32

الخطبة ( 136 ) و من خطبة له عليه السلام يومى فيها إلى ذكر الملاحم :

يَعْطِفُ اَلْهَوَى عَلَى اَلْهُدَى إِذَا عَطَفُوا اَلْهُدَى عَلَى اَلْهَوَى وَ يَعْطِفُ اَلرَّأْيَ عَلَى ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ إِذَا عَطَفُوا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ عَلَى اَلرَّأْيِ منها :

حَتَّى تَقُومَ اَلْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاقٍ بَادِياً نَوَاجِذُهَا مَمْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا حُلْواً رَضَاعُهَا عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا أَلاَ وَ فِي غَدٍ وَ سَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ يَأْخُذُ اَلْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا

-----------
( 1 ) رواه ابو الفرج في المقاتل : 172 .

-----------
( 2 ) مقاتل الطالبيين : 184 185 .

-----------
( 3 ) مقاتل الطالبيين : 231 .

-----------
( 4 ) الكامل 8 : 243 ، سنة 320 .

[ 188 ]

وَ تُخْرِجُ لَهُ اَلْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَ تُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ اَلسِّيرَةِ وَ يُحْيِي مَيِّتَ اَلْكِتَابِ وَ اَلسُّنَّةِ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السلام في ذكر الملاحم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و من خطبة له عليه السلام يومئ فيها إلى ذكر الملاحم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) 1 و الملاحم : جمع الملحمة ، الوقعة العظيمة في الفتنة .

قوله عليه السلام « يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى » قال ابن أبي الحديد : أشار عليه السلام إلى إمام يخلقه اللّه في آخر الزمان . . . 2 قلت : بل يظهره اللّه في آخر الزمان ، و كون ذاك الإمام العاشر من ولده عليه السلام و الثاني عشر من الأئمّة الاثني عشر من ضروريات مذهب الإماميّة ، كيف لا و قد تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام عند الخاصة و العامة أنّه قال لكميل في كلام طويل « اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا ، أو خائفا مغمورا ، لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته » 3 و هو لا ينطبق إلاّ على مذهبنا ، و قد اعترف به ابن أبي الحديد عند شرح قوله عليه السلام ذاك كما مرّ في الإمامة العامة 4 .

و روى النعماني عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسويّة ، و عدل في الرعية . فمن أطاعه فقد أطاع اللّه ، و من عصاه فقد عصى اللّه ،

و إنّما سمّي المهدي مهديا لأنّه يهدي إلى أمر خفي يستخرج التوراة ، و سائر كتب اللّه تعالى من غار ، و يحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، و بين أهل الإنجيل

-----------
( 1 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد 2 : 386 ، لكن في شرح ابن ميثم 3 : 168 مثل المصرية .

-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 386 .

-----------
( 3 ) رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة 4 : 37 ، ضمن الحكمة 147 .

-----------
( 4 ) مرّ في العنوان 1 من الفصل السابع .

[ 189 ]

بالإنجيل ، و بين أهل الزبور بالزبور ، و بين أهل القرآن بالقرآن 1 .

« و يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي » روى النعماني مسندا عن حبّة العرني قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كأنّي أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلّمون الناس القرآن كما أنزل . أما إنّ قائمنا إذا قام كسره و سوّى قبلته .

و عن الأصبغ قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما انزل . قلت : يا أمير المؤمنين أو ليس هو هذا كما انزل ؟ فقال : لا . محي منه من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم ، و ما ترك أبو لهب إلاّ ازراء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّه عمّه 2 .

هذا ، و عنون ( معارف ابن قتيبة ) أصحاب الرأي ، و عدّ فيهم ابن أبي ليلى القاضي . قال : ولي القضاء لبني اميّة ، و بني العباس ، و كان فقيها مفتيا بالرأي و عدّ فيهم الأوزاعي ، و سفيان الثوري .

قال : و أوصى إلى عمارة بن يوسف في كتبه فمحاها و أحرقها ، و زفر صاحب الرأي و ربيعة الرأي و عدّ مالك بن أنس قال : و حمل بمالك ثلاث سنين و عدّ أبا حنيفة و قال : قيل فيه :

إذا ذو الرأي خاصم عن قياس
و جاء ببدعة هنة سخيفة

أتيناهم بقول اللّه فيها
و آثار مبرّزة شريفة

فكم من فرج محصنة عفيف
أحلّ حرامه بأبي حنيفة

و عدّ فيهم أبا يوسف القاضي . قال : كان صاحب حديث ثمّ لزم أبا حنيفة ، فغلب عليه الرأي ، و عدّ فيهم محمّد بن الحسن الشيباني . قال : جالس أبا

-----------
( 1 ) غيبة النعماني : 157 .

-----------
( 2 ) غيبة النعماني : 217 218 .

[ 190 ]

حنيفة و سمع منه ، و نظر في الرأي . فغلب عليه ، و عرف به 1 . و في ( القاموس ) :

« ربيعة الرأي شيخ مالك ، و هلال الرأي من أعيان الحنفية » 2 .

« ( منها ) حتى تقوم الحرب بكم على ساق » أي : تقيمكم الحرب على ساق و القيام على ساق كناية عن الجد . كما أنّ الكشف عن الساق كناية عن الشدّة .

« باديا » و في نسخة من ( ابن أبي الحديد ) « بادية » و هو الأصحّ . فبعده « مملوة » 3 .

« نواجذها » جمع الناجذ . قال الجوهري « للإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرحاء ، و يسمّى ضرس الحلم لأنّه ينبت بعد البلوغ ، و كمال العقل يقال : ضحك حتّى بدت نواجذه » 4 .

و في ( النهاية ) : في حديث عليّ عليه السلام : « إنّ الملكين قاعدان على ناجذي العبد يكتبان » يعني سنّيه الضاحكين بين الناس و الأضراس 5 .

و في ( الأساس ) : أبدى ناجذه إذا بالغ في ضحكه أو غضبه ، و من المجاز أبدلت الحرب ناجذيها . قال بشر :

إذا ما الحرب أبدت ناجذيها
غداة الروع و التقت الجموع 6

و في ( الجمهرة ) : النواجذ أقاصي الأضراس ، و هي أربعة تنبت بعد أن يشب الإنسان ، و تسمّيها العامة أضراس العقل ، و كذلك تسمّيها الفرس « خرد دندان » و قال قوم : بل النواجذ الضواحك ، و احتجّوا

-----------
( 1 ) المعارف : 409 500 ، و النقل بتلخيص .

-----------
( 2 ) القاموس المحيط 4 : 332 ، مادة ( رأي ) .

-----------
( 3 ) في نسختنا من شرح ابن أبي الحديد 2 : 386 « باديا » .

-----------
( 4 ) صحاح اللغة 2 : 571 ، مادة ( نجذ ) .

-----------
( 5 ) النهاية 5 : 20 ، مادة ( نجذ ) .

-----------
( 6 ) اساس البلاغة : 447 ، مادة ( نجذ ) .

[ 191 ]

بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم « ضحك حتّى بدت نواجذه » و تلك النواجذ لا يبديها الضحك . . . 1 ، و المفهوم منه خلط الجوهري ، كما أنّ الظاهر و هم الزمخشري في كون « أبدى ناجذيه » للمبالغة في الغضب و الشعر أعم كقوله عليه السلام بل هو ظاهر في الأوّل بقرينة بعده .

هذا ، و في ( الشعراء ) : دخلت ليلى الأخيلية و قد أسنّت على عبد الملك فقال لها : ما رأى توبة فيك حين عشقك . قالت : ما رأى الناس فيك حين جعلوك خليفة ، فضحك حتّى بدت له سنّ سوداء كان يخفيها 2 .

« مملوءة أخلافها » جمع الخلف بالكسر ، و هو الضرع .

« حلوا رضاعها » كحلو لبن الأمهات عند الأطفال .

« علقما » أي : مرّا و الأصل في العلقم : شجر مرّ ، فقيل لكلّ مرّ .

« عاقبتها » روى النعماني عن ابن عقدة ، عن يحيى بن زكريا بن شيبان ،

عن يوسف بن كليب ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن عاصم بن حميد الحنّاط عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام في خبر لا يقوم القائم عليه السلام إلاّ على خوف شديد ، و زلازل و فتنة و بلاء يصيب الناس ، و طاعون قبل ذلك ، و سيف قاطع بين العرب ، و اختلاف شديد بين الناس ، و تشتّت في دينهم ، و تغيّر من حالهم حتّى يتمنّى المتمنّي الموت صباحا و مساء من عظم ما يرى من كلب الناس و أكل بعضهم بعضا ، و خروجه إذا خرج عند الإياس ،

و القنوط ، فيا طوبى لمن أدركه ، و كان من أنصاره إلى أن قال :

يقوم بأمر جديد ، و سنّة جديدة ، و قضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلاّ القتل 3 .

-----------
( 1 ) جمهرة اللغة 2 : 73 ، و النقل بتصرف يسير .

-----------
( 2 ) لم أجده في الشعر و الشعراء .

-----------
( 3 ) غيبة النعماني : 154 .

[ 192 ]

هذا ، و في ( شعراء ابن قتيبة ) : سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معد يكرب عن الحرب . فقال : مرّة المذاق إذا كشفت عن ساق ، من صبر فيها عرف ، و من ضعف فيها تلف ، و هي كما قال الشاعر :

الحرب أوّل ما تكون فتيّة
تسعى بزينتها لكلّ جهول

حتّى إذا استعرت و شبّ ضرامها
عادت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزّت رأسها و تنكّرت
مكروهة للشم و التقبيل 1

« ألا و في غد و سيأتي غد بما لا تعرفون » صدّر الخبر الّذي أراد عليه السلام بيانه بكلمة « ألا » و عرّضه بجملة « و سيأتي . . . » دلالة على عظمه و أهميته .

« يأخذ الوالي من غيرها عمّالها على مساوي أعمالها » قال ابن أبي الحديد :

هذا كلام منقطع عمّا قبله ، و قد كان تقدّم ذكر طائفة من الناس ذات ملك و إمرة فذكر عليه السلام أنّ الوالي يعني الإمام الذي يخلقه اللّه في آخر الزمان يأخذ عمّال هذه الطائفة على سوء أعمالهم 2 .

قلت : لم يعلم انقطاعه ، و لو أراد الرضي عليه السلام قطع الكلام لقال : « منها » كما قال هنا « منها : حتّى تقوم الحرب . . . » و كما قال بعد « منها » : « كأنّي به قد نعق بالشام . . . » لكن الظاهر كون الكلام مصحّفا و أنّ الأصل : « يأخذ الوالي غير عمّالها على مساوي أعمالها » .

فروى ( العلل و العيون ) : أنّ أبا الصلت الهروي قال للرضا عليه السلام : ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنّ القائم عليه السلام إذا خرج قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها ؟ فقال عليه السلام : هو كذلك . قال : فقول اللّه تعالى و لا تزر وازرة وزر اُخرى 3 ما معناه ؟ فقال صدق اللّه في جميع أقواله ، لكن ذراري

-----------
( 1 ) الشعر و الشعراء : 138 .

-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 388 .

-----------
( 3 ) فاطر : 18 .

[ 193 ]

قتلة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم ، و يفتخرون بها ، و من رضي شيئا كان كمن أتاه ، و لو أنّ رجلا قتل في المشرق . فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند اللّه تعالى شريك القاتل ، و إنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم . قال : بأيّ شي‏ء يبدأ القائم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة و يقطع أيديهم لأنّهم سرّاق بيت اللّه تعالى 1 .

« و تخرج له الأرض من أفاليذ » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( أفاليذ ) بدون « من » كما في الثلاثة 2 ، و هي جمع فلذة أي : قطعة .

« كبدها » و في الخبر « إنّ من أشراط الساعة أن ترمي الأرض بأفلاذ كبدها » 3 .

قال ابن أبي الحديد : قوله عليه السلام : « و تخرج له الأرض من أفاليذ كبدها » كناية عن الكنوز الّتي تظهر للقائم عليه السلام بالأمر و قد جاء ذكر ذلك في خبر مرفوع ، و لفظه : « و قاءت له الأرض أفلاذ كبدها » و قد فسّر قوله تعالى :

و أخرجت الأرض أثقالها 4 بذلك في بعض التفاسير 5 .

قلت : و في خبر عن الباقر عليه السلام يجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض و ظهرها . فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام ، و سفكتم فيه الدماء الحرام ، و ركبتم فيه ما حرّم اللّه تعالى فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله و يملأ الأرض عدلا و قسطا و نورا ، كما ملئت ظلما و جورا و شرّا 6 .

-----------
( 1 ) علل الشرائع 1 : 299 ح 1 ، و عيون الاخبار 1 : 212 ح 5 .

-----------
( 2 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد 2 : 386 ، لكن لفظ شرح ابن ميثم 3 : 169 مثل المصرية .

-----------
( 3 ) أخرجه أبو يعلى في مسنده و ابن أبي شيبة في مسنده و ابن حبّان في صحيحه ، عنهم المطالب العالية و ذيله 4 : 353 ح 4583 ، و غيرهم و النقل بالمعنى .

-----------
( 4 ) الزلزلة : 2 .

-----------
( 5 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 388 .

-----------
( 6 ) أخرجه النعماني في الغيبة : 157 .

[ 194 ]

هذا ، و في ( تاريخ الطبري ) : أنّ أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصابوا راوية لقريش فأتوا بهم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بدر . فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لهم : من فيهم من أشراف قريش ؟ قالوا : عتبة و شيبة إبنا ربيعة ، و أبو جهل بن هشام ، و أبو البختري بن هشام و حكيم بن حزام ، و نوفل بن خويلد ، و الحارث بن عامر ،

و طعيمة بن عدي و النضر بن حارث ، و زمعة بن الأسود ، و اميّة بن خلف ،

و نبيه ، و منبه ابنا الحجّاج ، و سهيل بن عمرو ، و عمرو بن عبدود . فأقبل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الناس . فقال : هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها 1 .

« و تلقي إليه سلما مقاليدها » أي : مفاتيحها ، و مثله الأقلاد جمع الاقليد قال الشاعر :

و اعطته بالأقلاد كلّ قبيلة
و مدّت إليه بالركاب الجحاجح 2

و في ( تفسير غريب القرآن للسجستاني ) : مقاليد : جمع مقليد ، و مقلاد و مقلد و يقال : هو جمع لا واحد له من لفظه ، و هي الإقليد أيضا الواحد أقليد .

و في الجمهرة : الإقليد المفتاح فارسي معرّب ، و الأقاليد و المقاليد المفاتيح ، و لم يتكلّم فيها الأصمعي ، و قال غيره : واحد المقاليد مقلد ، و مقليد ، و واحد الأقاليد إقليد 3 .

في خبر عليّ بن عقبة عن أبيه قال : إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل ،

و ارتفع في أيّامه الجور ، و آمنت به السبل ، و أخرجت الأرض بركاتها ، و ردّ كلّ حقّ إلى أهله ، و لم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام و يعترفوا بالايمان اما سمعت اللّه سبحانه يقول : و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا

-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 2 : 142 ، سنة 2 ، و النقل بتلخيص .

-----------
( 2 ) أورده أساس البلاغة : 375 ، مادة ( قلد ) .

-----------
( 3 ) جمهرة اللغة 2 : 392 .

[ 195 ]

و كرها 1 و حكم بين الناس بحكم داود ، و حكم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحينئذ تظهر الأرض كنوزها ، و تبدي بركاتها ، و لا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته . . . 2 .

و روى ( الاكمال ) : عن أبي الجارود عن الباقر عليه السلام إذا خرج القائم عليه السلام من مكّة ينادي مناديه : ألا لا يحملنّ أحد طعاما و لا شرابا ، و حمل معه حجر موسى بن عمران عليه السلام و هو وقر بعير . فلا ينزل منزلا إلاّ انفجرت منه عيون ، فمن كان جائعا شبع ، و من كان ظمآنا روي و رويت دوابهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة 3 .

« فيريكم كيف عدل السيرة » روى النعماني عن عبد اللّه بن عطا قال : سألت شيخا من الفقهاء يعني أبا عبد اللّه عليه السلام عن سيرة المهدي عليه السلام فقال : يصنع كما صنع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يهدم ما كان قبله كما هدم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر الجاهلية ،

و يستأنف الإسلام جديدا 4 .

و في ( الإرشاد ) : و أمّا سيرة القائم عليه السلام عند قيامه . فروى المفضّل عن الصادق عليه السلام إذا أذن اللّه تعالى للقائم عليه السلام في الخروج صعد المنبر .

فدعا الناس إلى نفسه ، و ناشدهم باللّه ، و دعاهم إلى حقّه ، و أن يسير فيهم بسنّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يعمل فيهم بعمله . فيبعث اللّه تعالى جبرئيل حتّى يأتيه .

فينزل على الحطيم يقول : إلى أيّ شي‏ء تدعو ؟ فيخبره القائم عليه السلام فيقول جبرئيل : أنا أوّل من يبايعك ابسط يدك . فيمسح على يده ، و قد وافاه ثلاثمئة ،

و بضعة عشر رجلا . فيبايعونه و يقيم بمكّة حتّى يتمّ أصحابه عشرة آلاف

-----------
( 1 ) آل عمران : 83 .

-----------
( 2 ) رواه المفيد في الأرشاد : 364 .

-----------
( 3 ) كمال الدين 2 : 670 ح 17 .

-----------
( 4 ) غيبة النعماني : 152 .

[ 196 ]

نفس . ثمّ يسير منها إلى المدينة .

و روى أبو بصير عنه عليه السلام قال : إذا قام القائم عليه السلام هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه ، و حوّل المقام إلى الموضع الّذي كان فيه .

و روى عليّ بن عقبة عن أبيه عنه عليه السلام قال : إنّ دولتنا آخر الدول ، و لم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء ، و هو قول اللّه و العاقبة للمتقين 1 .

« و يحيي ميّت الكتاب و السنّة » روى النعماني عن أبي جعفر عليه السلام قال :

كأنّني بدينكم هذا لا يزال مولّيا يفحص بدمه ثمّ لا يردّه عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت ، فيعطيكم في السنة عطاءين ، و يرزقكم في الشهر رزقين ، و تؤتون الحكمة في زمانه ، حتّى إنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه و سنّة رسول اللّه 2 .

و روى محمّد بن النعمان عنه عليه السلام قال : إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد ، و لم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلاّ هدمها ،

و جعلها جماء ، و وسّع الطريق الأعظم ، و كسر كلّ جناح خارج في الطريق ،

و أبطل الكنيف و الميازيب إلى الطرقات ، و لا يترك بدعة إلاّ أزالها ، و لا سنّة إلاّ أقامها .

و عنه عليه السلام إذا قام القائم عليه السلام ضرب فساطيط ، و يعلّم الناس القرآن على ما أنزل اللّه ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنّه يخالف فيه التأليف 3 .

و ممّا أخبر عليه السلام بالمهدي عليه السلام ما رواه النعماني عن الأصبغ قال : أتيت

-----------
( 1 ) الارشاد : 363 365 ، و النقل بتقطيع . و الآيات 128 من سورة الأعراف و 83 من سورة القصص .

-----------
( 2 ) غيبة النعماني : 158 .

-----------
( 3 ) الارشاد : 365 .

[ 197 ]

أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم فوجدته مفكّرا ينكت في الأرض . فقلت : يا أمير المؤمنين أرغبة منك فيها ؟ فقال لا و اللّه ما رغبت فيها و لا في الدنيا ساعة قط ،

و لكن فكري في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الّذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا . له حيرة و غيبة يضلّ فيها أقوام ، و يهتدي فيها آخرون . فقلت : يا أمير المؤمنين فكم تكون تلك الحيرة و الغيبة ؟ فقال : سبت من الدهر . فقلت ان هذا لكائن ؟ فقال : نعم . كما انّه مخلوق .

قلت : أدرك ذلك الزمان ؟ قال : قال : أنّى لك يا أصبغ بهذا الأمر . اولئك خيار هذه الامة مع أبرار هذه العترة . قلت نعم ما يكون بعد ذلك ؟ قال : ثمّ يفعل اللّه ما يشاء فانّ له إرادات ، و غايات ، و نهايات 1 .

و روى أيضا : أنّه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا . فقال : « إذا درج الدارجون ، و قلّ المؤمنون ، و ذهب المجليون ، فهناك » فقال : يا أمير المؤمنين ممّن الرجل ؟ قال : من بني هاشم من ذروة طود العرب ، و بحر مفيضها إذا وردت و مجفو أهلها إذا أتت ، و معدن صفوتها إذا تكدّرت . لا يجبن إذا المنايا هلعت ، و لا يجوز إذا المنون اكتنفت ، و لا ينكل إذا الكماة اصطرعت . مشمر مغلولب ظفر ضرغامة . حصد مخدش ذكر ،

سيف من سيوف اللّه ، رأس قتم ، بسق رأسه في باذخ السؤدد ، و غارز مجده في أكرم المحتد . فلا يصرفنّك عن تبعته صارف عارض ، ينوص إلى الفتنة كلّ مناص ، إن قال فشرّ قائل ، و ان سكت فذو دعائر .

ثمّ رجع إلى صفة المهدي عليه السلام فقال : أوسعكم كهفا و أكثركم علما ،

و أوصلكم رحما . اللّهم فاجعل بعثه خروجا من الغمّة ، و اجمع به شمل الامّة فان خار اللّه لك فاعزم إلى أن قال :

-----------
( 1 ) غيبة النعماني : 41 و أيضا الكافي 1 : 338 ح 7 .

[ 198 ]

هاه و أومأ إلى صدره شوقا إلى رؤيته 1 .

و روى ابن بابويه مسندا عن أبي جعفر عليه السلام أنّ عمر قال لأمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ قال : أمّا اسمه فلا . إنّ حبيبي و خليلي عهد إليّ لا احدّث باسمه حتّى يبعثه اللّه تعالى ، و هو ممّا استودع اللّه تعالى رسوله في علمه 2 .