3

الخطبة ( 223 ) و من دعاء له عليه السّلام :

اَللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَ لاَ تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقَكَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَ أُفْتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ اَلْإِعْطَاءِ وَ اَلْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ 24 28 3 : 26 قول المصنف : « و من دعاء له عليه السّلام » و ردت في المكارم من الصحيفة ،

فقرات بلفظه و معناه و فقرات بمعناه فقط .

أما الاولى : فما فيه « اللّهم صلّ على محمّد و آله ، و صن وجهي باليسار ،

و لا تبتذل جاهي بالإقتار ، فاسترزق أهل رزقك ، و استعطي شرار خلقك ،

فأفتتن بحمد من أعطاني ، و ابتلي بذم من منعني ، و أنت من دونهم ولي الإعطاء و المنع » 1 .

و أما الثانية : فما فيه « اللّهمّ اجعلني أصول بك عند الضرورة ، و أسألك عند الحاجة ، و أتضرّع إليك عند المسكنة ، و لا تفتنّي بالاستعانة بغيرك إذا اضطررت ، و لا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت ، و لا بالتضرّع إلى من دونك إذا رهبت ، فاستحق بذلك خذلانك و منعك و إعراضك يا أرحم الراحمين » 2 .

و لا غرو في توافقهما و تقاربهما ، فكلاهما مؤيّد بالروح القدسي .

قوله عليه السّلام « اللّهم صن وجهي باليسار » صون الوجه أعزّ شي‏ء عند الكرام ،

قال أبو تمام :

-----------
( 1 ) الصحيفة السجادية : 111 دعاء 20 .

-----------
( 2 ) الصحيفة السجادية : 105 دعاء 20 .

[ 16 ]

و ما ابالي و خير القول أصدقه
حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي

و قال آخر :

ما جود كفّك إن جادت و إن بخلت
من ماء وجهي و قد أخلقته عوض

و عن الصادق عليه السّلام : المعروف ابتداء ، و أما من أعطيته بعد المسألة فانّما كافيته بما بذل لك من وجهه ، يبيت ليلته أرقا متململا بين الرجاء و اليأس لا يدري أين يتوجّه لحاجته ثم يعزم بالقصد لها ، فيأتيك و قلبه يرجف ، و فرائصه ترعد قد ترى دمه في وجهه لا يدري أيرجع بكآبة أو فرح 1 .

و مراده عليه السّلام باليسار : الكفاف ، المطلوب عند أولياء اللَّه حتى لا يحتاج إلى الخلق ، لا الغنى المطغى ، المطلوب عند أهل الدنيا .

« و لا تبذل جاهي بالإقتار » أي : الإفتقار و ضيق المعاش .

في ( الكافي ) عن لقمان قال لابنه : يا بنيّ ذقت الصبر ، و أكلت لحاء الشجر ، فلم أجد شيئا هو أمرّ من الفقر ، فان بليت به يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك و لا ينفعوك بشي‏ء ، إرجع إلى الذي ابتلاك به فهو أقدر على فرجك ،

و سله من ذا الذي سأله فلم يعطه أو وثق به فلم ينجه 2 .

« فاسترزق طالبي رزقك » و قبيح أن يدع الإنسان الرازق ، و يدعو المرزوق ،

فكما لا خالق غيره ، لا رازق سواه إن اللَّه هو الرّزّاق ذو القوّة المتين 3 .

« و استعطف شرار خلقك » فان أكثر النّاس لئام و شرار ، و الكرام و الأبرار قليلون ، فإذا ابتلي بالإقتار يضطر غالبا الى استعطاف الأشرار .

روي في ( الكافي ) ، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : الأيدي ثلاث : يد اللَّه العليا ، و يد

-----------
( 1 ) أخرجه الكليني في الكافي 4 : 23 ح 2 .

-----------
( 2 ) الكافي 4 : 22 ح 8 .

-----------
( 3 ) الذاريات : 58 .

[ 17 ]

المعطي التي تليها ، و يد المعطى أسفل الأيدي . فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم ، إنّ الأرزاق دونها حجب ، فمن شاء قنى حياءه و أخذ رزقه ، و من شاء هتك الحجاب و أخذ رزقه ، و الذي نفسي بيده لئن يأخذ أحدكم جبلا ثمّ يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به السوق فيبيعه بمدّ من تمر و يأخذ ثلثه و يتصدّق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه .

و عن الصادق عليه السّلام : جاءت فخذ من الأنصار إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فقالوا : لنا إليك حاجة . فقال : هاتوا ، قالوا : عظيمة تضمن لنا على ربّك الجنّة ؟

فنكس صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال : أفعل ذلك بكم على ألا تسألوا أحدا شيئا ، فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه ، و يكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب و عنه عليه السّلام : رحم اللَّه عبدا عفّ و تعفّف و كفّ عن المسألة ، فإنّه يتعجّل الدنية في الدنيا و لا يغنى الناس عنه شيئا . ثم تمثّل عليه السّلام ببيت حاتم :

إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى
إذا عرفته النفس و الطمع الفقر 1

« و ابتلى بحمد من أعطاني و افتن » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

« و افتتن » كما ( في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) 2 « بذمّ من منعني » و حمد الناس كذمّهم مذموم ، و فاعله ملوم .

« و أنت من وراء ذلك كلّه وليّ الإعطاء و المنع » . في ( الفقه الرضوي ) : روى أنّ اللَّه عز و جل أوحى إلى داود عليه السّلام : ما اعتصم بي عبد من عبادي ، دون أحد

-----------
( 1 ) الكافي 4 : 20 و 21 ح 3 و 5 و 6 .

-----------
( 2 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد 11 : 255 ، لكن في شرح ابن ميثم 4 : 88 نحو المصرية .

[ 18 ]

من خلقي ، عرفت ذلك من نيّته ، ثم تكيده أهل السماوات و الأرض و ما فيهنّ ، إلاّ جعلت له المخرج من بينهنّ ، و ما اعتصم عبد من عبيدي بأحد من خلقي دوني ،

عرفت ذلك من نيّته ، إلاّ قطعت أسباب السماوات من يديه ، و أسخت الأرض من تحته ، و لم أبال بأي واد هلك .

و فيه : و روي عن العالم عليه السّلام يقول تبارك و تعالى : و عزّتي و جلالي ،

و ارتفاعي في علوي ، لا يؤثر عبد هواي على هواه ، إلاّ جعلت غناه في قلبه ،

و همّه في آخرته ، و كففت عليه ضيعته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ،

و كنت له من وراء حاجته ، و أتته الدنيا و هي راغمة . و عزّتي و جلالي ،

و ارتفاعي في علو مكاني ، لا يؤثر عبد هواه على هواي ، إلاّ قطعت رجاءه ، و لم أرزقه منها إلاّ ما قدرت له .

و روي أنّ بعض العلماء كان يقول : سبحان من لو كانت الدنيا خيرا كلّها أهلك فيها من أحبّ ، سبحان من لو كانت الدنيا شرّا كلّها أنجى منها من أراد 1 .

هذا ، و واضح أنّ الخبر في جملة « و أنت من وراء ذلك كلّه ولي الإعطاء و المنع » إنّما هو « وليّ » و « من وراء » متعلّق به كقوله « من دونهم » في الصحيفة في قوله « و أنت من دونهم ولي الإعطاء و المنع » 2 ، و جعل ابن أبي الحديد « من وراء ذلك » الخبر و قال « و انت من وراء ذلك » مثل قولك للملك العظيم « هو من وراء وزرائه » ، فيكون « وليّ » خبرا بعد خبر ، و يجوز أن يكون « وليّ » هو الخبر و « من وراء » حالا الخ 3 . و كما ترى .

« إنّك على كلّ شي‏ء قدير » فتقدر على صون وجهي حتّى لا أحتاج إلى

-----------
( 1 ) أخرجه صاحب فقه الرضا فيه : 358 و 359 ، و الأحاديث الثلاثة أخرجها البرقي في المحاسن ، عنه مشكوة الأنوار : 16 و 17 و 264 ، و الأول الكليني في الكافي 2 : 63 ح 1 .

-----------
( 2 ) الصحيفة السجادية : 111 دعاء 20 .

-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 11 : 256 .

[ 19 ]

غيرك فافعل ذلك بي .

و في ( الفقه الرضوي ) : نروي أنّ رجلا أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ليسأله ، فسمعه و هو يقول : « من سألنا أعطيناه و من استغنى أغناه اللَّه » ، فانصرف و لم يسأله ،

ثم عاد إليه فسمع مثل مقالته فلم يسأله ، حتى فعل ذلك ثلاثا ، فلما كان في اليوم الثالث مضى و استعار فأسا و صعد الجبل فاحتطب ، و حمله إلى السوق ،

فباعه بنصف صاع من شعير ، فأكله هو و عياله ، ثم دام على ذلك حتى جمع ما اشترى به فأسا ، ثم اشترى بكرين و غلاما و أيسر ، فأتى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فأخبره فقال : « أ ليس قلنا من سألنا أعطيناه و من استغنى أغناه اللَّه » 1 .