الحكمة ( 81 ) و قال عليه السّلام :
قِيمَةُ كُلِّ اِمْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ قال ؟ الرضي ؟ : و هي الكلمة التي لا تصاب لها قيمة و لا توزن بها حكمة و لا تقرن إليها كلمة أقول : رواه ( العيون و الخصال و المعاني و أمالي الشيخين و الكافي ) ،
و رواه أبو هلال العسكري في ( صناعتيه ) ، و رواه الجاحظ في ( بيانه ) ، و رواه الحموي في ( معجمه ) ، و رواه ابن عبد ربه في ( عقده ) ، و رواه الخطيب في أحمد بن محمد ابن جناح ، و رواه ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) ، و رواه ( الشعراء ) 3 .
-----------
( 1 ) الكافي 2 : 54 و 55 ح 1 و 2 و 4 .
-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 18 : 94 .
-----------
( 3 ) رواه الصدوق في عيون الأخبار 2 : 53 ح 204 ، و ابن قتيبة في الشعر و الشعراء : ، و يأتي تخريج الباقي في مواضعه .
[ 380 ]
روى ( الكافي ) في نوادر كتاب عقله مسندا عن ابن عائشة البصري رفعه ان عليا عليه السّلام قال في بعض خطبه : ايها الناس ، اعلموا انّه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ، و لا بحكيم من رضى بثناء الجاهل عليه ، الناس ابناء ما يحسنون ، و قدر كلّ امرئ ما يحسن ، فتكلموا في العلم تبين أقداركم 1 .
و روى عنه عليه السّلام قال : أقل الناس قيمة أقلّهم علما ، اذ قيمة كلّ امرئ ما يحسنه ، و كفى بالعلم شرفا انّه يدعيه من لا يحسنه و يفرح إذا نسب إليه ،
و كفى بالجهل ضعة ، انّه يتبرأ منه من هو فيه ، و يغضب إذا نسب إليه 2 .
و روي ( المعاني ) : ان الباقر عليه السّلام قال للصادق : اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم و معرفتهم ، فان المعرفة هي الدراية للرواية ، و بالدرايات للروايات يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان ، اني نظرت في كتاب لعليّ عليه السّلام فوجدت فيه « ان قيمة كلّ امرئ و قدره معرفته » ان اللَّه تعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا 3 .
و في معجم الحموي قال علي عليه السّلام : « قيمة كل انسان ما يحسن » ، فنظمه شاعر و قال :
لا يكون الفصيح مثل العيي
لا و لا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء قدر ما يحسن المرء
قضاء من الامام علي 4
و قال العسكري في ( صناعتيه ) : وجد ابن طباطبا قول علي عليه السّلام : « قيمة كلّ امرئ ما يحسنه » ، فقال :
فيا لائمي دعني اغالي بقيمتي
فقيمة كلّ امرئ ما يحسنه
-----------
( 1 ) الكافي 1 : 50 ح 14 .
-----------
( 2 ) رواه ابن طلحة في مطالب السؤول : 49 .
-----------
( 3 ) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار : 1 ح 2 .
-----------
( 4 ) معجم الادباء 1 : 66 .
[ 381 ]
و قال السبط في ( تذكرته ) : و من كلام علي عليه السّلام فيما رواه السدي عنه :
« قيمة كل امرئ ما يحسنه » ، و من هاهنا أخذ القائل :
قال علي بن أبي طالب
و هو الامام العالم المتقن
كلّ امرئ قيمته عندنا
و عند أهل الفضل ما يحسن 1
و تأتي روايات الباقين .
قول المصنّف : ( و قال عليه السّلام ) قاله على ما قال ابن عبد ربه لصعصعة ، ففي ( عقده ) : كتب صعصعة بن صوحان إليه عليه السّلام يسأله في شيء ، فوقع في كتابه « قيمة كلّ امرئ ما يحسنه » .
قوله عليه السّلام « قيمة كل امرئ ما يحسنه » في ( المعجم ) : قال سعيد بن سلم :
دخلت على الرشيد فبهرني هيبة و جمالا ، فلما لحن خف في عيني .
و قال الواقدي : صلّى رجل من آل الزبير خلف المنصور و قرأ ألهاكم التكاثر 2 فلحن في موضعين ، فلما سلم التفت الزبيري الى رجل كان الى جانبه فقال : ما كان أهون هذا القرشي على أهله .
و قال أبو عمرو الشيباني : تكلّم المنصور في مجلس فيه اعرأبي فلحن ،
فصر الاعرأبي اذنيه ، فلحن مرة اخرى أعظم من الاولى ، فقال الاعرأبي : أف لهذا ما هذا ، ثم تكلّم فلحن في الثالثة ، فقال الاعرأبي : اشهد لقد و ليت هذا الأمر بقضاء و قدر .
( قال الرضي ) من الغريب ان بيان الرضي ليس في ( ابن ميثم ) 3 رأسا . و لعله سقط من النسخة . و كيف كان فقوله « قال الرضي » ليس
-----------
( 1 ) تذكرة الخواص : 154 .
-----------
( 2 ) التكاثر : 1 .
-----------
( 3 ) شرح ابن ميثم 5 : 281 .
[ 382 ]
كلام المصنف لخلو الخطية عنه .
( و هي ) هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « هذه » كما في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) 1 ( الكلمة التي لا تصاب لها قيمة ) و يكفيها قيمة انّه صدقها اللَّه تعالى .
روى الشيخ في ( أماليه ) مسندا عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن آبائه عليهم السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : قلت أربعا أنزل تعالى تصديقي في كتابه لها قلت : « المرء مخبوء تحت لسانه فاذا تكلّم ظهر » ، فأنزل تعالى : و لتعرفنهم في لحن القول 2 ، و قلت : « من جهل شيئا عاداه » ، فأنزل تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه 3 ، و قلت : « قيمة كل امرئ ما يحسن » ،
فأنزل تعالى في قصة طالوت : ان اللَّه اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم 4 ، و قلت : « القتل يقل القتل » ، فأنزل تعالى : و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب 5 .
( و لا توزن بها حكمة ) روى ( الخصال ) مسندا عن الشعبي قال : تكلم علي عليه السّلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة ، و أيتمن جواهر الحكمة ، و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منها في المناجاة ، و ثلاث منها في الحكمة ، و ثلاث منها في الأدب ، فأما اللاتي في المناجاة فقال : « الهي كفى لي عزا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب ، فاجعلني كما تحب » ، و اما اللاتي في الحكمة فقال : « قيمة
-----------
( 1 ) شرح ابن أبي الحديد 18 : 230 .
-----------
( 2 ) محمد : 30 .
-----------
( 3 ) يونس : 39 .
-----------
( 4 ) البقرة : 247 .
-----------
( 5 ) أمالي أبي علي الطوسي 2 : 108 ، جزء 17 . و الآية 179 من سورة البقرة .
[ 383 ]
كلّ امرئ ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه » ،
و اما اللاتي في الأدب فقال : « امنن على من شئت تكن أميره ، و احتج الى من شئت تكن أسيره ، و استغن عمن شئت تكن نظيره » 1 .
« و لا تقرن اليها كلمة » روى المفيد في ( أماليه ) : ان الخليل بن أحمد قال :
أحث كلمة على طلب العلم قول علي عليه السّلام : « قدر كلّ امرئ ما يحسن » 2 .
و روى الخطيب أن الجاحظ قال : لا أعلم في كلام الناس كلمة أحكم من هذه الكلمة ، أي « قيمة كلّ امرئ ما يحسن » 3 .
و في ( بيان الجاحظ ) : قال علي بن أبي طالب عليه السّلام « قيمة كلّ امرئ ما يحسن » ، فلو لم تقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ،
و مجزية مغنية ، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية ، و غير مقصرة عن الغاية ،
و أحسن الكلام ما كان يغنيك قليله عن كثيره ، و معناه في ظاهر لفظه ، و كأن اللَّه تعالى قد ألبسه من الجلالة ، و غشاه من نور الحكمة ، على حسب نيّة صاحبه ،
و تقوى قائله ، فإذا كان المعنى شريفا ، و اللفظ بليغا ، و كان صحيح الطبع بعيدا من الاستكراه ، و منزها عن الاخلال مصونا عن التكلف ، صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة ، و متى فصلت الكلمة على هذه الشريطة ، و نفذت من قائلها على هذه الصفة أصحبها اللَّه من التوفيق ، و منحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة ، و لا يذهل عن فهمها عقول الجهلة 4 .
و فيه أيضا : أجمعوا على أنهم لم يجدوا كلمة أقل حرفا ، و لا أكثر ريعا ،
و لا أعم نفعا ، و لا أحث على بيان ، و لا أدعى إلى تبيين ، و لا أهجر لمن ترك
-----------
( 1 ) الخصال 2 : 420 ح 14 .
-----------
( 2 ) رواه أبو علي الطوسي في أماليه 2 : 108 ، جزء 17 عن طريق المفيد لكن لم يوجد في أماليه .
-----------
( 3 ) تاريخ بغداد 5 : 35 .
-----------
( 4 ) البيان و التبيين 1 : 106 .
[ 384 ]
التفهم و قصر في الافهام من قول علي عليه السّلام : « قيمة كلّ امرئ ما يحسنه » 1 .