4

الخطبة ( 51 ) و من خطبة له عليه السّلام لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السّلام على شريعة الفرات بصفّين و منعوهم من الماء :

قَدِ اِسْتَطْعَمُوكُمُ اَلْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وَ تَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ أَوْ رَوُّوا اَلسُّيُوفَ مِنَ اَلدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ اَلْمَاءِ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ وَ اَلْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ أَلاَ وَ إِنَّ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ قَادَ لُمَةً مِنَ اَلْغُوَاةِ وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ اَلْمَنِيَّةِ أقول : الأصل في العنوان ما رواه نصر بن مزاحم و قد نقله ابن أبي الحديد 2 أيضا عن عمرو بن شمر عن جابر قال : خطب علي عليه السّلام فقال : « أمّا بعد ، فانّ القوم قد بدؤكم بالظلم ، و فاتحوكم البغي ، و ابتدؤوكم بالعدوان و استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء ، فأقروا على مذلة و تأخير محلة . . . » .

قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) 3 ، و الصواب :

( و من كلام له عليه السّلام ) كما ( في ابن أبي الحديد و ابن ميثم 4 و الخطية ) ، و إن عرفت من نصر انّ الكلام كان خطبة .

« لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السّلام على شريعة الفرات » قال

-----------
( 1 ) البقرة : 253 .

-----------
( 2 ) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 : 244 .

-----------
( 3 ) الطبعة المصرية : 96 الخطبة 51 .

-----------
( 4 ) شرح ابن ميثم 2 : 135 .

[ 215 ]

الدينوري في ( طواله ) 1 : أقبل معاوية بالخيل نحو صفين ، و على مقدّمته سفيان بن عمرو أبو الأعود السلمي ، و على ساقته بسر بن أبي أرطأة العامري و صفين قرية خراب من بناء الروم منها الى الفرات غلوة ، و على شط الفرات ممّا يليها غيضة متلفة ، فيها نزوز ، طولها نحو من فرسخين ، و ليس في ذينك الفرسخين طريق الى الفرات ، إلاّ طريق واحد مفروش بالحجارة ، و سائر ذلك خلاف و غرب ملتف لا يسلك ، و جميع الغيضة نزوز و وحل ، إلاّ ذلك الطريق الذي يأخذ من القرية الى الفرات فأقبلا حتى سبقا الى موضع القرية ، فنزلا هناك من ذلك الطريق ، و وافاهما معاوية بجميع الفيلق حتى نزل معهما ، و أمر معاوية أبا الأعور أن يقف في عشرة آلاف من أهل الشام على طريق الشريعة ،

فيمنع من أراد السلوك الى الماء من أهل العراق ، و أقبل علي عليه السّلام حتى وافى المكان ، فصادف أهل الشام احتووا على القرية و الطريق ، فأمر الناس فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية ، و انطلق السقاؤون و الغلمان الى طريق الماء ، فحال أبو الأعور بينهم و بينه ، فاخبر علي عليه السّلام بذلك ، فقال لصعصعة : إيت معاوية فقل له : إنّا سرنا اليكم لنعذر قبل القتال ، فإن قبلتم كانت العافية أحبّ الينا ،

و أراك قد حلت بيننا و بين الماء ، فإن كان أعجب اليك أن ندع ما جئنا له ، و نذر الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا . فأتاه فقال له ما قاله عليه السّلام ، فقال الوليد بن عقبة لمعاوية : امنعهم الماء كما منعوه عثمان . اقتلهم عطشا ، قتلهم اللّه . فقال معاوية لعمرو بن العاص : ما ترى ؟ قال : أرى أن تخلي عن الماء ، فإنّ القوم لن يعطشوا و أنت ريّان . فقال عبد اللّه بن أبي سرح : امنعهم الماء الى اللّيل لعلّهم أن ينصرفوا الى طرف الغيضة ، فيكون انصرافهم هزيمة .

فقال صعصعة لمعاوية : ما الذي ترى ؟ قال ارجع فسيأتيكم رأيي . فانصرف

-----------
( 1 ) الأخبار الطوال : 167 .

[ 216 ]

و ظلّ أهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء ، إلاّ من كان ينصرف من الغلمان الى طرف الغيضة ، فيمشي مقدار فرسخين فيستقي ، فغمّ عليّا عليه السّلام أمر الناس غمّا شديدا ، فأتاه الأشعث فقال : أيمنعنا القوم الماء و أنت فينا و معنا سيوفنا ؟

ولّني الزحف إليه ، فو اللّه لا أرجع أو أموت ، و مر الأشتر فلينضم إليّ في خيله .

فقال له عليّ عليه السّلام : إيت في ذلك ما رأيت . فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور فاقتتلوا ،

و صدقهم الاشتر و الأشعث حتى نفيا أبا الأعور عن الشريعة ، و صارت في أيديهما ، فقال عمرو لمعاوية : ما ظنّك بالقوم اليوم ان منعوك كما منعتهم ؟

فقال معاوية : دع ما مضى ، ما ظنّك بعليّ ؟ قال : ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه ، لأنّه أتاك في غير أمر الماء . ثم توادع الناس . . . .

ثمّ إنّ معاوية كما تصرّف الماء في أوّل وروده ، و منع أصحابه عليه السّلام الماء ، كذلك تصرفها بحيلة بعد ذلك ، ففي ( صفين نصر ) 1 : كتب معاوية في سهم : من عبد اللّه الناصح ، فإنّي اخبركم أنّ معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم ، فخذوا حذركم . ثمّ رمى بالسهم في عسكر علي عليه السّلام ،

فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة . فقرأه ثم أقرأه صاحبه ، فلما قرأه و أقرأه الناس قالوا : هذا أخ لنا ناصح ، كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية .

فلم يزل السهم يقرأ حتى دفع الى أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قد بعث معاوية مائتي رجل من الفعلة الى عاقول من النهر ، بأيديهم المرود و الزنبيل يحفرون فيها بحيال عسكر علي عليه السّلام ، فقال علي عليه السّلام : ويحكم إنّ الّذي يعالج معاوية لا يستقيم له ، و إنّما يريد أن يزيلكم عن مكانكم ، فالهوا عن ذلك . فقالوا له :

هم و اللّه يحفرون الساعة . فقال : ويحكم لا تغلبوني على رأيي . فقالوا :

و اللّه لنرتحلن ، فإن شئت فارتحل و إن شئت فأقم . فارتحلوا ، و ارتحل علي عليه السّلام

-----------
( 1 ) صفين لنصر بن مزاحم : 190 .

[ 217 ]

في اخريات الناس ، و هو يقول :

و لو أنّي اطعت عصبت قومي
الى ركن اليمامة أو شآم

و لكنّي اذا أبرمت أمرا
منيت بخلف آراء الطّغام

و ارتحل معاوية حتى نزل على معسكر علي عليه السّلام الذي كان فيه .

فدعا عليّ عليه السّلام الاشتر فقال : ألم تغلبني على رأيي ، أنت و الأشعث ؟ فقال الأشعث : أنا اكفيك ، ساداوي ما أفسدت . فجمع بني كندة فقال : يا معشر كندة ،

لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني ، إنّما اقارع بكم أهل الشام . فخرجوا معه رجالا يمشون . و بيد الأشعث رمح له يلقيه على الأرض ، و يقول :

امشوا قيس رمحي

فلم يزل يقيس لهم على الأرض برمحه ذلك ، و يمشون معه رجّالة قد كسروا جفون سيوفهم ، حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء و قد جاءه أدنى عسكره ، فاقتتلوا على الماء ساعة ، و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا ، و أقبل الأشتر في خيل من أهل العراق فحمل على معاوية ، و الأشعث يحارب في ناحية ، فردوا وجوه إبل معاوية قدر ثلاثة فراسخ ، ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم ، و الأشعث يهدر و يقول : أرضيتك يا أمير المؤمنين ؟ و لما غلب علي عليه السّلام على الماء فطرد عنه أهل الشام ، بعث الى معاوية : انّا لا نكافيك بصنعك ، هلمّ الى الماء ، فنحن و أنتم سواء . فأخذ كلّ واحد منهما بالشريعة مما يليه ، و قال عليه السّلام لأصحابه : إنّ الخطب أعظم من منع الماء .

هذا ، و نظير حيلة معاوية هذه مع أصحابه عليه السّلام حيلة أبي مسلم في قتاله لعبد اللّه بن علي عم المنصور ، فأقبل أبو مسلم الى عبد اللّه و نزل ناحية لم يعرض له ، و أخذ طريق الشام و كتب الى عبد اللّه : إنّي لم اؤمر بقتالك إنّما ولاّني المنصور الشام ، و إنما اريدها . فقال من كان مع عبد اللّه من أهل الشام : كيف

[ 218 ]

نقيم معك ، و هذا يأتي بلادنا و فيها حرمنا ، فيقتل من قدر عليه من رجالنا ،

و يسبي ذرارينا ؟ و لكنّا نخرج الى بلادنا ، فنمنعه حرمنا و ذرارينا ، و نقاتله إن قاتلنا . فقال لهم عبد اللّه : إنّه و اللّه ما يريد الشام و ما وجّه إلاّ لقتالكم ، و لئن أقمتم ليأتينكم . فأبوا إلاّ المسير ، فأقبل أبو مسلم فعسكر قريبا ، و ارتحل عبد اللّه من معسكره نحو الشام ، فتحوّل أبو مسلم حتى نزل في موضعه ، و عور ما كان حوله من المياه ، و ألقى فيها الجيف ، فقال عبد اللّه لأصحابه : ألم أقل لكم ؟ . . . .

هذا ، و في ( القاموس ) : بليل كزبير شريعة صفين .

« بصفين » في ( فتوح البلاذري ) : بالس ، و بولس ، و قاصرين ، و عابدين ،

و صفين : قرى منسوبة الى الروم .

و في ( مصباح الفيومي ) 1 : صفين : موضع على الفرات من الجانب الغربي بطرف الشام ، مقابل قلعة نجم ، و هو فعلين من الصف ، أو فعيل من الصفون .

قلت : و حيث إنّها كانت من بناء الروم كما عرفته من الدينوري و البلاذري فلا وجه لكونه من الصف .

و قد ذكره الجوهري 2 و الفيروز آبادي 3 و الجزري في صفن . و قال الأخير : في اعرابه قولان ، أحدهما : أن يقرأ بالياء و فتح النون مطلقا ، و الثاني : أن يعرب بالنون .

« و منعوهم الماء » هكذا في ( المصرية ) 4 ، و الصواب : ( من الماء ) كما في

-----------
( 1 ) المصباح للفيومي 1 : 414 .

-----------
( 2 ) الصحاح للجوهري 6 : 2152 .

-----------
( 3 ) الفيروز آبادي 4 : 242 .

-----------
( 4 ) الطبعة المصرية : 96 الخطبة 51 .

[ 219 ]

( ابن أبي الحديد 1 و ابن ميثم 2 و الخطية ) .

قوله عليه السّلام : « قد استطعموكم القتال » جعله عليه السّلام منعهم عن شرب الماء كاستطعام للقتال أحسن كناية .

و في ( صفين نصر ) 3 : قال الأشعث لعمرو : و اللّه إن كنت لأظنّ لك رأيا ،

فاذا أنت لا عقل لك ، أترانا نخليك و الماء ؟ فقال له عمرو : كنت مقهورا على ذلك الرأي فكايدتك بالتهدد .

« فأقروا على مذلّة و تأخير محلة » بالرضا بأن تبقى الشريعة في أيديهم .

و لمّا قتل عبد اللّه بن معديكرب أراد أخوه عمرو بن معديكرب أخذ ديته و ترك ثأره ، فقالت اخته كبشة :

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم
فمشوا بآذان النعام المصلّم

و دع عنك عمرا إنّ عمرا مسالم
و هل بطن عمرو غير شبر لمطعم 4

و لمّا كان أسماء بن خارجة ذهب بهاني بن عروة الى عبيد اللّه بن زياد فقتله ، قال عبد اللّه بن الزبير الأسدي مخاطبا لمذحج قوم هاني :

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم
فكونوا بغايا ارضيت بقليل 5

« أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء » و في ( صفين نصر ) 6 : أنّ الأشتر روّى سيفه من دماء سبعة من فرسانهم : صالح بن فيروز العكي ،

و كان مشهورا بشدّة البأس ، شد عليه بالرمح و فلق ظهره ، ثم مالك بن أدهم

-----------
( 1 ) شرح ابن أبي الحديد 3 : 244 .

-----------
( 2 ) شرح ابن ميثم 2 : 135 ، و فيه : « منعوهم الماء » .

-----------
( 3 ) صفين لنصر بن مزاحم : 169 و 170 .

-----------
( 4 ) الأغاني 15 : 230 .

-----------
( 5 ) الأغاني لأبي الفرج 14 : 229 ، و فيه أورد مطلع القصيدة .

-----------
( 6 ) صفين لنصر بن مزاحم : 174 .

[ 220 ]

السلماني و كان من فرسانهم ، ثم رماح بن عتيك الغساني ، ثم إبراهيم بن وضاح الجمحي ، ثم أزمل عتيك الحزامي و كان من أصحاب ألويتهم ، ثم أجلح بن منصور الكندي و كان من أعلام العرب و فرسانها و ماتت اخته حبلة حزنا عليه ، ثم محمد بن روضة الجمحي ، خرج و هو يقول :

يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
أضربكم و لا أرى أبا حسن

فشدّ عليه الأشتر و هو يقول :

لا يبعد اللّه سوى عثمانا
مخالف قد خالف الرحمانا

نصرتموه عابدا شيطانا

فقتله . و قال أيضا و قد كان قتل من آل ذي يزن رجلا ، و من آل ذي لقوه فارس الأردن .

اليوم يوم الحفاظ
بين الكماة الغلاظ

نحفزها و المظاظ

هذا ، و ذكر أعرابي قوما تحاربوا ، فقال : أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول ، فلما تصافحوا بالسيوف ، فغرت المنايا أفواهها .

و قال صخر أخو خنساء في أخذه ثار أخيه معاوية من بني مرّة :

و مرّة قد صبحناها المنايا
فروّينا الأسنة غير فخر 1

و في ( عيون القتيبي ) 2 : لما صرف أهل مزة الماء عن أهل دمشق ،

و وجهوه الى الصحاري ، كتب إليهم أبو الهندام : إلى بني استها أهل مزة ليمسي الماء أو لتصبحنكم الخيل . فوافاهم الماء قبل أن يعتموا ، فقال أبو الهندام :

-----------
( 1 ) الأغاني لأبي الفرج 15 : 101 .

-----------
( 2 ) العيون للقتيبي 1 : 197 .

[ 221 ]

الصدق ينبي عنك لا الوعيد

« فالموت في حياتكم مقهورين ، و الحياة في موتكم قاهرين » هو في جمع المعنى و رفع المغزى ، كقوله تعالى : و لكم في القصاص حياة يا اولي الألباب . . . 1 .

كان عمليق الطسمي قضى على جديس : ان يذهبوا ببناتهم ليلة زفافهم قبل ازواجهم إليه فيفترعهن هو ، فذهبوا بعفيرة بنت عباد الجديسي إليه فافترعها ، فخرجت الى قومها شاقة درعها من قبل و من دبر في أقبح منظر ،

قائلة :

لا أحد أذلّ من جديس
أ هكذا يفعل بالعروس

و قالت في تحريض قومها :

فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم
و دبوا لنار الخطب بالحطب الجزل

فللبين خير من تماد على أذى
و للموت خير من مقام على الذّل

و إن أنتم لم تغضبوا بعد هذه
فكونوا نساء لا تعاب من الكحل

و دونكم طيب العروس فإنّما
خلقتم لأثواب العروس و للنسل

فصار تحريضها سببا لقتل العمليق 2 و قال صخر أخو خنساء لمّا طال مرضه ، و سئلت امرأته عنه فقالت : لا حي فيرجى و لا ميت فينعى :

و للموت خير من حياة كأنّها
محلة يعسوب برأس سنان 3

و تمثّل زيد بن علي يوم قتل بقول القائل :

-----------
( 1 ) البقرة : 179 .

-----------
( 2 ) الأغاني لأبي الفرج 11 : 165 166 .

-----------
( 3 ) الأغاني لأبي الفرج 15 : 79 .

[ 222 ]

اذل الحياة و عز الممات
و كلاّ أراه طعاما وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد
فسيروا إلى الموت سيرا جميلا

و ذكروا : أنّ عبد الجبار الأزدي خرج على المنصور ، فانهزم ، فحمل إليه فقال للمنصور : قتلة كريمة . قال تركتها وراءك يابن اللخناء .

و قال البحتري في بني حميد ، و قد قتلوا في الحرب ، لأبيهم :

أبا غانم أردى بنيك اعتقادهم
بأن الردى في الحرب أكبر مغنم

مضوا يستلذّون المنايا حفيظة
و حفظا لذاك السؤدد المتقدّم

و لمّا رأوا بعض الحياة مذلّة
عليهم و عز الموت غير محرم

أبوا أن يذوقوا العيش و الذم واقع
عليه و ماتوا ميتة لم تذمم

« ألا و ان معاوية قاد لمة » بتخفيف الميم ، أي : جماعة . ذكره الجوهري في لام ، و قال : و الهاء عوض عن الهمزة الذاهبة في وسطه . و في ( الجمهرة ) : اللمة منقوصة : الجماعة ، و الجمع لمات ، و ظاهره كون الأصل : لما .

و كيف كان فالظّاهر انّه ليس بمعنى مطلق الجماعة ، بل جماعة موافقة ،

ففي ( النهاية ) 1 : في الخبر : ليتزوج الرجل لمته من النساء ، و لتتزوج المرأة لمتها من الرجال . و حينئذ فمعنى كلامه عليه السّلام : أنّه قاد جماعة موافقة له في الخبث ، و يشهد له موارد استعماله .

قال الشاعر :

سبحان من منتطق المأثور
جهلا لدى سرادق الحصير

وسط لمات الملأ الحضور
إنّ السباب و غر الصدور

فالحصير : الملك ، و الملأ : جماعته .

« من الغواة » جمع الغاوي . أي : الضالين .

-----------
( 1 ) النهاية 4 : 274 .

[ 223 ]

« و عمس » في ( الصحاح ) العمس أن ترى أنّك لا تعرف الأمر و أنت عارف به . قال ابن السكّيت : أمر عموس و عماس ، أي : مظلم لا يدرى من أين يؤتى له ،

و منه قولهم جاءنا بامور معمسات ، أي : مظلمة ملوية عن جهتها .

« عليهم الخبر حتى جعلوا نحورهم » جمع النحر ، بمعنى : المنحر .

« أغراض » جمع الغرض ، أي : الهدف .

« المنية » أي : الموت ، ففي ( صفين نصر ) 1 : أنّ معاوية لما أتاه كتاب علي عليه السّلام بعزله عن الشام بعد عثمان صعد المنبر ، و قال : يا أهل الشام ، قد علمتم أنّي خليفة أمير المؤمنين عمر و خليفة عثمان و قتل مظلوما . و تعلمون أنّي وليّه . و اللّه يقول : . . . و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا . . . 2 . . . .

و وضع من يقوم في الناس و يروي لهم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : إنّ عثمان كان على الحق ، و بث فيهم أنّ عليّا لا يصلّي .

و في ( صفين نصر ) 3 : ذكروا أنّه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة ، فقال لهم : يا أهل الشام هذا و اللّه أوّل الظفر ، لا سقاني اللّه و لا سقى أبا سفيان إن شربوا منه ، حتى يقتلوا بأجمعهم عليه .

و فيه 4 : خرج رجل من أهل الشام ، فقال : من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي عليه السّلام فاقتتلا ساعة ، ثم إنّ العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها ، فقاتل و لم يسقط الى الأرض ، ثم ضرب يده فقطعها ،

فرمى الشامي سيفه بيده اليسرى الى أهل الشام و قال لهم : دونكم سيفي هذا ، فاستعينوا به على عدوّكم . فأخذوه ، فاشترى معاوية ذلك السيف

-----------
( 1 ) صفين لنصر بن مزاحم : 81 .

-----------
( 2 ) الإسراء : 33 .

-----------
( 3 ) صفين لنصر بن مزاحم : 163 .

-----------
( 4 ) صفين لنصر بن مزاحم : 388 .

[ 224 ]

من أولياء المقتول بعشرة آلاف .