعو اللّه أن يكون موت الحجّاج على فراشه ليكون أشدّ لعذابه في الآخرة ، و سمع صياحه في قبره فأخبر كاتبه فركب في أهل الشام فسمع .
و قيل للحسن البصري : ما تقول في قتال الحجّاج ؟ قال : إنّ الحجّاج عقوبة من اللّه تعالى فلا تستقبلوا عقوبة اللّه بالسيف 1 .
قلت : و صدق الحسن كان هو و أمثاله عقوبة للناس لتركهم أهل بيت نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . و قد صرّح أمير المؤمنين عليه السلام بذلك في خطبه مرارا ، و كان يذكر الحجّاج لمّا آذوه كرارا كما عرفت .
و في ( ديوان الفرزدق ) في شكايته إلى سليمان ما فعل بهم الحجّاج من حبس الجيوش في المغازي بغير عطاء ، و أخذه صدقات إبلهم على الحول الماضي مع موتها في السنة بحيث تمنى الناس الموت :
و يجمّرون بغير أعطية
في البرّ من بعثوا و في البحر
و يكلّفون أبا عرا ذهبت
جيفا بلين تقادم العصر
حتّى غبطنا كلّ محتمل
يمشي بأعظمه إلى القبر
و تمّنت الأحياء أنّهم
تحت التراب وجيء بالحشر 2
« ايه » في ( الصحاح ) : « أيه : اسم سمّي به الفعل لأنّ معناه الأمر . تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل 3 ( إيه ) بكسر الهاء . قال ابن السكّيت :
-----------
( 1 ) العقد الفريد 5 : 283 و 288 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) ديوان الفرزدق 1 : 263 .
-----------
( 3 ) صحاح اللغة 6 : 2226 ، مادة ( أيه ) .
[ 35 ]
فإن وصلت نوّنت قلت : إيه حدّثنا ، و قال ابن سيدة إذا قلت إيه يا رجل . فإنّما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما ، و إن قلت إيه بالتنوين قلت : إيتنا حديثا ما لأنّ التنوين تنكير . قال : فإذا سكّته و كففته قلت ايها عنّا و إذا أردت التبعيد قلت ايها عنا بفتح الهمزة بمعنى هيهات 1 .
و في ( الأساس ) : ايه حديثا استزادة و أيها لا تحدّث كفّ . قال ذو الرّمة :
وقفنا فقلنا إيه عن ام سالم
و كيف بتكليم الديار البلاقع 2
و في ( النهاية ) : في الحديث أنه أنشد شعر اميّة بن أبي الصلت . فقال عند كلّ بيت إيه هذه الكلمة يراد بها الاستزادة ، و إذا قلت أيها بالنصب فإنّما تأمره بالسكوت ، و منه حديث أصيل الخزاعي حين قدم عليه المدينة قال له « كيف تركت مكّة » قال « تركتها و قد أحجن ثمامها ، و أعذق إذخرها و أمشر سلمها » فقال « إيها ، أصيل . دع القلوب تقرّ » و قد ترد المنصوبة بمعنى التصديق و الرضا بالشيء ، و منه حديث ابن الزبير لمّا قيل له : « يا ابن ذات النطاقين » فقال أيها . . . 3 .
قلت : و قد تقدّم أنّ الحجّاج قال لأعشى همدان لمّا أراد قتله : إيه أنت القائل :
من مبلغ الحجّاج أني
قد جنيت عليه حربا
« أبا و ذحة » في ( اللسان ) : قال ثعلب : الوذح ما يتعلّق من القذر بإلية الكبش . قال جرير :
و التغلبية في أفواه عورتها
و ذح كثير و في أكتافها الوضر
-----------
( 1 ) روى هذه المعاني لسان العرب 13 : 474 ، مادة ( أيه ) ، و قد حصل في النقل خلط .
-----------
( 2 ) اساس البلاغة : 13 ، مادة ( أيه ) .
-----------
( 3 ) النهاية 1 : 87 ، مادة ( أيه ) ، و النقل بتقطيع .
[ 36 ]
و قال أبو عبيدة : ألوذح ما يتعلّق بالأصواف من أبعار الغنم فيجفّ عليه .
قال الاعشى :
فترى الأعداء حولي شزّرا
خاضع الأعناق أمثال الوذح 1
قول المصنّف : « قال الشريف : أقول » هكذا في ( المصرية ) و ليس كلّه من النهج .
« الوذحة : الخنفساء » قال ابن أبي الحديد : ما قاله من أنّ الوذحة الخنفساء لم أسمعه من شيخ من أهل الأدب ، و لا وجدته في كتاب لغة .
ثمّ قال : إنّ المفسّرين بعد الرضي قالوا في قصّة هذه الخنفساء وجوها .
منها : أنّ الحجّاج رأى خنفساء تدبّ الى مصلاّه فطردها فعادت ثمّ طردها فعادت ، فأخذها بيده فقرصته قرصا ، و ورمت يده منه ورما كان فيه حتفه . قالوا : و ذلك أنّ اللّه تعالى قتله بأهون مخلوقاته كما قتل نمرودا بالبقّة الّتي دخلت في أنفه .
و منها : أنّ الحجّاج كان إذا رأى خنفساء تدبّ قريبة منه يأمر غلمانه و يقول : هذه وذحة من وذح الشيطان تشبيها له بالبعرة و كان مغرى بهذا القول و الوذح : ما يتعلق بأذناب الشاة من أبعارها فيجف .
و منها : أنّ الحجّاج رأى خنفساوات مجتمعات . فقال : وا عجبا لمن يقول إنّ اللّه خلق هذه . قيل : فمن خلقها ؟ قال : « الشيطان . إنّ ربكم لأعظم شأنا أن يخلق هذه الوذح » فنقل قوله إلى الفقهاء فاكفروه .
و منها : أنّ الحجّاج كان مثفارا ، و كان يمسك الخنفساء حيّة ليشفي بحركتها في موضع حكاكه . قالوا : و لا يكون صاحب هذا الداء إلاّ شانيا مبغضا لأهل البيت عليه السلام . قالوا : و لسنا نقول كلّ مبغض فيه هذا الداء ، و إنّما قلنا
-----------
( 1 ) لسان العرب 2 : 632 ، مادة ( وذح ) .
[ 37 ]
كلّ من فيه هذا الداء فهو مبغض . قالوا : و قد روى أبو عمرو الزاهد و لم يكن من رجال الشيعة في ( أماليه ) : في أحاديثه عن السياري عن أبي خزيمة الكاتب قال : ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلاّ وجدناه ناصبيا .
و عن القطامي عن رجاله قالوا : سئل جعفر بن محمّد عليه السلام عن هذا الصنف من الناس . فقال : رحم منكوسة يؤتى و لا يأتي ، و ما كانت هذا الخصلة في وليّ للّه قط ، و لا تكون أبدا ، و إنّما تكون في الكفّار و الفسّاق و الناصب للطاهرين و كان أبو جهل عمرو بن هشام من القوم ، و كان أشدّ الناس عداوة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر : يا مصفّر استه قال : فهذا مجموع ما ذكره المفسّرون ، و ما سمعته من أفواه الناس في هذا الموضع ، و يغلب على ظنّي أنّه أراد معنى آخر ، و ذلك أنّ عادة العرب أن تكنّي الإنسان إذا أرادت تعظيمه بما هو مظنّة التعظيم كقولهم ، أبو الهول ،
و أبو المقدام ، و أبو المغوار ، فإذا أرادت تحقيره و الغضّ منه كنّته بما يستحقر ،
و يستهان به كقولهم في كنية يزيد : أبو زنّة يعنون القرد و في سعيد بن حفص البخاري المحدّث : أبو الفار ، و في الطفيلي : أبو لقمة ، و في عبد الملك أبو الذبان لبخره ، و كقول ابن بسام لبعض الرؤساء :
فأنت لعمري أبو جعفر
و لكن بحذف الفاء منه
و قال أيضا :
لئيم درن الثوب
نظيف القعب و القدر
أبو النتن أبو الدقر
أبو البعر أبو الجعر
فلمّا كانّ عليه السلام يعلم من حال الحجّاج نجاسته بالمعاصي و الذنوب الّتي لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة البعر الملتصق بشعر الشاة كنّاه أبا وذحة .
قال : و يمكن أيضا أن يكنّيه بذلك لدمامته في نفسه ، و حقارة منظره .
و تشويه خلقته . فإنّه كان قصيرا دميما نحيفا أخفش العينين معوج الساقين
[ 38 ]
قصير الساعدين مجدور الوجه . أصلع الرأس . فكنّاه بأحقر الأشياء و هو البعرة .
قال : و قد روى قوم هذه اللفظة بصيغة اخرى فقالوا « إيه أبا و دجة » واحدة الأوداج كنّاه بذلك لأنه كان قتّالا يقطع الأوداج بالسيف . و رواه قوم « أبا و حرة » و هي دويبة تشبه الحرباء قصيرة الظهر شبّهه بها 1 .
قلت : أمّا اعتراضه على المصنّف بأنّه لم يذكر أحد أنّ الوذحة الخنفساء فساقط فلم يقل الرضي إنّ الخنفساء مفهوم الوذحة اللغوي بل أراد أنّها المراد ، و التفسير بالمراد شائع . ( فالصحاح ) قال يقال للجلدة الّتي بين العين و الأنف سالم . قال ابن عمر في ابنه سالم :
يديرونني عن سالم و أريغه
و جلدة بين العين و الأنف سالم
و هذا المعنى أراد عبد الملك في جوابه عن كتاب الحجّاج أنت عندي كسالم 2 . و قول ( القاموس ) : إنّه غلط غلط 3 . فتوهّم أنّ ( الصحاح ) أراد المفهوم ، و لم يتفطّن أنّ مراده المراد ، و الحجّاج لم يفهم مراد عبد الملك حتّى فسّره بعض الادباء له ، و هذا كأن يقال : فلان كثير الرماد ، أي : جواد ، مع أنه قال في النهاية بعد نقل كلامه عليه السلام : الوذحة بالتحريك الخنفساء من الوذح ، و هو ما يتعلّق بإلية الشاة من البعر فيجفّ ، و بعضهم يقول : بالخاء و في حديث الحجّاج أنّه رأى خنفساة فقال : قاتل اللّه أقواما يزعمون أنّ هذه من خلق اللّه .
فقيل مم هي ؟ قال : من وذح ابليس 4 .
و حينئذ نقول : إن صحّ الأوّل و الأخير من الوجوه الأربعة الّتي نقلها ، في
-----------
( 1 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 257 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) صحاح اللغة 5 : 1952 ، مادة ( سلم ) .
-----------
( 3 ) القاموس المحيط 4 : 131 ، مادة ( سلم ) .
-----------
( 4 ) النهاية 5 : 170 ، مادة ( وذح ) .
[ 39 ]
قصته مع الخنفساء فلا يصحّ أن يخاطب عليه السلام الحجّاج بأبي وذحة إلاّ بأن نقول أنّه شبّه الخنفساء بالوذحة بكونه أمرا عرفيا . فلمّا كان الحجّاج مات من ورم يده بقرص خنفساء او كان يمسك الخنفساء في موضع حكاكه كان أبا وذحة أي أبا خنفساء . و إن صحّ الأوسطان منها فخاطبه بأبي وذحة لأنّه كان يسمّي الخنفساء وذحة الشيطان . ثمّ كأنّ الأصل فيهما واحد بكون الثالث تفصيل الثاني ، و كيف كان فلا تنافي بين الوجوه بأن يصحّ الجميع إن ثبت النقل سوى الأخير منها . فإنّه بظاهره ينافي الاولى لا سيّما الوسطين أو الوسط .
و أما قوله : فيغلب على ظنّي أنّه أراد معنى آخر . . . ، فبلا معنى فإنّ عبد الملك كان يقال له أبو الذبّان لأنّ الذبّان كانت تجتنبه لبخره ، و أبو زنّة كنية القرد و كان كما في ( المروج ) ليزيد قرد خبيث مكّنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ، و يطرح له متّكأ و كان يحمله على أتان وحشية قد ريضت و ذلّلت لذلك بسرج و لجام ، و يسابق بها الخيل يوم الحلبة فجاء في بعض الأيّام و عليه قباء من الحرير الأحمر و الأصفر مشهر ، و على رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان سابقا فتناول القصبة ، و دخل الحجرة قبل الخيل 1 ،
و حينئذ فلا يصحّ أن يقال للحجاج أبا وذحة إلاّ بواحدة من تلك الوجوه على ما عرفت حتّى تحصل مناسبة ، و حينئذ فليس هو معنى آخر .
كما أنّ قوله : و يمكن أيضا أن يكنّيه بذلك لدمامته . . . ، أيضا بلا معنى فإنّه لو كان عليه السلام خاطبه لدمامته و عيوب خلقته لقال له يا وذحة لا أبا وذحة كما قال بعض الأعراب في عدوّ له شديد السواد :
عاديتنا يا خنفسا أم الجعل
عداوة الأوعال حيات الجبل
و لو كانت تكنيته بأبي وذحة بدمامته صحيحة لكانت للجاجته أنسب .
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 67 .
[ 40 ]
فقد عرفت أنّ عبد الملك لما سأله عن عيوبه عدّ منها لجاجه ، و يشهد له سيره ،
و منها عدم اكتراثه بنصح المهلّب له حتّى انهزم يوم تستر ثمّ ندم ، و الخنفساء يضرب المثل بها في اللجاجة ، و منهم من كنّاها امّ اللجاج كما قال الدميري 1 ،
و قال الجاحظ : و في لجاج الخنفساء يقول خلف الأحمر :
لنا صاحب مولع بالخلاف
كثير الخطاء قليل الصواب
ألجّ لجاجا من الخنفساء
و أزهى إذا ما مشي من غراب 2
هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) : كان أبو علقمة الثقفي عند جعفر البرمكي في بعض لياليه الّتي يسمر فيها . فأقبلت خنفساء إلى أبي علقمة . فقال : أليس يقال إنّ الخنفساء إذا أقبلت إلى رجل أصاب خيرا ؟ قالوا : بلى . قال جعفر : يا غلام اعطه ألف دينار . فنحّوها عنه . فعادت إليه . فقال : يا غلام أعطه ألفا آخر فأعطاه ألفي دينار 3 .
و في ( بلدان الحموي ) في عنوان دير الخنافس : هو في غربي دجلة على قلّة جبل شامخ ، و هو دير صغير لا يسكنه أكثر من راهبين ، و هو نزه لعلّوه على ضياع و إشرافه على أنهار نينوى ، و المرج ، و له عيد يقصده أهل الضياع في كلّ عام مرّة ، و فيه طلسم ظريف ، و هو أنّ في كلّ سنة ثلاثة أيام تسوّد حيطانه ، و سقوفه من الخنافس الصغار اللواتي كالنمل . فإذا انقضت تلك الأيّام لا يوجد في تلك الأرض من تلك الخنافس واحدة ألبتّة فاذا علم الرهبان بمجيء تلك الأيام الثلاثة أخرجوا جميع ما لهم فيه من فرش و طعام ،
و اثاث و غير ذلك هربا من الخنافس ، فإذا انقضت الأيام عادوا 4 .
-----------
( 1 ) حياة الحيوان 1 : 307 .
-----------
( 2 ) الحيوان 3 : 500 .
-----------
( 3 ) تاريخ بغداد 7 : 153 .
-----------
( 4 ) معجم البلدان 2 : 508 .
[ 41 ]
و في ( نجوم ابن طاووس ) : قال أبو حيان التوحيدي في ( بصائره ) : قال أبو معشر في ( كتاب أسراره ) بعد ذكر منجم ادّعى النبوة في زمان المأمون و كان له خاتم من لبسه لا يتمالك من الضحك ، و قلم لا ينطلق اصبع غيره على الكتابة به ، و هو الّذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة 1 .
و في ( معارف ابن قتيبة ) : كانت امّ أبان بن عثمان حمقاء تجعل الخنفساء في فمها و تقول : « حاجيتك ما في فمي » 2 .
و في ( حياة الحيوان للدميري ) : رأى رجل خنفساء . فقال : ماذا يريد اللّه من خلق هذه ؟ ألحسن شكلها أو لطيب ريحها ؟ فابتلاه اللّه بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك العلاج ، فسمع يوما صوت طبيب من الطرقيين ينادي في الدرب فقال : هاتوه حتّى ينظر في أمري . فقالوا : و ما تصنع بطرقي و قد عجز عنك حذّاق الأطباء ، فقال : لا بدّ لي منه . فأحضروه ، فلمّا رأى القرحة استدعى بخنفساء . فضحك الحاضرون منه . فقال الرجل : أحضروا له ما طلب . فإنّ الرجل على بصيرة من أمره ، فاحضروها له فأحرقها و ذرّ رمادها على قرحته . فبرئ بإذن اللّه . فقال : ان اللّه تعالى أراد أن يعرّفني أنّ أخسّ المخلوقات أعزّ الأدوية .
و قال الدميري : كنية الخنفساء ام الفسو ، و ام الأسود ، و ام مخرج و ام اللجاج و ام الفتن ، و بينها و بين العقرب صداقة ، و هي أنواع : منها الجعل ،
و حمار قبان ، و بنات وردان ، و الحنطب ، و هو ذكر الخنافس 3 .
و في ( حيوان الجاحظ ) : زعم الأعراب أنّ بين ذكورة الخنافس ، و ذكورة
-----------
( 1 ) خرج المهموم : 164 ، و النقل بتلخيص .
-----------
( 2 ) المعارف : 201 .
-----------
( 3 ) حياة الحيوان 1 : 307 .
[ 42 ]
الجعلان تسافد ، و أنهما ينتجان خلقا ينزع إليهما جميعا . و قال لي الفضل العنبري : يقولون : الضب أطول شيء ذماء ، و الخنافس أطول منه ذماء ، و ذلك أنّه يغرز في ظهرها شوكة ثاقبة ، و فيها ذبالة تستوقد ، و تصبح لأهل الدار و هي تدبّ بها و تجول . قال : و ربما كانت الخنفساء في تضاعيف حبل قت أو في بعض الحشيش ، و العشب ، و الحلأ . فتصير في فم الجمل . فيتبلعها من غير أن يضغم الخنفساء . فإذا وصلت إلى جوفه و هي حيّة حالت فيه فلا تموت حتّى تقتله . فأصحاب الإبل يتعاورون تلك الإداري و العلوفات خوفا من الخنافس 1 .
و في ( فهرست ابن النديم ) : خدم يوحنّا بن ماسويه المأمون إلى المتوكّل ، و عبث به ابن حمدون النديم بحضرة المتوكّل . فقال له يوحنا : لو أنّ مكان ما فعلت من الجهل عقل ثمّ قسّم على مئة خنفساء لكانت كلّ واحدة منها أعقل من أرسطا طاليس 2 .
قول المصنّف : « و هذا القول يومئ به إلى الحجّاج » و كما أخبر عليه السلام أهل العراق بتسلّط الحجّاج عليهم لمّا رأى تخاذلهم له عموما ، و تراذل بعضهم و سوء أدبه معه خصوصا كما عرفت ، أخبر أهل الشام بغلبة أبي سلّم عليهم لما رأى جدّهم في حربه .
ففي ( المناقب ) : عن الأعمش عن رجل من همدان قال : كنا مع عليّ عليه السلام بصفين . فهزم أهل الشام ميمنة العراق . فهتف بهم الأشتر ليتراجعوا . فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأهل الشام : « يا أبا مسلم خذهم » ثلاث مرات . فقال الأشتر : أو ليس أبو مسلم معهم ؟ قال : لست اريد الخولاني ، و إنّما اريد رجلا
-----------
( 1 ) الحيوان 4 : 496 و 508 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) الفهرست : 411 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 43 ]
يخرج في آخر الزمان من المشرق يهلك اللّه به أهل الشام ، و يسلب عن بني اميّة ملكهم 1 .
هذا ، و في ( الخرائج ) : روي أنّ حجّاجا كتب إلى عبد الملك إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين . فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أما بعد .
فجنّبني دماء بني هاشم و احقنها فإنّي رأيت آل أبي سفيان لما أولغوا فيها لم يلبثوا ان أزال اللّه الملك عنهم و بعث بالكتاب سرّا فكتب عليّ بن الحسين عليه السلام سرّا إلى عبد الملك في الساعة الّتي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجّاج :
« علمت ما كتبت في حقن دماء بني هاشم ، و قد شكر اللّه لك ذلك ، و ثبّت ملكك ،
و زاد في عمرك » و بعث به مع غلام له فنظر عبد الملك فوجد تاريخه موافقا لتاريخ كتابه . ففرح بذلك ، و في كتابه عليه السلام إليه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتاني في النوم .
فعرّفني ما كتبت به الى الحجّاج 2 .
هذا ، و في ( المروج ) : ولد الحجّاج مشوّها لا دبر له . فثقب عن دبره ، و أبى أن يقبل ثدي امّه و غيرها . فأعياهم أمره . فيقال : إنّ الشيطان تصور لهم في صورة الحرث بن كلدة . فقال : ما خبركم ؟ قالوا : ولد ليوسف ابن من الفارعة و قد أبى أن يقبل ثدي أمّه . فقال : اذبحوا جديا أسود ، و أو لغوه دمه فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك . فإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود ،
و أولغوه دمه . ثمّ اذبحوا له أسود سالخا أي الأسود من الحيات فأولغوه دمه ، و اطلوا به وجهه ، فإنّه يقبل الثدي في اليوم الرابع ، ففعلوا به ذلك . فكان بعد لا يصبر عن سفك الدماء ، و كان يخبر عن نفسه أن أكثر لذّاته سفك الدماء و ارتكاب امور لا يقدم عليها غيره 3 .
-----------
( 1 ) مناقب السروي 2 : 262 .
-----------
( 2 ) الخرائج و الجرائح 1 : 232 .
-----------
( 3 ) مروج الذهب 3 : 125 ، و النقل بتصرف يسير .
[ 44 ]
و في ( تفسير العياشي ) : عن زرارة : كان يوسف أبو الحجّاج صديقا لعليّ بن الحسين عليه السلام ، و أنّه دخل على امرأته ، فأراد أن يضمها . فقالت له : اليس إنّما عهدك بذاك الساعة ؟ فأتى عليّ بن الحسين عليه السلام فأخبره فأمره أن يمسك عنها فأمسك عنها فولدت بالحجّاج و هو ابن شيطان ذي الردهة .
و عنه عن الباقر عليه السلام : كان الحجّاج ابن شيطان ، إنّ يوسف دخل على أمّ الحجّاج فأراد أن يصيبها . فقالت : أليس إنّما عهدك بذلك الساعة ؟ فأمسك عنها فولدت الحجّاج 1 .
و في السير : أن عروة بن الزبير كان يكنّي الحجّاج بابن المتمنية . لان امّه الفريعة هي الّتي قالت :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج ؟
و في ( العقد ) : شتم الحجّاج أنس بن مالك . فكتب إلى عبد الملك يشكوه فكتب عبد الملك إلى الحجّاج إنّك عبد طمّت بك الامور . فطغيت و علوت فيها حتّى جزت قدرك ، و عدوت طورك ، و أيم اللّه يا ابن المستفرمة بعجم زبيب الطائف لأغمزنّك كبعض غمزة الليوث للثعالب ، و لاركضنك ركضة تدخل منها في و جارك . اذكر مكاسب آبائك إذ كانوا ينقلون الحجارة على أكتافهم ،
و يحفرون الآبار في المناهل بأيديهم . فقد نسيت ما كنت عليه أنت و آباؤك من الدناءة و اللوم و الضراعة ، فعليك لعنة اللّه من عبد أخفش العينين ، أصل الرجلين ، ممسوح الجاعرتين إلى أن قال .
فقال الحجّاج لأنس : عجّلت باللائمة ، و أغضبت علينا الخليفة ثمّ أخذ بيده فأجسله معه على السرير فقال أنس : إنّك كنت تزعم أنّا الأشرار ، و اللّه سمّانا الأنصار و قلت : إنّا من أبخل الناس و اللّه يقول فينا : و يؤثرون على
-----------
( 1 ) تفسير العياشي 2 : 299 و 301 ح 103 و 110 .
[ 45 ]
أنفسهم و لو كان بهم خصاصة 1 و زعمت أنّا أهل نفاق ، و اللّه تعالى يقول فينا : و الّذين تبوؤا الدار و الايمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة ممّا اوتوا 2 .
قلت : و معنى اصل الرجلين كون رجليه دقيقتين و أصل بالتحريك جمع أصلة حيّة خبيثة .
و في ( الأغاني ) : استعمل الحجّاج خالد بن عتاب الرياحي على الريّ و قد كان حلف ألاّ يسبّ أحد امّه إلاّ أجابه كائنا من كان فكتب إليه الحجّاج يا ابن اللخناء أنت الّذي هربت عن أبيك حتّى قتل ، فكتب خالد إلى الحجّاج : « كتبت إلىّ تلخّنني و تزعم أنّي فررت عن أبي حتّى قتل ، و لعمري لقد فررت عنه ، و لكن بعد أن قتل ، و حين لم أجد لي مقاتلا ، و لكن أخبرني عنك يا ابن اللخناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف حين فررت أنت و أبوك يوم الحرّة على جمل ثفال » ثمّ هرب إلى الشام و استجار بزفر بن الحرث الكلابي .
و في ( معارف ابن قتيبة ) : كان اسمه كليب ، و كان معلم الصبيان بالطائف و فيه قال الشاعر :
أ ينسى كليب زمان الهزال
و تعليمه سورة الكوثر
رغيف له فلكة ما ترى
و آخر كالقمر الأزهر
قال ذلك لأنّ خبز المعلّمين من بيوت مختلفة . و نقل مثله ( العقد ) : و زاد ثمّ لحق بروح بن زنباع وزير عبد الملك ، فكان في عديد شرطه إلى أن شكا عبد الملك ما رأى من انحلال العسكر ، و أنّ الناس لا يرحلون برحيله ، و لا ينزلون بنزوله . فقال له روح : إنّ في شرطتي رجلا لو قلّدته أمر عسكرك
-----------
( 1 ) الحشر : 9 .
-----------
( 2 ) العقد الفريد 5 : 272 274 ، و النقل بتلخيص . و الآية 9 من سورة الحشر .
[ 46 ]
لأرحلهم برحيله و انزلهم بنزوله يقال له الحجّاج بن يوسف . قال : فانا قلّدناه ذلك . فكان لا يقدر أحد أن يتخلّف عن الرحيل و النزول الاّ أعوان روح . فوقف عليهم يوما ، و قد رحل الناس و هم على طعام يأكلون . فقال لهم : ما منعكم أن ترحلوا برحيل الخليفة : فقالوا له : إنزل يا ابن اللخناء فكل معنا . فقال لهم :
هيهات ذهب ما هنا لك ثمّ أمر بهم . فجلّدوا بالسياط ، و طوّفهم في العسكر ،
و أمر بفساطيط روح فاحرقت ، فدخل روح على عبد الملك باكيا . فقال له : ما لك ؟
فقال له : الحجّاج الّذي كان في عديد شرطتي ضرب عبيدي ، و أحرق فساطيطي . قال : عليّ به . فلمّا دخل عليه قال له : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : ما أنا فعلته . قال : و من فعله ؟ قال : أنت و اللّه فعلت إنّما يدي يدك و سوطي سوطك ،
و ما على الخليفة أن يخلف على روح لفسطاط فسطاطين ، و لغلام غلامين ، و لا يكسرني في ما قدّمني له ، فأخلف لروح ما ذهب منه ، و تقدّم الحجّاج في منزلته ، و كان ذلك أوّل ما عرف من كفايته 1 .
و في ( المعارف ) : هلك الحجّاج بواسط فدفن بها ، و عفّي قبره ، و أجري عليه الماء 2 .
« و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره » لا بد أنّ المصنّف أراد بحديثه أحد الوجوه المتقدّمة المنقولة في كلام ابن أبي الحديد .