في الخطبة ( 130 ) منها :
فَإِنَّهُ وَ اَللَّهِ اَلْجِدُّ لاَ اَللَّعِبُ وَ اَلْحَقُّ لاَ اَلْكَذِبُ وَ مَا هُوَ إِلاَّ اَلْمَوْتُ قَدْ أَسْمَعَ دَاعِيهِ وَ أَعْجَلَ حَادِيهِ فَلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ فَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ اَلْمَالَ وَ حَذِرَ اَلْإِقْلاَلَ وَ أَمِنَ اَلْعَوَاقِبَ طُولَ أَمَلٍ وَ اِسْتِبْعَادَ أَجَلٍ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ اَلْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ وَ أَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَادِ اَلْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ اَلرِّجَالُ اَلرِّجَالَ حَمْلاً عَلَى اَلْمَنَاكِبِ وَ إِمْسَاكاً بِالْأَنَامِلِ أَ مَا رَأَيْتُمُ اَلَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً وَ يَبْنُونَ مَشِيداً وَ يَجْمَعُونَ كَثِيراً كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً وَ مَا جَمَعُوا بُوراً وَ صَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ وَ أَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لاَ فِي حَسَنَةٍ يَزِيدُونَ وَ لاَ مِنْ سَيِّئَةٍ يَسْتَعْتِبُونَ فَمَنْ أَشْعَرَ اَلتَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ وَ فَازَ عَمَلُهُ فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا وَ اِعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا فَإِنَّ اَلدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا اَلْأَعْمَالَ إِلَى دَارِ اَلْقَرَارِ فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ وَ قَرِّبُوا اَلظُّهُورَ لِلزِّيَالِ
-----------
( 1 ) مريم : 63 .
-----------
( 2 ) راجع صفحة 68 .
[ 207 ]
أقول : قوله : « فإنّه و اللّه الجدّ لا اللّعب » فيه من التأكيد ما لا مزيد عليه لكون المخاطبين عملهم عمل المنكر أشدّ الإنكار و ( الجدّ ) هنا بالكسر لأنّه نقيض الهزل و اللّعب ، و امّا الجدّ بالفتح فهو الحطّ ، و الجدّ بالضّمّ : البئر .
« و الحقّ لا الكذب » في الخبر : لم يخلق اللّه يقينا أقرب إلى الشّك من الموت 1 .
أؤمّل أن أعيش و انّ يومي
بأوّل أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار أو فيومي
بمونس أو عروبة أو شبار
2 و هي أسماء الأسبوع من أحد إلى السبت في الجاهلية .
« و ما هو إلاّ الموت قد اسمع داعيه » هكذا في ( المصرية ) 3 و الظاهر زيادة ( قد ) لخلوّ ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ) عنه 4 ، و في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السلام : ينادي مناد في كلّ يوم ( ابن آدم لد للموت و اجمع للفناء و ابن للخراب ) 5 هذا و واضح ان ( أسمع ) و ( أعجل ) ماضيان و ( داعيه ) و ( حاديه ) بسكون الياء فيهما فاعلان لهما ، و المفعول مقدّر أي : أسمع داعي الموت النّاس و أعجلهم حاديه و قال ( الخوئي ) : « أسمع » و « أعجل » منصوبان على الحال امّا لفظا لو كان ( أفعل ) بصيغة التفضيل فيكون « داعيه » و « حاديه » مجرورين بإضافة ( أفعل ) إليهما من باب اضافة الصفة إلى مفعوله و لو كان
-----------
( 1 ) وردت الرواية في الخصال : لم يخلق اللّه ( عزّ و جلّ ) يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ، الخصال 1 :
14 و نقله المجلسي في البحار 1 : 127 .
-----------
( 2 ) بحار الأنوار للمجلسي 59 : 52 كذلك لسان العرب 4 : 285 .
-----------
( 3 ) الطبعة المصرية المصححة بلا ( قد ) : 301 .
-----------
( 4 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 269 و شرح ابن ميثم 3 : 15 ( قد ) ، و شرح الخوئي 8 : 293 ح 132 .
-----------
( 5 ) الكافي 3 : 255 ح 19 .
[ 208 ]
« أسمع » فعلا ماضيا ف « داعيه » منصوب بالمفعولية 1 . . . و في كلامه كما ترى أوهام فاحشة ، فأيّ معنى للتفضيل هنا فهل يصحّ أن يقال : الموت أسمع من داعيه و أعجل من حاديه ؟ كما أنّه على الماضي لا معنى لأن يقال : أسمع الموت داعيه و اعجل حاديه ، و في ( الأغاني ) : اصطبح نبيه المغني عند عبيد اللّه بن غسان فقال له : أيّ شيء تشتهي ؟ قال كبد غزال فأطعمه فلما استوفى أكله استلقى لينام فحرّكوه ، فإذا هو ميّت فجزعوا ، و بعث عبيد اللّه إلى أمّه فجاءت فأخبرها بخبره . فقالت : لا بأس عليكم هو رابع أربعة ولدتهم كانت هذه ميتتهم جميعا و ميتة أبيهم من قبلهم 2 . . . و قيل بالفارسيّة ( ناگهان بانگى برامد خواجه مرد ) و في ( الحلية ) ، عن زيد بن السلمي : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أنس غفلة أو غرة نادى فيهم بصوت رفيع : أتتكم المنيّة راتبة لازمة امّا بشقاوة و امّا بسعادة 3 .
« و أعجل حاديه » في ( الصحاح ) : ( الحدو ) سوق الإبل و الغناء لها و يقال للشّمال حدواء لأنّها تحدوا السّحاب أي : تسوقه 4 ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : إنّما نعدّلهم عدّا 5 المراد تعداد عدد الأنفاس لا الأيّام فالآباء و الامّهات يحصون أيّام ولدهما .
« فلا يغرّنّك سواد الناس من نفسك » في ( اسد الغابة ) : عاش حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام هو و أباؤه كلّ منهم مائة و عشرين سنة ، و لا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد و عاش كلّ منهم مائة و عشرين سنة ،
-----------
( 1 ) شرح الخوئي 8 : 293 .
-----------
( 2 ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 6 : 162 .
-----------
( 3 ) حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني 7 : 304 .
-----------
( 4 ) الصحاح : ( حدد ) .
-----------
( 5 ) مريم : 18 .
[ 209 ]
و ذكر عند عبد الرحمن بن حسّان عمر أبيه و أجداده فاستلقى على فراشه و ضحك فمات و هو ابن ثمان و أربعين سنة 1 و في ( الكافي ) : أنّ السجّاد و الباقر عليهما السّلام كانا إذا رأيا جنازة قالا : ( الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم ) و قال تعالى حاكيا عن المؤمنين قولهم في القيامة للمنافقين :
و غرَّتكم الأماني حتّى جاء أمر اللّه و غرّكم باللّه الغرور . . . 2 و في ( الطبري ) :
لما احتضر المعتصم جعل يقول : انّي أخذت من بين هذا الخلق لو علمت أنّ عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت و جعل يقول : ذهبت الحيل ليست حيلة ،
حتّى أصمت ، و سمع الحسن البصري جارية تبكي على قبر أبيها و هي تقول :
يا أبه لم أر مثل يومك فقال : الذي لم يرو اللّه مثل يومه أبوك و سمع عمر بن عبد العزيز خصيّا للوليد على قبره و هو يقول : يا مولاي ماذا لقينا من بعدك فقال له عمر : أما و اللّه لو اذن له في الكلام لأخبر أنّه لقي بعدكم أكثر ممّا لقيتم بعده 3 ، هذا و قال ابن ميثم : يعني لا يغرّنك من نفسك الأمّارة بالسوء وسوستها و استغفالها لك عن ملاحظة الموت سواد الناس 4 ، و قال ابن أبي الحديد : « من » في « من نفسك » بمعنى الباء ، أي : لا يغرّنّك النّاس بنفسك و صحتك و شبابك ، و اما متعلّقة بمحذوف تقديره متمكنا من نفسك و راكنا إليها 5 ، و كلّ منهما كما ترى بلا محصّل ، و واضح أنّ المراد دفع الوهم ، بأنّ الإنسان في كلّ وقت يرى عددا لا يحصون فيقول ، كما لم يمت هؤلاء الجمع الكثير لا أموت أنا بأنّ ذلك لا يصير سببا لاغتراره لأنّ السواد يحصل
-----------
( 1 ) اسد الغابة لابن الأثير 2 : 7 .
-----------
( 2 ) الحديد : 14 .
-----------
( 3 ) تاريخ الامم و الملوك للطبري 7 : 314 .
-----------
( 4 ) شرح ابن ميثم 3 : 151 .
-----------
( 5 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 269 .
[ 210 ]
من كثير من الناشئين الّذين نشأوا بعده و قليل من الّذين كانوا في سنّه أو أكثر منهم بقليل ، و لو بدّل توجّه بصره إلى السّواد الكلّي بتوجّه بصيرته إلى أشخاص أهل بيته ، و عشيرته ، و أصدقائه ، و أهل حرفته ، و ساير طبقات بلده لتوحّش و تبدّل اغتراره بالاعتبار .
« فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال » مأخوذ من قوله تعالى : الذي جمع مالاً و عدّده . يحسبُ أن ماله أخلده 1 قال ابن ميثم و تبعه الخوئي 2 :
أنّه بيان لقوله : ( فلا يغرّنّك ) و الصّواب : كونه بياناً لقوله : ( ما هو إلاّ الموت ) كما أنّ قوله : ( لا يغرّنّك ) دفع توهّم يرد على قوله : ( ما هو إلاّ الموت ) .
« و حذر الأقلال » أي : الافتقار .
« و أمن العواقب طول أمل و استبعاد أجل » ( طول و استبعاد ) ، منصوبان تعليلا فإنّه المتبادر ، لا بدل ( من ) كما احتمله ابن أبي الحديد 3 .
قال أبو العتاهية :
كلّنا نأمل مدّا في الأجل
و المنايا هنّ آفات الأمل
لا يغرنّك أباطيل المنى
و الزم القصد وضع عنك العلل
انّما الدّنيا كظلّ زائل
حلّ فيها راكب ثمّ رحل
4 « كيف نزل به الموت فازعجه عن وطنه » في ( الصحاح ) : أزعجه : أقلقه و قلعه عن مكانه 5 .
« و أخذه من مأمنه » قال تعالى حاكيا عن قول صالح لقومه : أتتركون في
-----------
( 1 ) الهمزة : 2 3 .
-----------
( 2 ) شرح ابن ميثم في 3 : 151 و شرح الخوئي في 8 : 300 .
-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 269 .
-----------
( 4 ) البيت الأخير منسوب للإمام علي عليه السلام الديوان : 125 .
-----------
( 5 ) الصحاح : ( زعج ) .
[ 211 ]
ما هاهنا آمنين . في جناتٍ و عيونٍ . و زروعٍ و نخلٍ طلعها هضيم 1 قال المخبل السعدي :
و لئن بنيت لي المشقر في
عنقاء تقصر دونها العصم
لتنقّبن عنّي المنيّة
انّ اللّه ليس كحكمه حكم
2 « محمولا على أعواد المنايا » :
كلّ ابن انثى و ان طالت سلامته
يوما على آلة الحدباء محمول
3 « يتعاطى به الرّجال الرّجال حملا على المناكب و إمساكا بالأنامل » في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السلام : السنّة في حمل الجنازة أن تستقبل السرير بشقّك الأيمن فتلزم الأيسر بكفّك الأيمن ثم تمرّ عليه إلى الجانب الآخر ، و تدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ، ثمّ تمرّ عليه إلى الجانب الرابع ممّا يلي يسارك 4 و عن الصادق عليه السلام : تبدأ في حمل السرير من الجانب الأيمن ثمّ تمرّ عليه من خلفه إلى الجانب الآخر ثمّ تمرّ حتى ترجع إلى المتقدّم كذلك دوران الرّحى عليه 5 . هذا و الظّاهر أنّ « حملا » و « إمساكا » حالان من الفاعل و المفعول ليتعاطى و أفرادهما لكونهما مصدرين ، و المصدر لا يثنّى و لا يجمع و ان كان بمعنى الوصف ، كما هنا فإنّ الأصل حاملين له على المناكب و ممسكين له بالأنامل و لا مجال لكونهما مفعولا له كما احتمله 6 الخوئي لأنّ التعاطي لا يكون للحمل و الإمساك بل للإشتراك في فضل الحمل أو لرفع
-----------
( 1 ) الشعراء : 146 148 .
-----------
( 2 ) لسان العرب 7 : 163 .
-----------
( 3 ) المصدر نفسه 3 : 73 .
-----------
( 4 ) الكافي 3 : 168 ح 1 .
-----------
( 5 ) المصدر نفسه 3 : 169 ح 4 .
-----------
( 6 ) شرح الخوئي 8 : 297 .
[ 212 ]
التعب عمّن حمله قبل 1 .
« أما رأيتم الذين يأملون بعيدا و يبنون مشيدا » في ( الصحاح ) : المشيد :
المعمول بالشيد ، و الشّيد بالكسر كلّ شيء طليت به الحائط من جصّ أو بلاط و المشيّد بالتشديد : المطوّل ، و قال الكسائي المشيد للواحد من قوله تعالى :
و قصرٍ مشيدٍ 2 و المشيّد للجمع من قوله تعالى : في بروجٍ مشيّدةٍ 3 .
« و يجمعون كثيرا » كلاّ إنّها لظى . نزّاعة للشّوى . تدعو من أدبر و تولّى . و جمع فأوعى 4 و قال تعالى في قارون : فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون اللّه و ما كان من المنتصرين 5 .
« كيف » هكذا في ( المصرية ) 6 و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) 7 .
« أصبحت بيوتهم قبورا و ما جمعوا بورا » أي : هالكا قال الأسود بن يعفر :
ماذا أؤمّل بعد آل محرّق
تركوا منازلهم و بعد اياد
أهل الخورنق و السدير و بارق
و القصر ذي الشّرفات من سنداد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم
ماء الفرات يجييء من أطواد
أرض تخيّرها لطيب مقيلها
كعب بن مامة و ابن امّ دواد
جرت الرياح على محلّ ديارهم
فكأنّهم كانوا على ميعاد
-----------
( 1 ) شرح الخوئي 8 : 297 .
-----------
( 2 ) الحج : 44 .
-----------
( 3 ) الصحاح : ( شيد ) و الآية 82 من سورة النساء .
-----------
( 4 ) المعارج : 15 18 .
-----------
( 5 ) القصص : 81 .
-----------
( 6 ) المصرية المصححة لا وجود لهذا اللفظ : 302 .
-----------
( 7 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 269 و شرح ابن ميثم 3 : 150 ( كيف ) و الخطية : 111 .
[ 213 ]
فأرى النعيم و كلّ ما يلهى به
يوما يصير إلى بلى و نفاد
1 « و صارت أموالهم للوارثين » قال تعالى في فرعون و قومه : كم تركوا من جنّاتٍ و عيونٍ . و زروع و مقامٍ كريم . و نعمةٍ كانوا فيها فاكهين . كذلك و أورثناها قوماً آخرين . فما بكت عليهم السماء و الأرض و ما كانوا منظرين 2 . هذا و في ( المعمّرين لأبي حاتم ) : سئل عبيد الجرهمي ، و كان عاش ثلاثمائة سنة ، عن أعجب شيء رآه فقال : انّي نزلت بحيّ من قضاعة فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال له حريث بن جبلة فخرجت معهم حتّى إذا واروه انتدبت جانبا و عيناي تذر فان ، ثمّ تمثّلت شعرا كنت رويته قبل :
و بينما المرء في الأحياء مغتبطا
إذ صار في الأمس تعفوه الأعاصير
حتّى إذا لم يكن الاّ تذكّره
و الدهر أيّة ما حال دهارير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
و ذو قرابته في الحيّ مسرور
و ذاك آخر عهدي من أخيك إذا
ما المرء ضمّنه اللحد الخناسير
الخناسير : المشيّعون ، فقال رجل : من قائلها ؟ قلت : لا أدري ، قال : قائلها هذا الّذي دفنّاه و إنّ هذا ذو قرابته أسرّ الناس بموته ، و انّك الغريب لا تعرفه تبكي عليه 3 .
« و أزواجهم لقوم آخرين » في ( المعجم ) : كان المتوكّل وهب جارية من جواريه حسنة كاملة يقال لها : ( صاحب ) أحمد بن حمدون ، فلمّا مات تزوجّت ،
قال أبو علي بن يحيى المنجّم : فرأيته في النّوم و هو يقول :
أبا عليّ ما ترى العجائبا
أصبح جسمي في التّراب غائبا
-----------
( 1 ) ذكرها الأصفهاني في الأغاني 13 : 16 17 ، و ابن عبد ربه في العقد الفريد 3 : 29 ، و بعضه ابن منظور في لسان العرب 1 : 384 .
-----------
( 2 ) الدخان : 25 28 .
-----------
( 3 ) المعمّرون و الوصايا لأبي حاتم : 52 .
[ 214 ]
و استبدلت ( صاحب ) بعدي صاحبا
1 و في ( الأغاني ) تزوّج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو امّ هشام بنت عبد اللّه بن عمر ، و كانت من أجمل نساء قريش و كان يجد بها و جدا شديدا فمرض مرضته التي هلك فيها فجعل يديم النّظر إليها و هي عند رأسه فقالت له :
انّك لتنظر نظر رجل له حاجة . قال : أي و اللّه ، إنّي لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان عليّ ما أنا فيه قالت : و ما هي ؟ قال : أخاف أن تزوّجي بعدي قالت : فما يرضيك ؟ قال : أن توثقي لي بالأيمان المغلّظة فحلفت له بكلّ يمين سكنت إليها نفسه ثمّ هلك فلّما قضت عدّتها خطبها عمر بن العزيز و هو أمير المدينة فأرسلت إليه ما أراك إلاّ و قد بلغتك يميني ، فأرسل إليها : لك مكان كلّ عبد و أمة عبدان و أمتان ، و مكان كلّ علق علقان ، و مكان كلّ شيء ضعفه فتزوجته 2 .
« لا في حسنة يزيدون » حتّى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربِّ ارجعونِ لعلّي أعمل صالحا فيما تركت كلاّ إنّها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون 3 ، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون 4 ، و هم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنّا نعمل أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكّر و جاءكم النّذير فذوقوا فما للظالمين من نصير 5 .
« و لا من سيئة يستعتبون » أي : يسترجعون قال تعالى : و قيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا و مأواكم النّار و مالكم من ناصرين ذلكم
-----------
( 1 ) معجم الادباء للحموي 2 : 208 ترجمة ( أحمد بن حمدون ) .
-----------
( 2 ) الأغاني للأصفهاني 13 : 39 38 .
-----------
( 3 ) المؤمنون : 99 100 .
-----------
( 4 ) الأعراف : 53 .
-----------
( 5 ) فاطر : 37 .
[ 215 ]
بأنّكم اتّخذتم آيات اللّه هزوا و غرّتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها و لا هم يستعتبون 1 ، فيومئذ لا ينفع الّذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون 2 .
« فمن اشعر التقوى قلبه » أي : جعل التقوى شعار قلبه ، و الشعار ما ولي الجسد من الثّياب .
« برّز مهله » قال ابن أبي الحديد : المهل : شوط الفرس 3 و إنّما قال الجوهري : ( برّز الرجل : فاق على أصحابه و كذلك الفرس إذا سبق ) 4 و هو كما ترى لا يفهم منه أكثر من أنّ ( برّز الفرس ) بمعنى سبق الفرس . و الصّواب : أنّ المهل : التقدّم في الخير ، ففي ( المغرب ) : المهل بالتحريك : التقدّم ، و به كنّى أبو مهل عروة بن عبد اللّه ابن قشير الجعفي 5 ، و في ( النهاية ) : فلان ذو مهل ، أي :
تقدّم في الخير ، و لا يقال في الشّرّ ، ثمّ لا وجه لنصب « مهله » بعد كون قوله بعد ذلك : « و فاز عمله » بالرّفع 6 .
« و فاز عمله » و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة أنّهم إلى ربّهم راجعون اولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون 7 .
« فاهتبلوا هبلها » أي : اغتنموا غنيمتها فيكون « هبلها » مفعولا به و يكون « اهتبلوا هبلها » مساوقا لقوله تعالى : و أعدّوا له عدّة و ممّا ذكرنا يظهر لك
-----------
( 1 ) الجاثية : 34 35 .
-----------
( 2 ) الروم : 57 .
-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 269 .
-----------
( 4 ) الصحاح : ( برز ) .
-----------
( 5 ) المغرب لأبي الفتح 2 : 194 .
-----------
( 6 ) النهاية لابن الأثير 4 : 335 ( مهل ) .
-----------
( 7 ) المؤمنون : 60 61 .
[ 216 ]
ما في قول ابن أبي الحديد : هبلها منصوب على المصدر كأنّه من هبل مثل غضب غضبا 1 و ما في قول ابن ميثم : هبلها مصدر مضاف إلى ضمير التقوى مؤكّد للفعل أي : أحكموها إحكامها 2 . فلو كان « هبلها » مفعولا مطلقا لقال : فاهتبلوا لها اهتبالا ، و بالجملة لا ريب أن هبلها مثل عملها في قوله بعد :
« و اعملوا للجنّة عملها » و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى فانّ الجنّة هي المأوى 3 الّذين هم في صلاتهم خاشعون و الّذين هم عن اللّغو معرضون و الّذين هم للزّكاة فاعلون و الّذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنّهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون و الّذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون 4 ، في جنّة عالية قطوفها دانية ،
كلوا و اشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيّام الخالية 5 و في الخبر : من أحبّ أن تكون الجنّة مسكنه و مأواه فلا يدع زيارة المظلوم 6 .
« فإنّ الدنيا لم تخلق لكم دار مقام » بالضمّ أي : إقامة .
« بل خلقت لكم مجازا » في ( الصحاح ) : ( جعل الأمر مجازا إلى حاجته ، أي :
طريقا و مسلكا 7 .
-----------
( 1 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 269 .
-----------
( 2 ) شرح ابن ميثم .
-----------
( 3 ) النازعات : 40 41 .
-----------
( 4 ) المؤمنون : 2 11 .
-----------
( 5 ) الحاقة : 22 24 .
-----------
( 6 ) كامل الزيارات للصدوق : 2 و نقله المجلسي في البحار 98 : 66 ح 57 .
-----------
( 7 ) الصحاح : ( جوز ) .
[ 217 ]
« لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار » يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه و لتنظر نفس ما قدّمت لغد و اتّقوا اللّه إنّ اللّه خبير بما تعملون 1 .
« فكونوا منها على أوفاز » في ( الصحاح ) : الوفز : العجلة ، يقال : نحن على أو فاز ، أي : على سفر 2 .
« و قرّبوا الظهور للزّيال » في ( المغرب ) : يستعار الظهر للدّابّة و الرّاحلة ،
و منه ( و لا ظهرا بقى ) ، و الزّيال : مصدر زايل كالمزايلة و هو المفارقة 3 ، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : مالي و للدّنيا إنّما مثلي و مثلها كمثل راكب رفعت له شجرة في يوم صائف ، فقال من القيلولة تحتها ، ثمّ راح و تركها .