الخطبة ( 30 ) و من كلام له عليه السّلام في معنى قتل عثمان :
لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَ مَنْ خَذَلَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَ أَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اِسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ اَلْأَثَرَةَ وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ اَلْجَزَعَ وَ لِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي اَلْمُسْتَأْثِرِ وَ اَلْجَازِعِ أقول : رواه ( رسائل الكليني ) جزء كتاب كتبه عليه السّلام ليقرأ على الناس لمّا سألوه عن أبي بكر ، و عمر ، و عثمان بعد فتح معاوية لمصر ، و قتل محمّد بن أبي بكر ، رواه مع زيادات ، و هذا نصّه : و أمّا أمر عثمان ، فكأنّه علم من القرون الأولى علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي و لا ينسى 2 . خذله أهل بدر ،
و قتله أهل مصر . و اللّه ما أمرت و لا نهيت و لو أنّني أمرت كنت قاتلا ، و لو أنّي نهيت كنت ناصرا ، و كان الأمر لا ينفع فيه العيان و لا يشفى منه الخبر ، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه ، و لا يستطيع من خذله أن يقول : نصره من هو خير منّي ، و أنا جامع أمره : استأثر فأساء الأثرة ، و جزعتم
-----------
( 1 ) أمالي المفيد : 114 115 ، الجمل : 122 .
-----------
( 2 ) طه : 52 .
[ 186 ]
فأسأتم الجزع ، و اللّه يحكم بينكم و بينه ، و اللّه ما يلزمني في دم عثمان تهمة 1 .
و رواه ( مسترشد ابن رستم الطبريّ ) أخصر منه 2 .
قول المصنّف : « و من كلام له عليه السّلام في معنى قتل عثمان » .
أقول : و له عليه السّلام كلام آخر في معنى قتله رواه ابن قتيبة في ( عيونه ) عن القاسم بن الحسن ، عن خالد بن خداش ، عن حمّاد ، عن مجالد ، عن عمير بن روذي قال : خطبنا عليّ عليه السّلام فقال : « لئن لم يدخل الجنّة إلاّ من قتل عثمان لا أخلها ، و لئن لم يدخل النار إلاّ من قتل عثمان لا أدخلها » ، فقيل له : ما صنعت فرّقت الناس فخطبهم فقال : إنّكم أكثرتم في قتل عثمان ، ألا و إنّ اللّه قتله و أنا معه 3 .
و قال ابن قتيبة : حدّثنا خالد ، عن حمّاد ، عن حبيب بن الشهيد عن محمّد بن سيرين قال : كلمة عربيّة ، و لها وجهان ، أي : و سيقتلني معه 4 .
و رواه ابن عبد البر في ( استيعابه ) إلى « و لئن لم يدخل النار إلاّ من قتل عثمان لا أدخلها » 5 .
و روى كاتب الواقدي كما في ( الشافي ) عن عبيدة السلماني ، قال :
سمعت عليّا عليه السّلام يقول : من كان سائلي عن دم عثمان ، فإنّ اللّه قتله و أنا معه ( 6 ) .
و أمّا ما نقله ابن قتيبة 7 عن ابن سيرين أنّه قال : معناه « و سيقتلني
-----------
( 1 ) لا وجود لرسائل الائمة للكليني ، و انما نقله قدس سرّه من مصادر أخرى .
-----------
( 2 ) مسترشد ابن رستم الطبري : 100 ، المطبعة الحيدرية ، النجف .
-----------
( 3 ) عيون الأخبار 2 : 206 207 ، العقد الفريد 5 : 52 .
-----------
( 4 ) عيون الأخبار 2 : 207 .
-----------
( 5 ) لم أجده في الاستيعاب .
-----------
( 6 ) الشافي في الإمامة 4 : 308 .
-----------
( 7 ) عيون الأخبار 2 : 207 .
[ 187 ]
معه » إن أراد بقوله : معناه هذا ، أنّه تعالى يتوفّاه لقوله تعالى : اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها . . . 1 فلا اختصاص به عليه السّلام ، و لم يصر جوابا ، و لم ينطبق عليه العربيّة ، و إن أراد غيره فليبيّنه .
و ممّا يوضّح أنّه عليه السّلام أراد ظاهره ما قاله كاتب الواقدي كما في ( الشافي ) : روى شعبة عن أبي حمزة الضبعي قلت لابن عبّاس : إنّ أبي أخبرني أنّه سمع عليّا عليه السّلام يقول : « ألا من كان سائلي عن دم عثمان ، فإنّ اللّه قتله و أنا معه » . قال : صدق أبوك . هل تدري ما يعني بقوله ؟ إنّما عنى أنّ اللّه قتله ، و أنا مع اللّه 2 .
و ما رواه نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) : أنّ عمرو بن العاص قال لعمّار :
ما ترى في قتل عثمان ؟ قال : فتح لكم باب كلّ سوء . قال عمرو : فعليّ قتله ؟ قال عمّار : بل اللّه ربّ عليّ قتله و عليّ معه . قال عمرو : أ كنت فيمن قتله ؟ قال : كنت مع من قتله و أنا اليوم أقاتل معهم . قال عمرو : فلم قتلتموه ؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه . فقال عمرو : ألا تسمعون ؟ قد اعترف بقتل عثمان . قال عمّار :
و قد قال فرعون قبلك لقومه : . . . ألا تستمعون 3 .
قوله عليه السّلام : « لو أمرت به لكنت قاتلا ، أو نهيت عنه لكنت ناصرا » في ( صفّين نصر ) : خرج جرير البجليّ أيّام كونه بالشام لمّا بعثه عليّ عليه السّلام إلى معاوية لأخذ البيعة يتجسّس الأخبار ، فإذا هو بغلام [ يتغنّى ] على قعود له ، و هو يقول :
حكيم و عمّار الشجا و محمّد
و أشتر و المكشوح جرّوا الدواهيا 4
-----------
( 1 ) الزمر : 42 .
-----------
( 2 ) الشافي في الإمامة 4 : 308 .
-----------
( 3 ) وقعة صفّين : 338 339 ، شرح ابن أبي الحديد 8 : 22 ، و الآية 25 من سورة الشعراء .
-----------
( 4 ) حكيم بن جبلة بن حصن العبدي كان من عمّال عثمان على السند ثمّ البصرة ، و قتل بها يوم الجمل . اسد الغابة 2 :
[ 188 ]
و قد كان فيها للزبير عجاجة
و صاحبه الأدنى أشاب النواصيا
فأمّا عليّ فاستغاث ببيته
فلا آمر فيها و لم يك ناهيا
فقال له جرير : يا بن أخي ، من أنت ؟ قال : أنا غلام من قريش ، و أصلي من ثقيف ، أنا ابن المغيرة بن الأخنس ، قتل أبي مع عثمان يوم الدار . فعجب جرير من قوله ، و كتب بشعره إلى عليّ عليه السّلام ، فقال عليّ عليه السّلام : و اللّه ما أخطأ الغلام شيئا 1 .
و في ( العقد الفريد ) : قال حسّان بن ثابت لعليّ : إنّك تقول : ما قتلت عثمان و لكن خذلته ، و لم آمر به و لكن لم أنه عنه . فالخاذل شريك القاتل ، و الساكت شريك القاتل .
و أخذ معنى كلام حسّان ، كعب بن جعيل التغلبي و كان مع معاوية في صفّين فقال :
و ما في عليّ لمستحدث
مقام سوى عصمة المحدثينا
و إيثاره لأهالي الذنوب
و رفع القصاص عن القاتلينا
إذا سيل عنه زوى وجهه
و عمّى الجواب على السائلينا 2
فليس براض و لا ساخط
و لا في النهاة و لا الآمرينا
و لا هو ساء و لا سرّه
و لا بدّ من بعض ذا أن يكونا 3 .
39 40 . و عمّار هو عمّار بن ياسر الصحابي ، و محمّد هو ابن أبي بكر ، و الأشتر لقب مالك بن الحارث ، و المكشوح هو المراديّ . قال الزبيدي في تاج العروس 7 : 76 : سمّي المكشوح المراديّ حلفا ، و نسبه في بجيلة ثمّ في بني أحمس ، و اسمه هبيرة بن هلال ، و يقال : عبد يغوث بن هبيرة بن الحارث . و في الروض الأنف : و إنّما سمّي مكشوحا لأنّه ضرب بسيف على كشحه .
-----------
( 1 ) وقعة صفين : 54 55 ، شرح ابن أبي الحديد 3 : 86 87 .
-----------
( 2 ) روى وجهه : صرفه و نحّاه . ( لسان العرب 6 : 119 ، مادة : زوى ) .
-----------
( 3 ) العقد الفريد 5 : 47 و البيت الآخر فيه هكذا :
و لا هو ساه و لا سرّه
و لا آمن بعض ذا أن يكونا
[ 189 ]
و في ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا اخبر عمرو بن العاص و هو بفلسطين ، أنّ عثمان قد قتل ، و أنّ الناس بايعوا عليّا عليه السّلام قال : فما فعل عليّ في قتلة عثمان ؟
قيل له : دخل عليه الوليد بن عقبة ، فسأله عن قتله ، فقال : ما أمرت و لا نهيت ، و لا سرّني و لا ساءني .
قال : فما فعل بقتلته ؟ فقيل له : آواهم . فقال عمرو : خلط و اللّه أبو الحسن .
ثمّ كتب عمرو إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان ، و من قتله ؟ فكتب إليه سعد : انّك سألتني عن قتل عثمان ، و إنّي اخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة ، و صقله طلحة ، و سمّه ابن أبي طالب و سكت الزبير بلسانه و أشار بيده ، و أمسكنا نحن ، و لو شئنا دفعنا عنه 1 .
و في ( العقد ) : قال العتبي : قال رجل من بني ليث : لقيت سعدا ، فقلت له : من قتل عثمان ؟ قال : سيف سلّته عائشة ، و شحذه طلحة ، و سمّه عليّ 2 .
و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال أبو ثور : كنت فيمن حاصر عثمان ، فكنت آخذ سلاحي و أضعه ، و عليّ عليه السّلام ينظر إليّ لا يأمرني و لا ينهاني ، فلمّا كانت البيعة له ، خرجت في أثره 3 .
و في ( صفّين نصر ) : طلب معاوية من عبيد اللّه بن عمر أن يشهد على عليّ عليه السّلام بقتل عثمان ، فقام و قال :
و لكنّه قد قرّب القوم جهده
و دبّوا حواليه دبيب العقارب
فما قال أحسنتم و لا قد أسأتم
و أطرق إطراق الشجاع المواثب 4
و في ( العقد ) عن قيس بن رافع قال : قال زيد بن ثابت : رأيت عليّا
-----------
( 1 ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1 : 47 48 ، و النقل بتصرف يسير .
-----------
( 2 ) العقد الفريد 5 : 46 .
-----------
( 3 ) الإمامة و السياسة 1 : 46 47 .
-----------
( 4 ) وقعة صفين : 82 84 ، شرح ابن أبي الحديد 3 : 100 101 ، و نقله الشارح بتلخيص .
[ 190 ]
مضطجعا في المسجد ، فقلت له : إنّ الناس يرون أنّك لو شئت رددت الناس عن عثمان . فجلس ثمّ قال : و اللّه ما أمرتهم بشيء و لا دخلت في شيء من شأنهم .
فأتيت عثمان فأخبرته ، فقال :
و حرّق قيس عليّ البلا
د حتّى إذا اضطرمت أحجما [ أجذما ] 1
و روى ( الشافي ) عن الواقدي ، عن الحكم بن الصلت ، عن عمّار ، عن أبيه ،
قال : رأيت عليّا عليه السّلام على منبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين قتل عثمان ، و هو يقول : ما أحببت قتله و لا كرهته ، و لا أمرت به و لا نهيت عنه 2 .
و عن ( كاتب الواقدي ) مسندا عن أبي خلدة [ جلدة ] قال : سمعت عليّا عليه السّلام و هو يخطب فذكر عثمان و قال : و اللّه الذي لا إله إلاّ هو ما قتلته ، و لا مالأت على قتله ، و لا ساءني 3 .
هذا ، و لعلّ قوله عليه السّلام في قتل عثمان : « ما أمرت و لا نهيت ، و لا رضيت و لا سخطت » في قبال قول أبي سفيان لمّا مثلت امرأته هند بعمّه حمزة في احد ،
فأشرف أبو سفيان على المسلمين و قال : « أما إنّها قد كانت فيكم مثلة ما أمرت بها و لا نهيت عنها ، و لا سرّتني و لا ساءتني » 4 .
هذا ، و في ( المروج ) : لمّا قتل الأمين قيل لزبيدة : ما يجلسك و قد قتل ابنك ؟ فقالت : و ما أصنع ؟ فقيل : تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان . فقالت : اخسأ لا أمّ لك ، ما للنساء و طلب الثأر ؟ ثمّ أمرت بثيابها فسوّدت ، و لبست مسحا من شعر ، و دعت بدواة و قرطاس ، و كتبت إلى
-----------
( 1 ) العقد الفريد لابن عبد رب 5 : 49 .
-----------
( 2 ) الشافي في الإمامة 4 : 307 308 .
-----------
( 3 ) المصدر نفسه 4 : 308 .
-----------
( 4 ) تاريخ الطبري 2 : 521 ، سنة 3 .
[ 191 ]
المأمون ما لقت من طاهر ، و قتله لابنها . فلما قرأ المأمون كتابها قال : اللّهمّ إنّي أقول كما قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام لمّا بلغه قتل عثمان : و اللّه ما أمرت به و لا نهيت عنه . . . 1 .
و من المضحك أنّ ابن أبي الحديد قال : لا يجوز أن يحمل كلامه عليه السّلام :
« لو أمرت به لكنت قاتلا ، أو نهيت عنه لكنت ناصرا » على ظاهره ، لما ثبت من عصمة دم عثمان . و أيضا ثبت في السير أنّه كان ينهى الناس عن قتله فيحمل لفظ النهي على المنع كما يقال : « الأمير ينهى عن نهب أموال الرعية » ، أي : يمنع ،
و حينئذ يستقيم الكلام لأنّه ما أمر بقتله و لا منع عن قتله ، و إنّما كان ينهى عنه باللسان ، و لا ينهى [ يمنع ] عنه باليد . و لأجل أشباه هذا الكلام كقوله : « ما سرّني و لا ساءني » . و قوله لمّا قيل له : أرضيت بقتله ؟ قال : لم أرض . فقيل له : أسخطت قتله ؟ فقال : لم أسخط . و قوله : « اللّه قتله و أنا معه » قال كعب أبياته و نقل تلك الأبيات و للكلّ تأويل يعرفه أولو الألباب 2 .
قلت : بل ينكره ذوات الأذناب فضلا عن أولي الألباب . و لو صحّ ما قاله لكان كلّ باطل حقّا ، و كلّ منكر معروفا .
و كيف يقول : نهى عليه السّلام عنه باللسان و عمّار يصيح بين يديه في صفّين :
« اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ، و يزعمون أنّه قتل مظلوما . و اللّه إن كان إلاّ ظالما لنفسه ، الحاكم بغير ما أنزل اللّه » 3 ؟
ثمّ إن كان المصريون و البصريون و الكوفيون الذين جاؤوا لقتله لا يطيعونه عليه السّلام هل كان عمّار لا يطيعه ، و هو الذي يقول له عليه السّلام : إن أمرتني أن
-----------
( 1 ) مروج الذهب 3 : 423 424 . و في المصدر : و اللّه ما قتلت ، و لا أمرت ، و لا رضيت .
-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 127 128 ، بتصرّف و تلخيص من الشارح .
-----------
( 3 ) وقعة صفين لابن مزاحم : 326 ، شرح ابن أبي الحديد 8 : 10 .
[ 192 ]
ألقي بنفسي في البحر لفعلت 1 . و هل كان محمّد بن أبي بكر لا يطيعه و هو كان أطوع له من ولده غير الحسنين عليهما السّلام 2 . و هل كان الأشتر لا يطيعه و كان عليه السّلام يقول : ليت في أصحابي عدّة مثله في إطاعته لي في كلّ كليّ و جزئيّ 3 .
و كيف جاهر عليه السّلام قبل خلافته بوجوب قتل عبيد اللّه بن عمر قاتل هرمزان العجميّ 4 ، و دافع في خلافته عن قتلة إمامهم الثالث ؟ و كيف يقول بعصمة دم عثمان و لمّا بعث معاوية شرحبيل بن السمط ،
و حبيب بن سلمة ، و معن بن يزيد إليه عليه السّلام قال له شرحبيل كما في ( الطبري ) و غيره : أ تشهد أنّ عثمان قتل مظلوما ؟ قال عليه السّلام : لا . قال شرحبيل : فمن لم يزعم أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء . ثمّ قام فانصرف . فقال عليّ عليه السّلام :
إنّك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين . و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون 5 .
و كيف لم يكن مباح الدم و لمّا كتب معاوية كما في ( العقد ) إليه عليه السّلام :
-----------
( 1 ) ذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 320 دعاء عمّار و أنّه قال : اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت إلى أن قال : اللهمّ و إنّي أعلم ممّا أعلمتني أنّي لا أعمل ( أعلم ) اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، و لو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته ، و نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج 5 : 253 .
-----------
( 2 ) سفينة البحار للمحدّث القمي رحمه اللّه 1 : 312 313 .
-----------
( 3 ) قال الإمام علي عليه السّلام في الأشتر : ليت فيكم مثله اثنين ، بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوّه [ عدوّي ] مثل رأيه ،
إذا لخفّت عليّ مؤونتكم . . .
وقعة صفّين : 521 ، تاريخ الطبريّ 5 : 59 ، سنة 38 ، الإرشاد 1 : 269 ، الكامل في التاريخ 3 : 163 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 240 ، بحار الأنوار ، ط الكمباني 8 : 505 ، 593 .
-----------
( 4 ) وقعة صفين : 186 .
-----------
( 5 ) وقعة صفين : 201 202 ، تاريخ الطبري 5 : 8 ، سنة 37 ، شرح ابن أبي الحديد : 24 ، و الآيتان 80 81 من سورة النمل .
[ 193 ]
قتلت ناصرك ، و استنصرت و اترك 1 فايم اللّه لأرمينّك بشهاب تذكيه الريح و لا تطفئه الماء ، فإذا وقع وقب 2 ، و إذا مسّ ثقب ، فلا تحسبنّني كسحيم ، أو عبد القيس ، أو حلوان الكاهن » كتب عليه السّلام إليه : ( ما قتل ابن عمّك غيرك ، و إنّي أرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه و أعظم من خطيئته ) 3 . غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : « خذله من أنا خير منه » ، و من خذله لا يستطيع أن يقول :
« نصره من هو خير منّي » . « فمن نصره » كان مروان بن الحكم ، و المغيرة بن الأخنس و نظراؤهما من المنافقين ، و « من خذله » كان منهم أجلاّء المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان فناصره لا يمكنه لوضوح فسقه ادّعاء كونه خيرا من خاذله ، كما أنّ خاذله لثبوت تديّنه لا يمكنه الإقرار على نفسه بكون ناصره خيرا منه .
و هذا الكلام ككلامه الأوّل المشتمل على عدم نهيه عليه السّلام عن قتله ، مع كونه عليه السّلام آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر باتّفاق المؤالف و المخالف دالّ على باحة قتله ، فإنّ حقّ الامور و باطلها يعلمان من متصدّيها فإذا كان ناصره لا يستطيع أن يدّعي تلك الدعوى ، و خاذله لا يستطيع أن يقرّ ذاك الإقرار ، يفهم أنّ جواز قتله كان بمثابة من الوضوح الذي لا يعتريه مرية ، و كيف لا و قاتلوه من الأجلّة الذين اعترف المخالف بجلالهم ، مثل عمّار الذي يكفي في جلاله قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المتواتر فيه : « عمّار تقتله الفئة الباغية » 4 . و قد أقرّ عمّار كما
-----------
( 1 ) يقال : وتر فلانا : أي قتل حميمه ، و أفزعه ، و كلّ من أدركته بمكروه فقد وترته . ( لسان العرب 15 : 205 مادة : وتر ) .
-----------
( 2 ) وقب الشيء يقب وقبا ، أي : دخل . ( الصحاح 1 : 234 ، مادة : وقب ) .
-----------
( 3 ) العقد الفريد لابن عبد ربه 5 : 82 .
-----------
( 4 ) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة . نذكر هنا أهمّ المصادر التي نقلت ذلك ، حسب الترتيب التاريخي :
وقعة صفين : 324 و 326 ، التفسير المنسوب إلى الامام العسكري : 625 ، سيرة ابن هشام 2 : 142 ، الطبقات الكبرى 1 : 241 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 188 ، تاريخ الطبري 10 : 59 ، العقد الفريد 5 : 89 ، عيون أخبار الرضا عليه السّلام ، مستدرك
[ 194 ]
مرّ بأنّه من قتلته ، و أنّهم قتلوه لأنّه أراد أن يغيّر دين اللّه 1 .
و قال ابن قتيبة : لما أرسل عليّ عليه السّلام عمّارا إلى الكوفة لنفر الناس إليه قال عمّار : يا أهل الكوفة إنّ كان غاب عنكم امورنا فقد انتهت إليكم أنباؤنا 2 ،
إنّ قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس ، و لا ينكرون ذلك ، و قد جعلوا كتاب اللّه بينكم و بين محاجّيهم ، فبكتابه أحيا اللّه من أحيا ، و أمات من أمات 3 .
و من قتلته محمّد بن أبي بكر ، و في ( الطبري ) : أنّ معاوية بن حديج لمّا قال لمحمّد بن أبي بكر : أقتلك بعثمان قال له محمّد : إنّ عثمان عمل بالجور ،
و نبذ حكم القرآن ، و قد قال تعالى : . . . و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون 4 ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه 5 .
و من قتلته عمرو بن الحمق الخزاعي : و في ( الطبري ) : جلس عمرو بن الحمق على صدر عثمان و به رمق ، فطعنه تسع طعنات ، و قال : فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للّه ، و أمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه 6 .
و يكفي في إباحة دمه إجماع المهاجرين و الأنصار على قتله بخذلانهم إيّاه قال الفضل بن عباس في أبياته في ردّ الوليد بن عقبة :
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمّكم
لكانوا له من ظلمه حاضري النصر
الحاكم 3 : 385 386 ، تاريخ بغداد 2 : 282 عن أبي قتادة و 7 : 414 عن عبد اللّه بن عمر و 8 : 275 عن حذيفة و 11 : 218 عن عثمان بن عفّان و 13 : 187 عن أبي أيوب ، الخرائج و الجرائح ، شرح ابن أبي الحديد 8 : 10 .
-----------
( 1 ) وقعة صفين : 338 339 ، شرح ابن أبي الحديد 8 : 22 .
-----------
( 2 ) في المصدر : إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت اليكم امورنا .
-----------
( 3 ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1 : 67 .
-----------
( 4 ) المائدة : 47 .
-----------
( 5 ) تاريخ الطبري 5 : 104 ، سنة 38 .
-----------
( 6 ) المصدر نفسه 4 : 394 ، سنة 35 .
[ 195 ]
كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله
و أن يسلموه للأحابيش من مصر 1
و لم نقل : إنّ قتلته كلّهم كانوا مؤمنين فكان فيهم طلحة و الزبير و نظراؤهما ، و إنّما نستدلّ بفعل مؤمنيهم و لذا كان حذيفة بن اليمان كما روى ( شافي المرتضى ) من طرقهم يقول : ما في عثمان بحمد اللّه شك ، لكنّني أشكّ في قاتله لا أدري أ كافر قتل كافرا ، أم مؤمن خاض إليه الفتنة حتّى قتله ؟
هو أفضل أهل الايمان [ المؤمنين ] إيمانا 2 .
و روى الطبري : أنّ عثمان نبذ ثلاثة لا يدفن ثمّ إنّ حكيم بن حزام ،
و جبير بن مطعم كلّما عليّا عليه السّلام في دفنه ، و طلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ،
ففعل . فلمّا سمع الناس بذلك قعدوا إليه في الطريق بالحجارة ، و خرج به ناس يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة ، يقال له : حشّ كوكب 3 ، كانت اليهود تدفن موتاهم فيه ، فلمّا خرج على الناس رجموا سريره ، و همّوا بطرحه ،
فبلغ ذلك عليّا عليه السّلام ، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفّنّ عنه ، ففعلوا ، فانطلق به حتّى دفن في حشّ كوكب . فلمّا ظهر معاوية على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتّى أفضى به إلى البقيع ، و أمر الناس أن يدفنوا حوله حتّى اتّصل بمقابر المسلمين 4 .
و في ( الطبري ) : قال أبو كرب عامل عثمان على بيت المال : إنّ عثمان دفن بين المغرب و العتمة ، لم يشهد جنازته إلاّ مروان و ثلاثة من مواليه و ابنته الخامسة ، فناحت [ ابنته ] فأخذ الناس الحجارة ، و قالوا :
-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 426 ، سنة 35 .
-----------
( 2 ) الشافي في الإمامة 4 : 291 292 .
-----------
( 3 ) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان 2 : 262 : حشّ كوكب : موضع عند بقيع الغرقد اشتراه عثمان بن عفّان و زاده في البقيع ، و لمّا قتل ألقي فيه ثمّ دفن في جنبه .
-----------
( 4 ) تاريخ الطبري 4 : 412 ، سنة 35 .
[ 196 ]
نعثل نعثل و كادت ترجم 1 .
و في ( الطبري ) : كان قتل معه عبداه نجيح و صبيح ، فجرّا بأرجلهما فرمي بهما على البلاط ، فأكلتهما الكلاب و لم يغسل عثمان و لا غلاماه ، و لمّا وضع ليصلّى عليه ، جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه 2 .
و في ( صفين نصر بن مزاحم ) : سأل معاوية النعمان بن بشير أن يخرج إلى قيس بن سعد بن عبادة ، فيعاتبه و يسأله السلم . فخرج النعمان حتّى وقف بين الصفين فقال : يا قيس ، أنا النعمان بن بشير . فقال قيس : هيه يا بن بشير ،
فما حاجتك ؟ فقال : ألستم معشر الأنصار تعلمون أنّكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار ، و قتلتم أنصاره يوم الجمل ، و أقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين ؟ فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا لكانت واحدة بواحدة ،
و لكنّكم خذلتم حقّا ، و نصرتم باطلا ، ثمّ لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتّى أعلمتم في الحرب و دعوتم إلى البراز ، ثمّ لم ينزل بعليّ أمر قطّ إلاّ هوّنتم عليه المصيبة ، و وعدتموه الظفر . و قد أخذت الحرب منّا و منكم ما قد رأيتم ، فاتقوا اللّه في البقيّة .
فضحك قيس ثمّ قال : ما كنت أراك يا نعمان تجترىء على هذه المقالة ،
لكن لا ينصح أخاه من غشّ نفسه ، و أنت و اللّه الغاشّ الضالّ المضالّ ، أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها منّي ، واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه ، و خذله من هو خير منك . . . 3 .
و كيف لم يكن مباح الدم و شهد حجر بن عديّ و أصحابه الذين قالوا : لو
-----------
( 1 ) المصدر نفسه .
-----------
( 2 ) المصدر نفسه 4 : 413 415 ، سنة 35 ، و نقله الشارح بتصرّف و تقديم و تأخير .
-----------
( 3 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 448 449 .
[ 197 ]
لم يكن في معاوية إلاّ قتله لهم لكفاه في هلاكته بذلك .
ففي ( الطبري ) بعد ذكر بعث زياد بهم إلى الشام ، و بعث معاوية جمعا لقتلهم قال أصحاب معاوية لحجر و أصحابه : يا هؤلاء ، رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة ، و أحسنتم الدعاء ، فأخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا : هو أوّل من جار في الحكم ، و عمل بغير الحقّ 1 .
و قال في عبد الرحمن العنزي الذي كان أحد أصحاب حجر و لم يقتله معاوية معهم ، بل ردّه إلى زياد فدفنه حيّا بقسّ الناطف قال معاوية له : إيه يا أخا ربيعة ، ما قولك في عليّ ؟ قال : دعني و لا تسألني فإنّه خير لك . قال : و اللّه لا أدعك حتّى تخبرني . قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين اللّه كثيرا ، و من الآمرين بالحقّ ، و القائمين بالقسط ، و العافين عن الناس . قال : فما قولك في عثمان ؟ قال :
هو أوّل من فتح باب الظلم ، و أرتج أبواب الحقّ . قال له معاوية : قتلت نفسك .
قال : بل إيّاك قتلت 2 .
و كيف يقول ابن أبي الحديد بعصمة دمه ، و كان سعد من خذلته ،
و طلحة و الزبير من قتلته ، و هم من ستّة شوراهم ، و عشرتهم المبشّرة .
و تسبّبت صدّيقتهم في تحريضاتها عليه لقتله ؟
و في ( كامل المبرد ) : كتب نافع إلى ابن الزبير : قد حضرت عثمان يوم قتل ، فلعمري لئن كان قتل مظلوما لقد كفر قاتلوه و خاذلوه ، و لئن كان قاتلوه مهتدين و إنّهم لمهتدون لقد كفر من يتولاّه و ينصره و يعضده . و لقد علمت أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشدّ الناس عليه ، و كانوا في أمره [ من ] بين قاتل و خاذل ، و أنت تتولّى أباك و طلحة و تتولى عثمان . و كيف ولاية قاتل متعمّد
-----------
( 1 ) تاريخ الطبريّ 5 : 275 ، سنة 51 .
-----------
( 2 ) تاريخ الطبري 5 : 276 277 ، سنة 51 .
[ 198 ]
و مقتول في دين واحد 1 .
[ 198 ]
و مقتول في دين واحد 1 .
قلت : ما أورده نافع على ابن الزبير يرد على جميع أهل السنّة ، لكن يقال لنافع : إنّه كما يكون الجمع بين المتضادّين باطلا بالعقل ، يكون انفكاك الملزوم عن اللازم كذلك ، و ولاية الأوّل و الثاني يستلزم صحّة ولاية الثالث ، فإذا كانت ولاية الثالث عندك باطلة فلا بدّ أن تقول ببطلان ولاية الأوّلين . و قد دبّر الثاني للثالث ولايته مع عرفانه له و أنّه يفعل ما فعل .
و من العجب أنّ إخواننا أتوا بالتضادّ في أقوالهم فضلا عن مذهبهم فهذا ابن قتيبة و ابن عبد ربه و المسعودي قالوا بعد ما مرّ عنهم : لمّا قتل عثمان دخل عليّ عليه و كان أرسل الحسن و الحسين لمنعه و كان ذهل عقله فقال لهما :
كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب ؟ فلطم الحسين و ضرب صدر الحسن 2 فأيّ تخليط هذا ؟ أما لهم شعور حتّى لا يقولوا بالتناقض و التضادّ ؟ فإن كان من يروي خبرين متضادّين معذورا في الظاهر ، فليس من يفتي بالتضادّ بمعذور أصلا ، مع أنّ من يروي متضادّا و يكون أحد الضدّين معلوم الكذب ، و على خلاف اتّفاق التواريخ كالطبري في ضمّه روايات سيف المعلومة الكذب ليس بمعذور أيضا .
و ليس تلك الروايات إلاّ من أخبار أمر معاوية بوضعها ، كما أنّه حمل الناس بالسيف على القول بإمامة عثمان ، و إلاّ فجميع أهل السّنة الذين كانوا في ذاك اليوم سوى الأمويّة و أتباعهم كانوا قائلين بكفر عثمان ، و استحقاقه القتل .
-----------
( 1 ) الكامل للمبرد 2 : 229 230 .
-----------
( 2 ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1 : 44 ، العقد الفريد لابن عبد ربه 5 : 42 ، مروج الذهب للمسعودي 2 : 354 .
[ 199 ]
و كان التضادّ بينه و بين أمير المؤمنين عليه السّلام كالتضادّ بين معاوية و بينه عليه السّلام أمرا بيّنا عندهم ، كما عند الشيعة ، و إنّما كان الفرق بين الشيعة و السنّة ذاك اليوم تضادّه عليه السّلام مع أبي بكر و عمر أيضا ، فالشيعة قائلون به بشهادة الدراية ، و السنّة ينكرونه بإنكار البداهة .
و كيف لم يكن تضادّه عليه السّلام مع عثمان واضحا ، و كان نافع بن هلال الجمليّ من أصحاب الحسين عليه السّلام يقاتل يوم الطفّ و يقول كما في ( الطبري ) : أنا الجمليّ أنا على دين عليّ . فخرج إليه مزاحم بن حريث من أصحاب ابن سعد و قال : أنا على دين عثمان . فقال له نافع : أنت على دين شيطان 1 .
و كيف لم يكن بطلان أمر عثمان واضحا و قد باهل أصحاب الحسين عليه السّلام أصحاب ابن سعد في ذلك ؟ ففي ( الطبري ) : قال عفيف بن زهير و هو ممّن شهد مقتل الحسين عليه السّلام : خرج يزيد ابن معقل من أصحاب ابن سعد فقال لبرير بن حضير من أصحاب الحسين عليه السّلام كيف ترى اللّه صنع بك ؟ قال : صنع اللّه و اللّه بي خيرا ، و صنع بك شرّا . قال له يزيد : كذبت ، و قبل اليوم ما كنت كذّابا ، فهل تذكر و أنا أماشيك في بني لوذان و أنت تقول : إنّ عثمان كان على نفسه مسرفا ، و إنّ معاوية ضالّ مضلّ ، و إنّ إمام الهدى و الحقّ عليّ بن أبي طالب ؟ فقال له برير : أشهد أنّ هذا رأيي و قولي . فقال له يزيد : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين . فقال له برير : هل لك أن أباهلك 2 ، و لندع اللّه أن يلعن الكاذب و أن يقتل المبطل ، ثمّ نخرج للمبارزة ؟ قال : نعم . فخرجا فرفعا
-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 5 : 435 ، سنة 61 .
-----------
( 2 ) المباهلة : الملاعنة و معنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا : لعنة اللّه على الظالم منّا . ( لسان العرب 1 : 522 ، مادة : بهل ) .
[ 200 ]
أيديهما يدعوا انه أن يلعن الكاذب ، و أن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، و ضربه برير ضربة قدّت المغفر ، و بلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، و إنّ سيف برير لثابت في رأسه ، فكأني أنظر إليه ينضنضه 1 من رأسه الخ 2 .
و من المضحك أنّ ( الطبريّ ) روى في رواياته الخبيثة عن سيف : أنّ الحسن خرج يرتجز في الدفاع عن عثمان مثل المغيرة بن الأخنس 3 فيقال له : إذا كان الأمر كذلك لم يقول عمرو بن العاص للحسن عليه السّلام لمّا رآه في الطواف كما روى المدائني عن زيد بن أرقم : زعمت يا حسن ، أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك ، فقد رأيت اللّه أقامه بمعاويه ، فجعله راسيا بعد ميله ، و بيّنا بعد خفائه ، أفرضي اللّه بقتل عثمان ، أو من الحقّ أن تطوف بالبيت عليك ثياب كغرقىء 4 البيض ، و أنت قاتل عثمان ، و اللّه إنّه لألمّ للشعث ، و أسهل للوعث ، أن يوردك معاوية حياض أبيك فقال له الحسن عليه السّلام : إنّ لأهل النار لعلامات يعرفون بها ، إلحادا لأولياء اللّه ، و موالاة لأعداء اللّه ، و اللّه إنّك لتعلم أنّ عليّا عليه السّلام لم يرتب في الدين ، و لم يشكّ في اللّه ساعة و لا طرفة عين قطّ . و أيم اللّه لتنتهينّ يا بن أم عمرو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من القعضبية 5 ، فإيّاك و التهجم عليّ فإنّي من قد عرفت لست بضعيف الغمزة ، و لا هشّ المشاشة 6 ،
-----------
( 1 ) ينضنضه : يحرّكه . ( لسان العرب 14 : 180 ، مادة : نضض ) .
-----------
( 2 ) تاريخ الطبري 5 : 431 432 ، سنة 61 .
-----------
( 3 ) المصدر نفسه 4 : 388 ، سنة 35 .
-----------
( 4 ) الغرقىء : القشرة الملتزقة ببياض البيض . ( لسان العرب 10 : 58 ، مادة : غرق ) .
-----------
( 5 ) قعضب : اسم رجل كان يعمل الأسنّة في الجاهليّة ، إليه تنسب أسنّة قعضب ( لسان العرب 11 : 246 ، مادة : قعضب ) .
-----------
( 6 ) المشاشة : واحدة المشاش ، و هي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها ( الصحاح 3 : 1019 مادة : مشش ) .
[ 201 ]
و لا مريء المأكلة ، و إنّي من قريش كواسطة القلادة ، يعرف حسبي ، و لا أدعى لغير أبي ، و أنت من تعلم و يعلم الناس ، تحاكمت فيك رجال قريش ، فغلب عليك جزّارها ، ألأمهم حسبا ، و أعظمهم لؤما ، فإيّاك عنّي ، فإنّك رجس ، و نحن أهل بيت الطهارة ، أذهب اللّه عنّا الرجس ، و طهّرنا تطهيرا . فأفحم عمرو و انصرف كئيبا 1 .
و كيف لا يستحيون أن يقولوا : إنّ أمير المؤمنين أرسل الحسنين للدفاع عن عثمان ؟ و قد قتل بنو امية الحسين عليه السّلام بعثمان ، ففي الطبري : كتب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد : أمّا بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء ،
و لا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم عثمان 2 .
و في ( الطبري ) أيضا : لمّا جيء برأس الحسين عليه السّلام إلى عبيد اللّه بن زياد ،
دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلميّ ، و قال له : انطلق حتّى تأتي المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص و كان يومئذ أمير المدينة فبشّره بقتل الحسين .
قال : فدخلت على عمرو فقال : ما وراءك ؟ قلت : ما سرّ الأمير ، قتل الحسين .
فقال : ناد بقتله . فناديت فلم أسمع و اللّه واعية 3 مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين ، فقال عمرو متمثّلا ببيت عمرو بن معدى كرب و ضحك :
عجّت نساء بني زياد عجّة
كعجيج نسوتنا غداة الأرنب 4
ثمّ قال : هذه واعية بواعية عثمان 5 .
و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : قال ابن سعد كاتب الواقدي : دفن رأس
-----------
( 1 ) نقل عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج 16 : 27 28 .
-----------
( 2 ) تاريخ الطبري 5 : 412 ، سنة 61 .
-----------
( 3 ) يقال : ارتفعت الواعية : الصراخ على الميّت . و سمعت واعية القوم : أصواتهم . ( أساس البلاغة : 504 ، مادة : وعى ) .
-----------
( 4 ) في رواية لسان العرب : بني زبيد بدل : بني زياد . و الأرنب : موضع . ( لسان العرب 5 : 331 ، مادة : رنب ) .
-----------
( 5 ) تاريخ الطبري 5 : 465 466 ، سنة 61 ، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 266 .
[ 202 ]
الحسين عليه السّلام بالمدينة عند امّه و ذكر الشعبيّ أنّ مروان كان بالمدينة فأخذ الرأس ، و تركه بين يديه ، و تناول أرنبة أنفه و قال :
يا حبّذا بردك في العيدين
و لونك الأحمر في الخدّين
و اللّه لكأنّي أنظر إلى أيّام عثمان 1 .
و من المضحك أنّ ( المسعودي ) قال : فلمّا بلغ عليّا أنّهم يريدون قتله ،
بعث ابنيه و مواليه بالسلاح لنصرته و بعث الزبير ابنه و بعث طلحة ابنه إلى أن قال : و جرح الحسن ، و شجّ قنبر ، و جرح محمّد بن طلحة 2 .
و كيف يرسل طلحة و الزبير ابنيهما لنصرته و هما كانا محرّضين على قتله إلى ساعة قتله ؟ ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : أنّ عمّارا لمّا جاء إلى الكوفة لنفر الناس في حرب الجمل قال : يا أهل الكوفة ، و إنّ طلحة و الزبير كانا أوّل من طعن على عثمان ، و آخر من أمر بقتله 3 .
و كيف أرسل طلحة ابنه لنصرة عثمان و قد رماه مروان بسهم مع كونه في جنده فقتله و قال : أخذت ثأري من طلحة في عثمان 4 .
و إنّما المحقّق نصرة ابن الزبير لعثمان من نفسه لا من قبل أبيه ، حضر لنصره لأمرين أحدهما : أنّه لمّا كان حريصا على الإمارة ، و طالبا للخلافة يمكنه أن يدّعي أنّ عثمان في حصاره نصّ عليه ، فكان يدّعي ذلك . و الثاني : أنّه علم أنّ عثمان إن قتل ، يكون الأمر لأمير المؤمنين عليه السّلام ، و كان كخالته أمّ مؤمنيهم في كون ذلك أشدّ عليه من وقوع السماء عليه .
-----------
( 1 ) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي : 265 266 .
-----------
( 2 ) مروج الذهب للمسعودي 2 : 353 354 .
-----------
( 3 ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1 : 67 .
-----------
( 4 ) أنساب الأشراف 3 : 246 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 182 ، الجمل للمفيد : 384 ، تذكرة الخواصّ : 77 ، شرح ابن أبي الحديد 9 : 113 .
[ 203 ]
روى المدائني : أنّ ابن الزبير قال يوما لمعاوية : أ تنكر شجاعتي و قد وقفت في الصفّ بإزاء عليّ و هو من تعلم فقال له معاوية : لا جرم أنّه قتلك و أباك بيسرى يديه ، و بقيت يده اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها . فقال له ابن الزبير : أما و اللّه ما كان ذلك إلاّ في نصر عثمان فلم نجز به ، فقال له معاوية : خلّ هذا عنك ، فو اللّه لو لا شدّة بغضك لابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع 1 .
و كيف يعقل صحّة ما قال اولئك المصنفون ؟ و قد قال عليه السّلام : « إنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه ، و من خذله لا يستطيع أن يقول : نصره من هو خير منّي » 2 . فهل كان ناصروه إلاّ كندماء ابن عمّه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ؟ و لمّا أرادوا قتل الوليد أخذ مصحفا مثل عثمان ، و قال : يومي [ يوم ] كيوم عثمان 3 . مع أنّه كان راميا المصحف بالسهم حتّى مزّقه 4 .
و في ( الطبري ) : كان مع الوليد مالك المغنّي ، و عمرو الوادي المغنّي ، فلمّا تفرّق عن الوليد أصحابه ، و حصر ، قال مالك لعمرو : اذهب بنا . فقال عمرو :
ليس هذا من الوفاء ، و نحن لا يعرض لنا لأنّا لسنا ممّن يقاتل ، فقال مالك : ويلك و اللّه لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي و قبلك فيوضع رأسه بين رأسينا ، و يقال للناس : انظروا من كان معه في هذه الحال فلا يعيبونه بشيء أشدّ من هذا فهربا 5 .
-----------
( 1 ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 20 : 126 .
-----------
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 71 72 .
-----------
( 3 ) تاريخ الطبري 7 : 246 ، سنة 126 .
-----------
( 4 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 228 .
-----------
( 5 ) تاريخ الطبري 7 : 252 ، سنة 126 .
[ 204 ]
و لعمر اللّه إنّ المغنّيين كانا أحسن من مروان صاحب عثمان فقد كانا فاسقين بالعمل و قد كان مروان من خبث النفس بحيث لا يوصف فهو الذي قال للوليد بن عتبة ابن عمّ يزيد الذي كتب يزيد إليه : « خذ البيعة لي من الحسين » : احبس الحسين حتّى يبايع أو تضرب عنقه . فقال له الوليد : اخترت لي التي فيها هلاك ديني و اللّه ما احبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدّنيا و ملكها ، و أنّي قتلت حسينا ، سبحان اللّه أقتل حسينا أن قال :
لا أبايع و اللّه إنّي لا أظنّ أمرأ يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند اللّه تعالى يوم القيامة . فقال له مروان مستهزئا به : إذا كان هذا رأيك فقد أصبت في ما صنعت 1 .
و نفس عثمان و نفس مروان واحدة ، « فالمرء على دين خليله » 2 .
و كيف يصحّ ما قالوا من أنّه عليه السّلام و طلحة و الزبير بعثوا بنيهم للدفاع عن عثمان ؟ و قد عرفت أنّ نافعا حاجّ ابن الزبير ، فحجّه بأنّك تعلم أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشد الناس على عثمان ، و كانوا في أمره من بين قاتل و المراد أبوه و طلحة و خاذل يعني أمير المؤمنين عليه السّلام و أنت تتولّى أباك و طلحة و عثمان . و كيف ولاية قاتل متعمّد و مقتول في دين واحد 3 .
و كيف يصحّ ما قالوا : من أنّه عليه السّلام بعث ابنيه للدفاع عن قتل عثمان ،
و كان عليه السّلام مدافعا عن قتلة عثمان فلمّا قام أبو مسلم الخولاني 4 في قرّاء
-----------
( 1 ) المصدر نفسه 5 : 340 ، سنة 60 .
-----------
( 2 ) رواه الكليني في الكافي 2 : 375 .
و قال ابن منظور في لسان العرب 4 : 202 ، مادة ( خلل ) : و في الحديث : المرء بخليله ، أو على دين خليله ، فلينظر امرؤ من يخالل . و أورده الميداني في مجمع الأمثال 2 : 275 عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال : المرء بخليله ، أي : مقيس بخليله .
-----------
( 3 ) الكامل للمبرّد 2 : 229 230 .
-----------
( 4 ) هو عبد اللّه بن ثوب أحد الزّهاد الثمانية ، تابعيّ ، أصله من اليمن ، أدرك الجاهلية و أسلم قبل وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم
[ 205 ]
الشام إلى معاوية كما في ( صفين نصر ) و قال له : علام تقاتل عليّا و ليس لك مثل صحبته و لا قرابته و لا سابقته ؟ قال : لست أدّعي ذلك ، و لكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما ؟ فليدع إلينا قتلته فنقتلهم به ، و لا قتال بيننا و بينه إلى أن قال فقال أبو مسلم لعليّ عليه السّلام : قد رأيت قوما مالك معهم أمر .
قال : و ما ذاك ؟ قال : بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجّوا و اجتمعوا ، و لبسوا السلاح ، و زعموا أنّهم كلّهم قتلة عثمان . فقال له عليّ عليه السّلام :
و اللّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينيه ، ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك . فخرج أبو مسلم و هو يقول : الآن طاب الضّراب 1 و إنّما خلّى عليه السّلام بينه و بينهم ليريه إجماع المسلمين على قتل عثمان ،
و إباحة دمه .
« و أنا جامع لكم أمره » من طرفه و طرفكم .
« استأثر فأساء الأثرة » فكان عثمان خصّ أقاربه بولاية البلاد حتّى عزل عمرو بن العاص ، فطلّق عمرو لذلك اخته امّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ،
و حرّض الناس عليه . و لمّا سمع خبر قتله قال : أنا أبو عبد اللّه إذا حككت قرحة نكأتها 2 ، إن كنت لاحرّض عليه ، حتى لا حرّض عليه الراعي في غنمه في رأس يره ، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر ، و هاجر إلى الشام ، توفي سنة 62 ه و دفن في داريّا بدمشق . و كان للعامّة فيه اعتقاد عظيم . و لكنّه من أعوان معاوية و سيّىء الرأي في عليّ عليه السّلام . روي عن الفضل بن شاذان أنّه قال عند ذكره للزّهاد الثمانية : و أمّا أبو مسلم ، فإنّه كان فاجرا مرائيا و كان صاحب معاوية ، و هو الذي كان يحثّ الناس على قتال عليّ عليه السّلام .
انظر حلية الأولياء 2 : 122 ، الأعلام 4 : 75 ، الكنى و الألقاب 1 : 158 .
-----------
( 1 ) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم : 85 86 ، شرح ابن أبي الحديد 15 : 73 75 ، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص .
-----------
( 2 ) قال ابن الأثير في النهاية 1 : 418 ، مادة ( حكك ) : و في حديث عمرو بن العاص : إذا حككت قرحة دمّيتها ، أي : إذا أمّمت غاية تقصّيتها و بلغتها ، و في الصحاح 1 : 78 ، مادة ( نكأ ) : نكأت القرحة نكأ ، إذا قشرتها .
[ 206 ]
الجبل . فقال له سلامة بن روح : يا معشر قريش ، إنّه كان بينكم و بين العرب باب وثيق فكسرتموه ، فما حملكم على ذلك ؟ فقال : أردنا أن نخرج الحقّ من خاصرة [ حافرة ] الباطل ، و أن يكون الناس في الحقّ شرعا سواء 1 .
« و جزعتم فأسأتم الجزع » لأنّهم منعوه الماء في حياته ، و منعوا من دفنه بعد قتله . و لا يجوز منع الماء من أحد 2 . و يجب مواراة أموات جميع الناس المسلم و غيره .
و قال ابن أبي الحديد : أساؤوا الجزع لأنّه كان الواجب عليهم ألاّ يجعلوا جزاءه عمّا أذنب القتل ، بل الخلع و الحبس و ترتيب غيره في الإمامة 3 .
قلت : فإذا كان مستحقّا للخلع ، كيف يقول بإمامته ؟ و قد قال الناس له قبل قتله : أنت مستحقّ للخلع ، لمّا رأوا غلامه على جمله ، و كتابه إلى عامله على مصر بقتل محمّد بن أبي بكر و من معه و كان بعثه لمّا شكوا إليه ظلم عامله ،
و قتله الناس بغير حقّ ، فأنكر عثمان أن يكون هو بعث الغلام و كتب الكتاب ،
فقالوا له : إن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لعملك هذا ، و إن كنت صادقا استحققت الخلع لعجزك عن أمر الخلافة حيث يكتب غيرك على لسانك مثل هذا ، و أنت لا تعلم فاخلع نفسك . فأبى عليهم حتّى قتلوه 4 .
و إنّما الأصل في قوله عليه السّلام : « و أسأتم الجزع » لأنّ عمدة الجازعين و هم قريش و في رأسهم طلحة من تيم ، و الزبير من أسد لم يقتلوه غضبا للّه بل لهوى أنفسهم ، لأنّه لم يولّهم و ولّى بني أبيه .
-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 357 ، سنة 35 ، و شرح ابن أبي الحديد 2 : 144 .
-----------
( 2 ) و لذا بعث أمير المؤمنين عليه السّلام الماء إلى عثمان حين منع من الماء . انظر أمالي الشيخ الطوسي 2 : 325 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 148 ، و بحار الأنوار ط الكمباني 8 : 374 .
-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 2 : 128 129 .
-----------
( 4 ) تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 : 375 376 ، سنة 35 ، و شرح ابن أبي الحديد 2 : 150 .
[ 207 ]
و في ( المروج ) : حجّ عبد الملك في بعض أعوامه ، فأمر للناس بالعطاء ،
فخرجت بدرة مكتوب عليها « من الصدقة » فأبى أهل المدينة من قبولها و قالوا :
إنّما كان عطاؤنا من الفيء . فقال عبد الملك و هو على المنبر : يا معشر قريش ،
مثلنا و مثلكم أنّ أخوين خرجا مسافرين ، فنزلا في ظلّ شجرة تحت صفاة ،
فلمّا دنا الرواح خرجت إليهما من تحت الصفاة حيّة تحمل دينارا فألقته إليهما ،
فقالا : إنّ هذا لمن كنز ، فأقاما عليها ثلاثة أيّام كلّ يوم تخرج إليهما دينارا ، فقال أحدهما لصاحبه : إلى متى ننتظر هذه الحيّة ؟ ألا نقتلها و نحفر هذا الكنز فنأخذه ؟ فنهاه أخوه ، و قال : ما تدري لعلّك تعطب و لا تدرك المال . فأبى عليه ،
و أخذ فأسا و صرد الحيّة حتّى خرجت ، فضربها ضربة جرحت رأسها و لم تقتلها فثارت الحيّة فقتلته ، و رجعت إلى جحرها ، فقام أخوه فدفنه ، و أقام حتّى إذا كان الغد خرجت الحيّة معصوبا رأسها ليس معها شيء ، فقال لها : يا هذه ،
إنّي و اللّه ما رضيت ما أصابك ، و لقد نهيت أخي عن ذلك ، فهل لك أن نجعل اللّه بيننا أن لا تضرّيني و لا أضرّك ، و ترجعين إلى ما كنت عليه ؟ قالت الحيّة : لا .
قال : و لم ؟ قالت : لأنّي أعلم أنّ نفسك لا تطيب لي أبدا ، و أنت ترى قبر أخيك ،
و نفسي لا تطيب لك أبدا و أنا أذكر هذه الشجّة ، و أنشدهم أي عبد الملك شعر النابغة في ذلك :
فقالت أراه [ أرى ] قبرا تراه مقابلي
و ضربة فأس فوق رأسي فاغرة [ فاقره ]
يا معشر قريش ، وليكم عمر فكان فظّا غليظا مضيّقا عليكم ، فسمعتم له و أطعتم ، ثمّ وليكم عثمان فكان سهلا فعدوتم عليه فقتلتموه ، و بعثنا عليكم مسلما يوم الحرّة فقتلناكم ، فنحن نعلم يا معشر قريش ، أنّكم لا تحبّوننا أبدا
[ 208 ]
و أنتم تذكرون يوم الحرّة و نحن لا نحبّكم أبدا و نحن نذكر قتل عثمان 1 .
« و للّه حكم واقع في المستأثر و الجازع » هو نظير قوله عليه السّلام : « لو أمرت به لكنت قاتلا ، أو نهيت عنه لكنت ناصرا » في إجمال الجواب لعدم تمكّنه عليه السّلام من بيان الحقيقة و هي بطلان ولايته المستلزمة لبطلان ولاية الأوّل و الثاني .
و في ( الأغاني ) : كان حسّان بن ثابت و النعمان بن بشير و كعب بن مالك عثمانية ، يقدّمون بني أميّة على بني هاشم ، و يقولون : الشام خير من المدينة .
و اتّصل بهم أنّ ذلك قد بلغ عليّا عليه السّلام ، فدخلوا عليه ، فقال له كعب : أخبرنا عن عثمان : أقتل ظالما ، فنقول بقولك ؟ [ أم قتل مظلوما ، فنقول بقولنا ] ، و نكلك إلى الشبهة فيه ، و العجب من تيقّننا و شكّك ، و قد زعمت العرب أنّ عندك علم ما اختلفنا فيه ، فهاته نعرفه ، فقال لهم عليّ عليه السّلام : لكم عندي ثلاثة أشياء : استأثر عثمان فأساء الأثرة ، و جزعتم فأسأتم الجزع ، و عند اللّه ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة . فقالوا : لا ترضى بهذا العرب ، و لا تعذرنا فيه [ به ] . فقال لهم عليّ :
أ تردّون عليّ بين ظهراني المسلمين ، بلا بيّنة صادقة ، و لا حجّة واضحة ؟
اخرجوا عنّي ، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبدا . فخرجوا من يومهم ، فساروا حتّى أتوا معاوية ، فقال : لكم الكفاية أو الولاية . فأعطى حسّانا ألف دينار ،
و كعبا ألف دينار ، و ولّى النعمان حمصا 2 .
و في ( مواسم الأدب ) : قال كعب بن مالك الأنصاري لعليّ عليه السّلام : بلغك عنّا أمر لو كان غيرك لم يحتمله ، و لو كان غيرنا لم يقم معك عليه ، و ما في الناس من هو أعلم منك ، و في الناس من نحن أعلم منه و أوضح العلم ما وقف على لسان و أرفعه ما ظهر في الجوارح و الأركان ، و نحن أعرف بقدر عثمان من
-----------
( 1 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 127 128 ، و نقله الشارح بتصرّف .
-----------
( 2 ) الأغاني 16 : 233 234 ، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص .
[ 209 ]
قاتليه و أنت أعلم بهم و بخاذليه ، فإن قلت : « إنّه قتل ظالما » قلنا : بقولك ، و إن قلت : « إنّه قتل مظلوما » قلنا بقولنا ، و إن وكلتنا إلى الشبهة آيسنا بعدك من إصابة البيّنة .
فقال عليه السّلام عندي في عثمان و فيكم . استأثر فأساء الأثرة و جزعتم فأسأتم الجزع ، و للّه عز و جل حكم واقع في المستأثر و الجازع 1 .
و هو عليه السّلام و إن أجمل في جواب أولئك العثمانيّة لكون سؤالهم في غير الموقع ، إلاّ أنّه بيّن بأفعاله من إيوائه قاتليه ، و دفاعه عنهم و بأقواله كما مرّ من قوله عليه السّلام للخولاني : « إنّي ضربت هذا الأمر أنفه و عينه ، فرأيت أنّه ما ينبغي لي أن أدفع قتلته إلى أحد » 2 و قوله عليه السّلام لقرّاء الشام و العراق لمّا قالوا له : « إنّ معاوية يقول : إن كنت صادقا أنّك ما أمرت بقتل عثمان ، و لا مالأت على قتله ،
فادفع إلينا قتلته أو أمكنّا منهم » : تأوّل القوم عليه القرآن ، و قتلوه في سلطانه و ليس على أضرابهم [ ضربهم ] قود 3 ، أنّه كان مباح الدم ، و به صرّح شيعته عمّار و غيره 4 .
و في ( فواتح الميبدي ) : روى إبراهيم النخعي و أبو العالية أنّ قوله تعالى :
ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون 5 في شأن المسلمين ، و ناظر إلى قتل عثمان و حرب صفين . و قوله تعالى : فمن أظلم ممّن كذب على اللّه و كذّب بالصّدق إذ جاءه أ ليس في جهنّم مثوى للكافرين . و الّذي جاء بالصّدق
-----------
( 1 ) نهج البلاغة خطبة 30 .
-----------
( 2 ) وقعة صفّين : 86 ، شرح ابن أبي الحديد 15 : 75 .
-----------
( 3 ) وقعة صفّين : 189 .
-----------
( 4 ) الإمامة و السياسة 1 : 67 .
-----------
( 5 ) الزمر : 31 .
[ 210 ]
و صدّق به اولئك هم المتّقون 1 تفصيل اولئك الفرق 2 .