1

الحكمة ( 9 ) و قال عليه السلام :

خَالِطُوا اَلنَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ أقول : في ( تذكرة سبط بن الجوزي ) : قال أبو حمزة الثمالي : حدّثنا إبراهيم بن سعيد عن الشعبي عن ضرار بن ضمرة قال : أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بنيه فقال : يا بني عاشروا النّاس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم و إن متّم بكوا عليكم ثم قال :

يريد بذاكم أن يهشوا لطاعتي
و أن يكثروا بعدي الدعاء على قبري

و أن يمنحوني في المجالس ودّهم
و ان كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري

1

-----------
( 1 ) التذكرة لسبط ابن الجوزي : 152 .

[ 376 ]

و مثله عن ( مناقب ابن الجوزي ) .

و في ( أمالي الشيخ ) عن أبي المفضل مسندا عن الباقر عليه السلام : لما احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسنا و حسينا و ابن الحنفية و الأصاغر من ولده ، فوصّاهم و كان في آخر وصيته « عاشروا النّاس عشرة إن غبتم حنّوا إليكم و إن فقدتم بكوا عليكم ، يا بني إنّ القلوب جنود مجنّدة تتلاحظ بالمودة و تتناجى بها و كذلك هي في البغض ، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه ، و إذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه » 1 .

« خالطوا النّاس مخالطة » قد عرفت أنّ في رواية اخرى : « عاشروا الناس بالمعروف معاشرة » 2 .

في ( قرب الاسناد ) : عن الصادق عليه السلام أنّ عليّا عليه السلام صاحب ذمّيا فقال له الذّمي : أين تريد ؟ قال عليه السلام : الكوفة . فلما عدل الطريق بالذّمي عدل معه عليّ عليه السلام ، فقال له الذّمي : ألست زعمت أنّك تريد الكوفة فقد تركت الطريق .

فقال له : قد علمت . فقال : و لم عدلت معي ؟ قال عليه السلام من تمام الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه إذا فارقه ، كذلك أمرنا نبيّنا . فقال : لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، أشهدك أنّي على دينك . فرجع الذّمي معه عليه السلام ، فلما عرفه أسلم 3 .

و قال بعضهم : إنّما الناس أحاديث ، فإن استطعت أن تكون أحسنهم حديثا فافعل .

« إن متّم معها بكوا عليكم » في ( تاريخ بغداد ) : كان ابن أبي دؤاد مؤلفا لأهل

-----------
( 1 ) الأمالي للشيخ : المجلس السادس و العشرون : 595 ح 1232 المجلس ( 26 ) .

-----------
( 2 ) بحار الأنوار للمجلسي 78 : 76 ح 47 .

-----------
( 3 ) قرب الاسناد للحميوي القمي : 10 .

[ 377 ]

الأدب من أي بلد كانوا ، و قد كان ضمّ إليه جماعة يعولهم و يموّنهم ، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا : أيدفن من كان على ساقة الكرم و تاريخ الأدب و لا يتكلّم فيه إنّ هذا لوهن و تقصير . فلما طلع سريره قام ثلاثة منهم فقال أحدهم :

اليوم مات نظام الفهم و اللسن
و مات من كان يستدعى على الزمن

و اظلمت سبل الآداب إذ حجبت
شمس المعارف في غيم من الكفن

و تقدّم الثاني فقال :

ترك المنابر و السرير تواضعا
و له منابر لو يشا و سرير

و لغيره يجبى الخراج و إنّما
يجبى إليه محامد و أجور

و قام الثالث فقال :

و ليس نسيم المسك ريح حنوطه
و لكنّه ذاك الثناء المخلف

و ليس صرير النعش ما يسمعونه
و لكنّها أصلاب قوم تقصف

1 و في ( الأغاني ) : عن مسرور خادم الرشيد : لما أمرني بقتل جعفر دخلت عليه و عنده أبو زكار الأعمى و هو يغنيه بصوت لم أسمع بمثله :

فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي
عليه الموت يطرق أو يغادي

و كلّ ذخيرة لا بدّ يوما
و إن بقيت تصير إلى نفاد

و لو يفدى من الحدثان شي‏ء
فديتك بالطريف و بالتلاد

فقلت له : في هذا و اللّه أتيتك ، فأخذت بيده فأقمته و أمرت بضرب عنقه .

فقال لي أبو زكار : نشدتك اللّه إلاّ ألحقتني به . فقلت له : و ما رغبتك في ذلك ؟ قال :

إنّه أغناني عمّن سواه بإحسانه فما أحبّ أن أبقى بعده 2 . . .

-----------
( 1 ) تاريخ بغداد 4 : 150 .

-----------
( 2 ) الأغاني 7 : 227 .

[ 378 ]

و فيه : كان الفضل الرقاشي منقطعا إلى آل برمك مستغنيا بهم عمّن سواهم و كانوا يصولون به على الشعراء و يروون أولادهم شعره و يدونونها القليل منها و الكثير تعصبا له و حفظا لخدمته و تنويها باسمه و تحريكا لنشاطه ، فحفظ ذلك لهم ، فلما نكبوا صار إليهم في حبسهم فأقام معهم مدّة أيّامهم ينشدهم حتى ماتوا ، ثم رثاهم فأكثر من رثائهم 1 ، و كان فنى في حبّهم حتى خيف عليه ، فمن قوله في جعفر :

كم هاتف بك من باك و باكية
يا طيّب للضيف إذ تدعى و للجار

إن يعدم القطر كنت المزن بارقة
لمع الدنانير لا ما خيل الساري

2 و منه قوله :

فلا يبعدنك اللّه عني جعفرا
بروحي و لو دارت عليّ الدوائر

فآليت لا أنفك أبكيك ما دعت
على فنن و رقاء أو طار طائر

3 و قال المدائني : لما دارت الدوائر على آل برمك و أمر بقتل جعفر بن يحيى و صلب اجتاز به الرقاشي ، فوقف يبكي أحرّ بكاء ثم أنشأ يقول :

أما و اللّه لو لا خوف واش
و عين للخليفة لا تنام

لطفنا حول جذعك و استلمنا
كما للناس بالحجر استلام

فما أبصرت قبلك يابن يحيى
حساما حتفه السيف الحسام

على اللذات و الدنيا جميعا
و دولة آل برمك السلام

فكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى الرشيد فأحضره ، فقال له : ما حملك على ما قلت ؟ فقال : كان إليّ محسنا فلما رأيته على الحال التي هو عليها

-----------
( 1 ) الأغاني 16 : 245 .

-----------
( 2 ) الأغاني 11 : 235 ، نسبه ( ليلى بنت عبد اللّه ) .

-----------
( 3 ) الأغاني 16 : 248 .

[ 379 ]

حرّكني إحسانه فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلته . قال : و كم كان يجري عليك ؟ قال : ألف دينار في كلّ سنة . قال : قد أضعفناها لك 1 .

و في كتاب ( أخبار بني العباس ) عن خادم المأمون قال : طلبني الخليفة ليلا و قد مضى من الليل ثلثة فقال : بلغني أنّ شيخا يحضر ليلا إلى آثار دور البرامكة و ينشد شعرا و يذكرهم و يندبهم و يبكي عليهم ، فاذهب مسرعا إلى ذاك الموضع و استتر خلف بعض الجدر ، فإذا رأيت الشيخ قد جاء و بكى و ندبه و أنشد أبياتا فائتني به . فأتيته فإذا بغلام قد أتى و معه بساط و كرسي حديد و إذا شيخ قد جاء و له جمال و عليه مهابة ، فجلس على الكرسي و جعل يبكي و ينتحب و يقول :

و لمّا رأيت السيف جندل جعفرا
و نادى مناد للخليفة في يحيى

بكيت على الدنيا و زاد تأسفي
عليهم و قلت الآن لا تنفع الدّنيا

مع أبيات . فلما فرغ قبضنا عليه و قلنا أجب الخليفة ، ففزع و قال : دعني أوصي . فأخذ من بعض الدكاكين ورقة و كتب وصيّته و سلّمها إلى غلامه فأدخلته على الخليفة فقال له : بما استوجب البرامكة معك ما تفعله في خرائب دورهم . قال : كنت من أولاد الملوك و كنت في دمشق فزالت الدولة عنّي و ركبني الدين حتى احتجت إلى بيع بيتي ، فأشاروا عليّ بالخروج إلى البرامكة ، فخرجت مع نيف و ثلاثين امرأة و صبيا و صبيّة حتى دخلنا بغداد و نزلنا في بعض المساجد فدعوت ببعض ثياب كنت أعددتها فلبستها و خرجت و تركتهم جياعا ، فاذا أنا بمسجد مزخرف و في جانبه شيخ بأحسن زي و على الباب خادمان و في الجامع جماعة جلوس ، فطمعت في القوم و دخلت و أنا أقدّم رجلا و أؤخر اخرى و العرق يسيل مني ، و إذا بخادم قد أقبل

-----------
( 1 ) الأغاني 16 : 249 .

[ 380 ]

و دعاهم فقاموا فدخلوا دار يحيى بن خالد فدخلت معهم و إذا يحيى جالس على دكّة له وسط بستان ، فسلّمنا و هو يعدنا مائة و واحدا و بين يديه عشرة من ولده ، و إذا بأمرد نبت العذار في خديه قد أقبل من بعض المقاصير و بين يديه مائة خادم متمنطقون في وسط كلّ منهم منطقة من ذهب يقرب وزنها من ألف مثقال ، و مع كلّ منهم مجمرة من ذهب في كلّ مجمرة قطعة من العود و العنبر السلطاني ، فوضعوه بين يدي الغلام و جلس إلى جنب يحيى ، فقال يحيى للقاضي : تكلّم و زوّج ابنتي فلانة من ابن أخي هذا . فخطب خطبة النكاح و زوّجه و شهد أولئك الجماعة و أقبلوا علينا بالنثار ببنادق المسك و العنبر فالتقطت مل‏ء كمي و نظرت فإذا نحن بين يحيى و ولده و الغلام مائة و اثنا عشر نفرا و إذا بمائة و اثنا عشر خادما قد أقبلوا و مع كلّ خادم صينية من فضّة على كلّ صينية ألف دينار ، فوضعوا بين يدي كلّ رجل منّا صينية ،

فرأيت القاضي و المشائخ يضعون الدنانير في أكمامهم و يجعلون الصواني تحت آباطهم و قاموا و بقيت لا أجسر على أخذ الصينية ، فغمزني الخادم فأخذتها و جعلت أتلفت إلى ورائي مخافة أن أمنع من الذهاب و يحيى يلاحظني فقال : ما لي أراك تتلفت يمينا و شمالا ؟ فقصصت عليه قصتي فقال للخادم :

إيتني بولدي موسى . و قال له : يا بني هذا رجل غريب فخذه إليك و احفظه بنعمتك . فأخذ يدي و أدخلني داره و أقمت عنده يومي و ليلتي في ألذّ عيش ، فلما أصبح دعا بأخيه العباس و قال له : أمرني الوزير بالعطف على هذا الفتى و قد علمت اشتغالي في بيت الخليفة فاقبضه إليك و أكرمه . ففعل ثم تسلمني في الغد أخوه أحمد ، ثم تداولوا بي في عشرة أيام و لا أعرف خبر عيالي و صبياني .

فلما كان اليوم الحادي عشر جاءني خادم و قال : اخرج إلى عيالك

[ 381 ]

بسلام . فقلت : إنا للّه و إنّا إليه راجعون سلبت الصينية و الدنانير ، فرفع الخادم سترا ثم آخر ثم آخر إلى خمسة ، فلما رفع الأخير رأيت حجرة كالشمس حسنا و نورا و استقبلني منها رائحة العود و نفحات المسك ، و إذا بعيالي و صبياني يتقلبون في الحرير و الديباج ، و حمل إليّ مائة ألف درهم و عشرة آلاف دينار و منشور لضيعتين و تلك الصينية التي كنت أخذتها بما فيها من الدّنانير و البنادق ، و أقمت مع البرامكة في دورهم ثلاث عشرة سنة لا يعلم الناس أنا من البرامكة أم غريب ، فلما جاءتهم البلية أجحفني عمرو بن مسعدة و ألزمني في هاتين الضيعتين من الخراج ما لا يفي دخلهما به ، فلما تحامل عليّ الدهر كنت أقصد في آخر الليل خرابات دورهم فأندبهم و أذكر حسن صنيعهم و أبكي عليهم . فقال الخليفة : عليّ بعمرو بن مسعدة ، فأتى به فقال له :

تعرف هذا ؟ قال : بعض صنائع البرامكة . قال : كم ألزمته في ضيعته ؟ قال : كذا و كذا . فقال له : رد إليه كلّ ما أخذته منه و أفرغهما له ليكونا له و لعقبه من بعده .

فعلا نحيب الرجل ، فلما رأى الخليفة كثرة بكائه قال له : يا هذا قد أحسنّا إليك فما يبكيك ؟ قال : و هذا أيضا من صنيع البرامكة لو لم آت خراباتهم فأبكيهم و أندبهم حتى اتصل خبري بالخليفة من أين كنت أصل إلى الخليفة ،

فدمعت عينا الخليفة و قال : لعمري هذا أيضا من البرامكة فأبكهم و اشكرهم 1 .

و في ( العيون ) : كان سعيد بن عمرو مؤاخيا ليزيد بن المهلب ، فلما حبس عمر ابن عبد العزيز ، يزيد و منع من الدخول عليه ، أتاه سعيد فقال له : لي على يزيد خمسون ألف درهم و قد حلت بيني و بينه فإن رأيت أن تأذن لي فأقتضيه .

فاذن لي فدخل عليه فسر به يزيد و قال له : كيف وصلت إليّ . فقال : بهذا التدبير .

-----------
( 1 ) لم نعثر على كتاب اخبار بني العباس في المطبوعات و المخطوطات ، و يقول حاجي خليفة عن الكتاب إنّه لأحمد بن يعقوب المصري و لعبد اللّه بن الحسين بن بدر المتوفي سنة 372 ، انظر كشف الظنون 1 : 26 .

[ 382 ]

فقال يزيد : و اللّه لا تخرج إلاّ و هي معك . فامتنع سعيد فحلف يزيد ليقبضها .

فقال ابن الرقاع :

لم أر محبوسا من الناس واحدا
حبا زائرا في السجن غير يزيد

سعيد بن عمرو إذا أتاه أجازه
بخمسين ألف عجلت لسعيد

1 « و ان عشتم حنّوا إليكم » من ( حنا ) أي : عطف و مال .

في ( مستجاد التنوخي ) : مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ إخوانه فقيل : إنّهم يستحيون مما لك عليهم من الدين . فقال : أخزى اللّه ما لا يمنع الإخوان من الزيارة . ثم أمر مناديا فنادى : من كان لقيس عليه حقّ فهو منه في حلّ . فكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده 2 .

و في ( الجهشياري ) : ذكر مخلد بن إبان قال : كنت أكتب لمنصور بن زياد ، فشخص منصور مع الرشيد إلى خراسان و كان ابنه محمد بن منصور سخيا سريا و كان الرشيد يسمّيه فتى العسكر فأمرني بحفظ الأموال و المقام معه على السواد بحضرة محمد الأمين ببغداد ، فكنت مع محمد بن منصور و عمل على تزويج ابنه زياد بن محمد بن منصور ، فسأل محمد الأمين أن يزوره في أصحابه و قوّاده و كتّابه من غير أن يقدم في هذا قولا إليّ ،

فأجابه الأمين ثم دعاني فخبّرني الخبر فقلت له : هذا أمر علينا فيه غلظة و نحتاج إلى مال جليل . فقال : قد وقع هذا و لا حيلة في إبطاله و كان موضع بابه يضيق عن عشر دواب فقلت له : فإن لم تنظر في المال و النفقة فمن أين لنا رحبة تقوم فيها دواب الناس . فقال : لا و اللّه ما أدري و التدبير و الأمر إليك .

ففكرت في إحسانهم إلى جيرانهم ، فخرجت إلى مسجد على بابه فجمعتهم

-----------
( 1 ) عيون الاخبار 1 : 344 ، و ذكره ابن قتيبة ايضا في الشعر و الشعراء : 410 ، طبع دار الكتب العلمية .

-----------
( 2 ) المستجاد في أخبار الأجواد للتنوخي : 176 .

[ 383 ]

و أعلمتهم ما عزم عليه محمد ابن منصور من أمر ابنه و استزارته الأمين و أنّه لا رحبة له ، و سألتهم تفريغ منازلهم و إعارتنا إيّاها جمعة أو عشرة أيام حتى نهدمها ثم نبنيها إذا استغنينا عنها أحسن بناء . قلت لهم هذا القول و أنا خائف ألاّ يجيبوني . فقالوا جميعا بلسان واحد : نعم كرامة و مسرة ، غدا نفرغها .

فشكرت ذلك لهم و قاموا من حضرتي و أخذوا في تفريغها و كان أكثرها باللبن و الاختصاص فهدمناها و جعلنا مكانها رحبة و أتانا الأمين و أنفقنا أموالا جليلة ، و كانت الغو إلى في تغارات فضة و أكثر الشمع من عنبر في طساس ذهب ، ثم انقضى العرس فبنيت للجيران منازلهم بالجص و الآجر 1 .

و في ( كامل المبرد ) : كان القعقاع بن شور إذا جالسه أحد و عرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا في ماله و أعانه على عدوّه له في حاجته و غدا إليه بعد المجالسة شاكرا له حتى شهر بذلك ، و فيه يقول القائل :

و كنت جليس قعقاع بن شور
و لا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السن إن أمروا بخير
و عند السوء مطراق عبوس

و جالس رجل قوما من مخزوم ، فأساؤوا عشرته و سعوا به إلى معاوية ، فقال :

شقيت بكم و كنت لكم جليسا
فلست جليس قعقاع بن ثور
2
و من جهل أبو جهل أخوكم
غزا بدرا بمجمرة و تور

و في ( تاريخ بغداد ) عن عون بن محمد الكندي قال : لعهدي بالكرخ ببغداد و ان رجلا لو قال ابن أبي دؤاد مسلم لقتل في مكانه ، ثم وقع الحريق في الكرخ و هو الذي ما كان مثله قط ، كان الرجل يقوم في صينية شارع الكرخ

-----------
( 1 ) الجهشياري : 266 267 .

-----------
( 2 ) الكامل للمبرّد 10 : 152 .

[ 384 ]

فيرى السفن في دجلة فكلّم ابن أبي دؤاد المعتصم في الناس و قال له : رعيتك في بلد آبائك و دار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشي‏ء يفرّق فيهم يمسك أرماقهم و يبنون به ما انهدم عليهم و يصلحون به أحوالهم . فلم يزل ينازله حتى أطلق لهم خمسة آلاف ألف درهم . فقال له : إن فرقها عليهم غيري خفت ألا يقسم بينهم بالسوية فائذن لي في تولي أمرها ليكون الأجر أوفر و الثناء أكثر . قال : ذلك إليك . فقسّمها على مقادير الناس و ما ذهب منهم بنهاية ما يقدر عليه من الاحتياط و احتاج إلى زيادة ، فازدادها من المعتصم و غرم من ماله في ذلك غرما كثيرا . فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها .

فلعهدي بالكرخ لو إنّ إنسانا قال « زر ابن أبي دؤاد و سخ » لقتل .

فيه أيضا : اعتلّ ابن أبي دؤاد فعاده المعتصم و قال له : إنّي نذرت إن عافاك اللّه أن أتصدّق بعشرة آلاف دينار . فقال له : اجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنفا . فقال : نويت أن أتصدّق بها ههنا و أنا اطلق لأهل الحرمين مثلها . فقيل للمعتصم في ذلك لأنّه عاده و ليس يعود إخوته و أجلاّء أهله فقال : و كيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عليه قط إلاّ ساق إليّ أجرا أو أحب لي شكرا أو أفادني فائدة تنفعني في دنياي و ديني ، و ما سألني حاجة لنفسه قط 1 .

و بالعكس من أساء معاشرة الناس يجتنبه الناس في حياته و يشمتون بموته بعد وفاته ، قالوا : لما مات أبو عبيدة معمّر بن المثنى مع كثرة تاليفه في الفنون المختلفة حتى قيل فيه إنّ علم الجاهلية و الاسلام كان عنده لم يحضر جنازته أحد لأنّه لا يسلم منه شريف و لا غيره .

و في ( تاريخ بغداد ) : ولّي معاذ بن معاذ و كان له منزلة من الرشيد

-----------
( 1 ) تاريخ بغداد 4 : 149 .

[ 385 ]

قضاء البصرة ، فلم يحمدوا أمره و كثر الكارهون له و الرقائع عليه ، فلما صرف عن القضاء أظهر أهل البصرة السرور به و نحروا الجزور و تصدّقوا بلحمها و استتر في بيته خوف الوثوب عليه ثم شخص مختفيا 1 .

و قالوا : لما نكب المعتصم الفضل بن مروان شمت به الناس لرداءة أفعاله و أخلاقه ، فقيل فيه :

لتبك على الفضل بن مروان نفسه
فليس له باك من الناس يعرف

لقد صحب الدّنيا منوعا بخيرها
و فارقها و هو الظلوم المعنف

إلى النار فليذهب و من كان مثله
على أي شي‏ء فاتنا منه نأسف

2 و في ( اليعقوبي ) : سخط المتوكل بعد أربعين يوما من خلافته على محمد بن عبد الملك الزيات و استصفى أمواله و عذّبه حتى مات ، كان شديد القسوة قليل الرحمة كثير الاستخفاف بهم لا يعرف له إحسان إلى أحد و لا معروف عنده و كان يقول : الحياء و الرحمة ضعف ، و السخاء حمق . فلما نكب لم ير إلاّ شامت به و فرح بنكبته 3 .

و في ( الطبري ) : قيل في الأمين بعد قتله :

لم نبكيك لما ذا للطرب
يا أبا موسى و ترويج اللعب

و لترك الخمس في أوقاتها
حرصا منك على ماء العنب

و شنيف انا لا أبكي له
و على كوثر لا أخشى العطب

لم تكن تعرف ما حدّ الرضا
لا و لا ما حد الغضب

4 و في ( أنساب البلاذري ) : كان عمرو بن الزبير عظيم الكبر شديد العجب ،

-----------
( 1 ) تاريخ بغداد 4 : 149 150 .

-----------
( 2 ) تاريخ بغداد لليعقوبي 4 : 132 .

-----------
( 3 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 484 .

-----------
( 4 ) تاريخ الطبري 4 : 94 .

[ 386 ]

و له يقال : « عمرو لا يكلّم ، من يكلّمه يندم » .