16

الخطبة ( 215 ) و من كلام له عليه السّلام :

قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَ أَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَ لَطُفَ غَلِيظُهُ وَ بَرَقَ لَهُ لاَمِعٌ كَثِيرُ اَلْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ اَلطَّرِيقَ وَ سَلَكَ بِهِ اَلسَّبِيلَ وَ تَدَافَعَتْهُ اَلْأَبْوَابُ إِلَى بَابِ اَلسَّلاَمَةِ وَ دَارِ اَلْإِقَامَةِ وَ ثَبَتَتْ رِجْلاَهُ بِطُمَأْنِينَةِ بَدَنِهِ فِي قَرَارِ اَلْأَمْنِ وَ اَلرَّاحَةِ بِمَا اِسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ وَ أَرْضَى رَبَّهُ « قد احيى عقله » باماتة نفسه ، قيل للصادق عليه السّلام كما في ( الكافي ) ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان ، قالوا فالذي كان في معاوية ؟ قال : تلك النكراء تلك الشيطنة شبيهة بالعقل و ليست بالعقل .

و قيل له عليه السّلام كما فيه أيضا فلان من عبادته و دينه و فضله كذا و كذا ،

فقال : كيف عقله ، ان الثواب على قدر العقل ، ان رجلا من بني اسرائيل كان يعبد اللَّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء ، و ان ملكا من الملائكة مر به فقال يا رب ارني ثواب عبدك هذا ، فأراه فاستقله فأوحى إليه ان أصحبه فاتاه الملك في صورة انسي ، فقال له من أنت ؟ قال :

أنا رجل عابد بلغني مكانك و عبادتك في هذا المكان ، فاتيتك لأعبد اللَّه معك . فكان معه يومه ذلك فلمّا أصبح قال له الملك : ان مكانك لنزه ، و ما يصلح إلاّ للعبادة فقال العابد :

ان لمكاننا هذا عيبا قال ما هو ؟ قال : ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع ، فان هذا الحشيش يضيع ، فقال له الملك : و ما لربك حمار فقال لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا ، فأوحى اللَّه تعالى إلى الملك انما اثيبه على قدر عقله .

[ 483 ]

و عنه عليه السّلام ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله ما كلّم العباد بكنه عقله قط ، و قال انّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس بقدر عقولهم .

و عنه عليه السّلام ( في خبر جنود العقل و الجهل ) ( 75 ) فكان ممّا اعطى العقل الخير و هو وزيره و جعل ضده الشر وزير الجهل ، و منها الايمان و ضده الكفر و التصديق و ضده الجحود ، و الرجاء و ضده القنوط ، و العدل و ضدّه الجور ،

و الرضا و ضدّه السخط ، و الشكر و ضده الكفران ، و الطمع و ضده اليأس ،

و التوكل و ضده الحرص ، و الرأفة و ضدها القسوة ، و الرحمة و ضدها الغضب ،

و العلم و ضده الجهل ، و الفهم و ضده الحمق ، و العفة و ضدها التهتك ، و الزهد و ضده الرغبة .

و الرفق و ضده الخرق ، و الرهبة و ضدها الجرأة ، و التواضع و ضده الكبر ، و التؤدة و ضدها التسرع ، و الحلم و ضده السفه ، و الصمت و ضدّه الهدر ،

و الاستسلام و ضدّه الاستكبار ، و التسليم و ضده الشك ، و الصبر و ضده الجزع ، و الصفح و ضده الانتقام .

و الغنى و ضده الفقر ، و التذكّر و ضده السهو ، و الحفظ و ضده النسيان ،

و التعطف و ضده القطيعة ، و القنوع و ضده الحرص ، و المواساة و ضدها المنع ،

و المودة و ضدها العداوة ، و الوفاء و ضده الغدر ، و الطاعة و ضدها المعصية .

و الخضوع و ضدّه التطاول ، و السلامة و ضدها البلاء ، و الحب و ضده البغض ، و الصدق و ضده الكذب ، و الحقّ و ضده الباطل ، و الأمانة و ضدها الخيانة ، و الاخلاص و ضده الشوب ، و الشهامة و ضدها البلادة ، و الفهم و ضده الغباوة ، و المعرفة و ضدها الانكار .

و المداراة و ضدها المكاشفة ، و سلامة الغيب و ضدها المماكرة ،

و الكتمان و ضده الافشاء ، و الصلاة و ضدها الاضاعة ، و الصوم و ضده

[ 484 ]

الإفطار ، و الجهاد و ضده النكول ، و الحجّ و ضده نبذ الميثاق ، و صون الحديث و ضده النميمة .

و برّ الوالدين و ضدّه العقوق ، و الحقيقة و ضدها الرياء ، و المعروف و ضده المنكر ، و الستر و ضده التبرج ، و التقيّة و ضدها الاذاعة ، و الانصاف و ضده الحميّة ، و التهيئة و ضدها البغي .

و النظافة و ضدها القذر ، و الحياء و ضدها الخلع ، و القصد و ضده العدوان ، و الراحة و ضدها التعب ، و السهولة و ضدها الصعوبة ، و البركة و ضدها المحق ، و العافية و ضدها البلاء ، و القوام و ضده المكابرة ، و الحكمة و ضدها الهوى ، و الوقار و ضده الخفّة ، و السعادة و ضدها الشقاوة .

و التوبة و ضدها الاصرار ، و الاستغفار و ضده الاغترار ، و المحافظة و ضدها التهاون ، و الدعاء و ضده الاستنكاف ، و النشاط و ضده الكسل ، و الفرح و ضده الحزن و الألفة و ضدها الفرقة ، و السخاء و ضده البخل .

قال عليه السّلام لسماعة بن مهران لا تجتمع هذا الخصال من أجناد العقل إلاّ في نبيّ أو وصيّ نبيّ ، أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، و اما ساير موالينا فانّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود ، حتى يستكمل ، و ينقى من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا .

« و أمات نفسه » بتغليب جنود العقل على جنود الجهل ، و هو الجهاد الأكبر ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله لقوم رجعوا من حرب الكفّار بلباس الحرب : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر .

كيف لا و قد قال سليمان عليه السّلام « الغالب لهواه أشدّ من الذي يفتح البلاد وحده ، و قال يوسف الصدّيق و ما ابرى‏ء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء إلاّ

[ 485 ]

ما رحم ربّي ان ربّي غفورٌ رحيمٌ 1 .

« حتى دقّ جليله » من كلفة اتيان العبادات بواسطة احياء عقله .

« و لطف غليظه » من شدّة ترك الشهوات بواسطة اماتة نفسه و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى 2 .

« و برق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق » أي : أوضحه أو اتضح كما في قوله :

لو دبّ ذر فوق ضاحي جلدها
لأبان من آثارهن حدور

و عليه فالطريق مرفوع و على الأول منصوب ، قال الجوهري : ابان و استبان و تبين تتعدى و لا تتعدى .

« و سلك به السبيل » استشهد له بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و آمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته و يجعل لكم نورا تمشون به . . . 3 .

« و تدافعته الأبواب إلى باب السلامة » استشهد له بقوله تعالى : و هذا صراط ربك مستقيما قد فصّلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السّلام عند ربهم و هو وليهم بما كانوا يعملون 4 و اللَّه يدعو إلى دار السّلام و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 5 .

ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أ لا تخافوا و لا

-----------
( 1 ) يوسف : 53 .

-----------
( 2 ) النازعات : 40 41 .

-----------
( 3 ) الحديد : 28 .

-----------
( 4 ) الانعام : 126 128 .

-----------
( 5 ) يونس : 25 .

[ 486 ]

تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون 1 .

« و دار الاقامة » استشهد له بقوله تعالى : جنات عدنٍ يدخلونها يُحلّون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤاً و لباسهم فيها حرير و قالوا الحمد للَّه الذي أذهب عنّا الحزن ان ربنا لغفور شكور الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب و لا يمسنا فيها لغوب 2 .

ثم قوله عليه السّلام ( و برق له لامع كثيرا لبرق إلى و دار الاقامة ) استعارة و مثل و محصله ان العارفين باللَّه مثلهم كمثل من أراد مقصدا في ليل مظلم فبرق له سحاب لامع يتصل برقه فانكشف له الطريق فسلك مبصرا حتى وصل إلى مقصده سالما .

أخذ عليه السّلام مثله من عكس ما ضربه اللَّه تعالى للمنافقين في قوله تعالى :

مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمّا اَضاءَت ما حوله ذهب اللَّه بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون أو كصيّب من السماء فيه ظلماتٌ و رعدٌ و برقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت و اللَّه محيط بالكافرين 3 .

يكاد البرق يخطَفُ أبصارهم كلّما أضاء لهم مشَوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا و لو شاء اللَّه لذهب بسمعهم و أبصارهم ان اللَّه على كلّ شي‏ءٍ قديرٌ 4 .

هذا و المشبه به في كلامه عليه السّلام معقول ، و قد وقع محسوسا في ( مناقب السبطين ) كما روي ففي ( عيون ) ابن بابويه ، ان الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا

-----------
( 1 ) فصلت : 30 .

-----------
( 2 ) فاطر : 33 35 .

-----------
( 3 ) البقرة : 17 19 .

-----------
( 4 ) البقرة : 20 .

[ 487 ]

يلعبان عند النبي صلّى اللَّه عليه و آله حتى مضى عامة الليل ، ثم قال لهما انصرفا إلى امكما فبرقت برقة فما زالت تضيى‏ء لهما حتى دخلا على فاطمة عليها السّلام و النبي صلّى اللَّه عليه و آله ينظر إلى البرقة ، فقال الحمد للَّه الذي أكرمنا أهل البيت .

و روى ( أماليه ) عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله مرض فعادته فاطمة و معها الحسنان عليهما السّلام فما أفاق من نومه ، فقالت لهما انصرفا حتى يفيق جدكما فقالا لسنا ببارحين فاضطجعا على عضدي النبي صلّى اللَّه عليه و آله فغفيا و انتبها قبل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و قد كانت فاطمة عليه السّلام لمّا ناما انصرفت .

فقالا لعايشة ما فعلت أمّنا ؟ قالت لمّا نمتما رجعت . فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد و برق ، و قد أرخت السماء عزاليها فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور و يتحدثان حتى أتيا حديقة بني النجار الخبر بطوله هذا و قال ابن أبي الحديد بعد قوله عليه السّلام ( و برق له لامع ) الخ قال ابن سينا في ( اشاراته ) في ذكر السالك إلى مرتبة العرفان ثم انّه إذا بلغت به الرياضة و الإرادة حدّا ما عنت له ( خلسات ) من اطلاع نور الحق عليه لذيذة كأنّها بروق تومض إليه ، ثم تخمد عنه .

و هي التي تسمّى عندهم أوقاتا ، و كلّ وقت يكتنفه وجد إليه و وجد عليه ثم انّه ليكثر عليه هذه الغواشي ، إذا أمعن في الارتياض ثم انّه ليتوغل حتى يغشاه غير الارتياض ، فكلما لمح شيئا عاج منه إلى جانب القدس فتذكر من أمره أمرا فغشيه غاش فيكاد يرى الحق في كلّ شي‏ء و لعلّه إلى هذا الحد تستولي عليه غواشيه و يزول عن سكينته ، و يتنبه جليسه لاستنفاره عن قراره .

فاذا طالت عليه الرياضة لم يستنفره غاشية ، و هدى للتانس بما هو فيه ،

[ 488 ]

ثمّ انّه لتبلغ به الرياضة مبلغا ينقلب له وقته سكينة فيصير المخطوب ، مألوفا و الوميض شهابا بيّنا ، و يحصل له معارفه مستقره كأنّها صحّة مستمرة .

و يستمتع فيها ببهجته ، فإذا انقلب عنها انقلب حيران اسفا و قال القشيري لما ذكر الحال و الأمور الواردة على العارفين ، هي بروق تلمع ثم تخمد . و أنوار تبدو ثم تخفى ما أحلاها لو بقيت مع صاحبها .

و هي ثلاث مراتب : اللوائح ، ثم اللوامع ، ثم الطوالع ، فاللوائح كالبروق ما ظهرت حتى استترت كما قال :

فافترقنا حولا فلمّا التقينا
كان تسليمه عليّ و داعا

و اللوامع أظهر من اللوائح . و ليس زوالها بتلك السرعة ، و لكن كما قيل :

و العين باكية
لم تشبع النظرا

ثم الطوالع و هي أبقى وقتا قال ابن أبي الحديد و كلاهما يتبعان ألفاظ أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّه حكيم الحكماء ، و عارف العارفين ، و معلّم الصوفية و لو لا أخلاقه و كلامه و تعليمه للناس هذا الفن تارة بقوله و تارة بفعله ، لمّا اهتدى أحد من هذه الطائفة و لا علم كيف يورد و لا كيف يصدر .

و قال ابن ميثم بعده آخذا معنى كلام ( الاشارات ) أشار عليه السّلام باللامع إلى ما يعرض للسالك عند بلوغ الإرادة بالرياضة به حدّا ما من الخلسات إلى الجناب الأعلى فيظهر له أنوار إلهية لذيذة شبيهة بالبرق في سرعة لمعانه و اختفائه .

و تلك اللوامع مسمّاة عند أهل الطريقة أوقاتا و كلّ وقت فانّه محفوف بوجد إليه ما قبله ، و وجد عليه ما بعده ، لأنّه لمّا ذاق تلك اللذة ثم فارقها حصل فيه حنين و أنين إلى ما فات منها ثم ان هذه اللوامع في مبدأ الأمر تعرض له قليلا فإذا أمعن في الارتياض كثرت فأشار عليه السّلام باللامع إلى نفس ذلك النور

[ 489 ]

و بكثرة برقه إلى كثرة عروضه بعد الامعان في الرياضة و كلّ منهما كما ترى .

و نقل ( الخوئى ) بعده المناجاة التاسعة من الخمس عشرة ، « يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه رائقة ، و سبحات وجهه لقلوب عارفيه شائفة » و الثانية عشر .

« الهي فاجعلنا من الذين توشجت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم ، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون ، و في رياض القرب و المكاشفة يرتعون ، و من حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون ، و شرائع المصافاة يردون .

قد كشف الغطاء عن أبصارهم ، و انجلت ظلمة الريب عن عقائدهم في ضمائرهم و انتفت مخالجة الشك عن قلوبهم و سرائرهم ، و انشرحت بتحقيق المعرفة صدورهم و علت لسبق السعادة في الزهادة هممهم ، و عذب في معين المعاملة شربهم .

و طاب في مجلس الأنس سرّهم ، و امن في موطن المخافة سربهم ،

و اطمأنت بالرجوع إلى ربّ الأرباب أنفسهم ، و تيقنت بالفوز و الفلاح أرواحهم ،

و قرت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم ، و استقر بإدراك السؤل و نيل المأمول قرارهم » .

« و ثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الراحة » استشهد له بقوله تعالى : اولئك يجزون الغرفة بما صبروا و يلقون فيها تحية و سلاما خالدين فيها حسنت مستقراً و مقاما 1 و الملائكة يدخلون عليهم من كلّ

-----------
( 1 ) الفرقان : 75 76 .

[ 490 ]

باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار 1 .

ان المتقين في جناتٍ و عيونٍ ادخلوها بسلام آمنين 2 .

« بما استعمل قلبه » هكذا في النسخ و فسّر باستعمال قلبه في ذكر ربه و حبسه عن إرادة سوى إرادته و يحتمل كونه محرف ( بما استغل قلبه ) من قولهم « استغل عبده » أي : كلّفه ان يغل عليه .

« و أرضى ربه » استشهد له بقوله تعالى : يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي 3 .

ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللَّه عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربه 4 و بقول الشعراء :

عند الصباح يحمد القوم السرى
و تنجلي عنهم غيابات الكرى

تقول سليمى لو أقمت بأرضنا
و لم تدر اني للمقام أطوف

ما أبيض وجه المرء في طلب العلى
حتى تسوّد وجهه البيداء

فاطلب هدوا بالتقلقل و استثر
بالعيس من تحت السهاد هجودا

ما ان ترى الاحساب بيضا وضحا
إلاّ بحيث ترى المنايا سودا

هذا و في ( تاريخ بغداد ) ، لمّا مات داود بن نصير الطائي جاء ابن السماك فجلس على قبره ، ثم قال : ايها الناس ان أهل الزهد في الدنيا تعجلوا الراحة على أبدانهم مع يسير الحساب غدا عليهم و ان أهل الرغبة تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب عليهم غدا و الزهادة راحة

-----------
( 1 ) الرعد : 23 24 .

-----------
( 2 ) الحجر : 45 46 .

-----------
( 3 ) الفجر : 27 30 .

-----------
( 4 ) البينة : 7 8 .

[ 491 ]

لصاحبها في الدنيا و الآخرة .

رحمك اللَّه يا أبا سليمان ما كان أعجب شأنك لزمت نفسك الصبر حتى قويتها عليها أجعتها و أنت تريد شبعها ، و اظمأتها و أنت تريد ريّها ، أخشنت المطعم و انما تريد أطيبه و خشنت الملبس و انما تريد لينه .

أما كنت تشتهي في الطعام طيبه ، و من الماء بارده و من اللباس ليّنه بلى و لكنك أخّرت ذلك الخ و عن ذي النون المصري ان للَّه عبادا نصبوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب و سقوها بماء التوبة فأثمرت ندما و حزنا ، فجنوا من غير جنون ، و تبلدوا من غير عي و لا بكم الخ .

و في ( عرائس ) الثعلبي روي ان اللَّه تعالى أوحى إلى إبراهيم انّك لمّا سلمت مالك إلى الضيفان ، و ابنك إلى القربان ، و نفسك إلى النيران ، و قلبك إلى الرحمن اتخذناك خليلا 1 .