3

الحكمة ( 38 ) و قال عليه السلام لابنه الحسن :

يَا بُنَيَّ اِحْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً لاَ يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ أَغْنَى اَلْغِنَى اَلْعَقْلُ وَ أَكْبَرَ اَلْفَقْرِ اَلْحُمْقُ وَ أَوْحَشَ اَلْوَحْشَةِ اَلْعُجْبُ وَ أَكْرَمَ اَلْحَسَبِ حُسْنُ اَلْخُلُقِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ

-----------
( 1 ) ديوان البحتري 2 : 138 .

-----------
( 2 ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني 5 : 118 .

[ 415 ]

وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ اَلْبَعِيدَ وَ يُبَعِّدُ عَلَيْكَ اَلْقَرِيبَ قول المصنّف : « و قال عليه السلام لابنه الحسن » و في ( الكافي ) : 1 إنّ السجاد عليه السلام وصّى ابنه الباقر عليه السلام بهذه الأربعة الأخيرة ، و زاد : و إيّاك و مصاحبة القاطع لرحمه ، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع ،

قال عز و جل : فهل عسيتم إن تولّتيم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم اللّه فأصمّهم و أعمى أبصارهم 2 ، . . . الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار 3 ، الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون 4 .

قوله عليه السلام : « احفظ عني أربعا و أربعا » لم يقل عليه السلام ثمانيا لأنّ الكلّ ليست من واد واحد بل أربع منها من واد و أربع من واد .

« لا يضرّك ما عملت معهن » هو دليل على أهمية تلك الأربع . و تلك الأربع :

« أغنى الغنى العقل » روى ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : لما خلق اللّه تعالى العقل استنطقه ثم قال له : أقبل . فأقبل ، ثم قال له : أدبر . فأدبر ، ثم قال : و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك و لا أكملتك إلاّ فيمن أحب ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب 5 .

-----------
( 1 ) الكافي 2 : 376 ح 7 .

-----------
( 2 ) محمّد : 22 23 .

-----------
( 3 ) الرعد : 25 .

-----------
( 4 ) البقرة : 27 .

-----------
( 5 ) الكافي 1 : 10 ح 1 .

[ 416 ]

« و أكبر الفقر الحمق » روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ الثواب على قدر العقل ، ان رجلا من بني إسرائيل كان يعبد اللّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة المياه ، و ان ملكا من الملائكة مر به فقال :

يا ربّ أرني ثواب عبدك هذا . فأراه اللّه فاستقلّه ، فأوحى إليه ان اصحبه فأتاه في صورة انسي فقال له : من أنت ؟ رجل عابد بلغني مكانك و عبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد اللّه معك ، فكان معه يومه ذلك . فلما أصبح قال له : ان مكانك لنزه و ما يصلح إلاّ للعبادة . فقال العابد : ان لمكاننا هذا عيبا . قال :

و ما هو ؟ قال : ليس لربّنا بهيمة ، فلو كان له حمار لرعيناه في هذا الموضع فان هذا الحشيش يضيع . فأوحى تعالى إلى الملك : انّما اثيبه على قدر عقله 1 .

و عن ( مناقب ابن الجوزي ) : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يزال العقل و الحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة ، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه 2 .

و في ( عيون القتيبي ) : قال أعرابي : لو صوّر الحمق لأضاء معه الليل يعني تكون ظلمة الليل بالنسبة إليه مضيئة 3 .

و في كتاب ( كليلة و دمنة ) : الأدب يذهب عن العاقل السكر و يزيد الأحمق سكرا ، كما أن النهار يزيد كلّ ذي بصر بصرا و يزيد الخفافيش سوء بصر 4 .

-----------
( 1 ) الكافي 1 : 11 ح 8 .

-----------
( 2 ) ذكره المجلسي في بحار الأنوار 1 : 96 ح 29 ، أما كتاب مناقب الامام علي لابن الجوزي فهو غير موجود ، و يبدو أنه كان موجودا في عهد المجلسي حيث ذكر في 78 : 640 : أقول وجدت في مناقب ابن الجوزي مفصلا في كلام أمير المؤمنين عليه السلام و أحببت إيراده .

-----------
( 3 ) عيون الأخبار لابن قتيبة 3 : 280 .

-----------
( 4 ) نقلها في كليلة و دمنة و رفعه ابن قتيبة في عيون الأخبار 3 : 281 ، و يبدو أن العلاّمة التستري نقلها من عيون الاخبار .

[ 417 ]

و في ( مجالس الشيخ ) مسندا عن الباقر عليه السلام قال : أردت سفرا فأوصى اليّ أبي فقال : و إيّاك أن تصاحب الأحمق أو تخالطه ، ان الأحمق هجنة ، غائبا كان أو حاضرا ، ان تكلّم فضحه حمقه و ان سكت قصر به عيه ، و ان عمل أفسد ،

و ان استرعى أضاع ، لا علمه من نفسه يغنيه و لا علم غيره ينفعه ، لا يطيع ناصحه و لا يستريح مقارنه ، تودّ امّه انّها ثكلته و امرأته انّها فقدته ، و يودّ جاره بعد داره ، و جليسه الوحدة من مجالسته ، ان كان أصغر من في المجلس أعيى من فوقه و ان كان أكبرهم أفسد من دونه 1 .

هذا ، و قالوا : أرسل عجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا ، فقيل له سمّه يعرف به ، فقام ففقأ عينه و قال : قد سمّيته أعور ، فقال شاعر :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم
و أيّ عباد اللّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده
فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل

2 و قالوا : قال أبو كعب القاص في قصصه : إنّ النبيّ قال : في كبد حمزة ما علمتم فادعوا اللّه أن يطعمنا من كبد حمزة . و قال مرّة في قصصه : اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا . فقيل له : ان يوسف لم يأكله الذئب . فقال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف 3 .

و قالوا : خرج الخليفة يوم عيد إلى المصلّي و الطبول تضرب بين يديه و الأعلام تخفق على رأسه ، فقال رجل : اللّهم لا طبل إلاّ طبلك . فقيل له : لا تقل

-----------
( 1 ) المجالس للشيخ 2 : 226 .

-----------
( 2 ) عيون الأخبار 2 : 43 .

-----------
( 3 ) عيون الأخبار 2 : 46 .

[ 418 ]

هكذا فليس للّه طبل . فبكى و قال : أرأيتم يجي‏ء هو وحده لا يضرب بين يديه طبل و لا ينصب على رأسه علم ، فإذن هو دون الأمير .

« و أوحش الوحشة العجب » روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : ان عيسى عليه السلام كان من شرائعه السيح في البلاد ، فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير و كان كثير اللزوم لعيسى ، فلما انتهى عيسى عليه السلام إلى البحر قال : « بسم اللّه » بصحّة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء . فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى عليه السلام جازه « بسم اللّه » بصحّة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء و لحق بعيسى ، فدخله العجب بنفسه فقال : هذا عيسى روح اللّه يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء ، فما فضله عليّ . فرمس في الماء فاستغاث بعيسى عليه السلام فتناوله فأخرجه ثم قال له : ما قلت يا قصير ؟ قال : قلت كذا و دخلني عجب . فقال عليه السلام له : لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك اللّه فيه فمقتك فتب إلى اللّه تعالى 1 .

« و أكرم الحسب حسن الخلق » روى ( الكافي ) أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لبني عبد المطلب : إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة و حسن البشر 2 .

و عن الصادق عليه السلام : هلك رجل على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله فأتى الحفارين فاذا بهم لم يحفروا شيئا و شكوا ذلك إلى النبي فقالوا : ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما يضرب به في الصفاء . فقال : و لم ، ان كان صاحبكم حسن الخلق إيتوني بقدح من ماء ، فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشّا ثم قال :

احفروا فحفروا فكأنّما كان رملا يتهايل عليهم 3 .

-----------
( 1 ) الكافي 6 : 306 ح 3 .

-----------
( 2 ) الكافي 2 : 103 ح 1 .

-----------
( 3 ) بحار الأنوار 71 : 376 ح 8 الباب 9 .

[ 419 ]

و عنه عليه السلام : اذا خالطت الناس فان استطعت ألاّ تخالط أحدا من الناس إلا كانت يدك العليا عليه فافعل ، فان العبد يكون فيه بعض التقصير من العباد و يكون له حسن الخلق فيبلغه اللّه بحسن خلقه درجات الصائم القائم 1 .

و في خبر : ان قوما لم يكن بأس في أحسابهم سلبوها لسوء خلقهم ،

و ان قوما لم يكونوا ذوي أحساب اعطوا لحسن خلقهم .

« يا بني إيّاك و مصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك » في ( الكامل ) :

كان أبو الحسن بن الفرات يقول : ان المقتدر يقتلني فصحّ قوله فمن ذلك انّه عاد من عنده يوما و هو مفكّر كثير الهمّ ، فقيل له في ذلك فقال : كنت عند المقتدر فما خاطبته في شي‏ء من الأشياء إلاّ قال لي : نعم . قلت له الشي‏ء و ضدّه ، في كلّ ذلك يقول : نعم . فقيل له : هذا لحسن ظنّه بك و ثقته بما تقول و اعتماده على شفقتك . فقال : لا و اللّه و لكنّه أذن لكلّ قائل ، و ما يؤمني أن يقال له مر بقتل الوزير فيقول : نعم . و اللّه إنّه قاتلي :

اتّق الأحمق أن تنصحه
انما الأحمق كالثوب الخلق

كلّما رقعت منه جانبا
حرّكته الريح و هنا فانخرق

أو كصدع في زجاج بيّن
أو كفتق و هو يعيى من رتق

و اذا جالسته في مجلس
أفسد المجلس منه بالخرق

و اذا نهنهته كي يرعوي
زاد جهلا و تمادى في الحمق

و قال آخر :

فان النوك للاحساب غول
و أهون دائه داء العياء

و من ترك العواقب مهملات
فأيسر سعيه سعي العناء

فلا تثقن بالنوكي لشي‏ء
و لو كانوا بني ماء السماء

-----------
( 1 ) الكافي 2 : 101 ح 24 .

[ 420 ]

و ليسوا قابلي أدب فدعهم
و كن من ذاك منقطع الرجاء

1 و من أمثالهم « أنت شولة الناصحة » قال ابن السكيت : كانت ( شوله ) أمة لعدوان ، رعناء و كانت تنصح لمواليها فتعود نصيحتها و بالا عليها لحمقها 2 و في ( الأغاني ) : كان الوليد بن يزيد يوما جالسا و عنده عمر الوادي و أبو رقية و كان ضعيف العقل ، و كان يمسك المصحف على ام الوليد فقال الوليد لعمر الوادي ، و قد غنّاه صوتا : أحسنت و اللّه أنت جامع لذتي . و أبو رقية مضطجع و هم يحسبونه نائما ، فرفع رأسه إلى الوليد فقال له : و انا جامع لذات امّك . فغضب الوليد و همّ به فقال له عمر الوادي : ما يعقل أبو رقية و هو صاح فكيف و هو سكران . فأمسك عنه 3 .

« و إيّاك و مصادقة البخيل فإنّه يقعد » و نقل الطبعة ( المصرية ) 4 « يبعد » غلط .

« عنك أحوج ما تكون إليه » ألّف سهل بن هارون متولي خزانة حكمة المأمون رسالة في مدح البخل و أرسلها إلى الحسن بن سهل ، فوقع الحسن عليها : لقد مدحت ما ذمّ اللّه و حسنت ما قبّح ، و ما يقوم صلاح لفظك بفساد معناك ، و قد جعلنا ثواب عملك سماع قولك فما نعطيك شيئا 5 .

« و إيّاك و مصادقة الفاجر فانّه يبيعك بالتافة » أي : الحقير اليسير .

كان ابراهيم الصولي صديقا لابن الزيات ، فولّى ابن الزيات الوزارة و الصولي على الأهواز ، فقصده ابن الزيات و وجّه إليه بأبي الجهم و أمره

-----------
( 1 ) الكامل للمبرد : 8 : 153 154 .

-----------
( 2 ) إصلاح المنطق لابن السكّين : 322 .

-----------
( 3 ) الأغاني 7 : 86 .

-----------
( 4 ) الطبعة المصرية : 667 الحكمة ( 38 ) .

-----------
( 5 ) ذكرها الجاحظ في أول رسائل البخلاء الجزء الاول .

[ 421 ]

بكشفه فتحامل عليه تحاملا شديدا ، فكتب إليه يشكو أبا الجهم و يقول : هو كافر لا يبالي ما عمل . و كتب إليه :

و كنت أخي بإخاء الزمان
فلما نبا حربت حربا عوانا

و كنت أذم إليك الزمان
فأصبحت فيك أذم الزمانا

و كنت اعدّك للنائبات
فما أنا أطلب منك الأمانا

1 ثم وقف الواثق على تحامله عليه ، فرفع يده عنه و أمره أن يقبل منه ما رفعه و يرد إلى الحضرة مصونا ، فلما أحسن بذلك بسط في ابن الزيات و هجاه هجاء كثيرا فقال :

قدرت فلم تضرر عدوا بقدرة
و سمت بها إخوانك الذلّ و الرغما

و كنت مليّا بالتي قد يعافها
من الناس من يأبى الدنية و الذما

2 و قال :

دعوتك في بلوى ألمّت صروفها
فأوقدت من ضغن عليّ سعيرها

و اني إذا أدعوك عند ملمّة
كداعية بين القبور نصيرها

و في ( الأغاني ) : قال بشار :

و ما تحرّك أير فامتلا شبقا
الا تحرك عرق في است

ثم قال : في است من . و مر به تسنيم بن الحواري فسلّم عليه فقال « في است تسنيم » فقال له : أي شي‏ء ويلك ؟ فقال : لا تسل . فقال : قد سمعت ما أكره فاذكر لي سببه . فأنشده البيت . فقال : ويلك أي شي‏ء حملك على هذا ؟ قال : سلامك عليّ . قال : لا سلّم اللّه عليك و لا عليّ إن سلّمت عليك

-----------
( 1 ) الأغاني 10 : 57 .

-----------
( 2 ) الأغاني 10 : 57 .

[ 422 ]

بعدها . و بشّار يضحك 1 .

« و إيّاك و مصادقة الكذّاب ، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد و يبعّد عليك القريب » السراب : الذي تراه نصف النهار كأنّه ماء .

في ( المناقب ) : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال ، فكان فيما سأله : أخبرني عن لا شي‏ء . فتحيّر فقال عمرو بن العاص : وجّه فرسا فارها إلى عسكر علي ليباع ، فاذا قيل للذي معه : بكم ؟ يقول : بلا شي‏ء ، فعسى أن تخرج المسألة . فجاء الرجل إلى عسكر أمير المؤمنين فمر عليه السلام به و معه قنبر فقال : يا قنبر ساومه . فقال : بكم الفرس . قال : بلا شي‏ء . قال : يا قنبر خذ منه . قال : اعطني لا شي‏ء . فأخرجه إلى الصحراء و أراه السراب فقال : و كيف ؟ قال : أما سمعت اللّه تعالى يقول . . . يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا . . . 2 .