9

الخطبة ( 170 ) و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب ، و قد أرسله قوم من أهل البصرة ، لما قرب عليه السلام منها ، ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له عليه السّلام من أمره معهم ما علم به أنّه على الحقّ ، ثمّ قال له : بايع ، فقال : إنّي رسول قوم ،

و لا احدث حدثا حتى أرجع إليهم . فقال عليه السّلام :

أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ اَلَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ اَلْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَ أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى اَلْمَعَاطِشِ وَ اَلْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَ مُخَالِفَهُمْ إِلَى اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَقَالَ ع فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ اَلرَّجُلُ فَوَاللَّهِ مَا اِسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ اَلْحُجَّةِ عَلَيَّ فَبَايَعْتُهُ ع وَ اَلرَّجُلُ يُعْرَفُ ؟ بِكُلَيْبٍ اَلْجَرْمِيِّ ؟ أقول : الأصل فيه رواية الطبريّ و رواية الواقدي ففي الأوّل : أخرج زياد بن أيّوب إليّ كتابا فيه أحاديث عن شيوخ منها : حدّثنا مصعب بن سلام التميميّ ، عن محمّد بن سوقة ، عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال :

-----------
( 1 ) نهج البلاغة 3 : 134 ، شرح ابن أبي الحديد 17 : 246 .

-----------
( 2 ) شرح ابن ميثم 5 : 204 .

[ 85 ]

رأيت فيما يرى النّائم أنّ رجلا يلي امور النّاس مريضا على فراشه و عند رأسه امرأة ، و النّاس يريدونه و يبهشون إليه ، فلو نهتهم المرأة لانتهوا ، و لكنّها لم تفعل فأخذوه فقتلوه ، فكنت أقص رؤياي على النّاس في السفر و الحضر فيعجبون و لا يدرون ما تأويلها ، فلمّا قتل عثمان و أتانا الخبر و نحن راجعون من غزاتنا ، فقال أصحابنا : رؤياك يا كليب . فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلاّ قليلا حتّى قيل هذا طلحة و الزبير معهما امّ المؤمنين فراع النّاس و تعجبوا ، فإذا هم يزعمون للناس أنّهم خرجوا غضبا لعثمان و توبة مما صنعوا من خذلانه .

و إنّ امّ المؤمنين تقول : غضبنا لكم على عثمان في ثلاث : امارة الفتى و موقع الغمامة و ضربة السوط و العصا ، فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر و البلد و الدم .

فقال النّاس : أفلم تبايعوا عليّا و تدخلوا في أمره ؟ فقالوا : دخلنا و اللج على أعناقنا إذ قيل هذا عليّ عليه السّلام قد أظلّكم فقال قومنا لي و لرجلين معي :

انطلقوا حتّى تأتوا عليّا عليه السّلام و أصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الذي قد اختلط علينا . فخرجنا حتّى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة ،

فقلت لصاحبيّ : أرأيتم المرأة التي كنت احدثكم عنها ؟ إنّها كانت عند رأس الوالي ، فإنّها أشبه النّاس بهذا . ففطن أنّا نخوض فيه ، فلمّا انتهى قال : قفوا ما الذي قلتم حين رأيتموني ؟ فأبينا عليه ، و قال : و اللّه لا تبرحون حتّى تخبروني .

فدخلتنا منه هيبة ، فأخبرناه فجاوزنا و هو يقول : و اللّه رأيت عجبا . فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا : من هذا ؟ فقال : محمّد بن أبي بكر . فعرفنا أنّ تلك المرأة عايشة ، فازددنا لأمرها كراهية و انتهينا إلى عليّ عليه السّلام فسلّمنا عليه ثم سألناه عن هذا الأمر ، فقال : عدا النّاس على هذا الرجل و أنا معتزل فقتلوه ، ثم ولّوني و أنا كاره ، و لو لا خشية على الدين لم أجبهم ، ثمّ طفق هذان في النكث فأخذت

[ 86 ]

عليهما و أخذت عهودهما عند ذلك و أذنت لهما في العمرة ، فقدما على امّهما فرضيا لهما ما رغبا لنسائهما عنه ، و عرضاها لما لا يحل و لا يصلح ، فاتبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقا و لا يفرّقوا جماعة . فصاح بنا أصحاب عليّ عليه السّلام :

« بايعوا بايعوا » فبايع صاحباي ، و أمّا أنا فأمسكت و قلت : بعثني قومي لأمر و لا احدث شيئا حتّى أرجع إليهم . فقال عليّ عليه السّلام : فإن لم يفعلوا ؟ فقلت : لم أفعل ، فقال : أرأيت لو أنّهم بعثوك رائدا فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ و الماء فمالوا إلى المعاطش و الجدوبة ما كنت صانعا ؟ قلت : كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلأ و الماء قال : « فمدّ يدك » ، فو اللّه ما استطعت أن امتنع فبسطت يدي فبايعت . و كان يقول : عليّ عليه السّلام من أدهى العرب 1 .

و في الثاني كما في ( جمل المفيد ) شيبان بن عبد الرحمن عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلا ، حتّى قدم طلحة و الزبير البصرة ، ثم ما لبثنا إلاّ يسيرا حتّى أقبل عليّ عليه السّلام بذي قار ، فقال شيخان من الحي : اذهب بنا إلى هذا الرجل ننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا بذي قار قدمنا إلى أذكى العرب فو اللّه لدخل علي نسب قومي فجعلت أقول : هو أعلم به منّي و أطوع فيهم ، إلى أن قال : فقال : أفلا تبايعوني ؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي و توقفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون :

بايع بايع .

فقال عليه السّلام : دعوا الرجل . فقلت : إنّما بعثني قومي رائدا و سأنهي إليهم ما رأيت ، فإن بايعوا بايعت . فقال : أرأيت لو أنّ قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة و غديرا فقلت يا قومي النجعة النجعة فأبوا ما كنت بمستنجع بنفسك ، فأخذت بإصبع من أصابعه ، فقلت : ابايع على أن اطيعك ما أطعت اللّه ، فإذا عصيته فلا

-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 490 491 ، سنة 36 .

[ 87 ]

طاعة لك عليّ ، فقال : نعم . و طوّل صوته . . . 1 .

قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب » هو كليب بن شهاب الجرمي .

« و قد أرسله قوم من أهل البصرة » قد عرفت من رواية الطبري أنّ أولئك القوم قومه ( جرم ) .

« لمّا قرب عليه السّلام منها » قد عرفت من رواية الواقدي أنّه عليه السّلام كان نزل ذاقار .

« ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل » لأنّهم كانوا قالوا لهم :

خرجنا غضبا لعثمان و كانت بيعتنا لعليّ مكرها .

« لتزول الشبهة من نفوسهم فبيّن له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) 2 ، و هو و إن كان صحيحا ، إلاّ أنّ الأوضح أن يقال : « فبيّن عليه السّلام له » كما لا يخفى .

« من أمره معهم ما علم به أنّه على الحق » و هو أنّه عليه السّلام كان معتزلا عن أمر عثمان ، و لم يجبر أحدا على البيعة ، و إنّما أكرهه النّاس على قبوله البيعة .

« ثم قال له بايع » قد عرفت من رواية الطبري أنّ أصحابه عليه السّلام بعد مشاهدة إتمام الحجّة عليه قالوا له و لصاحبيه : بايعوا .

« فقال إنّي رسول قوم و لا احدث حدثا حتّى أرجع إليهم » قد عرفت من رواية الطبري : أنّه عليه السّلام قال له : فإن لم يفعلوا ؟ فأجاب : إنّي أيضا لا أفعل .

فرد عليه السّلام عليه بالعنوان .

« فقال عليه السّلام » هو تأكيد و إلاّ فهو زائد بعد قوله : ( و من كلام له عليه السّلام ) .

-----------
( 1 ) الجمل للمفيد : 290 292 .

-----------
( 2 ) نهج البلاغة 2 : 100 ، شرح ابن أبي الحديد 9 : 299 .

[ 88 ]

ثم إنّ ما نقلنا من قول المصنّف هو في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) 1 ،

و أمّا ( ابن ميثم ) فبدّله بقوله : ( و من كلام له عليه السّلام ) لمّا قال لكليب الجرمي قبل وقعة الجمل : بايع . فقال : إنّي رسول قوم و لا احدث حدثا دونهم حتّى أرجع إليهم فقال 2 ، و نسخة ( ابن ميثم ) بخط المصنّف ، فمن المحتمل ان المصنّف استنسخه ثانيا فزاد و نقص و غيّر فطول و اختصر .

قوله عليه السّلام « أ رأيت » في ( الصحاح ) : قد يحذف همز رأيت قال : صاح هل ريت أو سمعت براع ردّ في الضرع ما فرى في الحلاب 3 .

« لو أنّ الذين من ورائك » و هم قومه جرم .

« بعثوك رائدا » في ( الصحاح ) : الرائد الذي يرسل في طلب الكلاء ( راد الكلاء يروده رودا و ريادا و ارتاده ارتيادا ) بمعنى ، أي : طلبه 4 .

« تبتغي » أي : تطلب .

« لهم مساقط الغيث » مواضع نزول المطر فاخضرت و حصل كلاء .

« فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلاء » أي : العشب .

« و الماء فخالفوا » من الكلاء و الماء .

« إلى المعاطش » مواضع العطش التي لا ماء فيها .

« و المجاذب » أي : محال المحل و القحط .

« ما كنت صانعا » توافقهم أو تخالفهم .

« قال كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلاء و الماء » فان كل عاقل يفعل ذلك .

« فقال عليه السّلام فامدد إذن يدك » يعني كما يحكم العقل ثمة بوجوب مخالفتهم

-----------
( 1 ) نهج البلاغة 2 : 100 ، شرح ابن أبي الحديد 9 : 299 .

-----------
( 2 ) شرح ابن ميثم 3 : 326 .

-----------
( 3 ) الصحاح 6 : 2348 ، مادة : ( رأى ) و البيت لإسماعيل بن بشّار .

-----------
( 4 ) المصدر نفسه 2 : 478 ، مادة : ( رود ) .

[ 89 ]

كذلك هنا بل هنا أولى ، لأن ثمة يحصل إلاّ من الهلكة موقتا و هنا أبدا .

ثم ( إذن يدك ) في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) 1 ، و لكن في ( ابن ميثم ) :

( يدك إذن ) 2 .

« فقال الرجل : فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ فبايعته » و نظير بعث جرم رجلا منهم إليه عليه السّلام فرآه على الحق فأقرّ به عليه السّلام ، بعث طلحة و الزبير و بعث عايشة رجلا فاهتدى به .

روى الكافي في ( باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ و المبطل في أمر الإمامة ) : أنّ طلحة و الزبير بعثا رجلا من عبد القيس يقال له ( خداش ) إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قالا له : إنّا نبعثك إلى رجل طال ما نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة ، و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا أن تحاجّه لنا ، و اعلم أنّه أعظم النّاس دعوى فلا يكسرنك ذلك عنه و من الأبواب التي يخدع بها النّاس الطعام و الشراب و العسل و الدهن ، فلا تأكل له طعاما و لا تشرب له شرابا ، و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه . و احذر هذا كلّه منه فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة ،

و تعوّذ باللّه من كيده و كيد الشيطان ، فإذا جلست إليه فلا تمكّنه من بصرك كلّه و لا تستأنس به . ثم قل له : إنّ أخويك في الدين و ابني عمّك في القرابة يناشدانك القطيعة ، و يقولان لك : أما تعلم انّا تركنا النّاس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، فلمّا نلت أدنى مناك ، ضيّعت حرمتنا و قطعت رجاءنا ، ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النّاس ، و إنّ من كان يصرفك عنّا و عن صلتنا كان أقل نفعا لك و أضعف دفعا منا ، و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا انتهاك منك لنا و دعاء علينا ، فما الذي يحملك على ذلك ؟ فقد كنّا نرى

-----------
( 1 ) نهج البلاغة 2 : 101 ، شرح ابن أبي الحديد 9 : 299 .

-----------
( 2 ) في شرح ابن ميثم 3 : 326 : إذا يدك أيضا .

[ 90 ]

أنّك أشجع فرسان العرب ، أتتخذ اللعن دينا و ترى أنّ ذلك يكسرنا عنك ؟ . فلما أتى خداش إليه عليه السّلام صنع ما أمراه به ، فلمّا نظر عليه السّلام إليه و هو يناجي نفسه ضحك ، و أشار له إلى مجلس قريب منه : ادن هاهنا . فقال : ما أوسع المكان ،

اريد أن اؤدي إليك رسالة . فقال عليه السّلام له : بل تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك . قم يا قنبر فأنزله .

قال : مالي إلى شي‏ء ممّا ذكرت حاجة .

قال : فأخلو بك .

قال : كل سر لي علانية .

فقال عليه السّلام له : هل علماك كلاما تقوله إذا أتيتني ؟ قال : اللهمّ نعم . قال عليه السّلام :

آية السخرة ؟ قال : نعم . قال : فاقرأها . و جعل عليه السّلام يكرّرها و يردّدها و يصحّح عليه إذا أخطأ ، حتّى قرأها سبعين مرّة . فقال الرجل : ما يرى أمير المؤمنين يرددها سبعين مرّة . قال : أتجد قلبك اطمأن ؟ قال : أي و الذي نفسي بيده . قال :

فما قالا لك ؟ فأخبره و قال : قل لهما كفى بنطقكما حجّة عليكما ، و لكن اللّه لا يهدي القوم الظالمين ، زعمتم أنّكم أخواي في الدين و أبناء عمّي في النسب ، أمّا النسب فلا انكره و إن كان النسب مقطوعا ، إلاّ ما وصله اللّه ، و أمّا قولكما إنّكما أخواي في الدين ، فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب اللّه و عصيتما أمره ،

بأفعالكما في أخيكما في الدين ، و إلاّ فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنّكما أخواي في الدين . و أما مفارقتكما النّاس منذ قبض اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، فإن كنتما فارقتما النّاس بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إيّاي أخيرا ، و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما ، مع أنّ صفتكما بمفارقتكما النّاس لم يكن إلاّ لطمع الدّنيا ، زعمتما و ذلك قولكما فقطعت رجاءنا و أنتما لا تعيبان بحمد اللّه من ديني شيئا ، و أمّا الذي صرفني

[ 91 ]

عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابكما ، كخلع الحرون لجامه هو اللّه ربي لا اشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا ،

فتستحقا اسم الشرك مع النفاق .

و أما قولكما إنّي اشجّع فرسان العرب و هربكما من لعني و دعائي ، فإن لكل موقف عملا ، فاذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل و ملأ سحراكما أجوافكما فثم يكفيني اللّه بكمال القلب .

و أما إذ أبيتما بأنّي أدعو اللّه فلا تجرعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما ، اللهم اقعص الزبير بشرّ قتلة و اسفك دمه على ضلاله ، و عرف طلحة المذلّة ، و ادخر لهما في الآخرة شرّا من ذلك إن كانا ظلماني و افتريا عليّ و كتما شهادتهما و عصياك و عصيا رسولك فيّ قل آمين قال خداش : آمين .

ثم قال خداش لنفسه : و اللّه ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك ، حامل حجّة ينقض بعضها بعضا لم يجعل اللّه لهما مساكا ، أنا بري‏ء إلى اللّه منهما و قال عليه السّلام له : ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت . قال : لا و اللّه حتّى تسأل اللّه أن يردّني إليك عاجلا ، و أن يوفقني لرضاه فيك . ففعل فلم يلبث أن انصرف و قتل معه عليه السّلام يوم الجمل 1 .

و روى ( بصائر الصفار ) في ( باب أنّهم عليهم السّلام يخبرون شيعتهم بأفعالهم و أفعال غيرهم و هم غيب ) : أنّ عايشة قالت : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل ، حتّى أبعثه إليه . فأتيت به ، فمثل بين يديها ، فرفعت إليه رأسها فقالت له : ما بلغت من عداوتك لهذا الرجل ؟

فقال : كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي فضربته

-----------
( 1 ) الكافي 1 : 343 345 بتصرّف و تلخيص من الشارح .

[ 92 ]

ضربة بالسيف يسبق السيف الدم . قالت : فأنت له اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ، ظاعنا رأيته أو مقيما ، أما إنّك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا على بلغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله متنكبا قوسه ، معلقا كنانته على قربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف فتعطيه كتابي هذا ، و إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإن فيه السحر .

قال : فاستقبلت عليّا عليه السّلام فناولته الكتاب ، ففضّ خاتمه ثم قرأه فقال : تبلغ إلى منازلنا فتصيب من طعامنا و شرابنا ، فنكتب جواب كتابك . فقال : هذا ما لا يكون . فسار خلفه و أحدق به أصحابه .

ثم قال له : أسألك ؟ قال : نعم . قال : و تجيبني ؟ قال : نعم . قال : نشدتك اللّه هل قالت عايشة : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل ؟ فاتي بك ، فقالت لك : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل ؟ فقلت : كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي ، و أنا ضربته ضربة سبق السيف الدم ؟ قال : اللهمّ نعم .

قال : فنشدتك اللّه أقالت لك : اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما أما إنّك إن رأيته على بلغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، متنكبا قوسه ، معلقا كنانته بقربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف ؟ قال : اللهم نعم .

قال عليه السّلام : فنشدتك اللّه هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإنّ فيه السحر ؟ قال : اللهمّ نعم . قال : فتبلغ أنت عني ؟ فقال :

اللهمّ نعم ، فاني قد أتيتك و ما في الأرض خلق أبغض إليّ منك ، و أنا الساعة ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .

قال عليه السّلام : ارجع إليها بكتابي هذا ، و قل لها : ما أطعت اللّه حيث أمرك بلزوم بيتك فخرجت ترددين في العسكر .

و قل لهما : ما أنصفتما اللّه و رسوله حيث خلفتم حلائلكم في بيوتكم

[ 93 ]

و أخرجتم حليلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فجاء بكتابه فطرحه إليها و أبلغها مقالته ، ثم رجع إليه فاصيب بصفّين ، فقالت : ما نبعث إليه بأحد إلاّ أفسده علينا 1 .

قول المصنّف :

« و الرجل يعرف بكليب الجرمي » .

هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) 2 ، و ليس في ( ابن ميثم ) 3 ، و كيف كان فكليب الجرمي عنونه ( الاستيعاب ) . و روى أنّه قال : خرجت مع أبي إلى جنازة شهدها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنا غلام أفهم و أعقل ، فقال صلّى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه تعالى يحب من العاقل إذا عمل عملا أن يحسن 4 .

قلت : الأصل في خبره كما روى ( الكافي ) : أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى في قبر عثمان بن مظعون خللا فقال ذلك .

و الرجل و إن كان قال أنا في حال كوني غلاما أفهم و أعقل ، إلاّ أنّه بعد صيرورته شيخا ما كان يعقل ، فتوهم أنّه يجوز له تقليده قومه في أمر الدين كأمر الدّنيا ، حتّى ضرب عليه السّلام له المثل مع أن مثله فطري و لذا بايع صاحباه .

ثم إنّه بعد ما رأى منه عليه السّلام الآيات لم يعرف أنّه لا محل للشرط معه عليه السّلام ،

كما عرفته من خبر الواقدي .

هذا و ( جرم ) بالفتح و السكون ينصرف إلى جرم قضاعة ، و إن قالوا : إنّ في بجيلة و عامله وطي أيضا جرم .

-----------
( 1 ) بصائر الدرجات : 263 264 .

-----------
( 2 ) نهج البلاغة 2 : 101 ، شرح ابن أبي الحديد 9 : 299 .

-----------
( 3 ) و العبارة موجودة في شرح ابن ميثم 3 : 326 أيضا .

-----------
( 4 ) الاستيعاب بهامش الإصابة 3 : 313 .

[ 94 ]