6

الحكمة ( 194 ) و كان عليه السلام يقول :

مَتَى أَشْفِي غَيْظِي إِذَا غَضِبْتُ أَ حِينَ أَعْجِزُ عَنِ اَلاِنْتِقَامِ فَيُقَالُ لِي لَوْ صَبَرْتَ أَمْ حِينَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِي لَوْ عَفَوْتَ أقول : هذا نظير قوله عليه السلام في عدم المورد في الحذر من الموت ، لأنّه ان لم يقدر في ذاك الوقت فهو لغو ، و ان قدر لم يقدر على الفرار .

و قالوا : لمّا أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتل أحد اسراء قريش في بدر قالت أخته ابياتا منها قولها :

ما ضرّك لو مننت و ربّما
منّ الفتى و هو المغيظ المحنق

-----------
( 1 ) الكافي 7 : 268 ح 41 .

[ 288 ]

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لو بلغني أبياتها قبل قتله ما قتلته 1 .

هذا ، و قالوا أسر معاوية يوم صفين رجلا من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا اقيم بين يديه قال : الحمد للّه الذي أمكنني منك ، فقال الرجل :

لا تقل ذلك فإنّها مصيبة ، قال : و أية نعمة أعظم من أن يكون ظفرت برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي ، اضربا عنقه . فقال الرجل : اللّهمّ اشهد أنّ معاوية لم يقتلني فيك ، و لا لأنّك ترضى قتلي ، و لكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا ، فان فعل فافعل به ما هو أهله ، و ان لم يفعل فافعل به ما أنت أهله ، فقال معاوية : قاتلك اللّه لقد سببت فأوجعت في السبّ و دعوت فأبلغت في الدعاء ، خليا سبيله .

و قالوا : ضرب الحجّاج أعناق أسارى أتي بهم ، فقال رجل منهم : و اللّه لئن كنّا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة فقال الحجاج : أفّ لهذه الجيف ،

أما كان فيهم من يحسن مثل هذا ؟ و كفّ عن القتل .

هذا و صفة عفوه عليه السلام كباقي صفاته ، عجيبة ، فقد ظفر بمروان و عداوته له عليه السلام و جساراته معه عليه السلام أيام عثمان لا سيّما في قضية أبي ذر و هي معروفة فعفا عنه .

و عفا عن ابن الزبير مع انّه كان يبغضه و يسبّه و قال عليه السلام فيه : إنّ أباه الزبير كان منهم ، و أنّه هو الذي قطعه عنهم .

و عفوه عليه السلام عن عائشة و أهل البصرة لا يحتاج إلى بيان .

و من كرم أخلاقه عليه السلام معاملته في الحرب مع طلحة بن عثمان يوم احد و عمرو بن عبد ود يوم الخندق و عمرو بن العاص و بسر بن ارطأة يوم صفين .

-----------
( 1 ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه 14 : 171 و 172 ، و النقل بتصرف يسير .

[ 289 ]

و في ( تأريخ الطبري ) في الأول ضرب علي عليه السلام طلحة صاحب لواء المشركين فقطع رجله ، فسقط ، فانكشفت عورته ، فقال : أنشدك اللّه و الرحم يا ابن عم فتركه فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال لعليّ عليه السلام أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : ان ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه 1 .

-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 2 : 194 ، سنة 3 .

[ 291 ]