الحكمة ( 48 ) و قال عليه السلام :
إِذَا اِحْتَشَمَ اَلْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَقَدْ فَارَقَهُ يقال حشمه و أحشمه إذا أغضبه و قيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك له و هو مظنة مفارقته أقول : هو كسابقه ، قوله « يقال حشمه . . . » حاشية خلطت بالمتن لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطّية ) 2 و لخروجه من موضوع النهج كما عرفت في سابقه ، مع أن قوله « و احتشمه : طلب ذلك له » بلا معنى .
هذا ، و قال ابن الأعرابي : الحشمة الاستحياء و الغضب . و قال الأصمعي :
الحشمة انّما هو بمعنى الغضب لا الاستحياء . نقل ذلك عنهما الجوهري ،
و الصحيح ما قال الأول من مجيء الحشمة بمعنى الاستحياء و الانقباض ايضا كما يدلّ عليه موارد استعماله في الأخبار و الأشعار 3 .
أما الأخبار ففي ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : المؤمن لا يحتشم من أخيه ،
و لا أدري أيّهما أعجب الذي يكلّف أخاه اذا دخل ان يتكلّف له أو المتكلّف لأخيه 4 .
-----------
( 1 ) الحلية 8 : 293 .
-----------
( 2 ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد 20 : 251 الحكمة ( 485 ) ، ابن ميثم : شرح نهج البلاغة 6 : 468 ، أما النسخة الخطية فقد سقط النص منها .
-----------
( 3 ) الصحاح للجوهري 4 : 1900 مادة ( حشم ) .
-----------
( 4 ) الكافي 6 : 276 ح 2 .
[ 441 ]
و عن عنبسة بن مصعب : أتينا أبا عبد اللّه عليه السلام و هو يريد الخروج إلى مكّة ، فأمر بسفرة فوضعت بين أيدينا فقال : كلوا . فأكلنا ، فقال : أبيتم أبيتم انّه كان يقال : اعتبر حبّ القوم بأكلهم . فأكلنا و ذهبت الحشمة 1 .
و عن عبد الرحمن بن الحجاج : أكلنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام فأتينا بقصعة من أرز فجعلنا نعذر فقال عليه السلام : ما صنعتم شيئا ، ان أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا . قال : فرفعت كشحة المائدة . فقال : نعم الآن . و أنشأ يحدّثنا ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أهدي إليه قصعة أرز من ناحية الأنصار ، فدعا سلمان و المقداد و أبا ذر فجعلوا يعذرون في الأكل فقال : ما صنعتم شيئا أحسنكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا . فجعلوا يأكلون أكلا جيّدا . ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : رحمهم اللّه و رضي عنهم و صلّى عليهم 2 .
و أما الأشعار فقال شاعر في ابن الزبير :
لعمرك ان قرص أبي خبيب
بطيء النضج محشوم الأكيل
3 الأكيل : من يؤاكلك و قال الكميت :
و رأيت الشريف في أعين الناس
وضيعا و قل منه احتشامي
4 و يؤيد ذلك قول نفطويه :
ما استمتع الناس بشيء كما
يستمتع الناس بحسم الحشم
و به صرّح ابن دريد ، قال في ( جمهرته ) : حشم الرجل أتباعه الذين يغضبون بغضبه إلى أن قال و ليس تعرف العرب الحشمة إلاّ الغضب أو
-----------
( 1 ) الكافي للكليني 6 : 279 ح 5 .
-----------
( 2 ) الكافي للكليني 6 : 278 ح 2 .
-----------
( 3 ) الصحاح للجوهري 4 : 1900 مادة ( حشم )
-----------
( 4 ) المصدر نفسه 4 : 1900 مادة ( حشم ) .
[ 442 ]
الانقباض عن الشيء 1 .
هذا ، و في ( عيون ابن قتيبة ) : كتب رجل إلى صديق له : وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة ، و ليس يزيل سلطان الحشمة إلاّ المؤانسة و لا تقع المؤانسة إلاّ بالبر و الملاطفة 2 .
و في ( المعجم ) : عن الشرمقاني : كان أحمد بن أبي خالد الضرير مثريا ممسكا لا يكسر رأس رغيف له ، انّما يأكل عند من يختلف إليهم ، لكنّه كان أديب النفس عاقلا حضر يوما مجلس عبد اللّه بن طاهر فقدّم إليه طبق عليه قصب السكر و قد قشر و قطع كاللقم ، فأمره أن يتناول فقال : ان لهذا لفاظة ترتجع من الأفواه و أنا أكره ذلك في مجلس الأمير . فقال له : تناول فليس بصاحبك من احتشمك و احتشمته اما انّه لو قسم عقلك على مائة رجل لصار كلّ رجل منهم عاقلا 3 .
و في ( أدب كاتب الصولي ) : قال هشام : قد مرّت لذّات الدّنيا كلّها على يدي و فعلي فما رأيت ألذّ من محادثة صديق ألقي التحفّظ بيني و بينه 4 .