الخطبة ( 12 ) و من كلام له عليه السّلام لما أظفره اللّه بأصحاب الجمل ،
وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاَناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اَللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ ع :
أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ اَلنِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ اَلزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ اَلْإِيمَانُ أقول : و روي نظيره عنه عليه السّلام في أهل النهروان ، لمّا أظفره اللّه بهم ، روى البرقي في ( محاسنه ) عن ابن شمون عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن الصباح المزني عن الحرث بن الحضيرة عن الحكم بن عيينه قال : لمّا قتل أمير المؤمنين عليه السّلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف و قتلنا معك هؤلاء الخوارج . فقال عليه السّلام : و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ، لقد شهدنا في هذا الموقف اناس لم يخلق اللّه آباءهم و لا أجدادهم بعد . فقال الرجل : و كيف يشهدنا قوم لم يخلقوا ؟ قال : بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا في ما نحن فيه ، و يسلّمون لنا فاولئك شركاؤنا في ما كنّا فيه حقا حقّا 1 .
قول المصنف : « لمّا أظفره اللّه بأصحاب الجمل » ، هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) 2 ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « لمّا ظفر بأصحاب الجمل » 3 ،
-----------
( 1 ) المحاسن للبرقي 1 : 262 .
-----------
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 39 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 247 .
-----------
( 3 ) في شرح ابن ميثم 1 : 288 : لمّا أظفره اللّه بأصحاب الجمل أيضا .
[ 166 ]
و كيف كان فروى النعماني في ( غيبته ) عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال :
لمّا التقى أمير المؤمنين و أهل البصرة نشر عليه السّلام راية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فزلزلت أقدامهم فما اصفرت الشمس حتّى قالوا : آمنا يابن أبي طالب . فعند ذلك قال : لا تقتلوا الاسراء ، و لا تجهزوا على جريح ، و لا تتبعوا موليا ، و من ألقى سلاحه فهو آمن ، و من أغلق بابه فهو آمن . و لمّا كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم ، فتحملوا عليه بالحسنين عليهما السّلام و عمّار . فقال : إنّ للقوم مدة يبلغونها ، و إنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم عليه السّلام 1 .
و روى ابن عبد ربه في ( عقده ) عن سعيد عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عايشة عشرون ألفا معهم ثمانمائة من بني ضبة ، و قتل من أصحاب عليّ عليه السّلام خمسمائة رجل لم يعرف منهم إلاّ عمّار بن الحرث السدوسي و هند الجملي . . . 2 .
و في ( المروج ) : كانت الوقعة في الموضع المعروف بالحربية ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ( 36 ) 3 .
و في ( تاريخ اليعقوبي ) : كانت الحرب أربع ساعات من النهار ، فروى بعضهم أنّه قتل في ذلك اليوم نيف و ثلاثون ألفا ، ثم نادى مناديه عليه السّلام : ألا لا يجهز على جريح . . . 4 .
و في ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قال : كنت أنا و الأسود بن أبي البختري و الزبير قد تواعدنا و تعاهدنا بالبصرة لئن لقينا القوم لنموتن أو لنقتلنّ عليّا إلى أن قال فانظر إلى عليّ و قد انتهى
-----------
( 1 ) الغيبة : 208 .
-----------
( 2 ) العقد الفريد 5 : 74 75 .
-----------
( 3 ) مروج الذهب 2 : 377 .
-----------
( 4 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 183 .
[ 167 ]
إلى الجمل ، و سيفه يرعف دما و هو واضعه على عاتقه ، و هو يصيح بمحمّد بن أبي بكر اقطع البطان . فكانت الهزيمة 1 .
« و قد قال له بعض أصحابه : وددت أنّ أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك اللّه به على أعدائك . فقال عليه السّلام له » هكذا في ( المصرية ) 2 و كلمة ( له ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) 3 و ( الخطيّة ) .
« أ هوى أخيك معنا ؟ فقال : نعم ، فقال : فقد شهدنا » في ( خصائص النسائي ) :
أنّه عليه السّلام قال بعد ظفره بأهل النهروان : و لقد شهدنا اناس باليمن ، قالوا : كيف ؟
فقال عليه السّلام : هواهم معنا 4 .
و قال ابن أبي الحديد : قال حبة العرني : قسّم عليّ عليه السّلام بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة ، و أخذ عليه السّلام خمسمائة كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة ، فقال : يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك بقلبي و إن غاب عنك جسمي ، فأعطني من الفيء شيئا ، فدفع إليه الذي أخذه لنفسه 5 .
قلت : و رواه ( المروج ) هكذا : دخل عليّ عليه السّلام بيت مال البصرة في جماعة من المهاجرين و الأنصار ، فنظر إلى ما فيه من العين و الورق فجعل يقول : « يا صفراء غري غيري » و أدام النظر إلى المال مفكّرا ، ثم قال : اقسموه بين أصحابي و من معي خمسمائة خمسمائة . ففعلوا فما نقص درهم واحد و عدد الرجال اثنا عشر ألفا . و قبض ما كان في عسكرهم من سلاح و دابة و متاع و آلة و غير ذلك ، فباعه و قسّمه بين أصحابه ، و أخذ لنفسه ما أخذ لكل واحد ممّن
-----------
( 1 ) الجمل للمفيد : 375 .
-----------
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 39 .
-----------
( 3 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد 1 : 247 و لكن في شرح ابن ميثم 1 : 288 : قال له أيضا .
-----------
( 4 ) خصائص أمير المؤمنين : 319 ح 184 .
-----------
( 5 ) شرح ابن أبي الحديد 1 : 250 .
[ 168 ]
معه خمسمائة درهم ، فأتاه رجل من أصحابه فقال : إنّي لم آخذ شيئا و خلّفني عن الحضور كذا و أدلى بعذر فأعطاه الخمسمائة التي له 1 .
و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال غندر : حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرّة قال :
سمعت عبد اللّه بن سلمة و كان مع عليّ عليه السّلام يوم الجمل و الحرث بن سويد و كان مع طلحة و الزبير و تذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحرث : و اللّه ما رأيت مثل يوم الجمل ، لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا و أشرعنا رماحنا في صدورهم ، و لو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، فو اللّه لوددت أنّي لم أشهد ذلك اليوم ، و إنّي أعمى مقطوع اليدين و الرجلين . فقال عبد اللّه بن سلمة :
و اللّه ما يسرني أنّي غبت عن ذلك اليوم و لا عن مشهد شهده عليّ عليه السّلام بحمر النعم 2 .
و في ( غارات الثقفي ) : في كتابه عليه السّلام إلى أهل مصر و إلى محمّد بن أبي بكر : إنّ اللّه عزّ و جلّ يعطي العبد على قدر نيّته ، و إذا أحبّ الخير و أهله و لم يعمله كان كمن عمله ، فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال حين رجع من تبوك : إنّ بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا هبطتم من واد إلاّ كانوا معكم ، ما حبسهم إلاّ المرض ، يقول : كانت لهم نيّة 3 .
هذا و في ( بلاغات البغدادي ) و ( عقد ابن عبد ربه ) : قال معاوية لزرقاء الهمدانية بعد أن كتب إلى عامله بإيفادها و ذكره لها حضّها في صفين عليه و خطبها في ذلك : و اللّه يا زرقاء لقد شركت عليّا في كل دم سفكه . فقالت :
أحسن اللّه بشارتك مثلك من بشر بخير و سر جليسه . فقال لها معاويه : و قد
-----------
( 1 ) مروج الذهب 2 : 380 .
-----------
( 2 ) العقد الفريد 5 : 75 .
-----------
( 3 ) الغارات 1 : 229 230 .
[ 169 ]
سرّك ذلك ؟ قالت : نعم و اللّه لقد سرّني قولك ، فإنّي بتصديق الفعل . فقال لها معاوية : و اللّه لوفاؤكم لعليّ بعد موته أعجب إليّ من حبكم له في حياته 1 .
و لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام ، هكذا في ( المصرية ) 2 ، و الصواب :
( قوم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) 3 .
« في أصلاب الرجال و أرحام النساء » منهم السيّد الحميري حيث يقول :
إنّي ادين بما دان الوصيّ به
و شاركت كفّه كفي بصفينا
في سفك ما سفك منها إذا احتضروا
و أبرز اللّه للقسط الموازينا
تلك الدماء يا ربّ في عنقي
ثم اسقني مثلها آمين آمينا
و في ( العقد ) : كانت الشيعة من تعظيمهم له يلقون له و سارا بمسجد الكوفة فينشدهم 4 .
قال بعض الشيعة :
إنّي ادين بحب آل محمّد
و بني الوصيّ شهودهم و الغيب
و أنا البريء من الزبير و طلحة
و من التي نبحت كلام الحوب 5
« سيرعف » الرعاف : خروج الدم من الأنف ، « بهم الزمان و يقوى بهم الايمان » قال ابن أبي الحديد : قال الشاعر :
و ما رعف الزمان بمثل عمرو
و لا تلد النساء له ضريبا 6
قلت : و قيل لاعرأبي كيف ابنك ؟ و كان عاقّا فقال : عذاب رعف به الدهر
-----------
( 1 ) العقد الفريد 1 : 346 349 .
-----------
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 39 .
-----------
( 3 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد 1 : 247 ، و لكن في شرح ابن ميثم 1 : 288 : أقوام أيضا .
-----------
( 4 ) العقد الفريد 5 : 91 .
-----------
( 5 ) العقد الفريد 5 : 79 .
-----------
( 6 ) شرح ابن أبي الحديد 1 : 247 .
[ 170 ]
فليتني قد أودعته القبر ، فإنّه بلاء و لا يقاومه الصبر ، و فائدة لا يجب فيها الشكر . و لبعضهم في شعر كتبه بالقلم :
و بيت على ظهر المطى بنيته
باسمر مشقوق الخياشيم مرعف
و وجه قوله عليه السّلام : إنّ كل من رضي بعمل آخر من خير أو شر فكأنّه عمله ، و لذا نسب اللّه تعالى عقر ناقة صالح إلى جميع قومه ، فقال سبحانه :
فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . و لا يخاف عقباها 1 ، مع أنّ العاقر كان واحدا و هو قيدار ، لرضى باقيهم بعمله .
و حينئذ فكما أنّ من كان هواه معه عليه السّلام ، كان كمن شهده في عسكره ،
كان من كان هواه مع مخالفيه كأنه شهد حربه في عسكر عايشة ، و إخواننا السنّة لا يستوحشون من ذلك ، ففي سنة ( 363 ) كما في ( الجزري ) : حملوا امرأة على جمل و سمّوها عايشة و سمّى بعضهم نفسه طلحة و بعضهم الزبير ، و قاتلوا شيعة بغداد و جعلوا يقولون : نقاتل أصحاب عليّ بن أبي طالب 2 .
و في عصرنا كان المصريون يأتون في كل سنة بمحمل باسمها إلى مكّة ، حتّى منعتهم الوهابية بعد غلبتهم على الحجاز و نرضى لهم ما رضوا لأنفسهم .
هذا و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : أنشدنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه البندنيجي البغدادي ، قال : أنشدنا بعض مشائخنا أنّ ابن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلاء فجعل يبكي على الحسين عليه السّلام و قال :
أ حسين و المبعوث جدّك بالهدى
قسما يكون الحق عند مسائلي
-----------
( 1 ) الشمس : 14 15 .
-----------
( 2 ) الكامل 7 : 51 ، سنة 363 .
[ 171 ]
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في
تنفس كربك جهد الباذل
و سقيت حد السيف من أعدائكم
عللا و حد السمهري الذابل
لكنني اخرت عنك لشقوتي
فبلا بلى بين الغري و بابل
هبني حرمت النصر من أعدائكم
فأقلّ من حزن و دمع سائل
ثم نام في مكانه فرأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المنام فقال له : يا فلان جزاك اللّه عنّي خيرا ، أبشر فإن اللّه قد كتبك ممّن جاهد بين يدي الحسين 1 .
هذا و عن ( المناقب ) : كان بالمدينة رجل ناصبي فتشيع ، فسئل عن السبب ؟ فقال : رأيت في منامي عليّا عليه السّلام ، فقال لي : لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل ؟ فأطرقت افكّر . فقال : يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم ، اعطوا قفاه . فصفقت حتّى انتبهت و قد ورم قفاي فرجعت إليه 2 .
و في ( المناقب ) : عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : « ليرعفن جبار من جبارة بني اميّة على منبري هذا » فرئي عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه على المنبر 3 .
و في ( الخلفاء ) : ولّى يزيد عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي على المدينة و مكة و على الموسم ، فلمّا استولى على المنبر رعف فقال رجل مستقبله : جئت و اللّه بالدم ، فتلقاه رجل آخر بعمامته فقال : مه و اللّه عم النّاس ، ثم قام يخطب فتناول عصا لها شعبتان فقال : مه شعب و اللّه أمر النّاس 4 .
-----------
( 1 ) تذكرة الخواص : 273 .
-----------
( 2 ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 2 : 168 .
-----------
( 3 ) المصدر نفسه 1 : 96 .
-----------
( 4 ) الإمامة و السياسة 1 : 205 .
[ 172 ]