الحكمة ( 456 ) و قال عليه السلام :
أَلاَ حُرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اَللُّمَاظَةَ لِأَهْلِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلاَّ اَلْجَنَّةَ فَلاَ تَبِيعُوهَا إِلاَّ بِهَا في ( الصحاح ) : اللّماظة بالضّمّ ما يبقى في الفم من الطّعام و منه قول الشاعر يصف الدّنيا ( لماظّة أيّام كأحلام نائم ) 1 .
و دعها الحرّ ، و لذا قال له الحسين عليه السلام : ما أخطأت أمّك حيث سمّتك حرّا ،
أنت حرّ في الدّنيا و الآخرة .
و في ( غاية السؤول ) : « نقل أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رأى جابر الأنصاري يتنفّس الصّعداء فقال عليه السلام له : علام تنفّسك ، أعلى الدّنيا ؟ قال : نعم ، فقال عليه السلام :
ملاذ الدّنيا سبعة : المأكول ، و المشروب ، و الملبوس ، و المنكوح ، و المركوب ،
و المشموم ، و المسموع ، فألذّ المأكولات ، العسل و هو بصاق من ذبابة ، و أجلّ المشروبات الماء ، و كفى بإباحته سياحته على وجه الأرض ، و أعلى المركوبات الخيل ، و هي قواتل ، و أجلّ المشمومات المسك ، و هو دم من سرّة دابّة ، و أجلّ المسموعات الغناء ، و الترنّم ، و هو إثم ، فما هذه صفته لم يتنّفس عليه عاقل قال جابر : فو اللّه ما خطرت الدّنيا بعد على قلبي 2 .
و كان عليه السلام يقول : و هو سيّد الأحرار و أمير الفتيان : الدّنيا عندي بمنزلة عرق خنزير في يد مجذوم 3 .
-----------
( 1 ) الصحاح : ( لمظ ) .
-----------
( 2 ) مطالب السؤل : 56 .
-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 19 : 67 .
[ 605 ]
« إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها إلاّ بها » كان عليه السلام يقول : إذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم ، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم ، اعلموا أنّ الهالك من هلك دينه ، و الحريب من سلب دينه ، ألاّ و إنّه لا فقر بعد الجنّة ، و لا غنى بعد النّار 1 .
و في ( الطبري ) : لمّا زحف ابن سعد يوم عاشوراء إلى الحسين عليه السلام قال له الحرّ : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال أي : و اللّه إلى أن قال فأخذ الحرّ يدنو من الحسين عليه السلام قليلا قليلا فقال له رجل من قومه يقال له مهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل ؟ فسكت و أخذه مثل العرواء فقال له المهاجر : انّ أمرك لمريب ، و اللّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن و لو كان قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك ؟ قال : انّي و اللّه اخيّر نفسي بين الجنّة و النّار ، و و اللّه لا اختار على الجنّة شيئا و لو قطّعت و حرّقت ، ثم ضرب فرسه و التحق بالحسين عليه السلام 2 .
-----------
( 1 ) البحار للمجلسي 78 : 55 ح 103 .
-----------
( 2 ) تاريخ الطبري 4 : 324 .
[ 607 ]