2

من الكتاب ( 31 ) وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا وَ لِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ وَ لِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ وَ أَنَّكَ فِي مَنْزِلِ قُلْعَةٍ وَ دَارِ بُلْغَةٍ وَ طَرِيقٍ إِلَى اَلْآخِرَةِ وَ أَنَّكَ طَرِيدُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ وَ لاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ وَ لاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَ أَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اَلْمَوْتِ وَ ذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ وَ تُفْضِي بَعْدَ اَلْمَوْتِ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَ قَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ وَ شَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ وَ لاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا إِلَيْهَا وَ تَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا فَقَدْ نَبَّأَ اَللَّهُ عَنْهَا وَ نَعَتْ لَكَ نَفْسَهَا وَ تَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ وَ سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا وَ يَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وَ أُخْرَى مُهْمَلَةٌ قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا وَ رَكِبَتْ مَجْهُولَهَا سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا وَ لاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا سَلَكَتْ بِهِمُ اَلدُّنْيَا طَرِيقَ اَلْعَمَى وَ أَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ اَلْهُدَى فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا وَ غَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا وَ اِتَّخَذُوهَا رَبّاً فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَ لَعِبُوا بِهَا

-----------
( 1 ) الأغاني 4 : 83 و البيت منسوب للإمام علي عليه السلام حسب الديوان : 8 .

[ 392 ]

وَ نَسُوا مَا وَرَاءَهَا رُوَيْداً يُسْفِرُ اَلظَّلاَمُ كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ اَلْأَظْعَانُ يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهَارَ فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَ إِنْ كَانَ وَاقِفاً وَ يَقْطَعُ اَلْمَسَافَةَ وَ إِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً

[ 392 ]

« و اعلم أنّك انّما خلقت للآخرة لا للدّنيا » و ما هذه الحياة الدّنيا إلاّ لهو و لعب و إنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون 1 .

« و للفناء لا للبقاء » كلّ من عليها فان و يبقى وجه ربّك ذو الجلال و الإكرام 2 .

« و للموت لا للحياة » كلّ نفس ذائقة الموت ثمّ إلينا ترجعون 3 .

« و انّك في منزل قلعة » ( بالضمّ ) أي : غير مستوطن .

« و دار بلغة » ( بالضمّ ) ما يتبلّغ به من العيش ، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : مثلي و الدّنيا كمن نزل في يوم قيظ تحت شوك ، فلّما أبرد شخص 4 .

« و طريق إلى الآخرة » : . . . إنّما هذه الحياة الدّنيا متاع و إنّ الآخرة هي دار القرار 5 .

أرى كلّ حيّ هالك و ابن هالك
و ذا حسب في الهالكين غريق

فقل لمقيم الدّار انّك ظاعن
إلى سفر نائي المحلّ سحيق

6 « و انّك طريد الموت » أي : صيده .

-----------
( 1 ) العنكبوت : 64 .

-----------
( 2 ) الرحمن : 26 27 .

-----------
( 3 ) العنكبوت : 57 .

-----------
( 4 ) مثله في البحار ذكره المجلسي 73 : 123 .

-----------
( 5 ) المؤمن : 39 .

-----------
( 6 ) مثله في البحار 73 : 123 و ذكر بشكل آخر في المحجّة البيضاء 5 : 370 .

[ 393 ]

« الذي لا ينجو منه هاربه » قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل . . . 1 .

« و لا يفوته طالبه و لابدّ انّه مدركه » أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة 2 .

« فكن منه على حذر ان يدركك و أنت على حال سيّئة قد كنت تحدّث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك و بين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك » و ليست التّوبة للّذين يعملون السّيئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن . . . 3 ،

و عبقريّة الشيطان حمله ابن آدم على تسويف التوبة حتّى تفوته .

« يا بنيّ أكثر من ذكر الموت و ذكر ما تهجم عليه و تفضي بعد الموت إليه » فأكيس النّاس من كان ذاكرا للموت .

« حتى يأتيك و قد أخذت منه حذرك و شددت له أزرك » أي : ظهرك .

اشدد حيازيمك للموت
فانّ الموت لاقيكا

« و لا يأتيك بغتة فيبهرك » أي : يحيّرك و يغلبك و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه و إن كنت لمن السّاخرين أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين 4 .

« و إيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها » أي : ركونهم إليها من

-----------
( 1 ) الأحزاب : 16 .

-----------
( 2 ) النساء : 78 .

-----------
( 3 ) النساء : 18 .

-----------
( 4 ) الزمر : 55 58 .

[ 394 ]

قوله تعالى : و لكنّه أخلد إلى الأرض . . . 1 قال تعالى : و لا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدّنيا لنفتنهم فيه . . . 2 .

« و تكالبهم عليها » الدّنيا جيفة و طالبها كلاب .

« فقد نّبا » هكذا في ( المصرية ) 3 و الصواب : ( فقد نبّأك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) 4 .

« اللّه عنها » و اضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح . . . 5 ، إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس و الأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازّيّنت و ظنّ أهلها انّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون 6 .

« و نعت » هكذا في ( المصرية 7 و ابن ميثم ) 8 من النعي « و نعتت » من النّعت كما في ( الخطيّة و ابن أبي الحديد ) .

« لك نفسها » هكذا في ( المصرية ) 9 و الصواب : « هي لك نفسها » كما في ( الخطيّة ) و غيرها قال الشاعر :

-----------
( 1 ) الأعراف : 176 .

-----------
( 2 ) طه : 131 .

-----------
( 3 ) الطبعة المصرية ( نبأك ) : 564 .

-----------
( 4 ) شرح ابن أبي الحديد 16 : 89 ، و الخطية : 256 ، كما ذكر اما شرح ابن ميثم فكالمصرية 5 : 37 .

-----------
( 5 ) الكهف : 45 .

-----------
( 6 ) يونس : 24 .

-----------
( 7 ) الطبعة المصرية : 564 .

-----------
( 8 ) شرح ابن ميثم 5 : 37 .

-----------
( 9 ) الطبعة المصرية : 564 .

[ 395 ]

هي الدّنيا تقول بمل‏ء فيها
حذار حذار من بطشي و فتكي

و لا يغررك طول ابتسامي
فقولي مضحك و الفعل مبكي

1 « و تكشّفت لك عن مساويها » قال المأمون لو نطقت الدّنيا ما وصفت نفسها بأحسن من قول أبي نؤاس :

و ما النّاس إلاّ هالك و ابن هالك
و ذو نسب في الهالكين غريق

إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشّفت
له عن عدوّ في ثياب صديق

2 و قال آخر : أفّ لدنيا الدنية ، خبثت فعلا و نيّة عيشها بدؤه همّ و عقباه المنيّة .

لمّا تؤذن الدّنيا به من صروفها
يكون بكاء الطفل ساعة يولد

و إلاّ فما يبكيه فيها و انّها
لأفسح ممّا كان فيها و أرغد

إذا أبصر الدّنيا استهلّ كأنّه
بما سوف يلقي من إذاها يهدّد

3 و قالوا : الدّنيا غدّارة غرّارة إن بقيت لها لم تبق لك .

أيضا : واجد الدّنيا سكران و فاقدها حيران .

أيضا : أفّ من اشغال الدّنيا إذا أقبلت و من حسراتها إذا أدبرت .

أيضا : الدّنيا أشبه شي‏ء بظلّ الغمام و حلم النيّام .

أيضا : الدّنيا في حلالها حساب ، و في حرامها عقاب ، و في شبهاتها عتاب 4 .

و قال الشاعر :

غمومها لا تنقضي ساعة
عن ملك فيها و لا سوقه

-----------
( 1 ) الطرائف للمقدسي : 8 ، و الابشيهي ، المستطرف 2 : 610 .

-----------
( 2 ) الطرائف للمقدسي : 9 ، و العقد الفريد 3 : 175 .

-----------
( 3 ) الطرائف للمقدسي : 9 .

-----------
( 4 ) أورد هذه الحكم المقدسي في الطرائف : 7 8 .

[ 396 ]

يا عجبا منها و من شأنها
عدوّة للنّاس معشوقة

1 و قال آخر :

دلّت على عيبها الدّنيا و صدّقها
ما استرجع الدّهر ممّا كان أعطاني

« فانّما أهلها كلاب عاوية » في ( الحلية ) : قال يوسف بن اسباط : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : الدّنيا جيفة فمن أرادها فليصبر على مخالطة الكلاب . قتل المنصور عمّه عبد اللّه بن علي ، و قتل عبد الملك ابن عمّه عمرو بن سعيد الأشدق 2 . و في ( الطبري ) : خرج عبد الملك إلى المسجد ، و قال لأخيه عبد العزيز : اقتل عمروا ، فرجع فوجده حيّا فقال لأخيه : ما منعك منه قال : ناشدني الرّحم فرققت له ، فقال له : أخزى اللّه امّك البوّالة على عقبيها فانّك لم تشبه غيرها ثمّ قال : يا غلام إيتني بالحربة ، فأتاه بها فهزّها ثم طعنه بها فلم تجز ، ثمّ ثنّى فلم تجز فضرب بيده إلى عضد عمرو ، فوجد مسّ الدّرع فضحك ، فقال :

و دارع أيضا ، ان كنت لمعدّا . يا غلام إيتني بالصّمصامة ، فأتاه بسيفه ثمّ أمر بعمرو فصرع ، و جلس على صدره فذبحه ، و هو يقول :

يا عمرو إن لم تدع شتمي و منقصتي
أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

3 « و سباع ضارية » متعوّدة بالصّيد ، و في ( الطبري ) في خروج عبد اللّه بن علي على المنصور : كان عبد اللّه خشي ألاّ يناصحه أهل خراسان فقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا ، أمر صاحب شرطه فقتلهم 4 .

-----------
( 1 ) منسوب للإمام علي عليه السلام : 61 ، و ذكره المقدسي في الطرائف : 9 ، و قال : إنّها لابن بسام . و الظاهر أنّ العلاّمة قد نقلها من الطرائف لأنّها بنفس الألفاظ و لم يذكر نسبتها للإمام أمير المؤمنين ، إذ في الديوان بدل غمومها ، همومها .

-----------
( 2 ) حلية الأولياء لأبي نعيم 8 : 238 .

-----------
( 3 ) تاريخ الطبري 4 : 600 .

-----------
( 4 ) المصدر نفسه 6 : 124 .

[ 397 ]

و في ( الطبري ) : في قتل مصعب الأسراء من عسكر المختار : « و قال ابن عمر لمصعب : انت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت ، فقال مصعب : إنّهم كانوا كفرة سحرة .

قلت : قال ذلك لكونهم شيعة و طالبي ثأر ابن بنت نبيّهم عليه السلام فقال له ابن عمر : و اللّه لو قتلت عدّتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا » 1 .

« يهرّ بعضهم بعضا » في ( كامل الجزري ) : بيع رحل بني جهير و دورهم بباب العامة في سنه ( 493 ) و وصل ثمن ذلك إلى مؤيّد الملك ، ثم قتل في سنة ( 494 ) مؤيّد الملك و بيع ماله و تركته ، و أخذ الجميع و حمل إلى الوزير الأعزّ ،

و قتل الوزير الأعزّ في هذه السنّة و بيع رحله و انقسمت أمواله ، و أخذ السلطان و من ولي بعده أكثرها ، و تفرّقت أيدي سبأ 2 .

و في ( الطبري ) في قتل المنصور أبا مسلم ، و تعداده ما أنكر عليه : فقال المنصور لأبي مسلم : ما دعاك إلى قتل سليمان بن كثير مع أثره في دعوتنا و هو أحد نقبائنا قبلك ، قال : أراد الخلاف و عصاني ، فقتلته ، فقال له المنصور :

حالك حاله ، تعصيني و أنت مخالف عليّ ، قتلني اللّه إن لم أقتلك ، فضربه بعمود و خرج شبيب و حرب من الكمين فقتلاه ، و قال المنصور :

زعمت أنّ الدّين لا يقتضى
فاستوف بالكيل أبا مجرم

سقيت كأسا كنت تسقي بها
أمرّ في الخلق من العلقم

3 « و يأكل عزيزها ذليلها » في ( لطائف الثعالبي ) : حدّث الصّولي ، قال :

حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب : لما ولي المعتز لم تمض مديدة حتّى أحضر

-----------
( 1 ) المصدر نفسه 4 : 574 .

-----------
( 2 ) الكامل في التاريخ لابن الأثير 10 : 305 .

-----------
( 3 ) تاريخ الطبري 4 : 386 حوادث سنة 137 .

[ 398 ]

الناس و اخرج المؤيّد ، أي : أخوه و ولّى عهده ، و قيل : اشهدوا انّه دعي فأجاب ،

و ليس به أثر قتل ، ثمّ مضت أشهر ، فاحضر النّاس ، و اخرج المستعين فقال : إنّ منيّته أتت عليه و هاهو لا أثر به ، فاشهدوا ثمّ مضت مديدة و استخلف المهتدي فاخرج المعتزّ ميّتا ، و قيل : اشهدوا أنّه قد مات حتف أنفه و لا أثر به ، ثم لم تدير السّنة حتى استخلف المعتمد و اخرج المهتدي ميّتا ، و قيل اشهدوا أنّه قد مات من جراحته ، فتعجّب الناس من تلاحقهم في مدّة يسيرة .

فيه : بعث المعتصم ايتاخ إلى الأفشين و قال : قل له : يا عدوّ اللّه فعلت و صنعت ، و كيف رأيت صنع اللّه بك ؟ فقال له الأفشين : قد ذهبت بمثل هذه إلى علي بن هشام ، فقال لي : قد ذهبت بمثل هذه الرسالة إلى عجيف بن عنبسة قال :

انظر من يأتيك بها ؟ أي : بمثل هذه الرسالة و أنا أقول لك : الآن أيضا انظر من يأتيك بها ؟ قال : فما مرّت إلاّ أيام قلائل حتّى حبس إيتاخ ثمّ قتل 1 .

و في ( المروج ) : سخط المتوكّل على عمرو بن فرج الرّخجي و كان من عليّة الكتّاب فأخذ منه مالا و جوهرا نحو مائة و ألف و عشرين ألف دينار ،

و أخذ من أخيه نحوا من مائة ألف و خمسين ألف ثمّ صولح على أحد و عشرين ألف ألف درهم على أن يردّ عليه ضياعه ، ثمّ غضب عليه غضبة ثانية و أمر أن يصفع كلّ يوم ، فأحصى ما صفع فكان ستّة آلاف صفعة و ألبسه جبّة صوف ،

و سخط عليه ثالثة فأحدر إلى بغداد حتّى مات 2 .

فيه أيضا : في إسماعيل بن بلبل الذي كان وزير الموفّق ، و كان آذى ابنه المعتضد في أيّام أبيه ، قيّد المعتضد إسماعيل و جعل في عنقه غلاّ فيه رمّانة حديد ، و الغلّ و الرّمّانة مائة و عشرون رطلا ، و البس جبّة صوف قد صيّرت في

-----------
( 1 ) لطائف المعارف للثعالبي : 143 144 .

-----------
( 2 ) مروج الذهب للمسعودي 4 : 19 .

[ 399 ]

و دك الأكارع الودك ، دسم اللّحم و الأكارع جمع الكراع ، مستدقّ السّاق من البقر و الغنم و علّق معه رأس ميّت فلم يزل على ذلك حتّى مات و دفن بغلّه و قيوده 1 .

و فيه أيضا : في قصّة محمّد بن الحسن بن سهل الّذي أخذ من الناس البيعة لطالبيّ ، و طلب المعتضد منه دلالته عليه و آبائه ، قال : لو شوّيتني على النّار لم أقرّ ، فاصنع ما أنت صانع فقال له : لسنا نعذّبك بعد ذلك إلاّ بما ذكرت إلى أن قال في كيفيّة شوائه و الأشهر أنّه جعل بين رماح ثلاثة ، و شدّ أطرافها و كتّف ، و جعل فوق النار من غير أن يماسّها ، و هو في الحياة يدار عليها كما تشوى الدّجاج إلى أن تفرقع جسمه ، و اخرج فصلب بين الجسرين 2 .

« و يقهر كبيرها صغيرها » في الخبر : النّاس على ستّ طبقات : أسد ، و ذئب ،

و ثعلب ، و كلب ، و خنزير ، و شاة ، فالأسد : ملوك الأرض يحبّ كلّ واحد أن يغلب ، و الذّئب : التّجار يذمّون إذا اشتروا و يمدحون إذا باعوا ، و الثعلب : الذين لا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم ، و الكلب : من يكرمه النّاس من شرّ لسانه ، و الخنزير : المخنّثون لا يدعون إلى فاحشة إلاّ أجابوا ، و الشّاة :

المؤمنون تجزّ شعورهم و تؤكل لحومهم و تكسّر عظامهم ، كيف تصنع الشاة بين أسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير 3 .

« نعم معقّلة » في ( الصحاح ) : النّعم : واحد الأنعام ، قال الفّراء هو الذّكر لا يؤنّث ، يقولون ( هذا نعم وارد ) و الأنعام ، يذكّر و يؤنث 4 ، قال تعالى في

-----------
( 1 ) المصدر نفسه 4 : 155 .

-----------
( 2 ) المصدر نفسه 4 : 141 .

-----------
( 3 ) الخصال للصدوق 2 : 165 .

-----------
( 4 ) الصحاح ( نعم ) .

[ 400 ]

موضع : ممّا في بطونه 1 و في آخر ممّا في بطونها 2 .

قلت : ما نقله ( الصحاح ) عن الفرّاء ليس بصحيح ، و الصحيح ما نقله ( المصباح ) عن أبي عبيدة : النّعم : الجمال فقط ، يذكّر و يؤنّث 3 بشهادة كلامه عليه السلام « معقّلة » ، كما انّ قول ( الصحاح ) واحد الأنعام ليس بصحيح ،

و الصواب : ما في ( المصباح ) من كونه جمعا لا واحد له 4 أيضا ، لقوله عليه السلام :

« معقّلة » و قالوا : ( عقلت البعير ) و ( عقّلت البعير ) و ( اعتقلته ) كما في ( القاموس ) ،

و عقله أن يثني وظيفه ، أي : مقدّم ساقه ، مع ذراعيه فيشدّهما جميعا بحبل ، هو العقال ، كما في ( الصحاح ) 5 .

« و اخرى مهملة قد أضلّت عقولها » جمع العقال .

« و ركبت مجهولها » من قولهم ( ركب رأسه ) : مضى على وجهه بغير رويّة .

« سروح عاهة » « سروح » جمع السّراح أي : السائمة ، و العاهة : الآفة .

« بواد وعث » سهل تفيث فيه الإقدام .

« ليس لها راع يقيمها و لا مسيم يسيمها » من ( أسمت الماشية ) : أخرجتها إلى الرّعي ، قال تعالى : فيه تسيمون 6 .

و للعطّار النيسابوري أبيات لطيفة في وصف أهل الدنيا بالفارسية و هي :

با خرد دوش در سخن بودم
كشف شد بر دلم مثالى چند

-----------
( 1 ) النحل : 16 .

-----------
( 2 ) النحل : 66 .

-----------
( 3 ) المصباح للفيتوري : مادة ( نعم ) .

-----------
( 4 ) القاموس المحيط ( عقل ) .

-----------
( 5 ) الصحاح : ( عقل ) .

-----------
( 6 ) النحل : 10 .

[ 401 ]

گفتم اى مايه همه دانش
دارم الحق ز تو سؤالى چند

چيست اين زندگانى دنيا
گفت خوابى است يا خيالى چند

گفتمش چيست مال و ملك جهان
گفت درد سر و وبالى چند

گفتم اهل زمانه در چه رهند
گفت دربند جمع مالى چند

گفتم او را مثال دنيا چيست
گفت زالى كشيده خالى چند

گفتمش چيست كدخدائى گفت
هفته‏اى عيش و غصّه سالى چند

گفتم اين نفس رام كى گردد
گفت چون يافت گوشمالى چند

گفتم اهل ستم چه طائفه‏اند
گفت گرگ و سگ و شغالى چند

گفتم آرى سزاى ايشان چيست
گفت در آخرت نكالى چند

1 « سلكت بهم الدّنيا طريق العمى و أخذت بأبصارهم عن منار الهدى فتاهوا في حيرتها و غرقوا في نعمتها و اتّخذوها ربّا » في ( المروج ) : في دخول ابن الأشعث الكوفة لمّا خرج على الحجّاج : كتب الحجّاج إلى عبد الملك كتابا يذكر فيه جيوش ابن الأشعث و كثرتها ، و يستنجد عبد الملك ، و يسأله الإمداد و كتب في كتابه : « وا غوثاه يا اللّه » ، وا غوثاه يا اللّه ، وا غوثاه يا اللّه » . فأمدّه بالجيوش و كتب إليه : « يا لبيّك ، يا لبّيك ، يا لبّيك » 2 .

و في الخبر : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فان كان الناطق يقول عن اللّه فقد عبد اللّه ، و إن كان يقول عن غيره ، فقد عبد غير اللّه 3 .

قال تعالى : من كان يريد الحياة الدّنيا و زينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون أولئك الّذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار و حبط ما

-----------
( 1 ) لا وجود له في ديوان العطار النيشابوري .

-----------
( 2 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 132 .

-----------
( 3 ) القول للرسول صلّى اللّه عليه و آله ، عيون أخبار الرضا للصدوق : 168 .

[ 402 ]

صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون 1 .

« رويدا » مفعول مطلق ، كقوله تعالى : أمهلهم رويدا 2 .

« يسفر الظلام » أي : يكشف ، قال تعالى : لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد 3 .

« كان قد وردت الأظعان » أي : الجمال عليها الهوادج ، قال تعالى : كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّة أو ضحاها 4 ، كأنّهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار . . . 5 ، و يوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم . . . 6 .

« يوشك من أسرع أن يلحق » و أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى و أنّ سعيه سوف يرى 7 ، وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية 8 الآيات . إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا 9 .

قال ابن أبي الحديد : استقرأني أبو الفرج محمّد بن عباد و أنا يومئذ حدث هذه الوصيّة فقرأتها عليه من حفظي فلمّا وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة و سقط ، و كان جبّارا قاسي القلب 10 .

-----------
( 1 ) هود : 15 16 .

-----------
( 2 ) الطارق : 17 .

-----------
( 3 ) ق : 22 .

-----------
( 4 ) النازعات : 46 .

-----------
( 5 ) الاحقاف : 35 .

-----------
( 6 ) يونس : 45 .

-----------
( 7 ) النجم : 39 40 .

-----------
( 8 ) الغاشية : 8 9 .

-----------
( 9 ) الدهر : 22 .

-----------
( 10 ) شرح ابن أبي الحديد 16 : 91 .

[ 403 ]

« و اعلم أنّ من كان مطيّته الليل و النهار فانّه يسار به و ان كان واقفا و يقطع المسافة و إن كان مقيما وادعا » من ( ودع بالضمّ دعة ) و هي الخفض و الاستراحة و هو الذي يتوفّاكم بالليل و يعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمّى ثمّ إليه مرجعكم ثمّ ينبّئكم بما كنتم تعملون 1 ، و قال المتلمّس :

و لن يلبث العصران يوم و ليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما

2 و في ( لطائف الثعالبي ) : قال لقمان : يابن آدم اللّيل و النّهار يعملان فيك ،

فاعمل فيهما قال : يقال : ليس له و لا لغيره أبلغ و أوجز من قوله ذاك 3 .

و في قصّة يوذاسف و بلوهر المرويّة في ( الإكمال في بابه 54 ) : قال بلوهر ليوذاسف : بلغنا أنّ رجلا حمل عليه فيل مغتلم ، فانطلق مولّيا هاربا ،

و أتبعه الفيل حتى غشيه ، فاضطرّه إلى بئر ، فتدلّى فيها و تعلّق بغصنين نابتين على شفير البئر ، و وقعت قدماه على رؤوس حيّات فلّما تبيّن له أنّه متعلّق بالغصنين ، فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما أبيض ، و الآخر أسود ، فلمّا نظر إلى تحت قدميه ، فإذا رؤوس أربع أفاعي قد طلعن بوجوههنّ ،

فلمّا نظر إلى قعر البئر إذا بتنّين فاغرفاه نحوه ، يريد إلتقامه ، فلما رفع رأسه إلى أعلى الغصنين إذا عليهما شي‏ء من عسل النحل ، فتطعم من ذلك العسل فألهاه ما طعم منه ، و ما نال من لذّة العسل و حلاوته عن التفكّر في أمر الأفاعي اللّواتي لا يدري متى يبادرنّه و ألهاه عن التنّين ، الّذي لا يدري كيف مصيره بعد وقوعه في لهواته . أمّا البئر فالدنيا مملوّة آفات و بلايا و شرورا ، و أمّا الغصنان فالعمر ، و أمّا الجرذان فاللّيل و النهار يسرعان في الأجل ، و امّا الأفاعي الأربعة

-----------
( 1 ) الأنعام : 60 .

-----------
( 2 ) هو لحميد بن ثور حسب نهاية الأرب للنووي 3 : 65 .

-----------
( 3 ) لطائف المعارف للثعالبي : 9 .

[ 404 ]

التي هي السموم القاتلة من المرّة و البلغم و الريح و الدّم التي لا يدري صاحبها متى تهيج به ، و اما التنّين الفاغر فاه ليلتقمه فالموت الواصل الطّالب ، امّا العسل الذي اغترّ به المغرور فما ينال النّاس من لذّة الدّنيا و شهواتها من المطعم و المشرب و الملبس و المسكن 1 .